عطر الزنبق
01-01-2024, 10:15 PM
تفسير قوله تعالى: (وقولهم إنا قتلنا المسيح عيسى ابن مريم ...)
بيان تآمر اليهود على قتل عيسى عليه السلام
قال الله تعالى: وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللَّهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلَّا اتِّبَاعَ الظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا * بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا [النساء:157-158].
هذه الآية تقودنا إلى الحديث عن النصارى كما تحدثنا عن اليهود، وتفصيل ذلك أن نقول:
ولد عيسى ابن مريم، فحملته أمه وأتت به الملأ من بني إسرائيل فأنكروه قَالُوا يَا مَرْيَمُ لَقَدْ جِئْتِ شَيْئًا فَرِيًّا [مريم:27] ، فأشارت إليه فأنطقه الله في المهد قَالَ :
إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا [مريم:30] ، وما اختلف الناس في رجل كما اختلفوا في عيسى ابن مريم عليه الصلاة والسلام، وبعد النبوة أخذ يدعو إلى ربه، فأسلم على يديه أقوام سموا في القرآن بالحواريين، وهم خاصة أصحابه عليه الصلاة والسلام، ثم لما ظهر أمره خاف خصومه وأعداؤه من اليهود فتآمروا على قتله، فبعضهم كان يعرفه بعينه، وبعضهم كان يعرفه باسمه، فلما أجمعوا أمرهم على قتله أخذوا معهم شخصاً يدلهم على مكانه، فلما دخلوا عليه ليقتلوه رفعه الله جل وعلا إليه، وألقى شبهه على غيره، مع اختلاف بين العلماء فيمن ألقي عليه الشبه، فقيل: إنه عبد من الحواريين صالح ألقى الله عليه الشبه، وقيل: إن الرجل الذي دلهم عليه -وهو يهوذا عند بعض المفسرين- هو الذي ألقى الله عليه شبه عيسى، فقتله اليهود ظناً منهم أنه عيسى.
وجملة الأمر أن الله جل وعلا شبه لهم شخصا غير عيسى، ورفع عيسى إلى السماء كما قال ربنا في صريح القرآن: بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ [النساء:158]، واختلف اليهود في هذا الذي شبه، فلما أخذوه قالوا: إن كان هذا عيسى فأين صاحبنا؟! وإن كان هذا صاحبنا فأين عيسى؟! فأخذوه وصلبوه وقتلوه اعتقاداً منهم أنهم ينتقمون منه!
وكان هذا في بيت المقدس في المكان المسمى اليوم كنيسة القيامة التي تعظمها النصارى، ثم رفع عيسى إلى السماء.
فالله جل وعلا يقول: إن اليهود تزعم أنها قتلت عيسى، فأنكر الله ورد على اليهود قولهم: إن عيسى قتل أو صلب بأن الله رفعه إليه، فهو حي جسداً وروحاً في السماء الثانية، كما قابله النبي صلى الله عليه وسلم ليلة المعراج، وسينزل أمارة وعلامة من علامات الساعة.
موقف النصارى من دعوى اليهود قتل عيسى عليه السلام
وبعد رفعه صدق النصارى اليهود في أن عيسى صلب وقتل، وقالوا: إن الله جل وعلا عدل، ومن عدله ألا يترك الخطيئة بلا عقوبة، فيقولون: إن آدم أكل من الشجرة فارتكب الخطيئة، فلما أكل من الشجرة وارتكب الخطيئة وأهبطه الله ورثت كل ذريته خطيئته.
فقالوا: لا بد من أن تكفر الخطايا عن الذرية، ولما كان الله من صفاته مع العدل الرحمة -تعالى الله عما يقولون علواً كبيراً- بعث ابنه الذي هو عيسى، وأنزله إلى الأرض وأحله في الناسوت بدل اللاهوت، أي: في إنسي، وصلب وقتل حتى يكفر عن البشر كلهم خطيئة أبيهم آدم، فمن آمن بأن عيسى ضحى من أجل البشر أصبح مؤمناً وسينجو يوم القيامة، ومن لم يؤمن بأن عيسى ضحى من أجل البشر فإنه لا يعتبر مؤمنا!
وعندهم ما يسمى بالتعميد، والتعميد صفته بأن يأتوا بالطفل -على خلاف في المذاهب عندهم- فيضعوه في مكان فيه ماء كحوض أو يرشوا عليه الماء، ويقولون: باسم الأب والابن وروح القدس! فإذا قالوا هذه الثلاثة اعتقدوا أن هذا الابن عُمد، وإذا عُمد طهر من الذنوب والخطايا، فأصبح قابلا للنجاة يوم القيامة، وعندهم جنة ونار وحساب بناء على هذا الاعتقاد.
ذكر مذاهب النصارى
وينقسم النصارى إلى ثلاث طوائف رئيسية:
الأولى: الأرثوذكس، وهؤلاء انفصلوا في عام (1054م) عن الكاثوليك، والكاثوليك هي الكنيسة الأم، والبروتستانت الكنيسة الثالثة.
الثانية: الكاثوليك، وهي راعية الكنيسة التي في روما اليوم، التي تتبع البابا يوحنا بولس الثاني المالك وخليفته الباب بنديكيت السادس عشر وجل كنائس العالم تابعة للكاثوليك.
وأما الأرثوذكس فأقل منهم، ومعناها: (مستقيمي المعتقد) - وقد انفصلت عن الكنيسة الأم، ويتبعها بعض الكنائس، كالتي في مصر التابعة للبابا شنودة .
الثالثة: حركة إصلاحية انفصلت عن الكاثوليك في القرن الثامن عشر الميلادي تقريباً على يد مارثن لوثر ، وهي الكنيسة البروتستانتية، وهذه تؤمن بأن لليهود منة على النصارى، والبروتستانتية هي المذهب الذي يدين به الرئيس الأمريكي المعاصر، ورئيس الوزراء البريطاني المعاصر توني بلير ، فالذي يجمع بينهما ارتباطهما حاليا بهذه الكنيسة، وأما الكنيسة التي في روما فهي منفكة عنهما ولا علاقة لها بهما.
فالنصارى فرق شتى، ولكن هذه الفرق الثلاث هي الأم، ويجتمعون في أمور ويختلفون في أمور أقل منها، فيتفقون على أن الأقانيم ثلاثة: الأب والابن وروح القدس، تعالى الله عما يقولون علواً كبيراً، وقد رد الله على الجميع في كتابه.
كيفية ظهور الصليب
النصرانية والأصل أن عيسى بعث إلى بني إسرائيل مثل موسى، وقد قلنا: إن بني إسرائيل يعودون إلى إسرائيل الذي هو يعقوب، ويعقوب عليه السلام له أخ اسمه العيص ، ومن ذرية العيص الروم، وكان العيص فيه صفرة، فلذلك يسمى الروم بني الأصفر، ولذلك فإن أبا سفيان لما رأى هرقل يخشى النبي صلى الله عليه وسلم قال: لقد أصبح ملك محمد عظيماً، تخافه بني الأصفر.
فالروم في الأصل ليس لهم علاقة بعيسى، والدين النصراني اليوم أكثر أتباعه الروم في أوروبا وفي أمريكا، فهم أكثر من اليهود.
وسبب ذلك أنه بعد ثلاثة قرون من رفع عيسى حدثت حروب بين الرومان وأشياعهم، فآمن ثلة من الرومان بما بقي من دين عيسى عليه الصلاة والسلام.
وكانت اليهود تزعم أنها قتلته، ولذلك يأتون إلى كنيسة القيامة -وهي الموطن الذي زعموا أنهم قتلوا فيه عيسى عليه السلام- فيرمون فيه الزبالات، والقاذورات، والقمامة حتى تجمعت.
فجاء قسطنطين الثالث فآمن بدين عيسى السلام مع التحريف، بعد أن جاء رجل يبحث في تلك القمامات حتى وصل إلى الصليب، حيث يزعمون أنه وصل إلى الخشبة التي صلب فيها من يعتقد اليهود أنه عيسى، فالصلب وقع، ولكنه ما وقع على عيسى، فاليهود صلبوا رجلاً وقتلوه.
فهذا الرجل وجد خشبة على هيئة الصليب المعروفة الآن بعد عيسى بثلاثة قرون، ولما أخذها زعم أنه كان مريضاً، فلما تمسح بها برئ، فلما علم الناس ذلك أخذوا يصنعون الصليب ويتبركون به ويعتقدون فيه ذلك إلى يومنا هذا، فهذا أصل فكرة ظهور الصليب للناس.
فلما علمت أم قسطنطين -واسمها هيلانا بهذا أمرت بمحو القاذورات وبنت عليها كنيسة أسمتها كنيسة القيامة، وذلك أنهم يعتقدون جهلا أن عيسى يبعث منها، فبما أنه مات فسيبعث من هذه الكنيسة، والكنيسة موجودة اليوم في بيت المقدس، وإن لم أنس فإن السادات لما زار إسرائيل تكلم وألقى خطابا في هذه الكنيسة، فهذه الكنيسة قائمة تعظم إلى اليوم.
وتسمى أحياناً كنيسة القمامة بالنسبة لما كان عليها، ثم بعد ذلك كان النصارى يضعون القمامة على الصخرة التي تعظمها اليهود، وكان يصلي إليها موسى عليه السلام.
وهذه الصخرة محا القامة عنها أمير المؤمنين عمر بن الخطاب ، ولكنه صلى أمامها وجعلها خلفه.
فأصبح بيت المقدس يضم الكنيسة التي يعظمها النصارى، ويضم الصخرة التي تعظمها اليهود، ويضم المسجد الأقصى الذي يعظمه المسلمون.
فهذا مجمل ما يمكن أن يقال عن عقيدة النصارى، وهي: قائمة على سر التعميد، والإيمان بأن الله كَفّّر عن البشر خطاياهم بقتله ابنه، تعالى الله عما يقولون علوا كبيرا.
بيان معنى قوله تعالى (وما قتلوه وما صلبوه...)
يقول الله تعالى: وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلَّا اتِّبَاعَ الظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا * بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا [النساء:157-158] أي: عزيزاً عن أن يقتل نبي من أنبيائه وهو جل وعلا غير مريد، حكيماً في سبب رفعه إلى السماء الثانية.
والمحفوظ عندنا في سنة نبينا صلى الله عليه وسلم وفي ظاهر القرآن أن عيسى عليه الصلاة والسلام سينزل في آخر الزمان واضعاً يديه على أجنحة ملك يخرج منه مثل بقايا الوضوء، ويقتل الدجال بحربة تكون معه، قال الله جل وعلا: وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِلسَّاعَةِ فَلا تَمْتَرُنَّ بِهَا وَاتَّبِعُونِ هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ [الزخرف:61]
بيان تآمر اليهود على قتل عيسى عليه السلام
قال الله تعالى: وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللَّهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلَّا اتِّبَاعَ الظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا * بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا [النساء:157-158].
هذه الآية تقودنا إلى الحديث عن النصارى كما تحدثنا عن اليهود، وتفصيل ذلك أن نقول:
ولد عيسى ابن مريم، فحملته أمه وأتت به الملأ من بني إسرائيل فأنكروه قَالُوا يَا مَرْيَمُ لَقَدْ جِئْتِ شَيْئًا فَرِيًّا [مريم:27] ، فأشارت إليه فأنطقه الله في المهد قَالَ :
إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا [مريم:30] ، وما اختلف الناس في رجل كما اختلفوا في عيسى ابن مريم عليه الصلاة والسلام، وبعد النبوة أخذ يدعو إلى ربه، فأسلم على يديه أقوام سموا في القرآن بالحواريين، وهم خاصة أصحابه عليه الصلاة والسلام، ثم لما ظهر أمره خاف خصومه وأعداؤه من اليهود فتآمروا على قتله، فبعضهم كان يعرفه بعينه، وبعضهم كان يعرفه باسمه، فلما أجمعوا أمرهم على قتله أخذوا معهم شخصاً يدلهم على مكانه، فلما دخلوا عليه ليقتلوه رفعه الله جل وعلا إليه، وألقى شبهه على غيره، مع اختلاف بين العلماء فيمن ألقي عليه الشبه، فقيل: إنه عبد من الحواريين صالح ألقى الله عليه الشبه، وقيل: إن الرجل الذي دلهم عليه -وهو يهوذا عند بعض المفسرين- هو الذي ألقى الله عليه شبه عيسى، فقتله اليهود ظناً منهم أنه عيسى.
وجملة الأمر أن الله جل وعلا شبه لهم شخصا غير عيسى، ورفع عيسى إلى السماء كما قال ربنا في صريح القرآن: بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ [النساء:158]، واختلف اليهود في هذا الذي شبه، فلما أخذوه قالوا: إن كان هذا عيسى فأين صاحبنا؟! وإن كان هذا صاحبنا فأين عيسى؟! فأخذوه وصلبوه وقتلوه اعتقاداً منهم أنهم ينتقمون منه!
وكان هذا في بيت المقدس في المكان المسمى اليوم كنيسة القيامة التي تعظمها النصارى، ثم رفع عيسى إلى السماء.
فالله جل وعلا يقول: إن اليهود تزعم أنها قتلت عيسى، فأنكر الله ورد على اليهود قولهم: إن عيسى قتل أو صلب بأن الله رفعه إليه، فهو حي جسداً وروحاً في السماء الثانية، كما قابله النبي صلى الله عليه وسلم ليلة المعراج، وسينزل أمارة وعلامة من علامات الساعة.
موقف النصارى من دعوى اليهود قتل عيسى عليه السلام
وبعد رفعه صدق النصارى اليهود في أن عيسى صلب وقتل، وقالوا: إن الله جل وعلا عدل، ومن عدله ألا يترك الخطيئة بلا عقوبة، فيقولون: إن آدم أكل من الشجرة فارتكب الخطيئة، فلما أكل من الشجرة وارتكب الخطيئة وأهبطه الله ورثت كل ذريته خطيئته.
فقالوا: لا بد من أن تكفر الخطايا عن الذرية، ولما كان الله من صفاته مع العدل الرحمة -تعالى الله عما يقولون علواً كبيراً- بعث ابنه الذي هو عيسى، وأنزله إلى الأرض وأحله في الناسوت بدل اللاهوت، أي: في إنسي، وصلب وقتل حتى يكفر عن البشر كلهم خطيئة أبيهم آدم، فمن آمن بأن عيسى ضحى من أجل البشر أصبح مؤمناً وسينجو يوم القيامة، ومن لم يؤمن بأن عيسى ضحى من أجل البشر فإنه لا يعتبر مؤمنا!
وعندهم ما يسمى بالتعميد، والتعميد صفته بأن يأتوا بالطفل -على خلاف في المذاهب عندهم- فيضعوه في مكان فيه ماء كحوض أو يرشوا عليه الماء، ويقولون: باسم الأب والابن وروح القدس! فإذا قالوا هذه الثلاثة اعتقدوا أن هذا الابن عُمد، وإذا عُمد طهر من الذنوب والخطايا، فأصبح قابلا للنجاة يوم القيامة، وعندهم جنة ونار وحساب بناء على هذا الاعتقاد.
ذكر مذاهب النصارى
وينقسم النصارى إلى ثلاث طوائف رئيسية:
الأولى: الأرثوذكس، وهؤلاء انفصلوا في عام (1054م) عن الكاثوليك، والكاثوليك هي الكنيسة الأم، والبروتستانت الكنيسة الثالثة.
الثانية: الكاثوليك، وهي راعية الكنيسة التي في روما اليوم، التي تتبع البابا يوحنا بولس الثاني المالك وخليفته الباب بنديكيت السادس عشر وجل كنائس العالم تابعة للكاثوليك.
وأما الأرثوذكس فأقل منهم، ومعناها: (مستقيمي المعتقد) - وقد انفصلت عن الكنيسة الأم، ويتبعها بعض الكنائس، كالتي في مصر التابعة للبابا شنودة .
الثالثة: حركة إصلاحية انفصلت عن الكاثوليك في القرن الثامن عشر الميلادي تقريباً على يد مارثن لوثر ، وهي الكنيسة البروتستانتية، وهذه تؤمن بأن لليهود منة على النصارى، والبروتستانتية هي المذهب الذي يدين به الرئيس الأمريكي المعاصر، ورئيس الوزراء البريطاني المعاصر توني بلير ، فالذي يجمع بينهما ارتباطهما حاليا بهذه الكنيسة، وأما الكنيسة التي في روما فهي منفكة عنهما ولا علاقة لها بهما.
فالنصارى فرق شتى، ولكن هذه الفرق الثلاث هي الأم، ويجتمعون في أمور ويختلفون في أمور أقل منها، فيتفقون على أن الأقانيم ثلاثة: الأب والابن وروح القدس، تعالى الله عما يقولون علواً كبيراً، وقد رد الله على الجميع في كتابه.
كيفية ظهور الصليب
النصرانية والأصل أن عيسى بعث إلى بني إسرائيل مثل موسى، وقد قلنا: إن بني إسرائيل يعودون إلى إسرائيل الذي هو يعقوب، ويعقوب عليه السلام له أخ اسمه العيص ، ومن ذرية العيص الروم، وكان العيص فيه صفرة، فلذلك يسمى الروم بني الأصفر، ولذلك فإن أبا سفيان لما رأى هرقل يخشى النبي صلى الله عليه وسلم قال: لقد أصبح ملك محمد عظيماً، تخافه بني الأصفر.
فالروم في الأصل ليس لهم علاقة بعيسى، والدين النصراني اليوم أكثر أتباعه الروم في أوروبا وفي أمريكا، فهم أكثر من اليهود.
وسبب ذلك أنه بعد ثلاثة قرون من رفع عيسى حدثت حروب بين الرومان وأشياعهم، فآمن ثلة من الرومان بما بقي من دين عيسى عليه الصلاة والسلام.
وكانت اليهود تزعم أنها قتلته، ولذلك يأتون إلى كنيسة القيامة -وهي الموطن الذي زعموا أنهم قتلوا فيه عيسى عليه السلام- فيرمون فيه الزبالات، والقاذورات، والقمامة حتى تجمعت.
فجاء قسطنطين الثالث فآمن بدين عيسى السلام مع التحريف، بعد أن جاء رجل يبحث في تلك القمامات حتى وصل إلى الصليب، حيث يزعمون أنه وصل إلى الخشبة التي صلب فيها من يعتقد اليهود أنه عيسى، فالصلب وقع، ولكنه ما وقع على عيسى، فاليهود صلبوا رجلاً وقتلوه.
فهذا الرجل وجد خشبة على هيئة الصليب المعروفة الآن بعد عيسى بثلاثة قرون، ولما أخذها زعم أنه كان مريضاً، فلما تمسح بها برئ، فلما علم الناس ذلك أخذوا يصنعون الصليب ويتبركون به ويعتقدون فيه ذلك إلى يومنا هذا، فهذا أصل فكرة ظهور الصليب للناس.
فلما علمت أم قسطنطين -واسمها هيلانا بهذا أمرت بمحو القاذورات وبنت عليها كنيسة أسمتها كنيسة القيامة، وذلك أنهم يعتقدون جهلا أن عيسى يبعث منها، فبما أنه مات فسيبعث من هذه الكنيسة، والكنيسة موجودة اليوم في بيت المقدس، وإن لم أنس فإن السادات لما زار إسرائيل تكلم وألقى خطابا في هذه الكنيسة، فهذه الكنيسة قائمة تعظم إلى اليوم.
وتسمى أحياناً كنيسة القمامة بالنسبة لما كان عليها، ثم بعد ذلك كان النصارى يضعون القمامة على الصخرة التي تعظمها اليهود، وكان يصلي إليها موسى عليه السلام.
وهذه الصخرة محا القامة عنها أمير المؤمنين عمر بن الخطاب ، ولكنه صلى أمامها وجعلها خلفه.
فأصبح بيت المقدس يضم الكنيسة التي يعظمها النصارى، ويضم الصخرة التي تعظمها اليهود، ويضم المسجد الأقصى الذي يعظمه المسلمون.
فهذا مجمل ما يمكن أن يقال عن عقيدة النصارى، وهي: قائمة على سر التعميد، والإيمان بأن الله كَفّّر عن البشر خطاياهم بقتله ابنه، تعالى الله عما يقولون علوا كبيرا.
بيان معنى قوله تعالى (وما قتلوه وما صلبوه...)
يقول الله تعالى: وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلَّا اتِّبَاعَ الظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا * بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا [النساء:157-158] أي: عزيزاً عن أن يقتل نبي من أنبيائه وهو جل وعلا غير مريد، حكيماً في سبب رفعه إلى السماء الثانية.
والمحفوظ عندنا في سنة نبينا صلى الله عليه وسلم وفي ظاهر القرآن أن عيسى عليه الصلاة والسلام سينزل في آخر الزمان واضعاً يديه على أجنحة ملك يخرج منه مثل بقايا الوضوء، ويقتل الدجال بحربة تكون معه، قال الله جل وعلا: وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِلسَّاعَةِ فَلا تَمْتَرُنَّ بِهَا وَاتَّبِعُونِ هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ [الزخرف:61]