منتديات سكون القمر

منتديات سكون القمر (https://www.skoon-elqmar.com/vb//index.php)
-   ۩۞۩{ الشريعة الإسلامية والحياة }۩۞۩ (https://www.skoon-elqmar.com/vb//forumdisplay.php?f=2)
-   -   التعريف بسور القرآن الكريم وأسباب النزول ومحاور ومقاصد السور (https://www.skoon-elqmar.com/vb//showthread.php?t=190745)

مديح ال قطب 03-13-2021 06:14 PM

[/align][/cell][/tabletext][/align][/align][/cell][/tabletext][/align][/align][/cell][/tabletext][/align][/align]



تابع – سورة القلم

محور مواضيع السورة :

وأما المتقون الحذرون فلهم عند ربهم جنات النعيم :
«إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتِ النَّعِيمِ» ..
وهو التقابل في العاقبة ، كما أنه التقابل في المسلك والحقيقة .. تقابل النقيضين اللذين اختلفت بهما الطريق ، فاختلفت بهما خاتمة الطريق! وعند هاتين الخاتمتين يدخل معهم في جدل لا تعقيد فيه كذلك ولا تركيب. ويتحداهم ويحرجهم بالسؤال تلو السؤال عن أمور ليس لها إلا جواب واحد يصعب المغالطة فيه ويهددهم في الآخرة بمشهد رهيب ، وفي الدنيا بحرب من العزيز الجبار القوي الشديد :
«أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ؟ ما لَكُمْ؟ كَيْفَ تَحْكُمُونَ؟ أَمْ لَكُمْ كِتابٌ فِيهِ تَدْرُسُونَ؟ إِنَّ لَكُمْ فِيهِ لَما تَخَيَّرُونَ؟ أَمْ لَكُمْ أَيْمانٌ عَلَيْنا بالِغَةٌ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ إِنَّ لَكُمْ لَما تَحْكُمُونَ؟ سَلْهُمْ أَيُّهُمْ بِذلِكَ زَعِيمٌ؟ أَمْ لَهُمْ شُرَكاءُ؟ فَلْيَأْتُوا بِشُرَكائِهِمْ إِنْ كانُوا صادِقِينَ. يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ ساقٍ وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ فَلا يَسْتَطِيعُونَ. خاشِعَةً أَبْصارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ. وَقَدْ كانُوا يُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ وَهُمْ سالِمُونَ. فَذَرْنِي وَمَنْ يُكَذِّبُ بِهذَا الْحَدِيثِ ، سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لا يَعْلَمُونَ. وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ. أَمْ تَسْئَلُهُمْ أَجْراً فَهُمْ مِنْ مَغْرَمٍ مُثْقَلُونَ؟ أَمْ عِنْدَهُمُ الْغَيْبُ فَهُمْ يَكْتُبُونَ»
؟! والتهديد بعذاب الآخرة وحرب الدنيا يجي ء - كما

نرى - في خلال ذلك الجدل ، وهذا التحدي. فيرفع من حرارة الجدل ، ويزيد من ضغط التحدي.

والسؤال الاستنكاري الأول : «أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ؟» يعود إلى عاقبة هؤلاء وهؤلاء التي عرضها في الآيات السابقة. وهو سؤال ليس له إلا جواب واحد .. لا. لا يكون. فالمسلمون المذعنون المستسلمون لربهم ، لا يكونون أبدا كالمجرمين الذين يأتون الجريمة عن لجاج يسمهم بهذا الوصف الذميم! وما يجوز في عقل ولا في عدل أن يتساوى المسلمون والمجرمون في جزاء ولا مصير.


ومن ثم يجيء السؤال الاستنكاري الآخر : «ما لَكُمْ؟ كَيْفَ تَحْكُمُونَ؟» .. ماذا بكم؟ وعلام تبنون أحكامكم؟
وكيف تزنون القيم والأقدار؟ حتى يستوي في ميزانكم وحكمكم من يسلمون ومن يجرمون؟! ومن الاستنكار والإنكار عليهم ينتقل إلى التهكم بهم والسخرية منهم : «أَمْ لَكُمْ كِتابٌ فِيهِ تَدْرُسُونَ؟ إِنَّ لَكُمْ فِيهِ لَما تَخَيَّرُونَ؟» .. فهو التهكم والسخرية أن يسألهم إن كان لهم كتاب يدرسونه ، هو الذي يستمدون منه مثل ذلك الحكم الذي لا يقبله عقل ولا عدل وهو الذي يقول لهم : إن المسلمين كالمجرمين! إنه كتاب مضحك يوافق هواهم ويملق رغباتهم ، فلهم فيه ما يتخيرون من الأحكام وما يشتهون! وهو لا يرتكن إلى حق ولا إلى عدل ، ولا إلى معقول أو معروف! «أَمْ لَكُمْ أَيْمانٌ عَلَيْنا بالِغَةٌ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ إِنَّ لَكُمْ لَما تَحْكُمُونَ؟» .. فإن لا يكن ذلك فهو هذا. وهو أن تكون لهم مواثيق على اللّه ، سارية إلى يوم القيامة ، مقتضاها أن لهم ما يحكمون ، وما يختارون وفق ما يشتهون! وليس من هذا شيء. فلا عهود لهم عند اللّه ولا مواثيق. فعلام إذن يتكلمون؟! وإلام إذن يستندون؟! «سَلْهُمْ أَيُّهُمْ بِذلِكَ زَعِيمٌ؟» .. سلهم من منهم المتعهد بهذا؟ من منهم المتعهد بأن لهم على اللّه ما يشاءون ، وأن لهم ميثاقا عليه ساري المفعول إلى يوم القيامة أن لهم ما يحكمون؟! وهو تهكم ساخر عميق بليغ يذيب الوجوه من الحرج والتحدي السافر المكشوف! «أَمْ لَهُمْ شُرَكاءُ؟ فَلْيَأْتُوا بِشُرَكائِهِمْ إِنْ كانُوا صادِقِينَ» ..

وهم كانوا يشركون باللّه. ولكن التعبير يضيف الشركاء إليهم لا للّه. ويتجاهل أن هناك شركاء. ويتحداهم أن يدعوا شركاءهم هؤلاء إن كانوا صادقين .. ولكن متى يدعونهم؟
«يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ ساقٍ وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ فَلا يَسْتَطِيعُونَ. خاشِعَةً أَبْصارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ. وَقَدْ كانُوا يُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ وَهُمْ سالِمُونَ» ..
فيقفهم وجها لوجه أمام هذا المشهد كأنه حاضر اللحظة ، وكأنه يتحداهم فيه أن يأتوا بشركائهم المزعومين.
وهذا اليوم حقيقة حاضرة في علم اللّه لا تتقيد في علمه بزمن. واستحضارها للمخاطبين على هذا النحو يجعل وقعها عميقا حيا حاضرا في النفوس على طريقة القرآن الكريم.

والكشف عن الساق كناية - في تعبيرات اللغة العربية المأثورة - عن الشدة والكرب. فهو يوم القيامة الذي يشمر فيه عن الساعد ويكشف فيه عن الساق ، ويشتد الكرب والضيق .. ويدعى هؤلاء المتكبرون إلى السجود فلا يملكون السجود ، إما لأن وقته قد فات ، وإما لأنهم كما وصفهم في موضع آخر يكونون : «مُهْطِعِينَ مُقْنِعِي رُؤُسِهِمْ» وكأن أجسامهم وأعصابهم مشدودة من الهول على غير إرادة منهم! وعلى أية حال فهو تعبير يشي بالكرب والعجز والتحدي المخيف ..

ثم يكمل رسم هيئتهم : «خاشِعَةً أَبْصارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ» .. هؤلاء المتكبرون المتبجحون. والأبصار الخاشعة والذلة المرهقة هما المقابلان للهامات الشامخة والكبرياء المنفوخة. وهي تذكر بالتهديد الذي جاء في أول السورة :
«سَنَسِمُهُ عَلَى الْخُرْطُومِ» .. فإيحاء الذلة والانكسار ظاهر عميق مقصود! وبينما هم في هذا الموقف المرهق الذليل ، يذكرهم بما جرهم إليه من إعراض واستكبار : «وَقَدْ كانُوا يُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ وَهُمْ سالِمُونَ» .. قادرون على السجود. فكانوا يأبون ويستكبرون .. كانوا. فهم الآن في ذلك المشهد المرهق الذليل. والدنيا وراءهم. وهم الآن يدعون إلى السجود فلا يستطيعون! وبينما هم في هذا الكرب ، يجيئهم التهديد الرعيب الذي يهد القلوب :
«فَذَرْنِي وَمَنْ يُكَذِّبُ بِهذَا الْحَدِيثِ» ..
وهو تهديد مزلزل .. والجبار القهار القوي المتين يقول للرسول - صلى اللّه عليه وسلم - : خل بيني وبين من يكذب بهذا الحديث. وذرني لحربه فأنا به كفيل! ومن هو هذا الذي يكذب بهذا الحديث؟

إنه ذلك المخلوق الصغير الهزيل المسكين الضعيف! هذه النملة المضعوفة. بل هذه الهباءة المنثورة .. بل هذا العدم الذي لا يعني شيئا أمام جبروت الجبار القهار العظيم! فيا محمد. خل بيني وبين هذا المخلوق. واسترح أنت ومن معك من المؤمنين. فالحرب معي لا معك ولا مع المؤمنين. الحرب معي. وهذا المخلوق عدوي ، وأنا سأتولى أمره فدعه لي ، وذرني معه ، واذهب أنت ومن معك فاستريحوا! أي هول مزلزل للمكذبين! وأي طمأنينة للنبي والمؤمنين .. المستضعفين ..؟

( يتبع )



[/cell][/tabletext][/align]

مديح ال قطب 03-13-2021 06:15 PM



]





تابع – سورة القلم

محور مواضيع السورة :

ثم يكشف لهم الجبار القهار عن خطة الحرب مع هذا المخلوق الهزيل الصغير الضعيف! «سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لا يَعْلَمُونَ. وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ» ..
وإن شأن المكذبين ، وأهل الأرض أجمعين ، لأهون وأصغر من أن يدبر اللّه لهم هذه التدابير .. ولكنه - سبحانه - يحذرهم نفسه ليدركوا أنفسهم قبل فوات الأوان. وليعلموا أن الأمان الظاهر الذي يدعه لهم هو الفخ الذي يقعون فيه وهم غارّون. وأن إمهالهم على الظلم والبغي والإعراض والضلال هو استدراج لهم إلى أسوأ مصير. وأنه تدبير من اللّه ليحملوا أوزارهم كاملة ، ويأتوا إلى الموقف مثقلين بالذنوب ، مستحقين للخزي والرهق والتعذيب ..
وليس أكبر من التحذير ، وكشف الاستدراج والتدبير ، عدلا ولا رحمة. واللّه سبحانه يقدم لأعدائه وأعداء دينه ورسوله عدله ورحمته في هذا التحذير وذلك النذير.


وهم بعد ذلك وما يختارون لأنفسهم ، فقد كشف القناع ووضحت الأمور! إنه سبحانه يمهل ولا يهمل. ويملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته. وهو هنا يكشف عن طريقته وعن سنته التي قدرها بمشيئته. ويقول لرسوله - صلى اللّه عليه وسلم - ذرني ومن يكذب بهذا الحديث ، وخل بيني وبين المعتزين بالمال والبنين والجاه والسلطان. فسأملي لهم ، واجعل هذه النعمة فخهم! فيطمئن رسوله ، ويحذر أعداءه ..

ثم يدعهم لذلك التهديد الرعيب! وفي ظل مشهد القيامة المكروب وظل هذا التهديد المرهوب يكمل الجدل والتحدي والتعجيب من موقفهم الغريب :
«أَمْ تَسْئَلُهُمْ أَجْراً فَهُمْ مِنْ مَغْرَمٍ مُثْقَلُونَ؟» ..
فثقل الغرامة التي تطلبها منهم أجرا على الهداية هو الذي يدفعهم إلى الإعراض والتكذيب ، ويجعلهم يؤثرون ذلك المصير البشع ، على فداحة ما يؤدون؟! «أَمْ عِنْدَهُمُ الْغَيْبُ فَهُمْ يَكْتُبُونَ؟» ..

ومن ثم فهم على ثقة مما في الغيب ، فلا يخيفهم ما ينتظرهم فيه ، فقد اطلعوا عليه وكتبوه وعرفوه؟ أو أنهم هم الذين كتبوا ما فيه. فكتبوه ضامنا لما يشتهون؟

ولا هذا ولا ذاك؟ فما لهم يقفون هذا الموقف الغريب المريب؟! وبذلك التعبير العجيب الموحي الرعيب : «فَذَرْنِي وَمَنْ يُكَذِّبُ بِهذَا الْحَدِيثِ» .. وبالإعلان عن خطة المعركة والكشف عن سنة الحرب بين اللّه وأعدائه المخدوعين .. بهذا وذلك يخلي اللّه النبي - صلى اللّه عليه وسلم - والمؤمنين من المعركة بين الإيمان والكفر. وبين الحق والباطل. فهي معركته - سبحانه - وهي حربه التي يتولاها بذاته.

والأمر كذلك في حقيقته ، مهما بدا أن للنبي - صلى اللّه عليه وسلم - وللمؤمنين دورا في هذه الحرب أصيلا.
إن دورهم حين ييسره اللّه لهم هو طرف من قدر اللّه في حربه مع أعدائه. فهم أداة يفعل اللّه بها أو لا يفعل.
وهو في الحالين فعال لما يريد. وهو في الحالين يتولى المعركة بذاته وفق سنته التي يريد.

وهذا النص نزل والنبي - صلى اللّه عليه وسلم - في مكة ، والمؤمنون معه قلة لا تقدر على شيء. فكانت فيه الطمأنينة للمستضعفين ، والفزع للمغترين بالقوة والجاه والمال والبنين. ثم تغيرت الأحوال والأوضاع في المدينة.
وشاء اللّه أن يكون للرسول ومن معه من المؤمنين دور ظاهر في المعركة. ولكنه هنا لك أكد لهم ذلك القول الذي قاله لهم وهم في مكة قلة مستضعفون. وقال لهم وهم منتصرون في بدر : «فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلكِنَّ اللَّهَ قَتَلَهُمْ ، وَما رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلكِنَّ اللَّهَ رَمى ، وَلِيُبْلِيَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُ بَلاءً حَسَناً ، إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ» ..
وذلك ليقر في قلوبهم هذه الحقيقة. حقيقة أن المعركة معركته هو سبحانه. وأن الحرب حربه هو سبحانه.
وأن القضية قضيته هو سبحانه. وأنه حين يجعل لهم فيها دورا فإنما ذلك ليبليهم منه بلاء حسنا. وليكتب لهم بهذا البلاء أجرا. أما حقيقة الحرب فهو الذي يتولاها. وأما حقيقة النصر فهو الذي يكتبها .. وهو سبحانه يجريها بهم وبدونهم. وهم حين يخوضونها أداة لقدرته ليست هي الأداة الوحيدة في يده! وهي حقيقة واضحة من خلال النصوص القرآنية في كل موضع ، وفي كل حال ، وفي كل وضع. كما أنها هي الحقيقة التي تتفق مع التصور الإيماني لقدرة اللّه وقدره ، ولسنته ومشيئته ، ولحقيقة القدرة البشرية التي تنطلق لتحقيق قدر اللّه .. أداة .. ولن تزيد على أن تكون أداة ..
وهي حقيقة تسكب الطمأنينة في قلب المؤمن ، في حالتي قوته وضعفه على السواء. ما دام يخلص قلبه للّه ، ويتوكل في جهاده على اللّه. فقوته ليست هي التي تنصره في معركة الحق والباطل والإيمان والكفر ، إنما هو اللّه الذي يكفل له النصر. وضعفه لا يهزمه لأن قوة اللّه من ورائه وهي التي تتولى المعركة وتكفل له النصر.
ولكن اللّه يملي ويستدرج ويقدر الأمور في مواقيتها وفق مشيئته وحكمته ، ووفق عدله ورحمته.

كما أنها حقيقة تفزع قلب العدو ، سواء كان المؤمن أمامه في حالة ضعف أم في حالة قوة. فليس المؤمن هو الذي ينازله ، إنما هو اللّه الذي يتولى المعركة بقوته وجبروته. اللّه الذي يقول لنبيه «فَذَرْنِي وَمَنْ يُكَذِّبُ بِهذَا الْحَدِيثِ» وخل بيني وبين هذا البائس المتعوس! واللّه يملي ويستدرج فهو في الفخ الرعيب المفزع المخيف ، ولو كان في أوج قوته وعدته. فهذه القوة هي ذاتها الفخ وهذه العدة هي ذاتها المصيدة .. «وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ»! أما متى يكون. فذلك علم اللّه المكنون! فمن يأمن غيب اللّه ومكره؟ وهل يأمن مكر اللّه إلا القوم الفاسقون؟

وأمام هذه الحقيقة يوجه اللّه نبيه - صلى اللّه عليه وسلم - إلى الصبر. الصبر على تكاليف الرسالة. والصبر على التواءات النفوس. والصبر على الأذى والتكذيب. الصبر حتى يحكم اللّه في الوقت المقدر كما يريد. ويذكره بتجربة أخ له من قبل ضاق صدره بهذه التكاليف ، فلولا أن تداركته نعمة اللّه لنبذ وهو مذموم :
«فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ ، وَلا تَكُنْ كَصاحِبِ الْحُوتِ. إِذْ نادى وَهُوَ مَكْظُومٌ. لَوْلا أَنْ تَدارَكَهُ نِعْمَةٌ مِنْ رَبِّهِ لَنُبِذَ بِالْعَراءِ وَهُوَ مَذْمُومٌ. فَاجْتَباهُ رَبُّهُ فَجَعَلَهُ مِنَ الصَّالِحِينَ» ..

وصاحب الحوت هو يونس - عليه السّلام - كما جاء في سورة الصافات. وملخص تجربته التي يذكر اللّه بها محمدا - صلى اللّه عليه وسلم - لتكون له زادا ورصيدا ، وهو خاتم النبيين ، الذي سبقته تجارب النبيين أجمعين في حقل الرسالة ، ليكون هو صاحب الحصاد الأخير ، وصاحب الرصيد الأخير ، وصاحب الزاد الأخير. فيعينه هذا على عبئه الثقيل الكبير. عبء هداية البشرية جميعها لا قبيلة ولا قرية ولا أمة. وعبء هداية الأجيال جميعها لا جيل واحد ولا قرن واحد كما كانت مهمة الرسل قبله. وعبء إمداد البشرية بعده بكل أجيالها وكل أقوامها بمنهج دائم ثابت صالح لتلبية ما يجد في حياتها من أحوال وأوضاع وتجارب. وكل يوم يأتي بجديد ..

( يتبع )








مديح ال قطب 03-13-2021 06:17 PM













تابع – سورة القلم

محور مواضيع السورة :

ملخص تلك التجربة أن يونس بن متى - سلام اللّه عليه - أرسله اللّه إلى أهل قرية. قيل اسمها نينوى بالموصل.
فاستبطأ إيمانهم ، وشق عليه تلكؤهم ، فتركهم مغاضبا قائلا في نفسه : إن اللّه لن يضيق عليّ بالبقاء بين هؤلاء المتعنتين المعاندين ، وهو قادر على أن يرسلني إلى قوم آخرين! وقد قاده الغضب والضيق إلى شاطئ البحر ، حيث ركب سفينته ، فلما كانوا في وسط اللج ثقلت السفينة وتعرضت للغرق. فأقرعوا بين الركاب للتخفف من واحد منهم لتخف السفينة .. فكانت القرعة على يونس. فألقوه في اليم. فابتلعه الحوت.
عندئذ نادى يونس - وهو كظيم - في هذا الكرب الشديد في الظلمات في بطن الحوت ، وفي وسط اللجة ، نادى ربه : «لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحانَكَ! إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ» فتداركته نعمة من ربه ، فنبذه الحوت على الشاطئ .. لحما بلا جلد .. ذاب جلده في بطن الحوت. وحفظ اللّه حياته بقدرته التي لا يقيدها قيد من مألوف البشر المحدود!

وهنا يقول : إنه لولا هذه النعمة لنبذه الحوت وهو مذموم. أي مذموم من ربه .. على فعلته. وقلة صبره.
وتصرفه في شأن نفسه قبل أن يأذن اللّه له. ولكن نعمة اللّه وقته هذا ، وقبل اللّه تسبيحه واعترافه وندمه. وعلم منه ما يستحق عليه النعمة والاجتباء. «فَاجْتَباهُ رَبُّهُ فَجَعَلَهُ مِنَ الصَّالِحِينَ» ..

هذه هي التجربة التي مر بها صاحب الحوت. يذكر اللّه بها رسوله محمدا - صلى اللّه عليه وسلم - في موقف العنت والتكذيب. بعد ما أخلاه من المعركة كما هي الحقيقة ، وأمره بتركها له يتولاها كما يريد. وقتما يريد.

وكلفه الصبر لحكم اللّه وقضائه في تحديد الموعد ، وفي مشقات الطريق حتى يحين الموعد المضروب! إن مشقة الدعوة الحقيقية هي مشقة الصبر لحكم اللّه ، حتى يأتي موعده ، في الوقت الذي يريده بحكمته.

وفي الطريق مشقات كثيرة. مشقات التكذيب والتعذيب. ومشقات الالتواء والعناد. ومشقات انتفاش الباطل وانتفاخه. ومشقات افتتان الناس بالباطل المزهو المنتصر فيما تراه العيون. ثم مشقات إمساك النفس على هذا كله راضية مستقرة مطمئنة إلى وعد اللّه الحق ، لا ترتاب ولا تتردد في قطع الطريق ، مهما تكن مشقات الطريق .. وهو جهد ضخم مرهق يحتاج إلى عزم وصبر ومدد من اللّه وتوفيق .. أما المعركة ذاتها فقد قضى اللّه فيها ، وقدر أنه هو الذي يتولاها ، كما قدر أنه يملي ويستدرج لحكمة يراها. كذلك وعد نبيه الكريم ، فصدقه الوعد بعد حين.



وفي الختام يرسم مشهدا للكافرين وهم يتلقون الدعوة من الرسول الكريم ، في غيظ عنيف ، وحسد عميق ينسكب في نظرات مسمومة قاتلة يوجهونها إليه ، ويصفها القرآن بما لا مزيد عليه :
«وَإِنْ يَكادُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصارِهِمْ لَمَّا سَمِعُوا الذِّكْرَ. وَيَقُولُونَ : إِنَّهُ لَمَجْنُونٌ».

فهذه النظرات تكاد تؤثر في أقدام الرسول - صلى اللّه عليه وسلم - فتجعلها تزل وتزلق وتفقد توازنها على الأرض وثباتها! وهو تعبير فائق عما تحمله هذه النظرات من غيظ وحنق وشر وحسد ونقمة وضغن ، وحمى وسم .. مصحوبة هذه النظرات المسمومة المحمومة بالسب القبيح ، والشتم البذي ء ، والافتراء الذميم : «وَيَقُولُونَ : إِنَّهُ لَمَجْنُونٌ» ..

وهو مشهد تلتقطه الريشة المبدعة وتسجله من مشاهد الدعوة العامة في مكة. فهو لا يكون إلا في حلقة عامة بين كبار المعاندين المجرمين ، الذين ينبعث من قلوبهم وفي نظراتهم كل هذا الحقد الذميم المحموم! يعقب عليه بالقول الفصل الذي ينهي كل قول :
«وَما هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعالَمِينَ».
والذكر لا يقوله مجنون ، ولا يحمله مجنون ..
وصدق اللّه وكذب المفترون ..

ولا بد قبل نهاية الحديث من لفتة إلى كلمة «لِلْعالَمِينَ» .. هنا والدعوة في مكة تقابل بذلك الجحود ، ويقابل رسولها بتلك النظرات المسمومة المحمومة ، ويرصد المشركون لحربها كل ما يملكون .. وهي في هذا الوقت المبكر ، وفي هذا الضيق المستحكم ، تعلن عن عالميتها. كما هي طبيعتها وحقيقتها. فلم تكن هذه الصفة جديدة عليها حين انتصرت في المدينة - كما يدعي المفترون اليوم - إنما كانت صفة مبكرة في أيام مكة الأولى. لأنها حقيقة ثابتة في صلب هذه الدعوة منذ نشأتها.

كذلك أرادها اللّه. وكذلك اتجهت منذ أيامها الأولى. وكذلك تتجه إلى آخر الزمان. واللّه الذي أرادها كما أرادها هو صاحبها وراعيها. وهو المدافع عنها وحاميها. وهو الذي يتولى المعركة مع المكذبين. وليس على أصحابها إلا الصبر حتى يحكم اللّه وهو خير الحاكمين ..

قال الصابوني:

* سورة القلم من السور المكية التي تعنى بأصول العقيدة والإيمان، وقد تناولت هذه السورة ثلاثة مواضيع أساسية وهي:

أ- موضوع الرسالة، والشبه التي أثارها كفار مكة حول دعوة محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم.
ب- قصة أصحاب الجنة (البستان) لبيان نتيجة الكفر بنعم الله تعالى.
ج- الآخرة وأهوالها وشدائدها، وما أعد الله للفريقين: المسلمين والمجرمين. ولكن المحور الذي تدور عليه السورة الكريمة هو موضوع (إثبات نبوة محمد) صلى الله عليه وسلم.

* ابتدأت السورة الكريمة بالقسم على رفعة قدر الرسول صلى الله عليه وسلم وشرفه وبراءته مما ألصقه به المشركون من اتهامه- وحاشاه- بالجنون، وبينت أخلاقه العظيمة، ومناقبه السامية {ن والقلم وما يسطرون ما انت بنعمة ربك بمجنون وإن لك لأجرا غير ممنون وإنك لعلى خلق عظيم} الآيات.

* ثم تناولت موقف المجرمين من دعوة رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أعد الله لهم من العذاب والنكال في دار الجحيم {فلا تطع المكذبين ودوا لو تدهن فيدهنون ولا تطع كل حلاف مهين..} الآيات.

* ثم ضربت مثلا لكفار مكة في كفرانهم (نعمة الله) العظمى عليهم، ببعثة خاتم الرسل صلى الله عليه وسلم إليهم، وتكذيبهم به، بقصة أصحاب الجنة (الحديقة) ذات الأشجار والزروع والثمار، حيث جحدوا نعمة الله، ومنعوا حقوق الفقراء والمساكين، فأحرق الله حديقتهم وجعل قصتهم عبرة للمعتبرين {إنا بلوناهم كما بلونا أصحاب الجنة إذ أقسموا ليصرمنها مصبحين ولا يستثنون فطاف عليها طائف من ربك وهم نائمون فأصبحت كالصريم} الآيات.

* ثم قارنت السورة بين المؤمنين والمجرمين، على طريقة القرآن في الجمع بين الترغيب والترهيب {أفنجعل المسلمين كالمجرمين..}؟ الآيات.

* وتناولت السورة الكريمة، القيامة وأحوالها وأهوالها، وموقف المجرمين في ذلك اليوم العصيب، الذي يكلفون فيه بالسجود لرب العالمين فلا يقدرون {يوم يكشف عن ساق ويدعون إلى السجود فلا يستطيعون} الآيات.

* وختمت السورة الكريمة بأمر الرسول صلى الله عليه وسلم بالصبر على أذى المشركين، وعدم التبرم والضجر بما يلقاه في سبيل تبليغ دعوة الله، كما حدث من يونس عليه السلام، حين ترك قومه وسارع إلى ركوب البحر، دون إذن من الله {فاصبر لحكم ربك ولا تكن كصاحب الحوت إذ نادى وهو مكظوم} الآيات.

( يتبع )









مديح ال قطب 03-13-2021 06:18 PM












تابع – سورة القلم

محور مواضيع السورة :

قال محمد الغزالي:

{ن والقلم وما يسطرون}. هل القلم المقسم به هو أداة المعرفة العامة؟ ربما، فالكتابة من أهم وسائل المعرفة. أو المقصود كتابة القرآن نفسه وتسجيل ما حوى من حكمة بالغة؟ هذا هو الأظهر هنا. فالقرآن الكريم أهم كتاب ظهر في الدنيا، وهو من ألفه إلى يائه وحى خالص لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه. وقد اختار الله لتبليغه الإنسان الأول في الوجود فكرا وشرفا وسيرة، فلا قيمة لكلام الأعداء {ما أنت بنعمة ربك بمجنون وإن لك لأجرا غير ممنون وإنك لعلى خلق عظيم}. أما أعداء الوحى، فنفر من الناس لا يزينهم شيء، وستكشف الأيام عن دعاواهم وأحوالهم- وقد كشفت- فذهبوا بددا وبقى الإسلام. وقوله تعالى: {إنا بلوناهم كما بلونا أصحاب الجنة}، يفيد أن مشركى مكة سوف يتأبون على الإسلام أولا ثم يعرفون الحق، ويدخلون فيه وينصرونه. وذاك ما وقع! فإن ملاك الحديقة المذكورة شحوا بحق الفقراء فيها، فأهلك الله ثمرها فلما ندموا على رذيلتهم {قالوا يا ويلنا إنا كنا طاغين عسى ربنا أن يبدلنا خيرا منها إنا إلى ربنا راغبون}. ومن يرغب إلى الله يتب الله عليه، ويلقه بقبول حسن. وقد أعز الله قريشا بالإسلام بعدما أهانت نفسها بالكفر. أما المصرون على زيغهم فلا مستقبل لهم {أفنجعل المسلمين كالمجرمين ما لكم كيف تحكمون}؟ ومنطق الكفار في شتى الأحوال لا يسانده عقل ولا نقل، ولذلك قال الله سبحانه متهكما بهم {أم لكم كتاب فيه تدرسون إن لكم فيه لما تخيرون}. إنه لا شيء لديهم يستندون إليه سوى الغرور والتعلق بالأوهام. وأمامهم حساب شاق يندمون فيه، ولات ساعة مندم {يوم يكشف عن ساق ويدعون إلى السجود فلا يستطيعون}. وكشف الساق مثل لبلوغ الأمر غاية.

ولا عذر للكافرين في هذا الموقف؟ فقد خوطبوا فعاندوا، وأعطوا فرصا شتى فأضاعوها {فذرني ومن يكذب بهذا الحديث سنستدرجهم من حيث لا يعلمون}. وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالبلاغ والصبر على متاعبه وتحمل أذى المشركين مهما بلغ {فاصبر لحكم ربك ولا تكن كصاحب الحوت..}. وقد مرت على صاحب الرسالة ليال كالحة عانى فيها من الحرج والألم ما يهز الرواسى، ولكنه ثبت حتى أدى الأمانة كاملة. وترك رسالة يحرسها جيل جليل نفخ فيه من روحه وبأسه فنشرها في العالمين. وعالمية الإسلام مذكورة في آيات كثيرة، وبدأ ذلك في أوائل الوحى النازل بمكة {وإن يكاد الذين كفروا ليزلقونك بأبصارهم لما سمعوا الذكر ويقولون إنه لمجنون وما هو إلا ذكر للعالمين}. لقد عرف محمد أنه رسول العالم أجمع من وقت مبكر. فسورة القلم المكية من أوائل السور نزولا..

سميت هذه السورة الكريمة بسورة القلم لأنها ابتدأت بالقسم على رفعة قدر النبي صلى الله عليه وسلم وشرفه وبراءته مما ألصقه به المشركون من اتهامه على أنهّ صلى الله عليه وسلم ساحر ومجنون, وعلى رأسهم الوليد بن المغيرة لعنة الله على الظالمين.

هذه السورة المكية شأنها شأن ما سبقها من السور التي تعنى بأصول العقيدة والايمان, وقد تناولت أربعة مواضيع أساسية:

1. موضوع الرسالة والشبهات التي أثارها كفار مكة حول دعوته صلى الله عليه وسلم, ما انت بنعمة ربك بمجنون* وانّ لك لأجرا غير ممنون* على ما تحملت من الأذى في سبيل الحق وتبليغ دعوة الله , أجرا غير مقطوع ولا ممنوع, يامن تتصف بالأدب الرفيع والخلق الفاضل الكريم ,االذي جمعت لك فيه كل الفضائل والكمالات الانسانية , وانك لعلى خلق عظيم.

ما هذا الشرف العظيم الذي لم يدرك شأوه بشر من قبللك يا نبي الله صلى الله وسلم وبارك عليك ما ذكر الله عزوجل الذاكرون وما غفل عن ذكره الغافلون, , فأي شرف يا نبي الله وربّ العزة تبارك وتعالى يصفك بهذا الوصف الجليل: وانك لعلى خلق عظيم, وأيّ كرامة تنالها أيها النبي الكريم؟ صلى الله وسلم عليك تسليما كثيرا, عليه وسلم؟
لقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يتسم بالمثل والأخلاق العظيمة, اذكر منها على سبيل المثال لا الحصر, فقد كان خلقه صلى الله عليه وسلم: الصدق,العلم, الحلم, شدة الحياء, كثرة العبادة, السخاء, الصبر, الشكر,التواضع, الزهد, الرحمة, الشفقة, حسن العشرة, والأدب, الى غير ذلك من الخلال والصفات الكريمة العالية والأخلاق الفاضلة, ورحم الله من قال فيه صلى الله عليه وسلم:
اذا الله أثنى بالذي هو اهله عليك
فما مقدار ما تمدح الورى؟



2. عدم طاعة أحد في معصية الخالق, وعلى رأسهم رؤساء الكفر والضلال الذين كذبوا بالرسالة والقرآن, وأمره بعدم طاعة الفاجر الحقير المغتاب والذي يمشي بالنميمة بين الناس, والبخيل الممسك يده عن الانفاق في سبيل الله, وكل ظالم متجاوز في الظلم والعدوان, كثير الآثام والاجرام, الجاف القاسي غليظ القلب , والعديم الفهم , وابن الزنى اللقيط والذي اطلق عليه القرآن الكريم لفظ الزنيم اسما, وما الى ذلك من الأوصاف اللعينة الذميمة التي أجمع المفسرون وعلى رأسهم ابن عباس رضي الله عنما أنّ هذه الآيات نزلت في الوليد بن المغيرة الذي كان يسهزأ يستهزيء بآيات القرآن الكريم كلما تليت, ويقول عنها خرافات وأباطيل المتقدمين اختلقها النبي صلى الله عليه وسلم, ونسبها الى الله عزوجل, فأنزل الله تبارك وتعالى ردا على ادعاءاته الباطلة قوله: سنسمه على الخرطوم, أي سنكويه له أنفه لتبقى له علامة يعرف بها الى موته, وكني بالخرطوم عن أنفه على سبيل الاستخفاف به, لأنّ الخرطوم للفيل والخنزير, فاذا شبه أنف انسان به كان في غاية الاذلال والاهانة, وقد قال ابن عباس رضي الله عنهما: سنخطم أنفه بالسيف فنجعل ذلك علامة باقية على أنفه ما عاش, وقد خطم يوم بدر بالسيف, لأجل ذلك يقال في الذليل رغم أنفه, واذا كانت السمة على الوجه فيها شين فما بالنا ان كانت من الوجه؟

وقد قيل أنّ الوليد بن المغيرة كان دعيّا في قريش وليس منهم, بمعنى أنه دخيل عليهم , ولم يعرف الوليد بن المغيرة نفسه أنه ابن زنى الا بعدما نزل فيه تسع آيات فيها تسع صفات من صفاته القبيحة, وقد ختمها الله تعالى بزنيم, والزنيم هو ابن الزنا, وقد روي أنه عندما نزلت التسع آيات التالية: فلا تطع المكذبين* ودّوا لو تدهن فيدهنون* ولا تطع كلّ حلاف مهين* همّاز مشّاء بنميم* منّاع للخير معتد أثيم* عتلّ بعد ذلك زنيم, جاء الوليد الى أمه وقال لها: أنّ محمد (صلى الله عليه وسلم) قد وصفني بتسع صفات كلها ظاهرة فيّ وأعرفها غير التاسع منها, ويقصد بذلك لفظ زنيم, والزنيم بلغة العرب هو اللقيط أو ابن الزنا, ثم قال لها بلغة التهديد: ان لم تصدقيني الخبر ضربت عنقك بالسيف, فقالت له: انّ أباك كان عنينا (أي لا يستطيع معاشرة النساء) فخفت على المال الكثير الذي بحوزته أن يذهب لغيري, فمكنت راعيا من نفسي وحملت بك , وهو لا يعلم الا أنك ابنه, وأنت ابن ذلك الراعي.

( يتبع )









مديح ال قطب 03-13-2021 06:18 PM












تابع – سورة القلم

محور مواضيع السورة :

بقي أن نذكر للقاريء الباحث عن المعرفة بأنّ الوليد بن المغيرة كان له من الأبناء عشرة, وثلاثة منهم دخلوا الاسلام وهم:الصحابي الجليل وسيف الله المسلول خالد بن الوليد, والوليد بن الوليد, وهشلم بن الوليد رضي الله عن ثلاثتهم, وشتان , شتان ما بين الوالد والمولود, ومن أحسن من الله قولا وهو يقول: أفمن كلن مؤمنا كمن كان فاسقا لا يستوون.
3. قصة أصحاب البستان لبيان نتيجة الكفر بنعم الله تعالى, وهي شبيهة الى حدما بقصة البستانين الواردة في سورة الكهف.
4. الآخرة وأهوالها وشدائدها, كما في قوله تعالى: يوم يكشف عن ساق ويدعون للسجود فلا يستطيعون وقد كانوا يدعون الى السجود وهم سالمون وبما أعده الله تعالى لكلا الفريقين المسلمين والمجرمين, كما في قواله عزجل: أنجعل المسلمين كالمجرمين؟
وختمت السورة بحث النبي صلى الله عليه وسلم على االصبر على المشركين وتحمل أذاهم وعدم التبرّم والضجر مما يلقاه صلى الله عليه وسلم منهم في سبيل تبليغ دعوة الله عزوجل, كما حدث مع يونس عليه الصلاة والسلام حين ترك قومه وسارع الى ركوب البحر, وقد عبّر القرآن الكريم عن ذلك بقوله عزوجل: فاصبر لحكم ربك ولا تكن كصاحب الحوت اذ نادى ربه وهو مكظوم


سورة القلم وقصة أصحاب الجنة

قالى تعالى فى كتابه الحكيم : بسم الله الرحمن الرحيم
{ن وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ(1)مَا أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ(2)وَإِنَّ لَكَ لأَجْرًا غَيْرَ مَمْنُونٍ(3)وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ(4)فَسَتُبْصِرُ وَيُبْصِرُونَ(5)بِأَيِّيكُمُ الْمَفْتُونُ(6)إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ(7)}

يقول الحافظ بن كثير :
سورة القلم من الصور المكية والمعروف ان الصور المكية أغلبهايدور على بيان العقيده وتقريرها والاحتجاج لها ، وضرب الأمثال لبيانها وتثبيتها وسورة القلم تدور على ثلاث محاور مهمين وهم على
النحو التالى :

1- موضوع الرسالة، والشبه التي أثارها كفار مكة حول دعوة محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم.
2- قصة أصحاب الجنة "البستان"، لبيان نتيجة الكفر بنعم الله تعالى.
3- الآخرة وأهوالها وشدائدها، وما أعدَّ الله للفريقين: المسلمين والمجرمين من جنة الجلد وجنهم وبئس المصير.
ولكن الموضوع الأساسى الذي تدور عليه السورة الكريمة هو موضوع إِثبات نبوة محمد صلى الله عليه وسلم .
* ابتدأت السورة الكريمة بالقسم على رفعة قدر الرسول صلى الله عليه وسلم وشرفه وبراءته مما ألصقه به المشركون من اتهامه - وحاشاه - بالجنون، وبينت أخلاقه العظيمة، ومناقبه السامية { ن والقلم وما يسطرون ما أنت بنعمة ربك بمجنون وإِنَّ لك لأجراً غير ممنون وإِنك لعلى خُلُقٍ عظيم} .. الآيات. من 1 الى 4

* ثم تناولت موقف المجرمين من دعوة رسول الله صلى الله عليه وسلم وما أعدَّ الله لهم من العذاب والنكال {فلا تطع المكذبين ودُّوا لو تُدهن فيدهنون ولا تطع كل حلاَّف مهين ..} الآيات من 8 الى 10

* ثم ضربت مثلاً لكفار مكة في كفرانهم نعمة الله العظمى ببعثة خاتم الرسل صلى الله عليه وسلم إليهم وتكذيبهم به بقصة أصحاب الجنة "الحديقة" ذاتِ الأشجار والزروع والثمار، حيث جحدوا نعمة الله ومنعوا حقوق الفقراء والمساكين، فأحرق الله حديقتهم وجعل قصتهم عبرةً للمعتبرين {إنا بلوناهم كما بلونا أصحاب الجنة إذْ أقسموا ليصر مُنَّها مصبحين ولا يستثنون فطاف عليها طائف من ربك وهم نائمون فأصبحت كالصريم} الآيات 17 الى 20

* ثم قارنت السورة بين المؤمنين والمجرمين، على طريقة القرآن في الجمع بين الترغيب والترهيب {أفنجعل المسلمين كالمجرمين ..}
الآية 35

* وتناولت السورة الكريمة القيامة وأحوالها وأهوالها، وموقف المجرمين في ذلك اليوم العصيب، الذي يكلفون فيه بالسجود لربِّ العالمين فلا يقدرون {يوم يكشف عن ساقٍ ويدعون إلى السجود فلا يستطيعون} الآية 42

* وختمت السورة الكريمة بأمر الرسول صلى الله عليه وسلم بالصبر على أذى المشركين، وعدم التبرم والضجر بما يلقاه في سبيل تبليغ دعوة الله كما حدث من يونس عليه السلام حين ترك قومه وسارع إلى ركوب البحر {فاصبر لحكم ربك ولا تكن كصاحب الحوت إذ نادى وهو مكظوم} الآية 48





بيان رفعة قدر النبي صلى الله عليه وسلم

{ن وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ(1)مَا أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ(2)وَإِنَّ لَكَ لأَجْرًا غَيْرَ مَمْنُونٍ(3)وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ(4)فَسَتُبْصِرُ وَيُبْصِرُونَ(5)بِأَيِّيكُمُ الْمَفْتُونُ(6)إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ(7)}

سبب النزول:
نزول الآية (2) {ما أنت ..}:
أخرج ابن المنذر عن ابن جريج قال: كانوا يقولون للنبّي صلى الله عليه وسلم: إنه مجنون، ثم شيطان، فنزلت: {ما أنت بنعمة ربِّك بمجنون}.
نزول الآية (4) {وإِنك لعلى خلق عظيم}:
سئلت عائشة رضي الله عنها عن خلقه، فقالت: كان خلقه القرآن، ألست تقرأ القرآن: {قد أفلح المؤمنون} إلى عشر ءايات [المؤمنون: 10].
{ن وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ} نون حرف من الحروف المقطعة، ذكر للتنبيه على إعجاز القرآن .. أقسم تعالى بالقلم الذي يكتب الناس به العلوم والمعارف، فإن القلم أخو اللسان ونعمة من الرحمن على عباده والمعنى: أُقسم بالقلم وما يكتبه الكاتبون على صدق محمد وسلامته مما نسبه إليه المجرمون من السفه والجنون، وفي القسم بالقلم والكتابة إشادة بفضل الكتابة والقراءة، فالإِنسان من بين سائر المخلوقات خصه الله بمعرفة الكتابة ليفصح عما في ضميره {الذي علَّم بالقلم * علَّم الإِنسان ما لم يعلم} وحسبك دليلاً على شرف القلم أن الله أقسم به في هذه السورة تمجيداً لشأن الكاتبين، ورفعاً من قدر أهل العلم، ففي القلم البيان كما في اللسان، وبه قوام العلوم والمعارف، قال ابن كثير: والظاهر من قوله تعالى {وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ} أنه جنس القلم الذي يكتب به، وهو قسم منه تعالى لتنبيه خلقه على ما أنعم به عليهم من تعليم الكتابة التي بها تنال العلوم {مَا أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ} أي لست يا محمد بفضل الله وإنعامه عليك بالنبوة مجنوناً، كما يقول الجهلة المجرمون، {يا أيها الذي نُزِّل عليه الذكر إنك لمجنون} قال ابن عطية: هذا جواب القسم، وقوله {بنعمة ربك} اعتراض كما تقول للإِنسان: أنت - بحمد الله - فاضل {وَإِنَّ لَكَ لأَجْرًا غَيْرَ مَمْنُونٍ} أي وإِنّ لك لثواباً على ما تحملت من الأذى في سبيل تبليغ دعوة الله غير مقطوع ولا منقوص {وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ} أي وإنك يا محمد لعلى أدب رفيع جم، وخلق فاضل كريم، فقد جمع الله فيه الفضائل والكمالات .. يا له من شرف عظيم، لم يدرك شأوه بشر، فربُّ العزة جل وعلا يصف محمداً بهذا الوصف الجليل {وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ} وقد كان من خلقه صلى الله عليه وسلم العلم والحلم، وشدة الحياء، وكثرة العبادة والسخاء، والصبر والشكر، والتواضع والزهد، والرحمة والشفقة، وحسن المعاشرة والأدب، إلى غير ذلك من الخلال العلية، والأخلاق المرضية ولقد أحسن القائل:
إذا الـلــه أثنى بالذي هو أهــله عليك فما مقدار ما تمدح الورى؟
{فَسَتُبْصِرُ وَيُبْصِرُونَ} أي فسوف ترى يا محمد، ويرى قومك ومخالفوك -كفار مكة - إذا نزل بهم العذاب {بِأَيِّيكُمُ الْمَفْتُونُ} أي أيكم الذي فتن بالجنون؟ هل أنت كما يفترون، أم هم بكفرهم وانصرافهم عن الهدى؟ قال القرطبي: والمفتون: المجنون الذي فتنه الشيطان، ومعظم السورة نزل في "الوليد بن المغيرة" و "أبي جهل" وقد كان المشركون يقولون: إن بمحمد شيطاناً، وعنوا بالمجنون هذا، فقال الله تعالى سيعلمون غداً بأيهم المجنون أي الشيطان الذي يحصل من مسه الجنون واختلاط العقل {إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ} أي هو سبحانه العالم بالشقي المنحرف عن دين الله وطريق الهدى {وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ} أي وهو العالم بالتقي المهتدي إلى الدين الحق، وهو تعليل لما قبله وتأكيد للوعد والوعيد كأنه يقول: إنهم هم المجانين على الحقيقة لا أنت، حيث كانت لهم عقول لم ينتفعوا بها، ولا استعملوها فيما ينجيهم ويسعدهم.

( يتبع )








مديح ال قطب 03-13-2021 06:20 PM














تابع – سورة القلم

محور مواضيع السورة :

الأخلاق الذميمة عند الكفار

{فَلا تُطِعِ الْمُكَذِّبِينَ(8)وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ(9)وَلا تُطِعْ كُلَّ حَلافٍ مَهِينٍ(10)هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ(11)مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ(12)عُتُلٍّ بَعْدَ ذَلِكَ زَنِيمٍ(13)أَنْ كَانَ ذَا مَالٍ وَبَنِينَ(14)إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ ءاياتُنَا قَالَ أَسَاطِيرُ الأَوَّلِينَ(15)سَنَسِمُهُ عَلَى الْخُرْطُومِ(16)}
{فَلا تُطِعِ الْمُكَذِّبِينَ} أي فلا تطع رؤساء الكفر والضلال الذين كذبوا برسالتك وبالقرآن، فيما يدعونك إليه، قال الرازي: دعاه رؤساء أهل مكة إلى دين آبائه، فنهاه الله أن يطيعهم، وهذا من الله إلهاب وتهييج للتشدد في مخالفتهم {وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ} أي تمنوا لو تلين لهم يا محمد، وتترك بعض ما لا يرضونه مصانعة لهم، فيلينوا لك ويفعلوا مثل ذلك، قال ابن جزي: المداهنة: هي الملاينة والمداراة فيما لا ينبغي، روي أن الكفار قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم: لو عبدت آلهتنا لعبدنا إلهك فنزلت الآية {وَلا تُطِعْ كُلَّ حَلافٍ} أي ولا تطع يا محمد كثير الحلف بالحق والباطل، الذي يكثر من الحلف مستهيناً بعظمة الله {مَهِينٍ} أي فاجر حقير {هَمَّازٍ} أي مغتاب يأكل لحوم الناس بالطعن والعيب {مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ} أي يمشي بالنميمة بين الناس، وينقل حديثهم ليوقع بينهم وهو الفتان، وفي الحديث الصحيح (لا يدخل الجنة نمام) {مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ} أي بخيل ممسك عن الإِنفاق في سبيل الله {مُعْتَدٍ أَثِيمٍ} أي ظالم متجاوز في الظلم والعدوان، كثير الآثام والإِجرام، وجاءت الأوصاف {حلاف، هماز مشاء، مناع} بصيغة المبالغة للدلالة على الكثرة {عُتُلٍّ} أي جاف غليظ، قاسي القلب عديم الفهم {بَعْدَ ذَلِكَ} أي بعد تلك الأوصاف الذميمة التي تقدمت {زَنِيمٍ} أي ابن زنا، وهذه أشد معايبه وأقبحُها، أنه لصيق دعي ليس له نسب صحيح، قال المفسرون: نزلت في "الوليد بن المغيرة" فقد كان دعياً في قريش وليس منهم، ادعاه أبوه بعد ثمان عشرة سنة - أي تبناه ونسبه لنفسه بعد أن كان لا يعرف له أب - قال ابن عباس: لا نعلم أحداً وصفه الله بهذه العيوب غير هذا، فألحق به عاراً لا يفارقه أبداً، وإِنما ذَمَّ بذلك لأن النطفة إِذا خبثت خبث الولد، وروي أن الآية لما نزلت جاء الوليد إلى أمه فقال لها: إن محمداً وصفني بتسع صفات، كلها ظاهرة فيَّ اعرفها غير التاسع منها يريد أنه {زَنِيم} فإن لم تصدقيني ضربت عنقك بالسيف، فقالت له: إن أباك كان عنيناً - أي لا يستطيع معاشرة النساء - فخفت على المال فمكنت راعياً من نفسي فأنت ابن ذلك الراعي، فلم يعرف أنه ابن زنا حتى نزلت الآية {أَنْ كَانَ ذَا مَالٍ وَبَنِينَ} أي لأن كان ذا مال وبنين قال في القرآن ما قال، وزعم أنه أساطير الأولين؟ وكان ينبغي أن يقابل النعمة بالشكر لا بالجحود والتكذيب {إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ ءاياتُنَا قَالَ أَسَاطِيرُ الأَوَّلِينَ} أي إذا قرئت ءايات القرآن على ذلك الفاجر قال مستهزئاً ساخراً: إنها خرافات وأباطيل المتقدمين اختلقها محمد ونسبها إلى الله، قال تعالى رداً عليه متوعداً له بالعذاب {سَنَسِمُهُ عَلَى الْخُرْطُومِ} أي سنجعل له علامة على أنفه بالخطم عليه يعرف بها إلى موته، وكنى بالخرطوم عن أنفه على سبيل الاستخفاف به، لأن الخرطوم للفيل والخنزير، فإذا شبه أنف الإِنسان به كان ذلك غاية في الإِذلال والإِهانة كما يعبر عن شفاه الناس بالمشافر، وعن أيديهم وأرجلهم بالأظلاف والحوافر، قال ابن عباس: سنخطم أنفه بالسيف فنجعل ذلك علامة باقية على أنفه ما عاش، وقد خطم يوم بدر بالسيف، قال الإِمام الفخر الرازي: لما كان الوجه أكرم موضع في الجسد، والأنف أكرم موضع من الوجه لارتفاعه عليه، ولذلك جعلوه مكان العز والحمية واشتقوا منه الأَنفَة، وقال في الذليل: رغم أنفه، فعبر بالوسم على الخرطوم عن غاية الإِذلال والإِهانة، لأن السمة على الوجه شين، فكيف على أكرم موضع من الوجه!!

نزول الآية (17):
{إنا بلوناهم ..}: أخرج ابن أبي حاتم عن ابن جريج أن أبا جهل قال يوم بدر: خذوهم أخذاً، فاربطوهم في الحبال، ولا تقتلوا منهم أحداً، فنزلت: {إنا بلوناهم كما بلونا أصحاب الجنة} أي في قدرة أهل مكة على المؤمنين، كما اقتدر أصحاب الجنة على الجنة.


قصة أصحاب الحديقة

{إِنَّا بَلَوْنَاهُمْ كَمَا بَلَوْنَا أَصْحَابَ الْجَنَّةِ إِذْ أَقْسَمُوا لَيَصْرِمُنَّهَا مُصْبِحِينَ(17)وَلا يَسْتَثْنُونَ(18)فَطَافَ عَلَيْهَا طَائِفٌ مِنْ رَبِّكَ وَهُمْ نَائِمُونَ(19)فَأَصْبَحَتْ كَالصَّرِيمِ(20)فَتَنَادَوا مُصْبِحِينَ(21)أَنِ اغْدُوا عَلَى حَرْثِكُمْ إِنْ كُنتُمْ صَارِمِينَ(22)فَانطَلَقُوا وَهُمْ يَتَخَافَتُونَ(23)أَنْ لا يَدْخُلَنَّهَا الْيَوْمَ عَلَيْكُمْ مِسْكِينٌ(24)وَغَدَوْا عَلَى حَرْدٍ قَادِرِينَ(25)فَلَمَّا رَأَوْهَا قَالُوا إِنَّا لَضَالُّونَ(26)بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ(27)قَالَ أَوْسَطُهُمْ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ لَوْلا تُسَبِّحُونَ(28)قَالُوا سُبْحَانَ رَبِّنَا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ(29)فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَلاوَمُونَ(30)قَالُوا يَاوَيْلَنَا إِنَّا كُنَّا طَاغِينَ(31)عَسَى رَبُّنَا أَنْ يُبْدِلَنَا خَيْرًا مِنْهَا إِنَّا إِلَى رَبِّنَا رَاغِبُونَ(32)كَذَلِكَ الْعَذَابُ وَلَعَذَابُ الآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ(33)}

ثم ذكر تعالى قصة أصحاب الحديقة وما ابتلاهم تعالى به من إتلاف الزروع والثمار وضربه مثلاً لكفار مكة فقال {إِنَّا بَلَوْنَاهُمْ كَمَا بَلَوْنَا أَصْحَابَ الْجَنَّةِ} أي إنا اختبرنا أهل مكة بالقحط والجوع بدعوة رسول الله صلى الله عليه وسلم كما اختبرنا أصحاب البستان المشتمل على أنواع الثمار والفواكه، وكلفنا أهل مكة أن يشكروا ربهم على النعم، كما كلفنا أصحاب الجنة أن يشكروا ويعطوا الفقراء حقوقهم، قال المفسرون: كان لرجل مسلم بقرب صنعاء بستان فيه من أنواع النخيل والزروع والثمار، وكان إذا حان وقت الحصاد دعا الفقراء فأعطاهم نصيباً وافراً منه وأكرمهم غاية الإِكرام فلما مات الأب ورثه أبناؤه الثلاثة فقالوا: عيالنا كثير والمال قليل ولا يمكننا أن نعطي المساكين كما كان يفعل أبونا، فتشاوروا فيما بينهم وعزموا على ألا يعطوا أحداً من الفقراء شيئاً، وأن يجنوا ثمرها وقت الصباح خفية عنهم، وحلفوا على ذلك، فأرسل الله تعالى ناراً على الحديقة ليلاً أحرقت الأشجار وأتلفت الثمار، فلما أصبحواذهبوا إلى حديقتهم فلم يروا فيها شجراً ولا ثمراً، فظنوا أنهم أخطأوا الطريق، ثم تبين لهم أنها بستانهم وحديقتهم وعرفوا أن الله تعالى عاقبهم فيها بنيتهم السيئة، فندموا وتابوا بعد أن فات الأوان {إِذْ أَقْسَمُوا لَيَصْرِمُنَّهَا مُصْبِحِينَ} أي حين حلفوا ليقطعن ثمرها وقت الصباح، قبل أن يخرج إليهم المساكين {وَلا يَسْتَثْنُونَ} أي ولم يقولوا إن شاء الله حين حلفوا، كأنهم واثقون من الأمر {فَطَافَ عَلَيْهَا طَائِفٌ مِنْ رَبِّكَ وَهُمْ نَائِمُونَ} أي فطرقها طارق من عذاب الله، وهم في غفلة عما حدث لأنهم كانوا نياماً، قال الكلبي: أرسل الله عليها ناراً من السماء فاحترقت وهم نائمون {فَأَصْبَحَتْ كَالصَّرِيمِ} أي فأصبحت كالزرع المحصود إذا أصبح هشيماً يابساً،

جزاء المؤمنين المتقين

{إِنَّ لِلْمتَّقِينَ عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتِ النَّعِيمِ(34)أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ(35)مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ(36)أَمْ لَكُمْ كِتَابٌ فِيهِ تَدْرُسُونَ(37)إِنَّ لَكُمْ فِيهِ لَمَا تَخَيَّرُونَ(38)أَمْ لَكُمْ أَيْمَانٌ عَلَيْنَا بَالِغَةٌ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ إِنَّ لَكُمْ لَمَا تَحْكُمُونَ(39)سَلْهُم أَيُّهُمْ بِذَلِكَ زَعِيمٌ(40)أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ فَلْيَأْتُوا بِشُرَكَائِهِمْ إِنْ كَانُوا صَادِقِينَ(41)يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ فَلا يَسْتَطِيعُونَ(42)خَاشِعَةً أَبْصَارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ وَقَدْ كَانُوا يُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ وَهُمْ سَالِمُونَ(43)}
ثم أخبر تعالى عن حال المؤمنين المتقين بعد أن ذكر حال المجرمين من كفار مكة فقال {إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتِ النَّعِيمِ} أي إن للمتقين في الآخرة حدائق وبساتين ليس فيها إلا النعيم الخالص، الذي لا يشوبه كدر ولا منغص كما هو حال الدنيا {أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ}؟ الاستفهام للإِنكار والتوبيخ أي أفنساوي بين المطيع والعاصي، والمحسن والمجرم؟ {مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ}؟ تعجب منهم حيث إنهم يسوُّون المطيع بالعاصي، والمؤمن بالكافر، فإن مثل هذا لا يصدر عن عاقل {أَمْ لَكُمْ كِتَابٌ فِيهِ تَدْرُسُونَ}؟ أي هل عندكم كتاب منزل من السماء تقرؤون وتدرسون فيه {إِنَّ لَكُمْ فِيهِ لَمَا تَخَيَّرُونَ} هذه الجملة مفعول لتدرسون أي تدرسون في هذا الكتاب ما تشتهون وتطلبون؟ وهذا توبيخ آخر للمشركين فيما كانوا يزعمونه من الباطل حيث قالوا: إن كان ثمة بعث وجزاء، فسنعطى خيراً من المؤمنين كما أعطينا في الدنيا، قال الطبري: وهذا توبيخ لهؤلاء القوم وتقريع لهم فيما كانوا يقولون من الباطل، ويتمنون من الأماني الكاذبة {أَمْ لَكُمْ أَيْمَانٌ عَلَيْنَا بَالِغَةٌ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ} أي هل لكم عهود ومواثيق مؤكدة من جهتنا ثابتة إلى يوم القيامة؟ {إِنَّ لَكُمْ لَمَا تَحْكُمُونَ} هذا جوابه أي إن لكم الذي تريدونه وتحكمون به؟ قال ابن كثير: المعنى أمعكم عهود ومواثيق مؤكدة أنه سيحصل لكم ما تريدون وتشتهون {سَلْهُم أَيُّهُمْ بِذَلِكَ زَعِيمٌ} أي سل يا محمد هؤلاء المكابرين أيهم كفيل وضامن بهذا الذي يزعمون؟ وفيه نوع من السخرية والتهكم بهم، حيث يحكمون بأمور خارجة عن العقول، يرفضها المنطق وتأباها العدالة {أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ فَلْيَأْتُوا بِشُرَكَائِهِمْ إِنْ كَانُوا صَادِقِينَ} أي أم لهم شركاء وأرباب يكفلون لهم بذلك، فليأتوا بهم إن كانوا صادقين في دعواهم، قال ابن جزي: وهذا تعجيز للكفار والمراد إن كان لكم شركاء يقدرون على شيء، فأتوا بهم وأحضروهم حتى نرى حالهم .. ولما أبطل مزاعمهم وسفه أحلامهم، شرع في بيان أهوال الآخرة وشدائدها فقال {يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ} أي اذكر يا محمد لقومك ذلك اليوم العصيب الذي يكشف فيه عن أمر فظيع شديد في غاية الهول والشدة، قال ابن عباس: هو يوم القيامة يوم كرب وشدة، قال القرطبي: والأصل فيه أن من وقع في شيء يحتاج فيه إلى الجد شمر عن ساقه، فاستعير الساق والكشف عنها في موضع الشدة كقول الراجز:
{فَذَرْنِي وَمَنْ يُكَذِّبُ بِهَذَا الْحَدِيثِ سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لا يَعْلَمُونَ(44)وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ(45)أَمْ تَسْأَلُهُمْ أَجْرًا فَهُمْ مِنْ مَغْرَمٍ مُثْقَلُونَ(46)أَمْ عِنْدَهُمْ الْغَيْبُ فَهُمْ يَكْتُبُونَ(47)فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلا تَكُنْ كَصَاحِبِ الْحُوتِ إِذْ نَادَى وَهُوَ مَكْظُومٌ(48)لَوْلا أَنْ تَدَارَكَهُ نِعْمَةٌ مِنْ رَبِّهِ لَنُبِذَ بِالْعَرَاءِ وَهُوَ مَذْمُومٌ(49)فَاجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَجَعَلَهُ مِنَ الصَّالِحِينَ(50)وَإِنْ يَكَادُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصَارِهِمْ لَمَّا سَمِعُوا الذِّكْرَ وَيَقُولُونَ إِنَّهُ لَمَجْنُونٌ(51)وَمَا هُوَ إِلا ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ(52)}

( يتبع )










مديح ال قطب 03-13-2021 06:20 PM










تابع – سورة القلم

محور مواضيع السورة :

{فَذَرْنِي وَمَنْ يُكَذِّبُ بِهَذَا الْحَدِيثِ} أي اتركني يا محمد ومن يكذب بهذا القرآن لأكفيك شره وأنتقم لك منه!! وهذا منتهى الوعيد {سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لا يَعْلَمُونَ} أي سنأخذهم بطريق الاستدراج بالنعم، إلى الهلاك والدمار، من حيث لا يشعرون، قال الحسن: كم من مفتون بالثناء عليه، وكم من مغرور بالستر عليه، قال الرازي: الاستدراج أن يستنزله إليه درجة حتى يورطه فيه، فكلما أذنبوا ذنباً جدَّد الله لهم نعمة وأنساهم الاستغفار، فالاستدراج إنما حصل لهم من الإِنعام عليهم، لأنهم يحسبونه تفضيلاً لهم على المؤمنين، وهو في الحقيقة سبب لهلاكهم {وَأُمْلِي لَهُمْ} أي أُمهلهم وأُطيل في أعمارهم ليزدادوا إثماً {إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ} أي إن انتقامي من الكافرين قوي شديد وفي الحديث (إن الله ليملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته) ثم قرأ صلى الله عليه وسلم {وكذلك أخذ ربك إذا أخذ القرى وهي ظالمة إن أخذه أليم شديد} وإنما سمى إحسانه كيداً كما سماه استدارجاً لكونه في صورة الكيد، فما وقع لهم من سعة الأرزاق، وطول الأعمار، وعافية الأبدان، إحسانٌ في الظاهر، وبلاء في الباطن، لأن المقصود معاقبتهم وتعذيبهم به {أَمْ تَسْأَلُهُمْ أَجْرًا فَهُمْ مِنْ مَغْرَمٍ مُثْقَلُونَ} أي أتسألهم يا محمد غرامة مالية على تبليغ الرسالة، فهم معرضون عن الإِيمان بسبب ذلك التكليف الثقيل ببذلهم المال؟ والغرض توبيخهم في عدم الإِيمان فإن الرسول لا يطلب منهم شيئاً من الأجر، قال الخازن: المعنى أتطلب منهم أجراً فيثقل عليهم حمل الغرامات في أموالهم فيثبطهم عن الإِيمان {أَمْ عِنْدَهُمْ الْغَيْبُ فَهُمْ يَكْتُبُونَ} أي أم هل عندهم اللوح المحفوظ الذي فيه الغيب، فهم ينقلون منه أنهم خير من أهل الإِيمان، فلذلك أصروا على الكفر والطغيان؟ وهو استفهام على سبيل الإِنكار والتوبيخ {فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ} أي فاصبر يا محمد على أذاهم، وامض لما أُمرت به من تبليغ رسالة ربك {وَلا تَكُنْ كَصَاحِبِ الْحُوتِ} أي ولا تكن في الضجر والعجلة، كيونس بن متى عليه السلام، لما غضب على قومه لأنهم لم يؤمنوا فتركهم وركب البحر ثم التقمه الحوت، وكان من أمره ما كان {إِذْ نَادَى وَهُوَ مَكْظُومٌ} أي حين دعا ربه في بطن الحوت وهو مملوء غماً وغيظاً بقوله {لا إله إلا أنت سبحانك إني كنتُ من الظالمين}{لَوْلا أَنْ تَدَارَكَهُ نِعْمَةٌ مِنْ رَبِّهِ} أي لولا أن تداركته رحمة الله {لَنُبِذَ بِالْعَرَاءِ وَهُوَ مَذْمُومٌ} أي لطرح في الفضاء الواسع الخالي من الأشجار والجبال، وهو ملام على ما ارتكب، ولكن الله أنعم عليه بالتوفيق للتوبة فلم يبق مذموماً {فَاجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَجَعَلَهُ مِنَ الصَّالِحِينَ} أي فاصطفاه ربه واختاره لنفسه فجعله من المقربين، قال ابن عباس: رد الله إليه الوحي وشفعه في قومه {وَإِنْ يَكَادُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصَارِهِمْ} أي ولقد كاد الكفار من شدة عداوتهم لك يا محمد أن يصرعوك بأعينهم ويهلكوك، من قولهم نظر إلي نظراً كاد يصرعني، قال ابن كثير: وفي الآية دليل على أن العين وإصابتها وتأثيرها حق بأمر الله عز وجل، ويؤيده حديث (لو كان شيء يسبق القدر لسبقته العين) {لَمَّا سَمِعُوا الذِّكْرَ وَيَقُولُونَ إِنَّهُ لَمَجْنُونٌ} أي حين سمعوك تقرأ القرآن، ويقولون من شدة بغضهم وحسدهم لك: إن محمداً مجنون، قال تعالى رداً عليهم {وَمَا هُوَ إِلا ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ} أي وما هذا القرآن المعجز إلا موعظة وتذكير للإِنس والجن، فكيف ينسب من نزل عليه إلى الجنون؟! ختم تعالى السورة ببيان عظمة القرآن، كما بدأها ببيان عظمة الرسول.

( يتبع – سورة الحاقة )














مديح ال قطب 03-13-2021 06:21 PM












سورة الحاقة

التعريف بالسورة :
مكية .
من المفصل .
آياتها 52 .
ترتيبها التاسعة والستون .
نزلت بعد الملك .
بدأت السورة باسم من أسماء يوم القيامة وهو الحاقة .

سبب التسمية

قال ابن عاشور:
سميت (سورة الحاقّة) في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وروى أحمد بن حنبل أن عمر بن الخطاب قال: «خرجت يوما بمكة أتعرض لرسول الله قبل أن أُسْلم، فوجدته قد سبقني إلى المسجد الحرام فوقفت خلفه فاستفتح سورة الحاقة فجعلت أعجب من تأليف القرآن فقلت: هذا والله شاعر، (أي قلت في خاطري)، فقرأ {وما هو بقول شاعر قليلا ما تؤمنون}(الحاقة: 41) قلت: كاهن، فقرأ {ولا بقول كاهن قليلا ما تذكرون تنزيل من ربّ العالمين} (الحاقة: 42 43) إلى آخر السورة، فوقع الإِسلام في قلبي كلّ موقع».
وباسم (الحاقة) عنونت في المصاحف وكُتب السنة وكتب التفسير.
وقال الفيروزأبادي في بصائر ذوي التمييز: إنها تسمى أيضا (سورة السلسلة) لقوله: {ثم في سلسلة} (الحاقة: 32) وسماها الجعربي في منظومته في ترتيب نزول السور (الواعية) ولعله أخذه من وقوع قوله {وتعِيها أُذن واعية} (الحاقة: 12) ولم أر له سلفا في هذه التسمية.
ووجه تسميتها (سورة الحاقة) وقوع هذه الكلمة في أولها ولم تقع في غيرها من سور القرآن.

سبب نزول السورة :

قال تعالى " وتعيها أذن واعية " قال رسول الله: لعلي أن الله أمرني أن أدنيك ولا أقصيك وأن أعلمك وتعي وحق على الله أن تعي فنزلت ( وتعيها أذن واعية ) .


محور مواضيع السورة :

تناولت السورة أمور عديدة : كالحديث عن القيامة وأهوالها ، والساعة وشدائدها، والحديث عن المكذبين وما جرى لهم ، مثل عاد وثمود وقوم لوط وفرعون وقوم نوح ، وغيرهم من الطغاة المفسدين في الأرض ، كما تناولت ذكر السعداء والأشقياء ، ولكن المحور الذي تدور عليه السورة هو إثبات صدق القرآن ، وأنه كلام الحكيم العليم ، وبراءة الرسول مما اتهمه به أهل الضلال .

قال البقاعي:
سورة الحاقة مقصودها تنزيه الخالق ببعث الخلائق لإحقاق الحق وإزهاق الباطل بالكشف التام لشمول العلم للكليات والجزئيات وكمال القدرة على العلويات والسلفيات، وإظهار العدل بين سائر المخلوقات، ليميز المسلم من المجرم بالملذذ والمؤلم، وتسميتها بالحاقة في غاية الوضوح في ذلك وهو أدل ما فيها عليه

ومعظم مقصود السّورة الخبر عن صعوبة القيامة، والإِشارة بإِهلاك القرون الماضية، وذكر نفْخة الصُّور، وانشقاق السّموات، وحال السّعداءِ والأشقياءِ وقت قراءة الكتب، وذلّ الكفّار مقهورين في أيدى الزّبانية، ووصف الكفّار القرآن بأنه كِهانة وشعر، وبيان أنّ القرآن تذكِرة للمؤمن، وحسرة للكافر، والأمر بتسبيح الرّكوع في قوله: {فسبِّحْ بِاسْمِ ربِّك الْعظِيمِ}.

( يتبع )










مديح ال قطب 03-13-2021 06:22 PM








تابع – سورة الحاقة

محور مواضيع السورة :

قال سيد قطب:

هذه سورة هائلة رهيبة؛ قل أن يتلقاها الحس إلا بهزة عميقة؛ وهي منذ افتتاحها إلى ختامها تقرع هذا الحس، وتطالعه بالهول القاصم، والجد الصارم، والمشهد تلو المشهد، كله إيقاع ملح على الحس، بالهول آنا وبالجلال آنا، وبالعذاب آنا، وبالحركة القوية في كل آن!

والسورة بجملتها تلقي في الحس بكل قوة وعمق إحساسا واحدا بمعنى واحد.. أن هذا الأمر، أمر الدين والعقيدة، جد خالص حازم جازم. جد كله لا هزل فيه. ولا مجال فيه للهزل. جد في الدنيا وجد في الآخرة، وجد في ميزان الله وحسابه. جد لا يحتمل التلفت عنه هنا أو هناك كثيرا ولا قليلا. وأي تلفت عنه من أي أحد يستنزل غضب الله الصارم، وأخذه الحاسم. ولو كان الذي يتلفت عنه هو الرسول. فالأمر أكبر من الرسول وأكبر من البشر.. إنه الحق. حق اليقين. من رب العالمين.

يبرز هذا المعنى في اسم القيامة المختار في هذه السورة، والذي سميت به السورة: (الحاقة).. وهي بلفظها وجرسها ومعناها تلقي في الحس معنى الجد والصرامة والحق والاستقرار. وإيقاع اللفظ بذاته أشبه شيء برفع الثقل طويلا، ثم استقراره استقرارا مكينا. رفعه في مدة الحاء بالألف، وجده في تشديد القاف بعدها، واستقراره بالانتهاء بالتاء المربوطة التي تنطق هاء ساكنة.

ويبرز في مصارع المكذبين بالدين وبالعقيدة وبالآخرة قوما بعد قوم، وجماعة بعد جماعة، مصارعهم العاصفة القاصمة الحاسمة الجازمة: كذبت ثمود وعاد بالقارعة. فأما ثمود فأهلكوا بالطاغية، وأما عاد فأهلكوا بريح صرصر عاتية. سخرها عليهم سبع ليال وثمانية أيام حسوما، فترى القوم فيها صرعى، كأنهم أعجاز نخل خاوية. فهل ترى لهم من باقية؟ وجاء فرعون ومن قبله والمؤتفكات بالخاطئة، فعصوا رسول ربهم، فأخذهم أخذة رابية. إنا لما طغا الماء حملناكم في الجارية، لنجعلها لكم تذكرة وتعيها أذن واعية.. وهكذا كل من تلفت عن هذا الأمر أخذ أخذة مروعة داهمة قاصمة، تتناسب مع الجد الصارم الحاسم في هذا الأمر العظيم الهائل، الذي لا يحتمل هزلا، ولا يحتمل لعبا، ولا يحتمل تلفتا عنه من هنا أو هناك!

ويبرز في مشهد القيامة المروع، وفي نهاية الكون الرهيبة، وفي جلال التجلي كذلك وهو أروع وأهول: {فإذا نفخ في الصور نفخة واحدة وحملت الأرض والجبال فدكتا دكة واحدة فيومئذ وقعت الواقعة ,وانشقت السماء فهي يومئذ واهية.. والملك على أرجائها ويحمل عرش ربك فوقهم يومئذ ثمانية}..

ذلك الهول. وهذا الجلال. يخلعان الجد الرائع الجليل على مشهد الحساب عن ذلك الأمر المهول. ويشاركان في تعميق ذلك المعنى في الحس مع سائر إيقاعات السورة وإيحاءاتها. هو وما بعده من مقالة الناجين والمعذبين: فأما من أوتي كتابه بيمينه فيقول: هاؤم اقرؤوا كتابيه. إني ظننت أني ملاق حسابيه.. فقد نجا وما يكاد يصدق بالنجاة.. {وأما من أوتي كتابه بشماله فيقول يا ليتني لم أوت كتابيه ولم أدر ما حسابيه يا ليتها كانت القاضية ما أغنى عني ماليه هلك عني سلطانيه}.. بهذا التفجع الطويل، الذي يطبع في الحس وقع هذا المصير..

ثم يبدو ذلك الجد الصارم والهول القاصم في النطق العلوي بالقضاء الرهيب الرعيب، في اليوم الهائل، وفي الموقف الجليل: {خذوه فغلوه ثم الجحيم صلوه ثم في سلسلة ذرعها سبعون ذراعا فاسلكوه}.. وكل فقرة كأنها تحمل ثقل السماوات والأرض، وتنقض في جلال مذهل، وفي هول مروع، وفي جد ثقيل..

ثم ما يعقب كلمة القضاء الجليل، من بيان لموجبات الحكم الرهيب ونهاية المذنب الرعيبة: إنه كان لا يؤمن بالله العظيم. ولا يحض على طعام المسكين. فليس له اليوم هاهنا حميم. ولا طعام إلا من غسلين. لا يأكله إلا الخاطئون..

ثم يبرز ذلك المعنى في التلويح بقسم هائل، وفي تقرير الله لحقيقة الدين الأخير: {فلا أقسم بما تبصرون وما لا تبصرون إنه لقول رسول كريم وما هو بقول شاعر قليلا ما تؤمنون ولا بقول كاهن قليلا ما تذكرون تنزيل من رب العالمين}.


وأخيرا يبرز الجد في الإيقاع الأخير. وفي التهديد الجازم والأخذ القاصم لكل من يتلاعب في هذا الأمر أو يبدل. كائنا من كان، ولو كان هو محمدا الرسول: {ولو تقول علينا بعض الأقاويل لأخذنا منه باليمين ثم لقطعنا منه الوتين فما منكم من أحد عنه حاجزين}.. فهو الأمر الذي لا تسامح فيه ولا هوادة ولا لين..

وعندئذ تختم السورة بالتقرير الجازم الحاسم والقول الفصل الأخير عن هذا الأمر الخطير: {وإنه لتذكرة للمتقين وإنا لنعلم أن منكم مكذبين وإنه لحسرة على الكافرين وإنه لحق اليقين.. فسبح باسم ربك العظيم}.. وهو الختام الذي يقطع كل قول، ويلقي بكلمة الفصل، وينتهي إلى الفراغ من كل لغو، والتسبيح باسم الله العظيم..

ذلك المعنى الذي تتمحض السورة لإلقائه في الحس، يتكفل أسلوبها وإيقاعها ومشاهدها وصورها وظلالها بإلقائه وتقريره وتعميقه بشكل مؤثر حي عجيب:

إن أسلوب السورة يحاصر الحس بالمشاهد الحية، المتناهية الحيوية، بحيث لا يملك منها فكاكا، ولا يتصور إلا أنها حية واقعة حاضرة، تطالعه بحيويتها وقوتها وفاعليتها بصورة عجيبة!

فهذه مصارع ثمود وعاد وفرعون وقرى لوط {المؤتفكات} حاضرة شاخصة، والهول المروع يجتاح مشاهدها لا فكاك للحس منها. وهذا مشهد الطوفان وبقايا البشرية محمولة في الجارية مرسوما في آيتين اثنتين سريعتين.. ومن ذا الذي يقرأ: {وأما عاد فأهلكوا بريح صرصر عاتية سخرها عليهم سبع ليال وثمانية أيام حسوما فترى القوم فيها صرعى كأنهم أعجاز نخل خاوية فهل ترى لهم من باقية}.. ولا يتمثل لحسه منظر العاصفة المزمجرةالمحطمة المدمرة. سبع ليال وثمانية أيام. ومشهد القوم بعدها صرعى مجدلين {كأنهم أعجاز نخل خاوية}.

( يتبع )






مديح ال قطب 03-13-2021 06:23 PM







تابع – سورة الحاقة

محور مواضيع السورة :

وهو مشهد حي ماثل للعين، ماثل للقلب، ماثل للخيال! وكذلك سائر مشاهد الأخذ الشديد العنيف في السورة.

ثم هذه مشاهد النهاية المروعة لهذا الكون. هذه هي تخايل للحس، وتقرقع حوله، وتغمره بالرعب والهول والكآبة. ومن ذا الذي يسمع: {وحملت الأرض والجبال فدكتا دكة واحدة}.. ولا يسمع حسه القرقعة بعد ما ترى عينه الرفعة ثم الدكة!! ومن الذي يسمع:


{وانشقت السماء فهي يومئذ واهية والملك على أرجائها}.. ولا يتمثل خاطره هذه النهاية الحزينة، وهذا المشهد المفجع للسماء الجميلة المتينة؟! ثم من الذي لا يغمر حسه الجلال والهول وهو يسمع: {والملك على أرجائها ويحمل عرش ربك فوقهم يومئذ ثمانية يومئذ تعرضون لا تخفى منكم خافية}..

ومشهد الناجي الآخذ كتابه بيمينه والدنيا لا تسعه من الفرحة، وهو يدعو الخلائق كلها لتقرأ كتابه في رنة الفرح والغبطة: هاؤم اقرؤوا كتابيه. إني ظننت أني ملاق حسابيه!

ومشهد الهالك الآخذ كتابه بشماله. والحسرة تئن في كلماته ونبراته وإيقاعاته: {يا ليتني لم أوت كتابيه ولم أدر ما حسابيه يا ليتها كانت القاضية ما أغنى عني ماليه هلك عني سلطانيه}.

ومن ذا الذي لا يرتعش حسه، وهو يسمع ذلك القضاء الرهيب: خذوه، فغلوه، ثم الجحيم صلوه، ثم في سلسلة ذرعها سبعون ذراعا فاسلكوه... إلخ.. وهو يشهد كيف يتسابق المأمورون إلى تنفيذ الأمر الرهيب الجليل في ذلك البائس الحسير!

وحاله هناك: فليس له اليوم هاهنا حميم، ولا طعام إلا من غسلين. لا يأكله إلا الخاطئون.

وأخيرا فمن ذا الذي لا تأخذه الرجفة وتلفه الرهبة، وهو يتمثل في الخيال صورة التهديد الشديد: {ولو تقول علينا بعض الأقاويل لأخذنا منه باليمين ثم لقطعنا منه الوتين فما منكم من أحد عنه حاجزين}..

إنها مشاهد من القوة والحيوية والحضور بحيث لا يملك الحس أن يتلفت عنها طوال السورة، وهي تلح عليه، وتضغط، وتتخلل الأعصاب والمشاعر في تأثير حقيقي عنيف!


ويشارك إيقاع الفاصلة في السورة، برنته الخاصة وتنوع هذه الرنة، وفق المشاهد والمواقف في تحقيق ذلك التأثير الحي العميق.. فمن المد والتشديد والسكت في مطلع السورة:
{الحاقة ما الحاقة وما أدراك ما الحاقة}.. إلى الرنة المدوية في الياء والهاء الساكنة بعدها. سواء كانت تاء مربوطة يوقف عليها بالسكون، أو هاء سكت مزيدة لتنسيق الإيقاع، طوال مشاهد التدمير في الدنيا والآخرة، ومشاهد الفرحة والحسرة في موقف الجزاء. ثم يتغير الإيقاع عند إصدار الحكم إلى رنة رهيبة جليلة مديدة: {خذوه فغلوه ثم الجحيم صلوه..}.. ثم يتغير مرة أخرى عند تقرير أسباب الحكم، وتقرير جدية الأمر، إلى رنة رزينة جادة حاسمة ثقيلة مستقرة على الميم أو النون: نه كان لا يؤمن بالله العظيم. ولا يحض على طعام المسكين. فليس له اليوم هاهنا حميم ولا طعام إلا من غسلين.. {وإنه لحق اليقين فسبح باسم ربك العظيم}..

وهذا التغير في حرف الفاصلة وفي نوع المد قبلها وفي الإيقاع كله ظاهرة ملحوظة تتبع تغير السياق والمشاهدوالجو، وتتناسق مع الموضوع والصور والظلال تمام التناسق. وتشارك في إحياء المشاهد وتقوية وقعها على الحس. في السورة القوية الإيقاع العميقة التأثير.



إنها سورة هائلة رهيبة. قل أن يتلقاها الحس إلا بهزة عميقة. وهي بذاتها أقوى من كل استعراض ومن كل تحليل، ومن كل تعليق!

«الْحَاقَّةُ. مَا الْحَاقَّةُ؟. وَما أَدْراكَ مَا الْحَاقَّةُ؟» ..
القيامة ومشاهدها وأحداثها تشغل معظم هذه السورة. ومن ثم تبدأ السورة باسمها ، وتسمى به ، وهو اسم مختار بجرسه ومعناه كما أسلفنا. فالحاقة هي التي تحق فتقع. أو تحق فتنزل بحكمها على الناس. أو تحق فيكون فيها الحق .. وكلها معان تقريرية جازمة تناسب اتجاه السورة وموضوعها. ثم هي بجرسها كما بينا من قبل تلقي إيقاعا معينا يساوق هذا المعنى الكامن فيها ، ويشارك في إطلاق الجو المراد بها ويمهد لما حق على المكذبين بها.
في الدنيا وفي الآخرة جميعا.

والجو كله في السورة جو جد وجزم ، كما أنه جو هول وروع. وهو يوقع في الحس إلى جانب ما أسلفنا في التقديم ، شعورا بالقدرة الإلهية الكبرى من جهة ، وبضالة الكائن الإنساني تجاه هذه القدرة من جهة أخرى وأخذها له أخذا شديدا في الدنيا والآخرة ، عند ما يحيد أو يتلفت عن هذا النهج الذي يريده اللّه للبشرية ، ممثلا فيما يجيء به الرسل من الحق والعقيدة والشريعة فهو لا يجيء ليهمل ، ولا ليبدل ، إنما يجيء ليطاع ويحترم ، ويقابل بالتحرج والتقوى. وإلا فهناك الأخذ والقصم ، وهناك الهول والروع.

( يتبع )









الساعة الآن 01:23 AM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
new notificatio by 9adq_ala7sas
User Alert System provided by Advanced User Tagging (Lite) - vBulletin Mods & Addons Copyright © 2025 DragonByte Technologies Ltd.

 ملاحظة: كل مايكتب في هذا المنتدى لا يعبر عن رأي إدارة الموقع أو الأعضاء بل يعبر عن رأي كاتبه فقط

دعم وتطوير نواف كلك غلا