مشاهدة النسخة كاملة : يكاد يفارقنا!


سماح
07-14-2019, 04:07 PM
يكاد يفارقنا ..يكاد يلملم أغراضه ويرحل.
نكاد نستوقفه..نتعلق به كما الأطفال مع أب دائم الترحال ..يحضر بالفرح والهدايا والشعور بالأمان .. ويرحل خلسة ليجعل العالم أكثر وحشة مما كان من قبل…
نشعر بالدهشة والغضب والحزن في آن..
هل يعقل أن يرحل بهذه السرعة؟
يكاد يهز بكتفيه.ماذا تظنون إذن؟.شهر واحد فقط. أيام معدودات.”بروفة” لعمركم كله..عمركم الذي يتسرب من بين أصابعكم كالماء ، كل لحظة …
نعم.ماذا كنا نظن..
ها هو يوشك على الرحيل..
ها هو يوشك على المغادرة ، وستدور الأرض حول الشمس دورة كاملة قبل أن يأتي مجددا ..وقد يأتي فلا يجدنا..
ربما لا نخاف رحيله حقا ، بقدر خوفنا أن لا نكون قد استفدنا منه أقصى ما يمكن..
ربما لا نخاف رحيله حقا ، بقدر خوفنا على أنفسنا
نعم..
الأمر هنا لا يتعلق برمضان ، بقدر ما يتعلق بك..بنا..بي..بكل منا ، نحن الذين نتعلق به وهو يوشك على الرحيل..
لكن لا إِشكال.لا يجب أن نخجل من هذا..
رمضان يأتي أصلا من أجلنا.
رمضان ، في النهاية ، هو من أجل كل واحد منا..
لكننا ، نتلهى عن ذلك ، كما عن كل شيء ، فنحتفي به ، قدوما ورحيلا ، وننسى السبب الرئيسي والأساسي لقدومه أصلا..
ننسى أنه جاء من أجلنا.
من أجل أن نكتشف أنفسنا. من أجل أن نكون أقرب إلى أنفسنا كما يجب أن تكون..
من أجل أن نكتشف قوانا “الخفية”.
ليس عبر دورة تدريبية كالموضة أو الصرعة العابرة ، بل عبر شعيرة صممت وأنزلت لتجعلك تمر ، لمدة شهر كل عام ، في أتون مخاض جليل ، تعيد به فيه ولادة نفسك بنفسك..تكتشف كل ما أهمل فيها ، كل ما وئد فيها ، كل ما أجهض منها سابقا ، كل ما قمع وسلسل..
كل سنة ، يتركك رمضان بمواجهة نفسك بنفسك ، كل الشياطين تصفد وتقيد..وأنت في الحلبة أمام نفسك ..تصارعها دون أن يكون لها عون من الشياطين..
منفردا أمام نفسك ، لشهر كامل..تكتشف نقاط ضعفك.. وتعيد اكتشاف مصادر قوتك..
تنقب في دواخلك ، في مغاراتك ، في كهوفك..
في أدراجك السرية ومخابئك
في كل ما لم تخبر به أحد ، عن ذلك الشخص الضعيف الذي هو أنت..
رمضان ، يواجهك بكل هذا..
أنت ونفسك..
والأيام ،المعدودات ، بينكما..
*************************
رحيله حتمي.
وقد جاء بمتاع كثير..
لكنك تخشى أن يرحل دون أن تأخذ منه المتاع الأهم : النسخة الأفضل منك.
كل متاعه ، سيكون قليلا جدا..إن لم تحصل منه على هذا بالذات..
على النسخة الأفضل ، منك..
**************************
رمضان صمم أصلا ليكون كذلك.
لم يكن تسميته برمضان اعتباطا.
كان يمكن أن يكون رجب أو شعبان أو أي شهر قمري آخر.
لكن رمضان تحديدا؟
*********************
سمي رمضان من رمض.
شدة الحر.
وقال ابن دريد لما نقلوا أَسماء الشهور عن اللغة القديمة سموها بالأَزمنة التي هي فيها فوافَقَ رمضانُ أَيامَ رَمَضِ الحرّ وشدّته فسمّي به.
ورمض : الرَّمَضُ والرَّمْضاءُ شِدّةُ الحَرّ والرَّمَضُ حَرُّ الحجارة من شدّة حَرّ الشمس، وقيل هو الحرّ والرُّجوعُ عن المَبادِي إِلى المَحاضِر وأَرضٌ رَمِضَةُ الحجارة والأَرضُ ورَمِضَتْ قَدَمُه من الرمْضاءِ أَي احترَقَتْ.
سنقول : لكن رمضان يأتي أحيانا في أجواء معتدلة وباردة..
وحتى لو جاء صيفا.
التكييف موجود.
لكن علينا إذن أن نقرأ من جديد ما المقصود بالرمض ..
شدة الحر.الحر الذي يجعل الشخص يبحث عن الفيء.الحر الذي يقود من الصحراء ، من البادية ، إلى المدينة ، حر الحجارة..الحر الذي يحرق الأقدام..
أضع تحت كل هذا خطا..
وأقرأه من جديد..
**********************
رمضان من الرمض الذي مررنا على معانيه الحرفية.
وهو مصدر على وزن فعلان.مثل بركان .ثوران.غليان.
وهو مصدر يدل على التقلب ، الحركة .. الاضطراب..
غريب ..
قالوا لك دوما إن رمضان شهر المحبة والسلام.
دعك منهم.
رمضان شهر التقلب والحركة والاضطراب !.
نعم : عندما يكون رمضان الحقيقي.
رمضان المواجهة مع ذاتك
رمضان الحرب مع شياطينك..رمضان الحرب على نقاط ضعفك..
بالتأكيد تقلب وحركة واضطراب..
رمضان حقا هو الذي تخوض فيه معركة بدر الخاصة بك في الداخل ، وتفتح به مكة في داخلك أيضا..
ويكون ذلك بمثابة إعداد داخلي لك ، لمعارك وفتوحات لا بد أن تشارك فيها ، تقع في خارجك…
نعم ..
رمضان حرب مع الذات.من أجل فتح الذات.
من أجل ذات أفضل.
حرب مستمرة ، على وزن فعلان..
مثل بركان ، غليان ، ثورانهذا بالنسبة لمصدر “رمضان” ومعناه بالنسبة لنا..
لكن ماذا عن ذلك الحر الشديد الذي التصق بالكلمة حتى لو جاء رمضان في بلاد لا صيف فيها ؟ أو جاء في بلاد معلبة مكيفة ليل نهار ؟..

عطر الزنبق
07-14-2019, 08:26 PM
http://i54.tinypic.com/dy8ugk.gif

العاشق الذى لم يتب
03-18-2020, 07:48 PM
شكرا
لعظيم طرح
وبديع افادة
دام النشاط والحضور
وجزاك الله خير
ولك ودى