المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا للَّه


ملكة الحنان
12-16-2024, 02:27 AM
تفسير﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا للَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ﴾

قال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا [1] اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ * وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ [2] وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ ﴾ [الأنفال: 45، 46].

﴿ فَاثْبُتُوا ﴾: الثبات ضدُّ الزوال، يقال: ثبت يثبُت ثباتًا، قال الله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا ﴾ [الأنفال: 45]، ورجل ثَبتٌ وثبيت في الحرب، وأثبت السهم، ويقال ذلك للموجود بالبصر أو البصيرة، فيقال: فلان ثابت عندي، ونبوَّة النبي ثابتة، والإثبات والتثبيت تارةً يقال بالفعل؛ فيقال لما يخرج من العدم إلى الوجود، نحو: أثبت اللهُ كذا، وتارة لما يَثبت بالحكم؛ فيقال: أثبت الحاكم على فلان كذا، وثبَّته، وتارة لما يكون بالقول، سواء كان ذلك صدقًا أو كذبًا، فيقال: أثبت التوحيد وصِدق النبوة، وفلان أثبت مع الله إلهًا آخر، وقوله: ﴿ لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ ﴾ [الأنفال: 30]؛ أي: يثبِّطوك ويحيروك، وقوله تعالى: ﴿ يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ﴾ [إبراهيم: 27]؛ أي: يقويهم بالحجج القوية[3].

التنازع والمنازعة: المجاذبة، ويعبَّر بهما عن المخاصَمة والمجادَلة، قال تعالى: ﴿ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ ﴾ [النساء: 59]، ﴿ فَتَنَازَعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ ﴾ [طه: 62]، والنزع عن الشيء: الكف عنه، ونزع الشيء: جذبه في مقره كنزع القوس عن كبده، ويستعمل ذلك في الأعراض، ومنه نزعُ العداوةِ والمحبة من القلب، قال تعالى: ﴿ وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ ﴾ [الأعراف: 43][4].

قال الشيخ أبو بكر الجزائري:
هذا النداء الكريم موجَّه إلى المؤمنين، وقد أذِن اللهُ لهم في قتال الكافرين، وبدأ بسَرِيَّة عبدالله بن جحش (https://www.alukah.net/sharia/0/42667) رضي الله عنه، وثنَّى بهذه الغزوة؛ غزوة بدر (https://www.alukah.net/sharia/0/42938) الكبرى، فلذا هم في حاجة إلى تعليم رباني وهدايةٍ إلهية، يعرفون بموجبها كيف يخوضون المعارك وينتصرون فيها، وفي هذه الآيات الأربع تعليمٌ عالٍ جدًّا لخوض المعارك والانتصار فيها؛ وهي:
1- الثبات في وجه العدو والصمود في القتال، حتى لكأن المجاهدين جبلٌ شامخ لا يتحرك و﴿ فِئَة ﴾؛ أي: جماعة مقاتلة.

2- ذكر الله تعالى تهليلاً وتكبيرًا وتسبيحًا، ودعاءً وضراعةً، ووعدًا ووعيدًا، ومعنى ﴿ تُفْلِحُون ﴾؛ أي: تفوزون بالنصر في الدنيا والجنةِ في الآخرة، بعد النجاة من الهزيمة والمذلة في الدنيا، والنار والعذاب في الآخرة.

3- طاعة الله ورسوله في أمرهما ونهيهما، ومنه طاعة قائد المعركة ومديرها، وهذا نوعٌ من أكبر عوامل النصر حسب سنة الله تعالى في الكون.

4- عدم التنازع والخلاف عند التدبير للمعركة وعند دخولِها وأثناء خوضها.

5- بيان نتائج التنازع والخلاف؛ وأنها: الفشل الذَّرِيع، وذهاب القوة المعبَّر عنها بالريح.

6- الصبر على مواصلة القتال والإعداد له، وتوطين النفس وإعدادها لذلك.

7- الإخلاص في القتال والخروج له لله تعالى، فلا ينبغي أن يكون لأيِّ اعتبار سوى مرضاةِ الله تعالى؛ ﴿ وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ[5] خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بَطَرًا وَرِئَاءَ النَّاسِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَاللَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ ﴾ [الأنفال: 47]، فهذه عواملُ النصر وشروط الجهاد في سبيل الله، تضمنتها تلك الآيات الكريمات[6].

قال البغوي (https://www.alukah.net/library/0/80107/) رحمه الله في قوله: ﴿ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ ﴾ [الأنفال: 46]؛ أي: لا تختلفوا ﴿ فَتَفْشَلُوا ﴾؛ أي: تجبنوا وتضعفوا، ﴿ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ ﴾ قال مجاهد: نصرتكم، وقال السُّدى: جراءتكم وجدكم، وقال مُقاتل: حدَّتكم، وقال النضر بن شُميل: قوتكم، وقال الأخفش: دولتكم، والريح هاهنا كناية عن نَفاذ الأمر وجريانه على المراد، تقول العربُ: هبَّت ريحُ فلان: إذا أقبل أمرُه على ما يريد. قال قتادة وابن زيد: هو ريحُ النصر، لم يكن نصر قط إلا بريحٍ يبعثها اللهُ عز وجل تضربُ وجوهَ العدو، ومنه قول النبي: ((نُصرتُ بالصَّبا وأُهلكت عاد بالدَّبور))[7]، وقوله عز وجل: ﴿ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ ﴾ [الأنفال: 46]، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((يا أيها الناس، لا تتمنَّوا لقاءَ العدوِّ وسلوا اللهَ العافية، فإذا لقيتموهم فاصبروا، واعلموا أن الجنة تحت ظِلال السيوف))[8].

[1] الذكر المطلوب هو: ما كان باللسان والقلب معًا، وفي الآية دليل على أن ذكر الله تعالى لا يُترَك في حال، إلا في حال التغوُّط، قال محمد بن كَعْبٍ القُرَظيُّ: لو رُخِّص لأحد في ترك الذِّكر لرُخِّص لزكريا عليه السلام؛ إذ قال تعالى له: ﴿ أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ إِلَّا رَمْزًا وَاذْكُرْ رَبَّكَ كَثِيرًا ﴾ [آل عمران: 41]، ولرُخِّص للرجل في الحرب؛ لقوله تعالى: ﴿ إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا ﴾ [الأنفال: 45]، وحكم هذا الذِّكر أن يكون خفيًّا إلا أن يكون في بداية الحَملة بصوت واحد: الله أكبر؛ فإن ذلك محمودٌ لأنه يرعب العدو ويفتُّ في أعضاده.

[2] المراد بالريح هنا: القوة والنصر، كما يقال: الريح لفلان إذا كان غالبًا في أمره.

[3] المفردات في غريب القرآن؛ الراغب الأصفهاني ص 84.

[4] المفردات في غريب القرآن؛ الراغب الأصفهاني ص 490.

[5] هم أبو جهل وأصحابه الخارجون يوم بدر لنصرة العير؛ حيث خرجوا بالقينات والمغنيات والمعازف.

[6] أيسر التفاسير؛ الجزائري ج1 ص522.

[7] رواه والبخاري ومسلم رحمهما الله تعالى.

[8] رواه والبخاري ومسلم رحمهما الله تعالى

ديم
12-16-2024, 02:33 AM
جزاك الله خيرا
ونفع بك العباد
:150:

ملكة الحنان
12-16-2024, 05:25 AM
ديم
اسعدني مرورك بمتصفحي

عازفة
12-16-2024, 07:42 PM
جزاك الله كل خير
طرح رائع
يعطيك العافية على هذا الابداع
سلمت يمناك ولاعدمنا جديدك المميز

خ ــــــــــــالد
12-17-2024, 06:37 PM
جزاك الله خيرا
وبارك الله في عمرك وعملك
وجعله بموازين حسناتك

نهيان
12-17-2024, 11:43 PM
جزاكـ الله بخير الجزاء والجنه
باركـ الله فيكـ ونفع بكـ
وجعله في موازين حسناتك
اضعاف مضاعفه لاتعد ولا تحصى

ملكة الحنان
12-20-2024, 01:15 AM
عازفه
اسعدني مرورك بمتصفحي

ملكة الحنان
12-20-2024, 01:15 AM
خالد
اسعدني مرورك بمتصفحي

ملكة الحنان
12-20-2024, 01:15 AM
نهيان
اسعدني مرورك بمتصفحي

رهيبة
12-26-2024, 03:06 PM
جزاك الله جنة عرضها آلسموات و الارض..
بارك الله فيك على الموضوع القيم والمفيد..
اسال الله لك التوفيق والسعادة..
دمت بخير.

http://www.h-aljnoop.com/vb/images/smilies/ddd/001@1)(%20(87).gif

ملكة الحنان
12-30-2024, 01:40 AM
رهيبة
اسعدني مرورك القيم بمتصفحي