منتديات سكون القمر

منتديات سكون القمر (https://www.skoon-elqmar.com/vb//index.php)
-   ۩۞۩{ الشريعة الإسلامية والحياة }۩۞۩ (https://www.skoon-elqmar.com/vb//forumdisplay.php?f=2)
-   -   التعريف بسور القرآن الكريم وأسباب النزول ومحاور ومقاصد السور (https://www.skoon-elqmar.com/vb//showthread.php?t=190745)

مديح ال قطب 01-26-2021 02:12 PM












سـورة يونـس

تعريف بالسورة
مكية ما عدا الآيات : 40–94-95-96 فمدنية
من السور المئين
عدد آياتها : 109
هي السور العاشرة في ترتيب المصحف الشريف
نزلت بعد سورة الإسراء
تبدأ السورة بحروف مقطعة "ا لر"
تنتهي بضرورة إتباع حكم الله والصبر عليه وصبر على ما يلقاه من أذى
تحدثت السورة عن قصص الأنبياء ومنهم سيدنا يونس الذي عرف بذي النون .

سبب التسمية
ليس لهذه السورة سوى هذا الاسم، وقد سميت بهذا الاسم؛ لأنها انفردت بذكر خصوصية لقوم يونس، وهي أنهم آمنوا بعد أن توعدهم رسولهم بنزول العذاب، فعفا الله عنهم لما آمنوا. وذلك في قوله تعالى: {فلولا كانت قرية آمنت فنفعها إيمانها إلا قوم يونس لما آمنوا كشفنا عنهم عذاب الخزي في الحياة الدنيا ومتعناهم إلى حين} (يونس:98). وتلك الخصوصية كرامة لـ يونس عليه السلام، وليس فيها ذكر ليونس غير ذلك.

محاور السورة
سورة يونس من السورة التي تعني بأصول العقيدة الإسلامية : الإيمان بالله تعالى والإيمان بالكتب والرسل وبعث والجزاء وهي تتميز بطابع التوجيه إلى الإيمان بالرسالات السماوية بوجه أخص إلى القرآن العظيم خاتمه الكتب المنزلة والمعجزة الخالدة على مدى العصور والدهور .


اعتنت سورة يونس بالحديث عن الموعظة والدعوة بالترغيب؛ ولذلك افتتحت بالتذكير بآيات الله تعالى وبيان حال المكذبين بها، وتخلل ذلك عَرْض للطف الله تعالى بأوليائه، وعباده المؤمنين والتائبين. وتضمنت الموعظة بالقرآن، كما قال تعالى: {يا أيها الناس قد جاءتكم موعظة من ربكم وشفاء لما في الصدور وهدى ورحمة للمؤمنين} (يونس:57)؛ ولذلك تضمنت قصة قوم يونس الذين آمنوا بعد ما دعاهم يونس، وهددهم بالعذاب، فكشف الله عنهم العذاب، فهذه القصة هي النموذج الإيجابي للغرض الذي اعتنت السورة بإبرازه.

وسلطت آيات السورة الضوء على أصول عقائد الإسلام، التي كان ينكرها مشركوا العرب، وهي: توحيد الله تعالى، والوحي والرسالة، والبعث والجزاء، وما يناسب هذه العقائد الثلاث ويمدها من صفاته تعالى، وأفعاله، وتنزيهه، وآياته، وسننه في خلقه، وشؤون البشر في صفاتهم وعاداتهم وأعمالهم، ومحاجة مشركي مكة في ذلك كله، ولا سيما هداية القرآن والرسول صلى الله عليه وسلم، والعبرة بأحوال الرسل مع أقوامهم، فهي كسورة الأنعام في السور المكية، إلا أنها أكثر منها ومن سائر السور إثباتاً للوحي والرسالة، وتحديًّا بالقرآن، وبياناً لإعجازه، وأحقيته وصدق وعده ووعيده. وهذه المقاصد أو العقائد مكررة فيها بالأسلوب البديع، والنظم البليغ، بحيث يُحْدِث في نفس سامعها وقارئها أروع الإقناع والتأثير، من حيث لا يشعر بما فيه من التكرير.

من مقاصد السورة

وعلى الجملة، يمكن تلخيص مقاصد سورة يونس على النحو التالي:

أولاً: بيان توحيد الله تعالى في ربوبيته وألوهيته وصفات عظمته وعلوه، وتدبيره لأمور عباده، وتصرفه فيهم، وفضله عليهم، ورحمته بهم، وعلمه بشؤونهم، وتنزيهه عن ظلمهم، وعما لا يليق به من أوهامهم.

ثانياً: بيان حقيقة الوحي المحمدي وهو القرآن، وكونه كتاباً منزلاً من عند الله سبحانه لهداية خلقه. وبيان عقيدة الإيمان بكتبه تعالى في المرتبة الثانية بين الإيمان به، والإيمان برسله.

ثالثاً: بيان أمر النبوة عامة ورسالة محمد صلى الله عليه وسلم خاصة.

رابعاً: بيان عقيدة البعث والجزاء، وذكر رجوع الناس جميعاً إلى الله ربهم، الذي يبدأ الخلق بأجناسه وأنواعه المختلفة، وتفصيل جزاء المؤمنين والكافرين، وبيان أن جزاء الآخرة أثر لازم لسلوك العبد في الدنيا.

خامساً: بيان صفات البشر وخلائقهم وعاداتهم، وما يترتب عليها من أعمالهم، وسنن الله فيها، وبيان الصفات الذميمة التي تجب معالجتها بالخُلُق الديني.

سادساً: بيان الأعمال الصالحات التي هي الركن الثالث مما جاء به الرسل عليهم الصلاة والسلام، وما يقابلها من الأعمال العامة. فمفهوم الإيمان التصديق الإذعاني الجازم بما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم من الدين، وهو يستلزم العمل به، ومفهوم الإسلام التسليم والانقياد بالفعل، وهو العمل بمقتضى الإيمان، ولا يصح الإسلام فيكون إسلاماً إلا به.

سابعاً: وَصْفُ الكتاب بأنه من عند الله؛ لما اشتمل عليه من الحكمة، وأنه ليس إلا من عنده سبحانه، لأن غيره لا يقدر على شيء منه؛ وذلك دال بلا ريب على أنه واحد في ملكه، لا شريك له في شيء من أمره. وتمام الدليل على هذا: قصة قوم يونس عليه السلام، فإنهم لما آمنوا كشف الله عنهم العذاب، فدل قطعاً على أن الآتي به، إنما هو الله الذي آمنوا به؛ إذ لو كان غيره، لكان إيمانهم به سبحانه موجباً للإيقاع بهم، ولو عذبوا كغيرهم لقيل: هذه عادة الدهر، كما قالوا: {قد مس آباءنا الضراء والسراء} (الأعراف:95). ودلَّ ذلك على أن عذاب غيرهم من الأمم، إنما هو من عند الله لكفرهم، لما هو معهود من السنن الإلهية، من أنه كلما وجد الإصرار على التكذيب، وجد العذاب. ومن أنه كلما انتفى في وقت تُقْبَل فيه التوبة، انتفى.

ثامناً: سجلت السورة عجز من نزل القرآن بلسانهم عن معارضته؛ وذلك ببيان أن آيات الكتاب الحكيم كلها من جنس حروف كلامهم، ومع ذلك فإنهم لم يستطيعوا -ولن يستطيعوا- أن يأتوا بمثلها، فلولا أنه من عند الله، لكان اختصاصه بهذا النظم المعجز دون كلامهم محالاً؛ إذ هو مركب من حروف كلامهم.


فضل السورة
- عن أنس رضي الله عنه أنه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : إن الله أعطاني الرائيات الوطاسين مكان الإنجيل .

- روى أبو داود عن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: أوتي رسول الله صلى الله عليه وسلم سبعاً من المثاني الطول، وأوتي موسى ستاً، فلما ألقى الألواح رُفعت ثنتان وبقي أربع.

- روى الإمام أحمد عن عائشة رضي الله عنها، أن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: (من أخذ السبع الأُول، فهو حبر). وقد روي عن سعيد بن جبير: أن يونس إحدى الطول.

- وروى أبو داود عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنه، قال: أتى رجل رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: أقرئني يا رسول الله! فقال: اقرأ ثلاثاً من ذوات (آلر)، فقال: كبرت سني، واشتد قلبي، وغلظ لساني، قال: فاقرأ ثلاثاً من ذوات (حاميم)، فقال: مثل مقالته، فقال: اقرأ ثلاثاً من (المسبحات)، فقال: مثل مقالته، فقال الرجل: يا رسول الله! أقرئني سورة جامعة، فأقرأه النبي صلى الله عليه وسلم {إذا زلزلت الأرض} حتى فرغ منها، فقال الرجل: والذي بعثك بالحق! لا أزيد عليها أبداً! ثم أدبر الرجل، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أفلح الرويجل مرتين.

- وروى ابن أبي الدنيا عن أبي مودود، قال: بلغنا أن عمر بن عبد العزيز قرأ ذات يوم: {وما تكون في شأن وما تتلو منه من قرآن ولا تعملون من عمل إلا كنا عليكم شهودا إذ تفيضون فيه} (يونس:61)، فبكى بكاء شديداً، حتى سمعه أهل الدار، فجاءت فاطمة فجلست تبكي لبكائه، وبكى أهل الدار لبكائها، فجاء عبد الملك، فدخل عليهم وهم على تلك الحال يبكون، فقال: يا أبت ما يبكيك؟ قال: خير يا بني، ودَّ أبوك أنه لم يعرف الدنيا، ولم تعرفه، والله يا بني! لقد خشيت أن أهلك، والله يا بني لقد خشيت أن أكون من أهل النار.


http://www.hamsatq.com/vb/nazif/editor/separator.gif
( يتبع - سورة هود )







مديح ال قطب 01-26-2021 02:13 PM












سورة هود

التعريف بالسورة
مكية ماعدا الآيات 12 ، 17 ، 114 " فمدنية .
من المئين.
عدد آياتها . " 123 " .
ترتيبها الحادية عشرة بين سور المصحف .
نزلت بعد سورة " يونس " .
الجزء " 12 "
بدأت بحروف مقطعة " الر "
ختمت السورة بيان الحكمة لقصص الأنبياء

سبب التسمية
سُميت ‏السورة ‏الكريمة ‏بسورة ‏‏" ‏هود ‏‏" ‏تخليدا ‏لجهود ‏نبي ‏الله ‏هود ‏في ‏الدعوة ‏إلى ‏الله ‏فقد ‏أرسله ‏الله ‏تعالى ‏إلى ‏قوم ‏‏" ‏عاد ‏‏" ‏العتاة ‏المتجبرين ‏الذين ‏اغتروا ‏بقوة ‏أجسامهم ‏وقالوا ‏من ‏أشد ‏منا ‏قوة ‏فأهلكهم ‏الله ‏بالريح ‏الصرصر ‏العاتية‎ .‎‏

سبب نزول السورة

1) نزلت في الأخنس بن شريقوكان رجلا حلو الكلام حلو المنظر يلقى رسول الله بما يحب ويطوي بقلبه ما يكره وقال الكلبي كان يجالس النبي يظهر له أمرا يُسِرّهُ ويُضْمِر في قلبه خِلافَ مَا يُظْهِر فَأنزلَ اللهُ تَعَالى : "ألا إنَّهُم يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ يقول يُكِنَّونَِ مَا فِي صُدُورِهِم مِن العَدَاوةِ لمحمد .

2) عن عبد اللهقال جاء رجل إلى النبي فقال يا رسول الله إني عالجت امرأة في أقصى المدينة وإني أصبت منها ما دون أن آتيها وأنا هذا فاقض في ما شئت قال فقال عمر لقد سترك الله لو سترت نفسك فلم يرد عليه النبي فانطلق الرجل فاتبعه رجلا ودعاه فتلا عليه هذه الآية فقال رجل يا رسول الله هذا له خاصة قال لا بل للناس كافة رواه مسلم عن يحي ورواه البخاري من طريق يزيد بن زريع .

3) عن أبي اليسر بن عمر قال أتني امرأة وزوجها بعثه النبي في بعث فقالت بعني بدرهم تمرا قال فأعجبتني فقلت إن بالبيت تمرا هو أطيب من هذا فالحقيني فغمزتها وقبلتها فاتيت النبي فقصصت عليه الأمر فقال خنت رجلا غازيا في سبيل الله في أهله وبهذا وأطرق عني فظنت أني من أهل النار وأن الله لا يغفر لي أبدا وأنزل الله تعالى " أقِمْ الصلاةَ طَرَفَي النَّهَارِ " الآية فأرسل إليَّ النبي فتلاها عليَّ .

محاور السورة

سورة هود مكية وهي تعني بأصول العقيدة الاسلامية التوحيد والرسالة والبعث والجزاء وقد عرضت لقصص الانبياء بالتفصيل تسلية للنبي على ما يلقاه من أذى المشركين لاسيما بعد تلك الفترة العصيبة التي مرَّتْ عليه بعد وفاة عمه أبي طالب وزوجه خديجة فكانت الآيات تتنزل عليه وهي تقص عليه ما حدث لإخوانه الرسل من أنواع الابتلاء ليتأسي بهم في الصبر والثبات .
والناظر في آيات هذه السورة الكريمة - كغيرها من سور القرآن - يجد أنها تضمنت العديد من المقاصد، منها:

أولاً: وصف القرآن الكريم بـ (الإحكام)، و(التفصيل)، في حالتي البشارة والنذارة. وهذا يقتضي وضع كل شيء في مكانه الأنسب والأقوم، وإنفاذه على الوجه الأفضل والأحكم.

ثانياً: العناية بكل دابة في الأرض، والقدرة على كل شيء من البعث وغيره. وهذا يقتضي العلم بكل معلوم، ويلزم منه تفرده سبحانه بالمُلك.

ثالثاً: اعتمدت السورة أسلوب الدعوة بالترهيب؛ ولذلك جاءت آياتها متضمنة للوعيد والتغليظ والتهديد، كما في قوله: {ألا تعبدوا إلا الله إنني لكم منه نذير وبشير} (هود:2)، وقوله عز وجل: {وإن تولوا فإني أخاف عليكم عذاب يوم كبير} (هود: 3-4)، وأظهر ما جاء هذا المقصد في قصة قوم هود حين قال الله تعالى: {وتلك عاد جحدوا بآيات ربهم وعصوا رسله واتبعوا أمر كل جبار عنيد * وأتبعوا في هذه الدنيا لعنة ويوم القيامة ألا إن عادا كفروا ربهم ألا بعداً لعاد قوم هود} (هود: 59-60).

رابعاً: اشتملت السورة على أصول عقائد الإسلام من التوحيد، والبعث، والجزاء، والعمل الصالح، وإثبات نبوة محمد صلى الله عليه وسلم، وقصص الرسل عليهم السلام.

خامساً: بينت سنن الله في الأمم، كبيان عاقبة الظالمين، والمفسدين في الأرض. وأن سبب الظلم والإجرام الموجب لهلاك الأمم، هو اتباع أكثرهم لما أترفوا فيه من أسباب النعيم والشهوات واللذات. وأن المترفين هم مفسدوا الأمم ومهلكوها. ويؤيد هذا أن كل ما نشاهده من الفساد في عصرنا، إنما مرده إلى الافتتان بالترف، واتباع ما يقتضيه الإتراف، من فسوق وطغيان وإفراط وإسراف.

سادساً: تحدثت عن صفات النفس وأخلاقها من الفضائل والرذائل، التي هي مصادر الأعمال من الخير والشر، والحسنات والسيئات، والصلاح والفساد. وبينت فضائل الرسل والمؤمنين التي يجب التأسي بها، ومساوئ الكفار التي يجب تطهير الأنفس منها.

سابعاً: دأب المفسدين في عداوة المصلحين ورثة الأنبياء، وأشدهم كيداً لهم أهل الحسد والبدع، من لابسي لباس العلماء، وأعوان الملوك والأمراء.

ثامناً: الظلم والطغيان والركون إلى الظالمين عاقبته وخيمة، وكل ذلك يودي بصاحبه إلى المهالك.


تاسعاً: بيان أن القصد من القصص القرآني تثبيت قلب النبي صلى الله عليه وسلم، وهذا يستدعي أيضاً تثبيت قلب من سار على هديه، وسلك نهجه في الدعوة إلى الله.

عاشراً: أكدت السورة فضيلة (الصبر)، فقد ذُكر (الصبر) في هذه السورة في ثلاثة مواضع، فـ (الصبر) هو الخُلق الذي يستعان به على جميع الأعمال الفردية والجماعية في الشدة والرخاء، والسراء والضراء.

حادي عشر: دعت السورة إلى (الاستقامة) كما أمر الله تعالى، وهذا يستدعي النهي عن الفساد في الأرض، ويلزم منه الأمر بالصلاح فيها.

ثاني عشر: بيَّن الله سبحانه لعباده ما يُكفِّر سيئاتهم أفراداً، وهو فعل الحسنات التي تمحو السيئات، وبيَّن لهم ما هو منجاة للأمة والأفراد من الهلاك في الدنيا قبل الآخرة، وهو وجود طائفة راشدة فيها، تنهاها عن الفساد في الأرض بالظلم، ، والفسوق وارتكاب الفواحش والمنكرات.

ثالث عشر: بيَّن سبحانه أنه سنته في الأمم، أنه لا يهلك {القرى بظلم وأهلها مصلحون} (هود:117) في أعمالهم وأحكامهم، وهذا هو الأساس الأعظم لبقاء الأمم وموتها، وعزتها وذلها. وعبر عن (الأمم) بـ {القرى} وهي عواصم مُلكها; لأنها مأوى الزعماء والرؤساء الحاكمين، الذين تفسد الأمم بفسادهم، وتصلح بصلاحهم.

رابع عشر: أوضحت السورة أن أخذ الله {القرى} الظالمة عند استحقاقهم للعذاب في المستقبل، سيكون على نحو أخذه لها في الماضي، أليماً شديداً، لا هوادة فيه، ولا رحمة، ولا محاباة.

خامس عشر: أفادت قصة نوح مع ابنه أن محبة الأولاد فطرة إنسانية ، وغريزة مركوزة في النفس البشرية ، وحقوقهم على الوالدين مقررة في الشرع بما يحدد دواعي هذه الغريزة، ويقف بها دون الغلو المفضي إلى عصيان الله سبحانه، أو هضم حقوق عباده.

سادس عشر: بيان أن سنن الله تعالى في اختلاف الأمم في (الدين) كاختلافهم في التكوين والعقول والفهوم، فهو سنة كونية.
تلك أهم المقاصد التي تضمنتها سورة هود، ويبقى ورائها مقاصد أُخر، لا تخفى على من تأمل هذه السورة، ووقف معها وقفة تدبر.

فضل السورة
- روي عن ابن عباس رضي الله عنهما، أنه قال: قال أبو بكر رضي الله عنه: يا رسول الله! قد شبت، قال: (شيبتني هود، والواقعة، والمرسلات، وعم يتساءلون، وإذا الشمس كورت)، رواه الترمذي، وقال: حسن غريب.

- وروى البخاري عن ابن مسعود رضي الله عنه: أن رجلاً أصاب من امرأة قُبلة، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم، فأخبره، فأنزل الله عز وجل: {وأقم الصلاة طرفي النهار وزلفا من الليل إن الحسنات يذهبن السيئات}، فقال الرجل: يا رسول الله! ألي هذا؟ قال: (لجميع أمتي كلهم).

( يتبع – سورة يوسف )






مديح ال قطب 01-26-2021 02:18 PM













سورة يُوسُف

التعريف بالسورة :
مكية . ماعدا الآيات " 1،2،3،7 " فمدنية .
من المئين .
عدد آياتها .111 آية .
هي السورة الثانية عشرة في ترتيب سور المصحف .
نزلت بعد سورة " هود ".
بدأت السورة بحروف مقطعة " الر "
ذكر اسم نبي الله يوسف اكثر من 25 مرة .

سبب التسمية
الاسم الوحيد لهذه السورة سورة (يوسف)، وقد ذكر ابن حجر في كتابه "الإصابة" في ترجمة رافع بن مالك الزرقي عن ابن إسحاق، أن أبا رافع بن مالك أول من قدم المدينة بسورة يوسف، يعني بعد أن بايع النبي صلى الله عليه وسلم يوم العقبة.
ووجه تسميتها ظاهر؛ لأنها قصت قصة يوسف عليه السلام كلها، ولم تذكر قصته في غيرها. ولم يذكر اسمه في غيرها إلا في سورة الأنعام وغافر. وفي هذا الاسم تميز لها من بين السور المفتتحة بحروف {الر}.

سبب نزول السورة :
1) عن مصعب بن سعد عن أبيه سعد بن أبي وقاص في قوله عز وجل " نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيكَ أَحْسَنَ القَصَصِ " قَالَ : أُنْزِلَ القرآن عَلى رسولِ الله فتلاه عليهم زمانا فقالوا : يا رسول الله لو قصصت فأنزل الله تعالى "الر تِلكَ آياتُ الكتابِ المبينِ " إلى قوله " نَحْنُ نَقُصُّ عَليكَ أَحْسَنَ القَصَصِ " الآية فَتَلاهُ عليهم زمانا فقالوا : يا رسول الله لو حدثنا فأنزل الله تعالى " اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا " قال كل ذلك ليؤمنوا بالقرآن .

2) قال عون بن عبد الله ملَّ أصحاب رسول الله فقالوا: يا رسول الله حدثنا فأنزل الله تعالى الله " اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الحَدِيثِ كِتَابًا" الآية قال : ثم أنَّهم مَلُّوا ملة أخرى فقالوا : يا رسول الله فوق الحديث ودون القرآن يعنون القصص فأنزل الله تعالى " نَحنُ نَقُصُّ عَليكَ أَحْسَنَ القَصَصِ " فأرادوا الحديث فدَلَّهم على أحسن الحديث وأرادوا القصص فَدلَّهم على أحسن القصص .

محور مواضيع السورة

سورة يوسف إحدى السور المكية التي تناولت قصص الانبياء وقد أفردت الحديث عن قصة نبي الله " يوسف بن يعقوب " وما لاقاه من أنواع البلاء ومن ضروب المحن والشدائد من اخوته ومن الآخرين في بيت عزيز مصر وفي السجن وفي تآمر النسوة حتى نَجَّاهُ الله من ذلك الضيق والمقصود بها تسلية النبي بما مر عليه من الكرب والشدة وما لاقاه من أذى القريب والبعيد .
وتقصد سور القرآن الكريم في الأساس إلى تقرير الحقائق الدينية الكبرى، وتنفرد كل سورة من سوره ببعض المقاصد التي ترمي إليها، وتقصد لإبرازها، وقد تضمنت سورة يوسف جملة من المقاصد نذكر منها:

- وصف القرآن الكريم بـ (الإبانة) لكل ما يوجب الهدى؛ لما ثبت من تمام علم مُنزله غيباً وشهادة، وشمول قدرته قولاً وفعلاً.

- إثبات رسالة خاتم النبيين محمد صلى الله عليه وسلم، وإعجاز كتابه المبين، والاعتبار بقصص الرسل صلوات الله عليهم أجمعين.

- بيان أن الرؤيا الحسنة التي يراها المسلم حق، بما تحمله عن نبوءات عن المستقبل القريب، أو البعيد.

- بيان أن قدرة الله غالبة، لا يقف في طريقها شيء، وأن الأمور في خواتيمها لا تخرج عن إرادته سبحانه وتعالى.

- بيان أن الحاكمية الحقيقية في هذا الكون لله سبحانه، وأن أي حاكمية أخرى لا وزان لها في ميزان الشرع.

- بيان أن الكرامة والاعتزاز والإباء ، تدر من الربح حتى المادي أضعاف ما يدره التمرغ والتزلف والانحناء.

- تثبيت الوحي الذي سيقت السورة لتثبيته من بين ما تثبت من قضايا هذه العقيدة، وهذا الدين في قلوب المؤمنين.

- بيان أن كثيراً من الناس لا يقفون على الآيات التي بثها سبحانه في هذا الكون بقصد الاعتبار والاتعاظ، حين إن أكثر الناس يمرون على هذه الآيات، وهم عنها غافلون، أو معرضون، غير مبالين بما تحمله من دلالات وعبر.

- بيان أن الإيمان الخالص يحتاج إلى حسم كامل في قضية السلطان على القلب وعلى التصرف والسلوك، فلا تبقى في القلب دينونة إلا لله سبحانه، ولا تبقى في الحياة عبودية إلا للمولى الواحد الذي لا راد لما يريد.

- بيان أن من سنة الله في خلقه معاقبة المكذبين بآياته، والمعرضين عن الاعتبار في آياته الكونية.

- بيان أن سنة الله في الدعوات أن تكون مصحوبة بالشدائد، ومحفوفة بالكروب، حتى لا تبقى بقية من جهد، ولا بقية من طاقة. ثم يجيء النصر بعد اليأس من كل أسبابه الظاهرة التي يتعلق بها الناس. يجيء النصر من عند الله، فينجو الذين يستحقون النجاة، ينجون من الهلاك الذي يأخذ المكذبين، وينجون من البطش والعسف الذي يسلطه عليهم المتجبرون. ويحل بأس الله بالمجرمين، مدمراً ماحقاً لا يقفون له، ولا يصده عنهم ولي ولا نصير.

- بيان أن في قصص أهل الفضل دلالة على رحمة الله لهم وعنايته بهم، وفي ذلك رحمة للمؤمنين؛ لأنهم باعتبارهم بها يأتون ويذرون، فتصلح أحوالهم، ويكونون في اطمئنان بال، وذلك رحمة من الله بهم في حياتهم، وسبب لرحمته إياهم في الآخرة.

- بينت هذه السورة -وقد ذُكر فيها كثير من الشدائد- أن العاقبة خير للذين اتقوا، وهو وعد الله الصادق الذي لا يخلف وعده.

أخيراً، ذكر ابن عاشور أن نزول هذه السورة قبل اختلاط النبي صلى الله عليه وسلم باليهود في المدينة معجزة عظيمة من إعلام الله تعالى إياه بعلوم الأولين؛ وبذلك ساوى الصحابةُ علماءَ بني إسرائيل في علم تاريخ الأديان والأنبياء.....


فضل السورة

1) عن مصعب بن عمير لمَّا قَدِمَ المدينة يُعَلِّم الناس القرآن بعث إليهم عمرو بن الجموح ما هذا الذي جئتمونا به؟ فقالوا إن شئت جئناك فأسمعناك القرآن ، قال :نعم فواعدهم يوما فجاء فقرأ عليه القران " الر تلك آيات الكتاب المبين إنَّا أنزلناه قرانا عربيا لعلكم تعقلون " .

2) عن عبد الله بن عامر بن ربيعة قال سمعت عمر عنه يقرأ في الفجر بسورة يوسف .

3) قال خالد بن معدان : سورة يوسف ومريم مما يتفكه بهما أهل الجنة في الجنة .

4) قال عطاء : لا يسمع سورة يوسف محزون إلا استراح إليها .

وقد روى أبو يعلى الموصلي في "مسنده"، عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه في قوله: {نحن نقص عليك أحسن القصص} الآية، قال: أنزل الله القرآن على رسوله صلى الله عليه وسلم، فتلاه عليهم زماناً، فقالوا: يا رسول الله! لو قصصت علينا، فأنزل الله تعالى: {الر تلك آيات الكتاب المبين إنا أنزلناه قرآناً عربياً لعلكم تعقلون} إلى {نحن نقص عليك أحسن القصص} الآية، فتلاها رسول الله صلى الله عليه وسلم زماناً، فقالوا: يا رسول الله! لو حدثتنا؟ فأنزل الله تعالى: {الله نزل أحسن الحديث كتابا متشابها} (الزمر:23)، كل ذلك يؤمرون بالقرآن. قال الشيخ البوصيري: هذا حديث حسن.


( يتبع - سورة الرعد )







مديح ال قطب 01-26-2021 02:19 PM













سورة الْرَّعْدُ

التعريف بالسورة
مدنية .
من المثاني .
عدد آياتها .43 آية .
ترتيبها الثالثة عشرة .
نزلت بعد سورة " محمد ".
تبدأ بحروف مقطعة " المر "
بها سجدة في الآية 15

سبب التسمية
سُميت ‏‏" ‏سورة ‏الرعد "‏لتلك ‏الظاهرة ‏الكونية ‏العجيبة ‏التي ‏تجلى ‏فيها ‏قدرة ‏الله ‏وسلطانه ‏فالماء ‏جعله ‏الله ‏سبب ‏الحياة ‏و ‏أنزله ‏بقدرته ‏من ‏السحاب ‏والسحاب ‏جمع ‏الله ‏فيه ‏بين ‏الرحمة ‏والعذاب ‏فهو ‏يحمل ‏المطر ‏ويحمل ‏الصواعق ‏وفي ‏الماء ‏الإحياء ‏وفي ‏الصواعق ‏الإفناء ‏وجمع ‏النقيضين ‏من ‏العجائب ‏كما ‏قال ‏القائل ‏جمع ‏النقيضين ‏من ‏أسرار ‏قدرته ‏هذا ‏السحاب ‏به ‏ماء و ‏به ‏نار ‏فما ‏أَجَلّ ‏وأعظم ‏قدرة ‏الله‎ .‎‏

سبب نزول السورة
قوله تعالى : ( ويرسل الصواعق فيصيب بها من يشاء )
عن أنس بن مالك : أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعث رجلا مرة إلى رجل من فراعنة العرب ، فقال : " اذهب فادعه لي " . فقال : يا رسول الله ، إنه أعتى من ذلك . قال : " اذهب فادعه لي " . قال : فذهب إليه ، فقال : يدعوك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : وما الله ؟ أمن ذهب هو أو من فضة أو من نحاس ؟ قال : فرجع إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأخبره ، وقال : قد أخبرتك أنه أعتى من ذلك ، قال لي كذا وكذا . فقال : " ارجع إليه الثانية فادعه " ، فرجع إليه ، فأعاد عليه مثل الكلام الأول ، فرجع إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فأخبره ، فقال : " ارجع إليه " ، فرجع الثالثة فأعاد عليه ذلك الكلام ، فبينا هو يكلمني إذ بعثت إليه سحابة حيال رأسه فرعدت فوقعت منها صاعقة فذهبت بقحف رأسه ، فأنزل الله تعالى : ( ويرسل الصواعق فيصيب بها من يشاء وهم يجادلون في الله وهو شديد المحال ) .

وقال ابن عباس في رواية أبي صالح وابن جريج وابن زيد : نزلت هذه الآية والتي قبلها في عامر بن الطفيل واربد بن ربيعة وذلك أنهما أقبلا يريدان رسول الله فقال رجل من اصحابه : يا رسول الله هذا عامر بن الطفيل قد أقبل نحوك فقال : دعه فإن يرد الله به خيرا بهذه ،فأقبل حتى قام عليه فقال : يا محمد مالي إن أسلمت قال : لك ما للمسلين وعليك ما عليهم قال: تجعل لي الأمر بعدك ،قال: لا ليس ذلك أي إنما ذلك إلى الله يجعله حيث يشاء ،قال :فتجعلني على الوبر وأنت على المدر ،قال: لا ، قال : فماذا تجعل لي ؟ قال: أجعل لك أعنة الخيل تغزو عليها ،قال :أو ليس ذلك إلى اليوم ؟وكان أوصى أربد بن ربيعة إذا رأيتني أكلمه فدر من خلفه واضربه بالسيف فجعل يخاصم رسول الله ويراجعه فدار أربد خلف النبي فاخترط من سيفه شبرا ثم حبسه الله تعالى فلم يقدر على سله وجعل عامر يومئ اليه فالتفت رسول الله فرأى أربد وما يصنع بسيفه فقال اللهم اكفنيهما بما شئت فارسل الله تعالى على أربد صاعقة في يوم صائف صاح فأحرقته ولى عامر هاربا وقال يا محمد دعوت ربك فقتل أربد والله لأملانَّها عليك خيلا جردا وفتيانا مردا فقال رسول الله :يمنعك الله تعالى من ذلك وابنا قيلة يريد الأوس والخزرج فنزل عامر بيت امرأة سلولية فلما أصبح ضم عليه سلاحه فخرج وهو يقول واللات لئن أسحر محمد إلى وصاحبه يعني ملك الموت لانفذتهما برمحي فلما رأى الله تعالى منه أرسل ملكا فلطمه بجناحيه فادراه في التراب وخرجت على ركبته غدة في الوقت كغدة البعير فعاد إلى بيت السلولية وهو يقول : غدة كغدة البعير وموت في بيت السلولية ثم مات على ظهر فرسه وأنزل الله تعالى فيه هذه القصة سَوَاءً مِنْكُمْ مَنْ أَسَرَّ القَوْلَ وَمَنْ جَهَرَ بِهِ حَتَّى بَلَغَ وَمَا دُعَاءُ الكَافِرينَ إلا فِي ضلاَلٍ) .

أسباب نزول السورة

قوله تعالى : ( وهم يكفرون بالرحمن ) .
قال أهل التفسير : نزلت في صلح الحديبية حين أرادوا كتاب الصلح ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - [ لعلي ] : " اكتب بسم الله الرحمن الرحيم " ، فقال سهيل بن عمرو والمشركون : ما نعرف الرحمن إلا صاحب اليمامة - يعنون مسيلمة الكذاب - اكتب باسمك اللهم ، وهكذا كانت [ أهل ] الجاهلية يكتبون فأنزل الله تعالى فيهم هذه الآية .
وقال ابن عباس في رواية الضحاك : نزلت في كفار قريش حين قال لهم النبي - صلى الله عليه وسلم - : ( اسجدوا للرحمن قالوا وما الرحمن أنسجد لما تأمرنا . . . ) الآية ، فأنزل الله تعالى هذه الآية ، وقال : قل لهم إن الرحمن الذي أنكرتم معرفته ( هو ربي لا إله إلا هو ) .

قوله تعالى : ( ولو أن قرآنا سيرت به الجبال ) الآية [ 31 ] .
عن أم عطاء مولاة الزبير ، قالت : سمعت الزبير بن العوام يقول : قالت قريش للنبي - صلى الله عليه وسلم - : تزعم أنك نبي يوحى إليك ، وأن سليمان سخرت له الريح [ والجبال ] ، وأن موسى سخر له البحر ، وأن عيسى كان يحيي الموتى فادع الله تعالى أن يسير عنا هذه الجبال ، ويفجر لنا الأرض أنهارا فنتخذها محارث فنزرع ، ونأكل ، وإلا فادع الله أن يحيي لنا موتانا فنكلمهم ، ويكلمونا ، وإلا فادع الله تعالى أن يصير هذه الصخرة التي تحتك ذهبا فننحت منها وتغنينا عن رحلة الشتاء والصيف ، فإنك تزعم أنك كهيئتهم ، فبينا نحن حوله إذ نزل عليه الوحي ، فلما سري عنه قال : " والذي نفسي بيده لقد أعطاني ما سألتم ولو شئت لكان ، ولكنه خيرني بين أن تدخلوا من باب الرحمة فيؤمن مؤمنكم ، وبين أن يكلكم إلى ما اخترتم لأنفسكم فتضلوا عن باب الرحمة [ ولا يؤمن مؤمنكم ] ، فاخترت باب الرحمة [ وأن يؤمن مؤمنكم ] ، وأخبرني إن أعطاكم ذلك ثم كفرتم ، أنه معذبكم عذابا لا يعذبه أحدا من العالمين " . فنزلت : ( وما منعنا أن نرسل بالآيات إلا أن كذب بها الأولون ) حتى قرأ ثلاث آيات ونزلت : ( ولو أن قرآنا سيرت به الجبال ) الآية .

قوله تعالى : ( ولقد أرسلنا رسلا من قبلك وجعلنا لهم أزواجا ) .

قال الكلبي : عيرت اليهود رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقالت : ما نرى لهذا الرجل همة إلا النساء والنكاح ، ولو كان نبيا كما زعم لشغله أمر النبوة عن النساء ، فأنزل الله تعالى هذه الآية .


محاور ومقاصد مواضيع السورة :

سورة الرعد من السور المدنية التي تتناول المقاصد الأساسية للسور المدنية من تقرير الوحدانية والرسالة والبعث والجزاء ودفع الشُبَهِ التي يثيرها المشركون .

ومن مقاصد السورة
تبدأ سورة الرعد بقضية عامة من قضايا العقيدة: قضية الوحي بهذا الكتاب، والحق الذي اشتمل عليه، وتلك هي قاعدة بقية القضايا، من توحيد لله، والإيمان بالبعث، والعمل صالح في الحياة. فكلها متفرعة عن الإيمان بأن الآمر بهذا هو الله، وأن هذا القرآن وحي من عنده سبحانه إلى رسوله صلى الله عليه وسلم. هذا على وجه الإجمال، أما على وجه التفصيل، فقد تضمنت السورة المقاصد التالية:

- بينت السورة أن هذا القرآن عميق التأثير في النفس البشرية، حتى لتكاد تسير به الجبال، وتُقطَّع به الأرض، ويُكلم به الموتى؛ لما فيه من سلطان وقوة ودفعة وحيوية.

- أكدت السورة أن هذا الكتاب هو وحده الحق؛ وأن الإعراض عنه، والتكذيب به، والتحدي، وبطء الاستجابة، ووعورة الطريق.. كلها لا تغير شيئاً من تلك الحقيقة الكبرى، طبيعة المواجهة التي كان المشركون يتحدون بها رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويتحدون بها هذا القرآن.

- التوجيه الرباني لرسول الله صلى الله عليه وسلم أن يجهر في مواجهة الإعراض والتكذيب، والتحدي، وبطء الاستجابة، ووعورة الطريق بالحق الذي معه كاملاً؛ وهو أنه لا إله إلا الله، ولا رب إلا الله، ولا معبود إلا الله، وأن الله هو الواحد القهار، وأن الناس مردودون إليه، فإما إلى جنة، وإما إلى نار. وكل هذه الحقائق كان ينكرها المشركون، ويتحدون الرسول فيها.

- كشفت السورة لأصحاب الدعوة إلى الله عن طبيعة منهج هذه الدعوة، وأن عليهم أن يجهروا بالحقائق الأساسية في هذا الدين، وألا يخفوا منها شيئاً، وألا يؤجلوا منها شيئاً. وفي مقدمة هذه الحقائق: أنه لا ألوهية ولا ربوبية إلا لله، ومن ثم فلا دينونة، ولا طاعة، ولا خضوع، ولا اتباع إلا لله. فهذه الحقيقة الأساسية يجب أن تُعلن أيًّا كانت المعارضة والتحدي؛ وأيًّا كان الإعراض من المكذبين والتولي؛ وأيًّا كانت وعورة الطريق وأخطارها.

- أظهرت السورة أن المنهج القرآني في الدعوة يجمع بين الحديث عن كتاب الله المتلو، وهو هذا القرآن، وبين كتاب الكون المفتوح؛ بما فيه من دلائل شاهدة بسلطان الله وتقديره وتدبيره. كما يضم إلى هذين الكتابين سجل التاريخ البشري، وما يحفظه من دلائل ناطقة بالسلطان والتقدير والتدبير أيضاً. ويواجه البشرية بهذا كله، ويأخذ عليها أقطارها جميعاً؛ وهو يخاطب حسها وقلبها وعقلها جميعاً.

- أوضحت السورة بجلاء نماذج من طبيعة النبوة والرسالة؛ وحدود النبي والرسول؛ لتخليص العقول والأفكار من رواسب الوثنيات كلها؛ وتحريرها من تلك الأساطير التي أفسدت عقائد أهل الكتاب من قبل؛ وردتها إلى الوثنية بأوهامها وأساطيرها! .

- بينت السورة أن مهمة الرسول صلى الله عليه وسلام إنما هي البلاغ، وأن أمر هذا الدين ليس إليه هو، ومآل هذه الدعوة ليس من اختصاصه! إنما عليه البلاغ، وليس عليه هداية الناس، فالله وحده هو الذي يملك الهداية، سواء حقق الله بعض وعده له من مصير القوم، أو أدركه الأجل قبل تحقيق وعد الله، فهذا أو ذاك لا يغير من طبيعة مهمته. فالبلاغ يظل هو قاعدة عمل الرسول، ويظل كذلك قاعدة عمل الدعاة لهذا الدين بعده .


- أرشدت السورة الدعاة أن ليس لهم أن يستعجلوا النتائج والمصائر، وأن ليس لهم أن يستعجلوا هداية الناس، ولا أن يستبطئوا وعد الله للمهتدين ووعيده للمكذبين، إنما عليهم البلاغ فحسب، أما حساب الناس في الدنيا، أو في الآخرة، فهذا ليس من شأن العباد، إنما هو من شأن رب العباد!

- قررت السورة كلمة الفصل في العلاقة بين اتجاه الإنسان وحركته، وبين تحديد مآله ومصيره؛ وبينت أن مشيئة الله به إنما تتحقق من خلال حركته في هذه الحياة؛ وذلك مع تقرير أن كل حدث إنما يقع ويتحقق بقدر من الله خاص.

- قررت السورة سُنَّة اجتماعية، وهي أن مشيئة الله في تغيير حال قوم، إنما تجري وتنفذ من خلال حركة هؤلاء القوم أنفسهم، وتغيير اتجاهها وسلوكها تغييراً شعوريًّا وعمليًّا، فإذا غيَّر القوم ما بأنفسهم اتجاهاً وعملاً غير الله حالهم، وَفْق ما غيروا هم من أنفسهم. فإذا اقتضى حالهم أن يريد الله بهم السوء، مضت إرادته، ولم يقف لها أحد، ولم يعصمهم من الله شيء، ولم يجدوا لهم من دونه ولياً ولا نصيراً. فأما إذا هم استجابوا لربهم، وغيروا ما بأنفسهم بهذه الاستجابة، فإن الله يريد بهم الحسنى، ويحقق لهم هذه الحسنى في الدنيا، أو في الآخرة، أو فيهما جميعاً، فإذا هم لم يستجيبوا، أراد بهم السوء، وكان لهم سوء الحساب، ولم تغن عنهم فدية، إذا جاءوه غير مستجيبين يوم الحساب.

- قررت السورة حقيقة مهمة، وهي أن الله سبحانه يقضي بالهدى لمن ينيب إليه؛ وهذه الحقيقة تدل على أنه سبحانه إنما يضل من لا ينيب، ومن لا يستجيب، ولا يضل منيباً، ولا مستجيباً؛ وذلك وفق وعده سبحانه في قوله: {والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا} (العنكبوت:69)، فهذه الهداية وذلك الإضلال هما مقتضى مشيئته سبحانه بالعباد، هذه المشيئة التي تجري وتتحقق من خلال تغيير العباد ما بأنفسهم، والاتجاه إلى الاستجابة، أو الإعراض.

- بينت السورة أنه سبحانه لو شاء لخلق الناس باستعداد واحد للهدى، أو لقهرهم على الهدى، ولكنه سبحانه شاء أن يخلقهم مستعدين للهدى، أو للضلال، {إنا هديناه السبيل إما شاكرا وإما كفورا} (الإنسان:3)، {وهديناه النجدين} (البلد:10)؛ ولم يشأ بعد ذلك أن يقهرهم على الهدى، ولا أن يقهرهم على الضلال! إنما جعل مشيئته بهم تجري من خلال استجابتهم، أو عدم استجابتهم لدلائل الهدى، وموجبات الإيمان.

- قررت السورة كلمة الفصل في دلالة الكفر وعدم الاستجابة لهذا الحق الذي جاء به هذا الدين، على فساد الكينونة البشرية، وتعطل أجهزة الاستقبال الفطرية فيها، واختلال طبيعتها، وخروجها عن سواء السبيل.

- بيان أن الذين لا يستجيبون للحق الذي جاءهم به القرآن، هم بشهادة الله سبحانه عميٌ، وصمٌّ، وبكمٌ في الظلمات، وأنهم لا يتفكرون، ولا يعقلون. وأن الذين يستجيبون له هم أولو الألباب، وهؤلاء تطمئن قلوبهم بذكر الله، وتتصل بما هي عارفة له، ومصطلحة عليه بفطرتها السليمة، فتسكن، وتستريح.

- أرشدت السورة إلى أن ثمة علاقة وثيقة بين الفساد الذي يصيب حياة البشر في هذه الأرض، وبين ذلك العمى عن الحق الذي جاء من عند الله لهداية البشر إلى الحق وإلى صراط مستقيم.

- بينت السورة أن الذين لا يستجيبون لعهد الله، ولا يعلمون الحق الذي جاء من عنده ، هم الذين يفسدون في الأرض؛ كما أن الذين يعلمون أنه الحق، ويستجيبون له، هم الذين يصلحون في الأرض، وتزكو بهم الحياة.

- قررت السورة بكل وضوح أن حياة الناس لا تصلح إلا بأن يتولى قيادتها المبصرون أولو الألباب، الذين يعلمون أن ما أنزل إلى محمد - صلى الله عليه وسلم - هو الحق، ومن ثم يوفون بعهد الله، ويعبدونه وحده، ويدينون له وحده، ولا يتلقون عن غيره، ولا يتبعون إلا أمره ونهيه، ومن ثم يصلون ما أمر الله به أن يوصل، ويخشون ربهم، فيخافون أن يقع منهم ما نهى عنه، ويخافون سوء الحساب، فيجعلون الآخرة في حسابهم في كل حركة؛ ويصبرون على الاستقامة على عهد الله ذاك بكل تكاليف الاستقامة؛ ويقيمون الصلاة؛ وينفقون مما رزقهم الله سراً وعلانية؛ ويدفعون السوء والفساد في الأرض بالصلاح والإحسان.

- بينت السورة أن المسلم يرفض - بحكم إيمانه بالله، وعلمه بأن ما أنزل على محمد هو الحق - كل منهج للحياة غير منهج الله؛ ومجرد الاعتراف بشرعية منهج، أو وضع، أو حكمٍ من صنع غير الله، هو بذاته مناقض لمنهج الله؛ فالإسلام لله هو توحيد الدينونة له دون سواه.

هذه بعض المقاصد البارزة التي قررتها هذه السورة، وهي بالتأكيد تتضمن مقاصد غير ما ذكرنا، تتبين من خلال التأمل في السورة، والوقوف على مراميها السامية، ومقاصدها الجليلة.

فضل السورة
روى الترمذي، والنسائي، والحاكم، وغيرهم، عن ابن عمر رضي الله عنهما، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سمع الرعد والصواعق، قال: (اللهم لا تقتلنا بغضبك، ولا تهلكنا بعذابك، وعافنا قبل ذلك)، قال الترمذي: حديث غريب.
وروى الطبراني عن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: قالوا - يعني المشركين - للنبي صلى الله عليه وسلم: إن كان كما تقول، فأرنا أشياخنا الأُول من الموتى، وافتح لنا هذه الجبال، جبال مكة التي قد ضمتنا، فنزلت: {ولو أن قرآنا سيرت به الجبال أو قطعت به الأرض} الآية.


( يتبع - سورة إبراهيم )






مديح ال قطب 01-26-2021 02:20 PM












سورة إِبْرَاهِيم

التعريف بالسورة

مكية . ماعدا الآيتان " 28 ، 29 " فمدنيتان .
من المثاني.
عدد آياتها .52 .
ترتيبها الرابعة عشرة .
نزلت بعد سورة " نوح ".
بدأت السورة بحروف مقطعة " الر "
ذكرت السورة قصة سيدنا إبراهيم .

سبب التسمية
سُميت ‏السورة ‏الكريمة ‏‏" ‏سورة ‏إبراهيم ‏‏" ‏تخليداً ‏لمآثر ‏أبو ‏الأنبياء ‏وإمام ‏الحنفاء ‏إبراهيم ‏عليه ‏السلام ‏الذي ‏حطم ‏الأصنام ‏وحمل راية ‏التوحيد ‏وجاء ‏بالحنيفية ‏السمحة ‏ودين ‏الإسلام ‏الذي بُعِثَ ‏به ‏خاتم ‏المرسلين ‏وقد ‏قصّ ‏علينا ‏القرآن ‏الكريم ‏دعواته ‏المباركات ‏بعد ‏انتهائه ‏من ‏بناء ‏البيت ‏العتيق ‏وكلها ‏دعوات ‏إلى ‏الإيمان ‏والتوحيد‎ .‎‏

أسباب النزول
يقول الدكتور عبد الحي الفرماوي :
خلال التنقيب عن سبب نزول السورة : لم أجد سوى ما ذكره الإمام القرطبى فى تفسيره عن سبب نزول الآية الأولى من السورة .
قال : روى مقسم عن ابن عباس ، قال : كان قوم آمنوا بعيسى بن مريم ، وقوم كفروا به .
فلما بعث محمد صلى الله عليه وسلم : آمن به الذين كفروا بعيسى . وكفر الذين آمنوا بعيسى .
فنزلت هذه الآية (الر كتاب أنزلناه إليك لتخرج الناس من الظلمات إلى النور بإذن ربهم إلى صراط العزيز الحميد) .


س


محاور ومقاصد السورة
تناولت السورة الكريمة موضوع العقيدة في أصولها الكبيرة " الإيمان بالله والإيمان بالرسالة والإيمان بالبعث والجزاء " ويكاد يكون محور السورة الرئيسي الرسالة والرسول فقد تناولت دعوة الرسل الكرام بشيء من التفصيل وبيَّنَتْ وظيفة الرسول وضحت معنى وحدة الرسالات السماوية فالأنبياء صلوات الله عليهم أجمعين جاءوا لتشيد صرح الإيمان وتعريف الناس بالإله الحق الذي تعنو له الوجوه وإخراج البشرية من الظلمات إلى النور فدعوتهم واحدة وهدفهم واحد وإن كان بينهم اختلاف في الفروع .

وقد تضمنت سورة إبراهيم جملة من المقاصد، نجملها وفق التالي:

أولاً: افتتح سبحانه هذه السورة ببيان أن المقصود من إنزال الكتاب إرشاد الخلق كلهم إلى الدين والتقوى، ومنعهم عن الكفر والمعصية، قال سبحانه: {كتاب أنزلناه إليك لتخرج الناس من الظلمات إلى النور بإذن ربهم إلى صراط العزيز الحميد} (إبراهيم:1)، وهذا المقصد هو الذي جاءت من أجله جميع الرسل.

ثانياً: توحيد الله سبحانه، يرشد لذلك ما جاء في السورة من قول موسى عليه السلام: {إن تكفروا أنتم ومن في الأرض جميعا فإن الله لغني حميد} (إبراهيم:9)، وقول إبراهيم عليه السلام: {واجنبني وبني أن نعبد الأصنام} (إبراهيم:35)، وقوله سبحانه في آخر السورة: {وليعلموا أنما هو إله واحد} (إبراهيم:52).

قال ابن عاشور: "وليعلموا مِما ذكر فيه من الأدلة ما الله إلا إله واحد، أي: مقصور على الإلهية الموحدة".

وقال الرازي: "الآيات مشعرة بأن التذكير بهذه المواعظ والنصائح يوجب الوقوف على التوحيد، والإقبال على العمل الصالح، والوجه فيه أن المرء إذا سمع هذه التخويفات والتحذيرات عظم خوفه، واشتغل بالنظر والتأمل، فوصل إلى معرفة التوحيد والنبوة، واشتغل بالأعمال الصالحة".

ثالثاً: أوضحت السورة أن القرآن الكريم غاية البلاغ إلى الله سبحانه؛ لأنه كافل ببيان الصراط الدال عليه، المؤدي إليه، جاء في ذلك قوله سبحانه: {هذا بلاغ للناس} (إبراهيم:52). وبين سبحانه أنه إنما أنزل هذه السورة، وذكر فيها النصائح والمواعظ؛ لأجل أن ينتفع الخلق بها، فيصيروا مؤمنين مطيعين، ويتركوا الكفر والمعصية. فالغاية الأساس من ذلك (البلاغ)، وهذا (الإنذار)، هي أن يعلم الناس {أنما هو إله واحد}، فهذه هي قاعدة دين الله التي يقوم عليها منهجه في الحياة.
قال البقاعي: "اشتملت هذه السورة على المواعظ والأمثال والحكم التي أبكمت البلغاء، وأخرست الفصحاء، وبهرت العقول، ترجمها سبحانه بما يصلح عنواناً لجميع القرآن، فقال: {هذا}، أي: الكتاب الذي يخرج الناس من الظلمات إلى النور، {بلاغ}، أي: كافٍ غاية الكفاية في الإيصال {للناس}؛ ليصلوا به إلى الله بما يتحلون به من المزايا في سلوك صراطه القويم".




محاور ومقاصد السورة

رابعاً: تضمنت السورة جملة من فنون العظات والقوارع، من ذلك قوله تعالى: {وويل للكافرين من عذاب شديد * الذين يستحبون الحياة الدنيا على الآخرة ويصدون عن سبيل الله ويبغونها عوجا} (إبراهيم:2-3)، وقوله سبحانه: {لئن شكرتم لأزيدنكم ولئن كفرتم إن عذابي لشديد} (إبراهيم:6)، وقوله تعالى: {واستفتحوا وخاب كل جبار عنيد}.

خامساً: تثبيت الله سبحانه لعباده المؤمنين في الدنيا والآخرة، قال سبحانه: {يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة}، وقوله عز وجل: {وأدخل الذين آمنوا وعملوا الصالحات جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها بإذن ربهم تحيتهم فيها سلام} (إبراهيم:23).

سادساً: إضلال الذين أعرضوا عن ذكره، واتبعوا أهوائهم، قال تعالى: {ويضل الله الظالمين ويفعل الله ما يشاء} (إبراهيم:27)، وقوله عز وجل: {وجعلوا لله أندادا ليضلوا عن سبيله قل تمتعوا فإن مصيركم إلى النار} (إبراهيم:30).

سابعاً: ذمت السورة أولئك الذين يبدلون نعمة الله كفراً، ويقودون قومهم إلى دار البوار، كما قاد من قبلهم أتباعهم إلى النار، في قصة الرسل والكفار، {ألم تر إلى الذين بدلوا نعمة الله كفرا وأحلوا قومهم دار البوار} (إبراهيم:28).

ثامناً: من المقاصد التي أكدت عليها السورة بيان نعم الله على البشر؛ وذلك من خلال الحديث عن أضخم المشاهد الكونية البارزة، {وسخر لكم الشمس والقمر دائبين وسخر لكم الليل والنهار} (إبراهيم:33).

تاسعاً: قدمت السورة نموذجاً لشكر النعمة إبراهيم الخليل، حيث أمر الذين آمنوا بلون من ألوان الشكر هو الصلاة والبر بعباد الله، قبل أن يأتي يوم لا ينفع فيه مال ولا بنون، {ربنا إني أسكنت من ذريتي بواد غير ذي زرع عند بيتك المحرم ربنا ليقيموا الصلاة} (إبراهيم:37).

عاشراً: الاعتناء بقضية الربوبية، والدينونة لله بالملك والتصرف والتدبير، وهذا واضح في تكرار إبراهيم {رب} {ربنا}، كقوله سبحانه: {رب اجعل هذا البلد آمنا} (إبراهيم:35)، وقوله: {رب إنهن أضللن} (إبراهيم:36)، وقوله: {ربنا إني أسكنت} (إبراهيم:37)، وقوله: {ربنا إنك تعلم} (إبراهيم:38)، وقوله: {رب اجعلني مقيم الصلاة ومن ذريتي ربنا وتقبل دعاء} (إبراهيم:40)، وقوله: {ربنا اغفر لي ولوالدي وللمؤمنين يوم يقوم الحساب} (إبراهيم:41).

فالسورة أكدت على أن المقصود الرئيس من خلق الإنسان هو الدينونة لله وحده، لأنه سبحانه هو الرب الذي يستحق أن يكون إلها معبوداً ، حاكماً وسيداً ومتصرفاً ومشرعاً وموجهاً، وقيام الحياة البشرية على هذه القاعدة يجعلها تختلف اختلافاً جوهريًّا عن كل دينونة لما سواه .


فضائلها
لم يرد حديث ثابت في فضل هذه السورة من حيث الجملة، لكن وردت بعض الأحاديث والآثار تتعلق ببعض آيات منها، من ذلك ما يلي:

- روى ابن أبي شيبة عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، قال: يُعرض الناس يوم القيامة على ثلاثة دواوين: ديوان فيه الحسنات، وديوان فيه النعيم، وديوان فيه السيئات، فيقابل بديوان الحسنات ديوان النعيم، فيستفرغ النعيم الحسنات، وتبقى السيئات مشيئتها إلى الله تعالى، إن شاء عذب، وإن شاء غفر. وهذا الأثر فيه إشارة إلى قوله تعالى في هذه السورة: {وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها إن الإنسان لظلوم كفار} (إبراهيم:34)، وإلى قوله أيضاً: {ألم تر إلى الذين بدلوا نعمة الله كفرا وأحلوا قومهم دار البوار} (إبراهيم:28).

- روى البخاري ومسلم عن البراء بن عازب رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: (المسلم إذا سئل في القبر، يشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، فذلك قوله: {يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة} (إبراهيم:27).

- روى البزار عن عائشة رضي اللّه عنها، قالت: قلت: يا رسول الله! تُبتلي هذه الأمة في قبورها، فكيف بي، وأنا امرأة ضعيفة؟ قال: {يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة}. قال المنذري: رواته ثقات.

- وعن مسروق قال: تلت عائشة هذه الآية: {يوم تبدل الأرض غير الأرض والسماوات} (إبراهيم:48)، قالت: يا رسول الله! فأين يكون الناس؟ قال: (على الصراط). رواه الترمذي وابن ماجه، وقال الترمذي: حديث حسن صحيح، وآخره عند مسلم.

- قال عبد الله بن الإمام أحمد: أُخبرت عن سياد بن جعفر، قال: دخلت على حبيب أبي محمد، فقال: اقرأ عليَّ، فأخذت مصحفه، فأول ما وقع في يدي: {واستفتحوا وخاب كل جبار عنيد} (إبراهيم:14)، فجعل يقول: {واستفتحوا} ويبكي.

( يتبع – سورة الحجر )









مديح ال قطب 01-26-2021 02:20 PM










سورة الحجر
التعريف بالسورة
مكية ماعدا الآية 87 فمدنية .
من المثاني .
عدد آياتها .99 آية .
نزلت بعد سورة " يوسف " .
تبدأ بحروف مقطعة " الر " .

سبب التسمية
سُميت ‏السورة ‏الكريمة ‏‏" ‏سورة ‏الحجر ‏‏" ‏لأن ‏الله ‏تعالى ‏ذكر ‏ما ‏حدث ‏لقوم ‏صالح ‏وهم ‏قبيلة ‏ثمود ‏وديارهم ‏بالحجر ‏بين ‏المدينة ‏والشام ‏فقد ‏كانوا ‏أشداء ‏ينحتون ‏الجبال ‏ليسكنوها ‏وكأنهم ‏مخلدون ‏في ‏هذه ‏الحياة ‏لا ‏يعتريهم ‏موت ‏ولا ‏فناء ‏فبينما ‏هم ‏آمنون ‏مطمئنون ‏جاءتهم ‏صيحة ‏العذاب ‏في ‏وقت ‏الصباح‎ .‎‏

سبب نزول السورة
1) عن ابن عباس قال : كانت تصلي خلف النبي امرأة حسناء في أخر النساء وكان بعضهم يتقدم إلى الصف الأول لئلا يراها وكان بعضهم يتأخر في الصف الأخر فإذا ركع قال هكذا ونظر من تحت إبطه فنزلت " وَلَقَدْ عَلِمْنَا المُسْتَقْدِمِينَ مِنْكُم وَلَقَدْ عَلِمْنَا المُسْتَأخِرِينَ "

وقال الربيع بن أنس : حَرَّضَ رسول الله على الصف الأول في الصلاة فازدحم الناس عليه وكان بنو عذرة دورهم قاصية عن المسجد فقالوا نبيع دورنا ونشتري دورا قريبة للمسجد فأنزل الله تعالى هذه الآية .

2) عن كثير النوا قال :قلت لأبي جعفر أن فلانا حدثني عن علي بن الحسين أن هذه الآية نزلت في أبي بكر وعمر وعلي " وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِن غِلٍّ إِخْوَانًا عَلى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ " قال : والله إنها لفيهم نزلت وفيهم نزلت الآية قلت وأي غِلّ هو؟ قال: غل الجاهلية أن بني تميم وعدي وبني هاشم كان بينهم في الجاهلية فلما أسلم هؤلاء القوم وأجابوا أخذ أبا بكر الخاصرة فجعل علي يسخن يده فيضمح بها خاصرة أبي بكرفنزلت هذه الآية .

3) روى ابن المبارك بإسناده عن رجل من أصحاب النبي أنه قال :طلع علينا رسول الله من الباب الذي دخل منه بنو شيبة ونحن نضحك فقال لا: أراكم تضحكون ثم أدبر حتى إذا كان عند الحجر رجع إلينا القهقرى فقال :إني لمَّا خرجت جاء جبريل عليه السلام : فقال :يا محمد يقول الله تعالى :لِمَ تُقَنِّط عبادي " نَبِّأْ عِبَادي أنِّي أَنَا الغَفُورُ الرَّحِيم ".


محاور ومقاصد السورة :
يدور محور السورة حول مصارع الطغاة والمكذبين لرسل الله في شتى الأزمان والعصور ولهذا ابتدأت السورة بالإنذار والتهديد ملفعا بظل من التهويل والوعيد " رُبَمَا يَوَدُّ الذين كَفَرُوا لَو كَانُوا مُسْلِمين * ذَرْهُم يَأْكُلوا وَيَتَمَتَّعُوا وَيُلْهِهمُ الأملُ فسَوفَ يَعلمُون ".

ولم تشذ سورة الحِجر في سياقها ومضمونها عن السور المكية السابقة لها؛ فإن السور المكية تشتمل على جمل من أصول الدين كالتوحيد والمعاد, وإنذار المشركين والعاصين والظالمين, إضافة إلى ما يحمله تاريخ الأقوام السالفة من دروس العبرة والموعظة.

ويمكننا تلخيص المقاصد التي تضمنتها هذه السورة، ودارت حولها وفق التالي:

* أن طبيعة هذا الكتاب الذي يكذب به المشركون والجاحدون أنه كتاب مبين، يهدي إلى الحق وإلى طريق مستقيم، فمن أخذ بما فيه فاز ونجا، ومن أعرض عنه فقد ضل وغوى.

* الحث على انتهاز فرصة الالتحاق بقافلة الإسلام والنجاة قبل أن تضيع، ويأتي اليوم الذي يود فيه المعرضون لو كانوا مسلمين؛ فما ينفعهم يومئذ ذلك ، ولن يغني عنهم من عذاب الله من شيء.

* تصور السورة الأمل الملهي بصورة إنسانية حية؛ فالأمل البراق ما يزال يخايل لهذا الإنسان، وهو يجري وراءه، وينشغل به، ويغتر فيه، حتى يجاوز المنطقة المأمونة؛ وحتى يغفل عن الله، وعن القدر، وعن الأجل؛ وحتى ينسى أن هنالك واجباً، وأن هنالك محظوراً؛ بل حتى لينسى أن هنالك إلهاً، وأن هنالك موتاً، وأن هناك نشوراً.

* بينت السورة أن سنن الله ماضية لا تتخلف؛ وأن هلاك الأمم مرهون بأجلها الذي قدره الله لها، ومترتب على سلوكها الذي تنفذ به سنة الله ومشيئته: {وما أهلكنا من قرية إلا ولها كتاب معلوم}؛ وذلك الكتاب المعلوم والأجل المقسوم، يمنحه الله للقرى والأمم لتعمل، وعلى حسب العمل يكون المصير. فإذا هي آمنت وأحسنت وأصلحت وعدلت، مد الله في أجلها، حتى تنحرف عن هذه الأسس كلها، ولا تبقى فيها بقية من خير يرجى، عندئذ تبلغ أجلها، وينتهي وجودها، إما نهائياً بالهلاك والدثور، وإما وقتياً بالضعف والفتور.

* أن القرآن الكريم محفوظ بحفظ الله له، ونصوصه باقية كما أنزلها الله؛ وهي حجة على كل محرف وكل مؤول؛ وحجة باقية كذلك على ربانية هذا الكتاب المحفوظ.

* بينت السورة نموذج الإنسان حين تفسد فطرته، وتستغلق بصيرته، وتتعطل فيه أجهزة الاستقبال والتلقي، وينقطع عن الوجود الحي من حوله، وعن إيقاعاته وإيحاءاته، قال تعالى: {ولو فتحنا عليهم بابا من السماء فظلوا فيه يعرجون * لقالوا إنما سكرت أبصارنا بل نحن قوم مسحورون} (الحجر:14-15).

* أن الجمال غاية مقصودة في خلق هذا الكون، وهو الذي ينتظم مظاهر الكون جميعاً، وينشأ من تناسقها جميعاً. وأن هذا الجمال الباهر فيها محفوظ، لا يناله دنس ولا رجس، ولا يعبث فيه شيطان، إلا طورد وحيل بينه وبين ما يريد.

* أن أرزاق العباد -ككل شيء- مقدرة في علم الله، تابعة لأمره ومشيئته، يصرفها حيث يشاء وكما يريد، في الوقت الذي يريد، حسب سنته التي ارتضاها، وأجراها في الناس والأرزاق، {وجعلنا لكم فيها معايش ومن لستم له برازقين * وإن من شيء إلا عندنا خزائنه وما ننزله إلا بقدر معلوم} (الحجر:20-21).
فما من مخلوق يقدر على شيء، أو يملك شيئاً، إنما خزائن كل شيء عند الله. ينزله على الخلق {بقدر معلوم}، فليس من شيء ينزل جزافاً، وليس من شيء يتم اعتباطاً.

* أن الحياة والموت بيد الله وحده، وأن الله هو الوارث بعد الحياة. وأنه سبحانه يعلم من كتب عليهم أن يَستقدِموا فيتوفوا، ومن كتب عليهم أن يؤجلوا فيستأخروا في الوفاة. وأنه هو الذي يحشرهم في النهاية، وإليه المصير.

* أن أصل الإنسان وأصل الحياة كلها من طين هذه الأرض؛ ومن عناصره الرئيسة التي تتمثل بذاتها في تركيب الإنسان الجسدي، وتركيب الأحياء أجمعين. وأن هنالك أطواراً بين الطين والإنسان.

* أن المعركة الخالدة والمصيرية بين الشيطان والإنسان في هذه الأرض، تنطلق ابتداء من استدراج الشيطان للإنسان بعيداً عن منهج الله؛ والتزيين له فيما عداه، استدراجه إلى الخروج من الدينونة له في كل ما شرع من عقيدة وتصور، وشعيرة ونسك، وشريعة ونظام.

* أن الذين يدينون لله وحده، ويخلصون له في عبادتهم، ليس للشيطان عليهم من سبيل؛ لأنهم يعلقون أبصارهم بالله، ويدركون ناموسه بفطرتهم الواصلة إلى الله. وإنما سبيل الشيطان على الغاوين والضالين عن منهج الله وطريقه القويم.

* أن المتقين هم الذين يراقبون الله في جميع تصرفاتهم وحركاتهم وسكناتهم، ويقون أنفسهم وأهليهم عذابه وأسبابه، وهؤلاء في جنات النعيم، لا يمسهم فيها نصب، ولا يمسهم فيها لغوب، ولا يخافون منها خروجاً؛ جزاء ما خافوا في الأرض واتقوا، فاستحقوا المقام المطمئن الآمن في جوار الله الكريم.

* قدمت السورة المباركة نماذج من رحمة الله وعذابه، ممثلة في قصص إبراهيم عليه السلام وبشارته على الكبر بغلام عليم، ولوط ونجاته وأهله إلا امرأته من القوم الظالمين، وأصحاب الأيكة، وأصحاب الحجر، وما حل بهم من عذاب أليم.

* أكدت السورة على طبيعة خلق السماوات والأرض وما بينهما. وطبيعة الساعة الآتية لا ريب فيها. وطبيعة الدعوة التي يحملها الرسول صلى الله عليه وسلم، وقد حملها الرسل قبله، وأن ذلك الحق متلبس بالخلق، صادر عن أن الله هو الخالق لهذا الوجود: {إن ربك هو الخلاق العليم} (الحجر:86). فسنة الله ماضية في طريقها لا تتخلف. والحق الأكبر من ورائها متلبس بالدعوة، وبالساعة، وبخلق السماوات والأرض، وبكل ما في الوجود الصادر عن الخلاق العليم.

* بينت السورة أن الحق عميق في تصميم هذا الوجود، عميق في تكوينه، عميق في تدبيره، عميق في مصيره، وما فيه ومن فيه. فكل نتيجة تتم وفق تلك النواميس الثابتة العادلة؛ وكل تغيير يقع في السماوات والأرض وما بينهما يتم بالحق وللحق.

* أن القرآن الكريم من عناصر ذلك الحق، وهو يكشف سنن الخالق، ويوجه القلوب إليها، ويكشف آياته في الأنفس والآفاق، ويستجيش القلوب لإدراكها، ويكشف أسباب الهدى والضلال، ومصير الحق والباطل، والخير والشر، والصلاح والفساد، فهو من مادة ذلك الحق، ومن وسائل كشفه وتبيانه، وهو أصيل أصالة ذلك الحق الذي خلقت به السماوات والأرض، ثابت ثبوت نواميس الوجود، مرتبط بتلك النواميس.

* دعت السورة رسول هذه الأمة صلى الله عليه وسلم ألا يحفل بذلك المتاع الذي آتاه الله لبعض الناس رجالاً ونساء؛ امتحاناً وابتلاء، وألا يلقي إليه نظرة اهتمام، أو نظرة استجمال، أو نظرة تمنٍ، فهو شيء زائل، وزخرف باطل، وأن ما معه من المثاني والقرآن العظيم هو الحق الباقي.

* خطاب الرسول صلى الله عليه وسلم أن يمضي في طريقه، يجهر بما أمره الله أن يبلغه للناس، لا يقعده عن الجهر بدعوته شرك مشرك، فسوف يعلم المشركون عاقبة أمرهم، ولا يصده عن المضي إلى ما هو بسبيله استهزاء مستهزئ، فقد كفاه الله شر المستهزئين. وهذا الذي يجب على أصحاب الدعوة الإسلامية، أن يصدعوا بحقيقة هذه الدعوة، لا يخفوا منها شيئاً؛ وأن يصروا عليها مهما لاقوا من بطش الطواغيت، وتململ الجماهير، {والله متم نوره ولو كره الكافرون} (الصف:8).

* خطاب الرسول صلى الله عليه وسلم أن يسبح بحمد ربه ويعبده، ويلوذ بالتسبيح والحمد والعبادة من سوء ما يسمع من قومه، ولا يفتر عن التسبيح بحمد ربه طوال الحياة، حتى يأتيه الأجل، فيمضي إلى جوار ربه الكريم آمناً مطمئناً.

فضائل السورة
- روى البزار عن أبي هريرة أبي سعيد رضي الله عنهما: قالا: جاز رسول الله صلى الله عليه وسلم، ورجلاً يقرأ سورة الحجر وسورة الكهف، فسكت. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (هذا المجلس الذي أمرت أن أصبر نفسي معهم).

- روى الطبراني عن أبي موسى رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا اجتمع أهل النار في النار، ومعهم من شاء الله من أهل القبلة، قال الكفار للمسلمين، ألم تكونوا مسلمين؟ قالوا: بلى. قالوا: فما أغنى عنكم إسلامكم، وقد صرتم معنا في النار؟ قالوا: كانت لنا ذنوب فأُخذنا بها. فسمع الله ما قالوا، فأمر بمن كان في النار من أهل القبلة فأُخرجوا. فلما رأى ذلك من بقي من الكفار في النار، قالوا: يا ليتنا كنا مسلمين، فنخرج كما خرجوا). قال: ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم: {الر تلك آيات الكتاب وقرآن مبين * ربما يود الذين كفروا لو كانوا مسلمين} (الحجر:1-2).

- روى الطبراني عن ابن عمر رضي الله عنهما، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: (ما هلك قوم لوط إلا في الأذان، ولا تقوم القيامة إلا في الأذان). قال الطبري: معناه عندي: "في وقت أذان الفجر، وهو وقت الاستغفار والدعاء".


( يتبع - سورة النحل )






مديح ال قطب 01-26-2021 02:21 PM












سورة الْنَّحْل

التعريف بالسورة

مكية .ماعدا من الآية 126إلى الآية 128 " فمدنية .
من المئين .
آياتها 128 آية .
ترتيبها السادسة عشرة .
نزلت بعد سورة الكهف .
بدأت السورة بفعل ماضي " أتى "
السورة بها سجدة في الآية رقم 50.

سبب التسمية
سميت بسورة النحل؛ لأنها تحدثت عن هذه الحشرة النافعة، التي تقدم للإنسان غذاء نافعاً شافياً، وهي من جملة النعم التي أنعم الله بها على عباده. وتسمى أيضاً سورة (النِّعم)؛ وذلك لما ذكر الله فيها من النِّعم التي أنعم الله بها على عباده، كنعمة المطر، ونعمة الشمس والقمر والنجوم، ونعمة الولد والزوجة، وقد قال تعالى في هذه السورة: {وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها} (النحل:18).

سبب نزول السورة

1) قال ابن عباس : لَمَّا أَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالى " اقْتَرَبَتْ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ القَمَرُ " قال الكفار : بعضهم لبعض إن هذا يزعم أن القيامة قد قربت فأمسكوا عن بعض ما كنتم تعملون حتى نظر ما هو كائن فلما رأوا أنه لا ينزل شئ قالوا ما نرى شيئا فأنزل الله تعالى " اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُعْرِضُونَ " فأشفقوا وانتظروا قرب الساعة فلما امتدت الايام قالوا : يا محمد ما نرى شيئا مما تُخَوِّفنا به فأنزل الله تعالى " أَتَى أمرُ اللهِ " فَوَثَبَ النبيُّ ورفع الناس رؤوسهم فنزل "فَلا تَسْتَعْجِلُوه " فَاطْمَأنوا فلما نزلت هذه الآية قال رسول الله : بعثت أنا والساعة كهاتين وأشار بإصبعه إن كادت لتسبقني وقال الآخرون الأمر ها هنا العذاب بالسيف وهذا جواب للنضر بن الحارث حين قال اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء يستعجل العذاب فأنزل الله تعالى هذه الآية .

2) نزلت الآية في أُبيّ بن خلف الجمحي حين جاء بعظم رميم إلى رسول الله فقال يا محمد أترى الله يحي هذا بعد ما قد رمم نظير هذه الآية قوله تعالى في سورة "يس" أَو لَمْ يَرَ الإنسانُ أنَّا خَلَقْنَاهُ مِن نُطْفَةٍ فَإذا هُوَ خَصيمٌ مُبين " إلى أخر السورة نازلة في هذه القصة " .

3) نزلت في اصحاب النبي بمكة بلال وصهيب وخباب وعامر وجندل بن صهيب أخذهم المشركون بمكة فعذَّبوهم وآذوهم فبوَّأهم الله تعالى بعد ذلك المدينة .


محاور ومقاصد السورة :
سورة النحل من السور المكية التي تعالج موضوعات العقيدة الكبرى الالوهية والوحي والبعث والنشور وإلى جانب ذلك تتحدث عن دلائل القدرة والوحدانية في ذلك العالم الفسيح في السموات والارض والبحار والجبال والسهول والوديان والماء الهاطل والنبات النامي والفلك التي تجري في البحر والنجوم التي يهتدي بها السالكون في ظلمات الليل إلى آخر تلك المشاهد التي يراها الانسان في حياته ويدركها بسمعه وبصره وهي صور حية مشاهدة دالة على وحدانية الله جل وعلا وناطقة بآثار قدرته التي أبدع بها الكائنات .
وركزت مقاصد سورة النحل على موضوعات العقيدة الكبرى: الألوهية، والوحي، والبعث. وألمت بمقاصد جانبية أخرى تتعلق بتلك الموضوعات الرئيسة.
فمن أهم الحقائق التي أبرزتها السورة حقيقة الوحدانية الكبرى، التي تصل بين دين إبراهيم عليه السلام ودين محمد صلى الله عليه وسلم.
وأبرزت أيضاً حقيقة الإرادة الإلهية والإرادة البشرية فيما يختص بالإيمان والكفر والهدى والضلال. وبينت وظيفة الرسل، وسنة الله في المكذبين لهم. وموضوع التحليل والتحريم وأوهام الوثنية. وتحدثت عن الهجرة في سبيل الله، وفتنة المسلمين في دينهم، والكفر بعد الإيمان، وجزاء هذا كله عند الله. وبالإضافة لموضوعات العقيدة، فقد قصدت السورة إلى بيان موضوعات المعاملة: العدل، والإحسان، والإنفاق، والوفاء بالعهد، وغيرها من موضوعات السلوك القائم على العقيدة.
ويمكن إجمال المقاصد التي دارت حولها آيات هذه السورة وفق التالي:

- ذكر النعم التي أنعم الله بها على عباده، وتفصيلها بما يثير دافع الشكر؛ ليقترب الإنسان من المنعم. كنعمة السمع والبصر، ونعمة الزوجة والولد، ونعم المطر والأنعام، ونعمة الملجأ الذي يقي الحر والبرد...

- الحديث عن أدلة التوحيد؛ وذلك ببيان عظمة ما خلق سبحانه، وحقيقة المعاد والحساب، وإنذار المشركين باقتراب يوم الحساب والعذاب. وتعليل عدم إيمان الذين لا يؤمنون بالآخرة؛ بأن {قلوبهم منكرة} (النحل:22)، فالجحود صفة كامنة فيها، تصدهم عن الإقرار بالآيات البينات؛ {وهم مستكبرون} (النحل:22)، فالاستكبار يصدهم عن الإذعان والتسليم.

- عرضت السورة نموذجاً بشريًّا للناس حين يصيبهم الضر، فيجأرون إلى الله وحده، {ثم إذا مسكم الضر فإليه تجأرون} (النحل:53)، حتى إذا كشف عنهم الضرر، راحوا يشركون بخالقهم وكاشف كروبهم {ثم إذا كشف الضر عنكم إذا فريق منكم بربهم يشركون} (النحل:53-54).

- بيان جملة من الأحكام الشرعية العامة من قبيل: الأمر بالعدل، والإحسان، والنهي عن الفحشاء والمنكر، وخلف العهد، والهجرة، والجهاد، إضافة إلى الدعوة إلى شكر المُنعم على نعمه الجزيلة، التي لا تعد ولا تحصى.

- تحدثت السورة عن إبراهيم عليه السلام، ووصفته بأنه {كان أمة قانتا لله حنيفا ولم يك من المشركين} (النحل:120).

- تحدثت عن بدع المشركين، كاتخاذ الأنداد من دون الله، {ويعبدون من دون الله ما لا يملك لهم رزقا من السماوات والأرض شيئا ولا يستطيعون} (النحل:73)، ووأد البنات {وإذا بشر أحدهم بالأنثى ظل وجهه مسودا وهو كظيم} (النحل:58).

- ذكرت بعض آداب قراءة القرآن، وهو الاستعاذة بالله من الشيطان الرجيم؛ لطرد شبحه من مجلس القرآن الكريم، وحذرت الناس من وساوس الشيطان، {فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم}.

- ذكرت السورة بعض تقولات المشركين عن القرآن؛ فمنهم من يرمي الرسول صلى الله عليه وسلم بافترائه على الله، {قالوا إنما أنت مفتر بل أكثرهم لا يعلمون} (النحل:101). ومنهم من يقول: إن غلاماً أعجمياً هو الذي يعلمه هذا القرآن {يقولون إنما يعلمه بشر} (النحل:103).

- أرشدت السورة الدعاة إلى الله إلى أن تكون دعوتهم بالتي هي أحسن، لا بالتي هي أعنف، كي لا ينفِّروا الناس عن هذا الدين، الذي ارتضاه سبحانه للناس أجمعين.

- قررت السورة مبدأ العقوبة بالمثل، وزادت عليه بطلب العفو، والصبر على الأذى.

- خُتمت السورة ببيان أن الله سبحانه مع عباده المتقين، الذين يلتزمون أحكامه، ولا يتجاوزون حدوده. وأنه مع عباده المحسنين، الذين يحسنون لأنفسهم بتقديم الطاعات والقربات، ويحسنون لغيرهم بحسن الأخلاق والمعاملات.

فضل السورة
- روى البخاري عن عمر رضي الله عنه، أنه قرأ يوم الجمعة على المنبر سورة النحل، حتى إذا جاء السجدة، نزل فسجد، وسجد الناس.

- روى أحمد بإسناد حسن عن عثمان بن أبي العاصي رضي الله عنه، قال: كنت عند رسول الله صلى الله عليه وسلم جالساً، إذ شَخَص -فتح عينيه- ببصره، ثم صوبه، حتى كاد أن يلزقه بالأرض، قال: أتاني جبريل عليه السلام، فأمرني أن أضع هذه الآية بهذا الوضع من هذه السورة: {إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون} (النحل:90).

- روى ابن رجب، عن الحسن البصري، أنه قرأ هذه الآية: {إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون} ثم وقف، فقال: إن الله جمع لكم الخير كله، والشر كله، في آية واحدة، فوالله ما ترك العدل والإحسان شيئاً من طاعة الله إلا جمعه، ولا ترك الفحشاء والمنكر والبغي من معصية الله شيئاً إلا جمعه.

- عن هَرِمَ بن حيان أنه قيل له عند اقتراب وفاته: أوصِ، فقال: إنما الوصية من المال، ولا مال لي، ولكني أوصيكم بخواتيم سورة النحل.


( يتبع - سورة الإسراء )








مديح ال قطب 01-26-2021 02:22 PM









سورة الإسْرَاء

التعريف بالسورة
مكية .ماعدا الآيات " 26 ، 32 ، 33 ، 57 ، ومن الآية 73 : 80 " فمدنية .
من المئين .
آياتها 111 آية .
ترتيبها السابعة عشرة.
نزلت بعد سورة "القصص" .
تبدأ باسلوب ثناء
تبدأ بالتسبيح
بها سجدة في الآية " 109 " .

سبب التسمية
سميت سورة (الإسراء)؛ نظراً لما ذُكر في فاتحتها من إسراء النبي صلى الله عليه وسلم من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى. كما تسمى سورة (بني إسرائيل)؛ لأنها تحدثت عن إفسادهم في الأرض وعتوهم فيها. كما تسمى سورة (سبحان)؛ لأنها افتتحت بتسبيح الله سبحانه، وذُكر التسبيح فيها في أكثر من آية.

سبب نزول السورة
1) عن عبد الله قال :جاء غلام إلى رسول الله فقال إن أمي تسألك كذا وكذا فقال :ما عندنا اليوم شئ قال :فتقول لك اكسني قميصك قال :فخلع قميصه فدفعه إليه وجلس في البيت حاسرا فأنزل الله سبحانه وتعالى (ولا تَجْعَل يَدَكَ مَغْلُولةً إِلى عُنُقِكَ ولاَ تَبْسُطْهَا كَلَّ البَسْط)ِ الآية .
- وقال جابر بن عبد الله : بينا رسول الله قاعدا فيما بين أصحابه أتاه صبي فقال : يا رسول الله إن امي تستكسيك درعا ولم يكن عند رسول الله إلا قميصه فقال للصبي :من ساعة إلى ساعة يظهر يعني وقتا آخر فعاد إلى أمه فقالت :قل له إن أمي تستكسك القميص الذي عليك فدخل رسول الله داره ونزع قميصه وأعطاه وقعد عريانا فاذن بلال للصلاة فانتظروه فلم يخرج فشغل قلوب الصحابة فدخل عليه بعضهم فراه عريانا فأنزل الله تبارك وتعالى هذه الآية .

2) عن ابي جعفر محمد بن علي أنه قال لم كتمتم " بسم الله الرحمن الرحيم " فنعم الاسم والله كتموا فإن رسول الله كان إذا دخل منزله اجتمعت عليه قريش فيجهر بسم الله الرحمن الرحيم ويرفع صوته بها فتولي قريش فرارا فأنزل الله هذه الآية .

3) نزلت في عمر بن الخطاب وذلك أن رجلا من العرب شتمه فأمره الله تعالى بالعفو وقال الكلبي كان المشركون يؤذون أصحاب رسول الله بالقول والفعل فشكوا ذلك إلى رسول الله فأنزل الله تعالى هذه الآية .

محاور ومقاصد مواضيع السورة
سورة الإسراء من السور المكية التي تهتم بشئون العقيدة شأنها كشأن سائر السور المكية من العناية بأصول الدين الوحدانية والرسالة والبعث ولكن العنصر البارز في هذه السورة الكريمة هو شخصية الرسول وما أيَّدَهُ الله به من المعجزات الباهرة والحج القاطعة الدَّالَّة على صدقه عليه الصلاة والسلام .

وتدور معظم موضوعات سورة الإسراء على العقيدة؛ وبعضها عن قواعد السلوك الفردي والجماعي وآدابه القائمة على العقيدة، إلى شيء من القصص عن بني إسرائيل، وطرف من قصة آدم وإبليس وتكريم الله للإنسان.

والعنصر البارز في كيان هذه السورة، ومحور موضوعاتها الأصيل هو شخص الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم، وموقف القوم منه في مكة.

ويمكننا أن نسجل أهم المقاصد التي أبرزتها هذه السورة الكريمة:

- توحيد الله سبحانه، {وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه} (الإسراء:23)، فالله سبحانه وتعالى هو الموحد الحق، ولا معبود سواه.

- تنـزيه الله تعالى وتسبيحه وحمده وشكر آلائه، وقد تكرر مقصد التسبيح في آيات عديدة من هذه السورة؛ ففي مطلعها، قال تعالى: {سبحان الذي أسرى بعبده} (الإسراء:1). وعند ذكر دعاوى المشركين عن الآلهة، عقَّب سبحانه بقوله: {تسبح له السماوات السبع والأرض ومن فيهن وإن من شيء إلا يسبح بحمده ولكن لا تفقهون تسبيحهم} (الإسراء:44). وعند حكاية قول بعض أهل الكتاب حين يتلى عليهم القرآن: {ويقولون سبحان ربنا إن كان وعد ربنا لمفعولا} (الإسراء:108).

- قررت السورة أن ثواب الاهتداء وإثم الضلال إنما يعود على الفرد نفسه ولن يغني عن غيره شيئاً كما أن غيره لن يغني عنه شيئاً ، {من اهتدى فإنما يهتدي لنفسه ومن ضل فإنما يضل عليها} (الإسراء:15)، فطريق الهداية واضح وظاهر، أوضحه سبحانه لعباده عن طريق رسله وكتبه، وما على الإنسان إلا أن يسير في هذا الطريق، ويعرض عن غيره من الطرق.

- بيان إعجاز القرآن الكريم، وأن البشر يستحيل عليهم أن يأتوا بمثله، {قل لئن اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا} (الإسراء:88)، فالقرآن الكريم معجزة هذا الدين، ومعجزة نبيه عليه الصلاة والسلام، وليس بمقدور أحد -مهما أوتي من علم- أن يأتي بمثل هذا القرآن، ولا بشيء منه.

- بيان الحكمة من إنزال القرآن على فترات، وليس دفعة واحدة، {وقرآنا فرقناه لتقرأه على الناس على مكث ونزلناه تنزيلا} (الإسراء:106)، فغاية إنزال القرآن على دفعات؛ ليستوعب الناس أحكامه، وليكون أمامهم متسع من الوقت؛ ليطبقوا أوامره ويجتنبوا نواهيه.


- تنـزيه الله عن الولد والشريك والناصر والمعين، {وقل الحمد لله الذي لم يتخذ ولدا ولم يكن له شريك في الملك ولم يكن له ولي من الذل وكبره تكبيرا} (الإسراء:111). فالله سبحانه هو الواحد الأحد، الفرد الصمد، الذي لم يلد، ولم يولد، ولم يكن له كفواً أحد.

- قررت السورة مبدأ المسؤولية الشخصية، فكل إنسان يتحمل عاقبة عمله، ولا يتحمل أحد عاقبة عمل غيره، {ولا تزر وازرة وزر أخرى} (الإسراء:15)، فالإنسان إن عمل خيراً فلنفسه، وإن أساء فعليها.

- ذكر سبحانه في هذه السورة سُنَّة إلهية، وهي أنه سبحانه لا يعذب عباده إلا بعد أن يرسل إليهم رسلاً مبشرين ومنذرين، ويقيم عليهم الحجة بالآيات التي تقطع عذرهم، قال سبحانه {وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا} (الإسراء:15).

- ذكر سبحانه سُنَّة تتعلق بسلوك الإنسان عموماً، وهي أن الإنسان إذا أصابه ضراء وبلاء، لجأ إلى ربه وخالقه طالباً منه العون والنجاة، ثم إذا كشف الله عنه ما نزل به من ضرٍّ، إذا به يكفر بخالقه، ويُعْرِض عن هدي ربه، {وإذا مسكم الضر في البحر ضل من تدعون إلا إياه فلما نجاكم إلى البر أعرضتم وكان الإنسان كفورا} (الإسراء:67).

- بينت السورة قيمة القرآن الكريم، حيث ورد لفظ القرآن في هذه السورة أحد عشر مرة. نحو قوله سبحانه: {إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم ويبشر المؤمنين} (الإسراء:9).

( يتبع )








مديح ال قطب 01-26-2021 02:22 PM












محاور ومقاصد مواضيع السورة
- بينت السورة أنه لا أحد يملك من الأمر شيئاً؛ إذ الأمر كله لله، فلا نافع ولا ضار إلا الله، ولا ناصر ولا معين إلا هو سبحانه، {قل ادعوا الذين زعمتم من دونه فلا يملكون كشف الضر عنكم ولا تحويلا} (الإسراء:56).

- عُنيت السورة بالحديث عن مكارم الأخلاق، فدعت إلى الإحسان إلى الوالدين، وصلة الرحم، والعطف على الفقير والمسكين وابن السبيل، ونهت عن التبذير والقتل والزنا وتطفيف الكيل والميزان وأكل مال اليتيم والكبر والبطر.

- دحضت أوهام الوثنية الجاهلية حول نسبة البنات والشركاء إلى الله، وعن البعث واستبعادهم لوقوعه، وعن استقبالهم للقرآن وتقولاتهم على الرسول صلى الله عليه وسلم، {أفأصفاكم ربكم بالبنين واتخذ من الملائكة إناثا إنكم لتقولون قولا عظيما} (الإسراء:40)، {قل لو كان معه آلهة كما يقولون إذا لابتغوا إلى ذي العرش سبيلا} (الإسراء:42).

- أمْرُ المؤمنين أن يقولوا التي هي أحسن، وتحذيرهم من الانسياق وراء وساوس الشيطان، وبيان أنه العدو الأول والأخطر للإنسان؛ لأنه لا يفارقه أبداً، فهو يعيش بين جنبيه، وهو عدو خفي غير ظاهر، قال تعالى: {وقل لعبادي يقولوا التي هي أحسن إن الشيطان ينزغ بينهم إن الشيطان كان للإنسان عدوا مبينا} (الإسراء:53).

- بيان الحكمة في عدم إنزال المعجزات التي اقترحها المشركون على النبي صلى الله عليه وسلم، {وما منعنا أن نرسل بالآيات إلا أن كذب بها الأولون وآتينا ثمود الناقة مبصرة فظلموا بها وما نرسل بالآيات إلا تخويفا} (الإسراء:59).

- بيان عناد المشركين وطلبهم من النبي صلى الله عليه وسلم أن يوافقهم في بعض معتقداتهم، وإلحاحهم في ذلك، {وقالوا لن نؤمن لك حتى تفجر لنا من الأرض ينبوعا} (الإسراء:90).

- الحديث عن البعث والحشر مع إقامة الأدلة على إمكانه، {أولم يروا أن الله الذي خلق السماوات والأرض قادر على أن يخلق مثلهم وجعل لهم أجلا لا ريب فيه فأبى الظالمون إلا كفورا} (الإسراء:99).

هذه أهم المقاصد التي تضمنتها هذه السورة الكريمة. وليس من شك، فإن مزيداً من التأمل فيها يهدينا إلى مقاصد أُخر، فإن القرآن الكريم لا تنقضي عجائبه، ولا يشبع منه قارئه ومتأمله.


فضائل السورة
وردت جملة من الأحاديث النبوية التي تبين فضائل هذه السورة، من ذلك:

- ما رواه البخاري عن ابن مسعود رضي الله عنه، أنه قال في بني إسرائيل، والكهف، ومريم، وطه، والأنبياء: (إنهن من العتاق الأول، وهن من تلادي). معناه: من أول ما أخذت من القرآن، شبهه بتلاد المال القديم، ومعناه: أن ذلك كان بمكة.

- عن عائشة رضي الله عنها، أن النبي صلى الله عليه وسلم كان لا ينام حتى يقرأ -وفي رواية: كان يقرأ كل ليلة- بني إسرائيل والزمر. رواه الترمذي و البيهقي. قال الترمذي: حديث حسن غريب.

- عن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: سأل أهل مكة النبي صلى الله عليه وسلم أن يجعل لهم الصفا ذهباً، وأن ينحي الجبال عنهم، فيزدرعوا، فقيل له: إن شئت أن تستأني بهم -يقال: استأنى به: ترفَّق-، وإن شئت أن تؤتيهم الذي سألوا، فإن كفروا أهلكوا، كما أهلكت من قبلهم، قال: لا، بل أستأني بهم، وأنزل الله هذه الآية: {وما منعنا أن نرسل بالآيات إلا أن كذب بها الأولون وآتينا ثمود الناقة مبصرة فظلموا بها} (الإسراء:59). وفي رواية: فدعا، فأتاه جبريل عليه السلام، فقال: إن ربك يقرئك السلام، ويقول لك: إن شئت أصبح لهم الصفا ذهباً، فمن كفر منهم بعد ذلك عذبته عذاباً لا أعذبه أحداً من العالمين، وإن شئت فتحت لهم باب التوبة والرحمة، قال: بل افتح لهم باب التوبة والرحمة. رواه أحمد. قال البيهقي: ورجال الروايتين رجال الصحيح.

- وعن أبي الدرداء رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يهبط الله عز وجل آخر ساعة من الليل، فيقول: ألا مستغفر يستغفرني فأغفر له، ألا سائل يسألني فأعطيه، ألا داع يدعوني فأستجيب له، حتى يطلع الفجر، قال: فقال: {إن قرآن الفجر كان مشهودا} (الإسراء:78)، فيشهده الله وملائكته) رواه الطبراني.

- عن عبد الله بن مسعود وعبد الله بن عباس رضي الله عنهما، قالا: دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الفتح، وعلى الكعبة ثلاثمائة وستون صنماً، قد شدَّ لهم إبليس أقدامها بالرصاص، فجاء ومعه قضيب، فجعل يهوي به إلى كل صنم منها، ليخر لوجهه، فيقول: {جاء الحق وزهق الباطل} (الإسراء:81)، حتى مر عليها كلها. رواه الطبراني في "المعجم الصغير".

- عن معاذ بن أنس الجهني رضي اللّه عنه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، أنه كان يقول: آية العزة -وفي رواية: العز- {وقل الحمد لله الذي لم يتخذ ولدا ولم يكن له شريك في الملك ولم يكن له ولي من الذل} (الإسراء:111) إلى آخر السورة. رواه أحمد والطبراني.

- عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما كربني أمر إلا تمثل لي جبريل عليه السلام، قال: يا محمد! قل: توكلت على الحي الذي لا يموت، و{الحمد لله الذي لم يتخذ ولدا}. رواه الحاكم والطبراني والبيهقي، قال الحاكم: صحيح الإسناد.

- عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: بينا أنا أمشي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، استقبله رجل رثُّ الثياب رثُّ الهيئة، مستقام، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: يا فلان! ما الذي بلغ بك ما أرى؟ قال: الفقر والسقم. قال: أفلا أعلمك كلمات، إذا قلتهن ذهب عنك الفقر والسقم؟ فقال: لا، ما يسرني بهذا إني شهدت معك بدراً وأحداً، قال: فضحك رسول اللّه صلى الله عليه وسلم، ثم قال: وهل يدرك أهل بدر وأهل أحد ما يدرك الفقير القانع ؟ قال أبو هريرة : فقلت: يا رسول الله! فعلمنيهن. قال: قل: توكلت على الحي الذي لا يموت، و{الحمد لله الذي لم يتخذ ولدا ولم يكن له شريك في الملك ولم يكن له ولي من الذل وكبره تكبيرا}. قال: فلقي النبي صلى الله عليه وسلم أبا هريرة بعد أيام، فقال: يا أبا هريرة! ما الذي أرى من حسن حالك؟ فقال: يا رسول الله! ما زلت أقرأ الكلمات منذ علمتنيهن. رواه الطبراني وأبو يعلى.

- عن خيثمة قال: قال عبد الله: عليكم بالشفاءين: القرآن والعسل. قال أبو عبيد: يريد عبد الله هاتين الآيتين: {وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين} (الإسراء:82)، {يخرج من بطونها شراب مختلف ألوانه فيه شفاء للناس} (النحل:69).


( يتبع – سورة الكهف )








مديح ال قطب 01-26-2021 02:23 PM












سورة الْكَهْف

التعريف بالسورة
مكية .عدا الآية 38 ، ومن الآية 86 إلى 151 فمدنية .
من المئين .
عدد آياتها .110 آية .
ترتيبها الثامنة عشرة .
نزلت بعد سورة " الغاشية " .
تبدأ باسلوب الثناء
بدأت بالحمد لله
تحدثت السورة عن قصة ذي القرنين وسيدنا موسى والرجل الصالح .

سبب التسمية
سميت بسورة الكهف؛ لذكر اسم الكهف فيها، قال جل شأنه: (أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحَابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ كَانُوا مِنْ آيَاتِنَا عَجَبًا) [الكهف:9]، لكنها تعرضت لجملة من القضايا العديدة غير قصة أصحاب الكهف، لكن القرآن -كما بيناً- أحياناً يسمى بالقضية الأشهر في السورة، والله جل وعلا يتعرض لقصة أصحاب الكهف في القرآن الكريم وإنما ذكرها في هذه السورة فقط،

سبب نزول السورة
1) ذكر العلماء كابن اسحاق وذكر الطبري عن ابن عباس –وإن كان في السند رجل مجهول- لكن هكذا ذكر المفسرون في كتب التفسير، واستفاض لديهم أن سبب نزول سورة الكهف، أنه لما اشتدت الأزمة بين النبي صلى الله عليه وسلم وكفار قريش، وبدأ ينتشر هذا الدين في داخل مكة بالحكمة التي استخدمها النبي صلى الله عليه وسلم في دعوته والسبل للتخلص من هذه الضغوط الرهيبة.
أرسل كفار قريش إلى اليهود –واليهود أهل كتاب في المدينة- أرسلوا إليهم اثنين من كفار قريش وقالوا لهم اسألوهم كيف نتعامل مع هذا الرجل فأنتم أهل كتاب، قالوا لهم: -لا حظوا كيف يستخدم اليهود ما عندهم من علم لمحاربة الدين- تأملوا كيف استخدم اليهود ما عندهم من علم لمحاربة الدين بدل أن يكون دعوة للدين، ولذلك سماهم الله {المغضوب عليهم} يأكلون بالكتاب وأشباههم كثير اليوم من عنده علم شرعي فيدل أهل الباطل على بعض الأدلة المتشابهة أو غيرها ليحاربوا الدين ويتأولوا الدين فهم شبهٌ باليهود، الشاهد أن كفار قريش أرسلوا لليهود ماذا نعمل؟ قالوا اسألوه عن ثلاث إن أجابكم عنها كلها فهو ليس بنبي وإن لم يجبكم عنها فليس بنبي، وإن فصّل فهو نبي!! نسأل عن ماذا؟

قال اسألوه عن فتية في غابر الدهر، واسألوه عن الروح، واسألوه عن ملك طاف الأرض، ثلاثة.
جاء كفار قريش وسألوا النبي صلى الله عليه وسلم قال سأخبركم وأنبؤكم غداً، ولم يقل إن شاء الله –كما ورد في الحديث- فلم يأتي الجواب فتأثر النبي صلى الله عليه وسلم حيث لم ينزل الوحي وجاءه بعد ثلاث وقيل بعد أسبوعين، نزلت هذه السورة وفيها أشمل مما سأل عنه كفار قريش فجاء فيها الحديث عن هؤلاء الفتية أصحاب الكهف والحديث عن ذي القرنين، مع ما جاء فيها من قصة موسى وصاحب الجنتين، أما الروح ففي سورة الإسراء، وهي قريبة ومقاربة لنزولها {ويسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي}

- وعن ابن عباس قال اجتمع عتبة بن ربيعة وشيبة بن ربيعة وأبو جهل بن هشام والنضر بن الحارث وأمية بن خلف والعاص بن وائل والاسود بن المطلب وابو البختري في نفر من قريش وكان رسول الله قد كَبُرَ عليه ما يرى من خلاف قومه إياه وإنكارهم ما جاء به من النصيحة فأحزنه حزنا شديدا فأنزل الله " فلعلك باخع نفسك ".

2) عن سلمان الفارسي قال جاءت المؤلفة القلوب إلى رسول الله عينة بن حصن والاقرع بن حابس وذوهم فقالوا يا رسول الله إنك لو جلست في صدر المجلس ونحيت عنا هؤلاء وأرواح جبابهم يعنون سلمان وأبا ذر وفقراء المسلمين وكانت عليهم جباب الصوف لم يكن عليهم غيرها جلسنا اليك وحادثناك وأخذنا عنك ؛فأنزل الله تعالى( وَاتْلُ مَا أُوحِيَ إليكَ مِن كِتَابِ رَبِّكَ لا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ وَلَنْ تَجِدَ مِن دُونِهِ مُلْتَحَدًا وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَع الذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهمْ بِالغَدَاةِ وَالعَشِي يُرِيدُونَ وَجْهَهُ _حتى بلغ _إِنَّا اعْتَدْنَا لِلظَالِمِينَ نَارًا )يتهددهم بالنار فقام النبي يلتمسهم حتى إذا أصابهم في مؤخر المسجد يذكرون الله تعالى قال :الحمد لله الذي لم يمتني حتى أمرني أن أصبر نفسي مع رجال من أمتي معكم المحيا ومعكم الممات .

3) عن ابن عباس في قوله تعالى( ولاَ تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا )قال نزلت في امية بن خلف الجمحي وذلك أنه دعا النبي إلى أمر كرهه من تحرد الفقراء عنه وتقريب صناديد أهل مكة فأنزل الله تعالى( ولاَ تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا ) يعني من ختمنا على قلبه عن التوحيد واتبع هواه يعني الشرك .

4) قال قتادة :إن اليهود سألوا نبي الله عن ذي القرنين فأنزل الله تعالى هذه الآية .

محاور ومقاصد مواضيع السورة :
سورة الكهف من السور المكية وهي إحدى سور خمس بُدِئت ب " الحمد لله " وهذه السور هي الفاتحة ، الأنعام ، الكهف ، سبأ ، فاطر " وكلها تبتدئ بتمجيد الله جل وعلا وتقديسه والاعتراف له بالعظمة والكبرياء والجلال والكمال" .
وقبل الحديث عن المقاصد الرئيسة التي تضمنتها هذه السورة، نمهد لذلك بنقطتين اثنتين:

الأولى: بدأت السورة بوصف الكتاب بأنه قيم؛ لكونه يقيم الحق، ويُبطل الباطل، {الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب ولم يجعل له عوجا * قيما لينذر بأسا شديدا من لدنه ويبشر المؤمنين الذين يعملون الصالحات أن لهم أجرا حسنا} (الكهف:1-2).

الثانية: القصص هو العنصر الغالب في هذه السورة؛ ففي أولها تجيء قصة أصحاب الكهف؛ تلك القصة التي يتجلى فيها صدق الإيمان، وقوة العقيدة، والإعراض عن كل ما ينافيها إعراضاً عمليًّا صارماً، لا تردد فيه ولا مواربة، فتية رأوا قومهم في الضلال يعمهون، وفي ظلمات الشرك يتخبطون، لا حجة لهم ولا سلطان على ما يزعمون، وأحسوا في أنفسهم غيرة على الحق، لم يستطيعوا معها أن يبقوا في هذه البيئة الضالة، فتركوا أوطانهم، واعتزلوا قومهم، وآثروا آخرتهم على دنياهم.

وبعدها قصة أصحاب الجنتين، ثم إشارة إلى قصة آدم و إبليس . وفي وسطها تجيء قصة موسى مع العبد الصالح. وفي نهايتها قصة ذي القرنين. وتلتقي هذا القصص حول فكرة أساسية للقرآن، هي إثبات أن البعث حق، وأن المؤمن يكافأ بحُسن الجزاء، وأن الكافر يلقى جزاء عنته وكفره في الدنيا والآخرة. وتضمنت هذه القصص دلالة على البعث، وضرب المثل للحياة الدنيا، والحشر، ونفخ الصور، وما يكون يوم البعث والنشور.

ونستطيع أن نجمل مقاصد هذه السورة وفق التالي:

- بدأت السورة بقوله تعالى: {الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب ولم يجعل له عوجا * قيما لينذر بأسا شديدا من لدنه ويبشر المؤمنين الذين يعملون الصالحات أن لهم أجرا حسنا * ماكثين فيه أبدا} (الكهف:1-3)، وختمت بقوله سبحانه: {قل إنما أنا بشر مثلكم يوحى إلي أنما إلهكم إله واحد فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملا صالحا ولا يشرك بعبادة ربه أحدا} (الكهف:110)، وهي تتحدث عن الدار الآخرة أيضاً، وعمن يرجو لقاء ربه، وما يجب عليه أثراً لهذا الرجاء والإيمان من عمل صالح، وتوحيد لله لا يخالطه شرك.

وهكذا يتلاقى أول السورة وآخرها: أولها يتحدث عن الآخرة بطريق التقرير لها، وبيان مهمة القرآن في إثبات ما يكون فيها من الجزاء؛ إنذاراً وتبشيراً، وآخرها يتحدث عن هذه الحقيقة التي تركزت وتقررت ويحاكم الناس إليها إنها حقيقة الإيمان بالله والمقرون بالعمل الصالح.

ويلاحظ هنا أن الآيات الأُوَل من السورة تحدثت عن أمر الذين {قالوا اتخذ الله ولدا} (الكهف:4)، من إنذارهم، وبيان كذبهم؛ وذلك هو قول الذين يشركون بالله، ويعتقدون ما ينافي وحدانيته وتنزيهه، وأن آية الختام قررت {أنما إلهكم إله واحد} وأن على من يؤمن به، ويرجو لقاء ربه ألا يشرك بعبادته أحداً، فتطابق أول السورة وآخرها في إثبات وحدانية الله، وتنزيهه سبحانه، كما تطابقا في أمر البعث والدار الآخرة.


- ما بين بدء السورة وختامها تكرر الحديث عن أمر البعث؛ فجاء في أثناء قصة أصحاب الكهف، التي ساقها سبحانه حقيقة من حقائق الوجود؛ كدليل على قدرته، قولَه سبحانه: {وكذلك أعثرنا عليهم ليعلموا أن وعد الله حق وأن الساعة لا ريب فيها} (الكهف:21)، وجاء الحديث عن البعث مرة ثانية في هذه السورة حين قررت أن الحق من الله، وأن كلُّ امرئ مخير بين الإيمان أو الكفر، قال سبحانه: {وقل الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر إنا أعتدنا للظالمين نارا أحاط بهم سرادقها وإن يستغيثوا يغاثوا بماء كالمهل يشوي الوجوه} (الكهف:29)، فهناك دار أخرى غير هذه الدار، يحاسب فيها كل امرئ بما {قدمت يداه ويقول الكافر يا ليتني كنت ترابا} (النبأ:40).

- وجاء الحديث عن البعث في سياق المثل الذي ضربه سبحانه عن صاحب الجنتين وزميله، وما كان من إنكاره قدرة الله، وشكه في الساعة ويوم الحساب، وذلك قوله: {وما أظن الساعة قائمة ولئن رددت إلى ربي لأجدن خيرا منها منقلبا} (الكهف:36).

- وجاء الحديث عن البعث في المثل الذي ضربه سبحانه للحياة الدنيا، {كماء أنزلناه من السماء فاختلط به نبات الأرض فأصبح هشيما تذروه الرياح} (الكهف:45)، وقد عقب سبحانه على هذا المثل بذكر تسيير الجبال، وبروز الأرض، وشمول الحشر، ووضع الكتاب، وإشفاق المجرمين مما هم فيه، وقولهم: {يا ويلتنا مال هذا الكتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها ووجدوا ما عملوا حاضرا ولا يظلم ربك أحدا} (الكهف:49).

- وفي سياق الحديث عن قصة آدم وإبليس، يحذر سبحانه أبناء آدم أن يتخذوا الشيطان وذريته أولياء من دونه، ثم يذكر سبحانه لهم أمراً من أمور الآخرة، حيث ينادي الشركاء فلا يجيبون، ويُستجار بهم فلا يجيرون، وتبرز الجحيم، فيراها المجرمون {ورأى المجرمون النار فظنوا أنهم مواقعوها ولم يجدوا عنها مصرفا} (الكهف:53). وفي هذا الأسلوب جَمْعٌ بين بداية الخلق ونهايته، ووَضْعٌ لقضية الخلق والبعث مقترنتين بين يدي العقل؛ ليدرك الإنسان أنه منذ أول نشأته هدف لعدو مبين، يحاول إضلاله، وثنيه عن الطريق المستقيم، وأن هذا العدو المخاتل سيكون أمره يوم الجزاء كسائر الشركاء، يزينون للناس الكفر والعصيان ما داموا في الدنيا، ثم إذا كان يوم الحساب أعلنوا براءتهم ممن اتبعوهم.

- وفي سياق الحديث عن قصة موسى والعبد الصالح، يذكر سبحانه العديد من الأدلة على تصريفه للكون على سنن، منها ما هو معروف، ومنها ما هو خفي. فإذا آمن الناس بها، لم يعد ثمة مجال للعجب من أمر الساعة، فما هي إلا تغيير يحدثه خالق الكون ومالك أمره، فإذا السنن المعروفة تَحُلُّ مكانها سنن أخرى، فمن قدر على إنشاء السنن بداية، قادر على تغييرها نهاية.

- تضمنت السورة حديثاً عن ذي القرنين، وهو عبد من عباد الله، مكَّن الله له في الأرض، وآتاه من كل شيء سبباً، وقد لجأ إليه قوم؛ ليحول بينهم وبين المفسدين، فأنجدهم وأعانهم، وجعل الله عمله في ذلك رحمة للناس، يبقى ما بقيت هذه الحياة، فإذا جاء وعد الآخرة انتهى كل شيء في هذه الحياة، وأصبحت الحياة دكًّا، وأضحى الناس مضطربين، يموج بعضهم في بعض، ثم ينفخ في الصور فيقوم الناس لرب العالمين، وتُعْرَض جهنم يومئذ للكافرين، ويلقى كل إنسان جزاء عمله، وينال مصيره. وهكذا نجد قصة ذي القرنين قد انتهت إلى تقرير أمر البعث والآخرة.

- وتأخذ السورة في خاتمتها في تهديد الكافرين، الذين اتخذوا من دون الله أولياء، وتبين ما أعد لهم {أفحسب الذين كفروا أن يتخذوا عبادي من دوني أولياء إنا أعتدنا جهنم للكافرين نزلا} (الكهف:102). وتوازن هؤلاء جميعاً بالذين آمنوا وعملوا الصالحات وما أعد لهم، {إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات كانت لهم جنات الفردوس نزلا * خالدين فيها لا يبغون عنها حولا} (الكهف:107-108)، ويأتي ختامها بعد إثبات القدرة والعظمة لله، وأن كلماته سبحانه لا تنفد، فتذكر رسالة الرسول صلى الله عليه وسلم، وأنها عن وحي من الخالق القادر الواحد، وتتوجه بعد ذلك إلى الناس كافة بصيغة من صيغ العموم، فتقول: {فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملا صالحا ولا يشرك بعبادة ربه أحدا} (الكهف:110).

نخلص مما تقدم، أن المقاصد الرئيسة التي قصدت هذه السورة إلى تثبيتها وتأكيدها، تتمثل في ثلاثة مقاصد:

أولها: أن الكتاب هو حق مبين لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه.

ثانيها: بيان وحدانية الله سبحانه، والتنديد بالذين يتخذون من دونه أولياء.

ثالثها: قضية البعث والنشور واليوم الآخر.

ويكاد يكون المقصد الأخير القضية المركزية التي أبرزتها هذه السورة؛ وذلك من خلال القصص التي قصتها علينا.


فضل السورة
جاء في فضل سورة الكهف جملة من الأحاديث نذكر منها ما يلي:

- ما رواه الشيخان عن البراء بن عازب رضي الله عنه، قال: كان رجل يقرأ سورة الكهف، وإلى جانبه حصان مربوط بشَطَنين -الشَّطَن: الحبل- فتغشته سحابة، فجعلت تدنو وتدنو، وجعل فرسه ينفر، فلما أصبح أتى النبي صلى الله عليه وسلم، فذكر ذلك له، فقال: (تلك السكينة تنـزلت بالقرآن).

- ما رواه مسلم عن أبي الدرداء رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: (من حفظ عشر آيات من أول سورة الكهف عُصِمَ من الدجال). وفي رواية أبي داود: (عُصِمَ من فتنة الدجال). وفي رواية الترمذي: (من قرأ ثلاث آيات من أول الكهف عُصِمَ من فتنة الدجال). وفي رواية النسائي في "المنتقى من عمل اليوم والليلة" (من قرأ عشر آيات من الكهف عُصم من فتنة الدجال).

- وعند مسلم من حدي النواس بن سمعان رضي الله عنه، قال: ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم الدجال، إلى أن قال: (فمن أدركه منكم فليقرأ عليه فواتح سورة الكهف). وفي رواية أبي داود: (فإنها جواركم من فتنته).

- وروى النسائي في "السنن الكبرى" عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن نبي الله صلى الله عليه وسلم، قال: (من قرأ سورة الكهف كما أنزلت، كانت له نوراً من مقامه إلى مكة، ومن قرأ بعشر آيات من آخرها، فخرج الدجال لم يسلط عليه). وفي رواية البيهقي في "السنن الصغرى": (من قرأ سورة الكهف في يوم الجمعة أضاء له من النور ما بين الجمعتين). وفي رواية الدارمي: (من قرأ سورة الكهف ليلة الجمعة أضاء له من النور فيما بينه وبين البيت العتيق).

- وفي "مسند" الإمام أحمد عن معاذ بن أنس الجهني رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: (من قرأ أول سورة الكهف وآخرها، كانت له نوراً من قدمه إلى رأسه، ومن قرأها كلها كانت له نوراً ما بين السماء إلى الأرض).

- وروى الدارمي عن محمد بن كثير عن زر بن حُبيش، قال: (من قرأ آخر سورة الكهف لساعة يريد يقوم من الليل، قامها). قال عبدة: فجربناه، فوجدناه كذلك. قال ابن كثير: وقد جربناه -أيضاً- في السرايا غير مرة، فأقوم في الساعة التي أريد.


( يتبع - سورة مريم )








مديح ال قطب 01-26-2021 02:24 PM











سورة مَرْيَم

التعريف بالسورة
مكية . ماعدا الآيتان "58 ، 71 " فمدنيتان .
من المثاني .
آياتها 98 آية .
ترتيبها التاسعة عشرة .
نزلت بعد سورة " فاطر " .
تبدأ بحروف مقطعة " كهيعص " .
ذكرت السورة اسم المرأة الوحيدة في القرآن وهي السيدة مريم .
السورة بها سجدة في الآية 58 .

سبب التسمية
اسم هذه السورة في المصاحف وكتب التفسير وأكثر كتب السنة سورة مريم؛ ذلك أنه ذُكِرَت فيها قصة مريم عليها السلام. ورويت هذه التسمية عن النبي صلى الله عليه وسلم في حديث رواه الطبراني وغيره: عن أبي بكر بن عبد الله بن أبي مريم الغساني عن أبيه عن جده أبي مريم، قال: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فقلت: يا رسول الله! إنه وُلِدت لي الليلة جارية، فقال: (والليلة أنزلت عليَّ سورة مريم، فسمِّها مريم). فكان يكنى أبا مريم، واشتهر بكنيته.

سبب نزول السورة

- عن قتادة قال جاء الغلمان إلى يحي بن زكريا فقال: مَالِلعَبِ خُلقْتُ قال فأنزل الله " وَأتَيْنَاهُ الحُكْمَ صَبيَّا " .

- عن ابن عباس قال قال رسول الله: يا جبريل ما يمنعك أن تزورنا أكثر مما تزورنا قال فنزلت (وما نتنزل إلا بأمر ربك )الآية كلها.

- وقال عكرمة والضحاك وقتادة ومقاتل والكلبي احتبس جبريل حين سأله قومه عن قصة أصحاب الكهف وذي القرنين والروح فلم يدر ما يجيبهم ورجا أن يأتيه جبريل بجواب فسألوه فأبطأ عليه فشقَّ على رسول الله مشقة شديدة فلما نزل جبريل عليه السلام قال له أبطأت عليّ حتى ساء ظني واشتقت إليك فقال : جبريلإني كنت إليك أشوق ولكني عبد مأمور إذا بعثن نزلت وإذا حبست احتبست فأنزل الله تعالى( وما نتنزل الا بامر ربك ).

محاور ومقاصد مواضيع السورة :
سورة مريم مكية وغرضها تقرير التوحيد وتنزيه الله جل وعلا عما لا يليق به وتثبيت عقيدة الإيمان بالبعث والجزاء ومحور هذه السورة يدور حول التوحيد والإيمان بوجود الله وحدانيته وبيان منهج المهتدين ومنهج الضالين .
نزلت هذه السورة للرد على اليهود -أخزاهم الله- فيما اقترفوه من القول الشنيع في حق مريم وابنها عيسى عليهما السلام، فكان فيها بيان نزاهة آل عمران، وقداستهم في الخير.
وقد اشتملت السورة على ثلاثة مقاصد أسياسية، هي: إثبات وحدانيته سبحانه. وتنـزيه سبحانه عن الولد. وإثبات البعث يوم القيامة. واشتملت -إضافة إلى هذه المقاصد الأساسية- المقاصد التالية:

- عرض قصة زكريا عليه السلام، التي بينت قدرته سبحانه؛ حيث رزقه الولد في سنٍّ ليس من المعتاد أن يولد فيها للإنسان؛ وذلك عندما يبلغ به السن مبلغاً كبيراً. وفي هذا كرامة لزكريا عليه الصلاة والسلام علاوة على ما تقدم.

- خطاب النبي يحيى عليهما السلام بأن يأخذ ما علمه سبحانه من الكتاب {بقوة} أي: بجد وحرص واجتهاد، وهو في الوقت نفسه أمر لعموم المؤمنين بأن يأخذوا أمور الدين والدنيا بجد وحرص واجتهاد.

- عرض قصة مريم وعيسى عليهما السلام، فأكدت قدرته سبحانه على الخلق من غير سبب، حيث خلق عيسى عليه السلام من غير أب، وأقدره على الكلام، وهو لا يزال في المهد. وأثبتت طهارة مريم وعفافها، وفي هذا كرامة لمريم عليها السلام بخارق العادة في حملها وقداسة ولدها. وجاء التعقيب على هذه القصة بالفصل في قضية عيسى عليه السلام التي كثر فيها الجدل، واختلفت فيها أحزاب اليهود والنصارى.

- عرضت السورة قصة إبراهيم عليه السلام مع أبيه وقومه، واعتزاله لملة الشرك، والمنِّ عليه بالذرية الصالحة.

- التنويه بجمع من الأنبياء والمرسلين ومن اهتدى بهديهم. وتوجيه اللوم لبعض خَلَفِهم ، الذين لم يكونوا على سَنَنهم في الخير من أهل الكتاب والمشركين، وأتوا بفاحش من القول؛ إذ نسبوا لله ولداً، وأنكر المشركون منهم البعث، وأثبت النصارى ولداً لله تعالى.

- بيان ربوبيته سبحانه لكل ما في السماوات والأرض، والأمر بعبادته وحده سبحانه بلا شريك، مع الأمر بالصبر على طاعته عز وجل، {رب السماوات والأرض وما بينهما فاعبده واصطبر لعبادته} (مريم:65).

- حكاية إنكار المشركين البعث، وتبجحهم على المسلمين بمقامهم، {ويقول الإنسان أئذا ما مت لسوف أخرج حيا} (مريم:66).

فضائل السورة
جاء في فضائل هذه السورة ما رواه الإمام أحمد من حديث أم سلمة رضي الله عنها في قصة هجرتهم إلى الحبشة و النجاشي، وفيه: أنه دعا أساقفته، فنشروا مصاحفهم حوله، وقالوا لجعفر بن أبي طالب رضي الله عنه: هل معك مما جاء به -يعني النبي صلى الله عليه وسلم من شيء؟ قال جعفر: نعم، فقال له النجاشي: فاقرأه عليَّ، فقرأ عليه صدراً من {كهيعص}، قالت: فبكى -والله- النجاشي، حتى أخضلت لحيته، وبكت أساقفته، حتى أخضلوا مصاحفهم، حين سمعوا ما تلا عليهم. ثم قال النجاشي: والله إن هذا والذي جاء به موسى عليه السلام ليخرج من مشكاة واحدة.

وروى ابن المبارك بسنده، قال: لما نزلت هذه الآية: {وإن منكم إلا واردها} (مريم:71)، ذهب ابن رواحة إلى بيته، فبكى، فجاءت امرأته فبكت، وجاءت الخادمة فبكت، وجاء أهل البيت، فجعلوا يبكون، فلما انقضت عَبْرته قال: يا أهلاه! ما يبكيكم؟ قالوا: لا ندري، ولكنا رأيناك بكيت، فبكينا، قال: آية نزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم، ينبئني فيها ربي أني وارد النار، ولم ينبئني أني أصدر عنها.

( يتبع – سورة طه )






مديح ال قطب 01-26-2021 02:24 PM












سورة طَه

التعريف بالسورة
مكية .. ماعدا الآيتان " 130 ، 131 " فمدنيتان
من المثاني
عدد آياتها .135 .
ترتيبها العشرون .
نزلت بعد سورة " مريم
اسم السورة طه وهو أحد أسماء الرسول ".
السورة بدأت بالحروف المقطعة " طه " .
تسميتها

اسم هذه السورة {طه}، وقد قيل في المراد من هذه التسمية أقوال كثيرة؛ تُعْرَف في كتب التفسير. وتسمى أيضاً سورة موسى عليه السلام؛ لأنها تضمنت حديثاً مستفيضاً عن موسى عليه السلام وقومه.

سبب نزول السورة


1) قال مقاتل قال أبو جهل والنضر بن الحرث للنبي إنك لتشقى بترك ديننا ؛ وذلك لما رأياه من طول عبادته واجتهاده فأنزل الله تعالى هذه الآية .

2) عن الضحاك قال لما نزل القرآن على النبي قام هو وأصحابه فصلوا فقال كفار قريش :ما أُنزِلَ الله تعالى هذا القرآن على محمد إلا ليشقى به فأنزل الله تعالى (طَه يقول يا رجل مَا أَنْزَلْنَا عَلَيكَ القُرْآنَ لِتَشْقَى) .

3) عن الحسن قال : لطم رجل امرأته فجاءت إلى النبي بينهما القصاص فأنزل الله " ولاَ تَعْجَلْ بِالقُرْآن مِن قَبل أنْ يٌقْضَي إليكَ وَحْيُه وقل ربي زدني علما " فوقف النبي حتى نزلت " الرجال قوامون على النساء " .

محاور ومقاصد مواضيع السورة :

سورة طه مكية وهي تبحث عن نفس الأهداف للسور المكية وغرضها تركيز أصول الدين التوحيد والنبوة والبعث والنشور .

افتتحت السورة بملاطفة النبي صلى الله عليه وسلم بأن الله لم يُرِد من إرساله وإنزال القرآن عليه أن يشقى بذلك، أي تصيبه المشقة، ويُضنيه التعب، ولكن أراد أن يُذِّكر بالقرآن من يخاف وعيده. وفي هذا تنويه أيضاً بشأن المؤمنين الذين آمنوا بأنهم كانوا من أهل الخشية، ولولا ذلك لما ادكروا بالقرآن.

وفي هذه الفاتحة تمهيد لما يَرِد من أمر الرسول عليه الصلاة والسلام بالاضطلاع بأمر التبليغ، وبكونه من أولي العزم من الرسل، مثل موسى عليه السلام، وأن لا يكون مفرطاً في العزم، كما كان آدم عليه السلام قبل نزوله إلى الأرض.

فرسالته صلى الله عليه وسلم ليست شِقوة كُتبت عليه، وليست عناء يُعَذَّب به، إنما هي الدعوة والتذكرة، وهي التبشير والإنذار. وأَمْرُ الخلق بعد ذلك إلى الله الواحد الذي لا إله غيره، المهيمن على ظاهر الكون وباطنه، الخبير بظواهر القلوب وخوافيها، الذي تخضع له الجباه، ويرجع إليه الناس طائعهم وعاصيهم، فلا على الرسول ممن يكذب ويكفر، ولا يشقى؛ لأنهم يكذبون ويكفرون.

وجاءت خاتمة السورة كأبلغ خواتم الكلام؛ لإيذانها بانتهاء المحاجة، وطيِّ بساط المقارعة؛ فانتظمت بما يشبه رد العجز على الصدر؛ فكانت فاتحة السورة قوله سبحانه: {ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى * إلا تذكرة لمن يخشى} (طه:2)؛ وخُتمت بما يدل على أنه صلى الله عليه وسلم قد بلَّغ كلَّ ما بعث به من الإرشاد والاستدلال، فإذا لم يهتدوا بهديه، ولم يأتمروا بأمره، فإن في أدائه لرسالة ربه، وتذكيره بإنعامه وفضله ما يثلج صدره.

و تعرض السورة بين مطلعها وختامها قصة نبي الله موسى عليه السلام من بداية الرسالة إلى وقت اتخاذ بني إسرائيل للعجل بعد خروجهم من مصر، مفصلة مطولة؛ وبخاصة موقف المناجاة بين الله وكليمه موسى، وموقف الجدل بين موسى وفرعون. وموقف المباراة بين موسى والسحرة. وتتجلى في أثناء هذه القصة رعاية الله لموسى الذي صنعه على عينه، واصطفاه لنفسه، وقال له ولأخيه: {لا تخافا إنني معكما أسمع وأرى} (طه:46).

وعرضت السورة قصة آدم سريعة قصيرة، برزت فيها رحمة الله لآدم بعد خطيئته، وهدايته له. وترك البشر من أبنائه لما يختارون من هدى أو ضلال بعد التذكير والإنذار.

وتحيط بالقصة مشاهد القيامة، وكأنما هي تكملة لما كان أول الأمر في الملأ الأعلى من قصة آدم، حيث يعود الطائعون إلى الجنة، ويذهب العصاة إلى النار؛ تصديقاً لما قيل لأبيهم آدم ، وهو يهبط إلى الأرض بعد ما كان!


وفي العموم، فإن سياق السورة يمضي وينتظم في شوطين اثنين:

الأول: يتضمن مطلع السورة بالخطاب إلى الرسول صلى الله عليه وسلم {ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى * إلا تذكرة لمن يخشى}، تتبعه قصة موسى نموذجاً كاملاً لرعاية الله سبحانه لمن يختارهم من أنبيائه ورسله وأصفيائه لإبلاغ دعوته، فلا يشقون بها، وهم في رعايته وعنايته.

الثاني: يتضمن مشاهد القيامة وقصة آدم، وهما يسيران في اتجاه مطلع السورة وقصة موسى، ثم ختام السورة بما يشبه مطلعها ويتناسق معه ومع جو السورة.

وأكدت السورة في خاتمتها أن الوظيفة الرئيسة للرسل إنما هي الإبلاغ والتذكير لمن تنفعه التذكرة، وليس بعد الإبلاغ إلا انتظار العاقبة، والعاقبة للمتقين.

وقد كانت قصة موسى ونهاية فرعون في خلال هذه السورة تحقيقاً لهذا المعنى، وتأكيداً لفوز المؤمنين ومصرع الكاذبين، وبذلك يتناسق المطلع والختام، وتكون السورة أشبه بموضوع له مقدمة، ثم قصة تؤيد المقدمة، ثم خاتمة تؤكد الموضوع.

ويظهر من خلال قراءة هذه السورة أن ثمة وحدة فكرية بين أجزائها، خلاصتها: شمول فضل الله ورحمته وعطفه لعباده المؤمنين، وإيقاع نقمته على الكافرين، وعذابه للمكذبين.

فضائل السورة

جاء في فضل سورة طه بعض الأحاديث والآثار، نذكر منها:

1) ما رواه أبو أمامة رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (اسم الله الأعظم، الذي إذا دُعي به أجاب، في سور ثلاث: في البقرة، وآل عمران، وطه). قال القاسم: فالتمستها، فإذا هو قوله سبحانه: {وعنت الوجوه للحي القيوم} (طه:111)، رواه ابن ماجه والطبراني في "المعجم الأوسط".

2) وروى أبو يعلى عن معقل بن يسار رضي الله عنه، قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (اعملوا بالقرآن، أحلوا حلاله، وحرموا حرامه، واقتدوا به، ولا تكفروا بشيء منه، ما تشابه عليكم منه فردوه إلى الله، وإلى أولى العلم من بعدي كما يخبروكم، وآمنوا بالتوراة، والإنجيل، والزبور، وما أوتي النبيون من ربهم، وليسعكم القرآن، وما فيه من البيان، فإنه شافع مُشَفَّع، وماحِلٌ مُصَدَّق -معناه: خصم مجادل مُصَدَّق-، وإني أعطيت سورة البقرة من الذكر الأولى، وأعطيت طه، والطواسين، والحواميم، من ألواح موسى، وأعطيت فاتحة الكتاب، وخواتيم سورة البقرة من تحت العرش، وأعطيت المفصل نافلة)، ذكره ابن حجر في "المطالب العالية".

3) وعن عبد الله بن سلام رضي الله عنه قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا نزل بأهله الضيف، أمرهم بالصلاة، ثم قرأ: {وأمر أهلك بالصلاة واصطبر عليها} (طه:132)، رواه الطبراني في "المعجم الأوسط" بسند قال عنه الهيثمي: رجاله ثقات.

4) ومن أعظم فضائلها: أن قراءة أولها كان سبباً لإسلام عمر بن الخطاب رضي الله عنه، الذي كان إسلامه فتحاً أيَّد الله به هذا الدين، ففرق به بين الحق والباطل، فعزَّ به المسلمون، فرغب في الإسلام بسبب ذلك من وفقه الله له، وذلك هو عين مقصودها.

5) عن ابن عباس أن رسول الله قال : " أُُعطيتُ السورة التي ذكرت فيها الأنعام من الذكر الأول وأُعطيت طه والطواسين من ألواح موسى وأعطيت فواتح القرآن وخواتيم البقرة من تحت العرش وأعطيت المفصل نافلة ".

6) عن أبي إمامة أن النبي قال " كل قرآن يُوضَع على أهل الجنة فلا يقرؤون منه شيئا إلا طه ويس فإنهم يقرؤون بهما في الجنة" .


( يتبع - سورة الأنبياء )







مديح ال قطب 01-26-2021 02:25 PM












سورة الأنبياء

التعريف بالسورة

مكية .
من المئين .
عدد آياتها .112 .
ترتيبها الحادية والعشرون .
نزلت بعد سورة " ابراهيم " .
بدأت السورة بفعل ماضي " اقترب " .

سبب التسمية

سميت ‏‏" ‏سورة ‏الأنبياء ‏‏" ‏لأن ‏الله ‏تعالى ‏ذكر ‏فيها ‏جملة ‏من ‏الأنبياء ‏الكرام ‏في ‏استعراض ‏سريع ‏يطول ‏أحيانا ‏ويَقْصُر ‏أحيانا ‏وذكر ‏جهادهم ‏وصبرهم ‏وتضحيتهم ‏في ‏سبيل ‏الله ‏وتفانيهم ‏في ‏تبليغ ‏الدعوة ‏لإسعاد ‏البشرية‎ .‎‏

سبب نزول السورة

عن ابن عباس قال :آية لا يسألني الناس عنها لا أدري أعرفوها فلم يسألوا عنها أو جهلوها فلا يسألون عنها قال: وما هي ؟ قال: لما نزلت (إِنَّكُم وَمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ حَصَب جَهَنَّمَ أَنْتُم لَهَا وَارِدُون )شَقّ على قريش فقالوا أيشتم آلهتنا ؟ فجاء ابن الزبعري فقال :ما لكم قالوا يشتم آلهتنا قال :فما قال قالوا قال إِنَّكُم وَمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ حَصَب جَهَنَّمَ أَنْتُم لَهَا وَارِدُون ) قال :ادعوه لي فلما دعي النبي قال : يا محمد هذا شئ لالهتنا خاصة أو لكل من عُبِدَ من دون الله ؟ قال :بل لكل من عُبِدَ من دون الله . فقال ابن الزبعري : خصمت ورب هذه البنية يعني الكعبة ألست تزعم أن الملائكة عباد صالحون وأن عيسى عبد صالح وهذه بنو مليح يعبدون الملائكة وهذه النصارى يعبدون عيسى وهذه اليهود يعبدون عزيرا قال فصاح ؛ أهل مكة فأنزل الله : (إِنَّ الذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الحُسْنَى الملائكة وعيسى وعزير عليهم السلام اولَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ) .
محاور مواضيع السورة :
هذه السورة مكية وهي تعالج موضوع العقيدة الاسلامية في ميادينها الكبيرة : الرسالة ،الوحدانية ،البعث والجزاء وتتحدث عن الساعة وشدائدها والقيامة وأهوالها وعن قصص الأنبياء والمرسلين .
محور السورة وموضوعها الأساسي: عرض لدور الأنبياء عليهم السلام في تذكرة البشرية الغافلة عن الحق وإيقاظ القلوب اللاهية إلى جانب عبوديتهم عليهم السلام الخالصة لله فعليك أيها المؤمن الاقتداء بهم عليهم السلام في الدورين (عبودية خالصة لله + دعوة للغافلين) حتى تكون من عباد الله الصالحين الذين يرثون الخير في الدنيا والآخرة.
* يتم ذلك من خلال :
•عرض للحقائق الكبرى عن التوحيد والبعث والرسالة والتي جاء بها الأنبياء عليهم السلام.
•وبيان أنهم عليهم السلام القدوة في جانبي العبودية والدعوة.
•وبيان انقسام الناس دائمًا إلى:
(1) مؤمنين أتقياء.

(2) وكافرين فجار.
(3) وغافلين وهم الهدف العريض للدعوة.

* فقرات السورة:
1- بالرغم من وضوح الحق سواءً في دعوة الأنبياء عليهم السلام أو في نواميس الوجود الظاهرة المحيطة بالخلق وبالرغم من الخطر القريب ومصارع الغابرين الغافلين فإن الكثير من الناس يقابلون الحق بالكفر والاستهزاء فليس على الأنبياء عليهم السلام والدعاة من بعدهم إلا البلاغ والله سبحانه وتعالى عليه الحساب وفق سنته الشاملة المحيطة: [آية (1)- آية (47)].

2- استعراض أمة الأنبياء عليهم السلام حيث تتجلى في قصصهم عليهم السلام وحدة الرسالة التي تعبر عن حقائق الوجود بنفس الألفاظ التي تجلى قمة العبودية لله واللجوء إليه وكذلك نفس منهج الدعوة من كل نبي عليه السلام لقومه وكذلك تتجلى رحمة الله بأنبيائه عليهم السلام وعباده الصالحين الصابرين على الابتلاء حين يلجأون إليه سبحانه وتعالى فيستجيب لهم بالخير في الدنيا والآخرة في مقابلة المصير الرهيب لأعدائهم المكذبين: [آية (48)- آية (92)].
3- عرض للنهاية والمصير في مشهد من مشاهد القيامة يقرر تفرد الله سبحانه وتعالى بالربوبية والألوهية ورحمته سبحانه وتعالى للعالمين بإرساله النبي - القدوة الكاملة والرحمة المهداة – ثم أمره للنبي أن يبلغ الحق وأن ينفض يده من المكذبين ويدعهم لمصيرهم المحتوم: [آية ت(93) – آية (112)].

فضل السورة

عن عامر بن ربيعة أنه نزل به رجل من العرب وأكرم عامر مثواه وكلَّم فيه رسول الله فجاء الرجل فقال إني استقطعت رسول الله واديا ما في العرب أفضل منه وقد أردت أن أقطع لك منه قطعة تكون لك ولعقبك فقال عامر لا حاجة لي في قطيعتك نزلت اليوم سورة أذهلتنا عن الدنيا " اقْتَرَبَ للنَّاسِ حِسَابُهُم وَهُم في غَفلةٍ مُعْرِضُونَ
( يتبع - سورة الحج )





مديح ال قطب 01-26-2021 02:26 PM











سورة الحَجّ

التعريف بالسورة

مدنية ماعدا الآيات " 52،53،54،55 " فقد نزلت بين مكة والمدينة .
من المثاني .
عدد آياتها .78 .
ترتيبها الثانية والعشرون .
نزلت بعد سورة " النور ".
بدأت السورة باسلوب النداء " يا أيها الناس " .
السورة بها سجدتان في الآية 18 ، 77 .

سبب تسميتها
سميت هذه السورة سورة الحج في زمن النبي صلى الله عليه وسلم، وليس لها اسم غير هذا.
ووجه تسميتها سورة (الحج) أن الله ذكر فيها كيف أمر إبراهيم عليه السلام بالدعوة إلى حج البيت الحرام، وذكر ما شرع للناس يومئذ من النسك؛ تنويهاً بالحج، وما فيه من فضائل ومنافع، وتقريعاً للذين يصدون المؤمنين عن المسجد الحرام، وإن كان نزولها قبل أن يُفْرضَ الحج على المسلمين بالاتفاق، وإنما فُرِض الحج بالآيات التي في سورة البقرة وفي سورة آل عمران.

سبب نزول السورة

1) عن أبي مالك في قوله " وَمِنَ النَّاسِ مَن يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغيرِ عِلمٍ " قال : نزلت في النضر بن الحارث .

2) قال المفسرون : نزلت في أعراب كانوا يقدمون على رسول الله المدينة مهاجرين من باديتهم وكان أحدهم إذا قَدِمَ المدينة فإن صَحَّ بها ونتجت فرسه مهرا حسنا ولدت امرأته غلاما وكثر ماله وماشيته آمن به واطمأن وقال ما أصبتُ منذ دخلت في ديني هذا إلا خيرا وإن أصابه وجع المدينة ولدت امرأته جارية وأجهضت رماكه وذهب ماله وتأخرت عنه الصدقة أتاه الشيطان فقال والله ما أصبتَ منذ كنتَ على دينك هذا الا شرا فينقلب عن دينه فأنزل الله تعالى ( وَمِنَ النَّاسِ مَن يَعبدُ اللهَ عَلى حَرفٍ )الآية وروى عطية عن أبي سعيد الخدري قال :أسلم رجل من اليهود فذهب بصره وماله ولده وتشاءم بالاسلام فأتى النبي قال إن الاسلام لا يقال فقال إني لم أصب في ديني هذا خيرا ذهب بصري ومالي ولدي فقال: يا يهودى إن الاسلام يَسبُك الرجالَ كما تَسبُك النارُ خبثَ الحديدِ والفضة والذهب قال ونزلت ومن الناس من يعبد الله على حرف .

محاور مواضيع السورة :

سورة الحج مدنية وهي تتناول جوانب التشريع شأنها شأن سائر السور المدنية التي تعني بأمور التشريع ومع أن السورة مدنية إلا أنه يغلب عليها جو السور المكية فموضوع الإيمان والتوحيد والإنذار والتخويف وموضوع البعث والجزاء ومشاهد القيامة وأهوالها هو البارز في السورة الكريمة حتى ليكاد يخيل للقارئ أنها من السور المكية هذا إلى جانب الموضوعات التشريعية من الإذن بالقتال وأحكام الحج والهدى والأمر بالجهاد في سبيل الله وغير ذلك من المواضيع التي هي من خصائص السور المدنية حتى لقد عدَّها بعض العلماء من السور المشتركة بين المدني والمكي .

سورة الحج هي السورة الثانية والعشرون في القرآن الكريم بحسب ترتيب المصحف العثماني، وقد عُدَّت السورة الخامسة والمائة في عداد نزول سور القرآن في رواية جابر بن زيد، عن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: نزلت بعد سورة النور، وقبل سورة المنافقين. وآياتها ثمان وسبعون آية. وآياتها منها ما نزل بمكة المكرمة، ومنها ما نزل بالمدينة المشرفة، فهي من السور المختلطة. قال جمهور أهل العلم: هذه السورة بعضها مكي، وبعضها مدني، وهي مختلطة، أي: لا يُعْرَف المكي بعينه، والمدني بعينه. قال ابن عطية: وهو الأصح.

وقد وضَّح ابن عاشور المراد بقولهم: إنها (مختلطة)، حيث قال: "ليس هذا القول مثل ما يكثر أن يقولوه في بضع آيات من عدة سور: إنها نزلت في غير البلد الذي نزل فيه أكثر السورة المستثنى منها، بل أرادوا أن كثيراً منها مكي، وأن مثله أو يقاربه مدني، وأنه لا يتعين ما هو مكي منها، وما هو مدني؛ ولذلك عبروا بقولهم: هي مختلطة". وقد روي عن أنس بن مالك رضي الله عنه أنه قال: (نزل أول السورة في السفر، فنادى رسول الله بها، فاجتمع إليه الناس).

وقال ابن عاشور في هذا الصدد أيضاً: "ويشبه أن يكون أولها نزل بمكة؛ فإن افتتاحها بـ {يا أيها الناس} (الحج:1) جارٍ على سَنَن فواتح السور المكية. وفي أساليب نظم كثير من آياتها ما يلائم أسلوب القرآن النازل بمكة. ومع هذا فليس الافتتاح بـ {يا أيها الناس} بمعين أن تكون مكية، وإنما قال ابن عباس: {يا أيها الناس} يراد به المشركون.

وأحسب أنه لم تتعين طائفة منها متوالية نزلت بمكة، ونزل ما بعدها بالمدينة، بل نزلت آياتها متفرقة. ولعل ترتيبها كان بتوقيف من النبي صلى الله عليه وسلم، ومثل ذلك كثير؛ لذلك فأنا أحسب هذه السورة نازلاً بعضها آخر مدة مقام النبي صلى الله عليه وسلم بمكة، كما يقتضيه افتتاحها بـ {يا أيها الناس}، فقد تقرر أن ذلك الغالب في أساليب القرآن المكي، وأن بقيتها نزلت في مدة مقام النبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة".

وقال هبة الله بن سلامة: هي من أعاجيب سور القرآن؛ لأن فيها مكيًّا ومدنيًّا، وحضريًّا وسفريًّا، وحربيًّا وسِلْمِيًّا، وليليًّا ونهاريًّا، وناسخاً ومنسوخاً.


تضمنت سورة الحج جملة من المقاصد، نسوقها على النحو التالي:

- خطاب الناس بأمرهم أن يتقوا الله، ويخشوا يوم الجزاء وأهواله، فهو يوم عظيم تشيب لهوله الوِلْدان، وتضع كل ذات حَمْلٍ حملها؛ خوفاً ورعباً.

- الاستدلال على نفي الشرك، وخطاب المشركين بأن يقلعوا عن المكابرة في الاعتراف بانفراد الله تعالى بالإلوهية، وعن المجادلة في ذلك اتباعاً لوساوس الشياطين، وأن الشياطين لا تغني عنهم شيئاً، ولا ينصرونهم في الدنيا وفي الآخرة.

- تفظيع جدال المشركين في الوحدانية بأنهم لا يستندون إلى علم، وأنهم يعرضون عن الحُجة؛ ليضلوا الناس.

- أن المشركين يرتابون في البعث، وهو ثابت لا ريب فيه، وكيف يرتابون فيه بعلة استحالة الإحياء بعد الإماتة، ولا ينظرون أن الله أوجد الإنسان من تراب، ثم من نطفة، ثم طوره أطواراً.

- أن الله ينـزل الماء على الأرض الميتة، فتحيا، وتُخرج من أصناف النبات، فالله هو القادر على كل ذلك، فهو يحيي الموتى، وهو على كل شيء قدير، فعال لما يريد.

- أن مجادلة المشركين بإنكار البعث صادرة عن جهالة وتكبر عن الامتثال لقول الرسول عليه الصلاة والسلام.

- وصف المشركين بأنهم في تردد من أمرهم في اتباع دين الإسلام.

- التعريض بالمشركين بتكبرهم عن سنة إبراهيم عليه السلام، الذي ينتمون إليه، ويحسبون أنهم حماة دينه، وأمناء بيته، وهم يخالفونه في أصل الدين.

- تذكير المشركين بما منَّ الله عليهم في مشروعية الحج من المنافع فكفروا نعمته.

- تشبيه المشركين في تلقي دعوة الإسلام بالأمم البائدة، الذين تلقوا دعوة الرسل بالإعراض والكفر، فحل بهم العذاب.

- أنه يوشك أن يحل بهؤلاء مثله، فلا يغرهم تأخير العذاب؛ فإنه إملاء من الله لهم، كما أملى للأمم من قبلهم، وفي ذلك تطمين للرسول عليه الصلاة والسلام والذين آمنوا، وبشارة لهم بعاقبة النصر على الذين فتنوهم وأخرجوهم من ديارهم بغير حق.


- أن اختلاف الأمم بين أهل هدى وأهل ضلال أمرٌافترق الناس به إلى ملل كثيرة.

- أن يوم القيامة هو يوم الفصل بينهم؛ لمشاهدة جزاء أهل الهدى، وجزاء أهل الضلال.

- أن المهتدين والضالين خصمان اختصموا في أمر الله، فكان لكل فريق جزاؤه.

- سلَّى الله رسوله عليه الصلاة والسلام والمؤمنين بأن الشيطان يفسد في قلوب أهل الضلالة آثار دعوة الرسل، ولكن الله يُحْكِمُ دينه، ويبطل ما يلقي الشيطان؛ فلذلك ترى الكافرين يُعرضون عن هدى الله، وينكرون آيات القرآن.

- التنويه بالقرآن والمتلقين له بخشية وصبر، ووصف الكفار بكراهيتهم القرآن وبغض المرسَل به، والثناء على المؤمنين وأن الله يسر لهم اتباع الحنيفية، وسماهم المسلمين.

- الإذن للمسلمين بقتال المشركين الذين يقاتلونهم، وضمان النصر والتمكين في الأرض لهم.

- خُتمت السورة بتذكير الناس بنعم الله عليهم، وأن الله اصطفى خلقاً من الملائكة، ومن الناس، فأقبل على المؤمنين بالإرشاد إلى ما يقربهم إلى الله زلفى، وأن الله هو مولاهم وناصرهم.

فضل السورة

- أخرج أبو داود، والترمذي عن عقبة بن عامر رضي الله عنه، قال: (قلت: يا رسول الله! أفُضِّلَتْ سورة الحج على سائر القرآن بسجدتين؟)، قال: (نعم). وفي رواية أخرى لهما، قال: (قلت: يا رسول الله! أفي الحج سجدتان؟)، قال: (نعم، ومن لم يسجدهما، فلا يقرأهما).

- وروى عبد بن حميد في "مسنده"، والبزار -قال الهيثمي: ورجاله رجال الصحيح، غير هلال بن خبَّاب وهو ثقة- عن أنس بن مالك رضي الله عنه، قال: نزلت: {يا أيها الناس اتقوا ربكم إن زلزلة الساعة شيء عظيم} على النبي صلى الله عليه وسلم وهو في مسير له، فرفع بها صوته، حتى دأب إليه أصحابه، فقال: (أتدرون أي يوم هذا؟) قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: (ذلك يوم يقول الله عز وجل لآدم عليه السلام: يا آدم، قم فابعث بعث النار من كل ألف تسعمائة وتسعة وتسعين إلى النار، وواحد في الجنة)، فكبُرَ ذلك على المسلمين، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إني لأرجو أن تكونوا شطر أهل الجنة)، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (سددوا، وقاربوا، وأبشروا، فوالذي نفسي بيده، ما أنتم في الناس إلا كالشامة في جنب البعير، أو كالرقمة في ذراع الدابة، وإن معكم لخليقتين، ما كانا مع شيء قط إلا كثرتاه: يأجوج ومأجوج، ومن هلك من كفرة الإنس والجن).

- ولأبي داود، وابن ماجه -قال النووي في "شرح المهذب": بإسناد حسن- عن عمرو بن العاصي رضي الله عنه، قال: (أقرأني رسول الله صلى الله عليه وسلم خمس عشر سجدة في القرآن، منها ثلاثة في المفصل، وفي سورة الحج سجدتان).

- وروى عبد الرزاق في "المصنف"، عن معمر، عن أيوب، عن نافع، أن عمر وابن عمر رضي الله عنهما، كانا يسجدان في الحج سجدتين. قال: وقال ابن عمر رضي الله عنهما: فُضِّلت بسجدتين.

- ولأبي عبيد عن الزهري، قال: أول آية نزلت في القتال: {أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا وإن الله على نصرهم لقدير} (الحج:39)، ثم ذكر القتال في آيٍ كثيرة. ومثل هذا لا يقال من قِبَل الرأي.


( يتبع - سورة المؤمنون )






مديح ال قطب 01-26-2021 02:26 PM











سورة المُؤْمِنُونَ

التعريف بالسورة

مكية .
من المئين .
عدد آياتها ." 118 .
ترتيبها الثالثة والعشرون .
نزلت بعد سورة " الأنبياء " .
بدأت باسلوب توكيد " قد أفلح المؤمنون " .

تسميتها
يقال: سورة المؤمنين، ويقال: سورة المؤمنون؛ فالأول على اعتبار إضافة السورة إلى المؤمنين؛ لافتتاحها بالإخبار عنهم بأنهم أفلحوا. ووردت تسميتها بمثل هذا فيما رواه مسلم عن عبد الله بن السائب، قال: (حضرت رسول الله يوم الفتح، فصلى في قَبَل الكعبة، فخلع نعليه، فوضعهما عن يساره، فافتتح سورة المؤمنين...) الحديث.
والثاني على حكاية لفظ (المؤمنون) الواقع أولها في قوله تعالى: {قد أفلح المؤمنون} (المؤمنون:1)، فجعل ذلك اللفظ تعريفاً للسورة. ومما جرى على الألسنة أن يسموها سورة (قد أفلح) ويسمونها أيضاً سورة الفلاح.

سبب نزول السورة

1)عن عبد الرحمن بن عبد القارئ قال سمعت عمر بن الخطاب عنه يقول كان إذا أُنزِلَ الوحي على رسول الله يسمع عند وجهه دوي كدوي النحل فمكثنا ساعة فاستقبل القبلة ورفع يديه فقال : اللهم زدنا ولا تنقصنا وأكرمنا ولا تُهِنَّا وأعطنا ولا تحرمنا وآثرنا ولا تؤثر علينا وارض عنا ثم قال لقد أُنْزِلَتْ علينا عشر آيات من أقامهن دخل الجنة ثم قرأ (قد أفلح المؤمنون) إلى عشر آيات

2) عن ابي هريرة أن رسول الله كان إذا صلى رفع بصره إلى السماء فنزل (الذين هم في صلاتهم خاشعون ) .

3) عن أنس بن مالك قال قال عمر بن الخطاب وافقت ربي في أربع قلت يا رسول الله لو صلينا خلف المقام فأنزل الله تعالى (واتخذوا من مقام ابراهيم مصلى )وقلت يا رسول الله لو اتخذت على نسائك حجابا فانه يدخل عليك البر والفاجر فأنزل الله تعالى (وإذا سألتموهن فاسألوهن من وراء حجاب) وقلت لازواج النبي لتنتهن أو ليبدلنه الله سبحانه أزواجا خيرا منكن فانزل الله (عسى ربه إن طلقكن أن يبدله أزواجا خير منكن ) الآية ونزلت (ولقد خلقنا الإنسان من سلالة من طين إلى قوله تعالى ثم أنشأناه خلقا أخر فقلت فتبارك الله أحسن الخالقين ) .


محاور ومقاصد السورة :

سورة المؤمنين تدور حول محور تحقيق الوحدانية، وإبطال الشرك، ونقض قواعده، والتنويه بالإيمان وشرائعه، ويمكن تلخيص مقاصدها وأهدافها في التالي:

أولاً: تقرير الفلاح للمؤمنين، وبيان الصفات التي حازوا بها الفلاح، وتقرير أن هذا الفلاح خاص بهم دون غيرهم؛ لما تحلوا به من أصول الفضائل الروحية والعملية، التي بها تزكية النفس واستقامة السلوك.

ثانياً: بيان دلائل الإيمان في الأنفس والآفاق؛ وذلك من خلال عرض أطوار الحياة الإنسانية منذ نشأتها الأولى إلى نهايتها في الحياة الدنيا؛ والغرض من كل ذلك الدلالة على تفرد الله تعالى بالألوهية؛ لتفرده بخلق الإنسان ونشأته؛ وذلك بقصد اعتبار الإنسان في كيفية بدء خلقه، ثم موته وانتهاء حياته، ودلالة ذلك الخلق على إثبات البعث بعد الممات، وأن الله لم يخلق الخلق سدى ولعباً.

ثالثاً: بيان حقيقة الإيمان وأنه إفراد العبودية لله وحده دون سواه، وهي الحقيقة التي تَوَافَق عليها الرسل دون استثناء: {اعبدوا الله ما لكم من إله غيره} (المؤمنون:23). ثم بيان تفرق الناس بعد الرسل، وتنازعهم حول تلك الحقيقة الواحدة: {فتقطعوا أمرهم بينهم زبرا كل حزب بما لديهم فرحون} (المؤمنون:53).

رابعاً: بيان غفلة كثير من الخلق عن ابتلاء الله لهم بالنعمة، واغترارهم بما هم فيه من متاع، بينما المؤمنون مشفقون من خشية ربهم، يعبدونه ولا يشركون به، وهم مع ذلك دائمو الخوف والحذر: {والذين يؤتون ما آتوا وقلوبهم وجلة أنهم إلى ربهم راجعون} (المؤمنون:60).

خامساً: لفت نظر الإنسان إلى الاعتبار بخلق السماوات ودلالته على حكمة الله تعالى، وإلى الاعتبار والامتنان بمصنوعات الله تعالى التي أصلها الماء الذي به حياة ما في هذا العالم من الحيوان والنبات، وما في ذلك من دقائق الصنع، وما في الأنعام من المنافع، ومن تسخير المنافع للناس وما أوتيه الإنسان من آلات الفكر والنظر.


سادساً: التذكير بدعوة الرسل للهدى والإرشاد إلى التوحيد والعمل الصالح، وما تلقاها أقوامهم من الإعراض والطعن والتفرق، وما كان من عقاب المكذبين، بغرض وعظ المعرضين عن دعوة محمد صلى الله عليه وسلم.

سابعاً: الدعوة إلى أكل الطيب الحلال، ونبذ الخبيث الحرام، والإكثار من العمل الصالح {كلوا من الطيبات واعملوا صالحا} (المؤمنون:51).

ثامناً: استنكار القرآن لموقف المشركين العجيب من رسولهم الأمين، وهم يعرفونه ولا ينكرونه، وقد جاءهم بالحق لا يسألهم عليه أجراً، فماذا ينكرون منه ومن الحق الذي جاءهم به؟ وهم يسلمون بملكية الله لمن في السماوات والأرض، وربوبيته للسماوات والأرض، وسيطرته على كل شيء في السماوات والأرض. وبعد هذا التسليم هم ينكرون البعث، ويزعمون لله ولداً سبحانه! ويشركون به آلهة أخرى {فتعالى عما يشركون} (الأعراف:190).

تاسعاً: أَمْرُ النبي صلى الله عليه وسلم أن يغض عن سوء معاملة المشركين له ولأصحابه، ويدفعها بالتي هي أحسن، وجاء الأمر بالتعوذ من وسوسة الشياطين وحضورهم.

عاشراً: ذكَّرت السورة بمشهد من مشاهد القيامة، يلقى فيه المكذبون عاقبة التكذيب، ويؤنبون على ذلك الموقف المريب، ويُختم المشهد بتعقيب يقرر التوحيد المطلق والتوجه إلى الله بطلب الرحمة والغفران، وذلك هو الفلاح الذي ابتدأت به السورة.

فضل السورة
يقول عمر بن الخطاب:كان إذا نزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم الوحي يسمع عند وجهه دوي كدوي النحل،فمكثنا ساعة فاستقبل القبلة ورفع يديه فقال اللهم زدنا ولا تنقصنا وأكرمنا ولا تهنا وأعطنا ولا تحرمنا وآثرنا ولا تؤثر علينا وارض عنا وارضنا)،ثم قال لقد أنزلت علي عشر آيات من أقامهن دخل الجنة ثم قرأ علينا قد أفلح المؤمنون) حتى ختم العشر)


( يتبع - سورة النور )






مديح ال قطب 01-26-2021 02:27 PM











سورة النُّور

التعريف بالسورة

مدنية .
من المثاني .
عدد آياتها .64 .
ترتيبها الرابعة والعشرون .
نزلت بعد سورة الحشر .
بدأت ب " سورة أنزلنها "،
تحدثت عن حديث الإفك .

تسميتها
اسم هذه السورة (النور)، ولم يثبت لها اسم غيره. وسميت بسورة (النور)؛ لقوله تعالى فيها: {الله نور السماوات والأرض} (النور:35).
قال الشيخ أبو زهرة رحمه الله: "وإنها لو سميت سورة (الأسرة) لكانت جديرة بهذا الاسم".

وقال الشيخ الشعراوي رحمه الله: "وإذا استقرأنا موضوع المسمَّى، أو المعنون له بسورة (النور) نجد النور شائعاً في كل أعطافها -لا أقول آياتها ولا أقول كلماتها- ولكن النور شائع في كل حروفها، لماذا؟ قالوا: لأن النور من الألفاظ التي يدل عليها نطقها، ويعرِّفها أكثر من أي تعريف آخر، فالناس تعرف النور بمجرد نطق هذه الكلمة، والنور لا يُعْرَف إلا بحقيقة ما يؤديه، وهو ما تتضح به المرئيات، وتتجلى به الكائنات، فلولا هذا النور ما كنا نرى شيئاً".

ونقل الشيخ القاسمي عن المهائمي قوله: "سميت به لاشتمالها على ما أمكن من بيان النور الإلهي، بالتمثيل المفيد كمال المعرفة الممكنة لنوع الإنسان، مع مقدماتها، وهي أعظم مقاصد القرآن".

سبب نزول السورة

1) قال المفسرون قدم المهاجرون إلى المدينة وفيهم فقراء ليست لهم أموال وبالمدينة نساء بغايا مسافحات يكرين أنفسهن وهن يومئذ أخصب أهل المدينة فرغب في كسبهن ناس من فقراء المهاجرين فقالوا لو أنا تزوجنا منهن فعشنا معهن إلى أن يغنينا الله تعالى عنهن فاستأذنوا النبي في ذلك فنزلت هذه الآية وحرم فيها نكاح الزانية صيانة للمؤني عن ذلك وقال عكرمة نزلت الآية في نساء بغايا متعالجات بمكة والمدينة وكن كثيرات ومنهن تسع صواحب رايات لهن رايات كرايات البيطار يعرفونها أم مهدون جارية السائب بن أبي السائب المخزومي وأم غليظ جارية صفوان بن أمية وحية القبطية جارية العاص بن وائل ومرية جارية ابن مالك بن عمثلة بن السباق وجلالة جارية سهيل بن عمرو وام سويد جارية عمرو بن عثمان المخزومي وشريفة جارية زمعة بن الاسود وقرينة جارية هشام بن ربيعة المواخير لا يدخل عليهن ولا يأتيهن إلا زان من أهل القبلة أو مشرك من أهل الأوثان فأراد ناس من المسلمين نكاحهن ليتخذوهن ما أكلة فأنزل الله تعالى هذه الآية ونهى المؤمنين عن ذلك وحرمه عليهم .

2) عن ابن عباس قال لما نزلت (والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء )إلى قوله تعالى الفاسقون قال سعد بن عبادة وهو سيد الأنصار أهكذا أُنْزِلَتْ يا رسول الله؟ فقال رسول الله:ألا تسمعون يا معشر الانصار إلى ما يقول سيدكم ؟قالوا يا رسول الله إنَّه رجل غيور والله ما تزوج امرأة قط إلا بكرا وما طلق امرأة قط فاجترأ رجل منا على أن يتزوجها من شدة غيرته فقال سعد : والله يا رسول الله إني لأعلم أنها حق وأنها من عند الله ولكن قد تعجبت أن لو وجدت لكاع قد تفخذها رجل لم يكن لي أن اهيجه ولا أحركه حتى آتي بأربعة شهداء فوالله إني لأتي بهم حتى يقضي حاجته فما لبثوا إلا يسيرا حتى جاء هلال بن أمية من أرضه عشيا فوجد عند أهله رجلا فرأى بعينه وسمع بأذنه فلم يهيجه حتى أصبح وغدا على رسول الله فقال : يا رسول الله إني جئت أهلي عشيا فوجدت عندها رجلا فرأيت بعيني وسمعت بأذني فكره رسول الله ما جاء به واشتد عليه فقال سعد بن عبادة : الآن يضرب رسول الله هلال ابن امية ويبطل شهادته في المسلمين ، فقال هلال : والله إني لأرجو أن يجعل الله لي منها مخرجا فقال هلال يا رسول الله إني قد أرى ما قد اشتد عليك مما جئتك والله يعلم إني لصادق فوالله إن رسول الله يريد أن يأمر بضربه إذ نزل عليه الوحي وكان إذا نزل عليه عرفوا ذلك في تربد جلده فامسكوا عنه حتى فرغ من الوحي فنزلت (والذين يرمون أزواجهم ولم يكن لهم شهداء إلا أنفسهم )الآيات كلها فسري عن رسول الله فقال أبشر يا هلال فقد جعل الله لك فرجا ومخرجا فقال هلا قد كنت أرجو ذاك من ربي وذكر باقي الحديث .

3) عن عبد الله قال انا ليلة الجمعة في المسجد إذ دخل رجل من الانصار فقال: لو أن رجلا وجد مع امرأته رجلا فإن تكلم جلدتموه وإن قتل قتلتموه وإن سكت سكت على غيظ والله لأسألن عنه رسول الله فلما كان من الغد أتى رسول الله فسأله فقال لو ان رجلا وجد مع امرأته رجلا فتكلم جلدتموه او قتل قتلتموه او سكت سكت على غيظ فقال اللهم افتح وجعل يدعو فنزلت آية اللعان (والذين يرمون ازواجهم ولم يكن لهم شهداء الا انفسهم )الآية فابتلى به الرجل من بين الناس فجاء هو وامراته إلى رسول الله فتلاعنا فشهد الرجل اربع شهادات بالله انه لمن الصادقين ثم لعن الخامسة ان لعنة الله عليه ان كان من الكاذبين فذهبت لتلعن فقال رسول الله فلعنت فلما أدبرت قال لعلها إن تجئ به أسود جعدا فجاءت به اسود جعدا رواه مسلم عن ابي خيثمة .

4) عن عروة ان عائشة عنها حدثته بحديث الافك وقالت فيه وكان ابو ايوب الانصاري حين اخبرته امراته وقالت يا ابا ايوب الم تسمع بما تحدث الناس قال وما يتحدثون فاخبرته يقول اهل الافك فقال ما يكون لنا ان نتكلم بهذا سبحانك هذا بهتان عظيم قالت فانزل الله عز وجل ولولا اذ سمعتموه قلتم ما يكون لنا ان نتكلم بهذا سبحانك هذا بهتان عظيم .


محاور ومقاصد السورة

سورة النور من السور المدنية التي تتناول الأحكام التشريعية وتعني بأمور التشريع والتوجيه والأخلاق وتهتم بالقضايا العامة والخاصة التي ينبغي أن يُرَبَّى عليها المسلمون أفرادا وجماعات وقد اشتملت هذه السورة على أحكام هامة وتوجيهات عامة تتعلق بالأسرة التي هي النواة الأولى لبناء المجتمع الأكبر .

المحور العام الذي تدور حوله سورة النور هو محور التربية، قال القرطبي: مقصود هذه السورة ذكر أحكام العفاف والستر.

وقال ابن الزبير: "مقصودها مدلول اسمها المودع قلبها، المراد منه: أنه تعالى شامل العلم، اللازم منه تمام القدرة، اللازم منه إثبات الأمور على غاية الحكمة، اللازم منه تأكيد الشرف للنبي صلى الله عليه وسلم، اللازم منه شرف من اختاره سبحانه لصحبته، على منازل قربهم منه، واختصاصهم به، اللازم منه غاية النزاهة والشرف والطهارة لأم المؤمنين عائشة رضي الله عنها، التي مات صلى الله عليه وسلم وهو عنها راض، ثم ماتت هي رضي الله عنها صالحة محسنة، وهذا هو المقصود بالذات، ولكن إثباته محتاج إلى تلك المقدمات".

وقال الشيخ الشعراوي رحمه الله: "وسورة النور جاءت لتحمل نور المعنويات، نور القيم، نور التعامل، نور الأخلاق، نور الإدارة والتصرف، وما دام أن الله تعالى وضع لنا هذا النور فلا يصح للبشر أن يضعوا لأنفسهم قوانين أخرى؛ لأنه كما قال سبحانه: {ومن لم يجعل الله له نورا فما له من نور} (النور:40)، فلو لم تكن هذه الشمس ما استطاع أحد أن يصنع لنفسه نورا أبداً. فالحق تبارك وتعالى يريد لخليفته في أرضه أن يكون طاهراً شريفاً كريماً عزيزاً؛ لذلك وضع له من القوانين ما يكفل له هذه الغاية، وأول هذه القوانين وأهمها قانون التقاء الرجل والمرأة التقاء سليماً في وضح النهار؛ لينتج عن هذا اللقاء نسل طاهر جدير بخلافة الله في أرضه".

ويمكن تلخيص مقاصد سورة النور وفق التالي:

- بيان أن هذه السورة -وهذا شأن القرآن كله- وما تضمنته من أحكام ومبادئ إنما هي من عند الله سبحانه، فهو سبحانه أعلم بما يصلح عباده وما يفسدهم، وأن ما يختاره سبحانه لعباده فرض عليهم التزامه والعمل به؛ لأن فيه تحقيق مصلحتهم الدنيوية، ونيل سعادتهم الأخروية، ولا يمكن تحقيق هذه وتلك إلا بما شرعه الله سبحانه.

- تجريم عقوبتي الزنى والقذف، وبيان حدِّ كل منهما؛ لما لهاتين الجريمتين من خطر -أي خطر- على أمن المجتمع وسلامة الأسرة.

- تبرئة السيدة عائشة رضي الله عنها مما رميت به من إفك وزور، وأنها رضي الله عنها كانت طاهرة عفيفة، لا يشك في هذا إلا كل أفَّاك أثيم. وقد قررت السورة في هذا السياق قاعدة مهمة، وهي أن الأصل حُسْن الظن بالمسلم، ولا يُعْدَل عن هذا الأصل إلا بيقين.

- التحذير من إشاعة الفاحشة في المجتمع؛ إذ إن انتشار الفاحشة في المجتمع من أهم عوامل هدمه وانهياره، وانتشار الفاحشة في المجتمع يعني خرابه ودماره، وشيوع الفضيلة فيه يعني بناءه واستقراره.


- تحدثت السورة عن وسائل الوقاية من الجريمة، وتجنيب النفوس أسباب الإغراء والغواية؛ وذلك ببيان آداب البيوت والاستئذان على أهلها، والأمر بغض البصر والنهي عن إبداء الزينة للمحارم، والحث على إنكاح الفتيان والفتيات غير المتزوجات، ولو كانوا فقراء، فإن الله سبحانه يغنيهم من فضله، فهو الغني الحميد، والنهي عن البغاء ووسائله.

- التحذير من اتباع خطوات الشيطان، وبيان أن اتباع خطواته تفضي إلى سوء وعاقبة وخيمة، حيث إن الشيطان لا يترك الإنسان وشأنه، بل يستجره من سوء إلى سوء، ومن ذنب إلى آخر إلى أن يودي به في نار جهنم، ثم يقول له: {إني بريء منك إني أخاف الله رب العالمين} (الحشر:16).

- تأديب أهل البيت الواحد بأدب الاستئذان على الأسرة نفسها في الدخول إلى الحجرات المخصصة للرجل وزوجه، فدخول الأولاد على أبويهما في أوقات الفجر والظهيرة وبعد العشاء يستوجب إذن الوالدين. وأيضاً، فإن الأطفال البالغين يجب عليهم الاستئذان ككل آحاد الأسرة، لا في أوقات العورات فحسب. وتبين السورة كذلك أحكام كبار السن من النساء، اللائي لم يعد للرجال طمع في الزواج منهن، أنه ليس {عليهن جناح أن يضعن ثيابهن غير متبرجات بزينة} (النور:60).

- ألمحت السورة الكريمة إلى أن صلاح المجتمع يبتدئ من بيوت العبادة؛ ورأس العبادة الصلاة، فهي طهارة القلوب، والمجتمع الصالح ما قام إلا على طهارة النفوس، فذكر سبحانه وتعالى المساجد ومكانتها، ومنزلة عمَّارها وروادها والمعلقة قلوبهم بها.

- وجَّهت السورة الأنظار إلى خلقه سبحانه وتعالى، وخضوع الوجود له عز وجل، فكل ما الوجود خاضع لأمره، وسائر وَفْق مشيئته، كل ذلك بانتظام وبقدر وبحكمة.

- بينت السورة مجافاة المنافقين -وهم موجدون في كل عصر ومصر- للأدب الواجب مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في الطاعة والتحاكم. وصورت أدب المؤمنين الخالص وطاعتهم.

- وَعْده سبحانه عباده المؤمنين حق الإيمان المطبقين لشرعه، الاستخلاف في الأرض، والتمكين في الدين، والنصر على الكافرين.

- تحدثت السورة عن آداب الضيافة في محيط البيوت بين الأقارب والأصدقاء. وآداب الجماعة المسلمة كلها كأسرة واحدة، مع رسولها ومربيها رسول الله صلى الله عليه وسلم.

- ختم السورة بإعلان ملكية الله لما في السماوات والأرض، وعلمه بواقع الناس، وما تنطوي عليه حناياهم، ورجعتهم إليه، وحسابهم على ما يعلمه من أمرهم. وهو بكل شيء عليم.


فضل السورة

1) عن حارثة بن مضرب قال كتب إلينا عمر بن الخطاب أن تعلموا سورة النساء والأحزاب والنور .

2) أخرج ابن المنذر والبيهقي عن مجاهد قال قال رسول الله : عَلِّمُوا رجالكم سورة المائدة وعَلِّمُوا نسائكم سورة النور "

3) أخرج الحاكم عن أبي وائل قال حجت أنا وصاحب لي وابن عباس على الحج فجعل يقرأ سورة النور ويفسرها فقال صاحبي : سبحان الله ماذا يخرج من رأس هذا الرجل ! لو سمعت هذا الترك لأسْلَمَتْ .

4) روى أبو داود عن عائشة رضي الله عنها -وذكرت الإفك- قالت: جلس رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكشف عن وجهه، وقال: أعوذ بالله السميع العليم، من الشيطان الرجيم، {إن الذين جاءوا بالإفك عصبة منكم} (النور:11).

5) وروى الطبري بسنده، قال: استعمل علي بن أبي طالب ابنَ عباس رضي الله عنهم على الحج، قال: فخطب الناس خطبة، لو سمعها الترك والروم لأسلموا، ثم قرأ سورة النور، فجعل يفسرها. وفي رواية: والله لو سمعتها الترك لأسلموا.

6) وروى الطبراني في "الأوسط" عن أُبيِّ بن كعب رضي الله عنه، قال: لما قدم النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله عنهم، وآوتهم الأنصار رضي الله عنهم، رمتهم العرب عن قوس واحدة، فنزلت: {وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض} (النور:55). قال الهيثمي: رجاله ثقات.

7) وروى البيهقي وغيره عن مجاهد مرفوعاً، قال: (علموا رجالكم سورة المائدة، وعلموا نسائكم سورة النور). وفي "تفسير القرطبي" أن عمر رضي الله عنه كتب إلى أهل الكوفة: (علموا نساءكم سورة النور).

8) وقد قال بعض العلماء في آيات الإفك: إنها أرجى ما في القرآن؛ لأن الله عظم شأن الإفك، وتوعد عليه غاية الوعيد، وجعله منافياً للإيمان، ثم أمر بالعطف على بعض من وقع فيه، ووصفهم بالقرابة والمسكنة والهجرة، وندب إلى الإنفاق والعفو عنهم والصفح.


( يتبع - سورة الفرقان )







مديح ال قطب 01-26-2021 02:28 PM











سورة الفُرْقَان

التعريف بالسورة

مكية .ماعدا الآيات 68،69،70 فمدنية .
من المثاني .
آياتها 77 .
ترتيبها الخامسة والعشرون .
نزلت بعد سورة " يس " .
بدأت باسلوب الثناء " تبارك "
فيها سجدة في الآية
الفرقان هو اسم من أسماء القرآن .

تسميتها
اسمها سورة الفرقان، وليس لها اسم غيره؛ وهذا الاسم مأخوذ من قوله سبحانه في أول آية من هذه السورة: {تبارك الذي نزل الفرقان على عبده} (الفرقان:1)؛ و(الفرقان) مصدر فرق بين الشيئين، إذا فصل بينهما، وسمي به القرآن؛ لفصله بين الحق والباطل. أو لأنه لم ينزل جملة واحدة، ولكن مفروقاً، مفصولاً بين بعضه وبعض في الإنزال. قال البقاعي: "وتسميتها بالفرقان، واضح الدلالة على ذلك، فإن الكتاب ما نزل إلا للتفرقة بين الملتبسات، وتمييز الحق من الباطل، ليهلك من هلك عن بينة. ويحيى من حي عن بينة، فلا يكون لأحد على الله حجة، ولله الحجة البالغة".

سبب نزول السورة


1) عن ابن عباس قال لما عَيَّر المشركون رسول الله بالفاقة قالوا ما لهذا الرسول ياكل الطعام ويمشى في الاسواق حزن رسول الله فنزل جبريل عليه السلام من عند ربه مُعَزِّيا له فقال السلام عليك يا رسول الله رب العزة يقرئك السلام ويقول لك (وما أرسلنا قبلك من المرسلين إلا أنهم ليأكلون الطعام ويمشون في الأسواق )أي يبتغون المعاش في الدنيا قال فبينا جبريل والنبي يتحدثان إذ ذاب جبريل حتى صار مثل الهذرة قيل يا رسول الله وما الهذرة قال العدسة فقال رسول الله مالك ذبت حتى صرت مثل الهذرة قال يا محمد فُتِحَ باب من أبواب السماء ولم يكن فتح قبل ذلك اليوم وإني أخاف أن يعذب قومك عند تعيرهم إياك بالفاقة واقبل النبي وجبريل عليهما السلام يبكيان اذ عاد جبريل إلى حاله فقال أَبْشِرْ يا محمد هذا رضوان خازن الجنة قد أتاك بالرضا من ربك فاقبل رضوان حتى سَلَّم ثم قال يا محمد رب العزة يقرئك السلام ومعه سفط من نور يتلالأ ويقول لك ربك هذه مفاتيح خزائن الدنيا مع ما لا ينتقص لك مما عنده في الآخرة مثل جناح بعوضة فنظر النبي إلى جبريل كالمستشير به فضرب جبريل بيده إلى الارض فقال تواضع لله فقال يا رضوان لا حاجة لي فيها الفقر أحب إليّ وأن أكون عبدا صابرا شكورا فقال رضوان اصبت اصاب الله بك وجاء نداء من السماء فرفع جبريل رأسه فإذا السموات قد فتحت أبوابها إلى العرش وأَوْحَى الله تعالى إلى جنة عدن أن تُدَلِّي غصنا من أغصانها عليه عذق عليه غرفة من زبرجدة خضراء لها سبعون الف باب من ياقوته حمراء فقال جبريل يا محمد ارفع بصرك فرفع فرأى منازل الانبياء وغرفهم فإذا منازله فوق منازل الانبياء فضلا له خاصة ومناد ينادي أَرَضِيتَ يا محمد فقال النبي رضيت فاجعل ما اردت ان تعطيني في الدنيا ذخيرة عندك في الشفاعة يوم القيامة ويرون ان هذه الآية انزلها رضوان (تبارك الذي ان شاء جعل لك خير من ذلك جنات تجري من تحتها الانهار ويجعل لك قصورا ) .

2) قال ابن عباس في رواية عطاء الخراساني كان أبي بن خلف يحضر النبي ويجالسه ويسمع إلى كلامه من غير أن يؤمن به فزجره عقبة بن أبي معيط عن ذلك فنزلت هذه الآية .

3) قال الشعبي وكان عقبة خليلا لأمية بن خلف فأسلم عقبة فقال أمية : وجهي من وجهك حرام إن تابعت محمدا ، وكفر وارتد لرضا أمية فأنزل الله تبارك وتعالى هذه الآية .

4) وقال آخرون أن أُبي بن خلف وعقبة بن ابي معيط كانا متحالفين وكان عقبة لا يقدم من سفر الا صنع طعاما فدعا اليه أشراف قومه وكان يكثر مجالسه النبي فقدم من سفره ذات يوم فصنع طعاما فدعا الناس ودعا رسول الله إلى طعامه فلما قرب الطعام قال رسول الله : ماأنا بآكل من طعامك حتى تشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله فقال عقبة : أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله ؛ فأكل رسول الله من طعامه وكان أبي بن خلف غائبا فلما أُخْبِرَ بقصته قال :صبأت يا عقبة فقال والله ما صبأت ولكن دخل عليّ رجل فأبى أن يطعم من طعامي إلا أن أشهد له فاستحيت أن يخرج من بيتي ولم يطعم فشهدت فطعم فقال اُبيّ : ما أنا بالذي رضي منك أبدا إلا أن تأتيه فتبزق في وجهه وتطأ عنقه ؛ فعل ذلك عقبة فأخذ رحم دابة فألقاها بين كتفيه فقال رسول الله : لا ألقاك خارجا من مكة إلاعلوت رأسك بالسيف ؛ فقتل عقبة يوم بدر صبرا وأما أبيّ بن خلف فقتله النبي يوم أحد في المبارزة فأنزل الله تعالى فيهما هذه الآية وقال الضحاك : لما بزق عقبة في وجه رسول الله عاد بزاقه في وجه فتشعب شعبتين فأحرق خديه وكان أثر ذلك فيه حتى الموت .


محاور ومقاصد السورة

قال القرطبي: "مقصود هذه السورة ذِكْرُ موضع عِظَم القرآن، وذِكْرُ مطاعن الكفار في النبوة والرد على مقالاتهم، فمن جملتها قولهم: إن القرآن افتراه محمد، وإنه ليس من عند الله". يشير القرطبي بقوله هذا إلى أن {القرآن} ذُكِرَ في هذه السورة لفظاً أو إشارة في عدة مواضع.

وقال الرازي: "اعلم أن الله سبحانه وتعالى تكلم في هذه السورة في التوحيد والنبوة، وأحوال القيامة، ثم ختمها بذكر صفات العباد المخلصين الموقنين، ولما كان إثبات الصانع، وإثبات صفات جلاله يجب أن يكون مقدماً على الكل، لا جرم افتتح الله هذه السورة بذلك، فقال: {تبارك الذي نزل الفرقان على عبده}. يشير الرازي بقوله هذا إلى آيات التوحيد، والتنزيه التي تضمنتها هذه السورة.

أما ابن عاشور فقد قال: "اشتملت هذه السورة على الابتداء بتمجيد الله تعالى، وإنشاء الثناء عليه، ووصفه بصفات الإلهية والوحدانية فيها. وأدمج في ذلك التنويه بالقرآن، وجلال منزله، وما فيه من الهدى، وتعريض بالامتنان على الناس بهديه، وإرشاده إلى اتقاء المهالك، والتنويه بشأن النبي صلى الله عليه وسلم.

وأقيمت هذه السورة على ثلاث دعائم:

الأولى: إثبات أن القرآن منزل من عند الله، والتنويه بالرسول المنزل عليه صلى الله عليه وسلم، ودلائل صدقه، ورفعة شأنه عن أن تكون له حظوظ الدنيا، وأنه على طريقة غيره من الرسل، ومن ذلك تلقي قومه دعوته بالتكذيب.

الدعامة الثانية: إثبات البعث والجزاء، والإنذار بالجزاء في الآخرة، والتبشير بالثواب فيها للصالحين، وإنذار المشركين بسوء حظهم يومئذ، وتكون لهم الندامة على تكذيبهم الرسول وعلى إشراكهم واتباع أئمة كفرهم.

الدعامة الثالثة: الاستدلال على وحدانية الله، وتفرده بالخلق، وتنزيهه عن أن يكون له ولد، أو شريك، وإبطال إلهية الأصنام، وإبطال ما زعموه من بنوة الملائكة لله تعالى.

وافتتحت آيات كل دعامة من هذه الثلاث بجملة {تبارك الذي}.


ولخص سيد قطب رحمه الله مقاصد هذه السورة في موضوعات أربعة رئيسة، هي:

أولها: تسبيح الله وحمده على تنـزيل هذا القرآن على محمد صلى الله عليه وسلم؛ ليكون للعالمين نذيراً. وتوحيد الله المالك لما في السماوات والأرض، المدبر للكون بحكمة وتقدير، ونفي الولد والشريك.

ثانيها: بيان تطاول المكذبين بلقاء الله على الله، وتصوير مشهد اليوم الذي يرون فيه الملائكة.

ثالثها: عرض بعض المشاهد الكونية؛ تبياناً لمظاهر الإبداع في خلقه سبحانه وتكوينه، كمشهد الظل، وتعاقب الليل والنهار، والرياح المبشرة بالماء المحيي، وخلق البشر من الماء، وجعل الأنساب والمصاهرة بينهم. ومع هذا فإن الكافرين بالله يعبدون من دونه ما لا ينفعهم ولا يضرهم، ويتظاهرون على ربهم وخالقهم، ويتطاولون إذا دعوا إلى عبادته سبحانه.

رابعها: وصف عباد الرحمن الذين يسجدون لله سبحانه ويعبدونه، وبيان مقوماتهم التي استحقوا بها هذه الصفة الرفيعة. وأن باب التوبة مفتوح لمن يرغب في أن يسلك طريقة عباد الرحمن. وتصوير جزاءهم على صبرهم على تكاليف الإيمان ومتطلبات العبادة.
ومن المقاصد التي اشتملت عليها السورة غير ما تقدم المقاصد التالية:

- بيان أنه سبحانه نزل القرآن على رسوله صلى الله عليه وسلم منجماً -على مراحل وفترات- تثبيتاً للقلوب، وتلاوته حق تلاوته، وحفظه في الصدور.

- عالمية الرسالة المحمدية، وأنها للناس كافة، وليست للعرب خاصة، قال الطيبي: مدار هذه السورة على كونه صلى الله عليه وسلم مبعوثاً إلى الناس كافة، ينذرهم ما بين أيديهم وما خلفهم؛ ولهذا جعل براعة استهلالها قوله: {تبارك الذي نزل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيرا} (الفرقان:1).

- بيان أن مهمة النبي صلى الله عليه وسلم التبشير بما عند الله من الفوز والنجاح والفلاح لمن اتبع سبل الرشاد، والإنذار بما عنده من العقاب لمن أعرض عن شرعه.

- الموازنة الأخروية بين نعيم المتقين في جنات النعيم، وعذاب الكافرين في نار الجحيم.

- خطاب الرسول صلى الله عليه وسلم ومن بعده من الدعاة بالتحلي بالصبر والمصابرة، ومجاهدة الكافرين بحجج القرآن البالغة، والأمر بالتوكل على الله، فهو سبحانه {نعم المولى ونعم النصير} (الأنفال:40).

- ذِكْر مصارع المكذبين من الأمم السابقة، كقوم موسى، ونوح، وعاد، وثمود، وأصحاب الرس، وما بين ذلك من قرون، وعرض نهايتهم التعيسة في سلسلة من مشاهد القيامة.

- بيان صفات عباد الرحمن المتقين، وأن من صفاتهم التي استحقوا بها هذا الوصف أنهم يمشون في الأرض هوناً من غير تكبر ولا خيلاء ولا استعلاء على الناس، وأنهم يقومون من الليل طاعة له سبحانه، وأنه مقتصدون في أمرهم كله، وأنهم لا يقربون الفواحش ما ظهر منها وما بطن.

- خُتمت آيات هذه السورة بالحديث عن هوان البشرية على الله سبحانه، لولا القلوب الضارعة الطائعة المستجيبة، العارفة بالله في هذا القطيع الشارد الضال من المكذبين والجاحدين.

فضل السورة

عن عمر بن الخطاب قال : سمعت هشام بن حكيم يقرأ سورة الفرقان في حياة رسول الله فاستمعت لقراءته فإذا هو يقرأ على حروف كثيرة لم يقرئنيها رسول الله فكدت أساوره في الصلاة فتبصرت حتى سلّم فلبته بردائه فقلت : من أقرأك هذه السورة التي سمعتك تقرأ ؟ قال :أقرأنيها رسول الله فقلت كذبت فإن رسول الله أقرأنيها على غير ما قرأت فانطلقت به أقوده إلى رسول الله فقلت إني سمعت هذا يقرأ سورة الفرقان على حروف لم تقرئنيها فقال رسول الله لهشام اقرأ فقرأ فقال رسول الله كذلك أُنزِلَتْ ثم قال اقرأ يا عمر فقرأت فقال رسول الله كذلك أنزلت إن هذا القرآن أُنِزلَ على سبعة أحرف فاقرأوا ما تَيَسَّرَ منه .


( يتبع - سورة الشعراء )








مديح ال قطب 01-26-2021 02:29 PM











سورة الشُّعَرَاء

التعريف بالسورة

مكية .ماعدا الآية 197 ومن الآية رقم 224 إلى أخر السورة فمدنية .
من المئين .
آياتها 227 .
ترتيبها السادسة والعشرون .
نزلت بعد سورة " الواقعة "
بدأت بأحد حروف الهجاء " طسم " .

تسميتها
اسم السورة الأشهر (الشعراء)، قال المهايمي: "سميت هذه السورة بها؛ لاختصاصها بتمييز الرسل عن الشعراء؛ لأن الشاعر إن كان كاذباً، فهو رئيس الغواة، لا يتصور منه الهداية، وإن كان صادقاً، لا يتصور منه الافتراء على الله تعالى"، يشير إلى أن ذكر الشعراء فيها، لبيان أنهم في معزل عن الرسالة وتبرئة مقام الرسول صلوات الله عليه.


وقال الفيروزآبادي: "سميت سورة الشعراء؛ لاختتامها بذكرهم في قوله: {والشعراء يتبعهم الغاوون} (الشعراء:224)". وتسمى أيضاً سورة (الظلة)؛ لقوله تعالى فيها: {فأخذهم عذاب يوم الظلة} (الشعراء:189). وذكر ابن كثير أنه وقع في "تفسير مالك" المروي عنه، تسميتها (الجامعة).

سبب نزول السورة
عن أبي الحسن مولى بني نوفل أن عبد الله بن رواحة وحسان بن ثابت أتيا رسول الله حين نزلت الشعراء يبكيان وهو يقرأ " والشعراء يتبعهم الغاون " حتى بلغ " إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات " قال " أنتم " وذكروا الله كثيرا " قال أنتم " وانتصروا من بعدما ما ظلموا " قال أنتم " وسيعلم الذين ظلموا اي منقلب ينقلبون " قال الكفار.


محاور ومقاصد السورة
مقصود سورة الشعراء على الجملة: إثبات توحيد الله سبحانه. والخوف من الآخرة. والتصديق بالوحي المنزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم. والتخويف من عاقبة التكذيب، إما بعذاب الدنيا الذي يدمر المكذبين، وإما بعذاب الآخرة الذي ينتظر الكافرين.

أما مقصود السورة على التفصيل فجاء وفق التالي:

- التنويه بالقرآن الكريم، والتعريض بعجز المشركين عن معارضته. والرد على مطاعنهم في القرآن، وأنه منزه عن أن يكون شعراً، ومن أقوال الشياطين.

- تواجه السورة تكذيب مشركي قريش لرسول الله صلى الله عليه وسلم، واستهزاءهم بالنُّذر، وإعراضهم عن آيات الله، واستعجالهم بالعذاب الذي توعدهم به، مع التقول على الوحي والقرآن والادعاء بأنه سحر أو شعر، تتنزل به الشياطين!

- تسلية النبي صلى الله عليه وسلم عما يلاقيه من إعراض قومه عن التوحيد الذي دعاهم إليه القرآن.

- تهديد المشركين بسبب موقفهم من دعوة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتعرضهم لغضب الله تعالى، وضرب المثل لهم بما حل بالأمم المكذبة رسلها، والمعرضة عن آيات الله.

- طمأنة قلوب المؤمنين وتصبيرهم على ما يلقون من عنت المشركين، وتثبيتهم على العقيدة مهما أوذوا في سبيلها من الظالمين، كما ثبت من قبلهم من المؤمنين.

- تضمنت السورة مناظرة نبي الله موسى عليه السلام مع فرعون الملعون، زعيم الطغاة وسيدهم، وذكر السحرة، ومكرهم وخداعهم في الابتداء، وإيمانهم وانقيادهم في الانتهاء.

- هدفت السورة إلى تأكيد أن آيات الوحدانية، وصدق الرسل عديدة كافية لمن يطلب الحق، وأن أكثر المشركين لا يؤمنون، وأن الله عزيز قادر على أن ينزل بهم العذاب، وأنه رحيم برسله، ناصرهم على أعدائهم لا محال.

- تضمنت السورة جملة من قصص الأقوام السابقة، وغلب على قصصها -كما غلب على السورة كلها- جوُّ الإنذار والتكذيب، والعذاب الذي يتبع التكذيب، وجاء ختام كل قصة بقوله سبحانه: {إن في ذلك لآية وما كان أكثرهم مؤمنين * وإن ربك لهو العزيز الرحيم} (الشعراء:8-9).
قال الزمخشري: "كل قصة من القصص المذكورة في هذه السورة كتنزيل برأسه. وفيها من الاعتبار ما في غيرها، فكانت كل واحدة منها تدلي بحق في أن تختم بما اختتمت به صاحبتها؛ ولأن في التكرير تقريراً للمعاني في الأنفس، وتثبيتاً لها في الصدور. وكلما زاد ترديده كان أمكن له في القلب، وأرسخ في الفهم، وأبعد من النسيان؛ ولأن هذه القصص طُرقت بها آذان وَقْرٌ عن الإنصات للحق، وقلوب غُلف عن تدبره، فكوثرت بالوعظ والتذكير، وروجعت بالترديد والتكرير، لعل ذلك يفتح أُذناً، أو يفتق ذهناً".

- أمر الرسول صلى الله عليه وسلم بإنذار عشيرته، وأنه عليه الصلاة والسلام ما عليه إلا البلاغ.

- خُتمت السورة بوعيد الظالمين، وبيان أن عاقبتهم عاقبة وخيمة، وأن ظلمهم شامل، يشمل ظلم أنفسهم بكفرهم بالله وآياته، وشامل أيضاً ظلم الآخرين، وذلك بالاعتداء على حقوق الناس.

فضلها

روى الإمام أحمد، وأبو يعلى في "مسنديهما"، عن معقل ابن يسار رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ألا إني أعطيت سورة البقرة من الذكر الأول، وأعطيت طه، والطواسين، والحواميم من ألواح موسى) الحديث، والشاهد قوله: (والطواسين)، والمراد سور الشعراء، والنمل، والقصص، حيث بدأت سورتا الشعراء والقصص بقوله سبحانه: {طسم}، وبدأت سورة النمل بقوله عز وجل: {طس}.

وذكر القرطبي عن البراء بن عازب رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: (إن الله أعطاني السبع الطوال مكان التوراة، وأعطاني المبين مكان الإنجيل، وأعطاني الطواسين مكان الزبور، وفضلني بالحواميم والمفصل ما قرأهن نبي قبلي).


( يتبع - سورة النمل )






مديح ال قطب 01-26-2021 02:29 PM











سورة النَّمْل

التعريف بالسورة

مكية .
من المثاني .
عدد آياتها .93 ،.
ترتيبها السابعة والعشرون .
نزلت بعد سورة " الشعراء " .
بدأت بأحد حروف الهجاء " طس "
السورة بها سجدة في الآية 24
ذكرت السورة قصة سيدنا سليمان وبلقيس ملكة سبأ
ذكرت فيها البسملة مرتين في السورة .

تسميتها
أشهر أسمائها "سورة النمل"، وكذلك سُميت في "صحيح البخاري"، و"جامع الترمذي". وتسمى أيضاً "سورة سليمان"، وهذان الاسمان اقتصر عليهما السيوطي في "الإتقان" وغيره.

وذكر ابن العربي في "أحكام القرآن" أنها تسمى "سورة الهدهد"؛ ووجه الأسماء الثلاثة أن لفظ (النمل) ولفظ (الهدهد) لم يُذكرا في سورة من القرآن غيرها.

قال المهايمي: "سميت بها؛ لاشتمالها على مقالتها -أي مقالة النمل لقومها- الدالة على علم الحيوان بنزاهة الأنبياء وأتباعهم، عن ارتكاب المكاره عمداً، وهو مما يوجب الثقة بهم، وهو من أعظم مقاصد القرآن". وقد قيل: سميت النمل؛ لأن قصة سليمان مع النمل أخذت حيزاً كبيراً منها.

وأما تسميتها "سورة سليمان"؛ فلأن ما ذُكر فيها من مُلك سليمان مفصلاً، لم يُذكر مثله في غيرها.


محاور ومقاصد السورة

- سورة النمل من السور المكية التي تهتم بالحديث عن أصول العقيدة التوحيد والرسالة والبعث وهي إحدى سور ثلاث نزلت متتالية وضعت في المصحف متتالية وهي الشعراء والنمل والقصص ويكاد يكون منهاجها واحدا في سلوك مسلك العظة والعبرة عن طريق قصص الغابرين .

- مقصود السورة الرئيس -كسائر السور المكية- هو العقيدة: الإيمان بالله، وعبادته وحده، والإيمان بالآخرة، وما فيها من ثواب وعقاب. والإيمان بالوحي، وأن الغيب كله لله، لا يعلمه سواه. والإيمان بأن الله هو الخالق الرازق واهب النعم، وتوجيه القلب إلى شكر أنعم الله على البشر. والإيمان بأن الحول والقوة كلها لله، وأن لا حول ولا قوة إلا بالله.

- ثم يأتي القصص لتثبيت هذه المعاني، وتصوير عاقبة المكذبين بها، وعاقبة المؤمنين.

- وتسلط السورة الضوء على العلم، حيث تبرز صفة العلم في جو السورة، تظللها في سياقها كله من المطلع إلى الختام، ويمضي سياق السورة كله في هذا الظل؛ علم الله المطلق بالظاهر والباطن، وعلمه بالغيب خاصة. وآياته الكونية التي يكشفها للناس.

-ومن مقصود السورة وصف القرآن الكريم بالكفاية لهداية الخلق أجمعين، بالفصل بين الصراط المستقيم، وطريق الحائرين، والجمع لأصول الدين، لإحاطة علم منزله بالخفي والمبين، وبشارة المؤمنين، ونذارة الكافرين بيوم اجتماع الأولين والآخرين، وكل ذلك يرجع إلى العلم المستلزم للحكمة.

- ومن مقاصدها أيضاً: الاعتبار بملك أعظم ملك أوتيه نبي، وهو مُلك داود، وملك سليمان عليهما السلام، وما بلغه من العلم بأحوال الطير، وما بلغ إليه ملكه من عظمة الحضارة.

- ومنها: الإشارة إلى ملك عظيم من العرب، وهو ملك سبأ، وفي ذلك إيماء إلى أن نبوة محمد صلى الله عليه وسلم رسالة تقارنها سياسة الأمة، ثم يعقبها ملك، وهو خلافة النبي صلى الله عليه وسلم.

- ومنها: محاجة المشركين في بطلان دينهم وتزييف آلهتهم وإبطال أخبار كهانهم وعرافيهم، وسدنة آلهتهم. وإثبات البعث وما يتقدمه من أهوال القيامة وأشراطها.

- ومن مقاصدها : موادعة المشركين وإنباؤهم بأن شأن الرسول صلى الله عليه وسلم الاستمرار على إبلاغ القرآن، وإنذارهم بأن آيات الصدق سيشاهدونها، والله مطلع على أعمالهم.

- ومنها: بيان فضله سبحانه على عباده بإجابة دعوة المضطر إذا دعاه، وكشفه السوء عنه، وجعل الإنسان خليفة في الأرض. وتذكيره سبحانه عباده بهدايته لهم في ظلمات البر والبحر، وإرساله الرياح مبشرات بين يدي رحمته.

- ومنها: تذكيره سبحانه بذاته العلية؛ إذ يبدأ الخلق ثم يعيده، وبرزقه سبحانه وتعالى من السماء والأرض.

- ومنها: تنبيهه سبحانه عباده أنه لا يعلم من في السماء والأرض الغيب غيره، وأن أكثر العباد غافلون عن الحقائق الإيمانية التي جاءتهم بها الرسل، وعن الحقائق الكونية التي بثها سبحانه في هذا الكون، وأنهم يتداركون جهلهم عندما يبعثون، ويعلمون ما لم يكونوا علموه من قبل بالعِيان، لا بالأفهام.

- ومنها: أمره سبحانه وتعالى عباده أن يسيروا في الأرض؛ ليعلموا مكانهم فيها، والعبر من أهلها، إذ طغوا، وأكثروا فيها الفساد.

- ومنها: تذكير العباد بعلامة من علامات قيام الساعة، وهي خروج دابة من الأرض، التي تُظْهِر حقيقة المؤمن من الكافر.

- ومنها: بيانه سبحانه بالإشارة الواضحة حال الناس يوم الحشر، يوم الهول العظيم يوم البعث، وحالهم يوم الحساب والثواب والعقاب، وحالهم وهم يقدمون على العذاب.

- ويأتي ختام السورة بأمر العباد بعبادة الله وحده، الذي بيده الأمر كله، والأمر بحمده سبحانه على ما أعطاهم من نعم لا تُعدُّ ولا تحصى، وإنذار العباد بأنه سبحانه سيريهم آياته القاهرة والباهرة، فيعرفونها، ويومئذ لا ينفع نفساً إيمانها لم تكن آمنت من قبل، أو كسبت في إيمانها خيراً، وأنه سبحانه وتعالى ليس بغافل عما يعمل عباده، بل يعلم كل صغيرة وكبيرة، فيجازي كلاً بما عمل، إن خيراً فخير، وإن شراً فشر.

فضلها
قال مجد الدين الفيروزابادي:
رُويتْ أَحاديث ضعيفة منها حديث أُبي: «مَن قرأَ طس كان له من الأَجر عشرُ حسنات بعَدَد مَن صدَّق سليمان، وكذَّب به، وهود، وشعيب، وإِبراهيم، ويخرج من قبره وهو ينادى: لا إِله إِلاَّ الله».
وحديث علي: «يا علي مَن قرأَ طس النَّمل أَعطاه الله بكلِّ سجدة يسجد بها المؤمنون ثواب المؤمنين كلهم، وله بكلِّ آية ثوابُ المتوكلين».

( يتبع – سورة القصص )








مديح ال قطب 01-26-2021 02:30 PM













سورة الْقَصَص

التعريف بالسورة

مكية .ماعدا الآيات من " 52 : 85 " فمدنية .
من المثاني .
آياتها 88 .
ترتيبها الثامنة والعشرون .
نزلت بعد سورة " النمل " .
بدأت السورة بحروف مقطعة " طسم " .

تسميتها
لا يُعرف لهذه السورة اسم غير اسم سورة القصص. ووجه التسمية بذلك وقوع لفظ {القصص} فيها عند قوله تعالى: {فلما جاءه وقص عليه القصص} (القصص:25). فـ {القصص} الذي أضيفت إليه السورة، هو قصص موسى الذي قصه على الرجل الصالح فيما لقيه في مصر قبل خروجه منها. فلما حكي في السورة ما قصه موسى كانت هاته السورة ذات قصص، فكان القصص متوغلاً فيها. وقد جاء لفظ {القصص} (يوسف:3) في سورة يوسف، غير أن سورة يوسف نزلت بعد هذه السورة.

سبب نزول السورة

1)عن السديقال : نزلت في عبد الله بن سلام لما أسلم أحب أن يخبر النبي بعظمته في اليهود ومنزلته فيهم وقد ستر بينه وبينهم سترا فكلمهم ودعاهم فأبوا فقال :أخبروني عن عبد الله بن سلام كيف هو فيكم ؟ قالوا ذاك سيدنا وأعلمنا قال أرأيتم إن آمن بي وصدقني أتؤمنون بي وتصدقوني ؟ قالوا لا يفعل ذاك هو أفقه فينا من أن يدع دينه ويتبعك قال أرايتم ان فعل ؟ قالوا لا يفعل قال : أرايتم إن فعل ؟ قالوا إذا فعل ... قال اخرج يا عبد الله بن سلام فخرج فقال ابسط يدك أشهد أن لا اله إلا الله وأنك رسول الله فبايعه فوقعوا به وشتموه وقالوا والله ما فينا أحد أقل علما منه ولا أجهل بكتاب الله منه قال ألم تثنوا عليه أنفا ؟ قالوا إنا استحينا أن تقول اغتبتم صاحبكم من خلفه فجعلوا يشتمونه فقام إليه امين بن يامين فقال أشهد أن عبد الله بن سلام صادق فابسط يدك فبايعه فأنزل الله فيهم هذه الآية .

2) عن علي بن رفاعةقال: كان أبي من الذين آمنوا بالنبي من أهل الكتاب وكانوا عشرة فلما جاءوا جعل الناس يستهزئون بهم ويضحكون منهم فأنزل الله " أولئك يؤتون أجرهم مرتين بما صبروا " .

3) عن سعيد بن المسيب عن عبيه قال لما حضرت أبا طالب الوفاة جاءه رسول الله فوجد عنده أبا جهل وعبد الله بن امية فقال رسول الله يا عم قل لا إله إلا الله كلمة أُحًاجّ لك بها عند الله سبحانه وتعالى فقال ابو جهل وعبد الله بن ابي امية أترغب عن ملة عبد المطلب ؟ فلم يزل رسول الله يعرضها عليه ويعاودانه بتلك المقالة حتى قال أبو طالب آخر ما كَلَّمَهُم به أنا على ملة عبد المطلب وأبى ان يقول لا اله الا الله فقال رسول الله لاستغفرن لك ما لم أُنْه عنك فانزل الله عز وجل (ما كان للنبي والذين امنوا ان يستغفروا للمشركين ولو كانوا اولى قربى) الآية وانزل في ابي طالب (إنك لا تهدي من أحبت ولكن الله يهدي من يشاء ).

4) عن ابي هريرة قال قال رسول الله لعمه قل لا اله الا الله اشهد لك بها يوم القيامة قال لولا ان تعيرني نساء قريش يقلن انه حمله على ذلك الجزع لاقررت بها عينك فانزل الله تعالى (إنك لا تهدي من أحبت ولكن الله يهدي من يشاء ).

محاور ومقاصد السورة


- سورة القصص من السور المكية التي تهتم بجانب العقيدة التوحيد والرسالة والبعث وهي تتفق في منهجها وهدفها مع سورتي النمل والشعراء كما اتفقت في جو النزول فهي تكمل أو تفصل ما أُجْمِلَ في السورتين قبلها .

- يقوم كيان السورة على قصة موسى وفرعون في البدء، وقصة قارون مع قومه -قوم موسى- في الختام. القصة الأولى تعرض قوة الحكم والسلطان؛ قوة فرعون الطاغية المتجبر اليقظ الحذر، وفي مواجهتها موسى طفلاً رضيعاً، لا حول له ولا قوة، ولا ملجأ له ولا وقاية، وقد علا فرعون في الأرض، واتخذ أهلها شيعاً، واستضعف بني إسرائيل ، يذبح أبناءهم، ويستحيي نساءهم، وهو على حذر منهم، وهو قابض على أعناقهم، كاتم على أنفاسهم، مراقب لحركاتهم، مُحْصٍ عليهم تحركاتهم، كشأن الطغاة في كل عصر ومصر.

- بيد أن قوة فرعون وجبروته، وحذره ويقظته، لم تكن لتغني عنه من الله شيئاً، بل لم تكن لتمكن له من موسى الطفل الصغير، المجرد من كل قوة وحيلة؛ إذ هو في حراسة القوة الحقيقية الوحيدة، ترعاه عين العناية، وتدفع عنه السوء، وتعمي عنه العيون، وتتحدى به فرعون وجنده تحدياً سافراً، فتدفع به إلى حِجره، وتدخل به عليه عرينه، وتقتحم به عليه قلب امرأته، وهو مكتوف اليدين إزاءه، مكفوف الأذى عنه، يصنع بنفسه لنفسه ما يحذره ويخشاه!

- وقد ذكر سبحانه في هذه السورة قصة موسى وفرعون؛ ليبين للناس أين يكون الأمن، وأين تكون المخافة، ويُعلمهم أن الأمن إنما يكون في جوار الله، ولو فُقدت كل أسباب الأمن الظاهرة التي تعارف عليها الناس، وأن الخوف إنما يكون في البعد عن ذلك الجوار، ولو تظاهرت أسباب الأمن الظاهرة التي تعارف عليها الناس! وساق لهم قصة قارون؛ لتقرر هذه الحقيقة في صورة أخرى وتؤكدها.

- قال ابن عاشور: "ويقرب عندي أن يكون المسلمون ودوا أن تفصل لهم قصة رسالة موسى عليه السلام، فكان المقصود انتفاعهم بما في تفاصيلها من معرفة نافعة لهم؛ تنظيراً لحالهم وحال أعدائهم. فالمقصود ابتداء هم المسلمون؛ ولذلك قال تعالى في أولها: {نتلوا عليك من نبأ موسى وفرعون بالحق لقوم يؤمنون} (القصص:3)، أي للمؤمنين".

- والقصة الثانية تعرض قيمة المال، ومعها قيمة العلم؛ المال الذي يستخف القوم، وقد خرج عليهم قارون في زينته، وهم يعلمون أنه أوتي من المال ما إن مفاتحه لتعيي الأقوياء من الرجال. والعلم الذي يعتز به قارون ويغتر، ويحسب أنه بسببه وعن طريقه أوتي ذلك المال. ولكن الذين أوتوا العلم الصحيح من قومه لا تستخفهم خزائنه، ولا تستخفهم زينته، بل يتطلعون إلى ثواب الله، ويعلمون أنه خير وأبقى. ثم تتدخل يد الله فتخسف به وبداره الأرض، لا يغني عنه ماله، ولا يغني عنه علمه، وتتدخل تدخلاً مباشراً سافراً، كما تدخلت في أمر فرعون، فألقته في اليم هو وجنوده، فكان من المغرقين.


- دلت هاتان القصتان على أنه حين يسود الشر، ويسفر الفساد، ويقف الخير عاجزاً، والصلاح حسيراً، ويُخشى من الفتنة بالبأس والفتنة بالمال، عندئذ تتدخل يد القدرة سافرة متحدية، بلا ستار من الخلق، ولا سبب من قوى الأرض، لتضع حداً للشر والفساد. وهذا من أهم المقاصد التي تقرره هذه السورة.

- وبين القصتين يجول السياق مع المشركين جولات يبصرهم فيها بدلالة القصص-في سورة القصص- ويفتح أبصارهم على آيات الله المبثوثة في مشاهد الكون تارة، وفي مصارع الغابرين تارة، وفي مشاهد القيامة تارة...وكلها تؤكد العبر المستفادة من القصص، وتساوقها، وتتناسق معها، وتؤكد سنة الله التي لا تتخلف ولا تتبدل على مدار الزمان، واختلاف المكان.

- يقول سيد قطب رحمه الله ملخصاً مقاصد هذه السورة: "هذه السورة مكية، نزلت والمسلمون في مكة قلة مستضعفة، والمشركون هم أصحاب الحول والطَّول والجاه والسلطان. نزلت تضع الموازين الحقيقية للقوى والقيم، نزلت تقرر أن هناك قوة واحدة في هذا الوجود، هي قوة الله، وأن هناك قيمة واحدة في هذا الكون، هي قيمة الإيمان. فمن كانت قوة الله معه فلا خوف عليه، ولو كان مجرداً من كل مظاهر القوة، ومن كانت قوة الله عليه فلا أمن له، ولا طمأنينة، ولو ساندته جميع القوى، ومن كانت له قيمة الإيمان فله الخير كله، ومن فقد هذه القيمة، فليس بنافعه شيء أصلاً".

- وقد نوهت السورة بشأن القرآن، وعرَّضت ببلغاء المشركين، بأنهم عاجزون عن الإتيان بسورة مثله. وفصلت ما أجمل في سورة الشعراء من قول فرعون لموسى: {ألم نربك فينا وليدا ولبثت فينا من عمرك سنين * وفعلت فعلتك التي فعلت وأنت من الكافرين} (الشعراء:18-19) ففصلت سورة القصص كيف كانت تربية موسى في آل فرعون. وبيَّنت سبب زوال مُلك فرعون.

- كذلك فصلت السورة ما أجمل في سورة النمل من قوله سبحانه: {إذ قال موسى لأهله إني آنست نارا سآتيكم منها بخبر أو آتيكم بشهاب قبس لعلكم تصطلون} (النمل:7)، ففصلت سورة القصص كيف سار موسى وأهله، وأين آنس النار، ووصفت المكان الذي نودي فيه بالوحي، ومن ثم ذكرت دعوة موسى فرعون، فكانت هذه السورة أوعب لأحوال نشأة موسى إلى وقت إبلاغه الدعوة، ثم أجملت ما بعد ذلك؛ لأن تفصيله في سورة الأعراف، وفي سورة الشعراء. والمقصود من التفصيل ما يتضمنه من زيادة المواعظ والعبر.

- وكان من مقاصد السورة تحدي المشركين بعلم النبي صلى الله عليه وسلم بذلك، وهو أمي لم يقرأ، ولم يكتب، ولا خالط أهل الكتاب، ذيل الله ذلك بتنبيه المشركين إليه، وتحذيرهم من سوء عاقبة الشرك، وأنذرهم إنذاراً بليغاً.

- كما فنَّدت السورة قول المشركين: {لولا أوتي مثل ما أوتي موسى} (القصص:48) من الخوارق، كقلب العصا حية، ثم انتقاضهم في قولهم؛ إذ كذبوا موسى أيضاً. وتحداهم بإعجاز القرآن وهديه مع هدي التوراة. وأبطل معاذيرهم، وأنذرهم بما حل بالأمم المكذبة رسل الله، وساق لهم أدلة على وحدانية الله تعالى، وفيها كلها نعم عليهم، وذكرهم بما سيحل بهم يوم الجزاء، وأنحى عليهم في اعتزازهم على المسلمين بقوتهم ونعمتهم ومالهم، بأن ذلك متاع الدنيا، وأن ما ادخر للمسلمين عند الله خير وأبقى.

- وقد أومأت السورة إلى اقتراب هجرة المسلمين إلى المدينة، وإلى أن الله مظهرهم على المشركين بقوله: {ونريد أن نمن على الذين استضعفوا في الأرض} (القصص:5).

- ثم إن السورة قررت سنة اجتماعية، وهي إهلاك المكذبين بعد الإنذار والإعذار، كما قال تعالى: {وما كان ربك مهلك القرى حتى يبعث في أمها رسولا يتلو عليهم آياتنا وما كنا مهلكي القرى إلا وأهلها ظالمون} (القصص:59). وأيضاً، ألمعت السورة إلى أن البطر وعدم الشكر عاقبته الهلاك {وكم أهلكنا من قرية بطرت معيشتها فتلك مساكنهم لم تسكن من بعدهم إلا قليلا} (القصص:58)، وهذا كله من السنن التي لا تتخلف.

- عرضت السورة مشهداً من مشاهد يوم القيامة، حين يتخلى الشركاء عن شركائهم على رؤوس الأشهاد، فيبصرهم سبحانه بعذاب الآخرة، بعد أن حذرهم عذاب الدنيا، وبعد أن علمهم أين يكون الخوف، وأين يكون الأمان.

- وخُتمت السورة بوعد من الله لرسوله الكريم، وهو مُخْرَج من مكة، مُطَارَد من المشركين، بأن الذي فرض عليه القرآن لينهض بتكاليفه، لا بد رادّه إلى بلده، ناصره على الشرك وأهله، وقد أنعم عليه بالرسالة، ولم يكن يتطلع إليها، وسينعم عليه بالنصر والعودة إلى البلد الذي أخرجه منه المشركون، سيعود آمناً ظافراً مؤيداً.

فضل السورة

لم يصح حديث في فضل هذه السورة، لكن ذكر ابن إسحاق أنه قدم على النبي صلى الله عليه وسلم وهو بمكة عشرون رجلاً -أو قريباً من ذلك- من النصارى حين ظهر خبره في الحبشة، فدعاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتلا عليهم القرآن، فلما سمعوا فاضت أعينهم من الدمع، حتى استجابوا له، وآمنوا به، وصدقوه وعرفوا منه ما كان يوصف لهم من أمره، ويقال: فيهم نزلت هذه الآيات: {الذين آتيناهم الكتاب من قبله هم به يؤمنون} (القصص:52).

( يتبع – سورة العنكبوت )








مديح ال قطب 01-26-2021 02:30 PM











سورة العَنْكَبُوت

التعريف بالسورة
مكية . ماعدا الآيات من 1 : 11 فمدنية .
من المثاني .
آياتها 69 .
ترتيبها التاسعة والعشرون .
نزلت بعد سورة " الروم " .
بدأت السورة بأحد حروف الهجاء " الم "
السورة اسم كائن حي .

سبب التسمية
سميت هذه السورة الكريمة بسورة العنكبوت نسبة الى العنكبوت الذي ضربه الله مثلا للأصنام المنحوتة والآلهة المزعومة التي يعبدها الكفرون وهذا ما تجلى في قوله تعالى :
مثل الذين اتخذوا من دون الله أولياء كمثل العنكبوت اتخذت بيتا، وانّ أوهن البيوت لبيت العنكبوت، لو كانوا يعلمون.
يدور محور هذه السورة الكريمة حول سنة الابتلاء، ذلك أنّ المسلمين في مكة كانوا في أقسى أنواع المحنة والشدّة، ولهذا جاء الحديث عن موضوع الفتنة والابتلاء في هذه السورة مطوّلا مفصّلا وبوجه خاص عند ذكر قصص الأنبياء كي نقتدي بهم عليهم الصلاة والسلام.

سبب نزول السورة

1)قال الشعبي : نزلت في أناس كانوا بمكة قد أقروا بالإسلام فكتب إليهم أصحاب النبي من المدينة إنه لا يُقْبَل منكم إقرار ولا إسلام حتى تهاجروا فخرجوا عامدين إلى المدينة فأتبعهم المشركون فآذوهم فنزلت فيهم هذه الآية وكتبوا إليهم أن قد نزلت فيكم آية كذا وكذا فقالوا نخرج فان إتبعنا أحد قاتلناه فخرجوا فأتبعهم المشركون فقاتلوهم فمنهم من قُتِل ومنهم من نجا فأنزل الله تعالى فيهم (ثم إن ربك للذين هاجروا من بعد ما فُتِنوا )الآية وقال مقاتل نزلت في مهجع مولى عمر بن الخطاب كان أول قتيل من المسلمين يوم بدر رماه عمرو بن الحضرمي بسهم فقتله فقال النبي :سيد الشهداء مهجع وهو أول من يُدْعَى إلى باب الجنة من هذه الأمة فجزع عليه أبواه وامرأته فأنزل الله تعالى فيهم هذه الآية وأخبر أنه لا بُدَّ لهم من البلاء والمشقة في ذات الله تعالى . قال مصعب بن سعد بن أبي وقاص عن أبيه أنّه قال :نزلت هذه الآية فيَّ قال حلفت ام سعد لا تكلمه أبدا حتى يكفر بدينه ولا تأكل ولا تشرب ومكثت ثلاثة أيام حتى غُشِيَ عليها من الجهد فأنزل الله تعالى (وصينا الانسان بوالديه حسنا )رواه مسلم عن ابي خيثمة .

2) عن ابي عثمان النهدي ان سعد بن مالك قال : أُنزلت فيّ هذه الآية( وإن جاهداك لتشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما ) قال: كنت رجلا برا بأمي فلما أسلمتُ قالتْ يا سعد ما هذا الدين الذي قد أحدثت لتدعن دينك هذا أولا آكل ولا أشرب حتى أموت فَتُعَيَّر بي فيقال يا قاتل أمه قلت لا تفعلي يا أُمه فاني لا ادع ديني هذا لشىء قال فمكثت يوما لا تأكل فأصبحت قد جهدت قال فمكثت يوما آخر وليلة لا تأكل فأصبحت وقد اشتد جهدها قال لما رأيت ذلك قلت تعلمين والله يا أُمه لو كانت لك مائة نفس فخرجت نفسا نفسا ما تركت ديني هذا لشىء إن شئت فكلي وإن شئت فلا تأكلي فلما رأت ذلك أكلت فأُنزِلَت هذه الآية (وإن جاهداك ).


محاور مواضيع السورة

- يفتتح الله تبارك وتعالى السورة بقوله الكريم: ألم * أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا أمنا وهم لا يفتنون* ولقد فتنا الذين من قبلهم، فليعلمنّ الله الذين صدقوا وليعلمنّ الكاذبين.
انّ الكثير من الناس يعتقدون أنّ الايمان هو مجرّد كلمة تقال على اللسان، فاذا نزلت بهم محنة أوشدة انتكسوا الى جحيم الضلال، وارتدوا عن الاسلام تخلصا من عذاب الدنيا، وكأنّ عذاب الآخرة أهون من عذاب الدنيا.

- هل يظنّ الناس أنّ يتركوا هكذا من غير افتتان لمجرّد قولهم أمنا بألسنتهم؟ كلا... انّ الأمر ليس كذلك، ولو كان كذلك لما ابتلى الله تبارك وتعالى أنبياءه ورسله عليهم الصلاة والسلام، ابتداء من أبو البشر آدم الى نبينا محمد عليهم الصلاة والسلام أجمعين.

- حتى على مستوى المؤمنين والمؤمنات فقد تعرضوا لابتلاءات الله تبارك وتعالى، وهل ابتداء من ابتلاء أسيّة امرأة فرعون وانتهاء بالصحابيات الجليلات رضي الله تعالى عنهنّ أجمعين، ولعلّ ابتلاء السيدة عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم وأم المؤمنين رضي الله عنها عندما ابتلاها الله تبارك وتعالى بقصة الافك والتي برأها الله تعالى منها من فوق سبع سموات.
والابتلاء لم يقتصر على أمة دون أخرى، بل جميع الأمم تعرضت اليه من خلق آدم عليه الاسلام الى نبينا صلى الله عليه وسلم خاتم الأنبياء والمرسلين عليهم الصلاة والسلام جميعا، وهو سنة قديمة جارية في الأمم كلها.

ما هدف الابتلاء؟
ليميّز الله تبارك تعالى الصادق من الكاذب بقضية الايمان، وليؤكد الله تبارك وتعالى للكاذبين المجرمين الذين يرتكبون المعاصي والموبقات أنّ الله تعالى ليس غافلا عنهم، تماما كقوله تعالى في سورة ابراهيم: ولا تحسبّن الله غافلا عما يعمل الظالمون* انما يؤخرهم ليوم تشخص فيه الأبصار..... نعم يؤخرهم ليوم عصيب تشخص فيه الأبصارمن الفزع والهلع، فتبقى مفتوحة مبهوتة لا تطرف رموشها ولا تتحرك من هول ما يرونه من عجائب قدرته سبحانه وتعالى.

- ثمّ تناولت السورة قضية الصلاة وعلاقتها الوثيقة بالنهي عن الفحشاء والمنكر، وكما ورد في الحديث: من لم تنه صلاته عن المنكر لا صلاة له، ذلك أن الله تبارك تعالى حين يأمرنا باقامة الصلاة فعلينا أن نقيمها كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يقيمها أو قريبا منها، وقد صلى النبي صلى الله عليه وسلم ذات يوم على المنبر أمام المصلين ثم قال لأصحابه: صلوا كما رأيتموني أصلي.


ما معنى وأقيموا الصلاة؟
يقول الله تبارك وتعالى في هذه السورة الكريمة آية 45:
وأقم الصلاة ، انّ الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر، ولذكر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون
انّ هذه الآية الكريمة، تكاد تكون الآية الوحيدة الغير مقرونة بالزكاة، وذلك لعظم شأن الصلاة عند الله تبارك وتعالى.
هل معناها أن صلوا يا عبادي؟ لو كان معناها كذلك لقال الله تعالى : فرضت عليكم الصلاة، ولكن قوله تعالى وأقم الصلاة أي دم عليها ، واظب عليها ، حافظ على اقامتها بأركانها وشروطها وآدابها ، ولما كانت الصلاة عمود الاسلام فقد بلولغ في التوكيد فيها، وهذا ما تجلى في قوله تبارك وتعالى في سورة المعارج وسورة المؤمنون، فذكرت في أول خصا ل المؤمنين الحميدة ، وكما قال القرطبي رحمه الله: ذكر الله تعالى من أوصافهم في البدء الا الذين هم هلى صلاتهم دائمون، ثم قال تعالى في ختام هذه الخصال الحميدة: والذين هم على صلاتهم يحافظون ، والدوام غير المحافظة، فالدوام على الصلاة يعني المحافظة على آداءها في أوقاتها فلا يخلون بمواقيتها ولا يتشاغلون عنها لأي سبب من أسباب التشاغل ، وأما المحافظة عليها فأن يراعوا اسباغ الوضوء لها، ويقيمون أركانها من قيام وركوع وسجود وخشوع، ويكملوها بسننها وآدابها ويحفظوها اقتراف الآثام، وان أداها المصلي كما ينبغي لها أن تؤدّى خاشعا ومتذكرا المصلي عظمة الخالق تبارك وتعالى فيها ، متدبرا ما يتلوه من كتاب الله عزوجل، يحلّ حلاله ويحرّم حرامه، معتبرا أنّ الصلاة همّه الأوحد في الحياة، وأنها مقدّمة على كل شيء في الدنيا ومن أولويات حياته، وأنها تذكره بعظمة الله وجلال قدره في البيع والشراء والتكسّب المشروع، مستحضرا عظمة الخالق تبارك وتعالى العالم بما تخفيه الصدور، عندها فقط يكون من السعداء ويكتب عند الله من الذين يقيمون الصلاة، وغير ذلك تكون صلاته ناقصة أو مردودة عليه على حسب الأركان التي يستوفيها في الصلاة، لأنه سيكون بذلك واضعا نصب عينيه أنّ الله تعالى يعلم جميع أعمالنا وأفعالنا فيجازينا عليها أحسن المجازاة ولأجل ذلك ختم الله الآية والله يعلم ما تصنعون، ويقول أبو العالية رحمه الله: انّ الصلاة فيها ثلاث خصال: الاخلاص والخشية وذكر الله تعالى ، فالأخلاص يأمر بالمعروف، والخشية تنهى عن المنكر، وذكر الله تعالى هو قراءته للقرآن في الصلاة، وأن يأخذ كلّ ما فيه من أمر ونهي، وكل صلاة لا يكون فيها شيء من هذه الخلال فليست بصلاة.

- كذلك تناولت السورة الكريمة أمر الرزق والهجرة من دار الكفر الى دار الاسلام، وألا نجاور الظلمة، فأرض الله واسعة، يقول الله تعالى: يا عبادي الذين آمنوا انّ أرضي واسعة فاياي فاعبدون 56، ومعنى فاياي فاعبدون أي فخصّوني بالعبادة ولا تعبدوا أحدا سواي، ولا تعبدوا أحدا معي، أي لا تشركوا أحدا بعبادتي، وايّ شيء نفضله عن عبادته سبحانه وتعالى نكون قد ادخلنا أنفسنا بمتاهات الشرك ونحن لا ندري.

- ثم تتناول أمر الرزق، وأنّ يوسّع الرزق على من يشاء، ويضيّق الرزق على من يشاء لحكمة هو وحده سبحانه وتعالى يعلمها، لقوله تعالى: الله يبسط الرزق لمن يشاء من عباده، ويقدر له، انّ الله بكلّ شيء عليم، أي هو وحده من يعلم مصلحة العبد في توسيع الرزق على العبد من تضييقه عليه.


- ثم تتناول أمر الحياة الدنيا وتخبرنا أنّ الحياة الدنيا ما هي الا لهو ولعب وأنّ الآخرة هي الحياة الرئيسية، فالدنيا ليست الا جسر نعبر منه الى الآخرة، الدنيا ممّر لآخرتنا دار القرار، والدنيا يمكن أن نشبهها بسنة دراسية ننفق العام كله في الدراسة ليكون الامتحان في نهاية السنة الفيصل، اما نجاح وفلاح، واما فشل ورسوب، وهذه الدنيا امتحان وابتلاء، ويوم الحشر توّزع النتائج وسيقرأ كل منا نتيجته بنفسه، وهو أيضا سيحكم على نفسه ان كان من أصحاب الجنّة أم النار، وهذا ما تجلى في قوله تعالى في سورة الاسراء: وكلّ انسان ألزمناه طائره في عنقه ونخرج له يوم القيامة كتابا يلقاه منشورا* اقرأ كتابك كفى بنفسك اليوم عليك حسيبا (13-14 الاسراء)

- ويختم الله تبارك وتعالى السورة الكريمة بألا نظلم حتى لا يكون الظلم زادنا الى الجحيم، والظلم درجات، أدناه أكل حقوق الآخرين وأعلاه الشرك بالله وقانا الله واياكم من أن نظلم أو نظلم ، وأختم حديثي عن السورة الكريمة بقوله عزوجل: ومن أظلم ممّن افترى على الله كذبا أو كذب بالحق لمّا جاءه، أليس في جهنّم مثوى للكافرين.

فصل السورة
أخرج الدراقطني في السن عن عائشة عنها أن رسول الله كان يصلي في كسوف الشمس والقمر أربع ركعات وأربع سجدات يقرأ في الركعة الأولى بالعنكبوت أو الروم وفي الثانية ب يس " .

( يتبع - سورة الروم )







مديح ال قطب 01-26-2021 02:32 PM



http://img1.liveinternet.ru/images/a...5b0a0a52ff.gif


سورة الرُّوم

التعريف بالسورة
مكية . ماعدا الآية 17 فمدنية
من المثاني .
عدد آياتها .60 آية .
ترتيبها الثلاثون .
نزلت بعد سورة " الانشقاق " .
بدأت بأحد حروف الهجاء " الم "
الروم اسم قوم كانت تسكن شمال الجزيرة العربية ،

سبب التسمية

سميت ‏سورة ‏الروم ‏لذكر ‏تلك ‏المعجزة ‏الباهرة ‏التي ‏تدل ‏على ‏صدق ‏أنباء ‏القران ‏العظيم ‏‏" ‏آلم ‏‏* ‏غلبت ‏الروم ‏‏..‏‏." ‏وهي ‏بعض ‏معجزاته

سبب نزول السورة
1) قال المفسرون بعث كسرى جيشا إلى الروم واستعمل عليهم رجلا يُسمى شهريران فسار إلى الروم بأهل فارس وظهر عليهم فقتلهم وخرب مدائنهم وقطع زيتونهم وكان قيصر بعث رجلا يدعى يحنس فالتقى مع شهريران باذرعات وبصرى وهي أدنى الشام إلى أرض العرب فغلب فارس الروم وبلغ ذلك النبي وأصحابه بمكة فشق ذلك عليهم وكان النبي يكره أن يظهر الأميّون من أهل المجوس على أهل الكتاب من الروم وفرح كفار مكة وشمتوا فلقوا أصحاب النبي فقالوا :إنكم أهل كتاب والنصارى أهل كتاب ونحن أميون وقد ظهر إخواننا من أهل فارس على إخوانكم من الروم وإنكم إن قاتلتمونا لنظهرن عليكم فأنزل الله تعالى (الم غُلِبَتِ الرومُ في أدْنَى الأرضِ )إلى اخر الآيات .

2) عن عكرمة قال تعجب الكفار من إحياء الله الموتى فنزلت الآية .

3) عن ابن عباس قال : كان يلبي أهل الشرك لبيك اللهم لبيك لا شريك لك إلا شريك هو لك تملكه وما ملك فأنزل الله هذه الآية


محاور مواضيع السورة

- سورة الروم مكية وأهدافها نفس أهداف السور المكية التي تعالج قضايا العقيدة الإسلامية في إطارها العام وميدانها الفسيح الإيمان بالوحدانية وبالرسالة وبالبعث والجزاء .

{ الـم . غُلِبَتِ الرُّومُ . فِي أَدْنَى الأَرْضِ وَهُم مِّن بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ }

- هذه الآيات القرآنية الكريمة جاءت في مطلع سورة الروم‏,‏ وهي سورة مكية يدور محورها الرئيسي حول قضية العقيدة‏,‏ شأنها في ذلك شأن كل القرآن المكي‏.‏

- ومن قضايا العقيدة الأساسية الإيمان بوحدانية الخالق‏ -سبحانه وتعالى-,‏ وبوحدة الرسالة‏,‏ ووحدة الخلق‏,‏ والإيمان بالآخرة وأهوالها‏,‏ ومنها هول البعث‏,‏ وهول الحساب‏,‏ وهول الميزان‏,‏ وهول الصراط‏,‏ وحتمية الجزاء‏,‏ وحتمية الخلود في الحياة القادمة إما في الجنة أبداً أو في النار أبداً‏...!!‏

- وقد ابتدأت السورة الكريمة بالتنبؤ بحدث غيبي قبل وقوعه بعدة سنوات، ألا وهو انتصار الروم على الفرس بعد هزيمتهم أمامهم قبل نزول هذه السورة المباركة بعدة سنوات‏.‏
وتزخر السورة بالأمر بتسبيح الله‏,‏ وتنزيهه وحمده‏,‏ وبالاستشهاد بعدد كبير من الآيات الكونية الدالة على طلاقة قدرته وشمول علمه‏,‏ وعدل قضائه‏...!!‏


- تنصح السورة النبي والرسول الخاتم‏ -صلى الله عليه وسلم-‏
بأن يقيم وجهه لدين الإسلام الحنيف‏,‏ الذي لايرتضي ربنا ‏-تبارك وتعالى-‏ من عباده ديناً سواه‏,‏ لأنه دين الفطرة التي فطر الله‏ -تعالى- الناس عليها‏,‏ والتي لاتبديل لها‏,‏ وإن كان أكثر الناس لايعلمون ذلك‏,‏ وتأمر المسلمين بالإنابة إلى الله وتقواه‏,‏ كما تأمرهم بإقام الصلاة‏,‏ وبالحذر من الوقوع في دنس الشرك بالله‏,‏
لأن الذين أشركوا قد فرقوا دينهم‏,‏ وكانوا شيعاً عديدة حسب أهوائهم‏,‏ وكل حزب منهم فرح بما لديه‏...!!!‏

-وتحدثت السورة الكريمة عن شيء من التقلب في طبائع النفس البشرية‏,‏ والذي لاتستقيم معه الحياة السوية‏,‏ مثل اللجوء إلى الله تعالى في الشدة‏,‏ والإعراض عنه في الرخاء‏,‏ والإيمان به‏ -تعالى-‏ في لحظات الضيق‏,‏ والشرك أو الكفر به‏ -تعالى-‏ وبما أنزل في لحظات السعة والرحمة‏. وتضرب السورة مثلاً للناس من حياتهم على سخافة فكرة الشرك بالله إذا ناقشها العقل بشيء من الموضوعية والحيدة‏.‏



- ومن مكارم الأخلاق التي تدعو إليها السورة الكريمة‏:‏ الأمر بإخراج الزكاة وإيتاء ذي القربى,‏ والمساكين وأبناء السبيل‏,‏ والنهي عن أكل الربا‏,‏ على أن ينطلق ذلك كله من الايمان بأن الله‏ -تعالى-‏ هو الخالق‏,‏ الرزاق‏,‏ المحيي‏,‏ المميت‏,‏ وتربط السورة بين ظهور الفساد في البر والبحر وبين أعمال الناس وما كسبت أيديهم‏,‏ وتأمر بالسير في الأرض لاستخلاص العبر من سير الأولين‏, ‏ومصائر الظالمين‏.‏



-وتؤكد السورة مرة ثانية لخاتم الأنبياء والمرسلين‏ -صلى الله عليه وسلم‏-‏ ضرورة الاستقامة على الدين القيم من قبل أن تأتي الآخرة فيصدع بها كل الخلائق ثم يجزى كلٌ بعمله‏.‏


-ومن الآيات الكونية التي استشهدت بها سورة الروم على طلاقة القدرة الإلهية :‏ خلق السماوات والأرض‏,‏ وخلق الأحياء‏,‏ وخلق الإنسان‏,‏ كل ذلك في زوجية تشهد للخالق وحده‏ -سبحانه-‏ بالوحدانية المطلقة فوق جميع خلقه‏,‏ ومنها اختلاف ألسنة الناس وألوانهم‏,‏ وإعطاء الإنسان الاستطاعة على النوم بالليل
أو في النهار‏,‏ وعلى ابتغاء فضل الله‏,‏ ومن آياته الرعد والبرق‏,‏ وإنزال المطر‏,‏وإحياء الأرض بعد موتها‏,‏ وقيام السماوات والأرض بأمره‏,‏ وخضوع كل من فيها أو عليها بأمره‏,‏ وبعث الموتى بأمره‏,‏
وأنه هو الذي يبدأ الخلق ثم يعيده‏,‏ وله المثل الأعلى في السماوات والأرض‏.‏

ومن آياته إرسال الرياح برحمة منه وفضل‏,‏ وجري الفلك بأمره‏,‏ وإثارة السحاب‏,‏ وما يستتبعه من أحداث بأمره‏,‏ ومرور كل حي بمراحل من الضعف‏,‏ ثم القوة‏,‏ ثم الضعف والوفاة‏,‏ ومن آياته أنه يحيي الموتى وأنه على كل شيء قدير‏...!!‏



-وتذكر السورة خاتم الأنبياء والمرسلين‏ -صلى الله عليه وسلم-‏
بشيء من قصص من سبقه من الأنبياء والمرسلين‏,‏ وما أصاب أقوامهم من انتقام من الظالمين‏,‏ ونصر للمؤمنين‏,‏ كما تذكره‏ -صلوات الله وسلامه عليه-‏ بأن ما عليه إلا البلاغ‏.‏



-وتختتم السورة الكريمة مرة أخرى بالحديث عن البعث وأهواله‏,‏ وعن مصير أهل الكفر والشرك والضلال في هذا اليوم العصيب‏,‏ ومصير أهل الإيمان والتقوى‏,‏ وتكرر الإشارة إلى شيء من طبائع النفس البشرية‏,‏ وقد ضربت لها آيات القرآن الكريم من كل مثل‏,‏ ولكن الذين كفروا لايؤمنون‏,‏ فالله‏ تعالى‏ قد طبع على قلوب الذين لايعلمون‏.‏



-وتنتهي السورة بتثبيت خاتم الأنبياء والمرسلين‏ -صلى الله عليه وسلم-‏بوصية من الله‏ تعالى‏ له بالصبر على استخفاف الكفار والمشركين بدعوته‏,‏ والاطمئنان بأن وعد الله حق‏,‏ وهو واقع لا محالة‏...!!‏



-والآيات الكونية الواردة في سورة الروم تحتاج إلى مجلدات لتفصيل دلالاتها‏,‏ ولإظهار جوانب الإعجاز العلمي فيها‏,‏ ولكني سأقتصر في هذا المقال على الإشارة القرآنية إلى الموقع الذي هزمت فيه جيوش الروم على أيدي جيوش الفرس بالتعبير‏:‏ أدنى الأرض‏,‏ وقبل الدخول في ذلك لابد من عرض الدلالة اللغوية لهذا التعبير ولأقوال المفسرين فيه‏.‏

ذكر ابن كثير‏ -يرحمه الله
- قول ابن عباس‏ -رضي الله عنهما-
حيث قال‏:‏ كان المشركون يحبون أن تظهر فارس على الروم لأنهم أصحاب أوثان‏,‏ وكان المسلمون يحبون أن تظهر الروم على فارس‏,‏ لأنهم كانوا من أهل الكتاب‏ فذُكِرَ ذلك لأبي بكر‏ -رضي الله عنه- فذكره أبو بكر لرسول الله‏ صلى الله عليه وسلم ,‏ فقال رسول الله‏ صلى الله عليه وسلم‏ : « أما إنهم سيُغلبون »
‏ فذكره أبو بكر للمشركين‏
‏ فقالوا‏:‏ اجعل بيننا وبينك أجلاً,‏ فإن ظهرنا كان لنا كذا وكذا‏,‏ وإن ظهرتم كان لكم كذا وكذا‏,‏ فجعل أجل خمس سنين‏,‏ فلم يظهروا‏
‏ فذكر ذلك أبو بكر لرسول الله‏ صلى الله عليه وسلم،‏ فقال‏: (ألا جعلتها إلى دون العشر؟‏) ثم ظهرت الروم بعد‏,‏ قال فذلك قوله تعالى { الـم . غُلِبَتِ الرُّومُ . فِي أَدْنَى الأَرْضِ وَهُم مِّن بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ }

-وأضاف ابن كثير عدة روايات أخرى للحديث عن كل من مسروق‏,‏ وابن مسعود‏,‏ وعكرمة‏، -رضي الله عنهم أجمعين-
في المعنى نفسه‏,‏ وزاد قوله‏: وأما الروم فهم من سلالة العيص بن إسحاق بن إبراهيم‏,‏ ويقال لهم بنو الأصفر‏,‏ وكانوا على دين اليونان‏;‏ واليونان من سلالة يافث بن نوح أبناء عم الترك‏,‏ وكانوا يعبدون الكواكب السيارة‏,‏ وهم الذين أسسوا دمشق وبنوا معبدها‏,‏ فكان الروم على دينهم إلى بعد مبعث المسيح‏ -عليه السلام- بنحو من ثلاثمائة سنة‏,‏ وكان من ملك منهم الشام مع الجزيرة يقال له (قيصر);‏ فكان أول من دخل في دين النصارى من الروم( قسطنطين);‏ وأمه مريم الهيلانية من أرض حران وكانت قد تنصَّرت قبله فدعته إلى دينها‏...‏ واستمروا على النصرانية‏,‏ كلما هلك قيصر خلفه آخر بعده حتى كان آخرهم(هرقل)، فناوأه كسرى ملك الفرس‏,‏ وكانت مملكته أوسع من مملكة قيصر‏,‏ وكانوا مجوساَ يعبدون النار‏,‏ فتقدم عن عكرمة -رضي الله عنه-
أنه قال‏:‏ بعث إليه نوابه وجيشه فقاتلوه‏,‏ والمشهور أن كسرى غزاه بنفسه في بلاده فقهره‏,‏ وكسره وقصره حتى لم يبق معه سوى مدينة قسطنطينية فحاصره بها مدة طويلة حتى ضاقت عليه‏,‏ ولم يقدر كسرى على فتح البلدة‏,‏ ولا أمكنه ذلك لحصانتها‏,‏ لأن نصفها من ناحية البر‏,‏ ونصفها الآخر من ناحية البحر‏,‏ فكانت تأتيهم الميرة والمدد من هناك‏,‏ ثم كان غلب الروم لفارس بعد بضع سنين وهي تسع‏,‏ فإن البضع في كلام العرب ما بين الثلاث إلى التسع‏.‏



-وذكر صاحبا تفسير الجلالين -يرحمهما الله- كلاماً موجزاً في المعنى نفسه‏,‏ وأضافا تعليقاً على التعبير القرآني { فِي أَدْنَى الأَرْضِ }‏ أن المقصود به:
(أقرب أرض الروم إلى فارس بالجزيرة‏,‏ التقى فيها الجيشان‏,‏ والباديء بالغزو (هم) الفرس‏...).‏
وجاء في الظلال -رحم الله كاتبها رحمة واسعة- ما نصه‏:‏
"ثم جاءت النبوءة الصادقة الخاصة بغلبة الروم في بضع سنين‏، وأضاف رواية عبدالله بن مسعود (رضي الله عنه) مؤكداً أن هذا الحادث قد وردت فيه روايات كثيرة‏,‏ تتفق كلها في المعنى والدلالة‏,‏ وتختلف في الألفاظ وطرائق التعبير"‏.‏

-وجمع الكاتب -رحمه الله- من هذه الآيات القرآنية الكريمة عدداً من الإيحاءات منها‏:‏ الترابط بين الشرك والكفر في كل مكان وزمان أمام دعوة التوحيد والإيمان‏;‏ ومنها الثقة المطلقة في وعد الله كما تبدو في قولة أبي بكر -رضي الله عنه- في غير تلعثم ولا تردد‏,‏ والمشركون يعجبون من قول صاحبه‏,‏ فما يزيد على أن يقول‏:‏ صدق‏,‏ ويراهنونه فيراهن وهو واثق‏,‏ ثم يتحقق وعد الله‏,‏ في الأجل الذي حدده‏:‏ في بضع سنين‏.

-الإيحاء الثالث وهو المسارعة برد الأمر كله لله‏,‏ في هذا الحادث وفي سواه‏,‏ وتقرير هذه الحقيقة الكلية‏,‏ لتكون ميزان الموقف‏,‏ وميزان كل موقف‏,‏ فالنصر والهزيمة‏,‏ وظهور الدول ودثورها‏,‏ وقوتها وضعفها‏,‏ شأنه شأن سائر ما يقع في هذا الكون من أحداث ومن أحوال‏,‏ مرده كله إلى الله‏.‏


-وجاء في صفوة البيان لمعاني القرآن ما نصه‏:‏ احتربت الفرس والروم فيما بين أذرعات وبصري من أرض الروم يومئذ‏,‏ وهما أقرب أراضيها بالنسبة إلى مكة‏,‏ وكان ذلك قبل الهجرة بخمس سنين‏,‏ وقيل بست‏.‏ فظهر الفرس على الروم‏,‏ فلما بلغ الخبر مكة شق على المؤمنين‏,‏ لأن الفرس مجوس لا يدينون بكتاب‏,‏ والروم أهل كتاب‏;‏ وفرح المشركون وقالوا‏:‏ أنتم والنصارى أهل كتاب‏,‏ ونحن والفرس أمِّيون‏,‏ وقد ظهر إخواننا على إخوانكم‏,‏ ولنظهرن نحن عليكم‏,‏ فنزلت الآية وفيها‏:‏ أن الروم سيغلبون الفرس في بضع سنين‏.‏ والبضع‏:‏ ما بين الثلاث إلى التسع و { غلبهم }‏ كونهم مغلوبين‏.‏

-وجاء في المنتخب في تفسير القرآن الكريم ما نصه‏:‏ غلبت فارس الروم في أقرب الأرض من العرب‏,‏ وهي أطراف الشام‏,‏ وهم بعد انهزامهم سيغلبون الفرس‏,‏ قبل أن تمضي تسع سنوات‏. وكان المشركون قد فرحوا بانتصار فارس‏,‏ وقالوا للمسلمين‏:‏ سنغلبكم كما غلبت فارس الروم التي هي من أهل الكتاب‏،‏ وقد حقق الله وعده فانتصر الروم على فارس في الأجل الذي سماه‏,‏ فكان ذلك آية بينة على صدق محمد -صلى الله عليه وسلم- في دعواه وصحة ما جاء به‏.

-وجاء في الهامش التعليق التالي‏:‏ في هذه الآيات الشريفة إشارة إلى حدثين‏:‏ كان أولهما قد وقع بالفعل‏,‏ وأما الثاني فلم يكن قد وقع بعد‏,‏ وهو إخبار عن الغيب‏، وحُدِّدَ لوقوعه بضع سنين فيما بين الثلاث والتسع.

-وتفصيل الحدث الأول أن الفرس والبيزنطيين قد اشتبكوا في معركة في بلاد الشام على أيام خسروا أبرويز أو خسروا الثاني عاهل الفرس المعروف عند العرب بكسرى‏.‏ وهيراكليوس الصغير الإمبراطور الروماني المعروف عند العرب بهرقل‏;‏ ففي عام ‏614‏ م استولى الفرس على أنطاكية أكبر المدن في الأقاليم الشرقية للإمبراطورية الرومانية‏,‏ ثم على دمشق‏,‏ وحاصروا مدينة بيت المقدس إلى أن سقطت في أيديهم وأحرقوها ونهبوا السكان وأخذوا يذبحونهم‏.

-وتفصيل الحدث الثاني أن هرقل قيصر الروم الذي مني جيشه بالهزيمة، لم يفقد الأمل في النصر‏,‏ ولهذا أخذ يعد نفسه لمعركة تمحو عار الهزيمة‏,‏ حتى إذا كان عام‏622‏ الميلادي (أي العام الهجري الأول) أُرْغِمَ الفرس على خوض معركة على أرض أرمينيا وكان النصر حليف الروم‏,‏ وهذا النصر كان فاتحة انتصارات الروم على الفرس‏...‏ فتحققت بشرى القرآن‏.

-وثمة حدث ثالث يفهم من سياق هذه الآيات الشريفة كان مبعث فرح المسلمين، وهو انتصارهم على مشركي قريش في غزوة بدر التي وقعت في يوم الجمعة‏17‏ رمضان من العام الثاني الهجري (أي سنة‏624‏ م‏).

وجاء في صفوة التفاسير ما نصه‏:" { غُلِبَتِ الرُّومُ . فِي أَدْنَى الأَرْضِ } أي هزم جيش الروم في أقرب أرضهم إلى فارس
{ وَهُم مِّن بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ } أي وهم من بعد انهزامهم وغلبة فارس لهم سيغلبون الفرس‏,‏ وينتصرون عليهم‏ { فِي بِضْعِ سِنِينَ }‏ أي في فترة لا تتجاوز بضعة أعوام‏;‏ والبضع ما بين الثلاث والتسع‏.

-وأشار صاحب صفوة التفاسير -جزاه الله خيراً- إلى أقوال المفسرين السابقين وعلق على قوله تعالى: { وَهُم مِّن بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ ‏. فِي بِضْعِ سِنِينَ }‏ ما نصه‏:‏ وقد التقى الجيشان في السنة السابعة من الحرب‏,‏ وغلبت الروم فارس وهزمتهم‏,‏ وفرح المسلمون بذلك‏;‏ قال أبو السعود‏:‏ وهذه الآيات من البينات الباهرة‏,‏ الشاهدة بصحة النبوة‏,‏ وكون القرآن من عند الله عز وجل حيث أخبر عن الغيب الذي لا يعلمه إلا الله العليم الخبير‏,‏ ووقع كما أخبر‏,‏ وقال البيضاوي‏:‏ والآية من دلائل النبوة لأنها إخبار عن الغيب‏.


فضل السورة

1) أخرج عبد الرزاق عن معمر بن عبد الملك بن عمير أن النبي قرأ في الفجر يوم الجمعة بسورة الروم .

2) عن أبي روح قال صَلَّىَ رسول اللهالصبح فقرأ سورة الروم فتردد فيها فلما انصرف قال :" إنما يلبس علينا صلاتنا قوم يحضرون الصلاة بغير طهور من شَهِدَ الصلاة فليحسن الطُهُورَ .

( يتبع - سورة لقمان )








مديح ال قطب 01-26-2021 02:32 PM



http://img1.liveinternet.ru/images/a...5b0a0a52ff.gif


سورة لُقْمَان

التعريف بالسورة
مكية . ماعدا الآيات 27،28،29 فمدنية .
من المثاني .
آياتها 34 .
ترتيبها الحادية والثلاثون .
نزلت بعد سورة " الصافات " .
بدأت بأحد حروف الهجاء " الم " .
لقمان اسم لأحد الصالحين اتصف بالحكمة .

سبب التسمية
سميت ‏سورة ‏لقمان ‏لاشتمالها ‏على ‏قصة ‏لقمان ‏الحكيم ‏التي ‏تضمنت ‏فضيلة ‏الحكمة ‏وسر ‏معرفة ‏الله ‏تعالى ‏وصفاته ‏وذم ‏الشرك ‏والأمر ‏بمكارم ‏الأخلاق ‏والنهي ‏عن ‏القبائح ‏والمنكرات ‏وما ‏تضمنه ‏كذلك ‏من ‏الوصايا ‏الثمينة ‏التي ‏أنطَقَه ‏الله ‏بها‎ .‎‏



سبب نزول السورة

1) قال الكلبي ومقاتل : نزلت في النضر بن الحارث وذلك أنه كان يخرج تاجرا إلى فارس فيشتري أخبار الاعاجم فيرويها ويحدث بها قريشا ويقول لهم : إن محمدا يحدثكم بحديث عاد وثمود وأنا أحدثكم بحديث رستم واسفنديار وأخبار الأكاسرة فيستملحون حديثه ويتركون استماع القرآن فنزلت فيه هذه الآية .

2) عن علي بن يزيد عن القاسم عن أبي امامة قال : قال رسول الله: لا( يَحِلُّ تَعْلِيم المُغَنِّيَاتِ ولاَ بَيْعِهنَّ وَأَثْمَانُهُنَّ حَرَام )وفي مثل هذا نزلت هذه الآية ( وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْتَري لَهْوَ الحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَن سَبِيلِ اللَّهِ )إلى آخر الآية وما من رجل يرفع صوته بالغناء الا بعث الله تعالى عليه شيطانين أحدهما على هذا المنكب والآخر على هذا المنكب فلا يزالان يضربان بأرجلهما حتى يكون هو الذى يسكت ، وقال ثور بن أبي فاختة عن أبيه عن ابن عباس : نزلت هذه الآية في رجل اشترى جارية تغنيه ليلا ونهارا .





محور مواضيع السورة
هذه السورة الكريمة سورة لقمان من السور المكية التي تعالج موضوع العقيدة وتعني بالتركيز على الأصول الثلاثة لعقيدة الإيمان وهي الوحدانية والنبوة والبعث والنشور كما هو الحال في السورة المكية .
تمثّل بحق أفضل طرق تربية الأولاد وجاءت آياتها فيها رقة وحنو ولطف وهدوء، لقمان ينصح ابنه بكل مودة ولطف ورقّة ويكثر من استخدام كلمة (يا بني) وقد أوصاه بوصايا هي قمة الآداب الإجتماعية والأخلاق الحميدة.
و مقاصد سورة لقمان :
1. أوصاه بعدم الشرك بالله (وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ) آية 13

2- بر الوالدين (وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ) آية 14

3. عبادة الله وحسن الخلق ومعرفة حقيقة الدنيا بالصبر: (يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ) آية 17

4. الآداب والأخلاق (وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ) آية 18

5. الذوق وخفض الصوت (وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِن صَوْتِكَ إِنَّ أَنكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ) آية 19

6. وضع هدف للحياة وأهمية التخطيط: (وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِن صَوْتِكَ إِنَّ أَنكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ) آية 19، لأن معنى القصد قد يكون أن يكون له هدف في الحياة.

فهذه السورة تضع للآباء أسلوب وعظ الأبناء بحبّ ورقة حنان وتركز على أن الإسلام يرفض الإتباع الأعمى للآباء (وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءنَا أَوَلَوْ كَانَ الشَّيْطَانُ يَدْعُوهُمْ إِلَى عَذَابِ السَّعِيرِ) آية 21، لكن على الآباء أن يساعدوا أبناءهم ويشرحوا لهم حقيقة الحياة ويعظوهم لما فيه خيرهم بأسلوب رقيق لطيف.

وتختم السورة بالتأكيد على علم الله تعالى وقدرته في الكون (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ وَاخْشَوْا يَوْمًا لَّا يَجْزِي وَالِدٌ عَن وَلَدِهِ وَلَا مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ عَن وَالِدِهِ شَيْئًا إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُم بِاللَّهِ الْغَرُورُ * إِنَّ اللَّهَ عِندَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَّاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ ) آية 33 و34 وهذا ما يجب أن يربّي الآباء أبناءهم عليه فلا يغتروا بالحياة الدنيا وينسوا من وهب هذه الحياة ومن خلق الكون ابتداءً. وذكرت الآية الأخيرة (إِنَّ اللَّهَ عِندَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَّاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ) آية 34 خمس غيبيات لا يعلمها إلا الله تعالى: علم الساعة، انزال الغيث، علم ما في الأرحام، الرزق والكسب، ساعة ومكان الموت.

فضل السورة

أخرج النسائي وابن ماجة عن البراء قال : كنا نصلي خلف النبي الظهر ونسمع منه الآية بعد الآية من سورة لقمان


( يتبع - سورة السجدة )









مديح ال قطب 01-26-2021 02:33 PM



http://img1.liveinternet.ru/images/a...5b0a0a52ff.gif



سورة السَّجْدَة

التعريف بالسورة
مكية . ماعدا من الآية 16 : 20 فمدنية .
من المثاني .
آياتها 73 .
ترتيبها الثانية والثلاثون .
نزلت بعد سورة " المؤمنون ".
بدأت بأحد حروف الهجاء " الم "
بها سجدة في الآية 15 .

سبب التسمية
سُميت" ‏سورة ‏السجدة" ‏لما ‏ذكر ‏تعالى ‏فيها ‏من ‏أوصاف ‏المؤمنين ‏الأبرار ‏الذين ‏إذا ‏سمعوا ‏آيات ‏القران ‏العظيم ‏‏" ‏خروا ‏سجدا ‏وسبحوا ‏بحمد ‏ربهم ‏وهم ‏لا ‏يستكبرون" .

سبب نزول السورة
1) عن انس بن مالك قال : فينا نزلت معاشر الأنصار (تَتَجَافَى جُنُوبُهُم عَن المَضَاجِعِ )الآية كُنّا نصلي المغرب فلا نرجع إلى رحالنا حتى نصلى العشاء مع النبيوقال الحسن ومجاهد: نزلت في المتهجدين الذين يقومون الليل إلى الصلاة .

2) عن معاذ بن جبل :قال بينما نحن مع رسول الله الله عليه في غزوة تبوك وقد أصابنا الحر فتفرق القوم فنظرت فإذا رسول اللهأقربهم مني فقلت : يا رسول الله انبئني بعمل يدخلني الجنة ويباعدني من النار قال لقد سألت عن عظيم وإنه ليسير على من يسره الله تعالى عليه تعبد الله ولا تشرك به شيئا وتقيم الصلاة المكتوبة وتؤدي الزكاة المفروضة وتصوم رمضان وإن شئت أنبأتك بأبواب الخير )فقال: قلت أجل يا رسول الله ،قال : (الصوم جُنَّة والصدقة تُكَفِّر الخطيئة وقيام الرجل في جوف الليل يبتغي وجه الله تعالى قال :ثم قرأ هذه الآية( تتجافى جنوبهم عن المضاجع ) .

3) عن ابن عباس قال قال الوليد بن عقبة بن أبي معيط لعلي بن ابي طالب:أنا أحد منك سنانا وأبسط منك لسانا وأملأ للكتيبة منك ، فقال له علي : اسكت فإنما أنت فاسق فنزل (أَفَمَنْ كَانَ مُؤْمِنَا كَمَنْ كَانَ فَاسِقَا لا يَسْتَونَ ) قال : يعني بالمؤمن عليا وبالفاسق الوليد بن عقبة .


محور مواضيع السورة

سورة السجدة مكية وهي كسائر السور المكية تعالج أصول العقيدة الإسلامية الإيمان بالله واليوم الاخر والكتب والرسل والبعث والجزاء والمحور الذي تدور عليه السورة الكريمة هو موضوع البعث بعد الفناء الذي طالما جادل المشركون حوله واتخذوه ذريعة لتكذيب الرسول.
يظهر من خلال السورة استبطاء المشركين الفتح أنها نزلت في مرحلة متأخرة من البعثة المكية. وفي تلك المرحلة كان المشركون يشككون في نسبة الكتاب إلى الله رب العالمين, ويقولون أنه لو كان من عند الله لهدى الناس حتما, وبما أن بعضا/ كثيرا الناس لا تهتدي به فهو ليس من عند الله, كما كانوا يحاولون تقديم مبررات لاستبعاد البعث والحساب والفرار من العذاب, قائمة على تصور منتقص لقدرة الله.
فأنزل الله العليم سورة السجدة ليقول لهم أنه هو المدبر –وهذا هو المحور الرئيس الذي تدور فيه السورة-, فهو الذي يدبر الكون كيف يشاء بعلمه (ومن ثم ينصر عبده متى يشاء) وأنه القادر على هداية الناس لو شاء.

والسورة بمثابة امتداد للقمان, فكان محور السورة هناك أن الله قادر على إنفاذ وعده وهنا محور السورة أن الله هو المدبر, يدبر ما يحدث في كونه, فالأمور لا تحدث هكذا عبثا.
وختمت سورة لقمان بذكر بعضا من تدابير وعلوم الله: إِنَّ اللَّهَ عِندَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَّاذَا تَكْسِبُ غَداً وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ [لقمان : 34], وبدأت سورة السجدة بذكر فعل لله سبحانه وهو تنزيل الكتاب: " تَنزِيلُ الْكِتَابِ لَا رَيْبَ فِيهِ مِن رَّبِّ الْعَالَمِينَ [السجدة : 2]"

بدأت السورة بالقول أن تنزيل الكتاب لا ريب فيه هو من رب الجماعات البشرية المختلفة* فهل سيقولون أنه افترى هذا الكتاب الذي لا ريب فيه (هل هو افترى الآيات الكونية التي يرونها أمامهم من شمس وقمر .. الخ أم افترى قصص هلاك الأمم السابقة التي يعلمون بها قبل ميلاد محمد؟!!!) إنه الحق لتنذر قوما لعلهم يهتدون. إن الله خلق الكون في ستة أيام –وليس في لحظة واحدة- واستوى على العرش يدبر ما يحدث فيه, وليس ثمة شفيع ولا ولي يدفع ما يقضيه الله. وأفعاله كلها على الحكمة والحسنى, فهو بدأ خلق الإنسان من طين ثم مر بمراحل مختلفة حتى أصبح إنسانا مدركا سميعا بصيرا** (أفلا يستطيع الرب الذي أعطى الإنسان العقل أن يهديه؟!! وألا يستطيع أن يبعثه مرة أخرى؟!):

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
الم (1) تَنْزِيلُ الْكِتَابِ لَا رَيْبَ فِيهِ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ (2) أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ بَلْ هُوَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ لِتُنْذِرَ قَوْمًا مَا أَتَاهُمْ مِنْ نَذِيرٍ مِنْ قَبْلِكَ لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ (3) اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ مَا لَكُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا شَفِيعٍ أَفَلَا تَتَذَكَّرُونَ (4) يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ (5) ذَلِكَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (6) الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنْسَانِ مِنْ طِينٍ (7) ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ مَاءٍ مَهِينٍ (8) ثُمَّ سَوَّاهُ وَنَفَخَ فِيهِ مِنْ رُوحِهِ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ قَلِيلًا مَا تَشْكُرُونَ (9)

وردا على تساءل هؤلاء هل إذا بعدنا وشرقنا وغربنا في الأرض في أي مكان*** هل سنُبعث مرة أخرى؟ يؤمر الرسول بأن يقول أن ملك الموت الموكل بكم سيتوفاكم في أي مكان (وما تدري نفس بأي أرض تموت) –ولا يضايقك كبرهم وإعراضهم يا محمد- ولو ترى إذ هم ناكسون رؤوسهم عند ربهم مقرين بأنهم الآن أبصروا وسمعوا طالبين الرجوع لعمل الصالح. إن هدى الناس للإيمان لا يعجزنا ولو شئنا لفعلنا ولكن حق القول بملأ جهنم من المعرضين المستكبرين, جزاء لأعمالهم ولنسيانهم اليوم الآخر, فهؤلاء لا يؤمنون إنما يؤمن بآياتنا الخاشعون السائلون الله فهؤلاء لا تعلم نفس (وما تدري نفس ماذا تكسب غدا وما تدري ...) ماذا أعد الله لهم من قرة الأعين, ولا يمكن أن يستوون بالفاسقين, الذين لن يستطيعوا الهرب من عذاب الله, وسيذوقون في الدنيا نصيباً منه جزاء لأعمالهم فمن أظلم ممن أعرض عن آيات الله فهؤلاء سينتقم الله منهم:
وَقَالُوا أَإِذَا ضَلَلْنَا فِي الْأَرْضِ أَإِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ بَلْ هُمْ بِلِقَاءِ رَبِّهِمْ كَافِرُونَ (10) قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ (11) وَلَوْ تَرَى إِذِ الْمُجْرِمُونَ نَاكِسُو رُءُوسِهِمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ رَبَّنَا أَبْصَرْنَا وَسَمِعْنَا فَارْجِعْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا إِنَّا مُوقِنُونَ (12) وَلَوْ شِئْنَا لَآتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا وَلَكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ (13) فَذُوقُوا بِمَا نَسِيتُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا إِنَّا نَسِينَاكُمْ وَذُوقُوا عَذَابَ الْخُلْدِ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (14) إِنَّمَا يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا الَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِهَا خَرُّوا سُجَّدًا وَسَبَّحُوا بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ (15) تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ (16) فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (17) أَفَمَنْ كَانَ مُؤْمِنًا كَمَنْ كَانَ فَاسِقًا لَا يَسْتَوُونَ (18) أَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَلَهُمْ جَنَّاتُ الْمَأْوَى نُزُلًا بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (19) وَأَمَّا الَّذِينَ فَسَقُوا فَمَأْوَاهُمُ النَّارُ كُلَّمَا أَرَادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا أُعِيدُوا فِيهَا وَقِيلَ لَهُمْ ذُوقُوا عَذَابَ النَّارِ الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ (20) وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذَابِ الْأَدْنَى دُونَ الْعَذَابِ الْأَكْبَرِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (21) وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ ثُمَّ أَعْرَضَ عَنْهَا إِنَّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ مُنْتَقِمُونَ (22)


(وكما أنزلنا إليك الكتاب للهدى) آتينا موسى الكتاب وجعلناه هدى لبني إسرائيل (وصدقناهم الوعد) فجعلنا منهم أئمة يهدون بأمرنا لما صبروا وكانوا موقنين بآياتنا (فلا تعجل بالفتح ولا بالهداية فكل شيء يحتاج إلى وقت ولا تكن في مرية من لقاء الله) وسيفصل الله بينهم في الاختلافات التي حدثت بينهم:
وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ فَلَا تَكُنْ فِي مِرْيَةٍ مِنْ لِقَائِهِ وَجَعَلْنَاهُ هُدًى لِبَنِي إِسْرَائِيلَ (23) وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ (24) إِنَّ رَبَّكَ هُوَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (25)

أولم يهد لهم القرون التي أهلكناها في مختلف أنحاء الأرض والذين مشوا في مساكنهم, فهل يظنون أنهم سينجون من الهلاك؟ وكما أهلكنا الأمم العامرة ألم يروا أننا سقنا الماء إلى الأرض التي لا تُنبت فأحييناها وأخرجنا منها النبات (أفلن نقدر على إحياءكم؟!!):
أَوَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ كَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنَ الْقُرُونِ يَمْشُونَ فِي مَسَاكِنِهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ أَفَلَا يَسْمَعُونَ (26) أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَسُوقُ الْمَاءَ إِلَى الْأَرْضِ الْجُرُزِ فَنُخْرِجُ بِهِ زَرْعًا تَأْكُلُ مِنْهُ أَنْعَامُهُمْ وَأَنْفُسُهُمْ أَفَلَا يُبْصِرُونَ (27)

ثم تُختم السورة بالرد على تساءل المشركين حول الفتح –ليس بتحديد الميعاد- وإنما بالإعلان أنه عندما ينزل لن ينفعهم الإيمان ولن يؤجل, لذلك لا تهتم يا محمد وانتظر فهم كذلك منتظرون:
وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْفَتْحُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (28) قُلْ يَوْمَ الْفَتْحِ لَا يَنْفَعُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِيمَانُهُمْ وَلَا هُمْ يُنْظَرُونَ (29) فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَانْتَظِرْ إِنَّهُمْ مُنْتَظِرُونَ (30)

فضل السورة

1) روى البخاري وغيره عن أبي هريرةقال: كان رسول اللهيقرأ في الفجر يوم الجمعة " الم تنزيل " السجدة " وهل أتى على الإنسان " .

2) عن جابرقال :كان النبيلا ينام حتى يقرأ " الم تنزيل " السجدة " وتبارك الذي بيده الملك " .

3) عن المسيب بن رافعأن النبيقال : " الم تنزيل " تجىء لها جناحان يوم القيامة تُظِلُّ صاحبها وتقول لا سبيل عليه لا سبيل عليه " .


( يتبع - سورة الأحزاب )








مديح ال قطب 01-26-2021 02:33 PM



http://img1.liveinternet.ru/images/a...5b0a0a52ff.gif


سورة الأحزاب

التعريف بالسورة :
مدنية .
من المثاني .
آياتها 73 .
ترتيبها الثالثة والثلاثون .
نزلت بعد سورة " آل عمران " .
تبدأ باسلوب نداء " يا أيها النبي " .
الأحزاب أحد أسماء غزوة الخندق .

سبب التسمية

سُميت ‏‏" ‏سورة ‏الأحزاب ‏‏" ‏لأن ‏المشركين ‏تحزبوا ‏على ‏المسلمين ‏من ‏كل ‏جهة ‏فاجتمع ‏كفار ‏مكة ‏مع ‏غطفان ‏وبني ‏قريظة ‏وأوباش ‏العرب ‏على ‏حرب ‏المسلمين ‏ولكن ‏الله ‏ردهم ‏مدحورين ‏وكفى ‏المؤمنين ‏القتال ‏بتلك ‏المعجزة ‏الباهرة ‏‏.

سبب نزول السورة

1) نزلت في أبي سفيان وعكرمة بن ابي جهل وأبي الاعور السلمي قدموا المدينة بعد قتال أحد فنزلوا على عبد الله بن أُبَيّ وقد أعطاهم النبيالأمان على أن يكلموه فقام معهم عبد الله بن سعد بن أبي سرح وطعمة بن ابيرق فقالوا للنبيوعده عمر بن الخطاب: ارفض ذكر آلهتنا اللات والعزى ومنات وقل إن لها شفاعة ومنفعة لمن عبدها وندعك وربك ، فَشَقَّ على النبي قولهم فقال عمر بن الخطاب:ائذن لنا يا رسول الله في قتلهم ؛ فقال : إني قد أعطيتهم الأمان فقال عمر :اخرجوا في لعنة الله وغضبه ،فأمر رسول اللهأن يخرجهم من المدينة فأنزل الله عز وجل هذه الآية . نزلت في جميل بن معمر الفهري وكان رجلا لبيبا حافظا لما سمع فقالت قريش : ما حفظ هذه الاشياء إلا وله قلبان ،وكان يقول إن لي قلبين أعقل بكل واحد منهما أفضل من عقل محمد،فلما كان يوم بدر وهُزِمَ المشركون وفيهم يومئذ جميل بن معمر تلقاه أبو سفيان وهو معلق إحدى نعليه بيده والاخرى في رجله فقال له : يا أبا معمر ما حال الناس ؟ قال : انهزموا ، قال :فما بالك إحدى نعليك في يدك والأخرى في رجلك ؟ ،قال: ما شعرت إلا إنهما في رجلي ،وعرفوا يومئذ أنّه لو كان له قلبان لما نسي نعله في يده .

2) نزلت في زيد بن حارثة كان عند الرسولفأعتقه وتبناه قبل الوحي فلما تزوج النبي زينب بنت جحش وكانت تحت زيد بن حارثة قال اليهود والمنافقون : تزوج محمدا امرأة ابنه وهو ينهى الناس عنها ؛ فأنزل الله تعالى هذه الآية .

3) عن أبي سعيد (إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أهْلَ البيتِ وَيُطَهِّرَكُم تَطْهِيرًا ) قال :نزلت في خمسة في النبيوعلي وفاطمة والحسن والحسين عليهم السلام .

4) عن ابن عباس قال :أُنْزِلَتْ هذه الآية في نساء النبي(إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أهْلَ البيتِ ).

5) قال مقاتل بن حيان بلغني أن أسماء بنت عميس لما رجعت من الحبشة معها زوجها جعفر بن ابي طالب دخلت على نساء النبي فقالت :هل نزل فينا شئ من القرآن ؟ قلن : لا ، فأت النبيفقالت: يا رسول الله إن النساء لفي خيبة وخسار، قال ومِمَ ذلك ؟قالت: لأنهنّ لا يُذْكَرْنَ في الخير كما يُذْكَرُ الرجال ، فأنزل الله تعالى (إنَّ المُسلمِينَ وَالمُسلِمَاتِ ) إلى آخرها وقال قتادة : لما ذكر الله تعالى أزواج النبيدخل نساء من المسلمات عليهن فقلن :ذُكِرْتُنَّ وَلَمْ نُذْكَر وَلَو كَانَ فِينَا خَيرٌ لَذُكِر، فأنزل الله تعالى (إنَّ المُسلمِينَ وَالمُسلِمَاتِ ).




محاور وأهداف مواضيع السورة :

سورة الأحزاب من السور المدنية التي تتناول الجانب التشريعي لحياة الأمة الإسلامية شأن سائر السور المدنية وقد تناولت حياة المسلمين الخاصة والعامة وبالأخص أمر الأسرة فشرعت الأحكام بما يكفل للمجتع السعادة والهناء وأبطلت بعض التقاليد والعادات الموروثة مثل التبني والظهار واعتقاد وجود قلبين لإنسان وطهرت من رواسب المجتمع الجاهلي ومن تلك الخرافات والأساطير الموهومة التي كانت متفشية في ذلك الزمان .

وهذه السورة تتولى جانباً من إعادة تنظيم المجتمع المسلم بالمدينة ، وإبراز تلك الملامح وتثبيتها في حياة الأسرة والجماعة؛ وبيان أصولها من العقيدة والتشريع؛ كما تتولى تعديل الأوضاع والتقاليد أو إبطالها؛ وإخضاعها في هذا كله للتصور الإسلامي الجديد . كما تتناول غزوتي الأحزاب وبني قريظة والدروس والتعقيبات عليهما . وربط هذا وذاك بأصل العقيدة في الله والاستسلام لقدره . و تختم السورة ببيان الأمانة الضخمة الملقاة علي عاتق هذه الأمة , أمانة العقيدة والاستقامة عليها , والدعوة والصبر عليها , والشريعة والقيام على تنفيذها في أنفسهم وفي الأرض من حولهم . وهذا تفصيل لهذه الأهداف في نقاط ٍ محددة :

النقطة الأولى :
التقدير العظيم للنبي ومكانته عند الله وذلك يتمثل في :
- النداء الندي الطيب الحبيب للنبي _ صلى الله عليه وسلم _ : ( يا أيها النبي ... ) . بخلاف ما نودي به الأنبياء من قبل : يا آدم , يا إبراهيم , يا نوح ... . ويلحق به قوله تعالى : ( إن الله وملائكته يصلون عليى النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليمًا ) , فإذا كان الله والملائكة يصلون عليه فمن باب أولى يصلي عليه المؤمنون !!! . ( لقد كان لكم في رسول الله أسوة ٌ حسنة ٌ لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيرًا ) .

- الأمر بعدم إيذاء النبي _ صلى الله عليه وسلم : ( يا أيها الذين آمنوا لاتكونوا كالذين آذوا موسى فبرأه الله مما قالوا وكان عند الله وجيهًا ) وَمَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ وَلَا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَدًا إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمًا (53) . إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا مُهِينًا (57)

النقطة الثانية :
الأمر بالتقوى للأمة في شخص النبي صلى الله عليه وسلم ( يا أيها النبي اتق الله ) وفي شخص أمهات المؤمنين _ رضي الله عنهن _ ( واتقين الله ) . وللمؤمنين ) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا ) (70) .

النقطة الثالثة :
- الاستسلام لله تعالى كما في : َ(ولَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا (22 ) . يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا (28) وَإِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآَخِرَةَ فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنْكُنَّ أَجْرًا عَظِيمًا (29) . وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا (36) . َما كَانَ عَلَى النَّبِيِّ مِنْ حَرَجٍ فِيمَا فَرَضَ اللَّهُ لَهُ سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَرًا مَقْدُورًا (38) .

- الأمر بالحجاب , وإرخاء الثياب ( ذلك أدنى أن يعرفن فلا يؤذين ) وأن تقر النساء في بيوتهن , ولا يخرجن إلإ بضوابط معينة منبثقة من روح الشريعة السمحاء .

- إبطال عادات : إن المجتمعات التي عاشت مئات السنين على عادات وتقاليد معينة , ويراد لها أن تتحول إلى نظام اجتماعي جديد يقوم على احترام كرامة الإنسان , والاعتدال والتوازن , منهج مستمد من كتاب الله وسنة نبيه – صلى الله عليه وسلم – هذا التحويل ينزل به الوحي فيتفاعل معه المؤمنون بالسمع والطاعة, كما حدث في الأمر بالحجاب , وتحريم الخمر وتحريم التبني وإلغاء ميراث التآخي والموالاة وغيرها , لاشك أن هذا الأمر يحتاج إلى وقت كي يقر ويقام في النفوس أو تقام النفوس عليه .

- إبطال التبني , وقد جاء إلغاء هذا الأمر مع النبي - صلى الله عليه وسلم - نفسه ليكون أدعى بالتذكر وعدم النسيان , وأن يكون تنفيذه غير قابل ٍ للتلكؤ أو للتأخير .

- عدم دخول بيوت النبي - صلى الله عليه وسلم - إلا بإذن .

- عدم الانتظار - بعد أن طعموا - في بيت النبي صلى الله عليه وسلم - لأن ذلك يؤذي النبي وأهل بيته ويحدث بعض الحرج لدرجة أن أم المؤمنين زينب بنت جحش – رضي الله عنها – كانت تجلس ووجهها للجدار وظهرها للرهط الجلوس والله لايستحيي من الحق : يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلَى طَعَامٍ غَيْرَ نَاظِرِينَ إِنَاهُ وَلَكِنْ إِذَا دُعِيتُمْ فَادْخُلُوا فَإِذَا طَعِمْتُمْ فَانْتَشِرُوا وَلَا مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ فَيَسْتَحْيِي مِنْكُمْ وَاللَّهُ لَا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ وَمَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ وَلَا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَدًا إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمًا (53) . وإذا كاننت هذه الآداب مأمور بها في بيت النبي – صلى الله عليه وسلم – فهي مطلوبة كذلك في بيوت المؤمنين وغير المؤمنين .


- النهي عن تبرج الجاهلية الأولى . قال مقاتل بن حيان : والتبرج أنها تلقي الخمار على رأسها ولا تشده فيداري قلائدها وقرطها وعنقها ، ويبدو ذلك كله منها . وذلك التبرج! وقال ابن كثير في التفسير : كانت المرأة منهن تمر بين الرجال مسفحة بصدرها لا يواريه شيء؛ وربما أظهرت عنقها وذوائب شعرها وأقرطة آذانها . فأمر الله المؤمنات أن يستترن في هيئاتهن وأحوالهن . فكيف بنا إذا قارنا الجاهلية الأولى بجاهلية اليوم !! .

- إلغاء ميراث التآخي ورده للقرابةوالنسب ( وألو الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله من المؤمنين والمهاجرين .... ) .

ومن نفحات السورة أيضًا :
- إن الناظر إلى واقع العالم الإسلامي اليوم يرى تحزب قوى الشر والاستعمار أهل الحقد والدمار – ضدنا بحرب ٍ ضروس عسكرية احتلوا بها بلادنا وانتهكوا حرمة أوطاننا ودنسوا أعراضنا ونهبوا ثرواتنا , وأخرى لا تقل عنها ضراوة ً ضد مناهجنا التعليمية وقيمنا الإسلامية . هذا من الخارج أما من الداخل فترى بعض قومنا من يتقوى بهذه الأحزاب ويهتف لها بالمجيء , أو يخرج هو إليهم ويأتلف مع قوتهم المحاربة ويركب معهم آلياتهم ليجهزعلى قومه ووطنه لينال كعكة معجونة بدم قومه وإخوانه . وآخرون من قومنا من يحارب قيمنا ويدعو إلي السفور والدعارة إما في الكتب وإما عبر شاشات التلفاز والفضائيات أو علي صفحات الجرائد والمجلات . ومنهم من يمالئ كل ظالم ٍ متجبر ٍ ويساند كل أمير ٍمتصدر ٍ . ومنهم من يحارب كل وطني ٍ شريف ويتهم كل صادق ٍ عفيف . ولله الأمر من قبل ومن بعد . ومنهم من هو مستعد لأي فننة من هذا النوع أو ذاك ( وَلَوْ دُخِلَتْ عَلَيْهِمْ مِنْ أَقْطَارِهَا ثُمَّ سُئِلُوا الْفِتْنَةَ لَآَتَوْهَا وَمَا تَلَبَّثُوا بِهَا إِلَّا يَسِيرًا (14) . وما أشبه الليلة بالبارحة : عندما كان المسلمون بين نارين : المشركون من خارج المدينة واليهود والمنافقون والمرجفون من الداخل . أما الذين لم يتربوا التربية الإسلامية الصحيحة فالخوف ملأ نفوسهم وأحاط بمجامع قلوبهم . وأما أهل الدعوة والإصلاح , السالكين درب الهدى والفلاح فقالوا: ( هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا ) (22) . وما زادهم التضييق والتشويه والضغوط والسجن ( إلا إيمانًا ) أي تصديقًا بوعده سبحانه فى البقرة حين قال : { أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُواْ الجنة وَلَمَّا يَأْتِكُم مَّثَلُ الذين خَلَوْاْ مِن قَبْلِكُم مَّسَّتْهُمُ البأسآء والضرآء وَزُلْزِلُواْ حتى يَقُولَ الرسول والذين آمَنُواْ مَعَهُ متى نَصْرُ الله ألا إِنَّ نَصْرَ الله قَرِيبٌ } [ الآية : 214 ] . ( وتسليمًا ) لأمر الله وقضائه . · ( وداعيًا إلى الله ) وليس يدعو إلى فتنة أو فساد أو تجبر في الأرض ؛ بل يدعو إلى منهج الله العظيم وصراطه المستقيم .


- حظيت النساء بنصيب ٍ كبير من الاهتمام في هذه السورة من مثل : ( ياأيها النبي قل لأزواجك إن كنتن تردن الحياة الدنيا .. .. إلى قوله سبحانه : إن المسلمين والمسلمات ... ) ( لا جناح عليهن في آبائهن ولا أبنائهن .... ) . ( يا أيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين من جلابيبهن ذلك أدنى أن يعرفن فلا يؤذين وكان الله غفورًا رحيمًا ) . · تجد الرجل والمرأة على قدم المساواة معًا في مجال التكليف و العمل الصالح والتسابق إلى الله : (إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا (35) وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا (36) . ( وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا )(58) .

- شهادة الله عز وجل للمؤمنين ( من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من يبتظر وما بدلوا تبديلا ) . وما أشرفها من شادة وما أعظها من مكانة !!! . لابدأنهم بالفعل وعدوا فوفوا و عاهدوا فصدقوا ؛ فشرفهم الله بهذه الشهادة

- وفي مقابل ذلك صورة مرعبة مخيفة للكافرين (إِنَّ اللَّهَ لَعَنَ الْكَافِرِينَ وَأَعَدَّ لَهُمْ سَعِيرًا (64) خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا لَا يَجِدُونَ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا (65) يَوْمَ تُقَلَّبُ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ يَقُولُونَ يَا لَيْتَنَا أَطَعْنَا اللَّهَ وَأَطَعْنَا الرَّسُولَا (66) وَقَالُوا رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءَنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَا (67) رَبَّنَا آَتِهِمْ ضِعْفَيْنِ مِنَ الْعَذَابِ وَالْعَنْهُمْ لَعْنًا كَبِيرًا (68) . · {ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزاً عظيماً } . . فطاعة الله ورسوله تحمل جزاءها في ذاتها؛ وهي الفوز العظيم ، قبل يوم الحساب وقبل الفوز بالنعيم . أما نعيم الآخرة فهو فضل زائد على جزاء الطاعة . فضل من كرم الله وفيضه بلا مقابل . والله يرزق من يشاء بغير حساب . ولعله فضل نظر الله فيه إلى ضعف هذا الإنسان ، وإلى ضخامة التبعة التي يحملها على عاتقه . وإلى حمله للأمانة التي أشفقت منها السماوات والأرض والجبال . · { لِّيُعَذِّبَ الله المنافقين والمنافقات } يقول : عرضنا الأمانة على الإنسان لكى يعذب الله المنافقين { والمشركين والمشركات } بما خانوا الأمانة وكذبوا الرسل ، ونقضوا الميثاق الذى أقروا به على أنفسهم ، يوم أخرجهم من ظهر آدم ، عليه السلام ، حين قال عز وجل : { أَلَسْتَ بِرَبِّكُمْ قَالُواْ بلى } [ الأعراف : 172 ] ، فنقضوا هذه المعرفة وتركوا الطاعة يعنى التوحيد { وَيَتُوبَ الله } يقول : ولكى يتوب الله { عَلَى المؤمنين والمؤمنات } بما وفوا بالأمانة ولم ينقضوا الميثاق { وَكَانَ الله غَفُوراً } لذنوبهم { رَّحِيماً } [ آية : 73 ] بهم . ·

فضل السورة

أخرج أحمد " عن عروةقال : أكثر ما كان رسول الله على المنبر يقول " اتقوا الله وقولوا قولا سديدا ".


( يتبع - سورة سبأ )








مديح ال قطب 01-26-2021 02:34 PM



http://img1.liveinternet.ru/images/a...5b0a0a52ff.gif


سورة سبأ

التعريف بالسورة
مكية . ماعدا الآية "6" فمدنية.
من المثاني .
عدد آياتها .54 .
ترتيبها الرابعة والثلاثون .
نزلت بعد سورة " لقمان " .
بدأت باسلوب ثناء " الحمد لله "
السورة اسم لأحد الأقوام التي كانت تسكن جنوب الجزيرة العربية وهي سبأ والتي ورد اسمها في عدد من المواقع مثل سورة النمل .

سبب التسمية
سُميت ‏‏" ‏سورة ‏سبأ‏" ‏لأن ‏الله ‏تعالى ‏ذكر ‏فيها ‏قصة ‏سبأ‏ و هم ‏ملوك ‏اليمن ‏وقد ‏كان ‏أهلها ‏في ‏نعمة ‏ورخاء ‏وسرور ‏وهناء ‏وكانت ‏مساكنهم ‏حدائق ‏وجنات ‏فلما ‏كفروا ‏النعمة ‏دمرهم ‏الله ‏بالسيل ‏العرم ‏وجعلهم ‏عبرة ‏لمن ‏يعتبر ‏‏.

سبب نزول السورة

1) أخرج ابن أبي شيبة وغيره عن ابن زيد قال : كان رجلان شريكان خرج أحدهما إلى الساحل وبقي الآخر فلما بعث النبيكتب إلى صاحبه يسأله فكتب اليه :إنه لم يتبعه أحد من قريش إلا رذالة الناس ومساكينهم، فترك تجارته وأتى صاحبه فقال له :دُلَّنِي عليه ، وكان يقرأ الكتب فأتى النبي فقال : إلام تدعو ؟ قال : إلى كذا وكذا قال : أشهد أنك رسول الله قال : مَا عِلمُكَ بذلك ؟ ،قال :إنه لم يبعث نبي إلا اتبعه رذالة الناس ومساكينهم ؛ فنزلت هذه الآيات فأرسل إليه النبي : إن الله قد أنزل تصديق ما قلت " .

2) أخرج ابن جرير وغيره عن ابن زيد في هذه الآية قال :هم قتلى المشركين من أهل بدر نزلت فيهم هذه الآية .



محاور ومقاصد السورة

سور سبأ من السور المكية التي تهتم بموضوع العقيدة الإسلامية وتناول أصول الدين من إثبات الوحدانية والنبوة والبعث والنشور .
موضوعات هذه السورة المكية هي موضوعات العقيدة الرئيسية: توحيد الله، والإيمان بالوحي، والاعتقاد بالبعث. وإلى جوارها تصحيح بعض القيم الأساسية المتعلقة بموضوعات العقيدة الرئيسية. وبيان أن الإيمان والعمل الصالح لا الأموال ولا الأولاد هما قوام الحكم والجزاء عند الله. وأنه ما من قوة تعصم من بطش الله؛ وما من شفاعة عنده إلا بإذنه.
والتركيز الأكبر في السورة على قضية البعث والجزاء؛ وعلى إحاطة علم الله وشموله ولطفه. وتتكرر الإشارة في السورة إلى هاتين القضيتين المترابطتين بطرق منوعة، وأساليب شتى؛ وتظلل جو السورة كله من البدء إلى النهاية.
فعن قضية البعث يقول: {وقال الذين كفروا: لا تأتينا الساعة. قل بلى وربي لتأتينكم}..

وعن قضية الجزاء يقول: {ليجزي الذين آمنوا وعملوا الصالحات، أولئك لهم مغفرة ورزق كريم. والذين سعوا في آياتنا معاجزين أولئك لهم عذاب من رجز أليم}.


وفي موضع آخر قريب في سياق السورة: {وقال الذين كفروا هل ندلكم على رجل ينبئكم إذا مزقتم كل ممزق إنكم لفي خلق جديد؟ أفترى على الله كذباً أم به جنة؟ بل الذين لا يؤمنون بالآخرة في العذاب والضلال البعيد}.


ويورد عدة مشاهد للقيامة، وما فيها من تأنيب للمكذبين بها، ومن صور العذاب الذي كانوا يكذبون به، أو يشكون في وقوعه كهذا المشهد: {ولو ترى إذ الظالمون موقوفون عند ربهم يرجع بعضهم إلى بعض القول. يقول الذين استضعفوا للذين استكبروا: لولا أنتم لكنا مؤمنين. قال الذين استكبروا للذين استضعفوا: أنحن صددناكم عن الهدى بعد إذ جاءكم؟ بل كنتم مجرمين. وقال الذين استضعفوا للذين استكبروا: بل مكر الليل والنهار إذ تأمروننا أن نكفر بالله ونجعل له أنداداً. وأسروا الندامة لما رأوا العذاب، وجعلنا الأغلال في أعناق الذين كفروا. هل يجزون إلا ما كانوا يعملون؟} وتتكرر هذه المشاهد وتتوزع في السورة وتختم بها كذلك: {ولو ترى إذ فزعوا فلا فوت وأخذوا من مكان قريب. وقالوا: آمنا به. وأنى لهم التناوش من مكان بعيد؟ وقد كفروا به من قبل ويقذفون بالغيب من مكان بعيد وحيل بينهم وبين ما يشتهون كما فعل بأشياعهم من قبل. إنهم كانوا في شك مريب}


وعن قضية العلم الإلهي الشامل يرد في مطلع السورة: {يعلم ما يلج في الأرض وما يخرج منها، وما ينزل من السماء وما يعرج فيها}..

ويرد تعقيباً على التكذيب بمجيء الساعة: {قل: بلى وربي لتأتينكم عالم الغيب، لا يعزب عنه مثقال ذرة في السماوات ولا في الأرض، ولا أصغر من ذلك ولا أكبر إلا في كتاب مبين}..


ويرد قرب ختام السورة: {قل: إن ربي يقذف بالحق علام الغيوب} وفي موضوع التوحيد تبدأ السورة بالحمد لله {الذي له ما في السماوات وما في الأرض، وله الحمد في الآخرة وهو الحكيم الخبير}.


ويتحداهم مرات في شأن الشركاء الذين يدعونهم من دون الله: {قل: ادعوا الذين زعمتم من دون الله، لا يملكون مثقال ذرة في السماوات ولا في الأرض، وما لهم فيهما من شرك، وما له منهم من ظهير}


وتشير الآيات إلى عبادتهم للملائكة وللجن وذلك في مشهد من مشاهد القيامة: {ويوم يحشرهم جميعاً ثم يقول للملائكة: أهؤلاء إياكم كانوا يعبدون؟ قالوا: سبحانك! أنت ولينا من دونهم. بل كانوا يعبدون الجن أكثرهم بهم مؤمنون}


وينفي ما كانوا يظنونه من شفاعة الملائكة لهم عند ربهم: {ولا تنفع الشفاعة عنده إلا لمن أذن له، حتى إذا فزّع عن قلوبهم قالوا: ماذا قال ربكم؟ قالوا: الحق وهو العلي الكبير}


وبمناسبة عبادتهم للشياطين ترد قصة سليمان وتسخير الجن له، وعجزهم عن معرفة موته: {فلما قضينا عليه الموت ما دلهم على موته إلا دابة الأرض تأكل منسأته. فلما خر تبينت الجن أن لو كانوا يعلمون الغيب ما لبثوا في العذاب المهين}


وفي موضوع الوحي والرسالة يرد قوله: {وقال الذين كفروا: لن نؤمن بهذا القرآن ولا بالذي بين يديه} وقوله: {وإذا تتلى عليهم آياتنا بينات قالوا: ما هذا إلا رجل يريد أن يصدكم عما كان يعبد آباؤكم. وقالوا: ما هذا إلا إفك مفترى، وقال الذين كفروا للحق لما جاءهم: إن هذا إلا سحر مبين}


ويرد عليهم بتقرير الوحي والرسالة: {ويرى الذين أوتوا العلم الذي أنزل إليك من ربك هو الحق، ويهدي إلى صراط العزيز الحميد}.. {وما أرسلناك إلا كافة للناس بشيراً ونذيراً. ولكن أكثر الناس لا يعلمون}


وفي موضوع تقرير القيم يرد قوله: {وما أرسلنا في قرية من نذير إلا قال مترفوها: إنا بما أرسلتم به كافرون. وقالوا: نحن أكثر أموالاً وأولاداً وما نحن بمعذبين. قل: إن ربي يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر، ولكن أكثر الناس لا يعلمون. وما أموالكم ولا أولادكم بالتي تقربكم عندنا زلفى إلا من آمن وعمل صالحاً، فأولئك لهم جزاء الضعف بما عملوا وهم في الغرفات آمنون. والذين يسعون في آياتنا معاجزين أولئك في العذاب محضرون}

ويضرب على هذا أمثلة من الواقع التاريخي في هذه الأرض: قصة آل داود الشاكرين على نعمة الله. وقصة سبأ المتبطرين الذين لا يشكرون. وما وقع لهؤلاء وهؤلاء. وفيه مصداق مشهود للوعد والوعيد.

هذه القضايا التي تعالجها السور المكية في صور شتى، تعرض في كل سورة في مجال كوني، مصحوبة بمؤثرات منوعة، جديدة على القلب في كل مرة. ومجال عرضها في سورة سبأ هذه هو ذلك المجال، ممثلاً في رقعة السماوات والأرض الفسيحة، وفي عالم الغيب المجهول المرهوب. وفي ساحة الحشر الهائلة العظيمة. وفي أعماق النفس المطوية اللطيفة. وفي صحائف التاريخ المعلومة والمجهولة، وفي مشاهد من ذلك التاريخ عجيبة غريبة.
وفي كل منها مؤثر موح للقلب البشري، موقظ له من الغفلة والضيق والهمود.
فمنذ افتتاح السورة وهي تفتح على هذا الكون الهائل؛ وعلى صحائفه وما فيها من آيات الله، وعلى مجالي علمه اللطيف الشامل الدقيق الهائل: {يعلم ما يلج في الأرض وما يخرج منها، وما ينزل من السماء وما يعرج فيها}.. {وقال الذين كفروا: لا تأتينا الساعة. قل: بلى وربي لتأتينكم عالم الغيب لا يعزب عنه مثقال ذرة في السماوات ولا في الأرض، ولا أصغر من ذلك ولا أكبر إلا في كتاب مبين}..
والذين يكذبون بالآخرة يتهددهم بأحداث كونية ضخمة: {أفلم يروا إلى ما بين أيديهم وما خلفهم من السماء والأرض؟ إن نشأ نخسف بهم الأرض أو نسقط عليهم كسفاً من السماء. إن في ذلك لآية لكل عبد منيب}..


والذين يعبدون من دون الله ملائكة أو جناً يقفهم وجهاً لوجه أمام الغيب المرهوب في الملأ الأعلى: {ولا تنفع الشفاعة عنده إلا لمن أذن له. حتى إذا فزّع عن قلوبهم قالوا: ماذا قال ربكم؟ قالوا: الحق. وهو العلي الكبير} أو يواجههم بالملائكة في ساحة الحشر حيث لا مجال للمواربة والمجادلة: {ويوم يحشرهم جميعاً ثم يقول للملائكة: أهؤلاء إياكم كانوا يعبدون.. الخ} والمكذبون لرسول الله صلى الله عليه وسلم الذين يتهمونه بالافتراء أو أن به جنة يقفهم أمام فطرتهم، وأمام منطق قلوبهم بعيداً عن الغواشي والمؤثرات المصطنعة: {قل: إنما أعظكم بواحدة. أن تقوموا لله مثنى وفرادى ثم تتفكروا. ما بصاحبكم من جنة. إن هو إلا نذير لكم بين يدي عذاب شديد} وهكذا تطوف السورة بالقلب البشري في تلك المجالات المتنوعة، وتواجهه بتلك المؤثرات الموحية الموقظة. حتى تنتهي بمشهد عنيف أخاذ من مشاهد القيامة كما أسفلنا..

يجري سياق السورة في عرض موضوعاتها في تلك المجالات وتحت تلك المؤثرات في جولات قصيرة متلاحقة متماسكة؛ يمكن تقسيمها إلى خمسة أشواط؛ لتيسير عرضها وشرحها. وإلا فإنه ليس بينها فواصل تحددها تحديداً دقيقاً.. وهذا هو طابع السورة الذي يميزها..

الشوط الأول.
تبدأ السورة بالحمد لله، المالك لما في السموات والأرض المحمود في الآخرة، وهو الحكيم الخبير. وتقرر علمه الشامل الدقيق لما يلج في الأرض وما يخرج منها وما ينزل من السماء وما يعرج فيها. وتحكي إنكار الذين كفروا لمجيء الساعة ورد الله عليهم بتوكيد مجيئها، وعلم الله الذي لا يعزب عنه مثقال ذرة في السماوات ولا في الأرض ولا أصغر من ذلك ولا أكبر. ليتم جزاء المؤمنين وجزاء الذين يسعون في آيات الله معاجزين، عن علم دقيق. وتثبت رأي أولي العلم الحقيقي الذين يشهدون أن ما أنزل الله لنبيه هو الحق. وتحكي عجب الذين كفروا من قضية البعث، وترد عليهم بأنهم في العذاب والضلال البعيد؛ وتهددهم بخسف الأرض من تحتهم أو إسقاط السماء كسفاً عليهم.




الشوط الثاني

يتناول طرفاً من قصة آل داود الشاكرين لله على نعمته، بتسخير قوى كثيرة لداود وسليمان بإذن الله. غير متبطرين ولا مستكبرين، ومن هذه القوى المسخرة الجن الذين كان يعبدهم بعض المشركين، ويستفتونهم في أمر الغيب. وهم لا يعلمون الغيب. وقد ظلوا يعملون لسليمان عملاً شاقاً مهيناً بعد موته وهم لا يعلمون.. وفي مقابل قصة الشكر تجيء قصة البطر. قصة سبأ. وما كانوا فيه من نعيم لم يشكروه: {فجعلناهم أحاديث ومزقناهم كل ممزق} وذلك أنهم اتبعوا الشيطان، وما كان له عليهم من سلطان، لولا أنهم أعطوه قيادهم مختارين!

الشوط الثالث
يبدأ بتحدي المشركين أن يدعوا الذين يزعمونهم آلهة من دون الله. وهم {لا يملكون مثقال ذرة في السماوات ولا في الأرض وما لهم فيهما من شرك وما له منهم من ظهير} وهم لا يملكون لهم شفاعة عند الله ولو كانوا من الملائكة فالملائكة يتلقون أمر الله بالخشوع الراجف؛ ولا يتحدثون حتى يزول عنهم الفزع والارتجاف العميق.. ويسألهم عمن يرزقهم من السماوات والأرض. والله مالك السماوات والأرض، وهو الذي يرزقهم بلا شريك.. ثم يفوض أمره وأمرهم إلى الله، وهو الذي يفصل فيما هم مختلفون. ويختم هذا الشوط بالتحدي كما بدأه، أن يروه الذين يلحقونهم بالله شركاء. {كلا بل هو الله العزيز الحكيم}

الشوط الرابع والشوط الخامس

يعالجان معاً قضية الوحي والرسالة، وموقفهم منها، وموقف المترفين من كل دعوة، واعتزازهم بأموالهم وأولادهم؛ ويقرران القيم الحقيقية التي يكون عليها الحساب والجزاء، وهي قيم الإيمان والعمل الصالح لا الأموال والأولاد. ويعرضان مصائر المؤمنين والمكذبين في عدة مشاهد متنوعة من مشاهد القيامة، يتبرأ فيها التابعون من المتبوعين. كما يتبرأ فيها الملائكة من عبادة الضالين المشركين.. ويدعوهم بين هذه المشاهد إلى أن يرجعوا إلى فطرتهم يستلهمونها مجردة عن الهوى وعن الضجيج في أمر هذا الرسول الذي يندفعون في تكذيبه بلا دليل. وهو لا يطلب إليهم أجراً على الهدى، وليس بكاذب ولا مجنون.. ويختم كل من الشوطين بمشهد من مشاهد القيامة. وتنتهي السورة بإيقاعات قصيرة قوية: {قل: إن ربي يقذف بالحق علام الغيوب. قل: جاء الحق وما يبدئ الباطل وما يعيد. قل: إن ضللت فإنما أضل على نفسي وإن اهتديت فبما يوحي إليّ ربي إنه سميع قريب} وتختم بمشهد من مشاهد القيامة قصير الخطى قوي عنيف.


( يتبع - سورة فاطر )








مديح ال قطب 01-26-2021 02:35 PM



http://img1.liveinternet.ru/images/a...5b0a0a52ff.gif





سورة فاطر

التعريف بالسورة
مكية .
من المثاني .
آياتها 45 .
ترتيبها الخامسة والثلاثون .
نزلت بعد سورة " الفرقان " .
بدأت باسلوب ثناء ،
بدأت السورة " بالحمد لله "
فاطر هو أحد أسماء الله .

سبب التسمية

سُميت ‏‏" ‏سورة ‏فاطر ‏‏" ‏لذكر ‏هذا ‏الاسم ‏الجليل ‏والنعت ‏الجميل ‏في ‏طليعتها ‏لما ‏في ‏هذا ‏الوصف ‏من ‏الدلالة ‏على ‏الإبداع ‏والاختراع ‏لا ‏على ‏مثال ‏سابق ‏ولما ‏فيه ‏من ‏التصوير ‏الدقيق ‏المشير ‏إلى ‏عظمة ‏ذي ‏الجلال ‏وباهر ‏قدرته ‏وعجيب ‏صنعه ‏فهو ‏الذي ‏خلق ‏الملائكة ‏وأبدع ‏تكوينهم ‏بهذا ‏الخلق ‏العجيب ‏‏.

سبب نزول السورة




1) سورة فاطر مكية نزلت قبل هجرة رسول الله فهي تسير في الغرض العام الذي نزلت من أجله الآيات المكية والتي يرجع أغلبها إلى المقصد الأول من رسالة كل رسول وهو قضايا العقيدة الكبرى الدعوة إلى توحيد الله وإقامة البراهين على وجوده وهدم قواعد الشرك والحث على تطهير القلوب من الرذائل والتحلي بمكارم الأخلاق .

2) أخرج البيهقي وغيره عن عبد الله بن أبي أوفيقال :قال رجل :يا رسول الله إن النوم مما يقر الله به أعيننا في الدنيا فهل في الجنة من نوم ؟ ،قال لا إن النوم شريك الموت وليس في الجنة موت ) قال : يا رسول الله فما راحتهم ؟ فأعظم ذلك النبي وقال ليس فيها لغوب كل أمرهم راية فنزلت هذه الآية .


محور مواضيع السورة :

هذه السورة كما أسلفنا نزلت قبل الهجرة مباشرة وشأنها شأن السور المكية تتحدث عن قضايا العقيدة الكبرى والدعوة الى توحيد الله ، واقامة البراهين الدالة على وجود الله تبارك وتعالى الها واحدا لا شريك له، وهدم قواعد الشرك ، والحث على تطهير القلوب من الرذائل، والتحلي بمكارم الأخلاق.

- بدأت السورة بالحديث عن الخالق المبدع وكيف فطر الأكوان وخلق الملائكة والانس والجان، وأقامت الأدلة والبراهين على البعث والنشور في صفحات هذا الكون المنظور، وكيف بنزول المطر يحيي الله تعالى الأرض بعد موتها ، ويخرج الزرع في اختلاف أنواع الثمار مع أنها تسقى بماء واحد، وكيف يتعاقب الليل والنهار، وكيف خلق الانسان في أطوار، وفي ايلاج الليل في النهار والعكس، وما الى هناك من دلائل وعجائب صنعه عزوجل ولا سيما في سائر المخلوقات والدواب والأنعام، وفي اختلاف أشكال الجبال والأحجار، وتنوعها ما بين أبيض وأسود وأحمر، وكل شيء في الكون ناطق بلا ريب أو شك بعظمة الواحد القهار، الخالق المبدع المصّور، سبحانه وتعالى عما يشركون..

- ثم تناولت قضية أن كل نفس تحمل وزرها بنفسها ، كما في قوله تعالى ولا تزروا وازرة أخرى، أي لا تحمل نفس آثمة ذنب نفس أخرى، ولا تعاقب بذنب غيرها، كل انسان مسئول عن ذنبه، تماما كقوله في سورة الرحمن: لا يسئل عن ذنبه انس ولا جانّ. وهذا من عدله اللامتناهي سبحانه وتعالى في خلقه.

- ثم تناولت قضية الايمان والكفر والفرق الكبير بين المؤمن والكافر كالفرق الشاسع بين الأعمى والبصير، والظلمات والنور، والظل والحرور، والحق والباطل، والهدى والضلال، وما يستوي الأحياء ولا الأموات، وما أنت بمسمع من في القبور، ولو تمعنا في هذه الآية الكريمة لوجدنا كيف أنّ الله عزوجل شبّه الكفار بالقبور وشبههم بالموتى وهم أحياء، ذلك أنّ الذي لا يؤمن بالله تعالى يكون قلبه ميّت ، ومتى مات القلب، انعدم الفرق بين الحي والميت، فبالايمان فقط تحيا القلوب، فسبحان الذي أحيا قلوبنا بنوره الكريم ، وصراطه المستقيم، والحمد لله رب العالمين على نعمة الايمان.

- وأخيرا تحدثت عن ميراث الأمة المحمدية لأشرف الرسالات السماوية، بانزال هذا الكتاب المجيد الجامع لفضائل كتب الله، ثم انقسام الأمة المحمديّة لثلاثة فئات من العباد: الظالم نفسه والمحسن والسابق للخيرات.


- وختم الله عزوجل السورة الكريمة بقوله تعالى: ولو يؤاخذ الله الناس بما كسبوا ما ترك على ظهرها من دابّة ولكن يؤخرهم الى أجل مسمّى، فاذا جاء أجلهم فانّ الله كان بعباده خبيرا بصيرا. وهذا منتهى العدل والاحسان، وهو سبحانه وتعالى أهل التقوى وأهل المغفرة ، نعم بمنتهى حلمه ورحمته يتعامل سبحانه وتعالى مع عباده ، ومن منتهى اللطف والمنّة والاحسان منه تبارك وتعالى يمهل المسيء الى زمن معلوم وهو يوم القيامة فلا يعجّل له العذاب، فان جاء هذا الوقت جازاه بعمله، فان كان خيرا فخير، وان كان شرا فشر، ذلك أنّ الله عزوجل وحده العالم والمطلع على أحوال عباده، وكما هو سبحانه وتعالى بصير بمن يستحق العقوبة، ايضا بصير بمن يستحق الكرامة، وفي هذه الآية دلالة على وعيده سبحانه وتعالى للمجرمين بسوء العاقبة، ووعد منه عز وجل للمتقين بحسن الختام،وختامه مسك وفي ذلك فليتنافس المتنافسون نسأله تبارك وتعالى بمنته ورحمته وعطفه وكرمه أن يكتبنا من المتقين.

( يتبع - سورة يس)








مديح ال قطب 01-26-2021 02:35 PM



http://img1.liveinternet.ru/images/a...5b0a0a52ff.gif


سورة يس

التعريف بالسورة

مكية ماعدا الآية " 45" فمدنية .
من المثاني .
آياتها 83 .
ترتيبها السادسة والثلاثون .
نزلت بعد سورة الجن .
بدأت بأحد حروف الهجاء " يس "
توجد بها سكتة خفيفة عند كلمة " مرقدنا " .

سبب التسمية

سُميت ‏السورة ‏‏" ‏سورة ‏يس ‏‏" ‏لأن ‏الله ‏تعالى ‏افتتح ‏السورة ‏الكريمة ‏بها ‏وفي ‏الافتتاح ‏بها ‏إشارة ‏إلى ‏إعجاز ‏القران ‏الكريم ‏‏.

سبب نزول السورة

1) قال أبو سعيد الخدري : كان بنو سلمة في ناحية من المدينة فأرادوا أن ينتقلوا إلى قرب المسجد فنزلت هذه الآية (إِنَّا نَحْنُ نُحْي المَوْتَى وَنَكْتُبُ مَا قَدَّموا وَآثَارَهُم ) فقال له النبي :إن آثاركم تكتب فلم تنتقلون .

2) عن أبي مالك إن أُبيّ بن خلف الجُمَحيّ جاء إلى رسول الله بعظم حائل فته بين يديه وقال : يا محمد يبعث الله هذا بعد ما أرِمْ ؟ فقال : (نعم ) (يبعث الله هذا ويميتك ثم يحيك ثم يدخلك نار جهنم ) فنزلت هذه السورة .


محور مواضيع السورة :

سورة يس مكية وقد تناولت مواضيع أساسية ثلاثة وهى : " الإيمان بالبعث والنشور وقصة أهل القرية والأدلة والبراهين على وحدانية رب العالمين".

- ابتدأت السورة الكريمة بقصة أهل القرية –أنطاكية- والتي كذب أهلها رسل الله تعالى عليهم السلام والذين أرسلهم لأهل القرية كمنذرين، وذكرت موقف الداعية المؤمن حبيب النجار رضي الله عنه والذي قتله قومه بجريمة قوله ربيّ الله، ، ولم يمهل الله عزوجل المجرمين على جريمتهم بقتله رضي الله عنه، بل أخذهم أخذ عزيز مقتدر بصيحة الهلاك والدمار.

- ثمّ تناولت دلائل قدرة الله تبارك وتعالى ووحدانيته في هذا الكون البديع الذي لا بد وأن يكون وراءه صانع وموجد، بدءا من الأرض الجرداء، وكيفية دبّ الحياة فيها، ثم مشهد انسلاخ الليل عن النهار، ثم مشهد القمر وهو يتدرّج في منازله، ثم مشهد السفن وهي تسير بقدرة قادر وهي تمخر عباب البحر، فسبحان الخلاق العليم.

- ثمّ انتقلت السورة الكريمة الى الحديث عن القيامة وأهوالها ، والبعث والنشور والنفخة، وكيف يقوم الناس من قبورهم لربّ العالمين، وعن أهل الجنة والنار، والتفريق بين المؤمنين والمجرمين في هذا اليوم العصيب الرهيب، حيث يستقر السعداء في روضات يحبرون، والأشقياء في دركات النار وبئس المصير.

- وختمت السورة الكريمة بالحديث عن موضوع أساسي وهو موضوع البعث والجزاء، وكيف أبي بن خلف جاء الى النبي صلى الله عليه وسلم وفي يده عظم رميم يفته ويذروه في الهواء وهو يقول: يا محمد! أتزعم أنّ الله يبعث هذا؟ اجابه النبي صلى الله عليه وسلم: نعم، يميتك الله تعالى ثم يبعثك ثم يحشرك الى النار.فنزل قوله تعالى: أو لم ير الانسان أنا خلقناه من نطفة فاذا هو خصيم مبين * وضرب لنا مثلا ونسي خلقه، قال من يحيي العظام وهي رميم* قل يحييها الذي أنشأها أول مرّة وهو بكلّ خلق عليم.

وفي الحديث القدسي الجليل يقول الله تبارك وتعالى: ابن آدم أنىّ تعجزني وقد خلقتك من مثل هذا، حتى اذا سويتك وعدلتك مشيت بين برديك وللأرض منك وئيد، فجمعت ومنعت، حتى اذا بلغت التراقي قلت: أتصدّق وأنىّ أوان الصدقة.


فضل السورة

1- روي عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: لوددت أنها في قلب كلّ انسان من أمتي.

2- وعن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: انّ لكل شيء قلبا، وقلب القرآن يس، ومن قرأ يس كتب الله له بقراءتها قراءة القرآن عشر مرات.

3- وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من قرأ يس في ليلة أصبح مغفورا له، ومن قرأ حم التي يذكر فيها الدخان أصبح مغفورا له.

4- وعن جندب بن عبد الله رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من قرأ يس في ليلة ابتغاء وجه الله عزوجل غفر له.

5- وعن معقل بن يسار رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اقرؤوها على موتاكم.

لأجل ذلك قال العلماء أنه من خصائص هذه السورة أنها لا تقرأ عند أمر عسير الا يسّره الله تعالى، وكأنّ قراءتها عند الميت لتنزل الرحمة والبركة، وليسّهل خروج الروح والله تعالى أعلم.

( يتبع - سورة الصافات )








مديح ال قطب 01-26-2021 02:36 PM



http://img1.liveinternet.ru/images/a...5b0a0a52ff.gif


سورة الصافات

التعريف بالسورة
مكية .
من المئين .
آياتها 182 .
ترتيبها السابعة والثلاثون .
نزلت بعد الأنعام .
بدأت السورة بالقسم بجموع الملائكة " والصافات ".

سبب التسمية

سُميت ‏السورة ‏‏" ‏سورة ‏الصافات ‏‏" ‏تذكيرا ‏لعباد ‏بالملأ ‏الأعلى ‏من ‏الملائكة ‏الأطهار ‏الذين ‏لا ‏ينفكون ‏عن ‏طاعة ‏الله ‏وعبادته ‏‏" ‏يسبحون ‏الليل ‏والنهار ‏لا ‏يفترون ‏‏" ‏وبيان ‏وظائفهم ‏التي كُلِّفوا ‏بها ‏‏.
وبهذا سميت هذه السورة الكريمة بسورة الصافات نسبة لملائكة الرحمن الأبرار عليهم السلام الذين لا ينفكون عن عبادة الله تبارك وتعالى، وبالمناسبة هناك ملائكة ساجدة لله تعالى منذ خلقه للسموات والأرض، ولن يرفعوا رؤوسهم عن الأرض قط الى يوم القيامة، ويوم القيامة وندما يؤمرون برفع رؤوسهم يقولون: سبحانك ربنا ما عبدناك حق عبادتك، وهم الذين قال الله تبارك وتعالى فيهم: يسبحون الليل والنهار لا يفترون.

سبب النزول
سورة الصافات اسمها مأخوذ من بدء هذه السورة، وهو قول الله عز وجل: وَالصَّافَّاتِ صَفًّا [الصافات:1]، أقسم الله عز وجل بالصافات، فسميت بسورة الصافات؛ لكون هذه الكلمة مذكورة فيها، وإن كانت هذه الكلمة مذكورة في سورة النور وفي سورة الملك، ولكن هناك ذكر الطير صافات، وهنا قصد الملائكة، وهذه السورة نزلت قبل سورة الملك، فسميت بسورة الصافات باعتبار أول آية فيها وَالصَّافَّاتِ صَفًّا [الصافات:1].

محور مواضيع السورة

سورة الصافات من السور المكية التي تعني بأصول العقيدة الإسلامية "التوحيد والوحي والبعث والجزاء " شأنها كشأن سائر السورة المكية التي تهدف إلى تثبيت دعائم الإيمان .

وسورة الصافات شانها شان السور المكية تناولت أصول العقيدة الاسلامية (التوحيد، الوحي، البعث والجزاء).

ابتدأت السورة الكريمة بالحديث عن ملائكة الرحمن الأطهار عليهم السلام الصافات قوائمها في الصلاة، او أجنحتها في ارتقاب أمر الله ، الزاجرين للسحاب يسوقونه حيث شاء الله ، ثم تحدثت عن الجن وتعرضهم للرجم بالشهب الثاقبة ردا على أساطير الجاهلية في اعتقادهم بأنّ هناك قرابة بين الله سبحانه وتعالى وبين الجنّ، فسبحانه وتعالى عما يصفون، وسبحانه وتعالى عما يشركون.

ثم تناولت البعث والجزاء وانكار المشركين ليوم القيامة مستبعدين أن يكون هناك بعث ومن ثمّ حياة أخرى بعد الممات، وتأكيدا لعقيدة الايمان بالبعث والنشور فقد ذكرت السورة قصة المؤمن والكافر، وما دار بينهما في الدنيا من حوار 50- 61، ثم النتيجة التي آل اليها كل منهما بخلود المؤمن في الجنة جعلنا الله واياكم معه، وخلود الكافر في النار أعاذنا الله واياكم من مدخله.

ثم تناولت السورة الكريمة بعضا من قصص الأنبياء عليهم السلام ، وقصة الذبيح اسماعيل عليه السلام بابتلاء الله عزوجل لخليله ابراهيم عليه السلام بالرؤيا الحق التي رآها في المنام أنّ الله يأمره بذبحه، وقال ابن عباس: أنّ رؤيا الأنبياء وحي، لأجل ذلك ما كان لابراهيم عليه السلام أن يتردّد في التنفيذ، وما كان لاسماعيل عليه السلام الا وأن يمتثل لأمر الله، لذا كانت اجابته ايجابيه تنم عن الصبر والحلم والامتثال المطلق لأمر الله تعالى أن يا أبت افعل ما تؤمر!، ولعلّ أمرا كهذا من الصعوبة بمكان وزمان أن يحصل مع غير عباد الله المخلصين، وتعالوا بنا نطالع معا الآيات الكريمات التي صوّرت وبكل الابداع والاعجاز القرآني الحوار الذي دار بين الأب وابنه عليهما السلام فلما بلغ معه السعي قا ل يا بنيّ اني أرى في المنام أني أذبحك فانظر ماذا ترى، قال يا أبت افعل ما تؤمر، ستجدني انشاء الله من الصابرين * فلما أسلما وتله للجبيبن* وناديناه لأن ابراهيم* قد صدّقت الرؤيا ، انا كذلك نجزي المحسنين* انّ هذا لهو البلاء المبين* وفديناه بذبح عظيم 102- 107.


أما الحكمة من هذه القصة فهي كما قال الصاوي: أنّ ابراهيم عليه السلام اتخذه الله خليلا، فلما سأل ابراهيم عليه السلام ربّه الولد، وهبه اسماعيل عليه السلام، فتعلقت شعبة من قلبه بمحبّة ولده، فأمر بذبح المحبوب لتظهر صفاء الخلة، فامتثل أمر ربه وقدّم محبة الله تبارك وتعالى على محبة ولده.

وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: فلما عزم على ذبح ولده ورماه على شقه قال الابن: يا أبت اشدد رباطي حتى لا أضطرب ، واكفف ثيابك لئلا ينتضح عليها شيء من دمي فتراه أمي فتحزن ، وأحدّ شفرتك وأسرع بها على حلقي ليكون الموت أهون عليّ ، واذا أتيت أمي فأقرئها مني السلام، وان رأيت أن تردّ قميصي عليها فافعل، فانه عسى أن يكون أسلى لها عني، فقال له ابراهيم عليه السلام: نعم العون أنت يا بني على أمر الله.

وختمت السورة الكريمة بالمكيال الأوفى بآيات بينات قال عنها النبي صلى الله عليه وسلم: من سرّه أن يكتال بالمكيال الأوفى فليقل آخر مجلسه حين يريد أن يقوم: سبحان ربك ربّ العزة عما يصفون * وسلام على المرسلين * والحمد لله رب العالمين.

هذه السورة سورة مكية، ففيها أغراض السور المكية، وفيها الخصائص والميزات التي هي موجودة في السور المكية، والسور المدنية فيها التشريع فيأتي فيها الأحكام والأوامر والنواهي، والسور المكية فيها ترسيخ أمر العقيدة، وتوحيد الله سبحانه تبارك وتعالى في قلوب الخلق، ودفع الشرك عن الخلق، وبيان ما يعبدون من دون الله وأنها لا تنفع لا تضر، وبيان أن الإله الحق المستحق للعبادة هو الرب سبحانه تبارك وتعالى الذي يقدر على أن يخلق، وعلى أن يرزق ويدبر الكون سبحانه تبارك وتعالى.

إذاً: هذه السورة الغرض منها إثبات وحدانية الله سبحانه تبارك وتعالى، وسوق الدلائل على تلك الآيات التي تدل على أنه وحده هو الذي يستحق العبادة، وأنه وحده المنفرد بالخلق وبتدبير الكون في العالم العلوي والعالم السفلي، بل في كل شيء قد انفرد بالخلق سبحانه، فله الخلق وله الأمر، فهو الذي يعبد وحده سبحانه تبارك وتعالى.

وفيها أيضاً الإشارة إلى البعث والنشور وإثبات الحشر والجزاء يوم القيامة، وفيها وصف حال المشركين يوم الجزاء وكيف يفعلون وكيف يندمون على ما قصروا وما فرطوا في هذه الحياة الدنيا، وكيف يقع بعضهم في بعض، ويدعو بعضهم على بعض، ويلعن بعضهم بعضاً، وفيها وصف أحوال المؤمنين بأن الله سبحانه ينجيهم وأنه يدخلهم جنته سبحانه تبارك وتعالى.

كذلك يذكر في هذه السورة حال المؤمنين وفرحهم بدخولهم الجنة، وكيف أنهم كما قال تعالى: أَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ [الصافات:27]، وكيف ذكر أحدهم إِنِّي كَانَ لِي قَرِينٌ * يَقُولُ أَئِنَّكَ لَمِنَ الْمُصَدِّقِينَ [الصافات:51-52]، وأنهم تكلموا وهم في الجنة، وأخبرنا الله عز وجل عن فرحهم وسرورهم وكلام بعضهم لبعض فيها، وكيف أن الله ثبتهم في هذه الدنيا وثبتهم يوم القيامة حتى أدخلهم الجنة.

ثم انتقل إلى دعوة رسول الله صلى الله عليه وسلم قومه، وأن الذي دعا إليه هو الذي دعت إليه الأنبياء والرسل قبله صلوات الله وسلامه عليه وأن الدعوة واحدة، والله عز وجل كما جعل لهؤلاء السابقين أعداء ونصرهم عليهم سبحانه تبارك وتعالى، وحقت كلمة الله سبحانه أن رسله هم المنصورون وأنهم هم الغالبون، كذلك يذكر لنبيه صلوات الله وسلامه عليه أنه سينصره سبحانه كما نصر هؤلاء السابقين.


و ذكر الله هنا شيئاً من مناقب الأنبياء السابقين عليهم الصلاة والسلام، الذين دعوا إلى الله سبحانه تبارك وتعالى وخاصة إبراهيم على نبينا وعليه الصلاة والسلام، فهو إمام الأنبياء، فذكر الله كيف أن إبراهيم هاجر إلى ربه سبحانه، وَقَالَ إِنِّي ذَاهِبٌ إِلَى رَبِّي سَيَهْدِينِ * رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ * فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلامٍ حَلِيمٍ [الصافات:99-101]، وذُكر في السورة قصة الذبيح؛ حتى نعلم كيف أن إبراهيم عليه الصلاة والسلام استحق أن يكون خليل الرحمن بصبره على ابتلاء الله عز وجل له، وبتنفيذه جميع أوامر الله سبحانه، وبتقديمه ما يحب الله على ما يحبه هو عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام.

ثم ذكر الله المشركين وكيف أن اعتقاداتهم اعتقادات فاسدة، وأنهم كذبوا ربهم وتعجبوا مما لا يتعجب من مثله، كقولهم: أَجَعَلَ الآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ [ص:5]، فيعجبون من غير أن يستدعي الأمر عجباً!

وذكر الله أنهم كانوا يكذبون النبي صلى الله عليه وسلم وهذا القرآن العظيم، والله عز وجل يجيب ويرد عن نبيه صلى الله عليه وسلم ويعده بالنصر على هؤلاء الكافرين.

وقد بدأ هذه السورة بقوله سبحانه تبارك وتعالى: وَالصَّافَّاتِ صَفًّا [الصافات:1]، فذكر ملائكة الله سبحانه تبارك وتعالى وختم هذه السورة بقوله تعالى: وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ * إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنصُورُونَ * وَإِنَّ جُندَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ * فَتَوَلَّ عَنْهُمْ حَتَّى حِين ٍ [الصافات:171-174]، وقوله تعالى: وَأَبْصِرْ فَسَوْفَ يُبْصِرُونَ * سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُون * وَسَلامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ [الصافات:179-181] .. وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ [الأنعام:45]، فبدأ بذكر الملائكة، وانتهى بذكر رسل الله سبحانه، ونصر الله سبحانه لأنبيائه على الكفار.

فضل السورة

1) أخرج النسائي والبيهقي في سنه عن ابن عمر قال : كان رسول اللهيأمرنا بالتخفيف ويؤمنا بالصافات .

2) عن ابن عباس قال: قال رسول الله :" من قرأ يس والصافات يوم الجمعة ثم سأل الله أعطاه سؤله "

اذا كان هؤلاء الملائكة الأطهار عليهم السلام وهو على هذا الحال، وأقروا أنهم لم يعبدوا الله حق عبادته، اذن فما نحن فاعلين؟ لا شيء الا رجاء رحمته تبارك وتعالى.

سبحانك ربنا وبحمدك تبارك اسمك وتعالى جدّك لا اله الا أنت نسألك أن ترحمنا وتعاملنا بما أنت أهله، أنت أهل التقوى والمغفرة... وأهل الرحمة والاحسان.


( يتبع - سورة ص )







مديح ال قطب 01-26-2021 02:37 PM



http://img1.liveinternet.ru/images/a...5b0a0a52ff.gif
سورة ص

التعريف بالسورة
مكية .
من المثاني .
آياتها 88 .
ترتيبها الثامنة والثلاثون .
نزلت بعد سورة القمر .
بدأت بأحد حروف الهجاء " ص "
السورة بها سجدة في الآية 24 .

سبب التسمية

تسمى ‏السورة ‏الكريمة ‏‏" ‏سورة ‏ص ‏‏" ‏وهو ‏حرف ‏من ‏حروف ‏الهجاء ‏لإشادة ‏بالكتاب ‏المعجز ‏الذي ‏تحدى ‏الله ‏به ‏الأولين ‏والآخرين ‏وهو ‏المنظوم ‏من ‏أمثال ‏هذه ‏الحروف ‏الهجائية ‏‏.
وتسمى أيضا (سورة داود عليه السلام)

سبب نزول السورة

عن ابن عباس قال : مرض أبو طالب فجاءت قريش وجاء النبى وعند رأس أبي طالب مجلس رجل فقام أبو جهل كي يمنعه ذلك فشكوه إلى أبي طالب فقال : يا ابن اخي ما تريد من قومك ؟ قال : يا عم إنما أريد منهم كلمة تَذِلُّ لهم بها العرب وتؤدي إليهم الجزية بها العجم ، قال : كلمة واحدة قال ما هي ؟ قال: لا اله الا الله ، فقالوا اجعل الآلهة إلها واحدا قال : فنزل فيهم القرآن ( ص وَالقرآنِ ذِي الذّكرِ بَل الَّذِينَ كَفَروا فِي عِزَّةٍ وَشِقَاقٍ حتى بلغ إنَّ هَذَا إلا اختلاق ) .

محور مواضيع السورة :

سورة " ص " مكية وهدفها نفس هدف السورة المكية التي تعالج أصول العقيدة الإسلامية .
سورة (ص)، وتسمى أيضا (سورة داود عليه السلام) هذه السورة المكية بإجماع من المفسرين والتي تتكون من 88 آية تعالج كغيرها من السور المكية موضوعي البعث والجزاء؛ واشتملت على مناقشة المشركين في عقائدهم والرد عليهم وبيان حالهم يوم القيامة، مع ذكر قصة خلق آدم وسجود الملائكة له وإبليس، وتذكير المشركين بأمثالهم من الأمم السابقة.

وفيها سلسلة متعددة الحلقات من قصص الأنبياء – دون ذكر لأقوامهم – في معرض التسلية والتذكير والتنويه، وقد تخللتها مواعظ وتلقينات بليغة وتقريرات مهمة عن مهمة النبي صلى الله عليه وسلم وعموم رسالته للكون والزمان، وفصول السورة وآياتها مترابطة منسجمة ومتوازنة مما يدلّ على وحدة نزولها أو تلاحق فصولها في النزول.

ومناسبة هذه السورة من خلال النسق الترتيبي لسور القرآن الكريم يلوح في أنها جاءت كالمتممة للسورة التي قبلها؛ سورة الصافات من وجهين اثنين:
الأول: أنه ذكر فيها من قصص الأنبياء ما لم يذكر في تلك كداود وسليمان وأيوب عليهم السلام .
الثاني: أنه بعد أن حكى فيما قبلها عن الكفار أنهم قالوا: {لَوْ أَنَّ عِنْدَنَا ذِكْرًا مِنَ الْأَوَّلِينَ لَكُنَّا عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ} [الصافات: 168، 169]، وأنهم كفروا بالذكر لما جاءهم بدأ عز وجل في هذه السورة بالقرآن ذي الذكر وفصل ما أجمل هناك من كفرهم وفي ذلك من المناسبة ما فيه .

وقد نبه ابن القيم رحمه الله وهو من العارفين بأسرار القرآن ولطائف التنزيل إلى المقاصد الدقيقة لموضوعات هذه السورة الكريمة في وقفة تدبرية رائعة؛ ملمحا لما اشتملت عليه سورة ص من الخصومات المتعددة في لفتة خاطفة، إلا أن المتدبر بروية يلحظ ازدحام صور الخصومة ونماذجها في هذه السورة وأسلوب العلاج السلس الذي عالج به النهج القرآني الحكيم هذه المواقف الشرسة؛ ويمكننا باختصار تحليل واختزال هذه المواقف في مشاهد ثلاث:




المشهد الأول:

خصومة الكفار للنبي صلى الله عليه وسلم وقولهم: {أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ} [ص: 5]، وإذا ما تناولنا هذه المواقف بالتحليل فسنجد أن السورة بدأت بذكر خصومة كفار مكة للنبي صلى الله عليهوسلم وقد عالج صدر السورة شقاق الكفار هذا في ستة عشر آية؛ الآيات (1-16)؛ فاستعرضت الآيات الكريمة حجج الكفار التي تذرعوا بها لرفض رسالة التوحيد ووحي السماء ونبوة محمد صلى الله عليه وسلم، ثم تعرضت لتفنيد هذه الحجج الواحدة تلو الأخرى باستخدام أرقى أساليب الجدل العقلي والإعجاز بالمنطق الواقعي والتاريخي .

المشهد الثاني:

اقتحام الخصمين محراب داود عليه السلام: دلفت الآيات بعد علاج خصومات الكفار للنبي صلى الله عليه وسلم في استطراد تساؤلي لطيف يذكر النبي صلى اللهعليه وسلم بنبأ الخصم اللَّذَين تسورا المحراب على داود عليه السلام واستعرضت القصة بأسلوب بديع يَستنبِط العبر والعظات من هذه القصة دون الخوض في تفاصيل تشغل عن المغزى أو تصرف عن المقصد ثم اختتمت المخاصمة بمواعظ بليغة في التحذير من اتباع الهوى في الحكم وفصل الخصومات والتذكير بالعواقب المردية المترتبة على ذلك، وفي ذات السياق تعرضت الآيات لابتلاء الله لعبديه سليمان وأيوب كما داود عليهم السلام وصبرهم على الابتلاء وإنابتهم وأوبتهم إلى الله وقبوله منهم وتفريجه عليهم ليختم لهم بحسن العاقبة كما هي حال المتقين دوما .

المشهد الثالث:

ينتقل من جدل وخصومات الدنيا إلى خصومات ما بعد البعث والجزاء ويكشف عن ما تؤول إليه الحال بعد استقرار القيم الحقيقية في الآخرة بين فريق الجنة وفريق السعير حيث يبدأ التلاعن والخصام في جهنم بين أفواج المجرمين عند إيراد بعضهم على بعض وما يصيرون إليه من سوء صحبة بعضهم لبعض رغم سرمدية إقامتهم، وتراشقهم بالتأنيب والخصام بينهم وهم في العذاب، وتُذيِّل الآيات بيانها بالتنويه إلى تجرد النبي صلى الله عليه وسلم من وسائل المعرفة غير الربانية؛ وأنه لولا تأييده بوحي السماء لما كانت عنده علوم النشأة الأولى وأخبار خصومات الملء الأعلى قبل خلق آدم، ولما حصلت عنده المعرفة بأحداث المستقبل البعيد وما يصير إليه البشر بعد فصل الجزاء وقطع النزاع وخصوصا أهل النار الذين تؤصد عليهم أبواب جهنم نسأل الله السلامة والعافية بمنه وكرمه .

وعموما فقد تميزت الخصومة القرآنية في هذه السورة خصوصا وفي القرآن عموما بالتنوع، فقد حكى لنا القرآن الكريم عن قصص الأولين من الأنبياء وغيرهم، وفصل ما جرى بينهم من محاورات ومجادلات عبّرت عن خصومة بين طرفين مثلت الخصومة السرمدية بين الحق والباطل، كما اشتملت على دحض حجج الباطل ودمغه وزهقه والانتصار للحق وضمان الغلبة له وحسن العاقبة لعباد الله المتقين .


سورة ص سورة مكّية ابتدأت بالقسم بالقرآن المعجز المشتمل على المواعظ البليغة التي تشهد أنه حق وأن محمدعليه الصلاة والسلام حق.
والسورة تعرض جواباً على سؤال هام: ماذا يحدث عندما يحصل خطأ ما مع انسان مؤمن مع استسلامه لله تعالى؟ السورة تتحدث عن ثلاثة أنبياء استسلموا لله تعالى بعما أخذوا قرارات ظنّوها بعيدة عن الحق ثم عادوا إلى الحق وكيف ردّ الله تعالى عليهم، ثم تحدثت عن نموذج عكسي وهو ابليس الذي عاند ورفض ان يستسلم بعدما عرف الحق.
قصة داوود:
(اصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَاذْكُرْ عَبْدَنَا دَاوُودَ ذَا الْأَيْدِ إِنَّهُ أَوَّابٌ) آية 17
عودته للحق: (فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ رَاكِعًا وَأَنَابَ) آية 24

قصة سليمان:
(وَوَهَبْنَا لِدَاوُودَ سُلَيْمَانَ نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ) آية 30
عودته للحق: (وَلَقَدْ فَتَنَّا سُلَيْمَانَ وَأَلْقَيْنَا عَلَى كُرْسِيِّهِ جَسَدًا ثُمَّ أَنَابَ) آية 34


قصة أيوب

(وَاذْكُرْ عَبْدَنَا أَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ) آية 41
عودته للحق: (وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثًا فَاضْرِب بِّهِ وَلَا تَحْنَثْ إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ) آية 44

في هذه القصص الثلاث يعطي الله تعالى لكل نبي صفة (عبدنا، العبد) وكلمة ( أوّاب ) معناها سريع العودة وذا الأيد معناها كثير الخير. ونلاحظ تكرار كلمة (أناب) رمز العودة إلى الحق.
هذه القصص الثلاث نأخذ منها عبرة أن المستسلم لله يكون سهل الهودة إلى الله وإلى الحق.

وتختم السورة بنموذج عكسي للعودة إلى الحق وهو نموذج ابليس اللعين وعناده (فَسَجَدَ الْمَلَائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ* إِلَّا إِبْلِيسَ اسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنْ الْكَافِرِينَ * قَالَ يَا إِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَن تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنتَ مِنَ الْعَالِينَ * قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ) آية 73 إلى 76.
فلنقارن بين هذه النماذج التي تعود إلى الحق لأنها استسلمت لله والنموذج الذي لم يستسلم لله وعاند فكانت نتيجة عدم استسلامه غضب شديد من الله تعالى ولعنة منه وطرد من رحمة الله وعذاب في الآخرة أشد (قَالَ فَاخْرُجْ مِنْهَا فَإِنَّكَ رَجِيمٌ* وَإِنَّ عَلَيْكَ لَعْنَتِي إِلَى يَوْمِ الدِّينِ) آية 77 إلى 78.
خلاصة القول إن الإستسلام لله تبارك وتعالى عزّنا وسبب بقائنا واستمرارنا في الأرض ولهذا سمى الله تعالى هذا الدين (الإسلام).

( يتبع - سورة الزمر )








مديح ال قطب 01-26-2021 02:38 PM



http://img1.liveinternet.ru/images/a...5b0a0a52ff.gif


سورة الزمر

التعريف بالسورة :
مكية .ماعدا الآيات " 52،53،54" فمدنية .
من المثاني .
آياتها 75 .
ترتيبها التاسعة والثلاثون .
نزلت بعد سبأ .

سبب التسمية

سُميت ‏بهذا ‏الاسم ‏لأن ‏الله ‏تعالى ‏ذكر ‏فيها ‏زمرة ‏السعداء ‏من ‏آهل ‏الجنة ‏‏،وزمرة ‏الأشقياء ‏من ‏آهل ‏النار، ‏أولئك ‏مع ‏الإجلال ‏والإكرام ‏‏، ‏وهؤلاء ‏مع ‏الهوان ‏والصغار

سبب نزول السورة

1) قال ابن عباس نزلت في أهل مكة قالوا : يزعم محمد أن من عبد الاوثان وقتل النفس التي حرَّم الله لم يُغْفَر له فكيف نهاجر ونسلم وقد عبدنا مع الله إلها أخر وقتلنا النفس التي حرَّم الله ؟ فأنزل الله تعالى هذه الآية ، وقال ابن عمر نزلت هذه الآية في عياش بن ربيعة والوليد بن الوليد ونفر من المسلمين كانوا أسلموا ثم فُتِنُوا وعُذِّبوا فافتنوا وكنا نقول لا يقبل الله من هؤلاء صرفا ولا عدلا أبدًا قوم أسلموا ثم تركوا دينهم بعذابٍ عُذِّبوا به! فنزلت هذه الآيات وكان عمر كاتبا فكتبها إلى عياش بن أبي ربيعة والوليد واولئك النفر فأسلموا وهاجروا .

2) عن ابن عباس أن ناسا من أهل الشرك كانوا قد قتلوا فأكثروا وزنوا فأكثروا ثم أتوا محمد فقالوا : إن الذي تدعوا اليه لحسن أن تخبرنا لما عملناه كفارة ؛ فنزلت هذه الآية ( يَا عِبَاديَ الَّذين أسْرَفُوا عَلى أنْفُسِهِم ) رواه البخاري .

3) أخبرنا نافع عن عمر أنه قال : لمَّا اجتمعنا إلى الهجرة انبعثتُ أنا وعياش بن أبي ربيعة وهشام بن العاص بن وائل فقلنا الميعاد بيننا المناصف ميقات بني غفار فمن حُبِسَ منكم لرآياتها فقد حبس فليمض صاحبه فأصبح عندها أنا وعياش وحُبِسَ عنا هشام وفُتِنَ وافتن فقدمنا المدينة فكنا نقول ما الله بقابل من هؤلاء توبة قوم عرفوا الله ورسوله رجعوا عن ذلك لبلاء أصابهم من الدنيا ؛ فأنزل الله تعالى ( يا عبادي الذين أسرفوا إلى قوله أليس في جهنم مثوى للمتكبرين ) قال عمر : فكتبتها بيدي ثم بعثت بها فقال هشام : فلما قَدِمَت عليَّ خرجت بها إلى ذي طوى فقلت : اللهم فهمنيها فعرفت أنَّها أُنزِلَتْ فينا فرجعت فجلست على بعيري فلحقت رسول الله ، ويروى أن هذه الآية نزلت في وحشي قاتل حمزة رحمة الله عليه ورضوانه وذكرنا ذلك في آخر سورة الفرقان .

4) عن عبد الله قال أتى النبي رجل من أهل الكتاب فقال : يا أبا القاسم بلغك أن الله يحمل الخلائق على إصبع والأرضين على إصبع والشجر على إصبع والثرى على إصبع ؛ فضحك رسول الله حتى بدت نواجذه فأنزل الله تعالى ( وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ )الآية ومعنى هذا أن الله تعالى يقدر على قبض الأرض وجميع ما فيها من الخلائق والشجر قدرة أحدنا ما يحمله بإصبعه فخوطبنا بما نتخاطب فيما بيننا لنفهم ، ألا ترى أن الله تعالى قال (والأرض جميعا قبضته يوم القيامة ) ؟ أي يقبضها بقدرته


محور مواضيع السورة :

سورة الزمر مكية وقد تحدثت عن " عقيدة التوحيد " بالإسهاب حتى لتكاد تكون هى المحور الرئيسي للسورة الكريمة لأنها أصل الإيمان وأساس العقيدة السليمة وأصل كل عمل صالح .

هذه السورة مكّية وتدور حول محور الإخلاص لله تعالى في كل الأمور وتبدأ بدعوة الرسول الكريم r باخلاص الدين له وتنزيهه عن مشابهة المخلوقين. كما ذكرت الآيات البراهين على وحدانية الله في ابداعه في الخلق. وشددت على أهمية الإخلاص لله حتى يوصلنا هذا الإخلاص للجنة مع زمرة المؤمنين. وهي سورة رقيقة تذكرنا بأهمية الإخلاص لله تعالى وترك الرياء. والإخلاص يكون في عدة أمور: إخلاص العبادة لله وإخلاص النيّة والإخلاص في كل أمور الدنيا والحرص على أن يكون كل ما نعمله في هذا الدنيا خالصاً لله رب العالمين حتى ننال خير الجزاء ونسعد بالجنة ونعيمها. وقد وردت كلمة الإخلاص ومشتقاتها في هذه السورة 4 مرّات للدلالة على أهميته.

تبدأ السورة (إِنَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصًا لَّهُ الدِّينَ * أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِن دُونِهِ أَوْلِيَاء مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ) آية 2 و3 بالدعوة لإخلاص العبادة لله وأن الدين لله وحده. وكما جاء سابقاً في القرآن (وإن لكم في الأنعام لعبرة نسقيكم مما في بطونه من بين فرث ودم لبناً خالصاً سائغاً للشاربين) سورة النحل، آية 66، من بين الفرث والدم يخرج لنا اللبن الخالص من الشوائب النقي، كذلك العبادة لله يجب أن تكون خالصة لله مهما أحاطها من زيف الدنيا. و(قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ مُخْلِصًا لَّهُ الدِّينَ * وَأُمِرْتُ لِأَنْ أَكُونَ أَوَّلَ الْمُسْلِمِينَ * قُلْ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ * قُلِ اللَّهَ أَعْبُدُ مُخْلِصًا لَّهُ دِينِي ) الآيات من 11 إلى 14 كلها تدعو لإخلاص الدين لله .

ثم تنتقل الآيات لبيان من أولى بالإخلاص له: الله تعالى ام غيره؟ (ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا رَّجُلًا فِيهِ شُرَكَاء مُتَشَاكِسُونَ وَرَجُلًا سَلَمًا لِّرَجُلٍ هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلًا الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ) آية 29 فالحمد لله أنه إله واحد لا شريك له إياه نعبد مخلصين له الدين.

إخلاص العبادة: (أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاء اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ) آية 9


إخلاص التوبة: (قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ * وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِن قَبْلِ أَن يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لَا تُنصَرُونَ) آية 53 و54، استخدام كلمة (أنيبوا) للدلالة على سرعة العودة لله. وذكر الصحابة رضوان الله عليهم أن هذه الآية هي من أرجى آيات القرآن الكريم لما فيها من سعة رحمة الله ومغفرته لذنوب عباده ودعوتهم لحسن الظنّ به وبعفوه عنهم مهما تعاظمت ذنوبهم فهي لا شيء أمام سعة رحمة الله تعالى فله الحمد وله الشكر.

تحذير من الإشراك بالله: (قُلْ أَفَغَيْرَ اللَّهِ تَأْمُرُونِّي أَعْبُدُ أَيُّهَا الْجَاهِلُونَ * وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ * بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ وَكُن مِّنْ الشَّاكِرِينَ) 64 إلى 66.

عظمة الله في الخلق تدفعنا للإخلاص له (وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّماوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ) آية 67. وهذه أساس عدم الإخلاص لأنه لو علم العبد قدر الله تعالى لما أشرك معه أحدا من مخلوقاته.

وصف المخلصين في يوم القيامة ومقارنتهم بالكفار. الكلّ يساق زمراً الكفار يساقون الى النّار: (وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ زُمَرًا حَتَّى إِذَا جَاؤُوهَا فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِّنكُمْ يَتْلُونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِ رَبِّكُمْ وَيُنذِرُونَكُمْ لِقَاء يَوْمِكُمْ هَذَا قَالُوا بَلَى وَلَكِنْ حَقَّتْ كَلِمَةُ الْعَذَابِ عَلَى الْكَافِرِينَ) آية 71، والمخلصون يساقون إلى الجنة زمراً (وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَرًا حَتَّى إِذَا جَاؤُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلَامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ) آية 73 لأن الله تعالى يأبى أن يدخل المؤمن وحيداً إلى الجنة وإنما يدخل قي صحبته الصالحة في الدنيا وكأن هذا الجمع والدخول الجماعي هو ثمرة الإخلاص في الدنيا فالصحبة الصالحة أساسية في الدنيا لأنها تعين على إخلاص العبادة لله وفي الآخرة تدخل أفرادها زمراً لجنة الخلد. فكلّ زمرة تحابوا في الله في الدنيا يدخلون الجنّة سوياً إن شاء الله.


ومن اللمسات البيانية في هذه السورة الفرق بين وصف دخول الكفار إلى النار ودخول المؤمنين إلى الجنة والفرق بينهما حرف واحد غيّر معنى الآيتين وهو حرف (الواو). في وصف دخول الكفار قال تعالى (حتى إذا جاؤوها فتحت أبوابها) وفي دخول المؤمنين الجنة قال: (حتى إذا جاؤوها وفتحت أبوابها) والفارق أن جهنم هي كالسجن أبوابها مقفلة لا تفتح إلا لداخل أو خارج فالأصل أن تكون الأبواب مغلقة ولا تفتح إلا لإدخال العصاة إليها وفي هذا الوصف تهويل ومفاجأة للكفار الذي يساقون ثم فجأة وهم لا يدرون أين يذهبون تفتح أبوب النار فيفاجأوا ويصابوا بالهلع. أما في حال المؤمنين فالجنة أبوابها مفتوحة على الدوام وأهلها يتنقلون فيها من مكان آخر في يسر وسرور وهم في طريقهم إليها يرونها من بعيد فيسعدون ويسرّون بالجزاء والنعيم الذي ينتظرهم وكأن الله تعالى يريد أن يعجّل لهم شعورهم بالرضا والسعادة بجزائهم وبالنعيم المقيم الذي ينتظرهم. ومن الناحية البيانية أن جواب الشرط في حال جهنم (إذا جاؤوها) الجواب هو: (فتحت أبوابها) أما في حال الجنة فلا يوجد جواب للشرط لأنه يضيق على المرء ذكر النعمة التي سيجدها في الجنة فكل ما يقال في اللغة يضيق بما في الجنة والجواب يكون في الجنة نفسها. فسبحانه جلّ جلاله (عن الدكتور فاضل السامرائي في برنامج لمسات بيانية).

فضل السورة
عن عائشة رضي الله عنها قالت: «كان رسول الله صلَّى الله عليه وسلم يقرأُ كلَّ ليلة بني إِسرائيل والزمَر».
وحديث أُبي الواهي: «مَنْ قرأَ سورة الزمر لم يقطع الله رجاءَه يوم القيامة، وأُعطي ثواب الخائفين الَّذين خافوه».
وحديث علي: «يا علي مَنْ قرأَ سورة الزُّمر اشتاقت إِليه الجنَّة، وله بكلِّ آية قرأَها مثلُ ثواب المجاهدين».

( يتبع – سورة غافر )








مديح ال قطب 01-26-2021 02:38 PM



http://img1.liveinternet.ru/images/a...5b0a0a52ff.gif
سورة غافر

التعريف بالسورة
مكية . ماعدا الآية " 56،57 " فمدنيتان .
من المثاني .
آياتها 85 .
ترتيبها الأربعون .
نزلت بعد الزمر
بدأت بحروف مقطعة
السورة من الحواميم " حم "
اسم السورة أحد صفات الله تعالى .
ذكر لفظ الجلالة في الآية الاولى
ذكر اسم الله العزيز والعليم .

سبب التسمية

سُميت ‏بهذا ‏الاسم ‏لأن ‏الله ‏تعالى ‏ذكر ‏هذا ‏الوصف ‏الجليل-‏ الذي ‏هو ‏من ‏صفات ‏الله ‏الحسنى ‏‏- ‏فى ‏مطلع ‏السورة ‏الكريمة ‏‏ غافر ‏الذنب ‏وقابل ‏التوب ‏‏ ‏وكرر ‏ذكر ‏المغفرة ‏في ‏دعوة ‏الرجل ‏المؤمن ‏‏ ‏وأنا ‏أدعوكم ‏إلى ‏العزيز ‏الغفار‏ ‏وتسمى ‏سورة ‏المؤمن ‏لذكر ‏قصة ‏مؤمن ‏آل ‏فرعون .

سبب نزول السورة


1)عن أبي مالكفي قوله " ما يجادل في آيات الله إلا الذين كفروا " ونزلت في الحرث بن قيس السلمي .

2) عن كعب الأحبار قال : هم اليهود نزلت فيهم فيما ينتظرونه من أمر الدجال .

3) عن ابن عباس أن الوليد بن المغيرة وشيبة بن ربيعة قالا : يا محمد ارجع عما تقول وعليك بدين آبائك وأجدادك ؛فأنزل الله هذه الآية .

محاور مواضيع السورة وأهدافها :

سورة غافر مكية وهى تعني بأمور العقيدة كشأن سائر السور المكية ويكاد يكون موضوع السورة البارز هو المعركة بين " الحق والباطل " والهدى والضلال " ولهذا جاء جو السورة مشحونا بطابع العنف والشدة وكأنه جو معركة رهيبة يكون فيها الطعن والنزال ثم تسفر عن مصارع الطغاة فإذا بهم حطام وركام .

هذه السورة الكريمة شانها شأن السور المكية تناولت أمور العقيدة والتوحيد والبعث والجزاء, ويكاد موضوع السورة البارز, هو المعركة بين الحق والباطل, والهدى والضلال, ولهذا جاء جوّ السورة مشحونا بطابع العنف والشدّة, وكأنه جو معركة رهيبة يكون فيها الطعن والنزال, ثم تسفر عن مصارع الطغاة فاذا بهم حطام وركام.
ابتدأت السورة الكريمة بالاشادة بصفات الله الحسنى وآياته العظمى, ثم عرضت مجادلة الكافرين في آيات الله , ومكابرة الكابرون على الرغم من وضوح الحق وسطوعه.

وفي ثنايا هذا الجو الرهيب يأتي مشهد حملة العرش في دعاءهم الخاشع المنيب.

ثم تناولت السورة الكريمة بعض مشاهد الآخرة وأهوالها التي تشيب لها الولدان, والعباد واقفون للحساب في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة والشمس تبعد ميل واحد عن الرؤوس, وهم بارزون أمام الملك الديّان تغمرهم الرهبة والخشوع, واذا القلوب لدى الحناجر تكاد لشدة الفزع والهول تنخلع في ذلك الموقف الرهيب, يلقى الانسان جزاؤه, ان كان خيرا فخير, وان كان شرا فشر.

ثم يأتي الحديث عن قضية الايمان والطغيان, متمثلة في دعوة موسى عليه السلام لفرعون الطاغية المتجبّر, ففرعون يريد بكبرياءه وجبروته أن يقضي على موسى عليه السلام وأتباعه خشية أن ينتشر الايمان بين الأقوام فيذهب ملكه هكذا هباء منثورا, وتبرز في ثنايا هذه القصة حلقة جديدة لم يتعرض لها القرآن في مكان آخر , ألا وهي ظهور رجل مؤمن من آل فرعون يخفي ايمانه, يصدع بكلمة الحق في تلطف وحذر, وتنتهي القصة بهلاك فرعون الطاغية المتجبّر بالغرق في البحر مع أعوانه وأنصاره, وبنجاة الداعية المؤمن وسائر المؤمنين

ثم تعرض السورة الكريمة بعض الآيات الكونية , الشاهدة بعظمة الله تبارك وتعالى, الناطقة بوحدانية الله عزوجل وجلاله, وتضرب مثلا للمؤمن والكافر, والأعمى والبصير, فالمؤمن على نور وبصر وبصيرة, والكافر يتخبط في دياجير الظلام.


دف سورة غافر : أهمية الدعوة وتفويض الأمر لله**

سورة غافر مكيّة وهي من أكثر سور القرآن الكريم التي فيها دعاء فقد ابتدأت بذكر صفتين من صفات رحمة الله ومغفرته (غَافِرِ الذَّنبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ) آية 3 ثم أعقبت بدعوة الملائكة للمؤمنين (الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَّحْمَةً وَعِلْمًا فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ) آية 7 وفيها دعوة الله تعالى عباده لدعائه وأعقب هذا الدعاء بالاستجابة (وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ) آية 60 وفيها دعوة الله عباده بالدعاء له وهو يضمن لهم الإجابة فهو غافر الذنب وقابل التوب سبحانه.

والسورة تتحدث عن نماذج أناس دعوا إلى الله تعالى والأهم أنهم فوّضوا أمرهم لله لأن الداعي إلى الله قد يواجه بالأذى ممن يدعوهم ولهذا يحتاج إلى أن يفوض أمره إلى الله بعد أن يبذل كل ما بوسعه في سبيل الدعوة لله. ومن هذه النماذج نموذج موسى u في دعوته لفرعون الطاغية الجبّار وقومه وقد جابه فرعون موسى حتى كاد أن يقتله فوّض موسى u أمره إلى الله (وَقَالَ فِرْعَوْنُ ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسَى وَلْيَدْعُ رَبَّهُ إِنِّي أَخَافُ أَن يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَن يُظْهِرَ فِي الْأَرْضِ الْفَسَادَ * وَقَالَ مُوسَى إِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُم مِّن كُلِّ مُتَكَبِّرٍ لَّا يُؤْمِنُ بِيَوْمِ الْحِسَابِ) آية 26 و27 وفي هذا الموقف الصعب يظهر من آل فرعون رجل يكتم إيمانه وهذه المرة الأولى التي يحدثنا القرآن عن قصة هذا المؤمن من آل فرعون مع أن قصة موسى u تكررت كثيراً في القرآن لكن وجود هذه الجزئية من القصة هنا يخدم هدف السورة تماماً. وهذا الرجل المؤمن جادل فرعون وقومه بأساليب متعددة:

باستخدام المنطق (وَقَالَ رَجُلٌ مُّؤْمِنٌ مِّنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمَانَهُ أَتَقْتُلُونَ رَجُلًا أَن يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ وَقَدْ جَاءكُم بِالْبَيِّنَاتِ مِن رَّبِّكُمْ وَإِن يَكُ كَاذِبًا فَعَلَيْهِ كَذِبُهُ وَإِن يَكُ صَادِقًا يُصِبْكُم بَعْضُ الَّذِي يَعِدُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذَّابٌ) آية 28 .

باستخدام العاطفة (يَا قَوْمِ لَكُمُ الْمُلْكُ الْيَوْمَ ظَاهِرِينَ فِي الْأَرْضِ فَمَن يَنصُرُنَا مِن بَأْسِ اللَّهِ إِنْ جَاءنَا قَالَ فِرْعَوْنُ مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَى وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشَادِ) آية 29، ومن اللافت في هذه الدعوة أنه نسب الملك لهم أي لآل فرعون (لكم الملك) ولمّا تحدث عن العذاب شمل نفسه معهم (فمن ينصرنا من بأس الله) اظهاراً للمودة وحب الخير لقومه .

باستخدام الحبّ والخوف عليهم والحرص على نجاتهم (وَقَالَ الَّذِي آمَنَ يَا قَوْمِ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُم مِّثْلَ يَوْمِ الْأَحْزَابِ * مِثْلَ دَأْبِ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ وَالَّذِينَ مِن بَعْدِهِمْ وَمَا اللَّهُ يُرِيدُ ظُلْمًا لِّلْعِبَادِ) آية 30 و 31 .

باستخدام التاريخ (وَلَقَدْ جَاءكُمْ يُوسُفُ مِن قَبْلُ بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا زِلْتُمْ فِي شَكٍّ مِّمَّا جَاءكُم بِهِ حَتَّى إِذَا هَلَكَ قُلْتُمْ لَن يَبْعَثَ اللَّهُ مِن بَعْدِهِ رَسُولًا كَذَلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ مُّرْتَابٌ) آية 34، التذكير بتاريخ من سبق وصنيعهم مع رسولهم للعبرة والإتعاظ.

ثم ذكّر بيوم القيامة وبلقاء الله تعالى لأنها من أهم الأسباب التي ترقق القلب(وَيَا قَوْمِ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ يَوْمَ التَّنَادِ) آية 32 ، كلمة (التناد) في وصف يوم القيامة ليظهر لنا صورة كيف ينادي الناس بعضهم البعض في هذا الحشر العظيم وفي هذا الموقف الهائل وحرصه على نجاتهم في هذا الموقف. (يَوْمَ تُوَلُّونَ مُدْبِرِينَ مَا لَكُم مِّنَ اللَّهِ مِنْ عَاصِمٍ وَمَن يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ) آية 33. ثم عاد إلى العقل (وَيَا قَوْمِ مَا لِي أَدْعُوكُمْ إِلَى النَّجَاةِ وَتَدْعُونَنِي إِلَى النَّارِ) آية 41، ثم عاد للتفويض مرة ثانية بعد أن جادلهم بكل الوسائل الممكنة، فلمّا فوّض أمره إلى الله (فَسَتَذْكُرُونَ مَا أَقُولُ لَكُمْ وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ) آية 44 جاء الرد من الله تعالى (فَوَقَاهُ اللَّهُ سَيِّئَاتِ مَا مَكَرُوا وَحَاقَ بِآلِ فِرْعَوْنَ سُوءُ الْعَذَابِ ) آية وكذلك مع موسى u (وَقَالَ مُوسَى إِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُم مِّن كُلِّ مُتَكَبِّرٍ لَّا يُؤْمِنُ بِيَوْمِ الْحِسَابِ) آية 27.

فضل السورة


1) عن ابن عباس قال : إن لكل شئ لباب وإن لباب القران الحواميم .

2) عن الخليل بن مرة أن رسول الله قال : " الحواميم سبع وأبواب جهنم سبع تجئ كل حم منها تقف على باب من هذه الأبواب تقول : اللهم لا تُدْخِلْ من هذا الباب من كان يؤمن بي ويقرأني " .

3) عن أبي هريرةقال قال رسول الله : " من قرأ حم إلى واليه المصير وآية الكرسي حين يصبح حُفِظَ بهما حتى يمسى ومن قرأهما حين يمسي حُفِظَ بهما حتى يصبح أ)- سورة (غافر) هي السورة الأربعون في ترتيب المصحف. والمحققون من العلماء ذهبوا إلى: أن سورة (غافر) من السوَر المكية الخالصة. وهذه السورة تُسمَّى أيضًا بسورة (المؤمن)، لاشتمالها على: مؤمن آل فرعون، كما تسمى بسورة (الطَّوْل)، لقوله تعالى في أوائلها: {غَافِرِ الذَّنْبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقَابِ ذِي الطَّوْلِ} (غافر: 3).

ب)- وعدد آيات السورة: خمس وثمانون آية في المصحف الكوفي والشامي، وأربع وثمانون في الحجازي، واثنتان وثمانون في البصري.

وسورة (غافر) هي: أول السوَر السَّبْع التي تبدأ بقوله تعالى: {حم} والتي يُطلق عليها لفظ (الحواميم).

ج)- فضائل هذه السُّورة:

لقد ذكر الإمام ابن كثير جملة من الآثار في فضْل هذه السورة، منها:

- ما روي عن ابن عباس أنه قال: "إن لكلِّ شيء لبابًا, ولباب القرآن (آل حم) أو قال: (الحواميم)".

- وأيضًا من هذه الآثار: ما روي عن ابن مسعود أنه قال: "(آل حم): ديباج القرآن".

د)- نأتي بعد ذلك إلى بيان محاور سورة (غافر):

لقد تناولت عدَّة محاور:

- المحور الأول: افتتاح السورة بالحروف المقطّعة.

- المحور الثاني: بيان مصارع الغابِرين من الأمم السابقة.

- المحور الثالث: تقرير أن الذين يجادلون في آيات الله بغير حق, لا حجة ولا برهان عندهم؛ إنما يدفعهم هذا الجدَل كِبْرٌ في نفوسهم عن الحق، وهم أصغر وأضأل من هذا الكِبْر.

- المحور الرابع: بيان: أن الله تعالى قد أرسل قبْل سيدنا محمد -صلى الله عليه وسلم- رسلًا كثيرين على أن في الكون آيات قائمة، وبين أيديهم آيات قرآنية؛ ولكنهم يغفلون عن تدبُّرها.


( يتبع - سورة فصلت )
"










مديح ال قطب 01-26-2021 02:39 PM



http://img1.liveinternet.ru/images/a...5b0a0a52ff.gif


سورة فصلت

التعريف بالسورة

مكية .
من المثاني .
آياتها 54 .
ترتيبها الحادية والأربعون ،
نزلت بعد " غافر "
بدأت بحروف مقطعة
من الحواميم بدأت " حم "
يوجد في السورة سجدة في الآية رقم 38 ،
ذكر اسم الله الرحمن الرحيم في الآية الاولى ،

سبب التسمية

سُميت ‏بهذا ‏الاسم ‏لأن ‏الله ‏تعالى ‏فصّل ‏فيها ‏الآيات ‏‏، ‏وضح ‏فيها ‏الدلائل ‏على ‏قدرته ‏وحدانيته ‏‏، ‏وأقام ‏البراهين ‏القاطعة ‏على ‏وجوده ‏وعظمته ‏‏،وخلقه ‏لهذا ‏الكون ‏البديع ‏الذى ‏ينطق ‏بجلال ‏الله ‏وعظيم ‏سلطانه ‏‏.

سبب نزول السورة

1) عن ابن مسعود في هذه الآية ( وَمَا كُنْتُم تَسْتَتِرُونَ أنْ يَشْهَدَ عَلِيْكُم سَمْعُكُمْ ولاَ أَبْصَارُكُمْ ) الآية قال :كان رجلان من ثقيف وختن لهما من قريش أو رجلان من قريش وختن لهما من ثقيف في بيت فقال بعضهم : أترون الله يسمع نجوانا أو حديثنا ؟ ؛ فقال بعضهم : قد سمع بعضه ولم يسمع بعضه ، قالوا : لئن كان يسمع بعضه لقد سمع كله ؛ فنزلت هذه الآية ( وَمَا كُنْتُم تَسْتَتِرُونَ أنْ يَشْهَدَ عَلِيْكُم سَمْعُكُمْ ولاَ أَبْصَارُكُمْ ) الآية رواه البخاري عن الحميدي ورواه مسلم عن أبي عمر كلاهما عن سفيان عن منصور .

2) قال عطاء عن ابن عباس نزلت هذه الآية في أبي بكروذلك أن المشركين قالوا : ربنا الله والملائكة بناته وهؤلاء شفعاؤنا عند الله ؛ فلم يستقيموا وقالت اليهود : ربنا الله وعزيز ابنه ومحمد ليس بنبي ؛ فلم يستقيموا وقال ابو بكر :ربنا الله وحده لا شريك له ومحمد عبده ورسوله واستقام

محاور مواضيع السورة :

- هذه السورة الكريمة مكية وهى تتناول جوانب العقيدة الإسلامية : الوحدانية والرسالة والبعث والجزاء وهي الأهداف الأساسية لسائر السور المكية التي تهتم بأركان الإيمان .

- ابتدأت السورة الكريمة بالحديث عن القرآن المنزل من عند الرحمن، بالحجج الواضحة، والبراهين الساطعة الدالة على صدق محمد -صلى الله عليه وسلم-، فهو المعجزة الدائمة الخالدة للنبي الكريم -صلى الله عليه وسلم-: (حم * تَنْزِيلٌ مِنَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ * كِتَابٌ فُصِّلَتْ آَيَاتُهُ قُرْآَنًا عَرَبِيًّا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ) [فصلت:1-3]، أي: كتاب جامع للمصالح الدينية، بينت معانيه ووضحت أحكامه بطريقة القصص والمواعظ والحكم والأمثال، في غاية البيان.


(بَشِيرًا وَنَذِيرًا فَأَعْرَضَ أَكْثَرُهُمْ فَهُمْ لَا يَسْمَعُونَ)، أي: مبشراً للمؤمنين بجنات النعيم، ومنذراً للكافرين بعذاب الجحيم، فأعرض أكثر المشركين عن تدبر آياته مع كونه نزل بلغتهم فهم لا يسمعون سماع تفكر وتأمل.

(وَقَالُوا قُلُوبُنَا فِي أَكِنَّةٍ مِمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ)، أي: قالوا ذلك للرسول -صلى الله عليه وسلم- حين دعاهم إلى الإيمان، (وَفِي آَذَانِنَا وَقْرٌ)، أي: وفي أذاننا صمم وثقل يمنعنا من فهم ما تقول، (وَمِنْ بَيْنِنَا وَبَيْنِكَ حِجَابٌ)، أي: وبيننا وبينك يا محمد حاجز يمنع أن يصل إلينا شيء مما تقول، (فَاعْمَلْ إِنَّنَا عَامِلُونَ)، أي: اعمل أنت على طريقتك ونحن نعمل على طريقتنا، واستمر على دينك فإنا مستمرون على ديننا.

(قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ)، أي: قل للمشركين يا محمد لست إلا بشراً مثلكم خصَّني الله بالرسالة والوحي وأن أدعوكم إلى توحيد خالقكم فلا داعي إلى تكذيبي، (فَاسْتَقِيمُوا إِلَيْهِ وَاسْتَغْفِرُوهُ)، أي: توجهوا إليه بالاستقامة على التوحيد والإخلاص في الأعمال، واسألوه المغفرة لسالف الذنوب.

(وَوَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ * الَّذِينَ لَا يُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ بِالْآَخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ)، أي: دمار وهلاك للمشركين الذين لا يعقلون الخير، ولا يتصدقون ولا ينفقون في طاعة الله، وهم بالآخرة وما فيها من جزاء وحساب وبعثة ونشور مكذبون.

- ثم ذكر الله سبحانه حال المؤمنين بعد ذكره لحال الكافرين فقال: (إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ)، أي: إن الذين جمعوا بين التصديق بالله والعمل الصالح لهم أجر دائم غير مقطوع عند ربهم، مستمر بدوام الجنة.

- ثم انتقلت السورة للحديث عن مشهد الخلق الأول للحياة، خلق السماوات والأرض بذلك الشكل الدقيق المحكم، الذي يلفت أنظار المعرضين عن آيات الله، والنظر والتفكر والتدبر، ولكن ظلمات الكفر تحول بينهم وبين الإيمان، فالكون كله نطَّاقٌ بعظمة الله، شاهد بوحدانيته -جل وعلا-.


(قُلْ أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَنْدَادًا ذَلِكَ رَبُّ الْعَالَمِينَ)، أي: كيف تكفرون بالله العلي الشأن، القادر على كل شيء؟ خلق الأرض على كبرها في يومين! وتجعلون له شركاء وأمثالاً تعبدونها معه، ذلك الخالق المبدع هو رب العالمين كلهم، فيكف يجوز جعل الأصنام والأوثان التي لا تنفع ولا تضر ولا تقدر على شيء شركاء له في الألوهية والعبودية؟.


(وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِنْ فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاءً لِلسَّائِلِينَ)، أي: جعل في الأرض جبالاً ثوابت لئلاً تميد بالبشر، وأكثر خيرها بما جعل فيها من المياه والزروع والضروع، وقدر أرزاق أهلها ومعاشهم في تمام أربعة أيام كاملة مستوية بلا زيادة ولا نقصان، وهذا بيان للسائلين عن مدة خلق الأرض وما فيها.

(ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ)، أي: عمَد إلى خلقها وقصَد إلى تسويتها وهي بهيئة الدخان، قال ابن كثير رحمه الله: المراد بالدخان بخار الماء المتصاعد منه حين خلقت الأرض. (فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ اِئْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا)، أي: استجيبا لأمري طائعين أو مكرهتين، (قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ)، أي: أتينا لأمرك طائعيْن.

(فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ)، أي: صنعهن وأبدع خلقهن سبع سماوات في وقت مقدر بيومين، فتم خلق السماوات والأرض في ستة أيام، ولو شاء لخلقهن بلمح البصر، ولكن الله سبحانه أراد أن يعلم عباده الحلم والأناة، (وَأَوْحَى فِي كُلِّ سَمَاءٍ أَمْرَهَا)، أي: أوحى في كل سماء ما أراده وما أمر فيها، (وَزَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَحِفْظًا)، أي: وزينا السماء الأولى القريبة منكم بالكواكب المنيرة المشرقة على الأرض، وحرساً من الشياطين أن تستمع إلى الملأ الأعلى، (ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ).


محاور مواضيع السورة :

- بعد ذلك عرضت السورة للتذكير بمصارع المكذبين، وضربت الأمثلة بأقوى الأمم وأعتاها: قوم عاد الذي بلغ من جبروتهم أن يقولوا: (مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً)؟، وذكرت ما حصل بهم وبثمود من الدمار الشامل، والهلاك المبين حين تمادوا في الطغيان، وكذبوا رسل الله، وذلك في الآيات (من 13 إلى 17).

- وتحدثت السورة عن المجرمين، وما يصيب الكفار بعامة من العذاب والدمار، ليحصل منه تمام الاعتبار بالزجر والتحذير عن ارتكاب المعاصي، والكفر بنعم الله، (وَيَوْمَ يُحْشَرُ أَعْدَاءُ اللَّهِ إِلَى النَّارِ فَهُمْ يُوزَعُونَ)، أي: يحبس أولهم إلى آخرهم ليتلاحقوا ويجتمعوا.

(حَتَّى إِذَا مَا جَاءُوهَا شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصَارُهُمْ وَجُلُودُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ)، أي: نطقت جوارحهم وشهدت عليهم بما اقترفوه من آثام، (وَقَالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنَا قَالُوا أَنْطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنْطَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ)، أي: قالوا لأعضائهم وجلودهم توبيخاً وتعجباً: لم أقررتم علينا وشهدتم بما فلعنا وإنما كنا نجادل ندافع عنكم؟ قالوا معتذرين: ليس الأمر لنا وإنما أنطقنا الله بقدرته الذي ينطق الجماد والإنسان والحيوان، فشهدنا عليكم بما عملتم من القبائح، وهو الذي أوجدكم من العدم، وإليه تردون بعد البعث.

(وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلَا أَبْصَارُكُمْ وَلَا جُلُودُكُمْ وَلَكِنْ ظَنَنْتُمْ أَنَّ اللَّهَ لَا يَعْلَمُ كَثِيرًا مِمَّا تَعْمَلُونَ)، أي: وما كنتم تستخفون من هؤلاء الشهود في الدنيا حين مباشرتكم الفواحش؛ لأنكم لم تظنوا أنها تشهد عليكم.

(وَذَلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنْتُمْ بِرَبِّكُمْ أَرْدَاكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ مِنَ الْخَاسِرِينَ)، أي: وذلكم الظن القبيح برب العالمين، ظنكم أنه -سبحانه- لا يعلم كثيراً من الخفايا، هو الذي أهلككم فأدخلكم النار فخسرتم سعادتكم وأنفسكم وأهليكم، وهذا تمام الخسران والشقاء.

(فَإِنْ يَصْبِرُوا فَالنَّارُ مَثْوًى لَهُمْ وَإِنْ يَسْتَعْتِبُوا فَمَا هُمْ مِنَ الْمُعْتَبِينَ) أي فإن يصبروا على العذاب فالنار منزلهم ومقامهم وأن يطلبوا إرضاء الله عنهم فما هم من المرضي عنهم ومعنى العتبى : رجوع المعتوب عليه إلى ما يرضي العاتب وتمضي السورة في بيان حال المجرمين في الآيات السابقة (من الآية 19 إلى الآية 29).

- ثم تتنقل إلى ذكر حال السعداء المؤمنين، الذين استقاموا على شريعة الله ودينه، فأكرمهم الله سبحانه بالأمن والأمان في دار الجنان مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين، وحسُن أولئك رفيقاً، قال تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا)، أي: آمنوا بالله إيمانا صادقا وأخلصوا العمل له، ثم استقاموا على توحيد الله وطاعته، وثبتوا على ذلك حتى الممات، (تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ)، أي: تتنزل عليهم ملائكة الرحمة عند الموت بأن لا تخافوا مما تقدمون عليه من أهوال القيامة، ولا تحزنوا على ما خلفتموه في الدنيا من أهل ومال وولد، فنحن نخلفكم فيهم، وأبشروا بجنة الخلد التي وعدكم الله بها على ألسنة رسله.

(نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآَخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ)، أي: تقول لهم الملائكة نحن أعوانكم وأنصاركم في الدنيا والآخرة، ولكم في الجنة ما تشتهيه نفوسكم وتقر به عيونكم، ولكم فيها ما تطلبون وتتمنون.

(نُزُلًا مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ)، أي: ضيافة وكرامة من رب واسع المغفرة، عظيم الرحمة لعباده المتقين. (وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ)، أي: لا أحد أحسن قولا ممن دعا إلى توحيد الله وطاعته بقوله وفعله وحاله، وفعَل الحسنة مع فعل السيئة، بل بينهما فرق عظيم في الجزاء وحسن العاقبة.

(ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ)، أي: ادفع السيئة بالخصلة التي هي أحسن مثل أن تدفع الغضب بالصبر، والجهل بالحلم، والإساءة بالعفو؛ فإذا فعلت ذلك صار عدوك كالصديق القريب الخالص الصداقة في مودته ومحبته لك.

(وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ)، أي: وما ينال هذه المنزلة الرفيعة والخصلة الحميدة إلا من جاهَد نفسه بكظم الغيظ واحتمال الأذى، وما يصل إليها وما ينالها إلا ذو نصيب وافر من السعادة والخير.

(وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ)، أي: وإن وسوس إليك الشيطان بترك ما أمرت به من الدفع بالتي هي أحسن، وأراد أن يحملك على البطش والانتقام، فاستعذ بالله من كيد الشيطان وشَرِّه، فالله هو السميع لأقوال العباد، العليم بأفعالهم وأحوالهم، وبكل الأمور والأشياء.


- لقد تحدثت سورة فصلت عن الآيات الكونية المعروفة للأنظار في هذا الكون الفسيح الزاخر بالحكم والعجائب، ومنها الليل والنهار والشمس والقمر، وموقف الملحدين من آيات الله، المتعامين عن كل تلك الآيات الظاهرة الباهرة، وهذا في الآيات من (37 إلى 40).

- وتحدثت السورة الكريمة عن حال الإنسان في الدنيا، فقال تعالى: (لَا يَسْأَمُ الْإِنْسَانُ مِنْ دُعَاءِ الْخَيْرِ وَإِنْ مَسَّهُ الشَّرُّ فَيَئُوسٌ قَنُوطٌ) ، أي لا يمل الإنسان من الدعاء بالخير لنفسه، فإن أصابه فقر أو مرض فهو عظيم اليأس، أي: قنوط من رحمة الله.

(وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ رَحْمَةً مِنَّا مِنْ بَعْدِ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ هَذَا لِي وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً وَلَئِنْ رُجِعْتُ إِلَى رَبِّي إِنَّ لِي عِنْدَهُ لَلْحُسْنَى فَلَنُنَبِّئَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِمَا عَمِلُوا وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنْ عَذَابٍ غَلِيظٍ * وَإِذَا أَنْعَمْنَا عَلَى الْإِنْسَانِ أَعْرَضَ وَنَأَى بِجَانِبِهِ وَإِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ فَذُو دُعَاءٍ عَرِيضٍ) [50-51]، أي: إذا أنعم الله على الإنسان أعرض عن شكر ربه واستكبر عن الانقياد لأوامره وشمخ بأنفه تكبراً وترفعاً، وإن أصابه المكروه فهو ذو دعاء كبير يديم التضرع ويكثر الابتهال.

- وختمت السورة بوعد الله للبشرية بأن يطلعهم على بعض أسرار هذا الكون في آخر الزمان ليستدلوا على صدق ما أخبر عنه القرآن، (سَنُرِيهِمْ آَيَاتِنَا فِي الْآَفَاقِ)، أي: في أقطار السماوات والأرض، (وَفِي أَنْفُسِهِمْ)، أي: وفي عجائب قدرة الله في خلقهم وتكوينهم، (حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ)، أي: حتى يظهر لهم أن يظهر لهم أن هذا القرآن حق، (أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ)، أي: أو لم يكف برهاناً على صدقك أن ربك لا يغيب عنه شيء في الأرض ولا في السماء، وانه مطلع على كل شيء لا تخفى عليه خافية.

(أَلَا إِنَّهُمْ فِي مِرْيَةٍ مِنْ لِقَاءِ رَبِّهِمْ أَلَا إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُحِيطٌ)، أي: ألا فانتبهوا أيها القوم! إن هؤلاء المشركين في شك من الحساب والبعث والجزاء؛ ولهذا لا يتفكرون ولا يؤمنون، وانتبهوا فإن الله تعالى قد أحاط علمه بكل الأشياء جملة وتفصيلاً، فهو يجازيهم على كفرهم.

( يتبع – سورة الشورى )









مديح ال قطب 01-26-2021 02:40 PM



http://img1.liveinternet.ru/images/a...5b0a0a52ff.gif

سورة الشورى

التعريف بالسورة

مكية .ماعدا الآيات 23،24،25،27، فمدنية .
من المثاني .
آياتها 53 .
ترتيبها الثانية والأربعون .
نزلت بعد فصلت .
بدأت السورة بحروف مقطعة
السورة من الحواميم بدأت " حم "
الآية الثانية تتكون من ثلاث حروف من حروف الهجاء " عسق "

سبب التسمية

سُميت ‏‏" ‏سورة ‏الشورى ‏‏" ‏تنويها ‏بمكانة ‏الشورى ‏في ‏الإسلام ‏وتعليما ‏لمؤمنين ‏أن ‏يقيموا ‏حياتهم ‏على ‏هذا ‏المنهج ‏الأمثل ‏الأكمل ‏منهج ‏الشورى ‏لما ‏له ‏من ‏أثر ‏عظيم ‏جليل ‏في ‏حياة ‏الفرد ‏والمجتمع ‏‏، ‏كما ‏قال ‏الله ‏تعالى ‏‏(وَأَمْرُهُمْ ‏شُورَى ‏بَيْنَهُمْ ‏‏) ‏‏.

سبب نزول السورة

1) عن عكرمة رضي الله عنه قال : لما نزلت " إذا جاء نصر الله والفتح " قال المشركون بمكة لمن بين أظهرهم من المؤمنين :قد دخل الناس في دين الله أفواجا فاخرجوا من بين أظهرنا ؛ فنزلت " والذين يحاجون في الله من بعد ما استجيب له " .

2) عن أنس قال : نزلت في اليهود .

3) قال ابن عباس : لما قدم رسول الله المدينة كانت تنوبه نوائب وحقوق وليس في يده لذلك سعة فقال الأنصار : إن هذا الرجل قد هداكم الله تعالى به وهو ابن أختكم وتنوبه نوائب وحقوق وليس في يده لذلك سعة فاجمعوا له من أموالكم ما لا يضركم فأتوه به ليعينه على ما ينوبه ؛ فعلوا ثم أتوا به فقالوا : يا رسول الله إنك ابن أختنا وقد هدانا الله تعالى على يديك وتنوبك نوائب وحقوق وليست لك عندنا سعة فرأينا أن نجمع لك من أموالنا فنأتيك به فتستعين على ما ينوبك وهو هذا ؛ فنزلت هذه الآية وقال قتادة : اجتمع المشركون في مجمع لهم فقال بعضهم لبعض :أترون محمدايسأل على ما يتعاطاه أجرا ؟ ؛ فَنَزَّلَ الله تعالى هذه الآية.

وقد ورد في سبب نزول أول سورة الشورى وهو قوله تعالى: حم * عسق * كَذَلِكَ يُوحِي إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ اللَّهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ [الشورى:1-3]. ورد أثر عن حذيفة بن اليمان رواه الطبري في تفسيره بإسناده عن أرطأة بن المنذر قال: جاء رجل إلى ابن عباس فقال له -وعنده حذيفة بن اليمان-: أخبرني عن تفسير قول الله تعالى: حم * عسق قال: فأطرق ثم أعرض عنه، ثم كرر الثالثة فلم يجبه شيئا، فقال له حذيفة: أنا أنبئك بها، قد عرفت لم كرهها، نزلت في رجل من أهل بيته يقال له: عبد الإله أو عبد الله ينزل على نهر من أنهار المشرق تبنى عليه مدينتان، يشق النهر بينهما، فأصبحت سوداء مظلمة، قد احترقت كأنها لم تكن مكانها، وتصبح صاحبتها متعجبة كيف أفلتت فما هو إلا بياض يومها ذلك حتى يجتمع فيها كل جبار عنيد منهم، ثم يخسف الله بها وبهم جميعا، وذلك قول الله تعالى: حم * عسق، يعني عزيمة من الله وفتنة وقضاء، حم عين يعني عدلا منه، سين يعني سيكون، وقاف، يعني واقع بهاتين المدينتين.
وهذا الأثر على فرض ثبوته عن حذيفة -وهذا بعيد- فلا يصلح سببا لنزول الآيتين، لأنه تفسير، وقد اختلف العلماء اختلافا كثيرا في تفسير الحروف المقطعة التي في أوائل السور، والأصح السكوت عنها وتفويض علم تأويلها إلى الله تعالى.
ومما يؤيد عدم صحة هذا القول عن حذيفة رضي الله عنه سكوت ابن عباس وإمساكه عن تفسيرها، وحاشا لحبر الأمة وترجمان القرآن أن يمتنع عما يعلمه من كتاب الله اتباعا لهواه، ومحاباة لقريبه الذي نزلت فيه الآيات.
ولم نقف على حديث صحيح في سبب نزول هذه الآيات، ناهيك عن سبب نزول السورة جميعا، والظاهر أنها نزلت ابتداء لبيان ما نزلت به من العقائد والأحكام.

محاور مواضيع السورة :

هذه السورة الكريمة مكية وموضوعها نفس موضوعات السور المكية التي تعالج أمور العقيدة " الوحدانية ، الرسالة ، البعث والجزاء " والمحور الذي تدور عليه السورة هو " الوحي والرسالة " وهو الهدف الأساسي للسورة الكريمة .

بدأت السورة الكريمة بتقرير مصدر الوحي ومصدر الرسالة, فالله تبارك وتعالى ودون أدنى شك أو ارتياب من أنزل الوحي على الأنبياء والمرسلين, وهو الذي اصطفى لرسالاته من شاء من عباده, ليخرجوا الانسانية من الظلمات الى النور, لينقلهم من حياة الشرك والضلال الى حياة نور الهداية والايمان.

تناولت السورة الكريمة تقوّل بعض المشركين الباطل على جلال الله تبارك وتعالى حين نسبوا اليه سبحانه وتعالى مالا يليق بربوبيته وألوهيته ووحدانيته وعزته, بأن نسبوا له الولد والذرية سبحانه وتعالى عما يشركون, حتى أنّ! السموات كدن يتفطرن من هول مقالتهم الشنيعة لعنهم الله, وبينما هؤلاء المشركون في غيّهم وضلالهم يعمهون ويتخبطون, اذ بالملأ الأعلى في تسبيحهم وتمجيدهم لله تبارك وتعالى مستغرقون, وذلك للمقارنة بين كفر اهل الأرض وطغيانهم , وبين ايمان أهل السموات واذعانهم وتنزيهم للله عزوجل تبارك اسمه وتعالى جدّه لا اله الا هو ذو الجبروت والملكوت والكبرياء والعظمة والسلطان الحنان المنان ذو الجلال والاكرام سبحانك ربنا لا نحصي ثناء عليك كما أثنيت على نفسك.




ثم تعود السورة الكريمة لتتناول قضية الوحي والرسالة من جديد, وتقرّر أنّ الدين الذي نادى به جميع الأنبياء والرسل انما هو دينا واحدا, دين الاسلام, الذي بعث به نوح وموسى وعيسى وسائر الكرام على نبينا وعليهم جميعا أفضل الصلاة وأتم التسليم, يقول المولى عزوجل: شرع لكم من الدين ما وصّى به نوحا والذي أوحينا اليك به ابراهيم وموسى وعيسى.

ثم تنتقل السورة الكريمة في الحديث عن المكذبين بالقرآن الكريم والمنكرين للبعث والجزاء, وما يتوعدهم الله من العذاب الشديد في الآخرة, عذاب تشيب له الولدان وتطير لهوله الأفئدة, بينما هم في الدنيا يهزؤون ويسخرون ويستعجلون قيام الساعة.

ثم تناولت السورة دلائل الايمان في هذا العالم المنظور, والذي لا شكّ وراءه صانع وحكيم وقدير سبحانه وتعالى خالق الكون والأولين والآخرين رب العزة تبارك وتعالى, وتدعو الناس الى الاستجابة لدعوة الله تبارك وتعالى والانقياد والاستسلام لحكمه قبل أن يباغتهم هول ذاك اليوم العصيب القادم لا محالة, ذلك اليوم الذي لا ينفع فيه مال ولا بنون الا من أتى الله بقلب سليم, اللهم اجعلنا برحمتك من ذوي القلوب السليمة, اللهم أحينا عليها وأمتنا عليها برحمتك يا أرحم الراحمين.

يقول الله تعالى: استجيبوا لربكم من قبل أن يأتي يوم لا مردّ له من الله.

وكما بدأت السورة الكريمة بالحديث عن الوحي والقرآن الكريم أيضا تختم الحديث عنهما ليتناسق الكلام في البدء والختام.. يقول الله تعالى: وكذلك أوحينا اليك روحا من أمرنا ما كنت تدري مالكتاب ولا الايمان ولكن جعلناه نورا نهدي, من نشاء من عبادنا, وانك لتهدي الى صراط مستقيم* صراط الذي له ما في السموات وما في الأرض, ألا الى الله تصير الأمور.


قرأت موضوعاً بعنوان : محاولة لفهم سورة الشورى
كتبه : عمر جمال النشيواتي
ووجدت أنه من المناسب وضعه هنا للاستفادة

محاولة لفهم سورة الشورى :

يُعتبر علم موضوعات السور من العلوم الجليلة التي تفتح على قارئ القرآن فتوحات تدبرية عميقة , وتكشف له من الأسرار ما لاينكشف له بدونها..
وفي رمضان هذا العام خاصة , أتحفنا برنامج التفسير المباشر بالجديد والمفيد في هذا الباب , وفتح شهيتنا ودفع بنا إلى المحاولة والاجتهاد والتدبر في مواضيع السور , وهذا ما بذلت له شيئاً من جهدي في ختمتي في العشر الأخير لرمضان هذا العام , وكانت بحمد الله تعالى ختمة متميزة عن كل سابقاتها في ظل التدبر في مواضيع السور القرآنية الجليلة..
ويكفي من حسنات الاهتمام بمثل هذا الأمر أني ربما سمعت أو قرأت السورة كاملة من أولها إلى آخرها , وذلك دون شرود أو انقطاع أو خروج عن جو السورة , خاصة مع اجتماع شرف الزمان والمكان , حيث جاورت مسجد رسول الله , وهذا من عظيم فضل الله تعالى الذي لا يعد ولا يحصى ,, فلله الحمد أولا وآخرا , ونسأله تعالى الإخلاص والقبول.
وفي هذه الورقة سجلت بعض ملا حظاتي التي خرجت بها , في محاولة مني لفهم موضوع سورة الشورى , أضعها بين يدي مشايخي , وأساتذتي وإخواني , أرجو أن لايحرموني من تصويبهم ونصحهم وتعقيبهم , خاصة وأن الحديث في مثل هذا الأمر عده بعض أهل العلم من التقول على الله تعالى , لكن إنما هو اجتهاد طالب بين يدي أساتذته.

موضوع السورة واسمها:
اقترحت عنوانا لموضوع لهذه السورة : دعوة إلى جمع الكلمة , أو دعوة إلى ترك الإختلاف المذموم , حيث تحدثت هذه السورة عن الاختلاف بنوعيه الشرعي والكوني ,وأنه سنة ماضية , وذكرت حكم الاختلاف الشرعي (أي الأختلاف في الأحكام) ودعت إلى ترك الخلاف ونبذه , وذكرت بعض أسبابه , و كيفية معالجته , و ذكرت جزاء المختلفين من الطرفين .
وبهذا يظهر لي والعلم عند الله ربط اسم السورة بهذا الموضوع حيث أن الشورى والمشورة من أفضل الوسائل و أنفعها في اجتماع الكلمة ودفع الاختلاف كما لايخفى .

محاولة لفهم سورة الشورى

فاتحة السورة وخاتمتها :

افتتحت السورة بذكر القرآن: كَذَلِكَ يُوحِي إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ اللَّهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ واختتمت به : وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا وكأنها اشارة الى أهمية القرآن ومحوريته في دفع الاختلاف بل جاء الأمر صريحا في ثنايا السورة بالرجوع الى كتاب الله وحكمه عند الاختلاف: وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبِّي عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ (10) .

وتوسطت السورة ذكر القرآن وعربيته ووضوحه والحكمة من إنزاله: وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ قُرْآَنًا عَرَبِيًّا لِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا وَتُنْذِرَ يَوْمَ الْجَمْعِ لَا رَيْبَ فِيهِ فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ (7)
وتوسطت السورة كذلك ذكر انزال القرآن بالحق وأنه الميزان العدل عند الاختلاف: اللَّهُ الَّذِي أَنْزَلَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ وَالْمِيزَانَ وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ قَرِيبٌ (17) اللهُ الذي أنزل الكتابَ يعني القرآن بالحق أي : لم ينزله لغير شيء " زاد المسير.
وقال الشوكاني:"والمراد ب الميزان : العدل ، كذا قال أكثر المفسرين وقيل : الميزان ما بيِّن في الكتب المنزّلة مما يجب على كل إنسان أن يعمل به . وقيل : هو : الجزاء على الطاعة بالثواب ، وعلى المعصية بالعقاب . وقيل : إنه الميزان نفسه أنزله الله من السماء ، وعلم العباد الوزن به لئلا يكون بينهم تظالم ، وقيل : هو محمد ".


الاختلاف سنة كونية

تكررت في ثنايا السورة بعض المشاهد الكونية التي ترسخ في نفس قارئها أن الاختلاف سنة كونية , وكأن الآيات تريد أن تعبر بنا من خلال هذه المسلمات الكونية الى أن الاختلاف لابد وأنه واقع كذلك في الأمور الشرعية , بل إن حكمته سبحانه اقتضت أن يختلف الناس حتى يحصل الابتلاء و التكليف وعلى هذا قامت الدعوات والرسالات: وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَهُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِنْ يُدْخِلُ مَنْ يَشَاءُ فِي رَحْمَتِهِ وَالظَّالِمُونَ مَا لَهُمْ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ (8)

ومن تلك المشاهد الكونية التي جاءت في السورة : فَاطِرُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَمِنَ الْأَنْعَامِ أَزْوَاجًا يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ (11)

وقال سبحانه: وَمِنْ آَيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَثَّ فِيهِمَا مِنْ دَابَّةٍ وَهُوَ عَلَى جَمْعِهِمْ إِذَا يَشَاءُ قَدِيرٌ(29)

وقال : لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ (49) أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَانًا وَإِنَاثًا وَيَجْعَلُ مَنْ يَشَاءُ عَقِيمًا إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ (50)

وهذا الأسلوب تكرر في القرآن وجاءت آيات صريحة في سورة الليل تدل على هذا قال تعالى: وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى (1) وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى (2) وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى (3) إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى (4) فكما يختلف الليل والنهار والذكر والأنثى , تختلف كذلك مشارب الناس وأهواءهم ومقاصدهم ...

أسباب الاختلاف

السورة في مجملها واضحة في دعوتها إلى التوحيد وترك الشرك , و لا شك أن التوحيد والإيمان هو سبب كل الفة ووحدة , وأن الشرك هو من أعظم أسباب الإختلاف والتفرق لذلك ناقشت السورة هاتين القضيتين ودعت إلى توحيد الله تعالى : اللَّهُ رَبُّنَا وَرَبُّكُمْ لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ(15) كما حذرت من الشرك : أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ (21).

أشارت السورة كذلك إلى بعض أسباب الاختلاف والتفرق الذي حصل بالأمم السابقة وأنه البغي والعناد والتكبر على الحق : وَمَا تَفَرَّقُوا إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ(14)" أي: إنما كان مخالفتهم للحق بعد بلوغه إليهم، وقيام الحجة عليهم، وما حملهم على ذلك إلا البغيُ والعنادُ والمشاقة" ابن كثير.

حصل ذلك منهم مع أن الله أوصاهم وأوصى أنبياءه- وخص منهم في هذه السورة أولو العزم من الرسل- أوصاهم بإقامة الدين وعدم التفرق فيه : أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ (13) قال البغوي "بعث الله الأنبياء كلهم بإقامة الدين والألفة والجماعة وترك الفرقة والمخالفة".

ومن أسباب الاختلاف المذكورة في السورة إرادة الانسان بعمله الدنيا والرياء بالعمل ونسيان الآخرة : مَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآَخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ وَمَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَا لَهُ فِي الْآَخِرَةِ مِنْ نَصِيبٍ (20)

ومنها القول على الله بغير علم : أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ وَلَوْلَا كَلِمَةُ الْفَصْلِ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (21)

ومنها الاقتتال على الدنيا ومافيها , وكم فرقت الدنيا بأموالها وزينتها وزخرفها بين المجتمعين لذلك بين الله قانونه السماوي في مسألة الأرزاق و بين حكمته من ذلك : وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ وَلَكِنْ يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ بِعِبَادِهِ خَبِيرٌ بَصِيرٌ (27)

ومنها الذنوب والمعاصي : وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ (30)

( يتبع )









مديح ال قطب 01-26-2021 02:40 PM



http://img1.liveinternet.ru/images/a...5b0a0a52ff.gif


تابع – سورة الشورى

محاولة لفهم سورة الشورى

العلاج والتوصيات لحل الخلاف

ذكرت السورة وصايا خاصة وعامة لجمع الكلمة والصف وحل الخلافات , منها ما جاء صراحة كالرجوع الى حكم الله وكتابه وسنة نبيه وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبِّي عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ (10) وقوله: اللَّهُ الَّذِي أَنْزَلَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ وَالْمِيزَانَ وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ قَرِيبٌ (17)

ومن الوصايا الصريحة أيضا: الدعوة الى ما وصى الله به ألو العزم من الرسل , أن نجتمع ولانتفرق , والاستقامة على أمر الله , والتحاكم إلى الشريعة لا إلى الهوى , والإيمان بالكتاب , والعدل , والتوحيد... وكل هذه الوصايا جاءت في قوله : فَلِذَلِكَ فَادْعُ وَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَقُلْ آَمَنْتُ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنْ كِتَابٍ وَأُمِرْتُ لِأَعْدِلَ بَيْنَكُمُ اللَّهُ رَبُّنَا وَرَبُّكُمْ لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ لَا حُجَّةَ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ اللَّهُ يَجْمَعُ بَيْنَنَا وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ (15) ولا يخفى أثر هذه الأمور جميعها في جمع الكلمة و نبذ الاختلاف.

ومن الوسائل أيضا في العلاج والتي جاءت الوصية بها في السورة :عدم الاختلاف على الدنيا وأنها متاع و التذكير بزوالها وأن ماعند الله خير: فَمَا أُوتِيتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَمَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى لِلَّذِينَ آَمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (36)

ومن الوصايا كذلك:العفو والصبر عند الغضب والمقدرة خاصة ,إلا أن يصيبنا بغي وجور وقد تكررت الوصية بذلك في السورة :وَالَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ وَإِذَا مَا غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ (37)

وقال: وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ (39)
وقال: وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ (40) وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولَئِكَ مَا عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ (41) إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ وَيَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (42) وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ (43)

ومنها القيام بأمر الله تعالى وأداء الفرائض من الصلاة والزكاة وخص التذكير بأهمية الشورى ولا تخفى جوهريتها في حل الخلاف والتنازع وما ضيع هذه الأمة مثل الاستبداد والدكتاتوريات ؟؟ وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ (38).





محاولة لفهم سورة الشورى

الجزاء والثمرة

ذكرت السورة سبب كل عقوبة ومصيبة تحل بالعبد في الدنيا وهي عقيدة مضطردة عند أهل السنة أنه لا تحل مصيبة إلا بسبب ذنب العبد ومعصيته ولا شك أن الاختلاف على حكم الله وشرعه كبيرة ومعصية يستحق صاحبها العقوبة عليها قال تعالى: : وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ (30)

كما جاء في ثنايا السورة ذكر جزاء الظالمين في الآخرة , وفي المقابل جزاء المؤمنين : تَرَى الظَّالِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا كَسَبُوا وَهُوَ وَاقِعٌ بِهِمْ وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فِي رَوْضَاتِ الْجَنَّاتِ لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ عِنْدَ رَبِّهِمْ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ (22)

وقال تعالى: وَتَرَى الظَّالِمِينَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذَابَ يَقُولُونَ هَلْ إِلَى مَرَدٍّ مِنْ سَبِيلٍ (44) وَتَرَاهُمْ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا خَاشِعِينَ مِنَ الذُّلِّ يَنْظُرُونَ مِنْ طَرْفٍ خَفِيٍّ وَقَالَ الَّذِينَ آَمَنُوا إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلَا إِنَّ الظَّالِمِينَ فِي عَذَابٍ مُقِيمٍ (45)
وذكّر هنا بالخسارة الحقيقية : إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وليست هي خسارة الدنيا ومتاعها الذي اختلفتم من أجله ... جعلنا الله من الناجين والفائزين المفلحين في الدنيا والآخرة , و هدانا جميعا صراطه المستقيم .

( يتبع – سورة الزخرف )








مديح ال قطب 01-26-2021 02:41 PM



















سورة الزخرف

التعريف بالسورة
مكية . ماعدا الآية 54 فمدنية .
من المثاني .
آياتها 89 .
ترتيبها الثالثة و الأربعون .
نزلت بعد فصلت .
بدأت السورة بحروف مقطعة والسورة من الحواميم اي بدأت " حم "
أقسم الله بالقرآن الكريم في الآية الثانية من السورة .

سبب التسمية

سُميت ‏‏" ‏سورة ‏الزخرف ‏‏" ‏لما ‏فيها ‏من ‏التمثيل ‏الرائع ‏لمتاع ‏الدنيا ‏الزائل ‏وبريقها ‏الخادع ‏بالزخرف ‏اللامع ‏الذي ‏ينخدع ‏به ‏الكثيرون ‏مع ‏أنها ‏لا ‏تساوى ‏عند ‏الله ‏جناح ‏بعوضة ‏‏، ‏ولهذا ‏يعطيها ‏الله ‏لأبرار ‏والفجار ‏‏، ‏وينالها ‏الأخيار ‏والأشرار ‏‏، ‏أما ‏الآخرة ‏فلا ‏يمنحها ‏الله ‏إلا ‏لعباده ‏المتقين ‏فالدنيا ‏دار ‏الفناء ‏والآخرة ‏دار ‏البقاء ‏‏.

سبب نزول السورة

1) ابن عباس أن النبي قال لقريش : يا معشر قريش لا خير في أحد يعبد من دون الله ، قالوا : أليس تزعم أن عيسى كان عبدا نبيا وعبدا صالحا ؟ فإن كان كما تزعم فهو كآلهتهم ؛فأنزل الله تعالى (وَلَمَّا ضُرِبَ ابنُ مَريم مَثلاً ) الآية وذكرنا هذه القصة ومناظرة ابن الزبعري مع رسول الله في آخر سورة الانبياء عند قوله تعالى (إنكم وما تعبدون من دون الله حصب جهنم ).

2) عن مقاتل قال :مَكَرَ المشركون بالنبي في دار الندوة وتآمروا على قتله حين استقر أمرهم على ما أشار به أبو جهل عليهم وهو أن يبرز من كل قبيلة رجل ليشتركوا في قتله وتضعف المطالبة بدمه فنزلت الآية .

3) عن محمد بن كعب القرظي قال: بينا ثلاثة بين الكعبة وأستارها قرشيان وثقفي أو ثقفيان وقرشي فقال واحد منهم : ترون الله يسمع كلامنا فقال واحد إذا جهرتم سمع وإذا أسرتم لم يسمع فنزلت الآية .


محاور مواضيع السورة :

سورة الزخرف مكية ، وقد تناولت أس العقيدة الإسلامية وأصول الإيمان " الإيمان بالوحدانية ، وبالرسالة ، وبالبعث والجزاء " كشأن سائر السور المكية .
هدف السورة: تحذير من الإنخداع بالمظاهر المادية
سورة الزخرف: هي سورة المتعلقين بالمظاهر المادية. وفيها تحذير من الإنخداع بالمظاهر المادية. لأن الإنخداع بها واعتبارها وسيلة لتقييم الأمور فيه ضياع للأمة كما ضاعت الأمم السابقة (لاحظ تكرار ذكر الذهب والفضة وبريقها في الآيات) لأن الأمم السابقة انخدعت واعتبرت أن متاع الحياة الدنيا وزخرفها هو النعيم الحقيقي وغاب عنهم أن النعيم الحقيقي إنما هو نعيم الآخرة الذي لا ينتهي. (يُطَافُ عَلَيْهِم بِصِحَافٍ مِّن ذَهَبٍ وَأَكْوَابٍ وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الْأَنفُسُ وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ وَأَنتُمْ فِيهَا خَالِدُونَ) آية 71، فالزخرف الحقيقي ليس زخرف الدنيا الزائل.

وتتحدث السورة عن أن مظاهر التكذيب كانت مظاهر مادية (وَقَالُوا لَوْلَا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِّنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ) آية 31 في قصة ابراهيم، و(وَنَادَى فِرْعَوْنُ فِي قَوْمِهِ قَالَ يَا قَوْمِ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الْأَنْهَارُ تَجْرِي مِن تَحْتِي أَفَلَا تُبْصِرُونَ * أَمْ أَنَا خَيْرٌ مِّنْ هَذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ وَلَا يَكَادُ يُبِينُ * فَلَوْلَا أُلْقِيَ عَلَيْهِ أَسْوِرَةٌ مِّن ذَهَبٍ أَوْ جَاء مَعَهُ الْمَلَائِكَةُ مُقْتَرِنِينَ) آية 51 إلى 53 في قصة موسى مع فرعون. وآيات السورة تركّز على أن الشرف الحقيقي ليس المال والجاه والمظاهر المادية إنما هو الدين (وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَّكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ) آية 44، (الذكر هنا بمعنى الشرف) وتحدثت الآيات عن عيسىعليه السلام لأنه رمز الزهد وعدم الإنخداع بالمظاهر المادية (وَلَمَّا جَاء عِيسَى بِالْبَيِّنَاتِ قَالَ قَدْ جِئْتُكُم بِالْحِكْمَةِ وَلِأُبَيِّنَ لَكُم بَعْضَ الَّذِي تَخْتَلِفُونَ فِيهِ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ) آية 63 جاء بالحكمة بدل المظاهر المادية الزائلة.

السورة كلها تتحدث عن خطورة المظاهر المادية (الْأَخِلَّاء يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ) آية 67 لأن سر اختيار الصحبة في الدنيا يتوقف على المظاهر المادية لكن التقوى والحكمة هما اللتان تبقيان في الآخرة فعلينا اختيار الصحبة في الدنيا على أسس صحيحة من التقوى والحكمة لا ننخدع بالمظاهر المادية الزائفة التي ليس لها وزن ولا قيمة في الآخرة.

وقد سميّت السورة بهذا الإسم لما فيها من تمثيل رائع لمتاع الدنيا الزائل بريقها الخادع بالزخرف اللامع الذي بنخدع به الكثيرون مع أنها لا تساوي عند الله جناح بعوضة ولهذا فالدنيا يعطيها الله تعالى للأبرار والفجّار وينالها الأخيار والأشرار أما الآخرة فلا يمنحها إلا لعباده المتقين فالدنيا دار الفناء والآخرة دار البقاء.

و تعرض هذه السورة جانبا ممّا كانت الدعوة الإسلامية تلاقيه من مصاعب وعقبات، ومن جدال واعتراضات، وتعرض معها كيف كان القرآن الكريم يعالجها في النفوس، وكيف يقرّر في ثنايا علاجها حقائقه وقيمه في مواجهة الخرافات والوثنيات والقيم الجاهلة الزائفة، التي كانت قائمة في النفوس إذ ذاك، ولا يزال جانب منها قائما في النفوس في كلّ زمان ومكان.
وقال الفيروزآبادي: معظم مقصود سورة «الشورى» هو: «بيان إثبات القرآن في اللوح المحفوظ، وإثبات الحجّة والبرهان على وجود الصانع، والردّ على عبّاد الأصنام الذين قالوا:
الملائكة بنات الله سبحانه، والمنّة على الخليل إبراهيم (ع) بإبقاء كلمة التوحيد في عقبه، وبيان قسمة الأرزاق، والإخبار عن حسرة الكفار وندامتهم يوم القيامة، ومناظرة فرعون وموسى، ومجادلة عبد الله بن الزبعري للمؤمنين بحديث عيسى (ع) ، وادعاؤه أن الملائكة أحق بالعبادة من عيسى، ثم بيان شرف الموحّدين في القيامة، وعجز الكفار في جهنّم، وإثبات ألوهية الحق سبحانه في السماء والأرض، وأمر الرسول (ص) بالإعراض عن مكافأة الكفار» «1»
في قوله تعالى:
فَاصْفَحْ عَنْهُمْ وَقُلْ سَلامٌ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ (89) .

وإذا تأملنا سورة الزخرف، وجدنا أنّه يمكن تقسيمها إلى ثلاثة أقسام:

1- شبهات الكافرين
يشمل الفصل الأول الآيات [1- 25] . ويبدأ بالتنويه بشأن القرآن والوحي، وبيان أنّ من سنّة الله، جلّ جلاله، إرسال الرسل لهداية الناس وإرشادهم، ولكنّ البشرية قابلت الرسل بالاستهزاء والسخرية، فأهلك الله المكذّبين.
والعجيب أن كفّار مكة كانوا يعترفون بوجود الله، ثم لا يرتّبون على هذا الاعتراف نتائجه الطبيعية، من توحيد الله وإخلاص التوجّه إليه، فكانوا يجعلون له شركاء يخصّونهم ببعض ما خلق من الأنعام.
وفي هذه السورة تصحيح لهذه الانحرافات الاعتقادية، وردّ النفوس الى الفطرة، وإلى الحقائق الأولى فالأنعام من خلق الله، وهي طرف من آية الحياة، مرتبط بخلق السماوات والأرض جميعا، وقد خلقها الله وسخّرها للبشر ليذكروا نعمة ربهم عليهم ويشكروها، لا ليجعلوا له شركاء، ويشرعوا لأنفسهم في الأنعام ما لم يأمر به الله، بينما هم يعترفون بأن الله، جل جلاله، هو الخالق المبدع، ثم هم ينحرفون عن هذه الحقيقة، ويتّبعون الخرافات والأساطير.

وكانت الوثنية الجاهلية تقول: إنّ الملائكة بنات الله. ومع أنهم يكرهون مولد البنات لأنفسهم، فإنّهم كانوا يختارون لله البنات ويعبدونهنّ من دونه، ويقولون إنّنا نعبدهنّ بمشيئة الله ولو شاء ما عبدناهنّ. وكانت مجرد أسطورة ناشئة عن انحراف في العقيدة.
وفي هذه السورة يناقشهم القرآن بمنطقهم هم، ويحاجّهم كذلك بمنطق الفطرة الواضح حول هذه الأسطورة التي لا تستند الى شيء على الإطلاق:
وَجَعَلُوا لَهُ مِنْ عِبادِهِ جُزْءاً إِنَّ الْإِنْسانَ لَكَفُورٌ مُبِينٌ (15) أَمِ اتَّخَذَ مِمَّا يَخْلُقُ بَناتٍ وَأَصْفاكُمْ بِالْبَنِينَ (16) وَإِذا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِما ضَرَبَ لِلرَّحْمنِ مَثَلًا ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ (17) أَوَمَنْ يُنَشَّؤُا فِي الْحِلْيَةِ وَهُوَ فِي الْخِصامِ غَيْرُ مُبِينٍ (18) وَجَعَلُوا الْمَلائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبادُ الرَّحْمنِ إِناثاً أَشَهِدُوا خَلْقَهُمْ سَتُكْتَبُ شَهادَتُهُمْ وَيُسْئَلُونَ (19) .
ثم يكشف القرآن الكريم عن سندهم الوحيد في اعتقاد هذه الأسطورة، وهو المحاكاة والتقليد، وهي صورة زريّة، تشبه صورة القطيع يمضي حيث هو، منساقا بدون تفكير.
ثم يبيّن القرآن، أن طبيعة المعرضين عن الهدى واحدة، وحجّتهم مكرورة بدون تدبّر لما يلقى إليهم، ولو كان أهدى وأجدى، ومن ثمّ لا تكون عاقبتهم إلّا التدمير والتنكيل، انتقاما منهم وعقابا لهم:
وَكَذلِكَ ما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلَّا قالَ مُتْرَفُوها إِنَّا وَجَدْنا آباءَنا عَلى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلى آثارِهِمْ مُقْتَدُونَ (23) قالَ أَوَلَوْ جِئْتُكُمْ بِأَهْدى مِمَّا وَجَدْتُمْ عَلَيْهِ آباءَكُمْ قالُوا إِنَّا بِما أُرْسِلْتُمْ بِهِ كافِرُونَ (24) فَانْتَقَمْنا مِنْهُمْ فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ (25) .


2- مناقشة ومحاجة
تشتمل الآيات [26- 56] على القسم الثاني من السورة، وهو استمرار لمناقشة قريش في دعاويها. فقد كانت قريش تقول: إنها من ذريّة إبراهيم (ع) - وهذا حق- وإنها على ملّة إبراهيم (ع) - وهذا ادّعاء باطل- فقد أعلن إبراهيم (ع) كلمة التوحيد قوية واضحة، لا لبس فيها ولا غموض، ومن أجلها هجر أباه وقومه، بعد أن تعرّض للقتل والتحريق، وعلى التوحيد قامت شريعة إبراهيم (ع) ، ثم أوصى بها ذريّته وعقبه، فلم يكن للشرك فيها أي خيط رفيع.
وفي هذا القسم من السورة يردّهم الى هذه الحقيقة التاريخية، ليعرضوا عليها دعواهم التي يدّعون. ثم يحكي اعتراضهم على رسالة النبي (ص) وقولهم كما ورد في التنزيل لَوْلا نُزِّلَ هذَا الْقُرْآنُ عَلى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ (31) ، ويناقش قولتهم هذه، وما تنطوي عليه من خطأ في تقدير القيم الأصلية التي أقام الله عليها الحياة، والقيم الزائفة التي تتراءى لهم، وتصدّهم عن الحقّ والهدى. وعقب تقرير الحقيقة في هذه القضيّة، يطلعهم على عاقبة المعرضين عن ذكر الله، بعد أن يطلعهم على علّة هذا العمى، وهو من وسوسة الشيطان.
ويلتفت السياق في نهاية هذا الدرس الى الرسول (ص) فيذكر تسلية الله تعالى له ومواساته إيّاه عن إعراضهم وعماهم، بأن الرسول (ص) ليس بهادي العمي أو مسمع الصّمّ، وسيلقون جزاءهم، سواء أشهد انتقام الله منهم، أم أخّره الله عنهم، ويوجّهه تعالى الى الاستمساك بما أوحى إليه فإنّه الحق الذي جاء به الرسل أجمعون فكلّهم جاءوا بكلمة التوحيد ثم يعرض، من قصة موسى (ع) ، حلقة تمثّل واقع العرب هذا مع رسولهم، وكأنّما هي نسخة مكررة تحوي الاعتراضات ذاتها التي يبدونها، وتحكي اعتزاز فرعون وملته بالقيم ذاتها، التي يعتز بها المشركون:
المال، الملك، الجاه، السلطان، مظاهر البذخ. وقد بيّن القرآن الكريم، فيما سبق، أنّها لا تزن عند الله جناح بعوضة، ولو شاء الله لأعطى هذه الأموال للكافر في الدنيا لهوانها على الله من جهة، ولأنّ هذا الكافر لا حظّ له في نعيم الآخرة، من جهة أخرى ولكنّ الله سبحانه لم يفعل ذلك خشية أن يفتن الناس، وهو العليم بضعفهم، ولولا خوف الفتنة لجعل للكافر بيوتا سقفها من فضة، وسلالمها من ذهب، بيوتا ذات أبواب كثيرة، وقصورا فيها سرر للاتكاء، وفيها زخرف للزينة ...
رمزا لهوان هذه الفضة والذهب، والزخرف والمتاع، بحيث تبذل هكذا رخيصة لمن يكفر بالرحمن.
وهذا المتاع الزائل لا يتجاوز حدود الدنيا، ولكن الله يدّخر نعيم الآخرة للمتقين.



3- من أساطير المشركين
تشتمل الآيات [57- 89] على الدرس الأخير من سورة الزخرف، وفيها يستطرد السياق الى حكاية أساطير المشركين حول عبادة الملائكة، ويحكي حادثا من حوادث الجدل الذي كانوا يزاولونه، وهم يدافعون عن عقائدهم الواهية، لا بقصد الوصول الى الحق، ولكن مراء ومحالا.

فلما قيل: إنكم وما تعبدون من دون الله حطب جهنم، وكان القصد هو أصنامهم التي جعلوها تماثيل للملائكة، ثم عبدوها بذاتها وقيل لهم إنّ كل عابد وما يعبد من دون الله في النار ... لما قيل لهم هذا، ضرب بعضهم المثل بعيسى بن مريم (ع) ، وقد عبده المنحرفون من قومه، أهو في النار؟ وكان هذا مجرد جدل، ومجرد مراء.

ثم قالوا: إذا كان أهل الكتاب يعبدون عيسى (ع) ، وهو بشر، فنحن أهدى منهم إذ نعبد الملائكة وهم بنات الله، وكان هذا باطلا يقوم على باطل.
وبهذه المناسبة، يذكر السياق طرفا من قصة عيسى بن مريم (ع) ، يكشف حقيقته وحقيقة دعوته، واختلاف قومه من قبله ومن بعده.

ثم يهدّد المنحرفين عن سواء العقيدة جميعا بمجيء الساعة بغتة. وهنا يعرض مشهدا مطوّلا من مشاهد القيامة، يتضمّن صفحة من النعيم للمتّقين، وصفحة من العذاب الأليم للمجرمين، ثم يبيّن إحاطة الله سبحانه بجميع ما يصدر عنهم، وتسجيل ذلك عليهم.

أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْواهُمْ بَلى وَرُسُلُنا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ (80) .
ثم تلطّف القرآن الكريم في تنزيه الله تعالى عمّا يصفون، فأمر النبي (ص) أن يذكر لهم أنّه لو كان للرحمن ولد، لكان النبي (ص) أوّل العابدين له، ولكن الله جلّ جلاله منزّه عن اتّخاذ الولد، فهو سبحانه له الملكية المطلقة، للسماء والأرض، والدنيا والآخرة.

ثم يواجههم القرآن الكريم بمنطق فطرتهم، فهم يؤمنون بالله، فكيف يصرفون عن الحق الذي تشهد به فطرتهم، ويحيدون عن مقتضاه:
وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ (87) .

وفي ختام السورة يتبدّى اتجاه الرسول (ص) لربّه، يشكو إليه كفرهم، وعدم إيمانهم:

وَقِيلِهِ يا رَبِّ إِنَّ هؤُلاءِ قَوْمٌ لا يُؤْمِنُونَ (88) .
ويجيب عليه سبحانه في رعاية، فيدعوه الى الصفح والإعراض، فسيلقون جزاءهم المحتوم:
فَاصْفَحْ عَنْهُمْ وَقُلْ سَلامٌ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ (89) .

( يتبع - سورة الدخان )







.




مديح ال قطب 01-26-2021 02:43 PM



















سورة الدخان

التعريف بالسورة
مكية .
من المثاني .
آياتها 59 .
ترتيبها الرابعة والأربعون .
نزلت بعد الزخرف .
بدأت بحروف مقطعة ، الحروف
من الحواميم
الدخان أحد علامات يوم القيامة
أقسم الله بالقرآن الكريم في الآية الثانية .

سبب التسمية

سُميت ‏‏" ‏سورة ‏الدخان ‏‏" ‏لأن ‏الله ‏تعالى ‏جعله ‏آية ‏لتخويف ‏الكفار ‏‏، ‏حيث ‏أصيبوا ‏بالقحط ‏والمجاعة ‏بسبب ‏تكذيبهم ‏لرسول ‏ ‏ ‏ ‏‏، ‏وبعث ‏الله ‏عليهم ‏الدخان ‏حتى ‏كادوا ‏يهلكون ‏‏، ‏ثم ‏نجاهم ‏بعد ‏ذلك ‏بركة ‏دعاء ‏النبي ‏ ‏‏.

سبب نزول السورة


1) عن ابن مسعود قال : إن قريشا لما استعصيت على النبي دعا عليهم بسنين كسني يوسف فأصابهم قحط وجهد حتى أكلوا العظام فجعل الرجل ينظر إلى السماء فيرى ما بينه وبينها كهيئة الدخان من الجهد فأنزل الله " فارتقب يوم تاتي السماء بدخان مبين " فأتى رسول الله فقيل : يا رسول الله استسق لمضر فإنها قد هلكت ؛ فاستسقى فسقوا فنزلت " إنَّا كاشفوا العذاب قليلا إنكم عائدون " فلما أصابتهم الرفاهية عادوا إلى حالهم فأنزل الله : " يوم نبطش البطشة الكبرى إنَّا منتقمون " .

2) عن عكرمة قال : لقي النبي أبا جهل فقال أبو جهل : لقد علمت أ ني أمنع أهل البطحاء وأنا العزيز الكريم ،قال : فقتله الله يوم بدر وأذله وغيره بكلمته ونزل فيه ( ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ العَزِيزُ الكَرِيمُ ) .




محور مواضيع السورة :

سورة الدخان مكية ، وهي تتناول أهداف السور المكية : التوحيد ، الرسالة ، البعث ، لترسيخ العقيدة وتثبيت دعائم الإيمان .

هدف السورة: تحذير من الإنخداع بالسلطة والتمكين
سورة الدخان: هذه السورة تركّز على مظهر آخر من المظاهر المادية ألا وهو مظهر التمكين والسلطة (وَنَعْمَةٍ كَانُوا فِيهَا فَاكِهِينَ) آية 27


وعرضت السورة قصة فرعون وقومه وما حلّ بهم من العذاب بسبب الطغيان والإجرام وكيف تركوا كل آثارهم وقصورهم وحدائقهم بسبب ما حلّ بهم من ضياع وتشرد بسبب طغيانهم في الأرض وعصيانهم لأوامر الله بعد أن مكّنهم الله في الأرض فلم يحافظوا على الأمانة واستكبروا بما أعطاهم الله تعالى فكان عاقبتهم الهلاك والضياع.

وسورة «الدخان» نزلت في الفترة الأخيرة من حياة المسلمين في مكة، بعد الإسراء، وقبيل الهجرة، وآياتها 59 آية، نزلت بعد سورة «الزخرف» . وقد سميت سورة «الدخان» لقوله تعالى فيها:
فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّماءُ بِدُخانٍ مُبِينٍ (10) .

قال الفيروزآبادي: معظم ما ترمي إليه سورة الدخان هو:
نزول القرآن في ليلة القدر، وآيات التوحيد، والشكاية من الكفار، وحديث موسى (ع) وبني إسرائيل وفرعون، والرد على منكري البعث، وذلّ الكفار في العقوبة، وعز المؤمنين في الجنة، والمنّة على الرسول (ص) بتيسير القرآن على لسانه، في قوله تعالى:
فَإِنَّما يَسَّرْناهُ بِلِسانِكَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (58) .

وسورة الدخان سريعة الإيقاع، قصيرة الفواصل، لها سمات السور المكية، إذ تشتمل على صور عنيفة متقاربة، ونذر متكررة، تشبه المطارق التي تقع على أوتار القلب البشري. «ويكاد سياق السورة أن يكون كله وحدة متماسكة، ذات محور واحد، تشد إليه خيوطها جميعا، سواء في ذلك القصة، ومشهد القيامة، ومصارع الغابرين، والمشهد الكوني، والحديث المباشر عن قضية التوحيد والبعث والرسالة، فكلها وسائل ومؤثرات لإيقاظ القلب البشري، واستجاشته لاستقبال حقيقة الإيمان حية نابضة، كما يبثها هذا القرآن في القلوب» .


تبدأ السورة بهذه الآيات القصيرة المتلاحقة، المتعلقة بالكتاب والإنذار والرسالة والهداية:
حم (1) وَالْكِتابِ الْمُبِينِ (2) إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةٍ مُبارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ (3) فِيها يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ (4) أَمْراً مِنْ عِنْدِنا إِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ (5) .
ثم تعريف للناس بربهم: رب السماوات والأرض وما بينهما، وإثبات الوحدانية لله المحيي المميت، ربّ الأولين والآخرين.
ثم أعرض السياق عن هذا الحديث ليتناول شأن القوم:
بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ يَلْعَبُونَ (9) .

ويعاجلهم بالتهديد المرعب جزاء الشك واللعب:
فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّماءُ بِدُخانٍ مُبِينٍ (10) يَغْشَى النَّاسَ هذا عَذابٌ أَلِيمٌ (11) .

ثم ذكر ما يكون من دعائهم لله أن يكشف عنهم العذاب، وإعلانهم الاستعداد للإيمان في وقت لا يقبل منهم فيه إيمان.

وتذكيرهم بأن هذا العذاب لم يأت بعد، وهو الآن عنهم مكشوف فلينتهزوا الفرصة، قبل أن يعودوا الى ربهم، فيكون ذلك العذاب المخيف.
يَوْمَ نَبْطِشُ الْبَطْشَةَ الْكُبْرى إِنَّا مُنْتَقِمُونَ (16) .
ومن هذا الإيقاع العنيف بمشهد العذاب، ومشهد البطشة الكبرى والانتقام، ينتقل بهم السياق الى مصرع فرعون وملّته، يوم جاءهم رسول كريم، يدعوهم الى الإيمان بالله تعالى، فأبوا أن يستجيبوا لدعوته، وهمّوا بالانتقام من موسى (ع) فأغرقهم سبحانه، وتركوا وراءهم الجنات والزروع، والفاكهة والمقام الكريم، يستمتع بها سواهم، ويذوقون هم عذاب السعير.
وفي غمرة هذا المشهد الموحي يعود السياق الى الحديث عن تكذيبهم بالآخرة، وإنكارهم للبعث وقولهم، كما ورد في التنزيل:
إِنْ هِيَ إِلَّا مَوْتَتُنَا الْأُولى وَما نَحْنُ بِمُنْشَرِينَ (35) فَأْتُوا بِآبائِنا إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (36) .
ليذكّرهم، بأنهم ليسوا أقوى من قوم تبّع الذين هلكوا لإجرامهم. ويربط السّياق بين البعث، وحكمة الله، جلّ وعلا، في خلق السماوات والأرض، فلم يخلقهما عبثا، وإنما لحكمة سامية، هي أن تكون الدنيا للعمل والابتلاء، والآخرة للبعث والجزاء.


ثم يحدثهم عن يوم الفصل الذي هو مِيقاتُهُمْ أَجْمَعِينَ. وهنا يعرض السياق مشهدا عنيفا لعذاب المكذّبين:
إنهم يأكلون من شجرة مؤلمة طعامها مثل درديّ

الزيت المغلي- وهو المهل- يغلي في البطون كغلي الجحيم، ويشدّ المجرم شدّا في جفوة وإهانة، ويصبّ فوق رأسه من الحميم الذي يكوي ويشوي.

ومع الشدّ والجذب، والدفع والعتل والكيّ، التأنيب والإهانة، جزاء الشكّ والتكذيب بالبعث والجزاء:
ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ (49) .
وفي الجانب الآخر من ساحة القيامة، نجد المتّقين في مقام أمين، يلبسون الحرير الرقيق وهو السندس، والحرير السميك وهو الإستبرق، ويجلسون متقابلين يسمرون ويتمتعون بالحور العين، وبالخلود في دار النعيم.
فَضْلًا مِنْ رَبِّكَ ذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (57) .
ثم يأتي الختام يذكّرهم بنعمة الله سبحانه في تيسير هذا القرآن على لسان الرسول العربي، الذي يفهمون كلامه ويدركون معانيه، ويخوّفهم العاقبة والمصير، في تعبير ملفوف، ولكنه مخيف.
فَارْتَقِبْ إِنَّهُمْ مُرْتَقِبُونَ (59) .
و الغرض من هذه السورة، بيان أن ما أنذر به المشركون، في آخر السورة السابقة، قد صار قريبا، وأصبح وقوعه مرتقبا، وأوشك دخانه أن يملأ آفاق السماء ولهذا جاءت هذه السورة بعد سورة الزخرف، لما بينهما من هذه المناسبة الظاهرة.

إنزال يوم العذاب الآيات [1- 59]
قال الله تعالى: حم (1) وَالْكِتابِ الْمُبِينِ (2) إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةٍ مُبارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ (3) فذكر سبحانه أنه أنزل يوم عذابهم إلى سماء الدنيا، في الليلة التي اختارها من السنة لتقدير الحوادث فيها، وإعلان ملائكته بها لتنفيذها. ثم انتقل السياق من هذا الى أمر النبي (ص) بارتقاب يوم تأتي السماء بدخانه. وهذا كناية عن ظهور شرّه، لأن الإنسان إذا اشتد خوفه أظلمت عيناه، فيرى الدنيا كأنها مملوءة من الدخان. ثم ذكر السياق ما يكون من دعائهم له، سبحانه، أن يكشفه عنهم وإعلان استعدادهم للإيمان، وما يكون من استبعاده إيمانهم إذا كشفه عنهم، وقد جاءهم رسول مبين فأعرضوا عنه وقالوا: معلّم مجنون. ثم ذكر السياق أيضا أنه، سبحانه، يكشفه قليلا، ليظهر كذبهم في دعوى استعدادهم للإيمان، إذا كشفه عنهم، وأنه، جلّت قدرته، يبطش بهم بعد هذا بطشته الكبرى، وينتقم منهم. ثم أتبع ذلك بذكر ما حصل لفرعون وقومه لبيان قدرة الله تعالى على إهلاكهم، وأن تلك سنته فيمن يكذّب رسله ولا يؤمن به. ثم عاد السياق إليهم فذكر أنهم ينكرون ذلك ويزعمون أنهم لا يبعثون ويطلبون، ممن يعتقد ذلك، أن يبعث لهم آباءهم إن كان صادقا في دعواه.
وأورد السياق ردّه سبحانه عليهم بأنهم ليسوا أقوى من قوم تبّع الذين أهلكهم لإجرامهم، وبأنه، جلّ وعلا، لم يخلق السماوات والأرض وما بينهما عبثا، وإنما خلق ذلك لحكمة لا تظهر إلّا بأن يكون هناك بعث بعد الموت، لأنه لا بدّ من يوم يفصل فيه بينهم أجمعين، فلا يغني فيه مولى عن مولى شيئا، وتكون شجرة الزّقّوم طعام الأثيم، ويكون المتّقون في مقام أمين.
ثم ختمت السورة بمثل ما بدأت به، فقال تعالى: فَإِنَّما يَسَّرْناهُ بِلِسانِكَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (58) فَارْتَقِبْ إِنَّهُمْ مُرْتَقِبُونَ (59) .

فضل السورة

سورة الدخان سورة يكثر المسلمون قراءتها، خصوصا ليلة النصف من شعبان، وليلة القدر في رمضان، وليلة الجمعة. وهي تبدأ ببيان أن القرآن أنزل من السماء في ليلة مباركة، يحمل الرحمة والهدى من رب العالمين ثم تنذر المشركين بالعذاب، وتذكر طرفا من قصة موسى (ع) مع فرعون، يعقبه شاهد القيامة، وفيها نعيم المتقين، وعقاب المشركين.

ومن السنّة قراءة سورة الدخان ليلة الجمعة لتثبيت الإيمان وتقوية اليقين بقدرة الله رب العالمين. قال رسول الله (ص) : «من قرأ حم التي يذكر فيها الدخان في ليلة الجمعة أصبح مغفورا له»

1) عن أبي هريرة قال : قال رسول الله : " من قرأ حم الدخان في ليلة أصبح يستغفر له سبعون ألف ملك " .

2) عن أبي إمامة قال : قال رسول الله : من قرأ " حم " الدخان في ليلة جمعة أو يوم جمعة بنى الله له بيتا في الجنة "

3) عن ابن مسعود إن رسول الله قرأ في المغرب " حم " التي يذكر فيها الدخان


( يتبع – سورة الجاثية )






.




مديح ال قطب 01-26-2021 02:43 PM



















سورة الجاثية

التعريف بالسورة

مكية . ماعدا الآية 14 فمدنية.
من المثاني .
آياتها 37 .
ترتيبها الخامسة والأربعون .
نزلت بعد الدخان .
بدأت بحروف مقطعة
السورة من الحواميم
الجاثية أحد أسماء يوم القيامة .

سبب التسمية

سُميت ‏‏"سورة ‏الجاثية ‏‏" ‏لأهوال ‏التي ‏يلقاها ‏الناس ‏يوم ‏الحساب ‏‏، ‏حيث ‏تجثوا ‏الخلائق ‏من ‏الفزع ‏على ‏الركب ‏في ‏انتظار ‏الحساب ‏‏، ‏ويغشى ‏الناس ‏من ‏الأهوال ‏ما ‏لا ‏يخطر ‏على ‏البال ‏‏( ‏وَتَرَى ‏كُلَّ ‏أُمَّةٍ ‏جَاثِيَةٍ ‏كُلُّ ‏أُمَّةٍ ‏تُدْعَى ‏إِلىَ ‏كِتَابِهَا ‏اليَوْمَ ‏تُجْزَوْنَ ‏مَا ‏كُنْتُمْ ‏تَعْمَلُونَ ‏‏) ‏وحقا ‏إنه ‏ليوم ‏رهيب ‏يشيب ‏له ‏الولدان ‏‏.

سبب نزول السورة

1) قال ابن عباس في رواية عطاء :يريد عمر بن الخطاب خاصة وأراد بالذين لا يرجون أيام الله عبد الله بن أُبيّ وذلك أنَّهم نزلوا في غزوة بني المصطلق على بئر يقال لها المريسيع فأرسل عبد الله غلامه ليستقي الماء فأبطأ عليه فلما أتاه قال : ما حبسك ؟ قال : غلام عمر قعد على قف البئر فما ترك أحدا يستقي حتى ملأ قِرَبَ النبي وَقِرَبَ أبي بكر وَملأ لمولاه ، فقال عبد الله : ما مثلنا و مثل هؤلاء إلا كما قيل سَمِّنْ كلبك يأكلك ؛ فبلغ قوله عمر فاشتمل بسيفه يريد التوجه إليه فأنزل الله تعالى هذه الآية .

2) روى أن أبا جهل طاف بالبيت ذات ليلة ومعه الوليد بن المغيرة فتحدثا في شأن النبي عليه فقال أبو جهل: والله إني لأعلم إنه لصادق ، فقال له :مه وما دلك على ذلك ؟ ،فقال : يا أبا عبد شمس كنا نسميه في صباه الصادق الامين فلما تم عقله وكمل رشده نسميه الكذاب الخائن والله إني لأعلم إنه لصادق ، قال: فما يمنعك أن تصدقه وتؤمن به ؟ قال: لا أحب أن تقول عني بنات قريش إنّي اتَّبَعْتُ يتيم أبي طالب من أجل كسرة ، واللات والعزى لا أتبعه أبدًا ؛ فنزلت " أَفَرَأَيْتَ مَن اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ " .


محور مواضيع السورة

سورة الجاثية مكية ، وقد تناولت العقيدة الإسلامية في إطارها الواسع " الإيمان بالله تعالى وحدانيته ، والإيمان بالقرآن ونبوة محمد والإيمان بالآخرة والبعث والجزاء " ويكاد يكون المحور الذي تدور حوله السورة الكريمة هو إقامة الأدلة والبراهين على وحدانية رب العالمين .

لقد لاحظنا أن سورة الدخان تتميز بقصر الآيات، وعنف الإيقاع فيها كأنه مطارق تقرع القلوب. وسورة الجاثية بجوارها تسير في يسر وهوادة وإيضاح هادئ وبيان دقيق عميق.
والله سبحانه خالق القلوب، ومنزل هذا القرآن، يأخذ القلوب تارة بالقرع والطرق، وتارة باللمس الناعم الرفيق، وتارة بالبيان الهادئ الرقيق، حسب تنوّعها هي وأخلافها. فمن الناس من ينفع معه الزجر والوعيد، ومنهم من يأسره التوجيه الهادي الرشيد، والقلب الواحد يتقلّب على حالات متعدّدة، والله يختار له ما يناسب، وهو سبحانه اللطيف الخبير، السميع البصير. وقد كان من دعاء النبي (ص) : «اللهم يا مقلّب القلوب والأبصار، ثبّت قلبي على دينك» ، فقالت عائشة: يا رسول الله أراك تكثر من هذا الدعاء ... فقال النبي: يا عائشة، إن قلوب العباد بين إصبعين من أصابع الرحمن، يقلبها كيف يشاء.

وتصوّر سورة الجاثية جانبا من استقبال المشركين للدعوة الإسلامية، وطريقتهم في مواجهة حججها وآياتها، وتعنّتهم في مواجهة حقائقها وقضاياها، واتّباعهم للهوى اتّباعا كاملا، في غير ما تحرّج من حقّ واضح، أو برهان ظاهر. كذلك تصوّر كيف كان القرآن يعالج قلوبهم الجامحة، الشاردة مع الهوى، المغلقة دون الهدى. وهو يواجهها بآيات الله القاطعة، العميقة التأثير والدلالة، ويذكّرهم بعذابه، ويصوّر لهم ثوابه، ويقرّر لهم سننه، ويعرّفهم بنواميسه الماضية في هذا الوجود.



سورة الجاثية وحدة في علاج موضوعها، وهذه الوحدة تشتمل على درسين:
الدرس الأول: يتناول أدلّة الشرك بالتفنيد، وأدلة الإيمان بالتوضيح والتأييد.
والدرس الثاني: يعرض عناد الكافرين في الدنيا، ثم يذكر أحوالهم في مشاهد القيامة.

شبهات الكفر وأدلة الإيمان
تبدأ سورة الجاثية بهذين الحرفين حم. والملاحظ أن هذه الأحرف التي تفتتح بها السور يتبعها عادة الحديث عن القرآن، مما يشير إلى أنها نزلت للتنويه به، وتلفت الأنظار إلى خصائصه المتميّزة، وتبرهن بذلك على أنه ليس من صنع البشر، وإنّما هو من عند الله:
تَنْزِيلُ الْكِتابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ (2) .
وتعرض أدلة الإيمان والتوحيد، وتلفت الأنظار إلى جلال الله سبحانه، ودلائل قدرته جلّ وعلا في السماء والأرض، والخلق والدوابّ، والليل والنهار، والمطر والزرع والرياح، حتى تأخذ على النفس أقطارها، وتواجهها بالحجج والبراهين ساطعة واضحة فتقول:

إِنَّ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ لَآياتٍ لِلْمُؤْمِنِينَ (3) وَفِي خَلْقِكُمْ وَما يَبُثُّ مِنْ دابَّةٍ آياتٌ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ (4) وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ وَما أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّماءِ مِنْ رِزْقٍ فَأَحْيا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها وَتَصْرِيفِ الرِّياحِ آياتٌ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (5) تِلْكَ آياتُ اللَّهِ نَتْلُوها عَلَيْكَ بِالْحَقِّ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَ اللَّهِ وَآياتِهِ يُؤْمِنُونَ (6) .

ومن خلال الآيات التالية، نرى فريقا من الناس مصرا على الضلالة مكابرا في الحق، شديد العناد، سيّئ الأدب في حق الله وحق كلامه.

ويل لِكُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ (7) يَسْمَعُ آياتِ اللَّهِ تُتْلى عَلَيْهِ ثُمَّ يُصِرُّ مُسْتَكْبِراً كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْها فَبَشِّرْهُ بِعَذابٍ أَلِيمٍ (8) .

ونرى جماعة من الناس، ربما كانوا من أهل الكتاب، سيّئي التصوير والتقدير، لا يقيمون وزنا لحقيقة الإيمان الخالصة، ولا يحسّون الفارق الأصيل بينهم وهم يعملون السيئات، وبين المؤمنين الذين يعملون الصالحات والقرآن يشعرهم بأن هناك فارقا أصيلا في ميزان الله بين الفريقين:
أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ سَواءً مَحْياهُمْ وَمَماتُهُمْ ساءَ ما يَحْكُمُونَ (21) .


ونرى فريقا من الناس لا يعرف حكما يرجع إليه إلّا هواه فهو إلهه الذي يعبده، ويطيع كل ما يراه نرى هذا الفريق مصوّرا تصويرا فذا في هذه الآية التي تبدي العجب من أمره، وتشهّر بغفلته وعماه.

أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلهَهُ هَواهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلى بَصَرِهِ غِشاوَةً فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللَّهِ أَفَلا تَذَكَّرُونَ (23) .

أرأيت كيف تناولت هذه السورة الهادئة، أصناف المشركين وفرقهم المناوئة للدعوة؟ وربما كان هؤلاء جميعا فريقا واحدا من الناس يصدر منه هذا وذاك، ويصفه القرآن في السورة هنا وهناك، كما يجوز أن يكونوا فرقا متعددة.
وعلى أي حال فقد واجه القرآن هؤلاء الناس بصفاتهم تلك وتصرفاتهم، وتحدث عنهم في هذه السورة ذلك الحديث، كذلك واجههم الله تعالى بآياته في الآفاق، وفي أنفسهم، وفي البر والبحر يقول سبحانه:
اللَّهُ الَّذِي سَخَّرَ لَكُمُ الْبَحْرَ لِتَجْرِيَ الْفُلْكُ فِيهِ بِأَمْرِهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (12) وَسَخَّرَ لَكُمْ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً مِنْهُ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (13) .
ويستغرق الدرس الأول من السورة الآيات [1- 23] .

عناد الكافرين وعقابهم يوم الدين
يشمل الدرس الثاني من السورة الآيات [24- 37] .
ويبدأ بعرض أقوال المشركين عن الآخرة وعن البعث والحساب، ودعواهم أنّ الأيام تمضي، والدهر ينطوي، فإذا هم أموات، والدهر في ظنهم هو الذي ينهي آجالهم، ويلحق بأجسامهم الموت فيموتون وقد فنّد القرآن هذه الدعوى وبيّن أنّها لا تستند إلى حقيقة أو يقين، وإذا قرعتهم الآيات الدالة على ثبوت البعث لم يجدوا لهم حجة إلا أن يقولوا:
ائْتُوا بِآبائِنا إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (25) .

والله سبحانه له حكمة في خلق الناس، فقد خلقهم للاختبار والابتلاء في الدنيا قبل الموعد الذي قدره وفق حكمته العليا.
والله هو الذي يحيي وهو الذي يميت فلا عجب، إذا، في أن يحيي الناس ويجمعهم الى يوم القيامة، وهو سبحانه مالك السماوات والأرض، وهو القادر على الإنشاء والإعادة.


تعرض الآيات الأخيرة من سورة «الجاثية» مشاهد الآخرة ظاهرة ملموسة للعين، ومن خلال الآيات ترى المشركين وقد جثوا على الرّكب متميّزين أمّة أمّة في ارتقاب الحساب المرهوب.
ثم يأخذون كتابهم وقد سجّل كلّ شيء فيه، ونسخت فيه كلّ أعمالهم.

وَتَرى كُلَّ أُمَّةٍ جاثِيَةً كُلُّ أُمَّةٍ تُدْعى إِلى كِتابِهَا الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (28) هذا كِتابُنا يَنْطِقُ عَلَيْكُمْ بِالْحَقِّ إِنَّا كُنَّا نَسْتَنْسِخُ ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (29) .

ثم تنقسم الحشود الحاشدة والأمم المختلفة على مدى الأجيال إلى فريقين اثنين: الذين آمنوا، وهؤلاء يدخلهم ربهم في رحمته والذين كفروا، وهؤلاء يلقون التشهير والتوبيخ جزاء عنادهم وعندئذ يظهر أمام الذين كفروا سيئات ما عملوا، ويحيق بهم المهانة والعذاب، ويسدل الستار عليهم، وقد أوصدت عليهم أبواب النار:

ذلِكُمْ بِأَنَّكُمُ اتَّخَذْتُمْ آياتِ اللَّهِ هُزُواً وَغَرَّتْكُمُ الْحَياةُ الدُّنْيا فَالْيَوْمَ لا يُخْرَجُونَ مِنْها وَلا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ (35) .

وهنا ينطلق صوت التحميد يعلن وحدة الربوبية في هذا الكون سمائه وأرضه، إنسه وجنّه، طيره ووحشة، وسائر ما فيه ومن فيه فكلّهم في رعاية رب واحد، له الكبرياء المطلقة في هذا الوجود، وله العزة القادرة والحكمة المدبرة:

فَلِلَّهِ الْحَمْدُ رَبِّ السَّماواتِ وَرَبِّ الْأَرْضِ رَبِّ الْعالَمِينَ (36) وَلَهُ الْكِبْرِياءُ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (37) .

إن الغرض من هذه السورة الدعوة إلى الإيمان بالله تعالى، والرد على الدهرية الذين لا يؤمنون به، وينكرون البعث بعد الموت. وقد دعي فيها إلى هذا تارة بالدليل، وتارة بالترهيب والترغيب، وشأنها في ذلك شأن السورة السابقة، وشأن السّور التي ذكرت قبلها ووافقتها في هذا الغرض، كما وافقتها في الحروف التي ابتدئت بها، ولهذا ذكرت هذه السورة معها.

إثبات وجود الله تعالى الآيات [1- 23]

قال الله تعالى: حم (1) تَنْزِيلُ الْكِتابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ (2) إِنَّ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ لَآياتٍ لِلْمُؤْمِنِينَ (3) فاستدل سبحانه على وجوده بآياته في السماوات والأرض، وفي خلق الإنسان والدوابّ إلى غير هذا مما ذكره من الآيات، ثم أنذر بالهلاك من لا يؤمن بها، ويصرّ على الكفر مستكبرا بعد سماعها، وأخذ السياق في هذا إلى قوله تعالى: هذا هُدىً وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِ رَبِّهِمْ لَهُمْ عَذابٌ مِنْ رِجْزٍ أَلِيمٌ (11) .

ثم عاد السياق إلى الاستدلال على وجوده تعالى بتسخيره لنا البحر تجري الفلك فيه بأمره، ولنبتغي من فضله ونشكره على تسخيره ذلك لنا. وترقى السورة من تسخير ذلك لنا إلى تسخيره، جلّ وعلا، لنا كل ما في السماوات وما في الأرض جميعا، ثم أمر الذين آمنوا بهذا أن يغفروا للذين يكفرون به ولا يرجون أيام الله، فأخذهم في هذا بالترغيب بعد ذلك الترهيب، وهوّن عليهم أمر كفرهم بأنّ من عمل صالحا فلنفسه ومن أساء فعليها، ثم إلى ربهم مرجعهم فيحكم بينهم، وأتبعه ببيان مشابهة طريقتهم في ذلك لطريقة بني إسرائيل قبلهم، ليهوّن عليهم أيضا بذلك أمرهم، فذكر سبحانه أنه آتاهم الكتاب والحكم والنبوة، إلى غير هذا مما أنعم به عليهم، فاختلفوا فيما آتاهم من ذلك بغيا وظلما، ثم ذكر للنبي (ص) أنه آتاه مثلهم شريعة من أمر الدين، وحذّره أن يختلف فيها كما اختلفوا باتّباع أهواء الجاهلين، فلا يغنوا عنه من عذابه شيئا، لأن الظالمين بعضهم أولياء بعض، وهو وليّ المتقين وحدهم، وهذا تبصرة لمن يتبصّر، وهدى ورحمة لقوم يوقنون. ثم عاد السياق إلى تفصيل ما أجمله من الحكم بينهم، فذكر سبحانه أنه لا يسوّي في الحكم بين الذين اجترحوا السيئات والذين آمنوا وعملوا الصالحات، وأنه خلق السماوات والأرض بالحق، ولتجزى كلّ نفس بما كسبت وهم لا يظلمون: أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلهَهُ هَواهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلى بَصَرِهِ غِشاوَةً فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللَّهِ أَفَلا تَذَكَّرُونَ (23) .

الرد على الدهرية الآيات [24- 37]
ثم قال تعالى: وَقالُوا ما هِيَ إِلَّا حَياتُنَا الدُّنْيا نَمُوتُ وَنَحْيا وَما يُهْلِكُنا إِلَّا الدَّهْرُ وَما لَهُمْ بِذلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ (24) فذكر أنهم لا يؤمنون إلا بالحياة الدنيا، ويزعمون أن الدهر هو الذي يهلكهم، وينكرون وجود إله يحييهم بعد موتهم يحاسبهم. ورد عليهم بأنهم لا يستندون في ذلك إلى علم ودليل. فإذا قرعتهم الآيات الدالة على ثبوت البعث لم يجدوا لهم حجّة إلا أن يقولوا ائْتُوا بِآبائِنا إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (25) وقد أمر النبي (ص) أن يجيبهم بأن الله يحييهم ثم يميتهم ثم يجمعهم إلى يوم القيامة الذي لا ريب فيه، ولكن أكثر الناس لا يعلمون. ثم ذكر، سبحانه، أنه يوم تقوم الساعة يخسر المبطلون، وأنّ الذين آمنوا وعملوا الصالحات يدخلهم في رحمته، وأنّ الذين كفروا يقال لهم: أَفَلَمْ تَكُنْ آياتِي تُتْلى عَلَيْكُمْ فَاسْتَكْبَرْتُمْ وَكُنْتُمْ قَوْماً مُجْرِمِينَ (31) إلى غير هذا ممّا يقال لهم، وحينئذ تبدو لهم سيئات ما عملوا، ويحيق بهم ما كانوا به يستهزئون. ثم ذكر، جلّ جلاله، استحقاقه الحمد على ذلك، وختم السورة به: فَلِلَّهِ الْحَمْدُ رَبِّ السَّماواتِ وَرَبِّ الْأَرْضِ رَبِّ الْعالَمِينَ (36) وَلَهُ الْكِبْرِياءُ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (37) .

( يتبع – سورة الأحقاف )










.




مديح ال قطب 01-26-2021 02:44 PM
















سورة الأحقاف

التعريف بالسورة


مكية .إلا الآيات 10،15،35 فمدنية.
من المثاني .
آياتها 35 .
ترتيبها السادسة والأربعون .
نزلت بعد الجاثية
بدأت بحروف مقطعة
السورة من الحواميم
الآية الثانية ذكر فيها لفظ الجلالة
انتهت باسم الله العزيز الحكيم .

سبب التسمية

سُميت ‏‏" ‏سورة ‏الأحقاف ‏‏" ‏لأنها ‏مساكن ‏عاد ‏الذين ‏أهلكهم ‏الله ‏بطغيانهم ‏وجبروتهم ‏وكانت ‏مساكنهم ‏بالأحقاف ‏من أرض ‏اليمن ‏‏" ‏واذكر ‏أخا ‏عاد ‏إذ ‏انذر ‏قومه ‏بالأحقاف ‏‏.. ‏‏" ‏الآية ‏‏.

سبب نزول السورة


1) قال الثعلبي عن أبي صالح عن ابن عباس : لمَّا اشتد البلاء بأصحاب رسول الله رأى في المنام أنه يهاجر إلى أرض ذات نخل وشجر وماء فَقَصَّها على أصحابه فاستبشروا بذلك ورأوا فيها فرجا مما هم فيه من أذى المشركين ثم أنهم مكثوا برهة لا يرون ذلك فقالوا يا رسول الله : متى نهاجر إلى الأرض التي رأيت فسكت رسول الله فأنزل الله تعالى ( وَمَا أدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي ولاَ بِكُمْ ) يعني لا أدري أخرج إلى الموضع الذي رأيته في منامي أو لا ثم قال : إنَّما هو شئ رأيته في منامي ما أتبع إلا ما يوحى إليَّ .

2) أخرج الترمذي عن عبد الله بن سلام قال :نزلت فيَّ آيات من كتاب الله " وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِن بَني اسْرَائِيل عَلى مِثْلِهِ فَآمَنَ وَاسْتَكْبَرْتُم إنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي القَوْمَ الظَّالِمِين " وَنَزَلَ فِيَّ " قُلْ كََفى بِاللَّهِ شَهِيدًا بَيني وَبَيْنَكُم وَمَن عِنْدَهُ عِلْمُ الكِتَابِ " .

3) عن عون بن أبي شداد قال: كانت لعمر بن الخطاب أمة أسلمت قبله يقال لها زنيرة فكان عمر يضربها على إسلامها وكان كفار قريش يقولون : لو كان خيرا ما سبقتنا إليه زنيرة ؛فأنزل الله في شأنها " وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا لَو كَانَ خَيرًا مَا سَبَقُونَا إِلَيهِ " .

محور مواضيع السورة :

يدور محور السورة حول العقيدة في أصوله الكبرى " الوحدانية ، الرسالة ، البعث والجزاء " والرسالة والرسول لإثبات صحة رسالة محمد وصدق القرآن .

تحدثت السورة في البدء عن القرآن العظيم المنزل من عند الله بالحق، وأن الله سبحانه لم يخلق السماوات والأرض وما بينهما من المخلوقات عبثاً وإنما خلقها لتدل على وحدانيته، وكمال قدرته، وإلى زمن معين هو زمن فنائها يوم القيامة، مع إعراض الكفار عما خوَّفَهم الله به من العذاب وهو أهوال الآخرة، وهذا في الآيات من (1-3).

ثم تناولت السورة، الأوثان التي عبدها المشركون وزعموا أنها آلهة مع الله تشفع لهم عنده، فبينت ضلالهم وخطأهم في عبادة ما لا يسمع ولا ينفع، حيث أنكر الله سبحانه عليهم عبادتها من دونه، وقال لهم ما معناه: أخبروني ماذا خلقوا من أجزاء الأرض؟ أو هل لهم مشاركة في خلق السماوات مع الله؟ وهل ذلك موجود في كتاب من الكتب المنزلة من عند الله؟ يأمر بعبادة الأصنام مع الله؟ وهو أمر تعجيز؛ لأنهم ليس لهم كتاب يدل على الإشراك بالله، بل الكتب كلها ناطقة بالتوحيد وإبطال الشرك. أو بقية أمر من علوم الأولين شاهدة بذلك تدل على صدقهم.


ثم أخبر سبحانه أنه لا أحد أضل ممن يعبد أصناماً لا تسمع دعاء الداعين، ولا تعلم حاجات المحتاجين، ولا تستجيب لمن ناداها أبداً؛ لأنها جمادات لا تسمع ولا تعقل، وهم لا يسمعون ولا يفهمون دعاء العابدين، وإذا جمع الله سبحانه الناس للحساب يوم القيامة كانت الأصنام أعداء لعابديها حيث تتبرأ من عابديها، وهذه معاني الآيات من (4-6).

ثم تحدثت السورة عن شبهة المشركين حول القرآن، فردت عليهم بالحجة البالغة، والبرهان الناصع، حيث يقول الكفار عن القرآن الحق الذي جاء من عند الله: هذا سحر ظاهر لا شبهة فيه، وقالوا إن محمداً اختلقه وافتراه من تلقاء نفسه، ورد عليهم النبي -صلى الله عليه وسلم- بأن قال لهم: إن افتريته -على سبيل الفرض- فالله حسبي في ذلك، وهو الذي يعاقبني على الافتراء عليه ولا تقدرون أنتم أن تردوا عني عذاب الله، فكيف أفتريه من أجلكم وأتعرض لعقابه والله -جل وعلا- أعلم بما تخوضون في القرآن وتقدحون به من قولكم إنه شعر أو هو سحر أو هو افتراء، كفى أن يكون الله تعالى شاهداً بيني وبينكم، يشهد لي بالصدق ويشهد عليكم بالجحود والتكذيب.وأمر الله عز وجل رسوله -صلى الله عليه وسلم- أن يقول لهم: إنه ليس أول رسول طرق العالم، ولا جاء بأمر ما جاء به أحد من قبله، وأنه لا يدري بما يقضي الله عليه وعليهم، فإنه قدر مغيب، وأنه لا يتبع إلا ما ينزله الله من الوحي، وما هو إلا رسول منذر لهم من عذاب الله بين الإنذار بالشواهد الظاهرة.

ثم أمره الله أن يسألهم إن كان القرآن من عند الله وقد كذبوا به كيف يكون حالهم وقد شهد رجل من علماء بني إسرائيل على صدق القرآن فآمن به واستكبرتم أنتم عن الإيمان؟ فإن الله لا يوفق للخير والإيمان من كان فاجراً ظالماً.

قال المفسرون: والشاهد من بني إسرائيل هو عبد الله بن سلام، وذلك حين قدم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- المدينة، جاء إليه ابن سلام ليمتحنه، فلما نظر إلى وجهه علم أنه ليس بوجه كذاب، وتأمله فتحقق أنه هو النبي المنتظر فقال له: إني أسألك عن ثلاث لا يعلمهن إلا نبي: ما أول أشراط الساعة؟ وما أول طعام يأكله أهل الجنة؟ وما بال الولد ينزع إلى أبيه أو إلى أمه؟.

فقال النبي -صلى الله عليه وسلم- أخبرني به جبريل آنفاً، قال ابن سلام: ذاك عدو اليهود من الملائكة، قال: أما أول أشراط الساعة فنار تحشرهم من المشرق إلى المغرب، وأما أول طعام يأكله أهل الجنة فزيادة كبد الحوت، وأما الولد فإذا سبق ماء الرجل ماء المرأة نزع الولد، وإذا سبق ماء المرأة ماء الرجل نزع الولد. قال: أشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله. قال ابن سلام: يا رسول الله! إن اليهود قوم بُهت، فأسألهم عني قبل أن يعلموا بإسلامي.

فجاءت اليهود، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: أي رجل عبد الله بن سلام فيكم؟ قالوا: خيرنا وابن خيرنا، وأفضلنا وابن أفضلنا، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: أرأيتم إن أسلم عبد الله بن سلام؟ قالوا: أعاذه الله من ذلك. فأعاد عليهم فقالوا مثل ذلك. فخرج عليهم عبد الله فقال: أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله. فقالوا: شرنا وابن شرنا، وتنقَّصُوه. قال: هذا ما كنت أخاف يا رسول الله. صحيح البخاري، وقيل هذه الآية مدنية.

ثم رد الله تعالى على شبهة أخرى من شبه المشركين حيث قال كفار مكة في حق المؤمنين: لو كان هذا القرآن والدين خيراً ما سبقنا إليه هؤلاء الفقراء الضعفاء. يعنون بلالا وعماراً وصهيباً وخباباً وغيرهم ممن أسلم وآمن بالنبي -صلى الله عليه وسلم-. والكفار لم يهتدوا بالقرآن مع وضوح إعجازه، ومن قَبْله التوراة كتاب موسى قدوة يؤتم بها في دين الله وشرائعه كما يؤتم بالإمام، ورحمة لمن آمن به، والقرآن عظيم الشأن مصدق للكتب قبله بلسان عربي فصيح، فكيف ينكرونه وهم أفصح بياناً؛ ليخوف كفار مكة من عذاب الجحيم، ويبشر المؤمنين المحسنين بجنات النعيم؟!.

ولما بين الله تعالى أحوال المشركين المكذبين أردفه بذكر أحوال المؤمنين، حيث بيَّن أنَّ مَن جمع بين الإيمان والعمل الصالح والاستقامة على شريعة الله فلا يلحقهم مكروه في الآخرة يخافون منه، ولا هم يحزنون على ما خلفوا في الدنيا وهم أهل الجنة خالدين فيها أبداً، جزاء لهم على أعمالهم الصالحة، وذلك في الآيات (13-14).
ولما كان رضا الله عز وجل في رضا الوالدين وسخطه في سخطهما حث الله تعالى العباد عليه، وأمر الإنسان أمراً جازماً مؤكداً بالإحسان إلى الوالدين، وأن السبب أن أمه حملته بكُرْه ومشقة ووضعته بكره ومشقة، وأن مدة حمله وفصاله ثلاثون شهراً، أي عامان ونصف، فهي لا تزال تعاني التعب والمشقة طيلة هذه المدة.

والطفل إذا عاش وكبر وبلغ كمال قوته وعقله وبلغ أربعين سنة وهي نهاية اكتمال العقل والرشد، دعا ربه أن يلهمه شكر نعتمه التي أنعم بها الله عليه وعلى والديه، وأن يوفقه ليعمل صالحاً يرضى الله عنه، وأن يصلح ذريته، وأنه تاب إلى الله من جميع الذنوب، وأنه من المتمسكين بالإسلام وأن الموصوفون بذلك هم الذين يتقبل الله سبحانه منهم طاعتهم، ويجازيهم على أعمالهم بأفضلها، ويصفح عن خطيئاتهم وزلاتهم في جملة أصحاب الجنة الذين يكرمهم الله بالعفو والغفران بذلك الوعد الصادق الذي وعدهم الله به على ألسنة رسله.

ولما مثَّل الله تعالى حال الإنسان البار بوالديه وما آل إليه حاله من الخير والسعادة، مثَّل لحال الإنسان العاق لوالديه وما يؤول إليه أمره من الشقاوة والتعاسة، فالولد الفاجر الذي يقول لوالديه إذا دعواه إلى الإيمان: أُفٍّ لَكُمَا! أي قبحاً لكما على هذه الدعوة! وأنكر عليهما أن يعداه بالبعث بعد الموت، ويقول قد مضت قرون من الناس قبلي ماتوا ولم يبعث منهم أحد، وأبواه يسألان الله أن يغيثه ويهديه للإسلام، قائلين له: ويلك! آمِن بالله، وصدِّقْ بالبعث والنشور وإلا هلَكْتَ، فيقول ذلك الشقي: ما هذا إلا أباطيل الأولين، سطروها في الكتب مما لا أصل له، فرد الله عليه وعلى أمثاله بأنه من الذين حق عليهم قول الله بأنهم أهل النار، وأنه في جملة أمم من أصحاب النار من الجن والإنس والكفرة الفجار، لذلك ضاع سعيهم وخسروا دنياهم وآخرتهم.

ثم بيَّن الله سبحانه أن لكل من المؤمنين والكافرين مراتب بحسب أعمالهم، فمراتب المؤمنين في الجنة عالية، ومراتب الكافرين في جهنم سافلة، وأن الله يجزيهم أعمالهم وافية كاملة من غير نقصان في ثواب المؤمنين، ولا زيادة في عقاب الكافرين.

ثم ذكر الله سبحانه حال الأشقياء فقال: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: (وَيَوْمَ يُعْرَضُ الَّذِينَ كَفَرُوا عَلَى النَّارِ أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا وَاسْتَمْتَعْتُمْ بِهَا فَالْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَبِمَا كُنْتُمْ تَفْسُقُونَ).

ذكر الله عز وجل قصة عاد الذين أهلكهم الله بطغيانهم، مع ما كانوا عليه من الشدة والقوة، تذكيراً لكفار قريش بعاقبة التكذيب والطغيان، في الآيات من (21-26)، وهم أهل الأحقاف الذين سميت بهم السورة كما ذكرنا، وعاد هم قوم هود عليه السلام.

وورد في السورة الكريمة قصة النفر من الجن الذين آمنوا بالقرآن حين سمعوه، ودعَوا قومهم إلى الإيمان به، في الآيات من (29 إلى 33)، وفيها تذكير للمعاندين من الإنس بسبق الجن لهم إلى الإسلام.
ثم ختمت السورة الكريمة بذكر الله تعالى الأدلة على قدرته ووحدانيته، حيث إنه الذي خلق السماوات والأرض من غير مثال ولم يضعف ولم يتعب بخلقهن، وأنه قادر على أن يعيد الموتى بعد الفناء، ويحييهم بعد تمزق الأشلاء.

وأمر الله رسوله أن يذكر المشركين بعرضهم على النار، وسؤالهم عن العذاب الذي يذوقونه، بأنه حق وأن الكفار يعترفون بذلك ويؤكدونه بالقسم طمعاً في الخلاص، ولكن يقال لهم: ذوقوا العذاب الأليم بسبب كفركم فلا خلاص لكم منه.

وفي آخر آية في السورة يأمر الله عز وجل رسوله محمداً -صلى الله عليه وسلم- بالصبر على أذى المشركين كما صبر أولو العزم من الرسل، وهم نوح وإبراهيم وموسى وعيسى عليهم الصلاة والسلام، وأن لا يستعجل بالدعاء على كفار قريش بأن ينزل الله العذاب عليهم فإنه نازل بهم لا محالة، وإذا رأوه في الآخرة كأنهم لم يلبثوا في الدنيا إلا ساعة واحدة من النهار لما يشاهدونه من شدة العذاب وطوله، وأن ذلك بلاغ وإنذار، ولا يهلك الله سبحانه إلا الكافرين الخارجين عن طاعته.

وتعرض سورة الأحقاف قضية الإيمان بوحدانية الله، وربوبيته المطلقة لهذا الوجود ومن فيه وما فيه، والإيمان بالوحي والرسالة، والإيمان بالبعث وما وراءه من حساب وجزاء على ما كان في الحياة الدنيا من عمل وكسب، من إحسان وإساءة.
هذه الأسس الأولى التي يقيم عليها الإسلام بناءه كله، ومن ثمّ عالجها القرآن في كل سوره المكية علاجا أساسيّا، وظل يتكئ عليها كذلك في سوره المدنية كلما همّ بتوجيه أو تشريع للحياة بعد قيام الجماعة المسلمة والدولة الإسلامية. ذلك أن طبيعة هذا الدين تجعل قضية الإيمان بوحدانية الله سبحانه، وبعثة محمد (ص) والإيمان بالآخرة وما فيها من جزاء، هي المحور الذي تدور عليه آدابه ونظمه وشرائعه كلها، وترتبط به أوثق ارتباط، فتبقى حية حارّة تبعث تأثّرا دائما بذلك الايمان.
وتسلك السورة بهذه القضية الى القلوب كلّ سبيل، وتوقّع فيها على كلّ وتر، وتعرضها في مجالات شتّى، مصحوبة بمؤثرات كونية ونفسية وتاريخية. كما أنها تجعلها قضية الوجود كله، لا قضية البشر وحدهم، فتذكر طرفا من قصة الجن مع هذا القرآن، كما تذكر موقف بعض بني إسرائيل منه، وتقيم من الفطرة الصادقة شاهدا، كما تقيم من بعض بني إسرائيل شاهدا سواء بسواء.
ثم هي تطوف بتلك القلوب في آفاق السماوات والأرض، وفي مشاهد القيامة في الآخرة، كما تطوف بهم في مصرع قوم «هود» ، وفي مصارع القرى حول مكة، وتجعل من السموات والأرض كتبا تنطق بالحق، كما ينطق هذا القرآن بالحق على السواء.

تشتمل سورة الأحقاف على أربعة عناصر متماسكة، كأنها عنصر واحد ذو أربعة مقاطع:




1- نقاش المشركين
يبدأ المقطع الأول بالحرفين حاء وميم، في قوله تعالى: حم (1) .
وهي بداية تكررت في ست سور سابقة تسمى بالحواميم. وهي: «غافر» ، و «فصّلت» ، و «الشورى» ، و «الزخرف» ، و «الدّخان» ، و «الجاثية» والسورة السابعة هي «الأحقاف» .
ونلحظ أن هذه السور السبع تبدأ بالحرفين حاء وميم، ثم تعقب بذكر الكتاب، مما يؤيد أن هذه الأحرف نزلت على سبيل التحدي لأهل مكة أن يأتوا بمثل هذا القرآن.
وتشير سورة الأحقاف في بدايتها الى القرآن فتقول: تَنْزِيلُ الْكِتابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ (2) . وعقبها مباشرة الإشارة إلى كتاب الكون وقيامه على الحق وعلى التقدير والتدبير. ما خَلَقْنَا السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما إِلَّا بِالْحَقِّ وَأَجَلٍ مُسَمًّى [الآية 3] فيتوافى كتاب القرآن المتلوّ، وكتاب الكون المنظور على الحق والتقدير.
وبعد هذا الافتتاح القوي الجامع، يأخذ السياق في عرض قضية العقيدة مبتدئا بإنكار ما كان عليه القوم من الشرك الذي لا يا قوم على أساس من واقع الكون، ولا يستند الى حق من القول ولا مأثور من العلم. ويعرض بعد هذا سوء استقبالهم للحق الذي جاءهم به محمد رسول الله (ص) قال تعالى: وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا بَيِّناتٍ قالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلْحَقِّ لَمَّا جاءَهُمْ هذا سِحْرٌ مُبِينٌ (7) .
ثم يسوق، عز وجل، إنكارهم للحق وتطاولهم على الوحي، واتهامهم النبي (ص) بالكذب والافتراء. ويرد عليهم سبحانه بأن الأمر أجلّ من مقولاتهم الهازلة، وادّعاءاتهم العابثة.
إذ هو أمر الله العليم الخبير، يشهد ويقضي، وفي شهادته وقضائه الكفاية:
أَمْ يَقُولُونَ افْتَراهُ قُلْ إِنِ افْتَرَيْتُهُ فَلا تَمْلِكُونَ لِي مِنَ اللَّهِ شَيْئاً هُوَ أَعْلَمُ بِما تُفِيضُونَ فِيهِ كَفى بِهِ شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (8) .
ثم يبيّن أن محمدا (ص) ليس بدعا من الرسل فقد سبقه رسل كثيرون، فهو مبلغ عن الله سبحانه، وملتزم بوحي السماء. ويسوق حجة أخرى على صدق رسالته، تتمثل في موقف بعض من اهتدى للحق من بني إسرائيل، حينما رأى في القرآن مصداق ما يعرف من كتاب موسى (ع) . ويستطرد السياق في عرض تعلّاتهم ومعاذيرهم الواهية على هذا الإصرار، وهم يقولون عن المؤمنين، كما ورد في التنزيل: لَوْ كانَ خَيْراً ما سَبَقُونا إِلَيْهِ [الآية 11] .
ويشير إلى كتاب موسى (ع) من قبله، والى تصديق هذا القرآن له، والى وظيفته ومهمته: وَمِنْ قَبْلِهِ كِتابُ مُوسى إِماماً وَرَحْمَةً وَهذا كِتابٌ مُصَدِّقٌ لِساناً عَرَبِيًّا لِيُنْذِرَ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَبُشْرى لِلْمُحْسِنِينَ (12) .
وفي نهاية المقطع الأول يصوّر لهم جزاء المحسنين، ويفسّر لهم هذه البشرى التي يحملها إليهم القرآن الكريم بشرطها، وهو الاعتراف بربوبيّة الله وحده، والاستقامة على هذا الاعتقاد ومقتضياته: إِنَّ الَّذِينَ قالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقامُوا فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ (13) ، فقد آمنوا بالله سبحانه، وأعلنوا ذلك، واستقاموا على منهج الايمان، فاستحقوا حياة كريمة في الدنيا ونعيما خالدا في الآخرة.

( يتبع )








.




مديح ال قطب 01-26-2021 02:45 PM













تابع – سورة الأحقاف
محور مواضيع السورة :

2- الفطرة السليمة والفطرة السقيمة
يحتوي المقطع الثاني على ست آيات هي الآيات [15- 20] ، وفيها حديث عن الفطرة في استقامتها وفي انحرافها، وفيما تنتهي إليه حين تستقيم، وما تنتهي إليه حين تنحرف.
يبدأ بالوصيّة بالوالدين، وكثيرا ما ترد الوصيّة بالوالدين لاحقة للكلام عن العقيدة، لبيان أهمية الأسرة والعمل على ترابطها، وتذكير الإنسان بأصل نعمته ورعايته. وتذكّرنا الآيات بجهود الأم وفضلها في الحمل والولادة والرضاع.
«إنّ البويضة بمجرد تلقيحها بالخلية المنوية، تسعى للالتصاق بجدار الرحم وهي مزوّدة بخاصّية تمزيق جدار الرحم الذي تلتصق به، فيتوارد دم الأم الى موضعها حيث تسبح هذه البويضة دائما في بركة من دم الأم الغني بكل ما في جسمها من خلاصات، وتمتصّه لتحيا به وتنمو وهي دائمة الأكل لجدار الرحم، دائمة الامتصاص لمادة الحياة، والأم المسكينة تأكل وتشرب، وتهضم وتمتص، لتصبّ هذا كلّه دما نقيا غنيا لهذه البويضة الشرهة النهمة الأكول.
وفي فترة تكوين عظام الجنين يشتد امتصاصه للجير من دم الأم فتفتقر الى الجير، ذلك أنها تعطي محلول عظامها في الدم ليقوم به هيكل هذا الصغير، وهذا كله قليل من كثير.
ثم الوضع وهو عملية شاقة، ممزّقة، ولكن آلامها الهائلة كلّها لا تقف في وجه الفطرة، ولا تنسى الأم حلاوة الثمرة، ثمرة تلبية الفطرة، ومنح الحياة نبتة جديدة تفيض وتمتدّ، بينما هي تذوي وتموت.
ثم الرضاع والرعاية، حيث تعطي الأم عصارة لحمها وعظمها في اللبن، وعصارة قلبها وأعصابها في الرعاية، وهي، مع هذا وذلك، فرحة سعيدة، رحيمة ودود. لا تملّ أبدا، ولا تراها كارهة لتعب هذا الوليد، وأكبر ما تتطلع إليه من جزاء: أن تراه يسلم وينمو، فهذا هو جزاؤها الحبيب الوحيد» «1» .
وقد تكررت وصية القرآن للأبناء ببرّ الآباء، لأنّ الوالدين قدّما كل شيء، كالنبتة التي ينمو بها النبات فإذا هي قشّة، وكالبيضة التي ينمو منها الكتكوت فإذا هي قشرة.
ومن الواجب رد الجميل والعرفان بالفضل لأهله، وأن يحسن الإنسان الى أصله وأن يدعو لهما، وهو نوع من تكافل الأجيال. قال تعالى: وَوَصَّيْنَا الْإِنْسانَ بِوالِدَيْهِ إِحْساناً حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهاً وَوَضَعَتْهُ كُرْهاً وَحَمْلُهُ وَفِصالُهُ ثَلاثُونَ شَهْراً حَتَّى إِذا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلى والِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صالِحاً تَرْضاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ (15) .
وهذا النموذج، الذي نشاهده في الآية، نموذج للفطرة المستقيمة التي ترعى أصلها وتتعهد ذريتها، وهذا النموذج يقبل الله عمله ويحشره في أصحاب الجنة.
أما النموذج الثاني، فهو نموذج الانحراف والفسوق والضلال، نموذج ولد عاق يجحد معروف والديه وينكر البعث والجزاء ويقول ما هذا إِلَّا أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ (17) .
وهذا النموذج جدير بالخسران: لقد خسر اليقين والإيمان في الدنيا، ثم خسر النّعيم والرّضوان في الآخرة.
وينتهي هذا المقطع من السورة بعرض هذين النموذجين ومصيرهما في النهاية ثم يعرض مشهدا من مشاهد القيامة حيث يعرض المتكبّرون على النار وفي ذلك المشهد نرى الغائب شاهدا ماثلا يستحثّ النّفوس على الهدى، ويستجيش الفطر السليمة القوية لارتياد الطريق الواصل المأمون.


3- قصة عاد
يتناول المقطع الثالث من السورة قصة عاد وهم قوم نبي الله هود (ع) ، ويشمل الآيات [20- 28] .
والقصة هنا تخدم الفكرة وتؤيّدها:
فقد أنكر أهل مكة رسالة النبي محمد (ص) ، وأعرضوا عن دعوته.
فجاء هذا المقطع يذكّرهم بأشباههم، وينذرهم أن يصيبهم ما أصاب السابقين.
وَاذْكُرْ أَخا عادٍ إِذْ أَنْذَرَ قَوْمَهُ بِالْأَحْقافِ [الآية 21] . وأخو عاد هو هود عليه السلام، دعا قومه إلى التوحيد وحذّرهم من عذاب الله.
والأحقاف جمع حقف، وهو الكثيب المرتفع من الرّمال، وقد كانت منازل عاد على المرتفعات المتفرّقة في جنوب الجزيرة، يقال في حضرموت.
وقد أنذر أخو عاد قومه ودعاهم الى عبادة الله وحده، وحذرهم بطشه وانتقامه. ولم تؤمن عاد برسالة هود (ع) ، وقابلت دعوته بسوء الظن وعدم الفهم والتحدي والاستهزاء، واستعجال العذاب الذي ينذرهم به.
فلما رأوا العذاب، في صورة سحابة، ظنّوه مطرا مفيدا لهم: فَلَمَّا رَأَوْهُ عارِضاً مُسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ قالُوا هذا عارِضٌ مُمْطِرُنا بَلْ هُوَ مَا اسْتَعْجَلْتُمْ بِهِ رِيحٌ فِيها عَذابٌ أَلِيمٌ (24) تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّها فَأَصْبَحُوا لا يُرى إِلَّا مَساكِنُهُمْ كَذلِكَ نَجْزِي الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ (25) .
وتقول الروايات إنه أصاب القوم حرّ شديد، واحتبس عنهم المطر، ودخن الجوّ حولهم من الحرّ والجفاف، ثم ساق الله جلّ جلاله إليهم سحابة ففرحوا بها فرحا شديدا وخرجوا يستقبلونها في الأودية وهم يحسبون فيها الماء قالُوا هذا عارِضٌ مُمْطِرُنا.
وجاءهم الرد بلسان الواقع بَلْ هُوَ مَا اسْتَعْجَلْتُمْ بِهِ رِيحٌ فِيها عَذابٌ أَلِيمٌ (24) تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّها.. وهي الريح الصرصر العاتية التي ذكرت في سورة أخرى كما جاء في صفتها: ما تَذَرُ مِنْ شَيْءٍ أَتَتْ عَلَيْهِ إِلَّا جَعَلَتْهُ كَالرَّمِيمِ (42) [الذاريات/ 42] .
لقد اندفعت الريح تحقّق أمر الله، وتدمر كل شيء بأمر الله، فهلك القوم بجميع ما يملكون من أنعام ومتاع وأشياء، وبقيت مساكنهم خالية موحشة لا ديّار فيها ولا نافخ نار.
ويلتفت السياق الى أهل مكة يلمس قلوبهم، ويحرك وجدانهم، ويذكّرهم بأنّ الهالكين كانوا أكثر منهم تمكّنا في الأرض، وأكثر مالا ومتاعا وقوّة وعلما. فلم تغن عنهم قدرتهم ولا قوتهم، ولم يغن عنهم ثراؤهم. ولم ينتفعوا بسمعهم وأبصارهم وأفئدتهم، بل أصمّوا قلوبهم عن سماع الحق، ولم تغن عنهم آلهتهم التي اتّخذوها تقرّبا إلى الله.
وكذلك يقف المشركون في مكة أمام مصارع أسلافهم من أمثالهم، فيقفون أمام مصيرهم هم أنفسهم، ثمّ أمام الخطّ الثّابت المطّرد المتّصل، خط الرسالة القائمة على أصلها الواحد الذي لا يتغيّر، وخط السنّة الإلهيّة التي لا تتحوّل ولا تتبدّل. وتبدو شجرة العقيدة عميقة الجذور، ممتدّة الفروع، ضاربة في أعماق الزمان، سنّة واحدة، على اختلاف القرون واختلاف المكان.
لقد أهلك الله القرى التي كذّبت رسلها في الجزيرة، كعاد بالأحقاف في جنوب الجزيرة، وثمود بالحجر في شمالها، وسبأ وكانوا باليمن، ومدين، وكانت في طريقهم الى الشام، وكذلك قرى قوم لوط وكانوا يمرون بها في رحلة الصيف الى الشمال. وقد نوّع الله جلّ جلاله في آياته، لعلّ المكذّبين يرجعون إلى ربّهم، ويثوبون الى رشدهم.
قال تعالى: وَلَقَدْ أَهْلَكْنا ما حَوْلَكُمْ مِنَ الْقُرى وَصَرَّفْنَا الْآياتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (27) .


4- إيمان الجن
يتناول المقطع الرابع الحديث عن إيمان الجن ويشمل الآيات الأخيرة من سورة «الأحقاف» .
وقد تحدث القرآن عن الجن فذكر أنّ أصلهم من نار، وأنّ منهم الصالحين ومنهم الظالمين، وأن لهم تجمّعات معيّنة تشبه تجمّعات البشر في قبائل وأجناس، وأن لهم قدرة على الحياة على هذا الكوكب الأرضي، ولهم قدرة على الحياة خارج هذا الكوكب. وللجن قدرة على التأثير في إدراك البشر، والإيعاز بالشّرّ. قال تعالى: قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ (1) مَلِكِ النَّاسِ (2) إِلهِ النَّاسِ (3) مِنْ شَرِّ الْوَسْواسِ الْخَنَّاسِ (4) الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ (5) مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ (6) . ومن خصائص الجنّ أن يروا النّاس ولا يراهم النّاس، لقوله تعالى عن إبليس، وهو من الجن: إِنَّهُ يَراكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لا تَرَوْنَهُمْ [الأعراف/ 27] .
وقد تحدّثت الآيات الأخيرة من السورة عن إيمان الجن الذين استمعوا لهذا القرآن، فتنادوا بالإنصات، واطمأنّت قلوبهم إلى الإيمان، وانصرفوا إلى قومهم منذرين يدعونهم الى الله سبحانه، ويبشّرونهم بالغفران والنجاة، ويحذّرونهم الإعراض والضلال.
وهذا الأمر في ظاهره الخبر عن إيمان الجن، ومع ذلك، فهو يصوّر أثر هذا القرآن في القلوب. فعند ما سمع الجن تلاوة القرآن قالوا: أنصتوا.
وعند ما تأثرت قلوبهم، انطلقوا الى قومهم يتحدثون عن القرآن والإيمان، ويعرضون دعوة الإسلام على قومهم.
وبفضل القرآن صاروا دعاة هداة، ملك القرآن عليهم نفوسهم، فانطلقوا يحملون الهداية والرحمة لقومهم، ثم يتحدثون عن الصلة الوثيقة بين القرآن والتوراة، بين محمد وموسى، صلوات الله وسلامه عليهما، وعلى الأنبياء والمرسلين كافّة، فالجميع من عند الله لهداية خلق الله:
قالُوا يا قَوْمَنا إِنَّا سَمِعْنا كِتاباً أُنْزِلَ مِنْ بَعْدِ مُوسى مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ وَإِلى طَرِيقٍ مُسْتَقِيمٍ (30) .
وهذا القول على لسان الجنّ يفيد ما بين الرسل جميعا من آصرة الأخوّة.
فربهم واحد، ودعوتهم واحدة، وفكرتهم أساسها هداية الناس ومحاربة الرذائل، والتعاون على الخير والمعروف. والعداء بين الأديان إنما جاء من سوء الفهم أو من تحريف الإنسان للوحي.
كذلك وردت على لسان الجن إشارة الى كتاب الكون المفتوح، ودلالته على قدرة الله الظاهرة في خلق السموات والأرض، الشاهدة لقدرته على الإحياء والبعث، وهي القضية التي يجادل فيها البشر، وبها يجحدون.
وبمناسبة البعث، يعرض السياق مشهدا من مشاهد القيامة يبدو فيه الكفار وهم يعترفون بالإيمان، بعد أن كانوا ينكرونه في الدنيا، ثم يقال لهم:
فَذُوقُوا الْعَذابَ بِما كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ (34) .
وفي ختام السورة توجيه للرسول (ص) بالصبر والمصابرة فإنها طريق الرسل، وما ينبغي للدّعاة إلّا الصبر والاحتمال.

مقصود السورة اجمالا
ذكر الفيروزآبادي أن معظم سورة الأحقاف هو:
«إلزام الحجّة على عبادة الأصنام، والإخبار عن تناقض كلام المتكبّرين، وبيان نبوّة سيّد المرسلين محمّد (ص) ، وتأكيد ذلك بحديث موسى (ع) ، والوصيّة بتعظيم الوالدين، وتهديد المتنعّمين والمترفين، والإشادة بإهلاك عاد، والإشارة إلى الدعوة، وإسلام الجن، وإتيان يوم القيامة فجأة» واستقلال لبث اللّابثين في قوله تعالى:
فَاصْبِرْ كَما صَبَرَ أُولُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ وَلا تَسْتَعْجِلْ لَهُمْ كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَ ما يُوعَدُونَ لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا ساعَةً مِنْ نَهارٍ بَلاغٌ فَهَلْ يُهْلَكُ إِلَّا الْقَوْمُ الْفاسِقُونَ (35) .

فضل السورة :

1) عن ابن مسعود قال : أقرأني رسول الله سورة ال ( حم ) وهى الأحقاف قال :وكانت السورة إذا كانت اكثر من ثلاثين آية سميت ثلاثين .

2) عن ابن مسعود قال :أقرأني رسول الله سورة الأحقاف وأقرأها آخر فخالف قراءته فقلت من أقراكما قال رسول الله فقلت والله لقد اقرأني رسول الله غير ذا فآتينا رسول الله فقلت : يا رسول الله ألم تقرئني كذا وكذا؟ قال :بلى فقال الآخر :ألم تقرئني كذا وكذا ؟قال: بلى فتمعر وجه النبي فقال : ليقر كل واحد منكما ما سمع فإنما هلك من كان قبلكم بالاختلاف .

( يتبع – سورة محمد )







.




الساعة الآن 11:09 PM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
new notificatio by 9adq_ala7sas
User Alert System provided by Advanced User Tagging (Lite) - vBulletin Mods & Addons Copyright © 2025 DragonByte Technologies Ltd.

 ملاحظة: كل مايكتب في هذا المنتدى لا يعبر عن رأي إدارة الموقع أو الأعضاء بل يعبر عن رأي كاتبه فقط

دعم وتطوير نواف كلك غلا