مشاهدة النسخة كاملة : الحكمة من خلق الإنسان متعلقة بالدنيا والآخرة...


عطر الزنبق
03-15-2020, 01:02 AM
الحكمة من خلق الإنسان متعلقة بالدنيا والآخرة.

إن الحكمة من خلق الإنسان متعلقة بالدنيا والآخرة معاً، لذلك فهي تخفى على الذين يقصرون أنظارهم على الحياة الدنيا، فلقد كنا قبل مائة عام في عالم الغيب، وسنكون بعد مائة عام في عالم الغيب مرة أخرى، وكذلك الأجيال من قبلنا، ومن بعدنا تعبر على هذه الأرض ولا تدوم لها حياة عليها. وكما عبرنا في أرحام الأمهات طوراً بعد طور حتى نزلنا في هذه الدنيا، فإننا نعبر في هذه الدنيا إلى الآخرة طوراً بعد طور من الطفولة وحتى الشيخوخة. ولا يستطيع الإنسان أن يفهم الحكمة من وجوده في طور الحياة الدنيا إذا لم يعرف الطور السابق لها وكذا اللاحق بعدها، وما سبق الحياة الدنيا غيب، وما يأتي بعدها غيب آخر، والذين قصروا أنظارهم على مرحلة الحياة الدنيا، وتوهموا للحياة البشرية أهدافاً مقصورة على الدنيا أصيبوا بالخيبة والحيرة وتحطمت كل فلسفاتهم على صخرة الموت، فالذين زعموا أن الحكمة من خلق الإنسان هي:
الحياة، العمل، المتعة واللذة، بناء الحضارة، أو الصـراع من أجل الأحسن!

نقول لهم: إذا كانت الحكمة من خلق الإنسان ما ذكرتم:
• فلم الموت بعد الحياة؟!
• ولم العجز عن العمل بعد القدرة، ثم الموت؟!
• ولم الكدر بعد المتعة، ثم الموت؟!
• ولم الانتكاسة إلى الأسوأ، ثم الموت؟!
فهم كما قال تعالى: ﴿ يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ ﴾ [1] أي: أكثر الناس ليس لهم علم إلا بالدنيا وأكسابها وشؤونها وما فيها، فهم حذاق أذكياء في تحصيلها ووجوه مكاسبها، وهم غافلون عما ينفعهم في الدار الآخرة، كأن أحدهم مغفل لا ذهن له ولا فكرة.
قال الحسن البصري: والله لبلغ من أحدهم بدنياه أنه يقلب الدرهم على ظفره، فيخبرك بوزنه، وما يحسن أن يصلي.
وقال ابن عباس في قوله: ﴿ يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ ﴾ [الروم: 7] يعني: الكفار، يعرفون عمران الدنيا، وهم في أمر الدين جهال[2].
إن الحكمة من خلق الإنسان في الحياة الدنيا لا تعلم إلا بمعرفة ما قبلها وما بعدها وذلك الأمر لا يعلمه إلا الله.
انظروا إِلَى أبينا آدم عَلَيْهِ السَّلام! لله حكمة عظيمة حيث قدر له أن يأكل من الشجرة، ألا ترون أن الله تَعَالَى نهاه من الأكل من الشجرة؟
إذاً: الأكل من الشجرة بالنسبة لله تَبَارَكَ وَتَعَالَى مبغوض شـرعاً لأنه نهاه، وهو كوناً وقدراً محبوب أي: مراد مطلوب، فاجتمعت فيه إرادته كوناً مع بغضه شرعاً، والإرادة الكونية لها حكم عظيمة وإن خالفت الإرادة الشـرعية. فمن ذلك الحكم العظيمة التي نراها الآن في واقع هذه الدنيا.
كيف ترون الحال لو أن آدم وذريته خلقهم الله تَعَالَى في الجنة وبقوا يتناسلون ويتكاثرون فيها، لما كانت هناك حكمة من خلق الإنس والجن مما هو في الدنيا، ومن حكمة خلق الإِنسَان وحكمة التكليف وتحمل الأمانة, وإرسال الرسل وإنزال الكتب وافتراق النَّاس إِلَى فريقين، هذا يجاهد في الله حق جهاده، وهذا يطيع عدو الله ويتبعه ويعادي ربه.
كل هذه من الحكم التي نراها ووجود خلق من خلق الله اصطفاهم الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وهم الأَنْبِيَاء وأفضلهم هو مُحَمَّد صلى الله عليه وسلم، فلو تأملنا لوجدنا أنه لا معنى للوجود الإِنسَاني بإطلاق لو كَانَ في الجنة، فهناك نوع شـر محض وهم الشياطين المردة، وإن كَانَ في وجودهم خير من جانب، وهناك خير محض وهم الملائكة، ووجود الجنس أو الطرف الذي يمكن أن يكون خيراً ويمكن أن يكون شراً لحكم عظيمة جداً، فوجد عن طريق خلق آدم فخلقه الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى قادراً لهذا ولهذا، فكان أكله من الشجرة ووقوع الذنب منه الذي لم يرض به الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى شـرعاً، لكنه وقع لحكمة كونية فنزل آدم إِلَى الأرض، فلما نشأ عَلَى هذا التراب عرف قيمة الجنة وعرف قيمة الطاعة وعرف أثر المعصية وخطرها وضررها عليه وعلى ذريته.
حتى قيل: إن آدم عَلَيْهِ السَّلام بكى حتى كانت دموعه تجري في الأرض مثل الأنهار من كثرة البكاء، ولا نستغرب هذا لأن من رأى الجنة ثُمَّ جَاءَ إِلَى هذا التراب لا بد أن يبكي؛ لأنه شيء لا يمكن للإنسان أن يطيقه ويأتي إِلَى هذه الأرض، ففي هذا من الحكم والمصالح العظيمة ما لم يكن لولا ذلك الذنب، ثُمَّ استمرت الإِنسَانية قروناً عَلَى التوحيد، حتى وقع فيهم الشـرك، فظهرت حكمة الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى في أن يكون النَّاس مختلفين ﴿ وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ ﴾ [3] وَلَوْ شاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً واحِدَةً يعنى لاضطرهم إلى أن يكونوا أهل أمّة واحدة أى ملة واحدة وهي ملة الإسلام، كقوله إِنَّ هذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً واحِدَةً وهذا الكلام يتضمن نفى الاضطرار، وأنه لم يضطرهم إلى الاتفاق على دين الحق، ولكنه مكنهم من الاختيار الذي هو أساس التكليف، فاختار بعضهم الحق وبعضهم الباطل، فاختلفوا، فلذلك قال وَلا يَزالُونَ مُخْتَلِفِينَ إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ إلا ناساً هداهم الله ولطف بهم، فاتفقوا على دين الحق غير مختلفين فيه وَلِذلِكَ خَلَقَهُمْ ذلك إشارة إلى ما دل عليه الكلام الأوّل وتضمنه، يعنى: ولذلك من التمكين والاختيار الذي كان عنه الاختلاف خلقهم، ليثيب مختار الحق بحسن اختياره، ويعاقب مختار الباطل بسوء اختياره وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ وهي قوله للملائكة لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ لعلمه بكثرة من يختار الباطل[4].
لكن حكمته اقتضت أن يكون النَّاس مختلفين، وأن يكونوا عَلَى فريقين، ثُمَّ نتج عن ذلك إرسال الرسل، وما يكون من رفعٍ لدرجات الرسل ولأتباعهم، وما يكون من إنزال العقاب والعذاب الأليم لمن خالفهم ولمن عصاهم وكفر بالله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى[5].
العبادة هي الحكمة من خلق الإنسان.
لقد تبين لنا مما سبق:
• أن الإنسان خلق لحكمة ولم يخلق عبثاً.
• وأن الحكمة من خلق جميع البشـر واحدة.
• وأن الحكمة من خلق الإنسان متعلقة بالدنيا والآخرة.
• وأنها لا تعلم إلا من الخالق سبحانه.
• وأن الخالق سبحانه قد استخلف الإنسان في الأرض.
• وأن غاية الاستخلاف هو الابتلاء والامتحان.
• وأن موضوع الامتحان هو العبادة لله سبحانه.
• والعبادة هي العمل وفق مراد الخالق الذي خلق سبحانه.
ألست ترى أن أي مصنوع يصنع لا يكون صنعه إلا لعمل وفق مراد الذي صنعه وكذلك الإنسان ما كان ليعمل إلا وفق مراد خالقه سبحانه، وعمل الإنسان وفق مراد خالقه هو العبادة. قال تعالى: ﴿ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ﴾[6] وما خلقت السُّعداء من الجنّ والإنس إلا لعبادتي، والأشقياء منهم لمعصيتي. وقيل ما جبلوا عليه من الشقاء والسعادة. وقيل إلا ليقروا بالعبودة طوعا وكَرها[7].
فالحكمة من خلق الإنسان هو أن يكون عبداً لله على الأرض التي استخلفه فيها، ليمتحنه ربه أيطيعه ويعبده، أم يعصيه ويكفر به، ثم ينقله بالموت من دار الامتحان والعمل إلى دار الجزاء على ما قدم. وهذه الحكمة واحدة لا تتبدل من خلق كل إنسان في كل زمان ومكان، وكل إنسان مهما كانت مكانته فهو ممتحن فيما استخلفه الله فيه.
عَبْدَاللَّهِ بْنَ عُمَرَ[8] يَقُولُ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: ((كُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ الْإِمَامُ رَاعٍ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ وَالرَّجُلُ رَاعٍ فِي أَهْلِهِ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ وَالْمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ فِي بَيْتِ زَوْجِهَا وَمَسْئُولَةٌ عَنْ رَعِيَّتِهَا وَالْخَادِمُ رَاعٍ فِي مَالِ سَيِّدِهِ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ قَالَ وَحَسِبْتُ أَنْ قَدْ قَالَ وَالرَّجُلُ رَاعٍ فِي مَالِ أَبِيهِ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ وَكُلُّكُمْ رَاعٍ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ))[9].
فكل إنسان عليه أن يعبد ربه لأنه:
• ما خلق إلا ليعمل وفق مراد خالقه سبحانه.
• ولأن الله هو الذي استخلفه ومكنه فعليه أن يعمل وفق مراد الذي مكنه واستخلفه.
• ولأنه مملوك في كل أمره فعليه أن يعمل وفق مراد مالكه سبحانه.
• ولأنه محاسب بين يدي ربه فعليه أن يعمل وفق مراد مالك يوم الدين والحساب.
والعبادة اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه كما قال العلماء، والاستخلاف في الأرض داخل في مدلول العبادة. فالعبادة هي غاية الوجود الإنساني، ووظيفة الإنسان الأولى في أي موقع كان. وليس في الوجود إلا رب واحد والكل له عبيد، عليهم أن يتوجهوا بأعمالهم ومشاعرهم وضمائرهم لعبادته عبادة خالصة له دون شريك.
وبهذا الهدى تعلمنا من خالقنا سبحانه أنه قسم حياتنا إلى قسمين:
• الحياة الدنيا، وهي دار الابتلاء فيما استخلفنا الله عليه.
• الحياة الآخرة وهي دار الجزاء.
وأعلمنا أن الموت هو الانتقال من دار الابتلاء إلى دار الجزاء، وهناك حسب ما اجتهد الإنسان وبحث وعمل إما إلى جنة وإما إلى نار.

منصور
03-15-2020, 11:16 PM
جزاك الله الف خير على هذا الطرح القيم
وجعله الله فى ميزان اعملك
دمت بحفظ الرحمن

عطر الزنبق
03-16-2020, 12:13 PM
اقتباس:



المشاركة الأصلية كتبت بواسطة العاصوف https://www.skoon-elamar.com/vb/SKOON2020/buttons/viewpost.gif (https://www.skoon-elamar.com/vb/showthread.php?p=490502#post490502)
جزاك الله الف خير على هذا الطرح القيم
وجعله الله فى ميزان اعملك
دمت بحفظ الرحمن


https://a.top4top.net/p_218c7xj1.gif

انثى برائحة الورد
03-16-2020, 02:07 PM
الله يجزاك كل خير على مجهودكِ
ويجعل الأجر الاوفر بميزان حسناتكِ

الوسيم
03-17-2020, 05:31 PM
موضوع رائع ومميز
طرحت فابدعت دمت ودام عطائك
سلمت اناملك الذهبيه على ماخطته لنا
اعذب التحايا لك

لحن الروح
03-17-2020, 05:41 PM
*/ http://vb.skon-s.com/images/smile_files/225.gif

سِلمَت يَدآكُ عِلىُ روَعِة الِطرُح
وسَلمٌ لنآِ ذوُقِكْ الَراقيُ عْلىَ جَمِالُ الاخِتيًارُ
لِكٌ ولُحٍضٌورَكٌ الجٌميِلْ كُلً الشٍكُرٌ وَالِتقٌديُر
اُسٌألً البٌآرْيُ لِكٌ سُعِآدٌة دَائًمٍة
تُحيًآتِيُ..~

*/ http://vb.skon-s.com/images/smile_files/225.gif

عازف الليل مونامور
03-23-2020, 02:30 AM
انار الباري طريقكم واثابكم
جزاكم خيرا وجعله في ميزان اعمالكم
دمتم بسعادة تحيتي وتقديري