مشاهدة النسخة كاملة : دفاع عن عثمان بن عفان


انثى برائحة الورد
09-24-2021, 05:26 PM
الخطبة الأولى
كنا شرعنا في سلسلة مباركة حول الدفاع عن الصحابة، ضد ترهات جملة من المستشرقين الحاقدين، وبعض الطوائف المغالين في سب الصحابة والطعن عليهم، كذباً وبهتاناً، وتزويراً للحقائق، وترويجاً للروايات الباطلة، التي تحاول أن تصور عصر الخلفاء الراشدين، على أنه عصر صراع وعراك من أجل الاستحواذ على السلطة، والاستمتاع بلذة الحكم، مع أن رسولنا صلى الله عليه وسلم وجه لنا الخطاب الحاسم في بيان براءتهم، ووجوب اتباع سنتهم فقال: "عَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الْمَهْدِيِّينَ الرَّاشِدِينَ، تَمَسَّكُوا بِهَا وَعَضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ" صحيح سنن أبي داود.

وكنا قد انتهينا من الحديث عن خلافة أبي بكر الصديق رضي الله عنه، وبينا صدقه، وقوة إيمانه، وبراءته من ظلم الظالمين، واعتداء المعتدين، ثم فصلنا القول في خلافة عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وتبين لنا عدله وإنصافه، وحرصه على طهارة المجتمع المسلم من سطوة المفسدين، وشوكة المحتالين الانتهازيين، وكيف مكن الله للإسلام في عهده، فانتشر في الأمصار، وطبقت شهرته الآفاق.

ونتناول اليوم إن شاء الله الجزء الأول من الحديث عن الخليفة الراشد الثالث: عثمان بن عفان رضي الله عنه، الغني الشاكر، والحَيِيُّ الصابر، لنميط اللثام عن كثير مما اتهمه به أعداؤه، وتلقفه المناوئون المعاصرون، فروجوا له في المواقع، ونشروه في بعض القنوات. وَلْنَرَ، هل في سيرة هذا الصحابي الجليل ما يمكن أن يجعله موضع التهمة، مهدور الحرمة، منزوع الكرامة؟.

لقد أقر الصحابة أن عثمان كان ثالث أفضل رجل بعد أبي بكر وعمر، كما شهد بذلك الصحابي الجليل عبد الله بن عمر رضي الله عنه حيث قال: "كُنَّا فِي زَمَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم لاَ نَعْدِلُ بِأَبِي بَكْرٍ أَحَدًا، ثُمَّ عُمَرُ، ثُمَّ عُثْمَانُ، ثُمَّ نَتْرُكُ أَصْحَابَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم لاَ نُفَاضِلُ بَيْنَهُمْ" البخاري.

وكان ابن عمر رضي الله عنه إذا تلا قوله: ﴿ أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ ﴾ [الزمر: 9] قال: "ذاك عثمان بن عفان".

لم يتأت لرجل قبله أو بعده أن يتزوج ابنتي نبي إلا هو رضي الله عنه، حيث تزوج رقية بنت النبي صلى الله عليه وسلم، ثم بعد وفاتها تزوج أم كلثوم، ولذلك لُقِّبَ بذي النورين. وجعله النبي صلى الله عليه وسلم ضمن العشرة المبشرين بالجنة حين قال: "أبو بكر في الجنة، وعمر في الجنة، وعثمان في الجنة.." وذكر باقي العشرة. صحيح سنن ابن ماجة.

كان قبل الإسلام من أحسن الناس خلقا، وأعظمهم فضلا، كان محبوبا موقرا، ذا مكانة عظيمة في نفوس قريش، حتى إنَّ المرأةَ من قريش كانت تُرَقِّص صبِيَّها الصغيرَ، وتقولُ:
أُحِبُّكَ والرَّحمنْ دفاع عن عثمان بن عفان (1) space.gif
حُبَّ قُرَيشٍ لِعُثْمانْ دفاع عن عثمان بن عفان (1) space.gif


قال الشعبي رحمه الله: "كان عثمان في قريشٍ مُحبَّبًا، يُوصون إليه ويُعظِّمونه".

فهل رجل بهذه القامة، يمكن أن ينقم عليه أحد إلا أن يكون من مرضى القلوب، الساعين في الفتن بين المسلمين، كما سعوا في ذلك بالطعن على أشرف الخلق صلى الله عليه وسلم؟ "وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ فَصَبَرُوا عَلَى مَا كُذِّبُوا وَأُوذُوا حَتَّى أَتَاهُمْ نَصْرُنَا".

لم يثبت أن سجد عثمان لصنم قط، ولم يقترف فاحشة قط، فلم يعرف عنه شرب خمر، أو سماع لهو، أو خفة شباب، أو طيش ثراء.

كان شديد الحياء قبل الإسلام وبعده. قال النبي صلى الله عليه وسلم: "أرحم أمتي بأمتي أبو بكر، وأشدهم في دين الله عمر، وأصدقهم حياء عثمان" صحيح سنن ابن ماجة.

وقال صلى الله عليه وسلم: "إِنَّ عُثْمَانَ رَجُلٌ حَيِيٌّ" مسلم.
وعن عائشة رضي الله عنها قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم مضطجعا في بيته، كاشفا عن فخذيه، فاستأذن أبو بكر، فأذن له وهو على تلك الحال، فتحدث، ثم استأذن عمر، فأذن له وهو على تلك الحال، فتحدث، ثم استأذن عثمان، فجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم، وسوى ثيابه، فدخل، فتحدث، فلما خرج قالت عائشة: يا رسول الله، دخل أبو بكر، فلم تهش له، ولم تبال به، ثم دخل عمر، فلم تهش له، ولم تبال به، ثم دخل عثمان، فجلست فسويت ثيابك؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "ألا أستحيي من رجل تستحيي منه الملائكة؟" مسلم.

أسلم على يد أبي بكر الصديق رضي الله عنه بلا تردد أو تلكؤ، فكان من السابقين الأولين. قال رضي الله عنه: "صحبتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم وبايَعتُه، فوالله ما عصيتُه، ولا غششتُه حتى توفاه الله عز وجل، ثم أبو بكر مثلُه، ثم عمر مثلُه" البخاري. ولذلك تُوفِّي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو عنه راضٍ كما قال عبد الرحمن بن سمُرة.

وكانت بيعته بالخلافة محط اتفاق بين الصحابة. قال عبدالله بن مسعود رضي الله عنه حين بايَعوا عثمان بالخلافة: "بايَعنا خيرَنا ولم نألُ". قال الإمام أحمد رحمه الله: "لم يجتمعوا على بيعة أحدٍ ما اجتمعوا على بيعة عثمان".

كان رضي الله عنه كريما، شديد السخاء، يعطي بلا حساب.

فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: "مَنْ يَحْفِرْ بِئْرَ رُومَةَ فَلَهُ الْجَنَّةُ؟"، فحفرها عثمان. رواه البخاري. وكانت البئر ليهودي، فاشتراها عثمان منه بعشرين ألف درهم، وجعلها للمسلمين.

وقال صلى الله عليه وسلم: "مَنْ جَهَّزَ جَيْشَ الْعُسْرَةِ فَلَهُ الْجَنَّةُ؟"، فجهزه عثمان. رواه البخاري. وكان النبي صلى الله عليه وسلم قد تهيأ لمقاتلة الروم عام تبوك، في السنة التاسعة للهجرة، وكان الفصل شديد الحرارة، وكان جيش المسلمين ثلاثين ألفا، ليس لهم مؤونة ولا زاد، فدعا النبي صلى الله عليه وسلم الناس إلى الإسهام بما عندهم لتجهيز الجيش، فجعل الناس يتطوعون بما أفاء الله عليهم من مال أو زاد، يتقدمهم أبو بكر الصديق رضي الله عنه بكل ماله الذي بلغ أربعة آلاف درهم، ثم جاء عمر بن الخطاب رضي الله عنه بنصف ماله، أما عثمان فقد جهز ثلث الجيش، أي عشرة آلاف جندي، قد كفاهم كل ما يحتاجونه. قال ابن شهاب الزهري: "قَدَّم عثمان لجيش العسرة في غزوة تبوك تسعمائة وأربعين بعيراً، وستين فرساً أتم بها الألف". وبالإضافة إلى كل ذلك، جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم بألف دينار في كمه، فنثرها في حجره، فأخذ النبي صلى الله عليه وسلم يقلبها في حجره ويقول: "ما ضر عثمانَ ما عمل بعد اليوم" مرتين. صحيح سنن الترمذي.

قال ابن إسحاق: "أنفق عثمان في ذلك الجيش نفقة عظيمة، لم ينفق أحد مثلها".

الخطبة الثانية
لما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من يشتري بقعة آل فلان فيزيدها في المسجد بخير منها في الجنة؟"، اشتراها عثمان من صلب ماله. صحيح سنن الترمذي. وكان قد اشتراها بخمسة وعشرين ألفًا.

وعن أبي مسعود رضي الله عنه قال: كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في غزاة، فأصاب الناسَ جهد، حتى رأيت الكآبة في وجوه المسلمين، والفرحَ في وجوه المنافقين، فلما رأى ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "والله لا تغيب الشمس حتى يأتيكم الله برزق". فعلم عثمان أن الله ورسوله سيصدُقان، فاشترى عثمان أربع عشرة راحلة بما عليها من الطعام، فوجه إلى النبي صلى الله عليه وسلم منها بتسع، فلما رأى ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ما هذا؟ قال: أهدى إليك عثمان. فعُرف الفرح في وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم، والكآبةُ في وجوه المنافقين، فرأيت النبي صلى الله عليه وسلم قد رفع يديه حتى رُئي بياض إبطيه، يدعو لعثمان دعاء ما سمعته دعا لأحد قبله ولا بعده: "اللهم أعط عثمان، اللهم افعل بعثمان" تاريخ دمشق.

ويعتبر عثمان رضي الله عنه أول من سن وضع الطعام في المسجد في رمضان، اعتناء بالمتعبدين الذين يتأخرون في المسجد، واهتماما بابن السبيل والفقير، وتشجيعا للناس على سنة الاعتكاف.

وورد في السيرة الحلبية، أنه كان رضي الله عنه يعتق كل جمعة رقبة في سبيل الله منذ أسلم، فجميع ما أعتقه ألفان وأربعمائة رقبة تقريبًا.

ومع كثرة ماله، كان زاهدا ورعا رضي الله عنه، فقد روى شرحبيل بن مسلم أن عثمان بن عفان رضي الله عنه كان يطعم الناس طعام الإمارة، ويدخل إلى بيته فيأكل الخل والزيت.
إِذَا أَعْجَبَتْكَ خِصَالُ امْرِئٍ دفاع عن عثمان بن عفان (1) space.gif
فَكُنْهُ تَكُنْ مِثْلَ مَا يُعْجِبُكْ دفاع عن عثمان بن عفان (1) space.gif
فَلَيْسَ عَلَى الجُودِ وَالمَكْرُمَاتِ دفاع عن عثمان بن عفان (1) space.gif
إِذَا جِئْتَهَا حَاجِبٌ يَحْجُبُكْ دفاع عن عثمان بن عفان (1) space.gif


هؤلاء صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، الذين قاموا بهذا الدين، فاسترخصوا في سبيله نفوسهم، وأموالهم، ونقلوه إلينا بكل أمانة، فكانت محبتهم من أصول ديننا، والاقتداء بهديهم من وصايا رسولنا صلى الله عليه وسلم، والتعطر بسيرتهم من صميم شريعتنا. قال الإمام أحمد رحمه الله: "ومن السنة ذِكر محاسن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كلهم أجمعين".

انثى برائحة الورد
09-24-2021, 05:27 PM
الخطبة الأولى
انتهينا في الجمعة الماضية من الجزء الأول من بيان بعض فضائل الخليفة الراشد الثالث عثمان بن عفان رضي الله عنه، وذكرنا أنه من الذين بشرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بالجنة، والوحيد الذي أكرمه الله تعالى بتزوج بنتي رسولٍ، وأنه أصدق الصحابة حياء، حتى إن الملائكة لتستحيي منه، وأنه كان شديد الكرم، يعطي ولا يبالي، فاشترى بماله الجنة مرتين كما قال أبو هريرة، وذلك حين حفر بئر رومة، وحين جهز جيش العسرة، ونثر ألف دينار في حجر رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي فصل في مآل عثمان فقال: "ما ضر عثمان ما عمل بعد اليوم" مرتين. صحيح سنن الترمذي.


هذا الرجل بهذه القامة العظيمة، لا يمكن أن تكون سيرته إلا هديا على خطى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقبسا من قبساته.

فقد كان من أعظم مآثره رضي الله عنه، أنه جمع هذا المصحف الذي يوجد اليوم بين أيدينا، الذي ينسب إليه رضي الله عنه رسمه، فيقال: الرسم العثماني، وتلك منقبة لم يظفر بها أحد من الصحابة الكرام. قال الشعبي: "لم يجمع القرآن أحد من الخلفاء من الصحابة غيرُ عثمان"، حتى إن عليًّا رضي الله عنه قال: "لو لم يصنعه عثمان لصنعته".

فعن أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أن حُذَيْفَةَ بْنَ الْيَمَانِ قَدِمَ عَلَى عُثْمَانَ، وَكَانَ يُغَازِي أَهْلَ الشَّامِ فِي فَتْحِ إِرْمِينِيَةَ وَأَذْرَبِيجَانَ مَعَ أَهْلِ الْعِرَاقِ، فَأَفْزَعَ حُذَيْفَةَ اخْتِلاَفُهُمْ فِي الْقِرَاءَةِ، فَقَالَ حُذَيْفَةُ لِعُثْمَانَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، أَدْرِكْ هَذِهِ الأُمَّةَ قَبْلَ أَنْ يَخْتَلِفُوا فِي الْكِتَابِ اخْتِلاَفَ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى. فَأَرْسَلَ عُثْمَانُ إِلَى حَفْصَةَ أَنْ أَرْسِلِي إِلَيْنَا بِالصُّحُفِ نَنْسَخُهَا فِي الْمَصَاحِفِ ثُمَّ نَرُدُّهَا إِلَيْكِ، فَأَرْسَلَتْ بِهَا حَفْصَةُ إِلَى عُثْمَانَ، فَأَمَرَ زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ، وَعَبْدَ اللَّهِ بْنَ الزُّبَيْرِ، وَسَعِيدَ بْنَ الْعَاصِ، وَعَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ الْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ فَنَسَخُوهَا فِي الْمَصَاحِفِ، وَقَالَ عُثْمَانُ لِلرَّهْطِ الْقُرَشِيِّينَ الثَّلاَثَةِ: إِذَا اخْتَلَفْتُمْ أَنْتُمْ وَزَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ فِي شَيْءٍ مِنَ الْقُرْآنِ، فَاكْتُبُوهُ بِلِسَانِ قُرَيْشٍ، فَإِنَّمَا نَزَلَ بِلِسَانِهِمْ، فَفَعَلُوا، حَتَّى إِذَا نَسَخُوا الصُّحُفَ فِي الْمَصَاحِفِ، رَدَّ عُثْمَانُ الصُّحُفَ إِلَى حَفْصَةَ، وَأَرْسَلَ إِلَى كُلِّ أُفُقٍ بِمُصْحَفٍ مِمَّا نَسَخُوا، وَأَمَرَ بِمَا سِوَاهُ مِنَ الْقُرْآنِ فِي كُلِّ صَحِيفَةٍ أَوْ مُصْحَفٍ أَنْ يُحْرَقَ" البخاري.

كان ذلك بعد استشارة الصحابة، واختيار أولى الناس من كتبة الوحي وحفاظه.

أورد ابن حجر في الفتح أن عثمان رضي الله عنه قال: "مَن أَكْتَبُ الناس؟ قالوا: زيد بن ثابت. قال: فأي الناس أفصح؟ قالوا: سعيد بن العاص. فقال: فَلْيُمْلِ سعيد، وليكتب زيد".

وكان القرآن لعثمان مثل ظله، لا يفارقه، فقد نقل الذهبي عن الداني، أن عثمان عرض القرآن على النبي صلى الله عليه وسلم، وهو أول من كتب المفصل من الصحابة. وقال الذهبي: "وصح من وجه أن عثمان قرأ القرآن كله في ركعة".

وكان رضي الله عنه يقول: "إني لأَكرَهُ أن يأتيَ عليَّ يومٌ لا أنظرُ فيه في المصحف". ويقول: "لو طَهُرَتْ قلوبُكم، ما شبعتُم من كلام الله". لذلك لم يمت رضي الله عنه حتى خَلِقَ مصحفُه من كثرة ما يُديم النظر فيه كما قال الحسن البصري رحمه الله.

وأضاف إلى ذلك علما غزيرا، وعبادة وافرة. قال ابن سيرين: "كان أعلَمُهم بالمناسك عثمان".

وقال ابن شهاب الزهري: "لو هَلك عثمان بن عفان وزَيدُ بن ثابت في بعض الزمان، لهلك علم الفرائض إلى يوم القيامة، ولقد جاء على الناس زمان ولا يَعلمها غيرهما".

وعن الزبير بن عبد الله، عن جدته "أن عثمان كان يصوم الدهر، ويقوم الليل إلا هجعةً من أوله".

ومن خشيته لربه رضي الله عنه، أنه كَانَ إِذَا وَقَفَ عَلَى قَبْرٍ بَكَى حَتَّى تَبْتَلَّ لِحْيَتُهُ، فَقِيلَ لَهُ: تَذْكُرُ الْجَنَّةَ وَالنَّارَ مِنْ هَذَا؟ قَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "إِنَّ الْقَبْرَ أَوَّلُ مَنَازِلِ الآخِرَةِ، فَإِنْ نَجَا مِنْهُ، فَمَا بَعْدَهُ أَيْسَرُ مِنْهُ، وَإِنْ لَمْ يَنْجُ مِنْهُ، فَمَا بَعْدَهُ أَشَدُّ مِنْهُ". قال: وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "وَاللَّهِ مَا رَأَيْتُ مَنْظَرًا إِلا وَالْقَبْرُ أَفْظَعُ مِنْهُ" صحيح سنن ابن ماجة.

وجمع مع ذلك تواضعا في نفسه جما، وتذللا لرعيته نادرا. يقول أبو عبد الله مولى شداد: "رأيت عثمان يخطب، وعليه إزار غليظ ثمنه أربعة دراهم".

وعن الحسن قال: "رأيت عثمان نائما في المسجد، ورداؤه تحت رأسه، فيجيء الرجل فيجلس إليه، ويجيء الرجل فيجلس إليه، كأنه أحدهم".

وعن عبد الله الرومي قال: "كان عثمان يلي وَضوء الليل بنفسه، فقيل له: لو أمرتَ بعض الخدم فكفوك. قال: لا، الليل لهم يستريحون فيه".

وقال الحسن رضي الله عنه: "رأيت عثمان بنَ عفانَ يَقِيلُ في المسجد وهو يومئذ خليفة، وأثر الحصى بجنبه، فيقال: هذا أمير المؤمنين، هذا أمير المؤمنين".

وكان يقول رضي الله عنه: "حُبِّبَ إليَّ من الدنيا ثلاث: إشباعُ الجياع، وكِسْوَةُ العُريان، وتلاوةُ القرآن".

وزاد على هذه الخصال أن كان سليم الصدر، لا يحمل لأحد غلا ولا حسدا. قال عليٌّ رضي الله عنه: "إني لأرجو أن أكون أنا وعثمان ممن قال الله فيهم: "ونَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ".

فكيف إذا أضيف إلى كل ذلك الحنكة في السياسة، والصرامة في محاسبة المسؤولين، واللطف في تفقد أحوال الرعية. فقد كان يتفقد أحوال الحجاج بنفسه، فيلتقيهم، ويسمع شكاياتهم وتظلمهم من ولاتهم. وكان يأمر بحضور عماله في كل موسم مع الذين يشكونهم، حتى يقف على المظالم بنفسه. وكان يبعث المراقبين إلى الأمصار، ليطلعوا على أحوال أهلها، ويوفوه بتقارير حول أحوال الناس وعلاقاتهم بالولاة والعمال.

فكان خليقا به رضي الله عنه أن تتوالى الفتوحات في عهده، وأن ينتشر القرآن في البقاع البعيدة. قال ابن كثير رحمه الله: "وفي عصر عثمان بن عفان امتدَّت الممالكُ الإسلاميةُ إلى أقصى مشارِقِ الأرض ومغارِبها، وذلك ببركة تلاوته، ودراسته، وجمعه الأمةَ على حفظِ القرآن".

وكان ابن كثير يرى أنه يصدق في خلافته قول النبي صلى الله عليه وسلم: "إن الله زَوَى لي الأرضَ فرأيتُ مشارقَها ومغارِبها، وإن أمتي سيبلُغ مُلكُها ما زُوِيَ لي منها" رواه مسلم. قال: "وهذا كله تحقَّق وقوعه وتأكَّد وتوطَّن في زمان عثمان".

وعاش المسلمون في كنفه عيشا رغيدا، وأمنا وطيدا، واتفاقا حميدا. قال الحسن البصري رحمه الله: " أدركتُ عثمان.. قَلَّ ما يأتي على الناس يوم إلا وهم يقتسمون فيه خيرا.. الأعطيات جارية، والأرزاق دارَّة، والعدو مُتَّقًى، وذات البين حسن، والخيرُ كثير، وما مؤمنٌ يخافُ مؤمنًا، مَن لقِيَه فهو أخوه مَن كان".

قال الحسن: "عمل عثمان اثنتي عشرة سنة، ما ينكرون من إمارته شيئًا".
رجالٌ كالسنابلِ في عطاءٍ دفاع عن عثمان بن عفان (2) space.gif

يُرَون وكالشُّمُوسِ مُنَوِّرِينا دفاع عن عثمان بن عفان (2) space.gif



الخطبة الثانية
هذه الخيرات التي فتح الله بها على المسلمين في عهد عثمان، هي التي جَرَّأت طائفة من ضعاف القلوب على التفكير في التخلص من خلافته، والاستئثار بها دونه، بل والسعي لقتله وهو ابن الثنتين والثمانين سنة، مما برع فيه اليهود وتلامذتهم عبر التاريخ. فقد تولى كِبْر التخطيط لهذه الجريمة النكراء عبدالله بن سبإ اليهودي، الذي أسلم نفاقا، واستطاع أن يؤثر على عقول من لا يحسُب للأمور حسابا، ففتحوا على الأمة باب شر، أشار إليه النبي صلى الله عليه وسلم حين قال لأَبِى مُوسَى رضي الله عنه: "افْتَحْ لَهُ (أي: عثمان)، وَبَشِّرْهُ بِالْجَنَّةِ عَلَى بَلْوَى تُصِيبُهُ" متفق عليه.

ولقد كان عثمان رضي الله عنه وقافا عند هذه البشارة، منتظرا لهذه البلوى، فامتنع عن مواجهة أعدائه، حقنا للدماء، وحفظا لجماعة المسلمين من المقاتلة والمنابذة، ولو أراد الدخول في هذه الفتنة لغَلَب، لما كان معه من الأنصار الكثر، والعتاد والمال، بل أوصاهم قائلا: "الزموا الجماعة حيث كانت".

قال حذيفة رضي الله عنه: "أول الفتن قتلُ عثمان، وآخرُ الفتن الدجَّال".

قال حسان بن ثابت رضي الله عنه:
قتلتم وَليَّ الله في جوف داره دفاع عن عثمان بن عفان (2) space.gif

وجئتم بأمر جائر غيرِ مهتدي دفاع عن عثمان بن عفان (2) space.gif

فلا ظَفِرَت أيمانُ قوم تعاونوا دفاع عن عثمان بن عفان (2) space.gif

على قتل عثمانَ الرشيدِ المسدَّد دفاع عن عثمان بن عفان (2) space.gif



هكذا أعداء الدين في كل زمان ومكان، تضيق صدورهم عن الحوارات المُقْنعة، والإدلاء بالحجج الدامغة، والبراهين الساطعة، فلا يعرفون إلا الاغتيالات أسلوبا، والانقلابات منهجا، والمحاكمات الأسطوريةَ مسلكا، وغياهبَ السجون ملجأ، ولا حول ولا قوة إلا بالله.

منصور
09-24-2021, 11:39 PM
جزاك الله خيـر
بارك الله في جهودك
وأسال الله لك التوفيق دائما
وأن يجمعنا على الود والإخاء والمحبة
وأن يثبت الله أجرك

نهيان
09-25-2021, 04:21 PM
جزاك الله بخير الجزاء والجنه
بارك الله فيك ونفع بك
وجعله في ميزان حسناتك

انثى برائحة الورد
09-25-2021, 05:53 PM
https://2.bp.blogspot.com/-Mwae65wqaeM/WPO3wnV3r_I/AAAAAAAAw2s/UN3q5hNUy18PAEsomApuSmMU3uHd8gR4wCLcB/s400/13842808115.gif

شايان
09-27-2021, 01:30 AM
أثابك الله الأجر ..
وَ أسعد قلبك في الدنيا وَ الأخرة
دمتِ بحفظ الرحمن

انثى برائحة الورد
09-27-2021, 01:04 PM
أسعدني
مروركم الرائع والجميل
ووجودكم الاروع في متصفحي

ابو الملكات
09-27-2021, 04:54 PM
اللهم صلى وسلم على الحبيب المصطفى عليه افضل الصلاة والتسليم
جزاك الله خير ورحم والديك شكراً على طرحك الكريم

عطر الزنبق
10-02-2021, 02:54 AM
جزاك المولى خير الجزاء ونفع بك
وألبسك لباس التقوى والغفران
وجعلك ممن يظلهم الله في يوم لا ظل إلا ظله
وعمر الله قلبك بالإيمان
على طرحك المحمل بنفحات إيمانية
تحيتي لك

- آتنفسك❀
10-04-2021, 08:05 PM
http://www.ashefaa.com/up//uploads/images/ashefaa-a799397d47.gif

شغف
10-05-2021, 07:33 AM
جزاك الله خير
و بارك بعلمك و عملك

انثى برائحة الورد
10-05-2021, 06:40 PM
الأروع هو حضوركم الباذخ
اسعدني تواجدكم ونثر حروفكم العطره

مودتي التي لا تفنى
http://a3zz.net/upload/uploads/images/a3zz-7891e79eef.gif