مشاهدة النسخة كاملة : قراءة بلاغية في سورة الماعون (3)


نبراس القلم
12-16-2021, 10:18 AM
قال تعالى: ﴿ أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ * فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ * وَلَا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ * فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ * الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ * الَّذِينَ هُمْ يُرَاؤُونَ * وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ ﴾ [الماعون: 1 - 7].
سورة الماعون سورةٌ مكيَّة، انتَظَمتِ التَّنبيه على أمراضٍ اجتماعيَّة خطيرة، كثيرًا ما تحدُث ولا يتنبَّه الناس إليها، وقد تضمَّنت الحديث عن صِنفَيْن موجودَيْن في المجتمع الإنساني: المكذِّبين بالدِّين، والمرائين بأعْمالهم، والاثنان محلُّ مَذمَّةٍ، وموطن مَنقَصة، يلزَمُ المسلمَ غير المكذِّب بالدِّين الابتِعادُ عنهما، ولا بُدَّ من أنْ يتَخفَّف المجتمعُ المسلم بأسْره من هذين النَّمَطَيْن المخذِّلَيْن، والفريقين الساقطين، غير أنهما مصدرَا التخلُّف والرَّجعيَّة.
ونُكمِلُ اليومَ بقيَّة السورة الكريمة.
♦ ﴿ الَّذِينَ هُمْ يُرَاؤُونَ ﴾ وردت الصلة جملةً اسميَّة؛ لبَيان أنَّ ذلك صار سُلوكًا له، دَأَبَ ودرَج علَيْه، فالمراءاة عندهم أصلٌ يتنقَّلون من رياءٍ إلى رياء؛ ومن ثَمَّ فلا إخلاصَ عندهم ولا إخبات، ولا خُشوع ولا خُضوع، وفي الآية إيجازٌ بالحذف؛ حيث حذف المفعول به لتذهَبَ النفس في تَصوُّره كلَّ مذهبٍ، فهم يُراؤُون كلَّ ما يمكن أنْ يُرَاءى: صغيرًا أم كبيرًا، عالمًا أو جاهلاً، ذكرًا أم أنثى، فهم في أعمالهم مُتخشِّعون لا خاشعون، وفي زُهدِهم المزعوم مُتزهِّدون لا زاهدون، يتصدَّقون؛ ليقول الناس: إنهم مِعطاؤون، كُرَماء سخَّاؤون، والمضارع ﴿ يراؤون ﴾ الذي يفيدُ الاستمرار يفضَحُهم بالغُدوِّ والرَّواح، في مَسائهم والصَّباح، في الحلِّ والترحال، وهكذا سائر الأعمال.
♦ ﴿ وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ ﴾: جملةٌ فعليَّة بدَأتْ بالفِعل المضارع الذي يفيدُ الاستمرارَ بالمنع، فهم يتنقَّلون من منْع إلى منْع، ومن حِرمان لخيرهم عن الناس إلى حِرمان، ويمضون من بُخْلٍ إلى بُخْلٍ، وهم في ذلك على أفجَرِ قلب رجلٍ واحد، والماعون الشيء القليل من المعْن، وهو القلَّة، تقول العرب: "ما له مَعنَة، ولا سَعنَة"؛ أي: ما له قليلٌ ولا كثيرٌ من المال، قال المبرِّد والزجاج: "الماعون كلُّ ما فيه مَنفعَةٌ؛ كالفَأس والقِدر والدَّلو، وغير ذلك ممَّا يَنتفِعُ به الناس".
فالماعون كنايةٌ عن صفةٍ، هي بُخلُهم، وانحِصارُ خيرِهم، ومنْع الناس مَنافِعَ ما عندهم، وفي الآية زجرٌ عن البُخل بهذه الأشياء القليلة، فالبُخل بها علامةُ نهايةِ الشحِّ، وبُلوغ النفس قمَّةَ الانحِطاط والخسَّة، وذلك مُخِلٌّ بالمروءة، مُسْقِطٌ لها، كما أنَّ في ﴿ وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ ﴾ جناسًا غيرَ تامٍّ، يتناسبُ مع عدَمِ تمام أخْلاقهم، ونُقصان آدَميَّتهم، وانحِطاط إنسانيَّتهم، ولعلَّ الأنينَ الحاصِلَ من السَّجع المتكرِّر في (النون) ما ينهضُ لكشفِ انطِباع الناس حولهم، ورأيهم فيه.
نسأل الله تعالى أنْ يُبصِّرنا بكَمال الإسلام، وجَلال الإيمان، وسموِّ الأخلاق الحسَنَة؛ حتى نبتعدَ عن دَعِّ اليتيم، ونلتزمَ الحضَّ على إطعام المسكين، ونُسارِع بالحِفاظ على أداء الصَّلوات في مَواقِيتها بتَمامها وكَمالها، وأنَّ يَرزُقَنا الإخلاصَ وعدم الرياء، وأنْ نُعِين الناسَ كلَّ الناس بكلِّ ما نملك، وألاَّ نبخل أو نكتُم أيَّ معونةٍ عن أحدٍ، إنَّه وليُّ ذلك والقادر عليه، والحمدُ لله ربِّ العالمين.
د. جمال عبدالعزيز أحمد

نهيان
12-16-2021, 04:52 PM
جزاك الله بخير الجزاء والجنه
بارك الله فيك ونفع بك
وجعله في ميزان حسناتك

عطر الزنبق
12-16-2021, 08:55 PM
بارك الله فيك
وجزاك الفردوس الأعلى من الجنــــــــــان
لروعة طرحك القيم والمفيد
لـعطرك الفواح في ارجاء المنتدى كل الأمتنان
أتمنى أن لاننــحرم طلتك الراااائعة
لك أجمل التحايا و أعذب الأمنيات
وعناقيد من الجوري تطوقك فرحاا
دمت بطاعة الله

منصور
12-18-2021, 01:01 AM
الله يجزاك كل خير
وان شاء الله تكون في ميزان اعمالك
الله لايحرمك الأجر
يعطيك العافية ع جمال الطرح وقيمته
شكراً لك

انثى برائحة الورد
12-20-2021, 12:40 PM
جزاك الله بخير الجزاء والجنه
بارك الله فيك ونفع بك
وجعله في ميزان حسناتك

شايان
12-22-2021, 01:52 AM
كل الشكر والتقدير للجهود الراقية
جعلها الله في ميزان حسناتك
وجزاك كل الخير

قمر تونس
12-25-2021, 01:26 PM
https://new-beautiful.org/wp-content/uploads/2016/09/20160918-573.gif

- مِيعآد.
12-27-2021, 08:16 PM
جزاك الله كل خير
وجعله في ميزان حسناتكـ
لاعدمنا جديدك
https://lh6.googleusercontent.com/-eg3Od3BD_KA/Tx2jIk_iwiI/AAAAAAAABqc/kpY5hHo_VVg/h80/0_5b12c_536d5de7_M.jpg.gif