مشاهدة النسخة كاملة : التصوير البياني في سورة الرعد (2)


نبراس القلم
11-15-2021, 10:34 PM
ومن بين الصور البديعة الرائعة ما تضمنته بعض آيات هذه السورة الكريمة عن الغيبيات التي ضم إطارها بيان انفراد الله - سبحانه - بعلم الغيب، وإحاطته بكل ما في الكون من إنسان أو حيوان أو جماد، وما تحمل كل أنثى، وما في الأرحام من أنواع الحمل، وعلم الغيب والشهادة، ï´؟ لَا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ فِي السَّمَوَاتِ ï´¾ [سبأ: 3]، وتلك الصورة تجمعها الآيات الكريمات من قوله - تعالى -: ï´؟ اللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَحْمِلُ كُلُّ أُنْثَى وَمَا تَغِيضُ الْأَرْحَامُ وَمَا تَزْدَادُ وَكُلُّ شَيْءٍ عِنْدَهُ بِمِقْدَارٍ * عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الْكَبِيرُ الْمُتَعَالِ * سَوَاءٌ مِنْكُمْ مَنْ أَسَرَّ الْقَوْلَ وَمَنْ جَهَرَ بِهِ وَمَنْ هُوَ مُسْتَخْفٍ بِاللَّيْلِ وَسَارِبٌ بِالنَّهَارِ * لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوءًا فَلَا مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَالٍ ï´¾ [الرعد: 8 - 11]، وقوله - تعالى -: ï´؟ أَفَمَنْ هُوَ قَائِمٌ عَلَى كُلِّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ وَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ قُلْ سَمُّوهُمْ أَمْ تُنَبِّئُونَهُ بِمَا لَا يَعْلَمُ فِي الْأَرْضِ أَمْ بِظَاهِرٍ مِنَ الْقَوْلِ بَلْ زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مَكْرُهُمْ وَصُدُّوا عَنِ السَّبِيلِ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ ï´¾ [الرعد: 33].
وقوله في سياق آخر: ï´؟ وَقَدْ مَكَرَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلِلَّهِ الْمَكْرُ جَمِيعًا يَعْلَمُ مَا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ وَسَيَعْلَمُ الْكُفَّارُ لِمَنْ عُقْبَى الدَّارِ * وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَسْتَ مُرْسَلًا قُلْ كَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ ï´¾ [الرعد: 42، 43].
هنا سبع آيات تحدثت عن الأمور الغيبية، في إطار بديع محكم، يصور مدى علم الله المحيط بكل شيء، فلنتفحص جوانب الإبداع التصويري في هذه اللوحات القرآنية الشفافة.
لعل من أبرز خصائص الإبداع التصويري في قوله - تعالى -: ï´؟ اللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَحْمِلُ كُلُّ أُنْثَى وَمَا تَغِيضُ الْأَرْحَامُ وَمَا تَزْدَادُ ï´¾ [الرعد: 8] لجوءَ الآية هنا إلى أسلوب التقابل الفني بين لفظتي: "تفيض وتزداد"، وما تحمله كل من هاتين اللفظتين من معاني كثيرة، كفى عن سردها وذكرها التعبير بهما متقابلتين، فإن مما تنقصه الأرحام وتزداده: عدد الولد، وهيئة جسده، فتمام الخلقة، أو مخدج، ومنه مدة ولادته، فقد تكون لتسعة أشهر، أو أقل أو أزيد إلى سنتين عند أبي حنيفة، وأربع عند الشافعي، وخمس عند مالك، ومنه الدم، فإنه يقل ويكثر، وقبل هذا كله علم الله المحيط بما في هذه الأرحام من جنس الولد، أذكر أم أنثى؟ وما يتبع ذلك من صفات الحسن والقبح، والطول والقِصر، وكل صفة أو حال حاضرة أو مترقبة، كل هذه المعاني عبر عنها بلفظتين اثنتين، فما أدقه من تصوير، وما أروعه من إيجاز!"[1].
وفي هذا التصوير العجيب، عن مدى علم الله بالغيب، وإحاطته بكل شيء، يقف الحس مشدوهًا يرتعش تحت وقع هذه اللمسات العميقة في التصوير، وتحت هذه الإيحاءات الصوتية العجيبة في التعبير، نعم يقف مشدوهًا وهو يقفو مسارب علم الله، ومواقعه، وهو يتتبع الحمل المكنون في الأرحام، والسر المستور في الصدور؛ ï´؟ يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ ï´¾ [غافر: 19].
يقف الحس مشدوهًا وهو يتبع الحركة الخفية في جنح الليل وسروب النهار، وكل مستخفٍ، وكل سارب، وكل جاهر، وكل هامس.
إن هذا كله مكشوف تحت المجهر الكاشف، يتتبعه شعاع من علم الله، وتتعقبه حفظة تحصي الخواطر والنوايا، إلا أنها الرهبة الخاشعة، التي لا تملِك النفس معها إلا أن تلجأ إلى الله، تطمئن في حماه، وأن المؤمن بالله ليعلم أن علم الله محيط بما في الظاهر والخفي، ولكن وقع هذه القضية الكلية في الحس لا يقاس إلى وقع مفرداتها، كما يعرض السياق بعضها في هذا التصوير العجيب: ï´؟ اللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَحْمِلُ كُلُّ أُنْثَى ï´¾ [الرعد: 8] حين يذهب الخيال يتبع كل أنثى في هذا الكون المترامي الأطراف، كل أنثى في الوبر والمدر، في البدو والحضر، في البيوت والكهوف، والمسارب والغابات، ويتصور علم الله محيطًا بهذه الأجنحة في خفاياها، واطلاعه على كل دانق منها، لا يملِك المؤمن إلا أن يقول: سبحانك[2].
إن هذه الصورة البيانية عن علم الله - سبحانه - بالغيب تأتي ختامًا للسورة "بحكاية إنكار الكفار للرسالة المحمدية، وقد بدئت السورة بإثبات الرسالة، فالتقى البدء والختام، ويشهد الله مكتفيًا بشهاداته، وأنه - تعالى - هو الذي عنده العلم المطلق بهذا الكتاب وبكل كتاب، وتلك الصورة جاءت آية في الإحكام والتناسب؛ إذ ختمت بها آيات السورة الكريمة التي تزخر بكثير من القضايا؛ قضية الوحي والرسالة، وقضية الشركاء، وقضية الوعد والوعيد للكفار، وطلبهم المعجزات من رسول الله صلى الله عليه وسلم، فجاءت تلك الآية الكريمة حاسمة لكل تلك القضايا، مكتفية بعلم الله وشهادته - سبحانه - التي لا يعدلها شهادة: ï´؟ قُلْ كَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ ï´¾ [الرعد: 43]، وتأمل في إطار تلك الصورة المبتدأة بفعل الأمر "قل" تلك اللفظة التي هي واسطة العقد في تركيب هذه الآية، فكأنما تبقي النفوس متطلعة لما سيرد على الكفار في قولهم: ï´؟ لَسْتَ مُرْسَلًا ï´¾ [الرعد: 43]، وكأنما يتطلع إلى نتيجة ذلك الاعتراض، ولما جاءت هذه اللفظة التي هي فعل الأمر "قُلْ" انتزعت من النفوس كل تردد واضطراب، نعم ï´؟ قُلْ كَفَى بِاللَّهِ ï´¾ لا غيره شهيدًا على ما أقول، وعلى صدق رسالتي، وأمضي متتبعًا جزئيات هذه الصورة البيانية في سياق الآيات من قوله - تعالى -: ï´؟ سَوَاءٌ مِنْكُمْ مَنْ أَسَرَّ الْقَوْلَ وَمَنْ جَهَرَ بِهِ وَمَنْ هُوَ مُسْتَخْفٍ بِاللَّيْلِ وَسَارِبٌ بِالنَّهَارِ * لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ ï´¾ [الرعد: 10، 11].
وانظر جلال المشهد التصويري وعظمته حين "يذهب الخيال يتتبع كل هامس، وكل جاهر، وكل مستخفٍ وكل سارب في هذا الكون الفسيح الهائل، ويتصور علم الله - جلت قدرته - يتعقب كل فرد من بين يديه ومن خلفه، ويقيد عليه كل شاردة وكل واردة آناء الليل وأطراف النهار.
إن اللمسات التي رسمتها تلك الصورة عن آفاق الكون ليست بأضخم ولا أعمق من هذه اللمسات الأخيرة، في أغوار النفس والغيب ومجاهيل السرائر، وأن هذه لكفء لتلك في مجال التقابل والتناظر"[3].
وأن لأسلوب التعريف والتنكير في بعض الألفاظ التي يشملها إطار هذه الصورة لمزيَّةً تخلَعُ على المشهد مزيدًا من الإبانة والإيضاح؛ فقد جيء بالسر والجهر معرفين بالاسم الموصول ï´؟ مَن ï´¾ في قوله - تعالى -: ï´؟ أَسَرَّ الْقَوْلَ وَمَنْ جَهَرَ بِهِ ï´¾ [الرعد: 10] إشارة إلى أن كلاًّ منهما قاصد لما كان منه من إسرار وجهر، فكأنه بقصده ميز نفسه بتعريف، وأما قوله - تعالى -: ï´؟ مُسْتَخْفٍ بِاللَّيْلِ وَسَارِبٌ بِالنَّهَارِ ï´¾ [الرعد: 10] فقد عرف المستخفي بالموصول ï´؟ مَن ï´¾؛ لأن المستخفي هنا قاصد للتواري، والخفاء متتبع له، وبذلك ميز بالاستخفاء الذي لا يجديه، فاستحق أن يشار إليه بأنه معروف غير مجهول، ولكن الذي يلفت النظر هو قوله - تعالى -: ï´؟ وَسَارِبٌ بِالنَّهَارِ ï´¾ [الرعد: 10]؛ إذ لم يأتِ فيه لفظ "سارب" معرَّفًا بل جاء منكَّرًا، وكأن الغرض من تنكيره بيان أن إيراده قد كان لاستكمال الطرفين المتضادين بالتسوية، وليس الغرض تنبيهه إلى أنه معلوم غير مجهول؛ لأنه في الأصل لا يقصد خفاء نفسه، ولا إظهارها، وإنما هو سارب من الساربين؛ فهو واحد من كثيرين أعمالهم معلومة لله تعالى"[4].
والحَظْ ذلك الإبداع في دقة التصوير من خلال طرف المبالغة "في جانب المخاطب"؛ حيث جاءت تلك المبالغة مدمجة في المقابلة، والمعنى أن هذا الظهور وهذا الاستخفاء متعذر على الناس الذين يدركون بحواسهم ما يظهر لهم ويغيب عنهم ما لا تقع عليه أبصارهم.
أما علم الله فلا مبالغة فيه؛ إذ هو جارٍ على الحقيقة التي لا مراء فيها؛ لأن الله - سبحانه - يعلم السر وأخفى من السر، فليس ذلك متعذرًا عليه - جل ثناؤه"[5].
ويمكننا استخلاص ما اشتملت عليه طريقة الأداء في هذه الصورة من وجوه البيان فيما يلي:
1- التقابل بين الألفاظ والتركيب: إليك لفظ "تغيض" يقابل لفظ "تزداد"، وكذلك "الغيب والشهادة"، و"أسرَّ وجهَر"، و"مستخف وسارب"، و"الليل والنهار".
وفي التركيب قوله: ï´؟ مُسْتَخْفٍ بِاللَّيْلِ ï´¾ [الرعد: 10] بقوله: ï´؟ وَسَارِبٌ بِالنَّهَارِ ï´¾ [الرعد: 10]، و"مِن بين يديه"، يقابله: "ومِن خلفه".
2- مراعاة النظير في قوله - تعالى -: ï´؟ الْكَبِيرُ الْمُتَعَالِ ï´¾ [الرعد: 9] بعد قوله: ï´؟ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ ï´¾ [الرعد: 9]، فكونه - سبحانه - يعلم الغيب والشهادة، فإنه يناسبه من أسمائه الحسنى في هذا المقام قوله: ï´؟ الْكَبِيرُ الْمُتَعَالِ ï´¾ [الرعد: 9].
3 - قوة التأكيد في التخصيص الذي يؤديه قوله - تعالى -: ï´؟ اللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَحْمِلُ كُلُّ أُنْثَى ï´¾ [الرعد: 8]، فإنه تأكيد بالجملة الاسمية، أفاده تقديم اسم الله - تعالى - الذي أسند إليه العلم بالغيب في هذه الآية مرتين:
الأولى: إذ جعلت جملة "يعلم" خبرًا عن لفظ الجلالة.
الثانية: إذ كان فاعل يعلم ضميرًا مستترًا يعود على الله.
وإليك تلك الصورة العجيبة عن علم الله بالغيب، وإحاطته بكل شيء؛ إذ يقول - تعالى -: ï´؟ أَفَمَنْ هُوَ قَائِمٌ عَلَى كُلِّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ ï´¾ [الرعد: 33]... إلى قوله: ï´؟ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ ï´¾ [الرعد: 33]، تأمل مشهد تلك الصورة البيانية المؤتلفة من القيومية لله وحده، "فكل نفس عليها حارس قائم عليها، مشرف ومراقب يحاسبها بما كسبت، ومن هو؟ إنه الله وحده؛ فأية نفس لا تأخذ بها هذه الصورة وهي في ذاتها حق، وإنما يجسمها التعبير القرآني للإدراك البشري الذي يتأثر بالحسيات أكثر مما يتأثر بالتجريدات، أفذلك كذلك؟ ثم يجعل الكفار لله شركاء، وهنا يبدو تصرفهم مستنكَرًا مستغرَبًا في ظل هذا المشهد الشاخص المرهوب: ï´؟ وَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ ï´¾ [الرعد: 33]، والله وحده القائم على نفس بما كسبت، لا تفلت منه ولا تروغ، ويمضي السياق المبدع في التصوير، فيرسم ظل التهكم المر بهؤلاء في قول الله - تعالى -: ï´؟ أَمْ تُنَبِّئُونَهُ بِمَا لَا يَعْلَمُ فِي الْأَرْضِ ï´¾ [الرعد: 33]، وينتهي هذا التهكم بالتقرير الجاد الفاصل في قوله: ï´؟ بَلْ زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مَكْرُهُمْ وَصُدُّوا عَنِ السَّبِيلِ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ ï´¾ [الرعد: 33]، فالمسألة إذًا أن هؤلاء الكفار ستَرُوا أدلة الإيمان، وجهدوا نفوسهم عن دلائل الهدى، فحقت عليهم النهاية الحتمية؛ إضلال الله لهم وتعذيبهم: ï´؟ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ ï´¾ [الرعد: 33][6].
وتأمَّلِ الإطار لتلك الصورة، كيف زخر بصور بلاغية تبرز في وضع الموصول موضع المضمر في قوله: ï´؟ بَلْ زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا ï´¾ [الرعد: 33]، وفي هذا الأسلوب ذم للكفار وتسجيل عليهم.
وكذلك في وضع المُظهَر موضع المضمر في قوله: ï´؟ وَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ ï´¾ [الرعد: 33]، وفي ذلك تنصيص على وحدانية الله ذاتًا واسمًا، وتنبيه على اختصاصه باستحقاق العبادة مع ما في هذا الأسلوب من البيان بعد الإيهام على حد قوله - تعالى -: ï´؟ أَفَمَنْ هُوَ قَائِمٌ عَلَى كُلِّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ ï´¾ [الرعد: 33][7]؛ حيث جاء الموصول للدلالة على تفخيم أمر المبين".
بل تأمل لفظة "أم" في الآية الكريمة: فإن الأولى بمعنى بل، ومجيء الاستفهام متلوًّا بالنفي في قوله: ï´؟ أَمْ تُنَبِّئُونَهُ بِمَا لَا يَعْلَمُ ï´¾ [الرعد: 33] بديع لا تُكْنَهُ بلاغته وبراعته، ولو أتى الكلام على الأصل غير محلى بهذا التصرف البديع لكان على النسق التالي: وجلعوا لله شركاء وما هم دونه إلا أسماء سميتموها[8]، وهذا الإيجاز بالحذف في قوله: ï´؟ أَفَمَنْ هُوَ قَائِمٌ عَلَى كُلِّ نَفْسٍ ï´¾ [الرعد: 33]؛ إذ التقدير كشركائهم أو يشركون به، بدليل قوله - تعالى - بعد ذلك: ï´؟ وَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ ï´¾ [الرعد: 33]، وراعِ هنا استعمال صيغة الاستفهام بمعنى الإنكار الإبطالي لا بمعنى طلب الفهم؛ أي ليس مَن هو قائم على كل نفس بما كسبت كمن ليس كذلك.
ويستطرد السياق لاستكمال الصورة في قوله - تعالى -: ï´؟ وَقَدْ مَكَرَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلِلَّهِ الْمَكْرُ جَمِيعًا يَعْلَمُ مَا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ وَسَيَعْلَمُ الْكُفَّارُ لِمَنْ عُقْبَى الدَّارِ ï´¾ [الرعد: 42]، وذلك بعد نفَس طويل في بعض الآيات، ولم يزل المعنى مستمرًّا يشهد بوحدانية الله، وإحاطته بعلم الغيب على نسق قوله - تعالى -: ï´؟ أَفَمَنْ هُوَ قَائِمٌ عَلَى كُلِّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ ï´¾ [الرعد: 33].
ومما يبعث على التأمل في الجانب التصويري من قوله - تعالى -: ï´؟ وَقَدْ مَكَرَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلِلَّهِ الْمَكْرُ جَمِيعًا يَعْلَمُ مَا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ وَسَيَعْلَمُ الْكُفَّارُ لِمَنْ عُقْبَى الدَّارِ ï´¾ [الرعد: 42] أن جاء ترتيب الأسباب ثم ترتيب النتائج، نلحظ ذلك في صدر الآية من قول الحق - سبحانه -: ï´؟ وَقَدْ مَكَرَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ ï´¾، فقد عقب السياق بذكر نتيجة مكر أولئك الكفار، وتلك النتيجة هي مكر الله الذي لا يُفلِتُ منه أحد، ثم هذا المكر من جانب الله العلي القدير ليس ظلمًا لأحد من البشر، وإنما هو مبنيٌّ على علمه المحيط بما في مكنونات الضمائر والخوالج، فلو صفَتْ نفوس أولئك الكفرة لسلمت من مكر الله، ولكن سبق في علمه المحيط بكل شيء أن هؤلاء استحقوا عاقبة المكر بأخذهم: ï´؟ ثُمَّ أَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كَانَ عِقَابِ ï´¾ [الرعد: 32].
"والمكر تدبير أمر في خفاء عمن دبر عليه؛ لصرفه عما يريد، أو لإيقاعه فيما لا يريد، وقد يكون مذمومًا إذا كان الأمر المدبرُ فيه مؤديًا إلى نتيجة مذمومة، وقد يكون محمودًا إذا كان الأمرُ المدبر فيه مؤديًا إلى نتيجة محمودة".
والضمير في قوله - تعالى -: ï´؟ مِنْ قَبْلِهِمْ ï´¾ يعود إلى المشركين، ومعلوم أن موضوع السورة يدور حول الحديث عنهم؛ أي فلا غرابة أن يكون منهم مكر للرسول - صلى الله عليه وسلم - وبالدين الذي جاء به، وبالمسلمين، فقد سبقتهم أممٌ كثيرة كافرة مكرت بالرسل، وبالرسالات، وبالمؤمنين بها.
••••
قال - جل وعلا -: ï´؟ وَإِنْ يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ ï´¾ [فاطر: 4]، وقوله - عز اسمه -: ï´؟ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ ï´¾ [الأنفال: 30]، ï´؟ وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلَّا خَلَا فِيهَا نَذِيرٌ ï´¾ [فاطر: 24]، ï´؟ كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَأَصْحَابُ الرَّسِّ وَثَمُودُ * وَعَادٌ وَفِرْعَوْنُ وَإِخْوَانُ لُوطٍ * وَأَصْحَابُ الْأَيْكَةِ وَقَوْمُ تُبَّعٍ كُلٌّ كَذَّبَ الرُّسُلَ فَحَقَّ وَعِيدِ ï´¾ [ق: 12 - 14].
ولا تكاد سور القرآن في جملتها تخلو من مثل هذه الآيات الكريمة التي تساق لتهدئة قلب الرسول الكريم، وتثبيت نفسه، وبيان وظيفته، وحملِه على الصبر في نشر دعوته، وتبليغ رسالته.
والذي يعنينا في هذا المقام هو إمعان النظر في إبداع التصوير في الآيات من سورة الرعد، فإذا تدبرنا قول الله - تعالى -: ï´؟ فَلِلَّهِ الْمَكْرُ جَمِيعًا يَعْلَمُ مَا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ ï´¾ [الرعد: 42]، واستشعرنا روعة الأسلوب القرآني ألفينا تركيبًا لا غموض فيه؛ إذ جملته مؤلفة من مبتدأ وخبر وحال، لكن، ما المعنى المراد من كون المكر كله لله؟ إن المكر قد يكون في الخير، وقد يكون في الشر؛ لأن الله ليس بظلام للعبيد، فأخذُه الناس بظلمهم قطع لدابر الشر ونزوات الباطل، وردع للبشر من التردي في مهاوي الفساد والكفر والضلال.
وظلال التصوير القرآني يَشِي ببيان هذا المعنى؛ إذ تحته ما يلي:
1- يتصور الكافرون أنهم يدبِّرون خطط مكرهم في خفاء، وأن خططهم ستحقق لهم الظفر بالرسل ورسالاتهم التي من شأنها أن تسلُبهم نفوذَهم وسلطانهم في قومهم.
2- الله - سبحانه - مطَّلع عليهم، لا تخفى عليه منهم ولا من أفعالهم خافية، فما يظنونه خفيًّا هو معلوم لله - تعالى.
3- يترك الله الماكرين يتابعون تنفيذ خططهم في المكر، وهو مطلع عليهم، وقد دبَّر لهم من الأمر ما ليس في حسبانهم، حتى إذا ظنوا أنهم قد قاربوا قطفَ ثمرةِ مكرهم، فوجِئوا بتدبيرٍ لا علم لهم به أفسد عليهم أَمْرَهم، ووجدوا أنفسهم قد سقطوا في شَرَكِهم الذي نصبوه دون أن يعرفوا كيف سقطوا فيه، وهنا نقول: إن المكر الذي يحاول أن يوجِّهَه الكفارُ لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولِدِينِ الله، إنما هو في الحقيقة مكر بالله، ولما كان الله مطلعًا على ما يدبرون؛ لأنه يعلم ما تكسب كل نفس - سقَط أن يكونَ ما يحاولونه في حقيقة الأمرِ مكرًا، ولما كان الله فيما يمد لهم قد دبر لهم من حيث لا يعملون ما يفسِد عليهم مكرَهم ويوقِعُهم في جزاء عملهم - كان المكر في الحقيقة لله؛ لأن تدابير الله - تعالى - مجهولة لهم، ونافذة فيهم وفي غيرهم لا محالة.
فأي التدبير في الحقيقة وواقع الأمر؟ أتدبيرهم أم تدبير الله؟ لا شك أنه تدبير الله، لكن محاولتهم قد كانت في ابتغاء الشر، وما دبره الله قد كان في ابتغاء الخير[9]"، بقطع دابر المذنب والكافر، وردع من يحوم حول حمى الضلال، وهذا وذاك كله بتدبير الله، إذًا فالمكر كله له؛ لعلمه بكافة الأمور؛ نافعها وضارها.
والتعبير بالمكر في جانب الله - تعالى -: أسلوب من المشاكلة، وهي ضرب من ضروب البلاغة التي وردت في كتاب الله - تعالى.
والمشاكلة هي: التعبير عن الشيء بلفظ غيره؛ لوقوعه في صحبة ذلك الغير، وجمال هذا التعبير أن فيه ائتلافًا بين الألفاظ؛ كما في قوله - تعالى -: ï´؟ وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا ï´¾ [الشورى: 40]، فإن جزاء السيئة عقوبة، ولكنه - تعالى - عبَّر عن العقوبة بالسيئة؛ لوقوعها في صحبة تلك السيئة، ومثل قوله - تعالى -: ï´؟ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ ï´¾ [النساء: 142].
وكذلك المكر هنا في جانب الله الذي من معانيه التدبير لِما يُبيِّت أولئك القوم، وقد عبر القرآن الكريم عن هذا التدبير بالمكر؛ لوقوعه في صحبة مكرهم، وخير الكلام ما كان أوله يدل على آخره، وما كان بعضه آخذًا برقاب بعض.
ولنتبين بعد ذلك قوله - تعالى -: ï´؟ يَعْلَمُ مَا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ ï´¾ [الرعد: 42]، فهو تعليل وبيان لإحاطة علم الله بدخيلة الأنفس، وما تخفي الصدور، فقد ظن أولئك الغافلون أن أحدًا لا يعلم بما يمكرون، فبين لهم الله أنه ما من شاردة أو واردة إلا وعلمه محيط بها، وإذًا: ï´؟ فَلِلَّهِ الْمَكْرُ جَمِيعًا يَعْلَمُ مَا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ ï´¾ [الرعد: 42].
ويمضي السياق في تصوير مدى علم الله بالغيب؛ إذ يقول - تعالى -: ï´؟ وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَسْتَ مُرْسَلًا قُلْ كَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ ï´¾ [الرعد: 43].
وقد حفلت السورة الكريمة بكثير من الصور البيانية التي تنتظم إنكار الكفار للبعث والنشور، واستعجال العذاب، وتصوير المشركين الذين يلجؤون إلى من لا ينفعهم ولا يضرهم، وتمثيلهم بباسط كفيه إلى الماء ليبلغ فاه فلا يصل إليه.
تلك المعاني يبرزها التصوير البديع في الآيات الكريمات من السورة؛ إذ يقول - تعالى -: ï´؟ وَإِنْ تَعْجَبْ فَعَجَبٌ قَوْلُهُمْ أَإِذَا كُنَّا تُرَابًا أَإِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ أُولَئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ وَأُولَئِكَ الْأَغْلَالُ فِي أَعْنَاقِهِمْ وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ * وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالسَّيِّئَةِ قَبْلَ الْحَسَنَةِ وَقَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمُ الْمَثُلَاتُ وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ لِلنَّاسِ عَلَى ظُلْمِهِمْ وَإِنَّ رَبَّكَ لَشَدِيدُ الْعِقَابِ * وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ ï´¾ [الرعد: 5 - 7].
وقوله - تعالى -: ï´؟ لَهُ دَعْوَةُ الْحَقِّ وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لَا يَسْتَجِيبُونَ لَهُمْ بِشَيْءٍ إِلَّا كَبَاسِطِ كَفَّيْهِ إِلَى الْمَاءِ لِيَبْلُغَ فَاهُ وَمَا هُوَ بِبَالِغِهِ وَمَا دُعَاءُ الْكَافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلَالٍ ï´¾ [الرعد: 14].
أربع آيات "يَعجب التعبير في الأولى منهن من أمرِ قومٍ تلك الصورُ التي سبق عرضُها في أول السورة لا توقِظُ قلوبهم، ولا تنبه عقولهم، ولا يلوحُ لهم من ورائها تدبيرُ المدبِّر وقدرةُ الخالق، كأن عقولهم مغلولة، وكأن قلوبهم مقيدة فلا تنطلق للتأمل في تلك الآيات"[10]، وغيرها.
والذي يشد العقل والشعور ذلك التصوير البديع الذي أثاره مصدر التعجب من أولئك الكفار وشكهم في إعادتهم خلقًا جديدًا، فمن بديع ذلك التصوير "التنسيق بين غل العقل وغل العنق: الأول معنوي، والثاني عبر به لاكتمال الصورة في الذهن عن جزائهم بالنار على الكيفية الرهيبة، جزاء تعطيلهم مقومات التفكير والتدبر، التي بها أكرم اللهُ بني الإنسان، لكن هؤلاء الكفار يأبَوْن هذا التكريم ويُعطِّلونه"[11].
وعناصر التصوير هنا جاءت منتزعة من الواقع القريب، فمن لا يعرف الغل "الذي هو الحديدة أو القيد يُغَل به العنق"[12]، ومن منا لم يرَ صورة حسية لمجرم تصفد رجلاه، وتغل يده إلى عنقه؟ إن تلك الصورة لتجري في تنفيذ العقوبات بين الآدميين في حياتهم الدنيا، فكيف بها في عقوبة الآخرة، وكيف بصدورها ممن لا يُرَدُّ بأسه عن القوم المجرمين؟
وقد زاد هذا التصوير براعة تشبيه عوامل الكفر بالأغلال، واستعارة هذا اللفظ لها، واشتمال الآية الكريمة على الاستفهام الذي ليس على حقيقته في قوله: ï´؟ وَإِنْ تَعْجَبْ ï´¾، فهو للإنكار والتعجب؛ إذ الكفار يتعجبون من تحقيق إثبات البعث وينكرونه، واستعمال "إنْ" في قوله: ï´؟ وَإِنْ تَعْجَبْ ï´¾ مع أن الأصل في "إنْ" أن تستعمل في الأمور المشكوك فيها، كما يقول بذلك علماء البلاغة، وفي هذا إشارة إلى ندرة تعجُّبه - صلى الله عليه وسلم - فكأن حصول التعجب عنده من الأمور المشكوك فيها؛ إذ التعجب إنما يحصل ممن يجهل الأسباب، أما من يعلمها فلا، والرسول - صلى الله عليه وسلم - يزوَّد باستمرار بالمعارف الربانية عن طريق الوحي، فقلما يجهل أسباب الأشياء، وكذلك استعمال "إذا" في قوله - تعالى -: ï´؟ أَإِذَا كُنَّا تُرَابًا ï´¾ [الرعد: 5]؛ لأن مصير الناس إلى تراب من الأمور المحقَّقة الوقوع، وقد ذكر علماء البلاغة أن "إذا" تستعمل غالبًا في الأمور المحققة لا المشكوك فيها"[13]، والموت لا شك فيه، واستحالة الأجساد إلى تراب يراه سائر الناس، فليسوا يشكون فيه، فقد كبر عليهم أن تستعيد هذه العظام والأجسام صورتها الأولى يوم البعث والنشور، ويمضي السياق مصورًا شأن هؤلاء الكفار بطلبهم تعجيل العقوبة، ورأفة الله بهم، بهدايتهم أولاً إلى الحق، فإن لم يؤمنوا فإلى العذاب، يقول - سبحانه -: ï´؟ وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالسَّيِّئَةِ قَبْلَ الْحَسَنَةِ وَقَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمُ الْمَثُلَاتُ وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ لِلنَّاسِ عَلَى ظُلْمِهِمْ وَإِنَّ رَبَّكَ لَشَدِيدُ الْعِقَابِ ï´¾ [الرعد: 6].
والتعبير في الآية هنا يقدم مغفرة الله وعقابه، في مقابل تعجُّل هؤلاء الغافلين للعذاب قبل الهداية، ليبدو الفارق الضخم بين الخير الذي يريده الله لهم، والشر الذي يريدونه لأنفسهم، ومن ورائه يظهر انطماس عمى البصيرة وعمى القلب، والانتكاس الذي يستحق درك النار"[14].
وراعِ ذلك التقابل العجيب بين السيئة والحسنة، والظلم والمغفرة، وما قويت به عبارات الآية الكريمة من التوكيد بأن واسمية الجملة واللام في قوله - تعالى -: ï´؟ وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ لِلنَّاسِ عَلَى ظُلْمِهِمْ وَإِنَّ رَبَّكَ لَشَدِيدُ الْعِقَابِ ï´¾ [الرعد: 6]، وتأمل دقة التصوير في قوله - تعالى -: ï´؟ وَقَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمُ الْمَثُلَاتُ ï´¾ [الرعد: 6]، إن الذهن ليظل صامتًا يكتنه مصارع الغابرين التي عبرت عنه لفظة "خلت" و"المثلات"، وما حل بهم من سوء ما عملوا، أما قوله - تعالى -: ï´؟ وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ ï´¾ [الرعد: 7]، فيكفي في براعة التعبير اشتمال الآية على القصر الإضافي في "إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرٌ"؛ إذ به اكتملت الصورة، ببيان وظيفة الرسول الكريم - صلى الله عليه وسلم - وانحصارها في التبليغ والإنذار، أما مجمل القضايا التي أثارها السياق في الآيات السابقة فنتائجها راجعة إلى الله وحده، وراعِ ذلك التهجين بذكر المشركين، ووصفهم بالذين كفروا، وما له من روعة في التبكيت والنعي على هؤلاء، ثم في هذا القيد بعد ذكرهم وطلبهم المعجزة بقولهم: ï´؟ مِنْ رَبِّهِ ï´¾، إن في ذلك لَوَصْفًا لهم بالإمعان والتردي في الضلال والكفر.
••••
وفي تصوير المشركين الذين يجأرون بالدعاء إلى من لا ينفعهم ولا يضرهم إلا بإذن الله، تعرض الآية الكريمة التالية من قوله - تعالى -: ï´؟ لَهُ دَعْوَةُ الْحَقِّ وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لَا يَسْتَجِيبُونَ لَهُمْ بِشَيْءٍ إِلَّا كَبَاسِطِ كَفَّيْهِ إِلَى الْمَاءِ لِيَبْلُغَ فَاهُ وَمَا هُوَ بِبَالِغِهِ وَمَا دُعَاءُ الْكَافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلَالٍ ï´¾ [الرعد: 14]، تعرِضُ نوعًا من التشبيه المسمى بتشبيه التمثيل، وأول ما يشتمل عليه هذا التشبيه من الحسن والروعة أنه "تصوير أخرج ما لا تقع عليه الحاسة إلى ما تقع عليه، وقد اجتمعا في الحاجة إلى نيل المنفعة والحسرة بما يفوت من درك الطلبة، وفي ذلك زجر عن الدعاء إلا لله - عز وجل - الذي يملك النفع والضر، ولا يضِيعُ عنده مثقالُ الذر"[15].
وإنه تشبيه تمثيل لكون وجه الشبه فيه منتزعًا من متعدد، ففيه تشبيه عدم استجابة الشركاء للداعين لهم بعدم استجابة الماء الباسط كفيه إليه من بعد، فإن باسط كفيه لا يمسك ماء، ومن ثم لا يستطيع أن يبلغ به فاه، فهو يحيا في آمالٍ كِذَابٍ، ووجه الشبه عدم حصول الفائدة المرجوة في كل من صورة دعاء الشركاء، وصورة طلب الماء من بعد، مع شدة الحاجة والإلحاح، وبسط الكفين في كل من صورة المشبه والمشبه به.
وقد أعان هذا المثل على التلاحم في جو الآية الكريمة، وما قبلها؛ إذ نلحظ في السياق السابق "معترك الخوف والطمع في النفس الآدمية، وهاتان الصفتان أثارهما جو البرق والرعد والسحاب الثقال والصواعق المرسلة، وتلك أحداث وظواهر طبيعية مخيفة مطمعة، ولا حيلة للعباد العاجزين أن يتصرفوا فيها على ما يريدون، ولا مفر لهم إلا أن يلجؤوا بالدعاء إلى القوة القاهرة التي هي من صفات القوي القهار، ومن خلال المشهد التصويري نرى صنفين من الأدعية تقذف بها حناجر الداعين: دعوة الحق، ودعوة الباطل.
أما دعوة الحق فصاعدة إلى الله يعلمها ويستجيب لمن دعا بها على مقتضى حكمته، وأما دعوة الباطل فضائعة ضالة تمزقها الحيرة ولا تصل إلى الله؛ لأنها ليست له، ولا تجد من دون الله من يُسعِفُها ويتلقفها؛ لأن الذين من دونه عاجزون عن جلب المنفعة ودفع المضرة، فضلاً عن أن يسعفوا غيرهم ممن يستجير بهم، فما أخيَبَ هؤلاء الداعين، وما أضلَّ دعوتَهم؛ فمَثَلهم كمَثَل الظامئ الملتهب عطشًا يبسط كفيه إلى الماء من بعد ظنًّا أن هذه الوسيلة كافية لأنْ يبلغ الماء فاه وليس ببالغه.
وكذلك دعاء الكافرين - سواء أكانوا منكرين لله أو مشركين به - ما هو إلا دعاء ضائع لا يحقق شيئًا مما يرجون[16]، وتأمل روعة الأحكام ودقة التلاحم، بعد إثارة هذا التشبيه تأتي آية أخرى تصوِّرُ حال عباد الله المؤمنين، وكل من في الأرض مسبح داعٍ مؤمن بالله، يقول - تعالى -: ï´؟ وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَظِلَالُهُمْ بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ ï´¾ [الرعد: 15]، وتلك الآية سنعرض للحديث عنها عند الكلام على الصورة البيانية في جانب حال المؤمنين وحال الكافرين مع الله.
••••
ومما أخرج الصورة البيانية مخرج المشاهد المحسوس اشتمالها على تأكيد الكلام بما يشبه الاستدراك عليه، وذلك في قوله - سبحانه -: ï´؟ إِلَّا كَبَاسِطِ كَفَّيْهِ إِلَى الْمَاءِ ï´¾ [الرعد: 14]، فهو مثل يتضمن تأكيد الكلام السابق، ولكنه جاء على صورة الاستثناء، والغرض: التهكم بالذين يدعون من دون الله، متصورين أنهم سينتفعون من شركائهم.
وكذلك أسلوب الاختصاص والقصر في قوله - تعالى -: ï´؟ لَهُ دَعْوَةُ الْحَقِّ ï´¾ [الرعد: 14]، وهذا الاختصاص مستفاد مما حقه التأخير، وفي قوله: ï´؟ وَمَا دُعَاءُ الْكَافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلَالٍ ï´¾ [الرعد: 14]، وهو من قبيل الموصوف على الصفة؛ أي دعاء الكافرين ليس له من الصفات إلا صفة الخسران، والضياع، وعدم حصول الفائدة، بالإضافة إلى هذا الإطناب الجميل الذي ختمت به الآية، ويصح أن يستقل بنفسه، ويستخدم فيما يشبهه من الأحوال؛ ولذلك فهو تذييل جارٍ مجرى المثل، كما يقول البلاغيون.
••••
حقًّا إنها لصورة تعبر عن مشهد "ناطق متحرك لاهث جاهد؛ فدعوة واحدة هي الحق، وهي التي يستجاب لها، إنها دعوة الله، والتوجه إليه، والاعتماد عليه، وطلب عونه ورحمته وهداه، وما عداها ضائع باطل، وهذا المعنى يصوِّره ذلك التشبيهُ التمثيلي، فكأنما ألفاظه وتراكيبه تنطق قائلة: ألا ترى حال الداعين لغير الله من الشركاء؟ انظر هذا واحد منهم ملهوف ظمآن يمد ذراعيه، ويبسط كفيه، وفمه مفتوح يلهث بالدعاء يطلب الماء ليبلغ فاه، فلا يبلغه، وما هو ببالغه، بعد الجهد واللهفة والعناء، وكذلك حال الكافرين بالله الواحد حين يَدْعون الشركاء من دونه[17]".
ولحال الموحد والمشرك والمؤمن والكافر، وتصويرهما بالأعمى والبصير، ووصف النعيم والعذاب، وتشبيه الدين والإيمان بالحبل المبرم، ومحاولة الكفار نقض هذا العهد، ومحاولتهم قَطْعَ ما أمر الله به أن يوصل، وإفسادهم في الأرض.
لكل تلك المقاصد والأغراض صور بيانية اتسمت بأسلوب الاقتدار الذي هو التنويع في العبارة من استعارة وتشبيه إلى كناية وتعريض، وإلى حذف وتقديم وتأخير، إلى إيجاز وإطناب، إلى غير ذلك من أساليب البيان الرائع الذي تحار في كنهه العقول والأفكار، ويجمع تلك الأغراض طائفة من آيات السورة الكريمة، من قوله - تعالى -: ï´؟ وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَظِلَالُهُمْ بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ * قُلْ مَنْ رَبُّ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ قُلِ اللَّهُ قُلْ أَفَاتَّخَذْتُمْ مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ لَا يَمْلِكُونَ لِأَنْفُسِهِمْ نَفْعًا وَلَا ضَرًّا قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ أَمْ هَلْ تَسْتَوِي الظُّلُمَاتُ وَالنُّورُ أَمْ جَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ خَلَقُوا كَخَلْقِهِ فَتَشَابَهَ الْخَلْقُ عَلَيْهِمْ قُلِ اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ ï´¾ [الرعد: 15، 16]، وقول الله - تعالى -: ï´؟ أَفَمَنْ يَعْلَمُ أَنَّمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْمَى إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ * الَّذِينَ يُوفُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَلَا يَنْقُضُونَ الْمِيثَاقَ * وَالَّذِينَ يَصِلُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ وَيَخَافُونَ سُوءَ الْحِسَابِ * وَالَّذِينَ صَبَرُوا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً وَيَدْرَؤُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ أُولَئِكَ لَهُمْ عُقْبَى الدَّارِ * جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَالْمَلَائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ * سَلَامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ ï´¾ [الرعد: 19 - 24].
إلى قوله - سبحانه -: ï´؟ مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ أُكُلُهَا دَائِمٌ وَظِلُّهَا تِلْكَ عُقْبَى الَّذِينَ اتَّقَوْا وَعُقْبَى الْكَافِرِينَ النَّارُ ï´¾ [الرعد: 35]، وقوله: ï´؟ لِلَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمُ الْحُسْنَى وَالَّذِينَ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُ لَوْ أَنَّ لَهُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا وَمِثْلَهُ مَعَهُ لَافْتَدَوْا بِهِ أُولَئِكَ لَهُمْ سُوءُ الْحِسَابِ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهَادُ ï´¾ [الرعد: 18]، وقوله - تعالى -: ï´؟ وَالَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولَئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ ï´¾ [الرعد: 25] إلى قوله - تعالى -: ï´؟ وَلَا يَزَالُ الَّذِينَ كَفَرُوا تُصِيبُهُمْ بِمَا صَنَعُوا قَارِعَةٌ أَوْ تَحُلُّ قَرِيبًا مِنْ دَارِهِمْ حَتَّى يَأْتِيَ وَعْدُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُخْلِفُ الْمِيعَادَ ï´¾ [الرعد: 31]، وقوله: ï´؟ لَهُمْ عَذَابٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَشَقُّ وَمَا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَاقٍ ï´¾ [الرعد: 34].
تلك ثلاث عَشْرة آية، تحمل كل واحدة صورة رائعة أو أكثر من صورة، فلنأخذ في التحليل تلك الصور، مستوضحين أسرارها الجمالية، وإيداعها في التصوير، انظر لصورة الإنسان وكل ما على الأرض وهم ساجدون لله، إنْ طوعًا وإنْ كرهًا، وتأمل قوة الإحكام في النظم والتلاحم بين أجزاء الآيات في تلك الصور؛ إذ لما أثارت الآية من قوله - تعالى -: ï´؟ لَهُ دَعْوَةُ الْحَقِّ وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لَا يَسْتَجِيبُونَ لَهُمْ بِشَيْءٍ إِلَّا كَبَاسِطِ كَفَّيْهِ إِلَى الْمَاءِ ï´¾ [الرعد: 14] الآية، لما أثارت تشبيهًا أخرج ما لا تقع عليه الحاسة إلى ما تقع عليه، وضربت مثلاً لواقع الخيبة التي يتردى فيها الذين يدعون من دونه الله أولياء، وهو مثل مصرح به إمعانًا في النكاية بالمشركين، والنعي عليهم ما هم فيه من حال، وما هم عليه من ضلال، بل "هو مثل أوردته الآية مورد الاستثناء الذي يوهم إثبات شيء من الاستجابة، ثم ينتهي بالتمثيل إلى تأكيد معنى النفي الذي سبق الاستثناء، وهذا لون بديع من التهكم[18]"، نعم لما أجملت الآية ذلك كله جاء بعده في السياق ما يثبت أن النافع الضار هو الله وحده، فهو المستحق للعبادة لا غيره؛ ولذا تقول الآية: ï´؟ وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَظِلَالُهُمْ بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ ï´¾ [الرعد: 15].
وما أروعه من إحكام بين أجزاء الآيات، وبين كل آية وصلتها بما قبلها وما بعدها، تأمل بديع هذا النظم، وإحكامه في التسلسل؛ إذ لم تزل الآيات مستمرة في معانيها عن الحق، ووجوب اتباعه، والباطل ووجوب اجتنابه، وأنه لا مستحق للعبادة مِن كل مَن في السموات والأرض سوى الله وحده، فإذا ï´؟ وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَظِلَالُهُمْ بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ ï´¾ [الرعد: 15].
ما أروعه من مشهد يقف فيه كل ما على الأرض من مخلوقات آدمية وغير آدمية، من حيوان أو جماد، وكله مشهد يتجه بمن فيه إلى وجه الله وحده، في استكانة وخوف وتذلل وانقياد، إنْ طوعًا وإنْ كرهًا، حتى ظلال تلك المخلوقات ساجدة لله، وقد أكد السجودَ والانقيادَ ذلك القصرُ والتخصيصُ في قوله: ï´؟ وَلِلَّهِ يَسْجُدُ ï´¾ [الرعد: 15]، فقد قدم الجار والمجرور، وهما متعلقان بالفعل "يسجد"، فأفاد تقديمُ ما حقه التأخير قصرَ السجود على الله - سبحانه وتعالى.
فالتصوير في الآية تعبير ناقص بالحركة الدائبة؛ إذ كل من في الكون يعنو لله، والخلق "كلهم محكومون بإرادته، خاضعون لسنته، مُسيَّرون وَفْق ناموسه:
المؤمن منهم يخضع طاعة وإيمانًا، وغير المؤمن ينقاد أخذًا وإرغامًا، فما يملك أحد أن يخرج على إرادة الله، ولا أن يعيش خارج ناموسه الذي سَنَّه للحياة.
والمشهد مشهد عبادة ودعاء؛ ولذا يمضي السياق متحدثًا عن الخضوع لمشيئة الله بالسجود؛ فهو أقصى رمز العبودية، ويضم إلى شخوص من في السموات والأرض ظلالَهم كذلك: ظلالهم بالغدو في الصباح وبالآصال عند انكسار الأشعة، وامتداد الظلال يضم هذه في السجود، والخضوع، والامتثال..."[19]، وهي في ذاتها حقيقة؛ فالظلال تبع للشخوص، ثم تلقى هذه الحقيقة ظلها على المشهد فإذا هو عجيب، وإذا السجود مزدوج، شخوص وظلال، وإذا الكون كله بما فيه خاضع لله، شخوص وظلال، فحري أن يستجيب الله للساجدين.
وهذه صورة أخرى، لكنها هنا في جانب المشركين، ترسم ظلالها الآية الكريمة، على حد قوله - تعالى -: ï´؟ قُلْ مَنْ رَبُّ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ قُلِ اللَّهُ قُلْ أَفَاتَّخَذْتُمْ مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ لَا يَمْلِكُونَ لِأَنْفُسِهِمْ نَفْعًا وَلَا ضَرًّا قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ أَمْ هَلْ تَسْتَوِي الظُّلُمَاتُ وَالنُّورُ أَمْ جَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ خَلَقُوا كَخَلْقِهِ فَتَشَابَهَ الْخَلْقُ عَلَيْهِمْ قُلِ اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ ï´¾ [الرعد: 16]، إنها صورة يزخر مشهدها بحركة حية ماثلة للعيان كأنما يتملاها الحس ويدركها الشعور، وتراها العين من قرب ومن بعد؛ فالهيكل بارز للناظرين، مبني بأمشاج من ألفاظ سهلة متقابلة؛ فإيمان وكفر، وعمى وبصيرة، ونور وظلمة، ومخلوقات غير قادرة على النفع والضر لأنفسها أو غيرها.
ومما يسترعي النظر ذلك التشبيه القائم على أركانه الثلاثة، اتخاذ الأولياء خلقًا يزعمون لهم النفع والضر والإيجاد، وخلقًا لله اعتقد المشركون أن أولياءهم يوجِدون مثله، وكاف وسط بين المشبه والمشبه به، وقبل ذلك كله جمال التعبير "يجعل" التي بمعنى اعتقد؛ "أي اعتقدوا أن لله شركاء خلقوا كخلقه، تعالى الله عن ذلك علوًّا كبيرًا"[20].
[1] انظر الكشاف للزمخشري، ص 351، طبعة دار الفكر بيروت.
[2] انظر تفسير سورة الرعد في الظلال لسيد قطب.
[3] انظر الظلال لسيد قطب، ص 75، 76.
[4] سورة الرعد، دراسة لعبدالرحمن حبنكة، ص 96.
[5] البرهان للزركشي ص 53، الجزء الثالث، تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم، الطبعة الثانية 1391هـ، مطبعة الحلبي.
[6] انظر الظلال لسيد قطب، الجزء الرابع، ط دار الشروق.
[7] انظر تفسير أبي السعود، ص 228.
[8] انظر الإنصاف فيما تضمنه الكشاف من الاعتزال، لأحمد بن محمد بن المنير السكندري ص 361، على هامش الكشاف للزمخشري - طبعة دار الفكر بيروت.
[9] انظر سورة الرعد دراسة لعبدالرحمن حبنكة، ص 200، 256، 257.
[10] تفسير في ظلال القرآن لسيد قطب.
[11] المصدر السابق ص 91، 92.
[12] التعابير القرآنية والبيئة العربية في مشاهد القيامة ص 261، لابتسام مرهون الصفار، الطبعة الأولى، مطبعة الآداب في النجف 1387هـ، نقلاً عن الصحاح للجوهري، ولسان العرب لابن منظور.
[13] انظر سورة الرعد دراسة لعبدالرحمن حبنكة، ص 69، 78.
[14] انظر تفسير الظلال لسيد قطب.
[15] انظر ثلاث رسائل في إعجاز القرآن للخطابي والرماني وعبدالقاهر ص 76 تحقيق محمد خلف الله، ومحمد زغلول سلام.
[16] انظر سورة الرعد لعبدالرحمن حبنكة، ص 126.
[17] انظر الظلال لسيد قطب ص 81.
[18] سورة الرعد دراسة لعبدالرحمن حبنكة ص 122.
[19] انظر في ظلال القرآن لسيد قطب، ص 83 طبعة بيروت.
[20]انظر البرهان للزركشي، الجزء 4 ص 113، تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم، الطبعة الثانية، مطبعة الحلبي
د. محمد بن سعد الدبل

عطر الزنبق
11-15-2021, 11:23 PM
بارك الله فيك
وجزاك الفردوس الأعلى من الجنــــــــــان
لروعة طرحك القيم والمفيد
جعله الله بموازين حسناتك
وأظلك الله يوم لا ظل الا ظله
لك أجمل التحايا و أعذب الأمنيات
وعناقيد من الجوري تطوقك فرحا.
دمت بطاعة الله.

شغف
11-17-2021, 08:54 AM
جزاك الله خير
و بارك بعلمك و عملك

شايان
11-18-2021, 01:35 AM
جزاك الله كل الخير
وبارك في عطاءك
وجعلها في ميزان حسناتك

انثى برائحة الورد
11-18-2021, 02:09 PM
https://ghlasa.com/up/do.php?img=52

همسة قلب
11-19-2021, 03:35 PM
جزاكم الله كل الخير
وهدانا وهداكم
وبارك لكم جميل ما قدمتم

منصور
11-19-2021, 10:55 PM
جزاك الله خير
وبارك الله فيك
وجعلها في موازين حسناتك
وأثابك الله الجنه أن شاء الله
شكراً لك

نهيان
11-20-2021, 09:26 PM
جزاك الله بخير الجزاء والجنه
بارك الله فيك ونفع بك
وجعله في ميزان حسناتك
اضعاف مضاعفه لاتعدولاتحصى