مشاهدة النسخة كاملة : سورة الكهف.. منهج حياة


نبراس القلم
11-16-2021, 11:03 PM
من الآية 1 حتى الآية ١٨:
سورة الكهف منهج حياة لمن أراد أن يقيَهُ الله فِتَنَ الدنيا وما فيها، حين أقرأ سورة الكهف أتعلَّمُ كيف تكون الحياة السعيدة، الحياة التي ترتاح فيها وتهنَأ وترضى.
تبدأ السورة بكتاب الله الذي هو منهجُكَ في الحياة، فلا تتركْه والجأْ إليه في كل صغيرةٍ وكبيرةٍ، ولا تبتعِدْ عنه ما حييتَ، ثم تُرشِدكَ أن الله واحدٌ أحدٌ، فالخاسرون من يقولون على الله - كذبًا - بأن له ولدًا.
ويُصبِّر الله قلب حبيبه المصطفى، وكل مَنْ يدعُو لدين الله، ألَّا تحزن ولا تفطر قلبك على مَنْ لا يريدون دين الله الحق، ولا الإيمان بكتابه، ويأتي التوضيح للمعنى الحقيقي للدنيا، وهذه الأرض التي نعيش عليها وما فيها وما عليها؛ فما هي إلا زينةٌ، والمقصود مِن خَلقِها - بما فيها من المنافع - ابتلاءُ الخَلْق بهذه التكاليف، يبلوهم ليُبَصِّرَهم أيهم أطوع لله، وأشد استمرارًا على خِدْمته، فمن صلَح عملُه تقبَّلَه اللهُ قبولًا حَسَنًا.
ثم إن هذه الدنيا وما فيها زائل، سيجعلها الله صَعِيدًا جُرُزًا؛ لا نبات عليها ولا زرع ولا غرس، ويضرب الله لنا مثلًا قصة فتية الكهف كدرس لأولي الألباب، فالحياةُ زائلةٌ والباقي هو وجه الله، وأدرك الفتيةُ ذلك فتركوها بما فيها، فتية في عنفوان الشباب والأحلام والأمل يتركون كلَّ شيءٍ من أجل وجه العزيز الجبار، وخرَجوا في سبيل الله فارِّين من الظُّلْم، ساعين للحقِّ، يتعبَّدون لله الواحد الأحد الفرد الصمد، فجعَلهم الله آيةً إلى يوم الدين، رسالة لكل مَن ترَك الدنيا حُبًّا لله.
وأتمَّ عليهم نِعْمته فجعلهم في سُباتٍ عميقٍ، تتغيَّر عليهم مظاهرُ الطبيعة والحياة - وهم رقود - فلا تتأذَّى أجسادُهم من هذا الرقود الطويل، فسبحان الله! وأعادهم من جديد لتعْلَم البشرية وكل من يتفكَّر في خَلْق الله أن الله الخالق القادر يقول للشيء كُنْ فيكُون.
الآية ١٩:
وحين استيقظ الفتيةُ طلبوا الطعام، فيُعلِّمنا اللهُ أنه لم يُحرِّم ابتغاءَ أزكى الطعام؛ فذلك من سُنَن الحياة، وتُرشِدنا شريعةُ الله أن الصالحين حين تأتيَهم المنيةُ لا تُقامُ على مقابرهم المساجدُ، فهذا باطلٌ، ولا يجوز حتى لا يدخل الشَّكُّ والريبةُ في العبادة، وتصبح لغير الله، وهذا ما نهى عنه الحبيبُ المصطفى.
وينصح الله عبده ورسوله محمدًا صلى الله عليه وسلم، فيقول له: لا تنشغل بما يتداولُه أهلُ الكتب السماوية عن عدد فتية الكهف، فالله تعالى أعلى وأعلم، ولكن انشغل بالهدف العظيم من ضَرْب الله تعالى لآياتهم وما فيها من صلاح وفلاح للمؤمنين.
ويأتي أمرُ الله لنا - تكملة لمنهج حياتنا- فيقول سبحانه: حتى تُفلح يا عبدي أمورك في الحياة الدنيا؛ عليك أن تستعين بي؛ فكلُّ أمور الدنيا تُصنَع بمشيئتي وأمري، فلا تقل: إني سوف أفعل هذا أو ذاك غدًا، ولكن قل: "إن شاء الله"، وانشغِل بذكري؛ وهذا منهج لأمور حياتنا كلِّها، فإذا التزمنا به كان الفلاح والنجاح بأمر الله.
ويُؤكِّد الله لنا من جديد أن منهجك في الحياة هو القرآن، وعليك قراءته؛ حتى تفطن لحُكْم الله وأمره، فتسعَد وتَهنأَ، فهو كلام الله وأمره، والله هو مولانا وملجؤنا نضيع بالبُعْد عنه؛ فلا راحة ولا أمل لمن أعرَضَ عنه.
ويبعث اللهُ لحبيبه ومُصْطفاه رسالةً تحذيريَّةً تُشعِركَ بأنَّك بَشَرٌ ووارد لك أن تتمنَّى زينةَ الدنيا، فلا تَقْسُ على نفسِكَ؛ لذا حذَّر اللهُ رسولَه، وأمره أن ينشغل بذكر الله مع عباده الذاكرين الذين يريدون وجهَ الله وحدَه حُبًّا ورَهَبًا، وأنْ يترُكَ العاصين؛ فيقول له: عليك بترك كلِّ كافر وعاصٍ؛ فإن لهم النار التي تشوي الوجوه، فكن حذِرًا من هؤلاء، وكن مع الله.
هذا منهجُك، إن مِلْتَ فعُدْ لله وتُبْ؛ ليكون جزاؤك جزاءَ المؤمنين الذين يعملون الصالحات، وأعدَّ الله لهم حقًّا جناتٍ وأنهارًا وذهبًا وملابسَ من حريرٍ، وراحةً وسعادةً ما بعدها سعادة، لم تخطُر بعقل بشر، سبحانه لا إله إلا هو الحق ووعدُه حقٌّ.
من الآية ٣٢ إلى ٤٥:
هنا تأتي رحمةُ ربِّكَ بِكَ وفضله عليكَ، فيأمُركَ اللهُ بقول: "ما شاء الله ولا حول ولا قوة إلا بالله"، حين تدخل بيتك وترى نِعَمَ الله عليكَ، فكُلُّ هذا بفَضْلِ الله وقُدْرته، ولو لم يشأ لكَ به لحُرِمْتَ منه.
ويضرب الله مَثَلَ الرجلين والجنَّتَينِ، فمنهم من ظَلَم نفسَه حين تصوَّر أن جنَّته من صُنْعه، وأن الدنيا باقية، ولن نُحاسَب ونُرَدَّ إلى الله في يومٍ لا ينفَع فيه مالٌ ولا بَنُون، وأغراه مالُه وجاهُه، وهذا ما يقع فيه أصحابُ المال إلَّا مَنْ رحِمَ ربِّي، وعلينا دائمًا بقول: "ما شاء الله ولا حول ولا قوة إلَّا بالله"، حين ننظُر إلى أي خيرٍ لدينا أو لدى الآخرين، ونؤمِن الإيمان الكامل بعظمة الله وقُدْرته وأن ما لدينا هو من نِعَمِ الله ومنَّته علينا، اللهم لكَ الحمد كما ينبغي لجلال وجهِكَ وعظيم سُلْطانِكَ.
الآية 46:
﴿ الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلًا ﴾ [الكهف: 46].
إن الإيمان الكامل بالله وبالساعة والحساب هو ما علينا فعله، وتأتي الرسالة الحاسمة بأن الدنيا زائلةٌ وكل ما عليها إلى زوالٍ بكلِّ ما فيها من جمالٍ ومالٍ وعِزٍّ وجاهٍ وأبناء، وخصوصًا لأصحاب الغرور الذين ظنُّوا أنفسهم مُخلَّدون، ولا باقي غير الله.
وتظلُّ الأعمال الصالحة لك يا بن آدَمَ هي رصيدكَ الباقي في الدنيا وفي الآخرة - التي هي معادك - لتكون لك حرزًا من النار، وهي أملُكَ في النجاة وحصولِكَ على عَفْوِ ربِّكَ ورحمته.
ويُقال إن الباقيات الصالحات هي التسبيح والتكبير والحمد، ولكني أجِدُها في كلِّ ما يُكنُّه القلب من نيَّةٍ وعملٍ صالحٍ فيه خيرٌ لنا وللمسلمين، فالباقيات الصالحات ليست بالقول فقط؛ وإنما بالبذل والعطاء لكل ما فيه خير لأنفسنا وللمسلمين.
الآية ٤٧ إلى ٥٣:
وحياتُكَ لا تنتهي بالخُروج من الدنيا بل هناك الحساب وما بعده في الآخرة، فيُذكِّرك اللهُ به يوم الحشر بما فيه، وما يَحدُث لتلك الأرض التي تمشي عليها حتى تفيق من الغفلة، ويُذكِّرك ببدء الحياة بخَلْق أبيك آدَمَ، وكيف أن الله فضَّلَه على باقي مخلوقاته حين أمرَهم بالسجود له، فعصى إبليسُ ربَّه وفسَق ولم يستجب لأمره.
أبعد ذلك تتخذ الشيطان - بفسْقِه وعصيانه، وما يكنُّه لكَ مِن عداوة - وليًّا هو وذريَّته، وتتَّبِع وسوسته، وما يُزيِّنه لكَ من رذائل تُغضِب خالِقَكَ ومولاكَ؟!
إنما يتَّبِعه الظالمون، فأنت إذا اتَّبعتَه أصبحتْ ظالِمًا لنفسِكَ، اللهم عافِنا واعْفُ عنا، ونعُوذ بالله من الشيطان الرجيم ومِن ذريَّتِه.
يُريك الله إبداعَه وعَظَمتَه وتفرُّدَه في خَلْقِه؛ فيقول لكَ خلقْتُ السماء بلا عَمَدٍ والأرض، ولم أُشْهِدْ أحدًا ممَّن خَلَقْتُ خَلْقَهما، ما أشْهَدْتُ إبليسَ وذريَّتَه خَلْقَ السموات والأرض، ولا خلق أنفسهم - أي أنفس المشركين - إنهم جميعًا مخلوقاتي، ثم بعد ذلك تُضيِّعون حقِّي وفَضْلي عليكم، باتِّباعكم هؤلاء، وجعلهم أولياء لكم من دوني؟!
نادوهم إذًا يوم الحساب ليردُّوا عنكم عذابي، ولكنهم لن يردُّوه، ولن تَجِدُوا له صارفًا بما كنتم تتبعون.
الآية ٥٤ حتى ٥٩:
ويأتي لنا من ربِّنا قَبَسٌ من نُورٍ فيقول: القرآن به أمثلة لكل شيء، وفيه عِلْمٌ لكل ما ترغبون، ولكن الإنسان لا يعلم؛ لأنه أكثر جَدَلًا ومعاندةً وخصومةً.
وما يمنعكم أيُّها الناس من الإيمان والتقوى؟ فقد جاءكم الهُدى والنور من عندي، فلماذا لا تستغفرون وتتوبون؟ أتنتظرون العذاب كما جاء للسابقين؟
ويُذكِّرنا بأنه أرسل لنا الرُّسُل مُنذرين ومُبشِّرين حتى نهتدي، ولكن الكافرين هم مَنْ يُجاِدلون ويسخرون من آيات الله.
ويُحذِّر من عقابه الشديد، ويضرب لنا مثلًا تلك القُرَى الظالمة الهالكة - المجادلين في آياته - لنتَّعِظَ، ولأن رحمته سبَقَتْ كُلَّ شيء؛ فإنهم إذا تابُوا واهتدوا تاب عليهم، وإن لم يفعلوا فإنه لا يعجل في حسابهم؛ بل يُمهِلهم ليومِ الحساب.
وليس هناك أظلم ممَّن ذُكِّروا بآيات الله وهُداهُ فأعرَضُوا وكفروا، ونسوا ما قدَّمَتْ أيديهم من ظُلْمٍ وفِسْقٍ وفُجُور، فإن الله لن يهديَهم؛ بل يغلق على قلوبهم وآذانهم، فلن يهتدوا أبدًا.
اللهم عافنا واعْفُ عنا.
من الآية ٦٠ حتى ٦٤:
يا صاحب العلم والمعرفة لا تغترَّ بعلمك، ففوق كلِّ ذي علم عليمٌ، فمهما علمت لن تعلم إلا ما علَّمَك الله؛ ولهذا أمر الله عبده ونبيَّه موسى أن يسعى لمقابلة عبده الصالح ليتعلَّم منه، وهنا كان عليه أن يسعى لمقابلة العبد الصالح، ورغم المشقَّة أصرَّ على مقابلته حتى يتعلَّم ويُعلِّم، فعلينا أن نسعى للمعرفة والعلم والتعلُّم حتى تنصلح أحوالُنا ونُصلِح مجتمعَنا وأُسَرَنا وأبناءنا بإذن الله.
وتأتي الآيات لتُوضِّح لنا أن الله حدَّد لعبده ونبيِّه موسى مكانًا مُحدَّدًا وعلامةً معينةً لمقابلة العبد الصالح، والعلامة إحدى العجائب التي كانت تحدث في زمن الأنبياءِ ولَهم، فهي الحوت - يقصد به السمك الذي نأكُلُه - الذي أحياه الله، وقفز في البحر يسبح مع نبي الله موسى وغلامه، ولأن الشيطان لا يريد بنا خيرًا أنسى موسى وفتاه تلك العلامة وأين حدثَتْ، فلنستعذ بالله من الشيطان حين ننسى، فتلك رسالة ربَّانية لنا حين ننسى، سبحانه يريد بنا الرحمة دائمًا! فرجعا يتقصَّيان الخُطى ليعودا للمكان المحدَّد لهما من الله حين فقدا الحوت فيه، فهذا مكان العبد الصالح.
الآية ٦٥ إلى٨٢:
وتتجلَّى قدرة الله وعلمه وحكمته لتوضيح معنى القضاء والقدر في تلك الآيات، فحين تحدث لنا مصيبة، تضيق علينا الأرضُ بما رحبت، ويجتاح الخَلَلُ كُلَّ تفاصيل حياتنا؛ لكن الله الحكيم يرسل لك رسائله عبر تلك الآيات؛ حتى تطمئن وتهدأ وتعلم أن الله لا يصنع بِكَ مكروهًا مهما تصوَّرت ومهما اعتقدت غير ذلك؛ وإنما لحكمة تصبُّ دائمًا في صالحكَ، فإنه أرحم بِكَ من نفسك، وهذا ما وضَّحَه العبد الصالح والحِكَم التي علَّمها إيَّاه الله التي علينا تدبُّرها فيما يحدث لنا من أمور حياتنا.
فحين خَرَق العبد الصالح السفينة فإنه فعل ذلك؛ حمايةً لأصحاب السفينة، وحتى لا يستولي عليها الملكُ الظالمُ، تلك حِكْمةُ الله التي لا نُدركها إلَّا بعد حين، وقد لا نُدركها أبدًا، ولكنها لحكمة يعلمها الله، وعلَّمَها عبدَه الصالح، وحين قتَلَ الغُلامَ ليختبر صَبْرَ وإيمان أبويه الصالحين، ويرحمهما من أن يُرهِقَهما طُغيانًا وكفرًا حين يكبر، تلك حكمة الله سبحانه يُعلِّمها لمن يشاء.
وتأتي بعدها حِكْمتُه في بناء الحائط على يد العبد الصالح ليُعلِّمنا أنه لا يُضيِّع حقوقَ أصحاب الحقوق، فحفظ بحكمته مالَ الصغيرين؛ لأن أبويهما صالحان؛ لنتعلَّمَ أن الله خيرٌ حافِظًا، وأنه الحكيم الرحيم، وأن الصلاح والعمل الصالح نِعْمةٌ كبيرةٌ، علينا التمتُّع بهما حتى يُظِلَّنا اللهُ بحِكْمتِه وعَفْوِه وكَرَمِه وفَضْلِه سبحانه!
ويأتي الصبر والرِّضا بقضاء الله؛ ليكون أولى خطوات العلم، والدرس الأوَّل لنبي الله ورسوله سيدنا موسى على يد العبد الصالح، فكان العَهْد بينهما لبدء رحلة التعلُّم ودروس الحكمة الإلهية فيما يحدث لنا ومن حولنا ولا ندركه.
فالرزق بيد الله يحفظه لك - حتى إن تأخَّر- ويُرسِله لك وإن تصوَّرت ضياعَه؛ وهذا ما ظهر (في آية السفينة).
تذكر ضمن منهجِكَ في الحياة أن العَقْد شريعةُ المتعاقدين، فلا تُجادِل ما دام عَقْدُكَ ينصُّ على ذلك، وهذا بند آخر من بنود منهجِكَ في الحياة.
إن قتل الغلام مشهدٌ قاسٍ، قد يكون من أقسى ما نتصوَّره أو نراه في الحياة، وبرغم صعوبة الموقف وثقله على أهل الطفل إلَّا أنَّ ما حدث كان لحكمة يُبيِّنها الله في آياته التالية، ولأن الله سبحانه أراد أن يُعلِّم موسى - ويُعلِّم البشرية كلَّها - أرسله الله لعبده الصالح حتى يتعلَّم درسًا مُهمًّا جدًّا جدًّا، وعلينا أن نتعلَّمه جميعًا، وهو أن كل شيء في الحياة صنع ويحدُث بقَدَرِ الله وقوَّته ولحكمة لا يعلمُها إلَّا هو؛ لذا علينا الرِّضا والتسليم بقضاء الله وقدره؛ فأرزاقُنا بيده وأولادنا هِبَتُه، يعلم شرَّهم وخيرَهم ويرزقُنا بَرَّهم، ويرزقُنا بقَدْر تقوانا هدايتَهم وصلاحهم، اللهم لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك وعظيم سُلْطانِكَ .
وفعل العبد الصالح ما أمره الله به من أفعال ينظر إليها البشر على أنها أمورٌ وأفعالٌ غريبةٌ ويتساءلون: كيف ولماذا؟ كما فعل نبي الله موسى مع العبد الصالح، فجاء ردُّ العبد الصالح: ﴿ هَذَا فِرَاقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ ﴾ [الكهف: 78]؛ فأنت لم تستطِعْ معي صبرًا، ويُوضِّح له كلَّ شيءٍ حدَث لماذا وكيف حدث ويحسِم الأمر، فيقول: ﴿ وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي ﴾ [الكهف: 82]؛ أي: إنه أمر الله وقد نفَّذْتُه، فهذا علمُه الذي علَّمني إيَّاه وأمرني به.
من الآية ٨٣ إلى ٩٨:
وهنا آيات الله ومنهجه لمن أتاه الله الملكَ والقوةَ، وكيف يستثمر ذلك ويُديره في إصلاح الأمور من حوله، وكيف عليه أن يُعِينَ المحتاجَ ويقف بجواره، فيحكي لنا قصة "ذي القرنين" وكيف أنه كان ملِكًا عادلًا ينشُر التوحيد، ويحمي المستضعفين، ويبني ويمنع الأذى عمَّن يحتاج ذلك.
من الآية ٩٩ إلى ١٠٨:
يوضِّح لنا الله منهجنا في الحياة الدنيا، حتى نستحقَّ العذاب في الآخرة أو الجنة.
الآيات ١٠٣ و ١٠٦:
﴿ قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا * الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا * أُولَئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ وَلِقَائِهِ فَحَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَلَا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْنًا * ذَلِكَ جَزَاؤُهُمْ جَهَنَّمُ بِمَا كَفَرُوا وَاتَّخَذُوا آيَاتِي وَرُسُلِي هُزُوًا ﴾ [الكهف: 103 - 106].
من هم الأخسرون؟
مَنْ خسِروا الآخرة ظانِّين أنهم يُحسِنون عملًا بالدنيا، فكِّرْ قبل أي عملٍ: هل هو خالصٌ لوجه الله؟ هل سيقبله ربُّ العباد؟ أم هو مجرد اتِّباعٍ لهواك؟
وكما تفكر في مشيئة الله وقَدَره، فكِّر في أعمالك: لماذا أعملها وكيف أعملها؟
حاسِبْ نفسَكَ أولًا، وتأكَّد أنَّ نِيَّتَكَ خالِصةٌ في جميع أعمالِكَ، واحرِصْ أن تكون أعمالًا صالحةً تنفعُكَ في الدنيا والآخرة، فكلُّنا راحِلون، ويبقى لنا في هذه الدنيا الأثرُ الطيِّبُ، وفي الآخرة العمل الصالح.
فعلينا جميعًا أن نُعيدَ منهجية حياتنا وأعمالنا، ونعلم أننا لا نعيش في هذه الدنيا إلَّا أيامًا وشهورًا وسنين، ومهما زادت أو نقصت فكُلُّنا راحلون، فلنجعل حياتنا كلَّها لله، وَلْنَعِشْ كما يحبُّنا الله أن نعيش، وكما أمرنا الله أن نعيش، وإن شَرَدْنا أو مِلْنا فلنَعُدْ لله، ولنُصحِّح أخطاءنا بسرعةٍ قبل فوات الأوان.
وتأتي خواتيمُ السورة بذِكْر الحبيب محمدٍ صلى الله عليه وسلم، فيقول له ربُّه: قل لهم أنك بَشَرٌ ورسولٌ مني، وأنا ربُّكم الواحد الأحد، وكلمات الله في كتابه وحكمته وفضله ونِعَمه وآياته لو نفدت البحارُ فلا تنفد، ولو جئتم بمدادها بحارًا وأنهارًا.
وليكن منهجُكَ الأولُ والأخير أن تعبُدَ اللهَ؛ لأنه الإله الواحد، ولا تُشرِك به أحدًا، واعمل الصالحات، وجدِّد النيَّة واجعلها خالصةً لله الواحد الأحد؛ فهو الباقي وكُلُّنا راحلون.
أسأل الله العظيم، رب العرش الكريم، أن يرزقني وإيَّاكم التوفيقَ والتسديدَ في القول والعمل، وأن يجعلنا من أوليائه وحِزْبِه، اللهم إنا نسألك مِن فضلك ومِن خيرك، ونعُوذ بك يا ذا الجلال من شُرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا، ربنا آتِنا في الدنيا حسنة، وفي الآخرة حسنة، وقنا عذاب النار، وصلى الله وسلم على نبينا محمد[1].
[1] تمت قراءة تفسير السعدي قبل التدبر.
سماح حمدي

ضي القمر
11-17-2021, 01:43 AM
بارك الله فيك وجزاك عنا كل خير
ونفع بطرحك الايماني الطيب وجعله بموازين اعمالك
دمت بحفظ المولى

شغف
11-17-2021, 08:51 AM
جزاك الله خير
و بارك بعلمك و عملك

شايان
11-18-2021, 02:17 AM
تبارك الله ما اروع هذا الطرح

انثى برائحة الورد
11-18-2021, 02:05 PM
https://ghlasa.com/up/do.php?img=52

همسة قلب
11-19-2021, 03:39 PM
جزاكم الله كل الخير
وهدانا وهداكم
وبارك لكم جميل ما قدمتم

منصور
11-19-2021, 10:53 PM
جزاك الله خير
وبارك الله فيك
وجعلها في موازين حسناتك
وأثابك الله الجنه أن شاء الله
شكراً لك

نهيان
11-20-2021, 09:29 PM
جزاك الله بخير الجزاء والجنه
بارك الله فيك ونفع بك
وجعله في ميزان حسناتك
اضعاف مضاعفه لاتعدولاتحصى