مشاهدة النسخة كاملة : قراءة بلاغية في سورة الماعون (2)


نبراس القلم
12-16-2021, 10:14 AM
قال تعالى: ﴿ أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ * فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ * وَلَا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ * فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ * الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ * الَّذِينَ هُمْ يُرَاؤُونَ * وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ ﴾ [الماعون: 1 - 7].
سورة الماعون سورةٌ مكيَّة، انتَظَمتِ التَّنبيه على أمراضٍ اجتماعيَّة خطيرة، كثيرًا ما تحدُث ولا يتنبَّه الناس إليها، وقد تضمَّنت الحديث عن صِنفَيْن موجودَيْن في المجتمع الإنساني: المكذِّبين بالدِّين، والمرائين بأعْمالهم، والاثنان محلُّ مَذمَّةٍ، وموطن مَنقَصة، يلزَمُ المسلمَ غير المكذِّب بالدِّين الابتِعادُ عنهما، ولا بُدَّ من أنْ يتَخفَّف المجتمعُ المسلم بأسْره من هذين النَّمَطَيْن المخذِّلَيْن، والفريقين الساقطين، غير أنهما مصدرَا التخلُّف والرَّجعيَّة.
ونتابع ما بدَأْناه أمس.
﴿ وَلَا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ ﴾: أسلوب نفي، وهو كنايةٌ عن صفة، هي البُخل الشديد حتى في الكلمة؛ ولذلك يقول أبو حيان في تفسيره "البحر المحيط": "وفي قوله: ﴿ ولا يَحُضُّ ﴾ إشارة إلى أنَّه هو نفسه لا يطعم إذا قدر، هذا من باب الأَوْلَى؛ لأنَّه إذا لم يحضَّ غيره بخلاً، فلأنْ يترُك هو ذلك فعلاً أَوْلَى وأحْرى".
وقال الرازي: "فإن قيل: لم قال: ﴿ وَلَا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ ﴾، ولم يقل: (ولا يطعم المسكين)؟
فالجواب أنَّه إذا منَع اليتيمَ حقَّه، فكيف يطعم المسكين من مال نفسِه؟! بل هو بخيلٌ من مال غيره، وهذا هو النهاية في الخسَّة، ويدلُّ على نهاية بُخلِه، وقَساوة قلبه، وخَساسة طبعِه".
فالآية كنايةٌ عن خِسَّةِ الطَّبع، وقَساوة القلب، وتَشِي بدَيْمومة تلك الصِّفات الذَّميمة، والأمراض الاجتماعيَّة الساقطة الدَّنيئة؛ إذ إنَّ النَّفس السويَّة إنْ لم تجدْ ما تطعم به بالفعل، فإنها تحثُّ غيرها على الفعل ممَّن لديه وُسعٌ ووجدٌ.
﴿ فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ ﴾ عطف هنا بيانًا لسوء العاقبة ووخم النِّهاية، و(ويل) ورَد مُنكَّرًا لبيان خُطورته وشدَّة عِقابه، والتعبيرُ هنا ورد على صورة الجملة الاسميَّة؛ ليفيد الثَّبات في المعنى والاستمرار عليه، وقد استُعمِلت اللام في (للمصلين) التي تفيدُ الملكيَّة، وكأنَّ الويل أمسى ملكًا لهم لا يُفارِقونه، ولا منه يخرُجون، مع أنهم في الأصل مُصلُّون، واللهَ يُوحِّدون، وإلى المساجد مع الناس يذهَبُون، غير أنهم لكلِّ ذلك رياءً وسمعةً يفعَلُون، ولالتِماس ثناءِ الناس ومَدْحِهم وحَمْدِهم يعمَلُون ويرغَبُون.
﴿ الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ ﴾: صلة الموصول هنا جملةٌ اسميَّة، تعني أنَّ الغَفلة عن الصَّلاة أصبَحتْ من سُلوكيَّاتهم وأوصافهم، صحيحٌ أنهم يُصلُّون في النهاية، ولكنَّهم يغفلون عنها، ويُؤخِّرونها عن أوقاتها تهاوُنًا بها، واستِصغارًا لشأنها، وعدَم تعويلٍ على مَقاصِدها وأهدافها، أو لا يُتِمُّون رُكوعَها ولا سُجودَها، وليس في بالهم أهميَّةٌ لصلاة، ولا في قَلبِهم قداسةٌ لعِبادة.
واستعمالُ (عن) فيه إشارةٌ إلى أنَّ الحديث عن المنافقين وليس عن أهل الإيمان؛ ولذلك قال بعض السَّلَفِ: "الحمد لله الذي قال: ﴿ عَنْ صَلَاتِهِمْ ﴾، ولم يقلْ: (في صلاتهم)؛ لأنه لو قال: (في صلاتهم) لكانت في المؤمنين، والمؤمن قد يسهو في صَلاته، لكنَّه لا يسهو عن صَلاته، والفَرْقُ بين السَّهوَيْن واضحٌ، فسهوُ المنافق سهوُ تركٍ وقلَّة التفاتٍ إليها أو اعتناءٍ بها، فهو لا يتذكَّرها إلا قليلاً، ويكون مشغولاً بالحياة عنها، وبأعماله التي رَبَتْ عندَه على طاعة ربِّه، فهو يضيعُ الصلاة؛ لأنها ليسَتْ لدَيْه ذات قيمةٍ، فهو في نهاية يومِه ينقُرها نَقْرَ الغُراب، هذا إذا تذكَّرها، أمَّا المؤمن، فهو يعتَنِي بها وبمقدِّماتها، فإذا سها في صلاتِه تدارَكَها في الحال، وجبر ذلك بسُجود السهو، والدعاء، ورَجاء القبول، لكنَّه على كلِّ حالٍ بذَل فيها جُهدًا مخلصًا، وكان ذِهنُه حاضرًا، وقلبُه يَقِظًا، وإحساسه بالصلاة راقيًا.
كما أنَّ في الآية ما يدلُّ على سعَة رحمة الله الذي استثنى مَن يسهو فيها بأنهَّ في منجى من الوَيْل والثُّبور، أمَّا مَن يسهو عنها وهي دبر أذُنِه لا قيد ناظريه، فقد استحقَّ الوَيْلَ، وصاحَبَه الوَيْلُ والثُّبور.
د. جمال عبدالعزيز أحمد

نهيان
12-16-2021, 04:52 PM
جزاك الله بخير الجزاء والجنه
بارك الله فيك ونفع بك
وجعله في ميزان حسناتك

عطر الزنبق
12-16-2021, 08:55 PM
بارك الله فيك
وجزاك الفردوس الأعلى من الجنــــــــــان
لروعة طرحك القيم والمفيد
لـعطرك الفواح في ارجاء المنتدى كل الأمتنان
أتمنى أن لاننــحرم طلتك الراااائعة
لك أجمل التحايا و أعذب الأمنيات
وعناقيد من الجوري تطوقك فرحاا
دمت بطاعة الله

منصور
12-18-2021, 01:02 AM
الله يجزاك كل خير
وان شاء الله تكون في ميزان اعمالك
الله لايحرمك الأجر
يعطيك العافية ع جمال الطرح وقيمته
شكراً لك

انثى برائحة الورد
12-20-2021, 12:41 PM
جزاك الله بخير الجزاء والجنه
بارك الله فيك ونفع بك
وجعله في ميزان حسناتك

شايان
12-22-2021, 01:51 AM
كل الشكر والتقدير للجهود الراقية
جعلها الله في ميزان حسناتك
وجزاك كل الخير

قمر تونس
12-25-2021, 01:26 PM
https://new-beautiful.org/wp-content/uploads/2016/09/20160918-573.gif

- مِيعآد.
12-27-2021, 08:16 PM
جزاك الله كل خير
وجعله في ميزان حسناتكـ
لاعدمنا جديدك
https://lh6.googleusercontent.com/-eg3Od3BD_KA/Tx2jIk_iwiI/AAAAAAAABqc/kpY5hHo_VVg/h80/0_5b12c_536d5de7_M.jpg.gif