مشاهدة النسخة كاملة : شرح حديث " ما نهيتكم عنه فاجتنبوه " ...


سميرة
06-10-2019, 04:44 PM
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

ما نهيتكم عنه فاجتنبوه .
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال :
سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول :
( ما نهيتكم عنه فاجتنبوه وما أمرتكم به فأتوا منه ما استطعتم
فإنما أهلك الذين من قبلكم كثرة مسائلهم واختلافهم على أنبيائهم ) .
رواه البخاري ومسلم .
الشرح :
لقد ارتضى الله سبحانه للبشرية الإسلام دينا ، وجعله الدين الخاتم الذي
لا يُقبل من أحدٍ سواه ، وكان من سمات هذا الدين قوامه على الأوامر
والنواهي ، فهو يأمر بكل فضيلة ، وينهى عن كل رذيلة ، ومن هنا جاء
هذا الحديث ؛ ليبين الموقف الصحيح تجاه هذه الأوامر والنواهي .
وقد جاء في صحيح مسلم بيان سبب ورود هذا الحديث .
فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : خطبنا رسول الله صلى الله عليه
وسلم فقال :
( أيها الناس قد فرض الله عليكم الحج فحجوا ) .
فقال رجل :
أكلُّ عام يا رسول الله ؟ فسكت ، حتى قالها ثلاثا ، فقال رسول الله
صلى الله عليه وسلم :
( لو قلت نعم لوجبت ، ولما استطعتم ) .
ثم قال :
( ذروني ما تركتكم ؛ فإنما هلك من كان قبلكم بكثرة سؤالهم ،
واختلافهم على أنبيائهم ، فإذا أمرتكم بشيء فأتوا منه ما استطعتم ،
وإذا نهيتكم عن شيء فدعوه ) .
وفي رواية أخرى :
( ذروني ما تركتكم ) .
فأرشد صحابته إلى ترك السؤال عما لا يُحتاج إليه .
ولا يُفهم من النهي عن كثرة السؤال ، ترك السؤال عما يحتاجه المرء ،
فليس هذا مراد الحديث ، بل المقصود منه النهي عن السؤال عما
لا يحتاجه الإنسان مما يكون على وجه الغلو أو التنطّع ، أو محاولة التضييق
في أمرٍ فيه سعة .
وإذا نظرت إلى منهج الصحابة في سؤال النبي صلى الله عليه وسلم
لوجدت أسئلتهم على قسمين :
القسم الأول :
السؤال عما قد وقع لهم ، أو أشكل عليهم ، فمثل هذه الأسئلة مأمور
بها شرعا؛ لأن الله سبحانه وتعالى قد أمر عباده بسؤال أهل العلم ،
وها هم الصحابة رضوان الله عليهم قد ترجموا هذا الأمر عمليا ، فقد سألوا
عن الفأرة التي سقطت في سمن ، وسألوا عن متعة الحج ، وسألوا عن
حكم اللقطة ، إلى غير ذلك .
القسم الثاني :
سؤالهم عما يتوقعون حصوله فعلا ، ومن ذلك :
ما رواه الإمام مسلم عن رافع بن خديج رضي الله عنه أنه سأل
رسول الله صلى الله عليه وسلم :
يا رسول الله إنا لاقوا العدو غدا وليس معنا مُدى ، فقال :
( ما أنهر الدم ، وذكر عليه اسم الله فكُل ، ليس السن والظفر ) .
ومن ذلك أيضا سؤالهم عن الصلاة أيام الدجال ، عندما يكون اليوم كالسنة ، فأجابهم :
( اقدروا له قدره ) .
وفي الحديث إرشاد للمسلم إلىكيفية التعامل مع الأحكام والنصوص
الشرعية ، ففي قوله صلى الله عليه وسلم :
( ما نهيتكم عنه فاجتنبوه ) .
أمر باجتناب كل ما نهى عنه الشرع ، سواء أكان محرما أم مكروها ،
وتأكيدا للمعنى السابق جاء التعبير بلفظة ( اجتنبوا ) ، فهي لفظة تعطي
معنى المباعدة ، فكأنك تكون في جانب ، والمعاصي في الجانب الآخر ؛
لذلك هي أبلغ في معنى الترك . أما فيما يتعلق بالأوامر ، فلم نُكلف
إلا بما نستطيع ، وما يدخل في حدود الطاقة ، فإذا عجز المكلّف عن أمرٍ ،
جاءه الشرع بالتخفيف ، وهذا يدل على يسر الإسلام وسماحته ،
كما قال الله عزّوجل :
{ يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر } ( البقرة : 185 ) .
وانطلاقا من هذا المعنى ، استنبط العلماء قاعدة فقهيّة مهمة ، وهي قاعدة :
( المشقة تجلب التيسير ) .
وجعلوها مبدأ ترتكز عليه كثير من الأحكام الفقهيّة . والملاحظ هنا أن
الشريعة قد شددت في جانب المنهيات أكثر من المأمورات ، فعلقت
تنفيذ الأوامر على الاستطاعة ، بخلاف النهي ، وذلك لأن الشريعة الغرّاء
تسعى دائما للحد من وقوع الشر ، والحيلولة دون انتشاره ، ولا يكون
ذلك إلا بالابتعاد عما حرّم الله عزوجل ، ولذلك يقول الله تعالى في
محكم تنزيله :
{ يا أيها الذين آمنوا لا تتبعوا خطوات الشيطان } ( النور : 21 ) .
فحرّم الأسباب المؤدية إلى الوقوع في الحرام ،ومن باب أولى تحريم الحرام
نفسه.
ومن خلال ما سبق ، يتبين لك أيها القاريء الكريم خطأ كثير من المسلمين ،
الذين يجتهدون في فعل الطاعات ، مع تساهل عظيم في ارتكاب المحرمات ،
فتراه يصوم مع الناس إذا صاموا، فإذا جنّ عليه الليل لم يتورّع عن مقارفة
الذنوب ، وارتكاب المعاصي ، ناسيا - أو متناسيا - أن رسول الله صلى الله
عليه وسلم قال مرشدا أمته :
( اتق المحارم تكن أعبد الناس ) رواه الترمذي .
ولا يعني ذلك التهوين من أمر الطاعة ، أو التساهل في أمرها ، لكن كما
قال الحسن البصري رحمه الله :
" ما عبد العابدون بشيء أفضل من ترك ما نهاهم الله عنه " .
ومن دلالات هذا الحديث أنه يربي المسلم على الجدية في التعامل مع هذا
الدين ، كما قال الله عزوجل :
{ إنه لقول فصل ، وما هو بالهزل } ( الطارق : 13-14 ) .
وهذه الجدّية تدعوه إلى أن يقبل بكليّته على تعلّم ما ينفعه من العلم ، ويجتهد
في تربية نفسه وتزكيتها ، مجرّدا قلبه عن كل ما يشغله عن هذا الهدف
الذي جعله نُصب عينيه. وحتى يرسّخ النبي صلى الله عليه وسلم فيهم
هذا المبدأ ؛ بيّن لهم خطورة الحيدة عن هذا المنهج الدقيق ، وأثر ذلك في
هلاك الأمم السابقة ، والتي تكلّفت في أسئلتها ، واختلفت على أنبيائها ،
فكان سؤالهم تشديدا عليهم ، وكان اختلافهم سببا لهلاكهم ، وخير مثال
على ذلك ، ما كان عليه قوم موسى عليه السلام ، فإنهم لما طُلب منهم
ذبح بقرة ، تنطّعوا في السؤال عن أوصافها ، وتكلّفوا في ذلك ، وكان
في سعتهم أن يأتوا بأي بقرة ، ولكنهم أبوا ذلك ، فشدّد الله عليهم ،
ولما اختلفوا على أنبيائهم ، لم تقبل منهم التوبة إلا بقتل أنفسهم ، وعاقبهم
الله بالتيه أربعين سنة ، والجزاء من جنس العمل
وأخيراً
نسأل الله تعالى أن يرينا الحق حقاً ويرزقنا اتباعه ، ويرينا الباطل باطلا
ويرزقنا اجتنابه ، والحمد لله أولا وآخرا .
مما قرأت..

عطر الزنبق
06-12-2019, 01:48 AM
http://files.fatakat.com/2009/11/1257510736.gif

نهيان
06-12-2019, 06:01 PM
http://uploads.sedty.com/imagehosting/245805_1330808706.gif