مشاهدة النسخة كاملة : تفسير آية: { وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبي إلا إذا تمنى ألقى الشيطان }


نبراس القلم
01-27-2022, 03:09 AM
قال الله تعالى: ﴿ وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلَا نَبِيٍّ إِلَّا إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ فَيَنْسَخُ اللَّهُ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ ثُمَّ يُحْكِمُ اللَّهُ آيَاتِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ * لِيَجْعَلَ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ فِتْنَةً لِلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَفِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ * وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَيُؤْمِنُوا بِهِ فَتُخْبِتَ لَهُ قُلُوبُهُمْ وَإِنَّ اللَّهَ لَهَادِ الَّذِينَ آمَنُوا إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ * وَلَا يَزَالُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي مِرْيَةٍ مِنْهُ حَتَّى تَأْتِيَهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً أَوْ يَأْتِيَهُمْ عَذَابُ يَوْمٍ عَقِيمٍ ﴾ [الحج: 52 - 55].
الغَرَض الذي سِيقَتْ له: تسلية رسول الله صلى الله عليه وسلم وبشارته بالنصر والتمكين.
ومناسبتها لما قبلها: أنه لما بيَّن لرسول الله صلى الله عليه وسلم أنه ليس بأول مَن كذبه قومه، بل كذب قبلهم قوم نوح وعاد وثمود... إلخ، وذكر أنه دمَّر المكذبين، وأمره أن يعلنَ للناس بشارة المؤمنين، وتحذير الذين يقفون في طريق دعوة المرسلين - سلَّاه مرة ثانية بأن جميع الأنبياء والمرسلين قد وُقف في طريق دعوتهم؛ فنصر الله أولياءه، ورمى بعاقبة السوء أعداءه.
وقوله: ﴿ مِنْ رَسُولٍ وَلَا نَبِيٍّ ﴾:
(مِن) داخلة على المفعول لاستغراق النفي للجنس.
والرسولُ هو: مَن بَعَثَهُ الله بشريعة جديدة يدعو الناس إليها، والنبي: مَن بعثه الله بشريعة جديدة يدعو الناس إليها، أو بعثه لتقرير شريعة سابقة كأنبياء بني إسرائيل، فالنبيُّ أعمُّ مِن الرسول.
وقوله: ﴿ إِلَّا إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ ﴾؛ أي: إلا حين اشتهى هداية قومه إلى الحق، طرح الشيطان في طريق مشتهاه الكثير من العوائق والعراقيل؛ بإغواء بعض القوم وإغرائهم وصدهم عن سبيل الله.
والجملة التي بعد (إلا) في موضع نصب على الحال من رسول.
و(إذا) لمجرد الظرفية؛ لأن (إلا) إِنْ وَلِيها فعل مضارع لا يحتاج إلى شرط يشترط له؛ نحو: ما رأيت زيدًا إلا يفعل كذا، وإن وليها ماضٍ اشترط أن يكون مصحوبًا بقد أو سبق إلا فعل كما هنا، فقوله: (ألقى) قد ولي إلا في التقدير؛ لأن الظرف يتوسع في الفصل به.
و(تمنَّى) بمعنى: اشتهى، والمفعول محذوف؛ يعني: هداية قومه جميعًا؛ إذ هذه أمنية الأنبياء والمرسلين.
و(ألقى) بمعنى: طرَح ووضع، والمفعولُ محذوف؛ يعني: الإغواء والإغراء بالشُّبه والفِتَن؛ إذ هو مقصود الشياطين، فدأبهم أن يسعَوا في آيات الله معاجِزين، وفي هذا التركيب حذف؛ إذ العطف بالواو يقتضي عود الضمير مطابقًا للمتعاطفين، وأصل الكلام: وما أرسلنا مِن قبلك من رسول إلا إذا تَمَنَّى ألقى الشيطان في أمنيته، ولا نبي إلا إذا تَمَنَّى ألقى الشيطان في أمنيته، فحذف من الأول لدلالة الثاني عليه، على حدِّ قوله: ﴿ وَاللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ إِنْ كَانُوا مُؤْمِنِينَ ﴾ [التوبة: 62].
وقوله: ﴿ فَيَنْسَخُ اللَّهُ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ ﴾؛ أي: فيُزيل الله ما وضعه الشيطان في طريق أمنية المرسلين من العوائق والعراقيل.
وقوله: ﴿ ثُمَّ يُحْكِمُ اللَّهُ آيَاتِهِ ﴾؛ أي: ثم يبقي الله أمارات الحق ظاهرة متقنة؛ فينصر أولياءه ويُدمِّر أعداءه.
والتعبير بـ(ثم) للإشارة إلى أن مدة المحنة قد تطول، ولكنها لا بد وأن تزول.
وقوله: ﴿ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ ﴾ تذييل لتقرير ما قبله، وجملة: ﴿ لِيَجْعَلَ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ فِتْنَةً ﴾ تعلل لإلقاء الشيطان، و(الفتنة) الضلالة، و(ما) في ﴿ مَا يُلْقِي ﴾ موصولة أو مصدرية، وهي المفعول الأول، والمفعول الثاني (فتنة)، و(الذين في قلوبهم مرض) هم عامة الكفار، و(القاسية قلوبهم) خواص من الكفار تحجرت قلوبهم؛ كأبي جهل والنضر وعتبة، و(قلوبهم) مرتفعٌ بالقاسية المعطوفة على (الذين قلوبهم مرض)[1].
وقوله: ﴿ وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَفِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ ﴾؛ أي: وإن الذين في قلوبهم مرض والقاسية قلوبهم لفي عداوة ومخالفة شديدة، وقد وضع الظاهر موضع الضمير لتسجيل وصفهم بالظلم.
وقوله: ﴿ وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَيُؤْمِنُوا بِهِ فَتُخْبِتَ لَهُ قُلُوبُهُمْ ﴾ معطوف على قوله: ﴿ لِيَجْعَلَ ﴾، المتعلق بـ(ألقى)، فإلقاء الشيطان سبب لفتنة الكافرين وحصول العلم واليقين للمؤمنين.
والضمير المجرور في قوله: ﴿ فَيُؤْمِنُوا بِهِ ﴾ للرب سبحانه وتعالى؛ أي: فيزدادوا يقينًا بربهم.
وقوله: ﴿ فَتُخْبِتَ لَهُ قُلُوبُهُمْ ﴾؛ أي: تخضع وتخشع وتنقاد لله أفئدتهم.
وقوله: ﴿ وَإِنَّ اللَّهَ لَهَادِ الَّذِينَ آمَنُوا إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ﴾؛ أي: وإن الذين أوتوا العلم والإيمان لمهديُّون إلى طريق الحق، وقد وضع الظاهر موضع الضمير لتسجيل وصفهم بالإيمان والإشارة إلى علية الرشد.
وقد قرئ: ﴿ لَهَادٍ الَّذِينَ آمَنُوا ﴾ بالتنوين، فالموصول بعد (هادٍ) منصوب به، وقرأ الجمهور ﴿ لَهَادِ الَّذِينَ ﴾ بالإضافة.
وقوله: ﴿ وَلَا يَزَالُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي مِرْيَةٍ مِنْهُ ﴾ إلى آخر الآية، عودٌ إلى شرح حال الكفار، و(المرية) الشك، والضمير في (منه) للحق، ويجوز أن يكون الضمير لما يلقيه الشيطان، و(من) على هذا للسببية.
وقوله: ﴿ حَتَّى تَأْتِيَهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً أَوْ يَأْتِيَهُمْ عَذَابُ يَوْمٍ عَقِيم ﴾؛ أي: يستمر شكهم إلى قيام الساعة المفاجئة للناس أو يعجل عليهم عذابًا مستأصلًا لهم.
الأحكام:
1 - وجوب الإيمان بالقدر.
2 - استحباب تعليل الأحكام.
3 - وجوب الصبر على الأذى.
[1] أما ما زَعَمَهُ بعض الإخباريين وبعض المفسِّرين من أن سبب سجود المشركين هو ما عُرف بقصة الغرانيق، فإنه زعمٌ فاسد كاسد، عاطل باطل، لم يثبت بخبر صحيح ولا حسن عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وكما أنه لا يصح نقلًا فإنه كذلك لا يصح عقلًا، فلا يجري على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم ثناءٌ على آلهة المشركين بقصد أو بغير قصد، ولا يتسلط الشيطان فيتقوَّله في قراءة رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ حيث زعم هؤلاء أنه جرى على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد ذكر اللات والعزَّى ومناة الثالثة الأخرى: (تلك الغرانيق العلا، وإن شفاعتهن لترتجى).
مع أن ذكر اللات والعزى ومناة الثالثة الأخرى جاء على سبيل الذم في صلب السياق، وبعد ذكرهما مباشرة؛ حيث قال: ﴿ أَلَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ الْأُنْثَى * تِلْكَ إِذًا قِسْمَةٌ ضِيزَى ﴾؛ أي جائرة ﴿ إِنْ هِيَ إِلَّا أَسْمَاءٌ سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الْأَنْفُسُ وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مِنْ رَبِّهِمُ الْهُدَى ﴾ [النجم: 21 - 23]، ثم يذكر بعد ذلك قوله: ﴿ وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ فِي السَّمَاوَاتِ لَا تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا إِلَّا مِنْ بَعْدِ أَنْ يَأْذَنَ اللَّهُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَرْضَى ﴾ [النجم: 26].
فهذه أدلة قطعية في صلب السياق على كذب قصة الغرانيق، فلا يحل لمسلم أن يعتقد أن مثلها يقع لرسول الله صلى الله عليه وسلم، الذي صانه الله من الشيطان وعصمه منه قبل البعثة وبعدها, حتى صان رسوله محمدًا صلى الله عليه وسلم مِن أن يتمثل به الشيطان في المنام؛ كما أخبر بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقد روى البخاري ومسلم في صحيحيهما من حديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((لا يتمثل الشيطان بي)).
وفي لفظ للبخاري عن حديث أنس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله علهي وسلم قال: ((إن الشيطان لا يتكونني)).
وفي لفظ لمسلم من حديث جابر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((إنه لا ينبغي للشيطان أن يتمثل في صورتي)).
وفي لفظ لمسلم من حديث جابر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((إنه لا ينبغي للشيطان أن يتشبه بي)).
وفي لفظ للبخاري من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((إن الشيطان لا يتكونني)).
قال القاضي أبو بكر ابن العربي عن قصة الغرانيق: "ذكر الطبري في ذلك روايات كثيرة باطلة لا أصل لها".
وقال القاضي عياض عن حديث الغرانيق: "هذا الحديث لم يخرجه أحد من أهل الصحة، ولا رواه ثقةٌ بسند سليم متصل، مع ضعف نقلته، واضطراب رواياته، وانقطاع إسناده، وقال: مَن حملت عنه هذه القصة من التابعين والمفسرين لم يسندها أحد منهم ولا رفعها إلى صاحب، وأكثر الطرق عنهم في ذلك ضعيفة واهية"؛ اهـ.
الشيخ عبد القادر شيبة الحمد

مستريح البال
01-27-2022, 06:30 AM
جزاك الله خير الجزاء
رزقك المولى الجنة ونعيمها
وجعل ما كُتِبَ في موازين حسناتك
ورفع الله قدرك في الدنيا والآخرة
وأجـزل لك العطاء
مودتي لك

لذة مطر ..!
01-27-2022, 11:43 AM
جزاك الله خير ونفع بك ..

انثى برائحة الورد
01-27-2022, 02:31 PM
https://2.bp.blogspot.com/-PreHg1ql-5Y/VsCA2Oto44I/AAAAAAAAGNg/-WI2k7c-YOE/s1600/245729.gif

شايان
01-29-2022, 05:51 PM
https://sites.google.com/site/ghnayemyasmeen/_/rsrc/1467376974223/home/hamsmasry-b363769d08.gif

نهيان
01-30-2022, 04:33 PM
جزاك الله عنا بخير الجزاء
والدرجة الرفيعه من الجنه
بارك الله فيك ونفع بك
وجعله في ميزان حسناتك

شموح طفله
01-30-2022, 04:50 PM
https://upload.3dlat.com/uploads/13843417757.gif