مشاهدة النسخة كاملة : شرح حديث: ((لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه))


شايان
04-15-2020, 03:37 AM
الحمدُ لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله.

وبعد:
روى البخاري ومسلم من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه؛ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى يُحِبَّ لِأَخِيِه مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ))[1].

هذا الحديث الشريف مِن الأحاديث العظيمة التي عليها مدار الدِّين، ولو عمل الناسُ به لقُضى على كثير من المنكَرات والخصومات بين الناس، ولعمَّ المجتمعَ الأمنُ والخير والسلام، وهذا يحصُل عند كمال سلامة الصدر مِن الغل والغش والحسد، فإنَّ الحسد يَقتضي أن يَكره الحاسدُ أن يَفوقه أحدٌ في خير أو يُساويه فيه؛ لأنه يحب أن يمتاز على الناس بفضائله ويَتفرَّد بها عنهم، والإيمانُ يَقتضي خلافَ ذلك، وهو أنْ يَشْركه المؤمنون كلُّهم فيما أعطاه الله من الخير، مِن غير أن ينقص عليه من ذلك شيء[2].

روى الإمام أحمد في مسنده من حديث معاذ رضي الله عنه؛ أنه سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أفضل الإيمان، قال: ((أَفْضَلُ الْإِيمَانِ أَنْ تُحِبَّ للِه، وَتُبْغِضَ فِي اللهِ، وَتُعْمِلَ لِسَانَكَ فِي ذِكْرِ اللهِ)) قال: وماذا يا رسول الله؟ قال: ((وَأَنْ تُحِبَّ لِلنَّاسِ مَا تُحِبُّ لِنَفْسِكَ، وَتَكْرَهَ لَهُمْ مَا تَكْرَهُ لِنَفْسِكَ، وَأَنْ تَقُولَ خَيْرًا أَوْ تَصْمُتَ))[3].

وهذا من خصال الإيمان العظيمة، ولذلك رتَّب النبيُّ صلى الله عليه وسلم دخولَ الجَنَّة على العمل بها، فروى الإمـام أحمد في مسنده من حديث يزيد بن أسد القسري رضي الله عنه، قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أَتُحِبُّ الْجَنّةَ؟)) قلتُ: نعم، قال: ((فَأَحِبَّ لِأَخِيكَ مَا تُحِبُّ لِنَفْسِكَ))[4].

وروى مسلم في صحيحه من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((فَمَنْ أَحَبَّ أَنْ يُزَحْزَحَ عَنِ النَّارِ وَيُدْخَلَ الْجَنَّةَ، فَلْتَأْتِهِ مَنيَّتُهُ وَهُوَ يُؤْمِنُ بِاللهِ وََالْيَوْمِ الآخِرِ، وَلْيَأتِ إِلى النَّاسِ الَّذِي يُحبُّ أَنْ يُؤْتَى إِليَهِ))[5].

وروى مسلم في صحيحه من حديث أبي ذر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((يَا أَبَا ذّرِّ إِنِّي أَرَاكَ ضَعِيفًا، وَإِنِّي أُحِبُّ لَكَ مَا أُحِبُّ لِنَفْسِي؛ لَا تَأَمَّرَنَّ عَلَى اثْنَيْنِ، وَلَا تَوَلَّيَنَّ مَالَ يَتِيمٍ))[6]. وإنما نهاه عن ذلك لما رأى مِن ضعفه، وهو صلى الله عليه وسلم يحبُّ هذا لكل ضعيف، وإنما كان يتولَّى أمورَ الناس لأن الله قوَّاه على ذلك، وأمَره بدعاء الخلْق كلِّهم إلى طاعته، وأن يتولَّى سياسة دينهم ودنياهم.

وكان محمد بن واسع يبيع حمارًا له، فقال له رجل: أترضاه لي؟ قال: لو رضيتُه لم أبعْه، وهذا إشارة منه إلى أنه لا يرضى لأخيه إلا ما يرضى لنفسه، وهذا كله مِن جملة النصيحة لعامَّة المسلمين، التي هي مِن جملة الدِّين.

روى الإمام أحمد في مسنده من حديث أبي أمامة رضي الله عنه، قال: إنَّ فتى شابًا أتى النبي صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، ائذن لي بالزنا! فأقبل القوم عليه فزجروه وقالوا: مه، مه، فقال: ((ادْنُه))، فدنا منه قريبًا، قال: فجلس، قال صلى الله عليه وسلم: ((أتحبُّه لأمِّك؟)) قال: لا والله جعلني الله فداءك، قال: ((ولا الناس يحبُّونه لأمَّهاتهم))، قال صلى الله عليه وسلم: ((أفتحبُّه لابنتِك؟)) قال: لا والله يا رسول الله جعلني الله فداءك، قال: ((ولا الناس يحبُّونه لِبناتِهم))، قال صلى الله عليه وسلم: ((أفتحبُّه لأختِك؟)) قال: لا والله جعلني الله فداءك، قال: ((ولا الناس يحبُّونه لأخواتهم))، قال صلى الله عليه وسلم: ((أفتحبُّه لعمَّتِك؟)) قال: لا والله جعلني الله فداءك، قال: ((ولا الناس يحبُّونه لعمَّاتِهم))، قال صلى الله عليه وسلم: ((أفتحبُّه لخالتِك؟)) قال: لا والله جعلني الله فداءك قال: ((ولا الناس يحبُّونه لخالاتهم)) قال: فوضع يده عليه، وقال: ((اللهم اغفر ذنبه، وطهِّر قلبه، وحصِّن فرجه))، قال: فلم يكُن بعد ذلك الفتى يلتفتُ إلى شيءٍ[7].

قال ابن رجب: وينبغي للمؤمن أن يحزن لفوات الفضائل الدينية، ولهذا أُمِرَ أن يَنظر في الدِّين إلى مَن فوقه، وأن يتنافس في طلب ذلك جهده وطاقته، كما قال تعالى: ﴿ وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ ﴾ [المطففين: 26]، ولا يَكْره أنَّ أحدًا يُشاركه في ذلك، بل يحبَّ للناس كلهم المنافسة فيه، ويحثَّهم على ذلك، وهذا مِن تمام أداء النصيحة للإخوان، فإذا فاقَهُ أحد في فضيلةٍ دينيَّة، اجتهَدَ على لحاقه، وحزن على تقصير نفسه، وتخلُّفه عن لحاق السابقين، لا حسدًا لهم على ما آتاهم الله، بل منافسةً لهم وغبطة وحزنًا على النفس؛ لتقصيرها وتخلُّفها عن درجات السابقين، ويَنبغي للمؤمن أن لا يزال يرى نفسه مقصِّرًا عن الدرجات العالية؛ مستفيدًا بذلك أمْرين نفِيسَينِ:

الاجتهاد في طلب الفضائل والازدياد منها، والنظر إلى نفسه بعين النقص، وينشأ مِن هذا أن يحبَّ للمؤمنين أن يكونوا خيرًا منه؛ لأنه لا يَرضى لهم أن يكونوا على مثل حاله، كما أنه لا يرضى لنفسه بما هي عليه، بل هو يجتهد في إصلاحها.

وقد قال محمد بن واسع لابنه: أَمَّا أبوك فلا كثَّر الله في المسلمين مثله، فمَن كان لا يرضى عن نفسه، فكيف يحبُّ للمسلمين أن يكونوا مثله مع نصحه لهم؟! بل هو يحبُّ للمسلمين أن يكونوا خيرًا منه، ويحبُّ لنفسه أن يكون خيرًا مما هو عليه[8] ا هـ.

قال ابن عباس رضي الله عنهما: (إني لأَمُرُّ على الآية مِن كتاب الله، فأَوَدُّ أن الناس كلهم يعلمون منها ما أعلم).

وقال الشافعي رحمه الله: (وددتُ أن الناس تعلَّموا هذا العِلم، ولم يُنَسب إليَّ منه شيء).

والحمدُ لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبيِّنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

[1] ص26 برقم 13، وصحيح مسلم ص 50 برقم 45.
[2] جامع العلوم والحكَم، لابن رجب، ص 147، بتصرُّف.
[3] (36/ 446)، برقم 22130، وقال محقِّقوه: صحيح لغيره.
[4] (27/ 216)، برقم 16655، وقال محقِّقوه: حديث حسَن.
[5] ص770، جزء من حديث رقم 1844.
[6] ص763، برقم 1826.
[7] (36/ 440) برقم 22211، وقال محقِّقوه: إسناده صحيح.
[8] جامع العلوم والحكم، ص148 - 149.

منصور
04-15-2020, 09:38 AM
الله يجزاك كل خير
وان شاء الله تكون في ميزان اعمالك
الله لايحرمك الأجر ..
يعطيك العافية ع جمال الطرح وقيمته
في حفظ الرحمن

بنت الوطن
04-17-2020, 08:20 PM
جزاك الله خيرا

وبارك فيك

ونفع بك

مديح ال قطب
04-18-2020, 12:13 PM
جَزآك الله جَنةٌ عَرضُهآ آلسَموآتَ وَ الآرضْ
بآرَكَ الله فيك عَلى روعة طَرحك
آسْآل الله آنْ يعَطرْ آيآمك بآلريآحينْ
دمْت بِ طآعَة الله
http://www6.0zz0.com/2014/01/15/04/632083662.gif

الوسيم
04-18-2020, 09:57 PM
موضوع رائع ومميز
عاشت الايادي دوم التالق
تحياتي

انثى برائحة الورد
04-19-2020, 03:43 PM
الله يجزاك كل خير على مجهودك...
ويجعل الأجر الاوفر بميزان حسناتك...
ننتظر جديدك.

عطر الزنبق
04-23-2020, 04:41 AM
جزاك المولى خير الجزاء ونفع بك
وألبسك لباس التقوى والغفران
وجعلك ممن يظلهم الله في يوم لا ظل إلا ظله
وعمر الله قلبك بالإيمان
على طرحك المحمل بنفحات إيمانية
تحيتي لك..

http://img1.liveinternet.ru/images/attach/c/0//63/342/63342658_023272054.png

ابو الملكات
04-25-2020, 04:22 PM
اللهم صلى وسلم على الحبيب المصطفى عليه افضل الصلاة والتسليم
جزاك الله خير ورحم والديك شكراً على طرحك الكريم

نهيان
04-25-2020, 07:29 PM
الملكه
شاايوو

جزاك الله عنا بخير الجزاء
والدرجة الرفيعه من الجنه
بارك الله فيك ونفع بك
وجعله بموازين حسناتك
دمتي في رعاية الله وحفظه

عازف الليل مونامور
05-01-2020, 05:51 AM
كل الشكر لكم للطرح الأيماني
انار الباري طريقكم واثابكم
دمتم بكل الود والمحبة
تحيتي وتقديري
https://www.3b8-y.com/vb/images/smilies/100%20(19).gif
https://www.3b8-y.com/vb/images/smilies/w6w_20060309175028d0a11ee8.gifhttps://www.3b8-y.com/vb/images/smilies/w6w_20060309175028d0a11ee8.gif