مشاهدة النسخة كاملة : التوحيد في سورة إبراهيم


شايان
09-23-2020, 01:38 AM
أثنى الله تعالى على إبراهيم عليه السلام في مواضعَ كثيرة في كتابه العزيز، لكن في هذه السورة التي سُميت باسمه، جاء ذكر دعاء إبراهيم عليه السلام، وهو كما يلي:

﴿ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِنًا ﴾ [إبراهيم: 35]، والبلد هو مكة؛ أي: اجعل مكة بلدًا آمنًا شرعًا وقدرًا؛ فحرَّمه الله في الشرع، ويسَّر من أسباب حرمته قدرَ ما هو معلوم، حتى إنه لم يُرِدْه ظالمٌ بسوء إلا قصَمه الله، كما فعل بأصحاب الفيل وغيرهم؛ (انظر تيسير الكريم الرحمن للشيخ السعدي).



﴿ وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنَامَ ﴾ [إبراهيم: 35]، وقد دعا بذلك بعد أن أخذ موقفًا حاسمًا من الأصنام وعبادها، ﴿ رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ ﴾ [إبراهيم: 36]، فكانت معركته مع الأصنام وعبادها، وكانوا هم الكثرة الضالة، وكان وحدَه أُمةً؛ وقد اجتمعت عليه هذه الكثرة نُصرةً لآلهتهم المنحوتة، ولكن الله تعالى نجَّاه بفضله، فكانوا هم الأخسرين الأسفلين!



﴿ رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلَاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ ﴾ [إبراهيم: 37]، فالصلاة دأبُ الموحدين، وإقام الصلاة علامة الإسلام والتوحيد، والحج نسك وشعار للمسلمين.



﴿ رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلَاةِ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاءِ * رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ الْحِسَابُ ﴾ [إبراهيم: 40، 41]، دعاء له ولذُريته وللمؤمنين؛ إنها رابطة الإيمان وصلة العقيدة الممتدة من الدنيا إلى الآخرة، ومن الأرض إلى السماء: ﴿ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ * تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا ﴾ [إبراهيم: 24، 25].



وكما أرسل الله تعالى موسى عليه السلام إلى قومه، وأنزل عليه التوراة؛ ليُخرجهم من ظلمات الكفر والشرك إلى نور التوحيد والإيمان، فقد أرسل الله تعالى محمدًا عليه الصلاة والسلام، وأنزل عليه القرآن؛ ليخرج الناسَ - كلَّ الناس - من ظلمات الجاهلية والوثنية إلى توحيد الألوهية، وليس للناس حجةٌ بعد ذلك، فالقرآن فيه الهداية وفيه البيان والحجة الواضحة، والرسل الذين أرسَلهم الله تعالى جاؤوا وتكلموا بلغة قومهم، والنبي محمد صلى الله عليه وسلم اختاره الله تعالى عربيًّا لأمة عربية، وهي أمة ثرية في الفكر تميَّزت بفصاحة اللغة وتذوُّق المعاني، وقد ظهر ذلك في معلقاتهم وشعرهم، ولهذا لَما سمِعوا القرآن اعترَفوا بأنه ليس ككلام البشر، ولقد كان البيان واضحًا والبلاغ لا لَبْسَ فيه: ﴿ وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ فَيُضِلُّ اللَّهُ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ﴾ [إبراهيم: 4].



ولقد حمل العربُ هذه الرسالة، ثم نقلوها إلى أمم الأرض، ودخل الناس في دين الله أفواجًا لا بقوة السيف، ولكن بقوة الحجة والممارسة العملية للمعاملة الشريفة والأخلاق العالية مع العدو قبل الصديق.



ولقد كان القرآن بلاغًا لأمم الأرض؛ كي يعبُدوا إلهًا واحدًا، هو المنعمُ والمتفضل بالنعم، المالك السيد المدبر للكون، وما فيه ومَن فيه: ﴿ هَذَا بَلَاغٌ لِلنَّاسِ وَلِيُنْذَرُوا بِهِ وَلِيَعْلَمُوا أَنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ وَلِيَذَّكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ ﴾ [إبراهيم: 52]، وهي آخر آية في السورة؛ وفيها ما يلي:

1- هذا بلاغ: قيل: هو القرآن، أو ما سبق ذكرُه في السورة من انتقام الله من الكافرين الذين بدَّلوا نعمة الله كفرًا، وأحلُّوا قومهم دار البَوار، وهم قريش وغيرهم.



2- وليُنذروا به...



3- وليَعلموا أنه هو إلهٌ واحد: معبودٌ واحد بحقٍّ، واحد في ألوهيَّته كما هو واحد في ربوبيته.



4- وليَذكَّر أولو الألباب.



ولنتأمَّل هذا التدرج في الآية الكريمة؛ فهذا القرآن بلاغٌ، والبلاغ إنذارٌ، والإنذار يستوجب العلمَ والإحاطة بفحوى البلاغ، (وليعملوا)، وهو علم التوحيد (إله واحد)، وأنه لا إله إلا الله؛ لهذا كان العلم أول شرطٍ من شروط كلمة التوحيد، وهي الكلمة الطيبة التي جاء الحديث عنها في السورة: ﴿ أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاء * تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا ﴾ [إبراهيم: 24، 25].



وفي السورة جاء ذكر أعداء التوحيد، فهم:

﴿ الَّذِينَ يَسْتَحِبُّونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا عَلَى الْآخِرَةِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَيَبْغُونَهَا عِوَجًا ﴾ [إبراهيم: 3].



والذين: ﴿ جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَرَدُّوا أَيْدِيَهُمْ فِي أَفْوَاهِهِمْ وَقَالُوا إِنَّا كَفَرْنَا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ وَإِنَّا لَفِي شَكٍّ مِمَّا تَدْعُونَنَا إِلَيْهِ مُرِيبٍ ﴾ [إبراهيم: 9].



والذين قالوا لرُسلهم: ﴿ لَنُخْرِجَنَّكُمْ مِنْ أَرْضِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا ﴾ [إبراهيم: 13].



والذين: ﴿ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللَّهِ كُفْرًا وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دَارَ الْبَوَارِ ﴾ [إبراهيم: 28].



والذين: ﴿ وَجَعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا لِيُضِلُّوا عَنْ سَبِيلِهِ ﴾ [إبراهيم: 30].



والذين: ﴿ مَكَرُوا مَكْرَهُمْ وَعِنْدَ اللَّهِ مَكْرُهُمْ وَإِنْ كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ ﴾ [إبراهيم: 46].



كما جاء أيضًا ذكرُ الموحدين الداعين إلى التوحيد، فهم:

الذين آمنوا وتوكَّلوا على الله وقالوا: ﴿ وَمَا لَنَا أَلَّا نَتَوَكَّلَ عَلَى اللَّهِ وَقَدْ هَدَانَا سُبُلَنَا وَلَنَصْبِرَنَّ عَلَى مَا آذَيْتُمُونَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ ﴾ [إبراهيم: 12].



والذين نالوا شرفَ العبودية لله: ﴿ قُلْ لِعِبَادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا يُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لَا بَيْعٌ فِيهِ وَلَا خِلَالٌ ﴾ [إبراهيم: 31].



الذين لم يعبدوا صنمًا، وعلى رأسهم إبراهيم عليه السلام الذي بنى بيتًا لله في الأرض بوادٍ غير ذي زرعٍ لتوحيد الله تعالى وإقام الصلاة: ﴿ وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِنًا وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنَامَ * رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ * رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلَاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ * رَبَّنَا إِنَّكَ تَعْلَمُ مَا نُخْفِي وَمَا نُعْلِنُ وَمَا يَخْفَى عَلَى اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ * الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي وَهَبَ لِي عَلَى الْكِبَرِ إِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِنَّ رَبِّي لَسَمِيعُ الدُّعَاءِ * رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلَاةِ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاءِ * رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ الْحِسَابُ ﴾ [إبراهيم: 35 - 41].

منصور
09-23-2020, 08:30 AM
بارك الله فيك
وجعل ما تقدمه من موضوعات
في ميزان حسناتك
ويجمعنا بك والمسلمين
في جنات النعيم
دمت بخير

شيخة المزايين
09-23-2020, 01:24 PM
جزاك الله خيـر
وجعله في ميزان حسناتك
آنآر الله قلبك بالآيمآن وطآعة الرحمن
دمت بحفظ الرحمن

https://lh5.googleusercontent.com/-O6FtHwKLKjU/Tx2izNMTqeI/AAAAAAAABoA/aPN6m7Dz374/h80/%25D8%25BA8%25D8%25AE.gif

انثى برائحة الورد
09-23-2020, 03:34 PM
https://d2s63a22uzwg40.cloudfront.net/PE/2008/11/04/02/605barakallahabeermahmoxw4-1.gif

امير السلام
09-24-2020, 01:24 PM
بارك الله فيك علي الطرح الطيب
وجعله الله في ميزان حسناتك
تحياتي

ليالي الحنين
09-27-2020, 02:54 PM
جزاك الله خير الجزاء والجنه
واحسن إليك ووفقك
وجعله بميزان حسناتك

عطر الزنبق
09-28-2020, 12:42 AM
جزاك المولى خير الجزاء ونفع بك
وألبسك لباس التقوى والغفران
وجعلك ممن يظلهم الله في يوم لا ظل إلا ظله
وعمر الله قلبك بالإيمان
على طرحك المحمل بنفحات إيمانية
تحيتي لك

نهيان
10-03-2020, 08:59 PM
http://all-best.co/wp-content/uploads/2017/11/4329.gif

مٌهُرِة أًلًخُلَيّجٌ ♕
10-06-2020, 05:43 PM
جزاك الله خيراً
وجعله في ميزان حسناتك
ورزقك جنةً عرضها السموات والأرض

⦁.Σнѕαѕ.☘
10-14-2020, 05:25 PM
جزاك الفردوس الأعلى من الجنــــــــــان
لروعة طرحك القيم والمفيد
لـ عطرك الفواح في ارجاء المنتدى كل الأمتنان
أتمنى أن لاننــحرم طلتك الربيعية
لك أجمل التحايا و أعذب الأمنيات
عناقيد من الجوري تطوقك فرحاا
دمت بطاعة الله