مشاهدة النسخة كاملة : شرح حديث: «اجتنبوا السبع الموبقات»


نبراس القلم
01-25-2022, 10:26 AM
الحمد الله، والصلاة والسلام على رسول الله، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، أما بعد:
فروى البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «اجْتَنِبُوا السَّبْعَ المُوبِقَاتِ»، قالوا: يا رسول الله وما هن، قال: «الشِّرْكُ بِالله، وَالسِّحْرُ، وَقَتْلُ النَّفْسِ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالحَقِّ، وَأَكْلُ الرِّبَا، وَأَكْلُ مَالِ اليَتِيمِ، وَالتَّوَلِّي يَوْمَ الزَّحْفِ، وَقَذْفُ المُحْصَنَاتِ المُؤْمِنَاتِ الغَافِلَاتِ»[1].
قوله: الموبقات:
أي المهلكات، قال المهلب: سُميت بذلك؛ لأنها سبب لإهلاك مرتكبها، وقال ابن حجر: الموبقة هي الكبيرة كما جاء تفسيرها في أحاديث أُخر، وقال أيضًا: والكبيرة كل ما توعد عليه باللعن أو العذاب، أو شرع فيه حدٌّ فهو كبيرة، وهو المعتمد[2].
وقال القرطبي رحمه الله: كل ذنب أطلق عليه بنص كتاب أو سنة أو إجماع أنه كبيرة، أو عظيم، أو أخبر فيه بشدة العقاب، أو علق عليه الحد، أو شدد النكير عليه، فهو كبيرة[3].
قوله: الشرك بالله:
الشرك ينقسم إلى قسمين، شرك أكبر، وشرك أصغر، فأما الشرك الأكبر فهو الذي يخرج صاحبه من دائرة الإسلام، ويوجب له الخلود في النار، ويحرم عليه الجنة إذا لم يتب منه ومات عليه، ومن الشرك الأكبر صرف عبادة من العبادات لغير الله، مثل الدعاء، أو النذر، أو الخوف، أو الذبح؛ قال تعالى: ﴿ إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا بَعِيدًا ﴾ [النساء: 116].
أما الشرك الأصغر، فهو الذي لا يخرج صاحبه من الملة، ولكنه ينقص من توحيده، وهو وسيلة إلى الشرك الأكبر، وينقسم إلى قسمين: شرك ظاهر، وشرك خفي:
أما الظاهر، فهو يختص بالأعمال والأقوال الظاهرة، أما الألفاظ الظاهرة مثل الحلف بغير الله، وقول ما شاء الله وشئت، أما الأفعال فهي كثيرة جدًّا، مثل تعليق التمائم خوفًا من العين، أو لبس الحلقة، أو الخيط لرفع البلاء أو دفعه، هذا مع اعتقاده أنها سبب لرفع البلاء أو دفعه، فإن اعتقد أنها تدفع أو ترفع البلاء بنفسها، فهذا شرك أكبر.
الثاني: شرك خفي: روى ابن خزيمة في صحيحه من حديث محمود بن لبيد رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «أَيُّهَا النَّاسُ إِيَّاكُمْ وَشِرْكَ السَّرَائِرِ»، قَالُوا: يَا رَسُولَ الله، وَمَا شِرْكُ السَّرَائِرِ؟ قَالَ: «يَقُومُ الرَّجُلُ فَيُصَلِّي فَيُزَيِّنُ صَلَاتَهُ جَاهِدًا لِمَا يَرَى مِنْ نَظَرِ النَّاسِ إِلَيْهِ، فَذَلِكَ شِرْكُ السَّرَائِرِ»[4].
وإنما سُمي الرياء شركًا خفيًّا؛ لأن صاحبه يظهر أن عمله الله، وقد قصد به غيره أو شركه فيه، وزين صلاته لأجله.
«قوله:السحر، السحر نوعان:
النوع الأول: نوع يكون بمساعدة الشياطين ومعاونتهم، وهو أعظمه، وهو الذي يكون بالنفث في العقد ونحوها، وهذا كفر؛ أي: إن فاعله يكفر ويجب قتله دفعًا لأذيته ومن أجل رِدَّته، حتى لو فُرض أنه تاب فإننا نقتله، لأنه كما جاء في الحديث: «حَدُّ السَّاحِرِ ضَرْبَةٌ بِالسَّيْفِ»[5].
ولما ثبت في مسند الإمام أحمد عن بجالة بن عبدة عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه: أنه كتب إلى أمراء الأجناد أن يقتلوا كل من وجدوا من السحرة، حتى يُتقى شرَّهم، قال بجالة: فقتلنا ثلاث سواحر[6].
اللَّهم إلا أن تقوم القرائن القوية على أن الرجل نزع عن هذا وتاب توبة نصوحًا، فهنا تُقبل توبته، أما مجرد أن يقول تبت ولم تظهر قرائن، فإنه لا تُقبل توبته.
النوع الثاني: سحر يكون بالأدوية المركبة، وهذا أهون من الأول، ولهذا قال كثير من العلماء أنه لا يكفر؛ لأن هذا مثل الذي يعتدي على الغير بأي عدوان كان، وكلا النوعين من كبائر الذنوب، الأول كبيرة وكفر، والثاني كبيرة دون الكفر.
قوله: وقتل النفس التي حرم الله إلا لحق، هذا الثالث:
وهي التي يعبر العلماء رحمهم الله عنها بالنفس المعصومة، وهم أربعة أجناس: المسلم، والذمي، والمعاهد، والمستأمن؛ قال تعالى: ﴿ وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا ﴾ [النساء: 93]، ويلتحق بذلك قتل المعاهد؛ كما صح الحديث: «مَنْ قَتَلَ مُعَاهَدًا لَمْ يَرَحْ رَائِحَةَ الْجَنَّةِ، وَإِنَّ رِيحَهَا لَيُوجَد مِنْ مَسِيرَةِ أَرْبَعِينَ عَامًا»[7]، هذه هي النفوس التي حرم الله تعالى قتلها إلا بالحق، يعني إلا بالسبب، فالمسلم يجوز قتله بسبب، مثل أن يقتل غيره، أو يكون ثيبًا زانيًا، أو ما أشبه ذلك.
روى البخاري ومسلم من حديث عبدالله بن مسعود رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لَا يَحِلُّ دَمُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ، يَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنِّي رَسُولُ الله، إِلَّا بِإِحْدَى ثَلَاثٍ: الثَّيِّبُ الزَّانِي، وَالنَّفْسُ بِالنَّفْسِ، وَالتَّارِكُ لِدِينِهِ الْمُفَارِقُ لِلْجَمَاعَةِ»[8].
قوله: أكل مال اليتيم:
اليتيم هو الذي مات أبوه قبل بلوغه، وإنما كان أكل ماله أشد من غيره؛ لأنه يتيم، فهو محل الرحمة والعطف والحنان، وسبب تعظيم أكل مال اليتيم من وجهين:
الوجه الأول: أنه إذا تجرأ أحد على أكل ماله، صار هذا أعظم مما لو تجرأ على أكل مال من ليس مستحقًّا للرحمة كرحمة اليتيم.
الوجه الثاني: أن اليتيم ليس له من يدافع عنه فيتغافله الناس، وربما حملهم الطمع على أكل ماله.
وقوله: أكل مال اليتيم، المراد إتلاف مال اليتيم بأكل، أو إحراق، أو إفساد أو غير ذلك، لكنه صلى الله عليه وسلم عبر بالأكل؛ لأنه أغلب وجوه الانتفاع، أو يقال: إذا كان أكل ماله من كبائر الذنوب، فإتلافه الذي لا منفعة فيه من باب أولى.
وقوله: وأكل الربا:
والربا في اللغة الزيادة، وفي الشرع تفاضل أو زيادة في أشياء منع الشرع من زيادتها، وهذه الأشياء هي الأموال الربوية، روى البخاري ومسلم من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «الذَّهَبُ بِالذَّهَبِ، وَالْفِضَّةُ بِالْفِضَّةِ، وَالتَّمْرُ بِالتَّمْرِ، وَالْبُرُّ بِالْبُرِّ، وَالشَّعِيرُ بِالشَّعِيرِ، وَالْمِلْحُ بِالْمِلْحِ مِثْلًا بِمِثْلٍ، سَوَاءٌ بِسَوَاءٍ، فَمَنْ زَادَ أَوْ اسْتَزَادَ فَقَدْ أَرْبَى»[9].
والربا كما يقول العلماء قسمان: ربا فضل، وربا نسيئة، فإذا حصل التقابض مع الزيادة فهو ربا فضل، وإذا حصل التساوي مع تأخير قبض ما يجب قبضه في محل العقد، فهو ربا نسيئة، قال ابن دقيق العيد: وهو مجرب لسوء الخاتمة، نعوذ بالله من ذلك.
قوله: والتولي يوم الزحف:
هو من كبائر الذنوب؛ لقوله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفًا فَلَا تُوَلُّوهُمُ الْأَدْبَارَ * وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلَّا مُتَحَرِّفًا لِقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزًا إِلَى فِئَةٍ فَقَدْ بَاءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ ﴾ [الأنفال: 15، 16]، وعلى هذا فيكون القرآن الكريم قد خصص عموم الحديث بقوله: ﴿ وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلَّا مُتَحَرِّفًا لِقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزًا إِلَى فِئَةٍ فَقَدْ بَاءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ ﴾ [الأنفال: 16]، فيستثنى من قوله صلى الله عليه وسلم: «وَالتَّوَلِّي يَوْمَ الزَّحْفِ» ما كان تحرفًا لقتال، أو تحيزًا إلى فئة.
قوله: وقذف المحصنات الغافلات المؤمنات، هذاالسابع:
والقذف يعني الرمي بالزنا، والمحصنات هن العفيفات، والغافلات البعيدات عما رمين به، المؤمنات ضد الكافرات، وقيل المحصنات الحرائر، والغافلات العفائف، ولا يختص بالمتزوجات، بل حكم البكر كذلك بالإجماع، كما ذكره الحافظ في الفتح، والمراد رميهن بزنا أو لواط[10].
وهل مثل ذلك قذف الرجل المحصن الغافل المؤمن؟ الجواب: نعم مثله، لكن ذكر النساء؛ لأن قذفهن كثير بخلاف الرجال»[11]،[12].
والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
[1] صحيح البخاري برقم 6857، وصحيح مسلم برقم 89.
[2] فتح الباري (12/ 181).
[3] المفهم لما أشكل في تلخيص شرح مسلم (1/ 284) بتصرف.
[4] صحيح ابن خزيمة (2/ 67) برقم 937، وحسنه الشيخ الألباني رحمه الله: في صحيح الترغيب والترهيب (1/ 119) برقم 31.
[5] سنن الترمذي برقم 0146، قال الشيخ عبدالعزيز ابن باز رحمه الله: الحديث عند أهل العلم ضعيف، والصحيح أنه موقوف على جندب بن عبداللَّه البجلي، وقيل أن راويه هو جندب بن كعب الأزدي، وهو الذي قال: حد الساحر ضربه بالسيف، ولكن مثل هذا له حكم الرفع؛ لأنه لا يقال من جهة الرأي، فلو أن الصحابي عنده علم، لما جزم بهذه الجملة العظيمة؛ برنامج نور على الدرب (موقع الشيخ ابن باز رحمه الله).
[6] مسند الإمام أحمد (3/ 196) برقم 1657، وقال محققوه: إسناده صحيح على شرط البخاري، وأصله في صحيح البخاري دون قصة السواحر، قال الشيخ عبدالعزيز ابن بازرحمه الله: له حكم الرفع، برنامج نور على الدرب.
[7] صحيح البخاري برقم 6914 من حديث عبداللَّه بن عمرو رحمه الله.
[8] صحيح البخاري برقم 6809، وصحيح مسلم برقم 1676.
[9] صحيح مسلم برقم 1587.
[10] فتح الباري (12-181).
[11] شرح صحيح مسلم للشيخ ابن عثيمين 2 (1 / 283-287) بتصرف.
[12] تيسير العزيز الحميد في شرح كتاب التوحيد للشيخ سليمان بن عبداللَّه بن محمد بن عبدالوهاب، ص 389-390.
د. أمين بن عبدالله الشقاوي

مستريح البال
01-25-2022, 01:49 PM
جزاك الله خير الجزاء
ورفع قدرك في السماء
ورزقك الجنه ونفع بك
وبطرحك القييم بارك الله فيك

نهيان
01-25-2022, 11:28 PM
جزاك الله عنا بخير الجزاء
والدرجة الرفيعه من الجنه
بارك الله فيك ونفع بك
وجعله في ميزان حسناتك

لذة مطر ..!
01-26-2022, 05:01 AM
جزاك الله خير ونفع بك ..

انثى برائحة الورد
01-27-2022, 01:32 PM
https://i.pinimg.com/originals/63/22/2c/63222c8deff33e1ee41543a55ff02c31.gif

شايان
01-29-2022, 06:10 PM
http://up.3dlat.com/uploads/13322848727.gif

شموح طفله
01-30-2022, 04:26 PM
https://upload.3dlat.com/uploads/13843417757.gif