مشاهدة النسخة كاملة : كيفك انتا ( فيروزية )


عدي بلال
10-12-2022, 08:02 PM
كيفك انتا
قصة قصيرة

مشهـد نهاري / خارجي
شتـاء / 2005 ميلادي
السـاعة العـاشرة صباحاً

بخطـوات ٍ بطيئـة، وذهن ٍ شـارد، تـابع سيره في ذلك الشـارع، الذي يتوسط السوق ..
كان هندامه، وبعض خصلات شعره الأبيض، تشيان عن وقار رجل ٍ في عقده الخامس.
وعنـد وصوله إلى ذلك المقهى، توقف قبـالته، وتمتم متنهداً
(هنـا كان لقـاؤنا، في هذا المقهي) .. وابتسم .

مشهـد نهاري / خارجي
شتـاء / 1985 ميلادي
السـاعة العـاشرة صباحاً

أفكارٌ كثيرة ٌ جالت في خاطره، حاول أن يستجمعها ، قبل مقابلة العمل المنتظرة.
ثلاث سنوات ٍ – ربما أكثر – من التنقل بين الشركـات، ولم يستقـر به الحال على وظيفة ٍ ثابتة ٍ تُرضي طموحه .
( المهم أن أبقى يقـظاً، وواثقـاً من نفسي أثناء المقابلة الشخصية، والأهم من هذا كله...
ألّا أتاخر- كعادتي - عن الموعد.)

شعر بتوقف جسده فجاة ًعن السير، ورأى تلك الفتاة تلملم أوراقها المبعثرة على الأرض، فأيقن بعدها بأنه من تسبب بكل هذه الجلبة، وبادر على الفور في مساعدتها

- أعتذر يا آنسـة... كنت شارد الذهن، هل أنتِ بخير.؟
قالت بارتباك بدى على محياها :
- لا عليك .. لم يحدث شيء .

لحظات .. وانتهيـا من جمع أوراقها التي لم تخلُ من بعض التلف ..! دعاها إلى فنجان ٍ من القهوة ِفي ذلك المقهى، وسط السوق، وبين ترددها وإصراره استجابت لدعوته .

- تفضلا من هنا..
قالها النـادل عند دخولهما باب المقهى، وابتسـامة الترحاب لا تفارق وجهه البشوش ..

مشهد نهاري / داخلي
الساعة العاشرة والنصف صباحاً

الأجواء في هذا المقهىى حميمية، تبعث في النفس الصفاء، زادتها الموسيقى الرحبانية وصوت ( فيروز )، جمالاً ورومانسية.
لحظات مرت، قبل أن يحرك النادل الكرسي للخلف قليلاً لها ..

- تفضلي يا سيدتي.
- شكراً.
ليعيد الكرة معه هذه المرة .. ويقول :
- تفضلا قائمة المشروبات .. سأعود بعد قليل.

حاول أن يخفف من التوتر الذي خيم على طاولتهما، وهو يطالع ملامح وجهها الطفوليـة، وشعرهـا الداكن سواده، فقال :

- وكأننـا في أحد الأفلام القديمـة، أنا وأنتِ، ولا ينقصنا إلّا فنجانا القهوة .. وابتسم.

كانت مشغولةً بترتيب أوراقهـا المبعثرة على الطاولة، رفعت رأسها في ارتبـاكٍ نحوه، وكأنها أغفلت كلماته

- عفوا ً .. ماذا قلت ..؟
- قلت بأن المقهى جميل.. أليس كذلك ؟
أومـأت برأسها وقالت بصوت ٍ خافت :
- بلى .. هو كذلك ..
- هل زرتـهِ قبل الآن يا آنستي.؟
- لا.. ولكن أظنني سأرتـاده بعد الآن، فقد أحببتــه

كانت عودة النـادل، أشبه بوقتٍ مستقطع، ليستجمع شتات فكره، ويتـابع الحوار معهـا.

- مـاذا أحضر لكما يا سيدي؟
- فنجانان من القهوة لو سمحت.

سعادة ٌ– لا يعرف مصدرها – شعر بها وهو ينظر إلى عينيهـا، فأنستـه موعده المرتقب، وشيء ما في داخله يدفعه إلى مواصلة النظر..
لاحظت نظراته لها، فغضت طرفها وقالت :

- لم َ كنت على عجلة ٍ من أمرك ..؟
إعتدل في جلسته، وتنحنح، وقال:
- كنت على موعد ٍ مع إحدى تلك الشركات، للتقدم إلى وظيفة، ولكن .. وابتسم.
شعرت بالحرج للحظاتٍ من الموقف، فاستدركت حوارها معه، وقالت:
- أعتذر إن كنت قد تسببت بتأخرك، لكنـك .. وصمتت قليلاً
- لا عليـك ِ .. أنا من يتوجب عليه الاعتذار، وأرجو من الله بأن يكون موعدك يحتمل التأجيل ..؟!
ابتسمت لـه وقالت :
- أي موعــد ٍ ؟ كنت عائدة ً إلى البيت، لا عليـك .
- تفضلي القهوة ..
- شكراً ..

وعلى أنغـام ( فيروز ) .. ( كيفك إنتا ) .. احتسيـا القهوة، وتجاذبا أطراف الحديث، تارة ً عن مفارقات الحياة، وتارة ًسـاد الصمت بينهما، فترك لفكره العنان..
وحلـّق في سماء أحلامه، ونسج خيالـه قصـة ً شرقيـة .
ومع نهاية أغنية ( فيروز )، همـّت بالرحيل ..

- أشكرك على فنجان القهوة ..
- العفـو .. هل ترغبيـن في أن أوصلك إلى أي مكـان ..؟!
- لا .. أشكرك على لباقتـك .. وابتسمت ..
لملمت أوراقهـا ومضت، كأنها حلم جميل، يتلاشى أمـامه دون أن يحرك سـاكنـا ً ..
" ترى ما اسمها ..! نسيت أن أسـألها عن اسمها ..! "

قرر أن يسميهـا " فيروز " ..

مشهـد نهاري / داخلي
شتـاء / 2005 ميلادي
السـاعة العـاشرة والربع صباحا ً

" لم يتغير هذا المقهى كثيراً، رائحة القهوة، وموسيقاه الرائعة، وصوت ( فيروز ) ..
ربما بعض ( الديكورات ) الجديدة، وابيضاض شعر هذا الرجل الواقف أمامي الآن .."
- صباح الخير يا سيدي ..
- صباح النور .. فنجان قهوة لو سمحت .. شكرا ً .
على الطرف الآخر من المقهى، قعدت سيدة – في الأربعين من عمرها – على تلك الطاولة المقابلة له، وطلبت فنجان قهوة .
تملكته رغبة شديدة في النظر إليها، وأطال النظر .. فتمتم في نفسه :
" كأنها فيروزي ...! ربما لا .. لم تكن سوى خمس دقائق فقط، ولا سبيل لدي في التأكد بأنها هي ..! "
شعر بارتباك ٍ بعد سماعه صوت النادل :
- تفضل قهوتـك يا سيدي ..
- شكرا ً ..

وعلى الطرف الآخر من المقهى ..
- تفضلي يا سيدتي فنجان قهوتـك ِ.
شكـرا ً أيهـا النادل ، هل لي بطلـب .؟!
- بالطبـع يا سيدتي ..
كان يراقب طريقة حديثها مع النادل بتمعن ٍ، عـلّ معجزة ً من السماء تهبط على ذاكرته، فيتيقن بأنها ( فيروزه ) التي يأمل.
وسرعان ما عاد ببصره إلى طاولته، بعد أن لاحظت اهتمامه، فحاول التظاهر بالإنشغال، تارة ً بأدوات الطاولة ، وبالنظر إلى ساعته ينتظر قدوم اللاأحد تارة ً أخرى ..
وبينمـا هو في إنشغاله – المصطنع – علا صوت ( فيروز ) في المقهى ..

( كيفك إنتا .. عم بيقولوا صار عندك ولاد .. أنا والله كنت مفكرتك برات البلاد ) ..

ابتسم، ولم يرفع عيناه عن الطاولة، واستسلم لغناء ( فيروز) وذكراه الجميلة في ذلك اليوم.
ومع انتهاء أغنية ( فيروز ) ، رفع رأسه، وبحركة من يده، فهم النادل رغبته بالرحيل، ونظر حوله فلم يجدها.
تمتم في نفسه " غادرت تلك السيدة المقهى، ولن أعرف إن كانت هي فيروزي أم لا ..! "

- تفضل يا سيدي الفاتورة ..
- من فضلك .. هل لك أن تعيد لي أغنية ( كيفك أنتا ) مرة ً أخرى ..؟!
وددت أن أسمعها قبل مغادرتي ..
قـال هذه الجملـة ، وهو يضع النقود في الحافظة الجلدية ..
- بالتاكيـد يا سيدي ، سأعيدها للمرة الرابعة..! قال جملته وابتسما ..
- الرابعة ! نعم يا سيدي .. فالطلب على هذه الأغنية اليوم كثيـر، وآخرهـن من السيدة التي كانت تقعد أمـامك قبل دقائق ..! بإذنك يا سيدي ..
- تفضــل ..
أطرق رأسه إلى الأرض .. وابتسم.

تمت ....


إهداء: إلى محبي فيروز .. مع التحية.

ضي القمر
10-12-2022, 08:20 PM
اقصوصة على قدر بساطة احداثها
الا انها موغلة في العمق مؤثرة كثيرا
لما يعود الماضي بكل ما فيه
وتعاود الاحداث مرورها
برغم التقادم تحسها فقط منذ دقائق
بكل طقوسها وشخوصها
واحساسها الجميل
حتى وان كانت حزينة
فنحن احيانا نحب الحزن
ونتعلق به لانه احيا فينا ذكريات لامست القلب
كاتبنا المبدع
عدي بلال
تالقت بهذا النص
وكنت محترفا بالوصف
وناجحا جدا بالقبض على اللحظات ودقة الوصف
حملتنا الى عوالم الحدث بكل جزيئياتهوجعلتنا نعيش الحدث بكل تفاصيلها
شكرا لهذا الامتاع وشكرا لهذا السرد الاكثر من رائع
سلم القلم ودام المداد نابضا بالجمال
ننتظر مزيدك فلا تبخل
لعطاءك التقدير

ضي القمر
10-12-2022, 08:21 PM
تم الختم والنشر
جائزة ماسبق نشره
300مشاركة ومثلها تقييم
مع الشكر والتقدير

شايان
10-14-2022, 01:42 PM
ما قرأته هنا رائعة
بل واكثر
تسلسل وسرد مميز
احداث مصورة بالكلمات
وحديث عابر على انغام فيروز
بل فيروزته المجهولة
ما اجمل ما قرأت هنا
تسلم ايدك

نجومي والتقييم استحققتهم بجدارة

انثى برائحة الورد
10-19-2022, 01:14 PM
اقف كثيرا امام ابداع طرحك وذووق انتقائك
وثق انك احد هؤلاء الاعضاء
الذين سرقوا منا حتى الاحرف البسيطه
التي نحاول مجاراتهم بها والرد عليهم
ينحني الشكر امام كلماتك وموهبتكَ الرائعة
لك كل الشكر و دمت بهذا الابداع.

عدي بلال
11-05-2022, 10:33 AM
اقصوصة على قدر بساطة احداثها
الا انها موغلة في العمق مؤثرة كثيرا
لما يعود الماضي بكل ما فيه
وتعاود الاحداث مرورها
برغم التقادم تحسها فقط منذ دقائق
بكل طقوسها وشخوصها
واحساسها الجميل
حتى وان كانت حزينة
فنحن احيانا نحب الحزن
ونتعلق به لانه احيا فينا ذكريات لامست القلب
كاتبنا المبدع
عدي بلال
تالقت بهذا النص
وكنت محترفا بالوصف
وناجحا جدا بالقبض على اللحظات ودقة الوصف
حملتنا الى عوالم الحدث بكل جزيئياتهوجعلتنا نعيش الحدث بكل تفاصيلها
شكرا لهذا الامتاع وشكرا لهذا السرد الاكثر من رائع
سلم القلم ودام المداد نابضا بالجمال
ننتظر مزيدك فلا تبخل
لعطاءك التقدير

أ. ضي القمر

سعيدٌ جداً بهذا التفاعل مع احداث القصة
وسرني إذا راقت لكِ ، ولحسن ذائقتكِ

ممتنٌ لكِ هذا العطاء والجمال يا ضي
كل التحية

عدي بلال
11-05-2022, 10:34 AM
تم الختم والنشر
جائزة ماسبق نشره
300مشاركة ومثلها تقييم
مع الشكر والتقدير

رفع الله قدركِ
وممتنٌ لكِ هذا الكرم

لا حرمكِ الله البهاء
كل التحية

عدي بلال
11-05-2022, 10:35 AM
ما قرأته هنا رائعة
بل واكثر
تسلسل وسرد مميز
احداث مصورة بالكلمات
وحديث عابر على انغام فيروز
بل فيروزته المجهولة
ما اجمل ما قرأت هنا
تسلم ايدك

نجومي والتقييم استحققتهم بجدارة

أ. شايان

سرني إذ وجدتِ المتعة في تفاصيل هذه القصة الفيروزية
وأشكركِ على كلماتكِ الطيبة والتقييم

لا حرمكِ الله البهاء
كل التحية

عدي بلال
11-05-2022, 10:36 AM
اقف كثيرا امام ابداع طرحك وذووق انتقائك
وثق انك احد هؤلاء الاعضاء
الذين سرقوا منا حتى الاحرف البسيطه
التي نحاول مجاراتهم بها والرد عليهم
ينحني الشكر امام كلماتك وموهبتكَ الرائعة
لك كل الشكر و دمت بهذا الابداع.

أ. انثى برائحة الورد

سعيدٌ بأنها قد راقت لكِ
وممتنٌ لكلماتكِ الطيبة
والحضور البهي

لكِ من الود وافره
كل التحية

كُـيرازْ
01-15-2023, 11:54 AM
سلمت الأيادي ..
ويعطيك العافية لـ جمال الآنتقاء
لروحك جنائن الورد

نهيان
02-14-2023, 08:25 PM
قصه اكثر من رائعه رغم قصرها
الا انها وافيه بكل تفاصيلها
استاذي الغالي
عدي بلال

سلمت ياراقي الفكر على ماجدت به
يعطيك الف عافيه ياغالي
ننتظركل ماهو جديد فلاتبخل
دمت للابداع والتميز عنوان
وبسعاده لاتفارقك