مشاهدة النسخة كاملة : قوله تعالى:﴿ وَمِنْهُم مَّن يَلْمِزُكَ فِي الصَّدَقَاتِ فَإِنْ أُعْطُوا مِنْهَا رَضوا


انثى برائحة الورد
12-31-2020, 02:54 PM
قوله تعالى: ﴿ وَمِنْهُم مَّن يَلْمِزُكَ فِي الصَّدَقَاتِ فَإِنْ أُعْطُوا مِنْهَا رَضُوا وَإِن لَّمْ يُعْطَوْا مِنْهَا إِذَا هُمْ يَسْخَطُونَ * وَلَوْ أَنَّهُمْ رَضُوا مَا آتَاهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ سَيُؤْتِينَا اللَّهُ مِن فَضْلِهِ وَرَسُولُهُ إِنَّا إِلَى اللَّهِ رَاغِبُونَ ﴾ [سورة التوبة: 58-59].

أولًا: سبب نزولها: لقد ذكر المفسرون في سبب نزول هاتين الآيتين روايات منها:
ما أخرجه البخاري والنسائي عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: بينما النبي صلى الله عليه وسلم يقسم قسمًا؛ إذ جاءه ذو الخويصرة التميمي، فقال: اعدل يا رسول الله، فقال: «ويلك، ومن يعدل إذا لم أعدل؟»، فقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: ائذن لي فأضرب عنقه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «دعه فإن له أصحابًا يحقر أحدكم صلاته مع صلاتهم، وصيامه مع صيامهم، يمرقون من الدين كما يمرق السهم في الرمية)؛ قال أبو سعيد: فنزلت فيهم: ﴿ وَمِنْهُمْ مَنْ يَلْمِزُكَ فِي الصَّدَقاتِ ﴾.

وروى ابن مردويه عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: "لما قسم النبي صلى الله عليه وسلم غنائم حنين سمعت رجلًا، يقول: إن هذه قسمة ما أُريد بها وجهُ الله، فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم فذكرت له ذلك، فقال: "رحمة الله على موسى، لقد أُوذي بأكثر من هذا فصبر"، ونزل: ﴿ وَمِنْهُمْ مَنْ يَلْمِزُكَ فِي الصَّدَقاتِ ﴾.

ثانيًا: أوضحت الآية كما في سبب نزولها إساءة المنافقين الأدب مع سيد المرسلين صلى الله عليه وسلم حين أنكروا عليه في أمر لا يجوز لهم التدخل فيه، فضلًا عن أن يظنوا أنه صلى الله عليه وسلم وقع في شيء منكر شرعًا، وكأن هؤلاء الخبثاء لا يعلمون أن أفعال النبي صلى الله عليه وسلم وأقواله إنما هي مبنية على الوحي.

ثالثًا: بناءً على ما سبق ذكره جاء دفاع الرب الجليل عن سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأنكر على المنافقين التدخل في أمر لا يَعنيهم كما فضَح بواطنهم المليئة بالحسد والحقد وعدم الرضا عن الله تعالى، ولا عن رسوله صلى الله عليه وسلم؛ كما دل على ذلك أقوالهم وتصرفاتهم، قال الإمام الرازي: اعلم أن المقصود من هذا شرح نوع آخر من قبائحهم وفضائحهم، وهو طعنهم في الرسول صلى الله عليه وسلم بسبب أخذ الصدقات من الأغنياء، ويقولون أنه يؤثر بها من يشاء من أقاربه وأهل مودته، وينسبونه إلى أنه لا يراعي العدل، والآن إليك بيان ما في هاتين الآيتين من الدفاع عنه صلى الله عليه وسلم:
1- قوله تعالى: ﴿ وَمِنْهُم مَّن يَلْمِزُكَ فِي الصَّدَقَاتِ ﴾: المعنى: ومن هؤلاء المنافقين يا محمد صلى الله عليه وسلم مَن يَعيبك ويطعن عليك في قسمة الصدقات والغنائم، زاعمين أنك لست عادلًا في قسمتك.

وقوله: ﴿ فَإِنْ أُعْطُوا مِنْها رَضُواوَإِن لَّمْ يُعْطَوْا مِنْهَا إِذَا هُمْ يَسْخَطُونَ ﴾: بيان لفساد لمزهم وطعنهم، وأن الدافع إليه إنما هو الطمع والشره في حطام الدنيا، وليس الغضب من أجل إحقاق الحق، أو من أجل نشر العدالة بين الناس؛ أي: إن هؤلاء المنافقين إن أعطيتهم يا محمد صلى الله عليه وسلم من تلك الصدقات، رضوا عنك، وحكموا على هذا العطاء بأنه عدل حتى ولو كان ظلمًا، وإن لم تعطهم منها سخطوا عليك، واتَّهموك بأنك غير عادل، حتى ولو كان عدم عطائهم هو الحق بعينه، فهم لا يقولون ما يقولونه فيك غضبًا للعدل، ولا حماسة للحق، ولا غيرة على الدين، وإنما يقولون ما يقولون من أجل مطامعهم الشخصية، ومنافعهم الذاتية.

وقوله: يَلْمِزُكَ؛ أي: يعيبك ويطعن عليك في قسمة الصدقات وغيرها من الأموال، مأخوذ من اللمز وهو العيب؛ يقال: لمزة وهمزة، يلمزه ويهمزه: إذا عابه وطعن عليه، ومنه قوله تعالى: ﴿ وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ ﴾ [الهمزة: 1]، وقيل: اللمز ما كان يحضره الملموز، والهمز ما كان في غيابه.

وقال الجمل: وقوله: ﴿ إِذا هُمْ يَسْخَطُونَ ﴾: إذا هنا فجائية، قائمة مقام فاء الجزاء في الربط على حد قوله: «وتخلف الفاء إذا المفاجأة»، والأصل: فهم يسخطون، وغاير سبحانه بين جوابي الجملتين، للإشارة إلى أن سخطهم ثابت لا يزول ولا يفنى بخلاف رضاهم.

وقال صاحب المنار: وقد عبر سبحانه عن رضاهم بصيغة الماضي؛ للدلالة على أنه كان يكون لأجل العطاء في وقته وينقضي، فلا يعدونه نعمة يتمنون دوام الإسلام لدوامها، وعبر عن سخطهم بإذا الفجائية وبالفعل المضارع، للدلالة على سرعته واستمراره، وهذا دأب المنافقين وخلقهم في كل زمان ومكان، كما نراه بالعيان حتى من مدعي كمال الإيمان، والعلم والعرفان.

2- قوله تعالى: ﴿ وَلَوْ أَنَّهُمْ رَضُوا مَا آتَاهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ سَيُؤْتِينَا اللَّهُ مِن فَضْلِهِ وَرَسُولُهُ إِنَّا إِلَى اللَّهِ رَاغِبُونَ ﴾ [سورة التوبة: 59].
ثم وضَّح سبحانه المنهج الذي يليق بأصحاب العقيدة السليمة، فقال: ﴿ وَلَوْ أَنَّهُمْ رَضُوا ما آتاهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ ﴾؛ أي: ولو أن هؤلاء المنافقين الذين يلمزونك يا محمد في الصدقات، رضوا ما أعطاهم الله ورسوله من عطاء، وقالوا على سبيل الشكر والقناعة: «حسبنا الله»؛ أي: كفانا فضله وما قسمه لنا، «سيؤتينا الله من فضله ورسوله»؛ أي: سيعطينا الله في المستقبل الكثير من فضله وإحسانه، وسيعطينا رسوله من الصدقات وغيرها، «إنا إلى الله راغبون»؛ أي: إنا إلى الله راغبون في أن يوسع علينا من فضله، فيغنينا عن الصدقات وغيرها من أموال الناس ومن صلاتهم؛ لأنه سبحانه له خزائن السماوات والأرض، وجواب «لو» محذوف، والتقدير: ولو أنهم فعلوا ذلك لكان خيرًا لهم.

فائدتان مهمتان:
الفائدة الأولى: قال الإمام الرازي ما ملخصه، والآية: ﴿ وَلَوْ أَنَّهُمْ رَضُوا مَا آتَاهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ سَيُؤْتِينَا اللَّهُ مِن فَضْلِهِ وَرَسُولُهُ إِنَّا إِلَى اللَّهِ رَاغِبُونَ ﴾، تدل على أن من طلب الدنيا بطمع وشراهة، آل أمره في الدين إلى النفاق، وأما من طلب الدنيا بتوسط وبغرض التوسل إلى مصالح الدين، فهذا هو الطريق الحق، والأصل في هذا الباب أن يكون راضيًا بقضاء الله.

ألا ترى أنه سبحانه ذكر هنا في هذه الآية مراتب أربعة:
أولها: الرضا بما آتاهم الله ورسوله، لعلمه أنه تعالى حكم منزَّه عن العبث، وكل ما كان حكمًا له وقضاء، كان حقًّا وصوابًا لا اعتراض عليه.

وثانيها: أن يظهر أثر ذلك الرضا على لسانهم وهو قولهم: «حسبنا الله»؛ يعني: أن غيرنا أخذ المال ونحن قد رضينا بحكم الله وقضائه، وفُزنا بهذه المرتبة العظيمة في العبودية.

وثالثها: وهي أن الإنسان إذا لم يبلغ تلك الدرجة العالية التي عندها يقول: «حسبنا الله»، نزل منها إلى مرتبة أخرى وهي أن يقول: «سيؤتينا الله من فضله ورسوله".

ورابعها: أن يقول: «إنا إلى الله راغبون»، فنحن لا نطلب من الإيمان والطاعة أخذ الأموال، وإنما نطلب اكتساب سعادات الآخرة.

الفائدة الثانية: قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله وهو يتحدث عن ذي الخويصرة التميمي الذي قال: اعدل يا رسول الله، كما سبق في ذكر سبب نزول الآية: "هذا الرجل قد نص القرآن أنه من المنافقين بقوله: ﴿ وَمِنْهُمْ مَنْ يَلْمِزُكَ فِي الصَّدَقَاتِ ﴾؛ أي: يعيبك ويطعن عليك، وقوله للنبي صلى الله عليه وسلم: اعدل واتَّق الله، بعدما خص بالمال أولئك الأربعة: نسب للنبي صلى الله عليه وسلم إلى أنه جار، ولم يتق الله، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: (أو لست أحق أهل الأرض أن يتقي الله؟! ألا تأمنوني وأنا أمين من في السماء؟!).

ومثل هذا الكلام لا ريب أنه يوجب القتل، لو قاله اليوم أحد، وإنما لم يقتله النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأنه كان يظهر الإسلام، وهو الصلاة التي يقاتل الناس حتى يفعلوها، وإنما كان نفاقه بما يخص النبي صلى الله عليه وسلم من الأذى، وكان له أن يعفو عنه، وكان يعفو عنهم تأليفًا للقلوب؛ لئلا يتحدث الناس أن محمدًا يقتل أصحابه؛ انتهى من "الصارم المسلول" (ص 228-229).

♦ ويدل على ذلك أيضا ما رواه مسلم (1063) عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِاللهِ قَالَ: "أَتَى رَجُلٌ رَسُولَ اللهِ صَلى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلمَ بِالْجِعْرَانَةِ مُنْصَرَفَهُ مِنْ حُنَيْنٍ، وَفِي ثَوْبِ بِلَالٍ فِضَّةٌ، وَرَسُولُ اللهِ صَلى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلمَ يَقْبِضُ مِنْهَا، يُعْطِي الناسَ، فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ: اعْدِلْ، قَالَ: (وَيْلَكَ وَمَنْ يَعْدِلُ إِذَا لَمْ أَكُنْ أَعْدِلُ؟ لَقَدْ خِبْتَ وَخَسِرْتَ إِنْ لَمْ أَكُنْ أَعْدِلُ)، فَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطابِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: دَعْنِي يَا رَسُولَ اللهِ فَأَقْتُلَ هَذَا الْمُنَافِقَ، فَقَالَ: (مَعَاذَ اللهِ أَنْ يَتَحَدَّثَ الناسُ أَني أَقْتُلُ أَصْحَابِي، إِنَّ هَذَا وَأَصْحَابَهُ يَقْرَؤُونَ الْقُرْآنَ لَا يُجَاوِزُ حَنَاجِرَهُمْ، يَمْرُقُونَ مِنْهُ كَمَا يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنَ الرمِيَّةِ). فلم ينكر النبي صلى الله عليه وسلم على عمر رضي الله عنه تسميته بالمنافق.

وقال ملا علي القاري رحمه الله: "ذُو الْخُوَيْصِرَةِ رَجُلٌ مِنْ بَنِي تَمِيمٍ نَزَلَ فِيهِ قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ وَمِنْهُمْ مَنْ يَلْمِزُكَ فِي الصدَقَاتِ ﴾، فَهُوَ مِنَ الْمُنَافِقِينَ؛ انتهى مختصرًا من "مرقاة المفاتيح" (9/ 3796).

درة الشرق
01-01-2021, 10:35 PM
جَزآكـ الله جَنةٌ عَرضُهآ آلسَموآتَ وَ الآرضْ
بآرَكـَ الله فيكـ وَفِي مِيزآنَ حَسنَآتكـ ...
آسْآل الله آنْ يَزّينَ حَيآتُكـ بـِ آلفِعْلَ آلرَشيدْ
وَجَعَلَ آلفرْدَوسَ مَقرّكـ بَعْدَ عمرٌ مَديدْ ...
دمْتَ بـِ طآعَة لله ..

نهيان
01-02-2021, 10:07 PM
جزاك الله بخير الجزاء
والدرجة الرفيعه من الجنه
بارك الله فيك ونفع بك
وجعله في ميزان حسناتك

شايان
01-03-2021, 03:12 AM
عطاء مبهر وموضوع اروع
جزاك الله خير الدنيا والاخرة
وجعله في ميزان حسناتك

سارة أحمد
01-03-2021, 11:08 PM
مشكوووووورة
والله يعطيك العافية

انثى برائحة الورد
01-04-2021, 09:34 PM
و بعض الحضور يكون كالنسمة
شاكرة لكم من القلب
ودعواتي بكل خير

خلف الشبلي
01-05-2021, 12:08 AM
موضوع فقهي رائع افادك الله كماافدتينا من هذا الموضوع الايماني
لك كل الشكر والتقدير

القبطان
01-08-2021, 06:17 PM
بارك الله فيك
وجعل ما تقدمه من موضوعات
في ميزان حسناتك
ويجمعنا بك والمسلمين في جنات النعيم
دمت بخير .. اللهم آمين

مديح ال قطب
01-08-2021, 06:51 PM
http://up.skoon-elamar.com/uploads/161011974917621.gif (http://up.skoon-elamar.com/)

ترانيم الشجن
01-08-2021, 11:25 PM
https://www.ashefaa.com/up//uploads/images/ashefaa-40f8181f8e.gif

انثى برائحة الورد
01-11-2021, 03:21 PM
حضوركم احبتي
أمتزج بين بريق النجوم
وشعاع الشمس
شكرا انكم هنا

ذيب الجنوب
01-17-2021, 09:24 AM
يعطيك العافية على هذا الابداع
سلمت يمناك ولاعدمنا جديدك المميز
لك مني أجمل التحيات

حلوة الروح
04-18-2021, 03:54 PM
بورك لكم هذا العطاء
لا حرمنا فيض من تطرحونه من مواضيع قيمة
مودة مغلفة بالتقدير و الاحترام

انثى برائحة الورد
04-18-2021, 06:11 PM
مرورك الجميل اسعدني كثيراً:113: