منتديات سكون القمر

منتديات سكون القمر (https://www.skoon-elqmar.com/vb//index.php)
-   ۩۞۩{ سكون لـ الرسول والصحابة الكرام }۩۞۩ (https://www.skoon-elqmar.com/vb//forumdisplay.php?f=85)
-   -   موسوعة شاملة لشخصيات اسلامية.... (https://www.skoon-elqmar.com/vb//showthread.php?t=192371)

عطر الزنبق 06-14-2021 08:33 PM

نشأته على عهد النبي


نشأ الحسن والحسين في بيت أبويهما في المدينة المنورة، وكان النبي محمد يُحبهما ويأخذهما معه إلى المسجد النبوي في أوقات الصلاة حين يصلي بالناس، فكان إذا سجد وثب الحسن والحسين على ظهره. فإذا أراد أن يرفع رأسه أخذهما بيده فوضعهما وضعا رفيقا. فإذا عاد عادا. حتى إذا صلى صلاته وضع واحدا على فخذ والآخر على الفخذ الأخرى، وكان يُركبهما بغلته الشهباء؛ أحدهما أمامه والآخر خلفه، وكان يقول: «هذان ابناي وابنا ابنتي، اللهم إنك تعلم أني أحبهما فأحبهما.». وكان إذا سمع الحسين يبكي قال لأمه: «ألم تعلمي أن بكاءه يؤذيني».

كان الحسين أحد الذين حضروا مباهلة نصارى نجران وهو صغير، حيث أخذ النبي بيد فاطمة والحسن والحسين للمباهلة وقال: «هؤلاء بني». وجاء في بحار الأنوار أن النبي كان يضع اللقمة تارة في فم الحسن وتارة في فم الحسين.

توفي النبي محمد سنة 11 هـ، والحسين حينها بين السادسة والسابعة من عمره، وتذكر المراجع الشيعية أن الحسن والحسين كانا بجانب النبي عند وفاته. ولم تلبث عدة شهور حتى توفيت والدته فاطمة الزهراء، حيث توفيت في نفس السنة 11 هـ، واختُلِفَ في الشهر الذي توفيت فيه، فذهب جماعة من الباحثين إلى القول بأنها عاشت بعد أبيها 24 يومًا وتراوحت الأقوال ما بين 45 و85 و95 يومًا أو 100 يوم، وعلى قول آخر عاشت بعد أبيها بما يقارب 3 أشهر، ومنهم من أوصل ذلك إلى 6 أشهر.

سيرته في عهد الخلفاء الراشدين

في عهد أبي بكر وعمر

لا يُذكر عن الحسين الكثير في خلافة أبي بكر لصغر سنه حينها، أمَّا في عهد عمر بن الخطاب فقد كانت سياسته أن يُجل السبطين: الحسن والحسين، ويجعل لهما نصيبُا من الغنائم، ووردت إليه حُلل من وشي اليمن فوزعها على المسلمين ثم أرسل إلى عامله على اليمن أن يرسل له حلتين، فأرسلهما إليه فكساهما للحسن والحسين، وجعل عطاءهما مثل عطاء أبيهما علي بن أبي طالب، وألحقهما بفريضة أهل بدر، وكانت خمسة آلاف دينار. يقول محمد باقر المجلسي صاحب بحار الأنوار: «ولمّا دوّن الدواوين بدأ بالحسن والحسين، فملأ حجرهما من المال، فقال له ابن عمر:تقدمهما عليّ ولي صُحبة وهجرة دونهما، فقال عمر: اسكت، لا أم لك، أبوهما خير من أبيك، وأمهما خير من أمك.»


عطر الزنبق 06-14-2021 08:34 PM

في عهد عثمان

في عهد عثمان التحق الحسين بالجيش والجهاد، وذكر ابن خلدون أن جيش عقبة بن نافع في إفريقية كان عشرة ألاف ولم يستطع فتحها، وصالح أهلها على مال يؤدونه، ثم استأذن عبد الله بن أبي السرح عثمان أن يذهب لفتح إفريقية، وطلب منه أن يُمدّه بجيش من المدينة، فأرسل له عثمان جيشًا، فيه عبد الله بن عباس والحارث بن الحكم بن أبي العاص وعبد الله بن جعفر بن أبي طالب والحسن والحُسين، وفتحوها سنة 26 هـ أو 27 هـ. وفي سنة 30 هـ غزا الحسن والحُسين وابن عباس طبرستان تحت قيادة سعيد بن العاص، فلمّا وصلوا إليها فتحوها، وذكر المدائني: «أن سعيد بن العاص ركب في جيش فيه الحسن والحسين، والعبادلة الأربعة، وحذيفة بن اليمان، في خلق من الصحابة، فسار بهم فمر على بلدان شتى يصالحونه على أموال جزيلة، حتى انتهى إلى بلد معاملة جرجان، فقاتلوه حتى احتاجوا إلى صلاة الخوف

في عهد علي

كانت إقامة الحسين بالمدينة المنورة حتى بويع علي بالخلافة، عزم على الخروج للعراق، فخرج معه وأخيه إلى الكوفة، ثم حدثت معركة الجمل وكان الحسين على الميسرة والحسن على الميسرة، وكذلك حضر معركة صفين وقتال الخوارج في معركة النهروان. بينما جاء في نهج البلاغة رواية تقول أن عليًا منع الحسن والحسين من المشاركة في المعارك وقال: «املكوا عني هذين الغلامين لئلا ينقطع بهما نسل رسول الله».

قُتل علي بن أبي طالب على يد عبد الرحمن بن ملجم، حيث ضربه أثناء الصلاة بسيف مسموم، ثم حُمل على الأكتاف إلى بيته وقال: «أبصروا ضاربي أطعموه من طعامي، واسقوه من شرابي، النفس بالنفس، إن هلكت، فاقتلوه كما قتلني وإن بقيت رأيت فيه رأيي» ونهى عن تكبيله بالأصفاد وتعذيبه. وجيء له بالأطباء الذين عجزوا عن معالجته فلما علم علي أنه ميت قام بكتابة وصيته كما ورد في مقاتل الطالبيين. ظل السم يسري بجسده إلى أن توفي بعدها بثلاثة أيام، تحديدا ليلة 21 رمضان سنة 40 هـ عن عمر يناهز 64 حسب بعض الأقوال. وبعد مماته تولى عبد الله بن جعفر والحسن والحسين غسل جثمانه وتجهيزه، وصلى عليه الحسن. وتذكر بعض المصادر أن الحسين لم يكن حاضرًا بالكوفة حينما قُتِلَ أبوه إنما كان في معسكر النخيلة قائدًا لفرقة من الجيش، فأرسل الحسن رسولًا إليه ليخبره، فقفل راجعًا إلى الكوفة.


عطر الزنبق 06-14-2021 08:34 PM

في عهد الحسن بن علي

لما قُتل علي بن أبي طالب على يد عبد الرحمن بن ملجم المرادي، بُويع ابنه الحسن للخلافة وذلك بعد أن اختاره الناس. وكان الحسين معاونًا لأخيه الحسن في بيعته بعد مقتل علي، وبويع له خليفةً للمسلمين في رمضان سنة 40 هـ، ثم حدث الصلح مع معاوية بن أبي سفيان سنة 41 هـ، وأطلق على ذلك العام عام الجماعة، وكان الحسين كارهًا للصلح لكنه قبل به انصياعًا لرأي أخيه، وموافقةً له. واجه الحسين المعارضين للصلح بالوقوف مع خيار أخيه، يقول باقر شريف القرشي: «لما أبرم أمر الصلح خف عدي بن حاتم ومعه عبيدة بن عمر إلى الإمام الحسين وقلبه يلتهب نارًا فدعا الإمام إلى إثارة الحرب قائلًا: يا أبا عبد الله شريتم الذل بالعز، وقبلتم القليل وتركتم الكثير، أطعنا اليوم، واعصنا الدهر، دع الحسن، وما رأى من هذا الصلح، واجمع إليك شيعتك من أهل الكوفة وغيرها وولني وصاحبي هذه المقدمة. فقال الحسين: إنا قد بايعنا وعاهدنا ولا سبيل لنقض بيعتنا.».

في عهد معاوية

ترك الحسن والحسين الكوفة بعد الصلح مع معاوية ورجعا إلى المدينة المنورة واستقرا بها، وكانت زعامة بني هاشم عند الحسن. وكانت الرسائل والكتب تأتي إلى الحسن من العراق تطلب أن ينصروه مرة أخرى، فيرفضها ويلقيها في الماءِ، فسألته جاريته عن هذه الكتب فقال: «من أهلِ العراقِ من قومٍ لا يرجعون إلى حقٍّ ولا يَقصُرونَ عن باطلٍ أما إني لست أخشاهم على نفسِي ولكني أخشاهم على ذلك وأشار إلى الحسينِ».

مرض الحسن قبل وفاته، فدخل عليه الحسين، وقال له: «يا أبا محمد، ما هذا الجزع؟ ما هو إلا أن تفارق روحك جسدك، فتقدم على أبويك علي وفاطمة، وعلى جديك النبي صلى الله عليه وسلم وخديجة، وعلى أعمامك حمزة وجعفر، وعلى أخوالك القاسم الطيب ومطهر وإبراهيم، وعلى خالاتك رقية وأم كلثوم وزينب»، فقال الحسن: «يا أخي إني أدخل في أمر من أمر الله لم أدخل في مثله، وأرى خلقا من خلق الله لم أر مثله قط.»، فبكى الحسين.

أوصى الحسنُ أخاه الحسين أن يدفنه في حجرة عائشة مع النبي، وقال: «ادفني عند أبي، - يعني النبي - إلا أن تخافوا الدماء، فادفني في مقابر المسلمين.»، ونقل ابن عبد البر أنهم لما التمسوا من عائشة أن يدفن الحسن في حجرتها، قالت: «نعم وكرامة.»، ولكن منعهم مروان بن الحكم وكان والي المدينة المنورة، وقال: «لا ندعه يدفن مع رسول الله، أيدفن عثمان بالبقيع، ويدفن الحسن بن علي في الحجرة.»، فتنازع الحسين ومروان، وكادا يتقاتلا، فلما خاف الناس وقوع الفتنة أشار سعد بن أبي وقاص، وأبو هريرة، وجابر، وعبد الله بن عمر على الحسين ألا يقاتل، وقال له أبو هريرة: «أنشدك الله ووصية أخيك، فإن القوم لن يدعوك حتى يكون بينكم دماء.»، فدفنوه بالبقيع عند قبر فاطمة بنت أسد.

ولما توفي الحسن اجتمع أنصاره في الكوفة في دار سليمان بن صرد وكتبوا إلى الحسين بالتعزية، وقالوا: «إن الله قد جعل فيك أعظم الخلف ممن مضى، ونحن شيعتك المصابة بمصيبتك، المحزونة بحزنك، المسرورة بسرورك، المنتظرة لأمرك.»، فرد الحسين عليهم: «إني لأرجو أن يكون رأي أخي رحمه الله في الموادعة، ورأيي في جهاد الظلمة رشدًا وسدادًا، فألصقوا بالأرض، وأخفوا الشخص، واكتموا الهوى، واحترسوا من الأظاء ما دام ابن هند حيًا، فإن يحدث به حدث وأنا حي يأتكم رأيي إن شاء الله.»، واستمر الحسين في الحفاظ على عهد أخيه مع معاوية طوال حياة معاوية. وظلَّ الوضع كذلك حتى وفاة معاوية في شهر رجب سنة 60 هـ الموافق أبريل سنة 680م؛ لكن معاوية قد جعل أهل الشام والمدينة يُبايعون ابنه يزيد، مما كان سببًا في تطور الأحداث بعد وفاة معاوية. قال ابن كثير الدمشقي: «لما استقرت الخلافة لمعاوية كان الحسين يتردد إليه مع أخيه الحسن فيكرمهما معاوية إكرامًا زائدًا، ويقول لهما: مرحبا وأهلا، ويعطيهما عطاءً جزيلًا. وقد أطلق لهما في يوم واحد مائتي ألف، وقال: خذاها وأنا ابن هند، والله لا يعطيكماها أحد قبلي ولا بعدي. فقال الحسين: والله لن تعطي أنت ولا أحد قبلك ولا بعدك رجلا أفضل منا. ولما توفي الحسن كان الحسين يفد إلى معاوية في كل عام فيعطيه ويكرمه، وقد كان في الجيش الذين غزوا القسطنطينية مع ابن معاوية يزيد، في سنة إحدى وخمسين. ولما أخذت البيعة ليزيد في حياة معاوية كان الحسين ممن امتنع من مبايعته، هو وابن الزبير، وعبد الرحمن بن أبي بكر، وابن عمر، وابن عباس، ثم مات ابن أبي بكر وهو مصمم على ذلك.


عطر الزنبق 06-14-2021 08:35 PM


بيعة يزيد

خروج الحسين إلى مكة


توفي معاوية بن أبي سفيان ليلة النصف من رجب سنة 60 هـ، وكان يزيد بن معاوية بحوَّارين، فعاد وبايعه أهل الشام، وكتب يزيد إلى الوليد بن عتبة والي المدينة المنورة: «أن ادع الناس فبايعهم وابدأ بوجوه قريش، وليكن أول من تبدأ به الحسين بن علي، فإن أمير المؤمنين عهد إلي في أمره الرفق به واستصلاحه.». وطلب منه أيضًا أن يأخذ البيعة من عبد الله بن الزبير وعبد الله بن عمر بن الخطاب، فطلبهم الوليد للحضور عنده.

تتضارب الروايات بعد ذلك، فيؤكد البلاذري أن الحسين وابن الزبير تشاغلا عنه، وقالا: «نصبح وننظر ما يصنع الناس»، ثم رحلا في جوف الليل إلى مكة. بينما يذكر خليفة بن خياط أن الحسين وابن الزبير حضرا عند الوليد ورفضا البيعة، ثم توجها إلى مكة كلٌ على حدا، فطلبوهما في الصباح فلم يجدوهما، فأرسل الوليد ثلاثين راكبًا على أثرهما فلم يلحقوهما، فقام مروان بن الحكم بمراسلة يزيد ليخبره بما حدث، فعزل يزيد الوليد بن عتبة عن ولاية المدينة وولّى عمرو بن سعيد الأشدق. فلما قدما مكة سكن الحسين في دار العباس بن عبد المطلب، ولزم ابن الزبير المسجد الحرام، وجعل يحرض الناس على بني أمية.

موقف الحسين من بيعة يزيد

يُرجع المؤرخون والباحثون رفض الحسين لبيعة يزيد إلى عدة أسباب، منها الحرص على مبدأ الشورى والاعتراض على طريقة بيعة يزيد في حياة والده، وأن هذه الطريقة في أخذ البيعة لا تشابه طريقة بيعة الخلفاء الراشدين، وهو نفس السبب الذي رفض لأجله عبد الرحمن بن أبي بكر بيعة يزيد حيث قال: «أهرقليّة؟!، إن أبا بكر والله ما جعلها في أحد من ولده ولا من أهل بيته». ومنها عدم وجود الأفضلية في يزيد، وأن هناك من هو أفضل منه مثل الحسين، كما يرى بعض المُحللين أن السبب هو عدم التزام معاوية بشروط الحسن في الصلح والتي من ضمنها ما ذكره ابن حجر الهيتمي: «بل يكون الأمر من بعده شورى بين المسلمين».

خروج الحسين إلى الكوفة


رسائل أهل الكوفة إلى الحسين

لما علمت شيعة الكوفة بموت معاوية بن أبي سفيان وخروج الحسين إلى مكة، ورفضه البيعة ليزيد بن معاوية تذكروا وصية الحسين التي أوصاها أياهم بعد أن تمت بيعة معاوية، حيث أن شيعة الحسن والحسين قد اعترضوا على الصلح إلا أن الحسين طلب منهم الهدوء والموادعة وعدم المعارضة حتى يموت معاوية، يقول الذهبي في هذا الخصوص: «بلغنا أن الحسين لم يعجبه ما عمل أخوه من تسليم الخلافة إلى معاوية، بل كان رأيه القتال، ولكنه كظم وأطاع أخاه وبايع.» فاجتمعوا في منزل سليمان بن صرد الخزاعي واتفقوا على أن يقوموا بمراسلته ودعوته، فكتبوا له: «إنا لا نصلي مع النعمان بن بشير -والي الكوفة- جمعة، ولا نخرج معه إلى عيد، فأقبل علينا، فإن أقبلت أخرجنا النعمان إلى الشام.» وهذا الكتاب: من سليمان بن صرد الخزاعي، والمسيب بن نجبة، ورفاعة بن شداد، وحبيب بن مظاهر الأسدي. ثم بعد يومين أرسل شيعة الكوفة ثلاثة رسل حملوا معهم نحوًا من ثلاث وخمسين صحيفة، والصحيفة الواحدة من الرجل والاثنين والأربعة. ثم بعد يومين آخرين أُرسلت رسالة مع هانئ بن هانئ السبيعي وسعيد بن عبد الله الحنفي، جاء فيها: «بسم الله الرحمن الرحيم. لحسين بن علي من شيعته المؤمنين والمسلمين، أما بعد، فحي هلا، فإن الناس ينتظرونك، ولا أرى لهم في غيرك فالعجل العجل، والسلام عليك.» وكتب شبث بن ربعي وحجار بن أبجر ويزيد بن الحارث بن يزيد بن رويم وعزرة بن قيس وعمرو بن الحجاج الزبيدي ومحمد بن عمير التميمي: «أما بعد، فقد اخضر الجناب، وأينعت الثمار، وطمت الجمام، فإذا شئت فاقدم على جندٍ لك مجند؛ والسلام عليك.»

بعد أن رأى الحسين كثرة الرسائل التي وصلته وهو بمكة، وجميعها يؤكد الرغبة في حضوره ومبايعته، وسأل الرسل عن أمر الناس، قام بكتابة رسالة قال فيها: «بسم الله الرحمن الرحيم. من حسين بن علي إلى الملإ من المؤمنين والمسلمين؛ أما بعد، فإن هانئًا وسعيدًا قدما علي بكتبكم، وكانا آخر من قدم علي من رسلكم، وقد فهمت كل الذي اقتصصتم وذكرتم، ومقالة جلكم: إنه ليس علينا إمام، فأقبل لعل الله أن يجمعنا بك على الهدى والحق. وقد بعثت إليكم أخي وابن عمي وثقتي من أهل بيتي، وأمرته أن يكتب إلي بحالكم وأمركم ورأيكم، فإن كتب إلي أنه قد أجمع رأي ملئكم وذوي الفضل والحجى منكم على مثل ما قدمت علي به رسلكم، وقرأت في كتبكم، أقدم عليكم وشيكًا إن شاء الله؛ فلعمري ما الإمام إلا العامل بالكتاب، والآخذ بالقسط، والدائن بالحق، والحابس نفسه على ذات الله. والسلام.»


عطر الزنبق 06-14-2021 08:36 PM

عزم الحسين على الخروج إلى الكوفة

إرسال مسلم بن عقيل بن أبي طالب إلى الكوفة

يرجع الباحثون بناء على ما سبق أن الحسين قد فهم من تلك الرسائل المتلاحقة من الكوفة الرغبة الصادقة في نفوسهم، وأنهم قد نبذوا إمامهم، ولم يعترفوا بيزيد، وأنهم سيخرجون أمير الكوفة النعمان بن بشير وأنهم في حاجة لإمام يجتمعون عليه، وهذا الإمام هو الحسين بن علي. وأن الحسين لم يفكر في الخروج إلى الكوفة إلا عندما جاءته الرسل من الكوفة ليعترفوا له إنه ليس عليهم إمام، وأنهم يدعونه مرحبين به وطائعين له. فلذلك قرر التوقف والتأكد من صحة هذه الرسائل التي وصلته، فقام بإرسال ابن عمه مسلم بن عقيل بن أبي طالب وأمره أن ينظر في أهل الكوفة وأن يستجلي حقيقة الأمر، ويعطيه تفصيلًا عن الوضع السائد في الكوفة، فإن كان ما يقولون حقًا قدم عليهم. خرج مسلم بن عقيل بصحبة عبد الرحمن الأرحبي، وقيس بن مسهر الصيداوي، وعمارة بن عبيد السلولي. فلما وصل مسلم المدينة المنورة أخذ معه دليلين، وفي الطريق إلى الكوفة تاهوا في البرية ومات أحد الدليلين عطشًا، وكتب مسلم إلى الحسين يستعفيه، وذلك بسبب إحساسه لمدى الصعوبات التي تنتظره في الكوفة، ولكن الحسين رفض طلبه، وأمره بمواصلة المسير. ولما وصل مسلم إلى الكوفة نزل عند المختار بن أبي عبيد الثقفي في أول قدومه، فلما جاء عبيد الله بن زياد وتولى إمارة الكوفة، وأخذ يشدد على الناس، انتقل مسلم عند هانئ بن عروة، ولما بدا الشك يساور ابن زياد من هانئ بن عروة انتقل مسلم بن عقيل أخيرًا عند مسلم بن عوسجة الأسدي. ولما بلغ أهل الكوفة قدوم مسلم بن عقيل قدموا إليه، فبايعه اثنا عشر ألف، وتذكر بعض الروايات أن عدد المبايعين أكثر من ثلاثين ألفًا. تمت المبايعة بصورة سرية مع تحرص شديد، ولما تأكد لمسلم بن عقيل رغبة أهل الكوفة في الحسين وقدومه إليهم كتب إلى الحسين: «أما بعد، فإن الرائد لا يكذب أهله، إن جميع أهل الكوفة معك، فأقبل حين تنظر في كتابي.» ولما وصل كتاب مسلم إلى الحسين وتحقيقًا لوعده بالقدوم إلى الكوفة بعد أن يتبين من أهلها، تجهز الحسين، وعزم على المضي إلى الكوفة بأهله وخاصته.

مواقف الصحابة والتابعين من خروج الحسين إلى الكوفة

لما انتشر أن الحسين قد عزم على الخروج إلى الكوفة للصحابة والتابعين، قامت مجموعة كبيرة منهم بتقديم النصح له بعدم الخروج إليها لعدم ثقتهم في نوايا أهل العراق وأجمعوا على أن أهل العراق قوم غدر، ولخوفهم من مقتل الحسين، يقول ابن كثير الدمشقي: «ولما استشعر الناس خروجه أشفقوا عليه من ذلك، وحذروه منه، وأشار عليه ذوو الرأي منهم والمحبة له بعدم الخروج إلى العراق، وأمروه بالمقام بمكة، وذكروه ما جرى لأبيه وأخيه معهم.»

ومن هؤلاء أخوه محمد بن الحنفية، حيث قدم عليه وقال: «يا أخي أنت أحب الناس إلي، وأعزهم علي، ولست أدخر النصيحة لأحد من الخلق أحق بها منك تنح، بتبعتك عن يزيد بن معاوية وعن الأمصار ما استطعت، ثم ابعث رسلك إلى الناس فادعهم إلى نفسك، فان بايعوا لك حمدت الله على ذلك، وإن أجمع الناس على غيرك لم ينقص الله بذلك دينك ولا عقلك ولا يذهب به مروءتك ولا فضلك، إني أخاف أن تدخل مصرًا من هذه الأمصار، وتأتي جماعة من الناس، فيختلفون بينهم فمنهم طائفة معك وأخرى عليك، فيقتتلون فتكون لأول الأسنَّة، فإذا خير هذه الأمة كلها نفسًا وأبًا وأمًا، أضيعها دمًا وأذلها أهلًا.» فقال له الحسين: «فإني ذاهب يا أخي.» قال: «فانزل مكة، فإذا اطمأنت بك الدار فسبيل ذلك، وإن نبت بك لحقت بالرمال وشعف الجبال، وخرجت من بلد إلى بلد حتى تنتظر إلى ما يصير إلى ما يصير أمر الناس، وتعرف عند ذلك الرأي، فإنك أصوب ما تكون رأيًا وأحزمه عملًا حيث تستقبل الأمور استقبالًا، ولا تكون الأمور عليك ابدًا أشكل منها حين تستدبرها استدبارًا.» قال: «يا أخي قد نصحت فأشفقت، وأرجو أن يكون رأيك سديدًا.» وقد أورد هذا الخبر ابن الأثير الجزري وأورده محمد باقر المجلسي بنحوه.

وممن نصحه بعدم الخروج إلى الكوفة أيضًا عبد الله بن عباس، فلما بلغه خبر عزمه على ذلك ذهب إليه، وقال: «يا ابن عم، إنه قد أرجف الناس أنك سائر إلى العراق، فبيِّن لي ما أنت صانع؟» قال: «قد أجمعت المسير في أحد يومَي هذين إن شاء الله - تعالى -» فقال له ابن عباس: «أخبرني إن كان عدوك بعد ما قتلوا أميرهم، ونفوا عدوهم، وضبطوا بلادهم، فسر إليهم، وإن كان أميرهم حياً وهو مقيم عليهم، قاهر لهم، وعماله تجبي بلادهم، فإنهم إنما دعوك للفتنة والقتال، ولا آمنُ عليك أن يستفزوا عليك الناس، ويقلبوا قلوبهم عليك، فيكون الذي دعوك أشد الناس عليك.» فقال الحسين «إني أستخير الله وأنظر ما يكون.» وجاء ابن عباس إلى الحسين من الغد فقال: «يا ابن عم إني أتصبر ولا أصبر، وإني أتخوف عليك في هذا الوجه الهلاكَ، إن أهل العراق قوم غدرٌ فلا تغترن بهم، أقم في هذا البلد حتى ينفي أهل العراق عدوهم ثم أقدم عليهم، وإلا فسر إلى اليمن؛ فإن به حصوناً وشعاباً، ولأبيك به شيعةً، وكن عن الناس بمعزل، واكتب إليهم وبث دعاتك فيهم، فإني أرجو إذا فعلت ذلك أن يكون ما تحب.» فقال الحسين: «يا ابن عم، والله إني لأعلم أنك ناصح شفيق، ولكني قد أزمعت المسير.» فقال له: «فإن كنت ولا بد سائراً فلا تسر بأولادك ونسائك، فوالله إني لخائف أن تقتل كما قتل عثمان ونساؤه وولده ينظرون إليه... فوالله الذي لا إله إلا هو لو أعلم أنك إذا أخذت بشعرك وناصيتك حتى يجتمع عليَّ وعليك الناس أطعتني وأقمت لفعلت ذلك.» وقد أورد هذا الخبر ابن الأثير الجزري. وأورد محمد بن جرير الطبري رواية مشابهة.

وقد تتابعت النصائح من الصحابة والتابعين التي تنهى الحسين عن الخروج إلى الكوفة خوفًا عليه، ومن الذين نصحوه بعدم الخروج: عبد الله بن عباس، وعبد الله بن الزبير، وأبو سعيد الخدري، وجابر بن عبد الله، وعبد الله بن عمرو بن العاص، والمسور بن مخرمة، وعبد الله بن مطيع، وسعيد بن المسيب، وأبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام. وكتب إليه عمرة بنت عبد الرحمن، وعمرو بن سعيد الأشدق. إلا أن هذه النصائح لم تؤثر هذه النصائح في موقف الحسين حيال خروجه إلى الكوفة، بل عقد العزم على الخروج، فأرسل إلى المدينة المنورة، وقدم عليه من خف من بني عبد المطلب وهم تسعة عشر رجلًا، ونساء وصبيان من أخوته وبناته ونسائهم. فتبعهم محمد بن الحنفية، وأدرك الحسين قبل الخروج من مكة فحاول أن يثني الحسين عن خروجه هذا ولكن الحسين أبى أن يقبل. وجاءه عبد الله بن عباس ونصحه فأبى إلا الخروج، فقال له ابن عباس: «لولا أن يزري بي وبك، لنشبت يدي في رأسك، فقال، لأن أقتل بمكان كذا وكذا أحب إلى من أستحل حرمتها -يعني مكة المكرمة-» فقال ابن عباس فيما بعد: «وكان ذلك الذي سلَّى نفسي عنه.»

أخذ الحسين يجهز ويعد العدة فخرج في يوم التروية 18 ذي الحجة سنة 60هـ، وخرج معه أهل بيته، وقيل خرج معه ستون شيخًا من أهل الكوفة، ولم تتوقف المحاولات الهادفة للحيلولة بين الحسين وبين الكوفة، فكتب إليه عبد الله بن جعفر مع ابنيه محمد وعون، ولكن الحسين رفض الرجوع، فظن عبد الله بن جعفر أن سبب خروج الحسين هو خوفه من الوالي عمرو بن سعيد بن العاص فذهب إليه، وطلب منه أن يكتب كتابًا يؤمِّنه فيه ويعده بالخير، وكان رد عمرو بن سعيد أن قال لعبد الله بن جعفر: اكتب ما شئت وائت به أختمه. فكتب إليه مرة أخرى ولكن الحسين رفض هذا العرض وواصل مسيره نحو الكوفة. ولما سمع أبو واقد الليثي باقتراب الحسين من المدينة خرج إليه وأدركه، وأكد له أن خروجه هذا فيه مقتله، ورفض الحسين هذا الطلب أيضًا.

ولما علم عبد الله بن عمر بخروج الحسين أدركه على بعد ثلاث مراحل من المدينة فقال للحسين: «أين وجهتك؟» فقال: «أريد العراق»، ثم أخرج إليه كتب القوم ثم قال: «هذه بيعتهم وكتبهم»، فناشده الله أن يرجع، فأبى الحسين، ثم قال ابن عمر: «أحدثك بحديث ما حدثت به أحدا قبلك: إن جبريل أتى النبي صلى الله عليه وسلم يخيره بين الدنيا والآخرة، فاختار الآخرة، وإنكم بضعة منه، فوالله لا يليها أحد من أهل بيته، ما صرفها الله عنكم إلا لما هو خير لكم، فارجع أنت تعرف غدر أهل العراق وما كان يلقى أبوك منهم»، فأبى، فاعتنقه وقال: «استودعتك من قتيل». وكان ابن عمر يقول بعد ذلك: «غلبنا حسين بن علي بالخروج، ولعمري! لقد رأى في أبيه وأخيه عبرة، ورأى من الفتنة وخذلان الناس لهم ما كان ينبغي له أن لا يتحرك ما عاش، وأن يدخل في صالح ما دخل فيه الناس، فإن الجماعة خير».

يرى الشيعة أن خروج الحسين كان بأمر إلهي، حيث أنه الإمام بعد أبيه وأخيه، وأنه التزم بالتقية والعهد الذي قطعه على نفسه في صلح الحسن مع معاوية، ولم يدع إلى مبايعته ولم يعلن عن إمامته، إلا أنه أفصح عنها بعد موت معاوية، ووضح للناس عن مكانته عند الله وعظم مقامه، وخرج لمكة بعد انتهاء الهدنة التي كانت بينه وبين معاوية والتي انتهت بموته.

يشير بعض الباحثون إلى سبب إصرار الحسين على رأيه بالرغم من نصائح الصحابة وكبار التابعين، أن الحسين أدرك أن يزيد بن معاوية لن يرضى بأن تكون له حرية التصرف والبقاء بدون حمله بالقوة على البيعة، بسبب كثرة توافد الرسل إلى الحسين من الكوفة وانتشار أمره فيها، وكذلك خشية الحسين من وقوع مجابهة بينه وبين أتباعه من جهة وبين الأمويين من جهة أخرى في مكة المكرمة جعله يفكر في الخروج سريعًا منها، وهو ما أكده لابن عباس خوفًا من استحلال حرمتها، بالإضافة إلى الصورة المشرقة التي نقلها له ابن عمه مسلم بن عقيل لحالة الكوفة بناء على ما سمعه ورآه من أهلها، فقد أوصل مسلم للحسين أن الكوفة كلها مبايعة، وأن النصر قريب، ولاستثمار هذا الإنجاز فلا بد من أن يسارع الحسين بالذهاب إلى هناك.


عطر الزنبق 06-14-2021 08:37 PM

موقف يزيد من أحداث الكوفة وتولية عبيد الله بن زياد

لم تغب عن يزيد بن معاوية تحركات الحسين، وخروجه من المدينة رافضًا البيعة ثم استقراره بمكة وعلاقته مع الكوفيين. ولما تأكد له تصميم الحسين على الاستجابة لدعوة أهل الكوفة كتب إلى عبد الله بن عباس شيخ بني هاشم في عصره وعالم المسلمين قائلًا: «نحسب أن رجالًا أتوه من المشرق فمنوه الخلافة، فإنهم عندك منهم خبرة وتجربة، فإن كان فعل فقد قطع واشج القرابة، وأنت كبير أهل بيتك والمنظور إليه، فاكففه عن السعي في الفرقة.» وكتب له مجموعة أبيات أشار فيها إلى خوفه من أن يحدث بينه وبين الحسين مصادمة، والاعتصام بحبال السلم، فكتب إليه ابن عباس: «إني لأرجو أن لا يكون خروج حسين لأمر تكرهه، ولست أدع النصيحة له في كل ما يجمع الله به الألفة وتُطفى بها الثائرة».

وفي تلك الأثناء كانت الأحداث تتسارع، وذلك بعدما أخذ شيعة الكوفة يتوافدون على مسلم بن عقيل ويبايعونه، وعندما أحس النعمان بن بشير والي الكوفة بخطورة الوضع قام فخطب بالناس، ونصح الناس بعدم المسارعة إلى الفتنة والفرقة، وقال: «إني لم أقتل من لم يقاتلني، ولا أثب على من لا يثب علي، لا أشاتمكم ولا أتحرش بكم، ولا آخذ بالقرف ولا الظنة والتهمة، ولكن إن أبديتم صفحتكم لي، ونكثتم بيعتكم، وخالفتم إمامكم، فوالله الذي لا إله غيره لأضربنكم بسيفي ما ثبت قائمه في يدي ولم لم يكن لي منكم ناصر، أما إني أرجو أن يكون من يعرف الحق منكم أكثر من يرديه الباطل.» وقد كان النعمان رجلًا مسالمًا، فكان يتورع عن استعمال الشدة وسفك الدماء، فأثارت سياسته هذه حفيظة أحد الناصحين للأمويين وأحد الموالين لهم في الكوفة، فقام إلى النعمان بن بشير وبين له أن طريقته هذه إنما هي طريقة المستضعفين وأنه يجب عليه أن ينهج سياسة البطش والقوة حيال المترصين بأمن الكوفة، إلا أنه رد عليه بأنه يراقب الله في سياسته.

وصلت هذه الأخبار إلى يزيد، ولم تعجبه سياسة النعمان فعزله عن ولاية الكوفة وعين بدله عبيد الله بن زياد وكتب إليه: «إن شيعتي من أهل الكوفة كتبوا إلى يخبروني أن ابن عقيل بالكوفة يجمع الجموع ليشق عصا المسلمين، فسر حين تقرأ كتابي هذا حتى تأتي أهل الكوفة فتطلب ابن عقيل كطلب الخرزة، حتى تثقفه فتوثقه أو تقتله أو تنفيه والسلام.» ولما وصل الكتاب إلى ابن زياد تهيأ وسار فورًا إلى الكوفة، وأقبل عليها متلثمًا والناس قد بلغهم إقبال الحسين إليهم، فهم ينتظرون قدومه، فظنوا حين قدم عبيد الله أنه الحسين بن علي، فأخذ لا يمر على جماعة من الناس إلا سلموا عليه وقالوا مرحبًا بك يا ابن رسول الله، قدمت خير مقدم، فلما أكثروا صاح فيهم أحد أتباعه وقال: تأخروا هذا الأمير عبيد الله بن زياد. فلما نزل في القصر نودي الصلاة جامعة، فاجتمع الناس وخرج إليهم ثم خطبهم ووعد من أطاع منهم خيرًا، وتوعد من خالف بالشر.

مقتل مسلم بن عقيل وهانئ بن عروة

حرص عبيد الله بن زياد على حصر الفئات المعارضة، وبالأخص تلك الفئات التي تساعد مسلم بن عقيل، وعمل على مجموعة من الإجراءات لضبط الوضع الأمني في الكوفة، وكذلك نجح في عرقلة خطط مسلم بن عقيل حيث اختلت خططه وترتيباته بسبب هذه الإجراءات الصارمة، ثم استطاع أن يوقع بهانيء بن عروة مستضيف مسلم، وقام بحبسه في قصره، وبلغ الخبر مسلم بن عقيل فخرج بأربعة آلاف وحاصر قصر عبيد الله بن زياد وخرج أهل الكوفة معه، وكان عند ابن زياد في ذلك الوقت أشراف الكوفة فقال لهم خذلوا الناس عن مسلم ووعدهم بالعطايا، وخوفهم بجيش الشام، فصار الأمراء يخذلون الناس عن مسلم، وتأتي المرأة إلى ولدها وتأخذه، ويأتي الرجل إلى أخيه ويأخذه، ويأتي أمير القبيلة فينهى الناس عنه، حتى لم يتبق معه إلا ثلاثون رجلًا من أربعة آلاف، وما غابت الشمس إلا ومسلم بن عقيل وحده ذهب كل الناس عنه، وبقي وحيدًا يمشي في طرقات الكوفة لا يدري أين يذهب، فطرق الباب على امرأة من كندة وطلب منها الماء فأسقته، وأخبرها عن حاله وكشف لها عن اسمه، واشتكى لها بمرارة من خيانة أهل الكوفة له، فرقت لحاله ثم أدخلته في أحد غرف بيتها، فلما قدم ولدها أخبرته بما حصل، وطلبت منه ألا يخبر أحدًا إلا أنه ذهب إلى محمد بن الأشعث فأخبره الخبر، وذهب الأخير إلى عبيد الله بن زياد وأخبره بأمر مسلم، فأرسل ابن زياد الشُرط إلى مسلم، فخرج وسل سيفه وقاتل، إلا أنهم تمكنوا من أسره بعد معركة قصيرة بعدما جُرح. فلما أتي به إلى ابن زياد أخبره أنه سيقتله، وعندما أحس بحزمه خشي على الحسين بن علي الذي كان في طريقه إلى الكوفة، وطلب منه أن يوصي، فنظر مسلم في جلسائه وفيهم عمر بن سعد بن أبي وقاص، فدعاه إلى ناحية القصر وطلب منه أن يبعث إلى الحسين فقال: «يا عمر، إن حسينًا قدم ومعه تسعون إنسانًا بين رجل وامرأة في الطريق إلى الكوفة، فاكتب إليه بما أصابني.» وقال كذلك كلمته المشهورة: «ارجع بأهلك ولا يغرنك أهل الكوفة فإن أهل الكوفة قد كذبوك وكذبوني وليس لكاذب رأي.» وطلب منه أن يدفن جثته، ويقضي عنه دينه. ثم أمر ابن زياد به فقُتل. وقتل كذلك هانئ بن عروة وصلبه في السوق، واثنين من مناصري مسلم وصلبهما كذلك في السوق. وكان مقتل ابن عقيل في يوم 9 ذي الحجة سنة 60 هـ


عطر الزنبق 06-14-2021 08:37 PM

وصول الحسين إلى الكوفة

لما بلغ عبيد الله بن زياد إقبال الحسين من مكة إلى الكوفة، بعث الحصين بن نمير السكوني صاحب الشرطة حتى نزل القادسية، ونظم الخيل بين القادسية إلى خفان، وما بين القادسية إلى القطقطانة. ولما بلغ الحسين الحاجر من بطن الرمة،(1) بعث قيس بن مسهر الصيداوي، ويقال بل بعث عبد الله بن بقطر إلى أهل الكوفة، - ولم يكن يعلم بعد بمقتل مسلم بن عقيل - فوقع الرسول بيد الحصين بن نمير، فأرسله إلى عبيد الله بن زياد فقتله. ولمّا بلغ الحسين زبالة،(2) وقيل شراف،(3) جاءه خبر مقتل مسلم بن عقيل، وهانئ بن عروة وعبد الله بن بقطر وخذلان أهل الكوفة له. فخطب الحسين في أتباعه: «إنه قد أتانا خبر فظيع، قُتِلَ مسلم بن عقيل، وهانئ بن عروة، وعبد الله بن يقطر، وقد خذلنا شيعتنا، فمن أحب منكم الانصراف فلينصرف غير حرج، ليس عليه ذمام.»، فتفرق الناس عنه وأخذوا يمينًا وشمالًا، وبقي معه فقط أصحابه الذين جاؤوا معه من المدينة ونفر قليل. وقال له بعض أصحابه: «ننشدك الله إلا رجعت من مكانك فإنه ليس لك بالكوفة ناصر ولا شيعة بل نتخوف عليك أن يكونوا عليك»، فوثب بنو عقيل وقالوا: «والله لا نبرح حتى يدرك ثأرنا أو نذوق كما ذاق مسلم»، فقال الحسين: «لا خير في العيش بعد هؤلاء»، فقال له بعض أصحابه: «إنك والله ما أنت مثل مسلم بن عقيل ولو قدمت الكوفة لكان الناس إليك أسرع». وكان لا يمر بماء إلا أتبعه من على هذا الماء

ملاقاة الحر بن يزيد

لمّا علم الحصين بن نمير السكوني قرب وصول الحسين وجّه إليه الحر بن يزيد الرياحي التميمي ومعه ألف فارس إلى الحسين، وقال: «سايره ولا تدعه يرجع حتى يدخل الكوفة، وجعجع به»، فذهب الحر بن يزيد. وكان الحسين مستمرًا في سيره مع من تبقى معه من أهله وأصحابه حتى وصل إلى شراف، وأمر أصحابه أن يستقوا ويُكثروا. فبينا هو يسير إذ كبر رجل من أصحابه فقال له الحسين: «الله أكبر، لم كبرت؟»، قال: «رأيت النخل»، فقال له جماعة من أصحابه: «والله إن هذا المكان ما رأينا به نخلة قط»، فقال الحسين: «فما تريناه رأى»، قالوا: «نراه رأى هوادي الخيل». فوجدوا الخيل على رأسها الحر بن يزيد الرياحي، فقابله، وصلوا العصر وراء الحسين جميعًا. فلمّا انتهوا قال له الحر: «إني لم أؤمر بقتالك، إنما أمرت ألا أفارقك حتى أقدمك الكوفة، فإذ أبيت فخذ طريقا لا يدخلك الكوفة ولا يردك إلى المدينة، تكون بيني وبينك نصفا، حتى أكتب إلى الأمير. وتكتب إلى يزيد أو إلى عبيد الله فلعل الله إلى ذلك أن يأتي بأمر يرزقني فيه العافية من أن أبتلى بشيء من أمرك».

فسار الحسين مع الحر من طريق العُذَيْب،(4) حتى نزل الجوف مسقط النجف، فنزل بقصر أبي مقاتل، وسار الحر في أصحابه يسايره وهو يقول له: «يا حسين إني أذكرك الله في نفسك، فإني أشهد لئن قاتلت لتقتلن»، فقال له الحسين: «أفبالموت تخوفني؟ وهل يعدو بكم الخطب أن تقتلوني؟ وسأقول كما قال أخو الأوس لابن عمه، وهو يريد نصرة رسول الله فخوفه ابن عمه وقال: أين تذهب؟ فإنك مقتول، فقال:

سأمضي فما بالموت عار على الفتى إذا ما نوى حقًا وجاهد مسلمًا
وآسى الرجال الصالحين بنفسه وفارق مثبورًا وباعد مجرمًا
فإن عشت لم أندم وإن مت لم ألم كفى بك ذلًا أن تعيش وترغما
». فظل سائرًا حتى نزل بكربلاء، فقال: أي منزل نحن به؟، فقال: كربلاء، فقال: يوم كربِ وبلاء.

ملاقاة عمر بن سعد بن أبي وقاص والمفاوضات

لما وصل الحسين كربلاء لقى عمر بن سعد وشمر بن ذي الجوشن والحصين بن تميم في جيش مكون من أربعة آلاف مقاتل، وكان وجهة هذا الجيش في الأصل إلى الري، حيث كان عمر بن سعد أميرًا على الري، لكنّ ابن زياد أمره أن يتوجه لملاقاة الحسين في كربلاء، في المنطقة التي يُطلق عليها الطف،(5) وذكر محمد بن سعد البغدادي وغيره أن عمر بن سعد كره الخروج للحسين، وطلب من ابن زياد أن يعفيه من ذلك، لكن ابن زياد هدده بعزله وهدم داره وضرب عنقه إن لم يفعل. فتوجه عمر بن سعد إلى الحسين، فلما أتاه، بيّن له الحسين أنه لم يأت إلى الكوفة إلا بطلب من أهلها، ومعه كتب أهل الكوفة وأسماء المبايعين له، وقال له الحسين:

الحسين بن علي اختر واحدة من ثلاث:
إما أن تدعوني فألحق بالثغور.
وإما أن تدعوني فأذهب إلى يزيد.
وإما أن تدعوني فأذهب من حيث جئت.
الحسين بن علي
فقبل عمر بن سعد عرض الحسين، وظن أن الموقف قد حُلَّ، وكتب إلى ابن زياد يخبره بعرض الحسين، لكن ابن زياد رفض العرض حتى يقبل الحسين أن ينزل على حكمه، وأرسل رسالته إلى عمر بن سعد مع شمر بن ذي الجوشن قائلًا: «لا ولا كرامة حتى يضع يده في يدي!»، وأمر شمر ألا يقبل من الحسين غير أن ينزل على حكمه. فقام عمر بن سعد وعرض على الحسين أن ينزل على حكم ابن زياد وإلا القتال، وكان ذلك في يوم الخميس 9 محرم 61 هـ، فطلب منه الحسين مهلة حتى الصباح، وأخبر الحسين أصحابه أنهم في حلَّ من طاعته، لكن أصحابه أصروا على القتال معه حتى النهاية.


عطر الزنبق 06-14-2021 08:38 PM

مقتل الحسين

خرج ابن زياد إلى النخيلة، واستعمل على الكوفة عمرو بن حريث، وضبط الجسر، وبدأ بعض أهل الكوفة يتسللون لنصرة الحسين. وفي صباح يوم الجمعة 10 محرم 61 هـ، عزم الحسين وأصحابه على القتال، وكان معه 32 فارسًا و40 راجلًا، فجعل زهير بن القين على الميمنة، وحبيب بن مظاهر الأسدي على الميسرة، وأعطى الراية للعباس بن علي. وجعل البيوت وراء ظهورهم وأتى بحطب وقصب وأشعل فيه النار مخافة أن يأتوا وراء ظهورهم. وأما عمر بن سعد فجعل على الميمنة عمرو بن الحجاج الزبيدي، وعلى الميسرة شمر بن ذي الجوشن، وعلى الخيل عزرة بن قيس، وعلى الرجال شبث بن ربعي، وأعطى الراية ذويدًا مولاه.

وانضم إلى الحسين ثلاثون رجلًا من أعيان الكوفة من جيش عمر بن سعد، وقالوا: «عرض عليكم ابن بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاث خصال فلا تقبلوا منها شيئا؟». كما انضم الحر بن يزيد الرياحي إلى الحسين، وقال لعمر بن سعد ومن معه: «ألا تتقون الله؟ ألا تقبلون من هؤلاء ما يعرضون عليكم، والله لو سألتكم هذا الترك والديلم ما حل لكم أن تردوهم»، ثم ضرب الحر وجه فرسه وانطلق إلى الحسين، فظنوا أنه إنما جاء ليقاتلهم، فلما دنا منهم قلب ترسه وسلم عليهم ثم كر على أصحاب ابن زياد فقتل منهم رجلين ثم قتل.

وبدأ جيش عمر بن سعد بالقتال، وأصحاب الحسين يدافعون عنه، وحمل عمرو بن الحجاج الزبيدي على ميمنة أصحاب الحسين فيمن كان معه من أهل الكوفة، فلما دنا من الحسين جثوا له على الركب وأشرعوا الرماح نحوهم، فلم تقدم خيلهم على الرماح، فذهبت الخيل لترجع فرشقهم أصحاب الحسين بالنبل فصرعوا منهم رجالًا وجرحوا منهم آخرين. ثم حمل عمرو بن الحجاج في أصحابه على الحسين من ناحية الفرات فاضطربوا ساعة، فصرع مسلم بن عوسجة، ثم حمل شمر بن ذي الجوشن على أهل الميسرة فثبتوا له فطاعنوه، فلما رأى الحصين بن نمير السكوني - وكان على الرماة - صبر أصحاب الحسين تقدم إلى أصحابه - وكانوا خمسمائة نابل - أن يرشقوا أصحاب الحسين بالنبل فرشقوهم، فلم يلبثوا أن عقروا خيولهم وجرحوا الرجال، ولم يزل يتقدم رجل رجل من أصحاب الحسين فيقتل؛ حتى قُتلوا جميعًا، وقُتِلَ في المعركة 72 رجلًا من أصحاب الحسين، و88 رجلًا من جيش عمر. فقُتِلَ من أهله بيته ابنه علي الأكبر، وأخوته: العباس وعبد الله وجعفر وعثمان، وأبناء أخيه الحسن: القاسم وأبو بكر وعبد الله، وبنو عقيل: جعفر بن عقيل وعبد الرحمن بن عقيل وعبد الله ومحمد ابنا مسلم بن عقيل، وأبناء عبد الله بن جعفر الطيّار: عون ومحمد.

فلمّا قُتلوا لم يجرؤ أحد على قتل الحسين خشية أن يبوء بقتله، فقام شمر بن ذي الجوشن وصاح في الجنود وأمرهم بقتل الحسين، فضربه زرعة بن شريك التميمي، وطعنه سنان بن أنس، واحتز رأسه، وقيل أن الذي قطع رأسه شمر بن ذي الجوشن، ويقال أن الذي قتله عمرو بن بطار التعلبي، وزيد بن رقادة الحيني، وحمل رأسه إلى ابن زياد خولي بن يزيد الأصبحي. وأرسل عمر بن سعد برأس الحسين ونسائه ومن كان معه من الصبيان إلى ابن زياد.

موقف يزيد بعد مقتل الحسين

كتب عبيد الله بن زياد إلى يزيد يخبره بما حدث، ويستشيره في شأن أبناء الحسين ونسائه، وحسب الروايات السُنِّية فإن يزيد بكى وقال: «قد كنت أرضى من طاعتكم بدون قتل الحسين، لعن الله ابن مرجانة، أما والله لو أني صاحبه لعفوت عنه، ورحم الله الحسين.»، وأن يزيد رد على ابن زياد أن يرسل أهل بيت الحسين إليه، فأعطاهم ذكوان أبو خالد عشرة آلاف درهم فتجهزوا بها، واختلف علماء السنة في رأس الحسين هل سيره ابن زياد من الكوفة إلى يزيد بالشام أم لا، والذي جاء في صحيح البخاري أنه حُمل رأسه إلى عبيد الله بن زياد، فعن أنس بن مالك قال: «أتي عبيد الله بن زياد برأس الحسين عليه السلام، فجعل في طست، فجعل ينكت، وقال في حسنه شيئًا، فقال أنس: كان أشبههم برسول الله صلى الله عليه وسلم وكان مخضوبا بالوسمة». وجاء في روايات أخرى أن الرأس حُمل إليه، وحسب الروايات السُنِّية أيضًا فإن فاطمة بنت الحسين لمّا دخلت على يزيد قالت: «يا يزيد، أبنات رسول الله سبايا!» فقال: «بل حرائر كرام، أدخلي على بنات عمك تجديهن قد فعلن ما فعلن.»، ثم بعث يزيد بهم إلى المدينة المنورة، وأمر النعمان بن بشير أن يقوم بمصاحبتهم. يقول ابن كثير الدمشقي: «وأكرم آل بيت الحسين، ورد عليهم جميع ما فقد لهم وأضعافه، وردهم إلى المدينة في تجمل وأبهة عظيمة، وقد ناح أهله في منزله على الحسين مع آله - حين كانوا عندهم - ثلاثة أيام».

أمّا حسب الروايات الشيعِّية فإن من بقي من النساء والأطفال وعلي بن الحسين السجاد أُخذوا كأسرى مقيّدين بالسلاسل إلى بلاد الشام، حيث يقيم يزيد، وأحضروهم إلى مجلسه، وكان قد وضع رأس الحسين في إناءٍ أمامه، ضاربا إياه بعصاه، شامتًا فيه، فخطبت زينب بنت علي بن أبي طالب الخطبة المعروفة في التراث الشيعي بخطبة زينب في مجلس يزيد، التي رواها سيد بن طاووس. يقول أبو منصور الطبرسي: «أنه لما دخل علي بن الحسين وحرمه على يزيد، وجيء برأس الحسين عليه السلام ووضع بين يديه في طست، فجعل يضرب ثناياه بمخصرة كانت في يده، فلما رأت زينب ذلك فأهوت إلى حبيبها فشقت، ثم نادت بصوت حزين تقرع القلوب، يا حسيناه! يا حبيب رسول الله! يا ابن مكة ومنى! يا ابن فاطمة الزهراء سيدة النساء! يا ابن محمد المصطفى. فأبكت والله كل من كان، ويزيد ساكت، ثم قامت على قدميها، وأشرفت على المجلس، وشرعت في الخطبة.»

نبوءة مقتل الحسين

روي عن النبي عدة مرويات أنه أخبر بأن الحُسين سيُقتل، منها أن جبريل أو ملك المطر أخبره بذلك، ومنها أنه رأى رؤيا بذلك، فروى أحمد بن حنبل في مسنده عن أنس بن مالك قال: «اسْتَأْذَنَ مَلَكُ الْمَطَرِ أَنْ يَأْتِيَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم فَأَذِنَ لَهُ، فَقَالَ لأم سلمة رضي الله عنه: «احْفَظِي عَلَيْنَا الْبَابَ لَا يَدْخُلْ أَحَدٌ» فَجَاءَ الْحُسَيْنُ بْنُ عَلِيٍّ، فَوَثَبَ حَتَّى دَخَلَ فَجَعَلَ يَصْعَدُ عَلَى مَنْكِبِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ لَهُ الْمَلَكُ: أَتُحِبُّهُ؟، فقال النبي صلى الله عليه وسلم «نَعَمْ» قال: فَإِنَّ أُمَّتَكَ تَقْتُلُهُ، وَإِنْ شِئْتَ أَرَيْتُكَ الْمَكَانَ الَّذِي يُقْتَلُ فِيهِ، قال: فَضَرَبَ بِيَدِهِ فَأَرَاهُ تُرَابًا أَحْمَرَ، فأخذت أم سلمة ذَلِكَ التُّرَابَ فَصَرَّتْهُ فِي طَرَفِ ثَوْبِهَا، قال: فَكُنَّا نَسْمَعُ: يُقْتَلُ بِكَرْبَلَاءَ.». وروى البيهقي في سننه عن أم سلمة أنها قالت: «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم اضْطَجَعَ ذَاتَ يَوْمٍ، فَاسْتَيْقَظَ وَهُوَ خَاثِرٌ، ثُمَّ اضْطَجَعَ فَرَقَدَ، ثُمَّ اسْتَيْقَظَ وَهُوَ خَاثِرٌ، دُونَ مَا رَأَيْتُ مِنْهُ فِي الْمَرَّةِ الْأُولَى، مَّ اضْطَجَعَ وَاسْتَيْقَظَ وَفِي يَدِهِ تُرْبَةٌ حَمْرَاءُ وَهُوَ يُقَلِّبُهَا، فقلت: مَا هَذِهِ التُّرْبَةُ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قال: «أَخْبَرَنِي جبريل أَنَّ هَذَا يُقْتَلُ بِأَرْضِ الْعِرَاقِ - لِلْحُسَيْنِ -»، قال: قلت له: يَا جِبْرِيلُ، أرِنِي تُرْبَةَ الْأَرْضِ الَّتِي يُقْتَلُ بِهَا، فَهَذِهِ تُرْبَتُهَا.». وكذلك قوله: «لَقَدْ دَخَلَ عَلَيَّ الْبَيْتَ مَلَكٌ لَمْ يَدْخُلْ عَلَيَّ قَبْلَهَا، فَقَالَ لِي: إِنَّ ابْنَكَ هَذَا حُسَيْنٌ مَقْتُولٌ، وَإِنْ شِئْتَ أَرَيْتُكَ مِنْ تُرْبَةِ الْأَرْضِ الَّتِي يُقْتَلُ بِهَا، فَأَخْرَجَ تُرْبَةً حَمْرَاءَ»، وأخرج ابن السكن والبغوي عن أنس بن الحارث الكاهلي عن النبي محمد أنه قال: «إن إبني هذا - يعني الحسين - يقتل بأرض يقال لها كربلاء فمن شهد ذلك منكم فلينصره». وغير ذلك من الروايات.

ورُوي عن ابن عباس أنه رأى النبي في المنام في اليوم الذي قُتل فيه الحسين فقال: «رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْمَنَامِ بِنِصْفِ النَّهَارِ أَشْعَثَ أَغْبَرَ، مَعَهُ قَارُورَةٌ فِيهَا دَمٌ يَلْتَقِطُهُ، أَوْ يَتَتَبَّعُ فِيهَا شَيْئًا قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا هَذَا؟، قَالَ: دَمُ الْحُسَيْنِ، وَأَصْحَابِهِ لَمْ أَزَلْ أَتَتَبَّعُهُ مُنْذُ الْيَوْمَ

رثاء الحسين

رثى الحسين الكثير من معاصريه منهم: سليمان بن قتة العدوي، وعبيد الله بن الحر الجعفي، وعقبة بن عمرو السهمي، وأبو الرميح الخزاعي، ويزيد بن مفرغ الحميري، ووهب بن زمعة، وبشر بن حذلم، وعبد الله بن عمرو البدي، وأبو الأسود الدؤلي، وعامر بن يزيد العبدي، والفضل بن العباس، وعوف بن الأحمر الأزدي، والمغيرة بن نوفل، وعبد الله بن الزبير، وخالد بن المهاجر، ورثاه من شعراء العصر الأموي: عبد الله المعتز، وديك الجن وأبو فراس الحمداني، ومن العصر الحديث رثاه محمد إقبال، وغيرهم من الشعراء. فرُوي أن زينب بنت علي بن أبي طالب أو زينب بنت عقيل بن أبي طالب يوم قُتل الحسين أخرجت رأسها من الخباء وهي رافعة عقيرتها بصوت عال تقول:

ماذا تقولون إن قال النبي لكم ماذا فعلتم وأنتم آخر الأمم
بعترتي وبأهلي بعد مفتقدي منهم أسارى ومنهم ضرجوا بدم
ما كان هذا جزائي إذ نصحت لكم أن تخلفوني بشر في ذوي رحمي

ويقول أبو الأسود الدؤلي:

أقولُ وذاكَ من جزعِ ووجد أزالَ الله ملكَ بني زياد
وأبعدهُم كما غَدروا وخانَوا كما بعُدت ثمود وقوم عادِ
ولا رجَعت ركائَبهم إليهم إلى يوم القيامةِ والتـَنادِ
هُـمُ جَدَعُوا الأنـُوفَ وكُـنّ شماً بقتلِهـِمُ الكريمَ أخى مُرادِ
قتيلُ السّـوقِ يالـَكَ مِنْ قتيلِ بـه نضجمـِن أحمَد كالجساد
وأهل نبينا من قبل كانوا ذوي كرم دعائم للبلاد
حسين ذو الفضول وذو المعاني يزين الحاضرين وكل باد

وقال سليمان بن قتة:

إنّ قتيل الطّف من آل هاشم أذلّ رقاباً من قريش فذلّت
مررت على أبيات آل محمّد فألفيتها أمثالها حيث حُلّت

وقال عبيد الله بن الحر الجعفي:

يا لك حسرةً ما دمت حيًا تردد بين حلقي والتراقي
حسينًا، حين يطلب بذل نصري على أهل العداوة والشقاق
ولو أني أواسيه بنفسي لنلت كرامةً يوم التلاقي
مع ابن المصطفى، نفسي فداه! فيا لله من ألم الفراق
غداة يقول لي بالقصر قولاً: أتتركنا وتزمع بانطلاق
فلو فلق التلهف قلب حي لهم اليوم قلبي بانفلاق!
فقد فاز الألى نصروا حسينًا وخاب الآخرون أولو النفاق

وقال يحيى بن الحكم:

لهام بجنب الطف أدنى قرابة من ابن زياد العبد ذي الحسب الوغل
سمية أمسى نسلها عدد الحصى وبنت رسول الله ليس لها نسل!

مكان رأس الحسين


هناك اختلاف في تحديد موضع دفن رأس الحسين عند عامة الناس، ويرجع ذلك إلى اختلاف المشاهد التي يُدعى وجود رأس الحسين في كل منها، حيث توجد مشاهد يُقال أن بها رأس الحسين في دمشق وكربلاء والقاهرة، وادعى بعض المؤرخين وجوده في أماكن أخرى مثل الرقة وعسقلان والمدينة المنورة، ورجّح أخرون أن مكان الرأس مجهول، فأنكر الفضل بن دكين على من يعرف مكان قبر الحسين، وذكر محمد بن جرير الطبري أن موضع مقتله عُفى أثره حتى لم يستطع أحد تحديده.

يذهب عدد من علماء أهل السنة أن الرأس مدفوع بالبقيع بالمدينة المنورة، فروى محمد بن سعد البغدادي أن يزيد بعث برأس الحسين إلى عمرو بن سعيد الأشدق والي المدينة فدفنه عند قبر أمه فاطمة بالبقيع، وذكره أيضًا البلاذري وأبو يعلى الهمداني والزبير بن بكار وابن أبي الدنيا وابن الجوزي وأبو المؤيد الخوارزمي، وأكّد عليه ابن تيمية وقال: «أن الذي ذكره من يعتمد عليه من العلماء والمؤرخين: أن الرأس حمل إلى المدينة، ودفن عند أخيه الحسن».

والمشهور عند الشيعة أن الرأس مدفون مع الجسد في كربلاء، وأن علي بن الحسين السجاد أخذه معه وردّه إلى كربلاء بعد أربعين يومًا من مقتله أي يوم 20 صفر، وهو ما يُطلع عليه ذكرى الأربعين، نقل ذلك ابن شهر آشوب وقال أنه المشهور بين الشيعة، ونقله أيضًا الشريف المرتضى والطوسي وغيرهم.

وقيل أن الرأس لم يزل في خزانة يزيد بن معاوية حتى توفي، فأُخِذَ من خزانته فكُفِّنَ ودُفِنَ داخل باب الفراديس من مدينة دمشق، وقيل في حائط بدمشق، ومنهم من قال في دار الإمارة، ومنهم من قال في المقبرة العامة لدفن المسلمين، وانفرد سبط ابن الجوزي بقوله أن الرأس بمسجد بالرقة على نهر الفرات.


مسجد الإمام الحسين بالقاهرة حيث يظن البعض أن رأس الحسين هناك.
وقيل أن الرأس طيف به حتى دُفن بعسقلان، وذكر ابن بطوطة في رحلاته أن بها مشهد للحسين، تروي بعض الروايات ومن أهمها المقريزي أنه بعد دخول الصليبيين إلى دمشق واشتداد الحملات الصليبية قرر الفاطميون أن يبعدوا رأس الحسين ويدفونه في مأمن من الصليبيين وخصوصا بعد تهديد بعض القادة الصليبيين بنبش القبر، فحملوه إلى عسقلان ودفن هناك، وقيل بل تم في بداية القرن الثاني الهجري في عهد عمر بن عبد العزيز بعد سنة 101 هـ، وقيل مع قيام الدولة العباسية سنة 132 هـ، وهذا امتداد للرأي الذي يقول أن الرأس كان موجودًا في دمشق.

وقيل أن موضع الرأس في مسجد الإمام الحسين بالقاهرة، وهو أيضا امتداد للرأي السابق حيث يروي المقريزي أن الفاطميين قرروا حمل الرأس من عسقلان إلى القاهرة وبنوا له مشهدًا كبيرًا، وهو المشهد القائم الآن في حي الحسين في القاهرة، وذكروا أنه لما استولى الصليبيين على عسقلان قام وزير الفاطميين بمصر الصالح طلائع بن رزيك بدفع ثلاثين ألف درهم للصلبيبين مقابل أن يأخذ رأس الحسين، ووضعه في كيس من الحرير وأتى بها إلى القاهرة سنة 549 هـ وذلك حسب ما ذكر عدد من الأكاديميين في العصر الحديث مثل أيمن فؤاد سيد وسعاد ماهر. وأنكر ذلك ابن كثير الدمشقي وغيره

مسؤولية مقتل الحسين

يرجع المؤرخون والباحثون السنة والشيعة مسؤولية مقتل الحسين إلى ثلاثة أطراف وهم: أهل الكوفة، وأصحاب القيادة وهم عبيد الله بن زياد وعمر بن سعد، والحاكم وهو يزيد بن معاوية، وتتفاوت الآراء حول مقدار مسؤولية كلٍ منهم.

فأمّا أهل الكوفة فيرى باحثون أنهم كاتبوا الحسين وطلبوه للبيعة ثم خذلوه ولم ينصروه، وأنكروا أنهم طلبوه، حيث نادى الحسين عليهم يوم عاشوراء فقال: «يا شبث بن ربعي! ويا حجار بن أبجر! ويا قيس بن الأشعث! ويا زيد بن الحارث! ألم تكتبوا إلي في القدوم عليكم؟» قالوا: «لم نفعل». فقال: «بلى فعلتم. أيها الناس إذ كرهتموني فدعوني أنصرف إلى مأمني». وأن أم سلمة لما جاءها الخبر قالت عن أهل الكوفة: «قتلوه قاتلهم الله، غروه وذلوه لعنهم الله»، وقال عبد الله بن عمر بن الخطاب حيث سأله رجل من أهل العراق عن قتل الذباب أثناء الإحرام: «أهل العراق يسألون عن الذباب، وقد قتلوا ابن ابنة رسول الله صلى الله عليه وسلم»، ويذكر المُعمم الشيعي حسين الكوراني وغيره أن أغلب الجيش كان من أهل الكوفة فيقول: «أهل الكوفة لم يكتفوا بالتفرق عن الإمام الحسين، بل انتقلوا نتيجة تلون مواقفهم إلى موقف ثالث، وهو أنهم بدأوا يسارعون في الخروج إلى كربلاء وحرب الإمام الحسين، وفي كربلاء كانوا يتسابقون إلى تسجيل المواقف التي ترضي الشيطان وتسخط الرحمن»، وقد نشأت ثورة التوابين من أهل العراق من الذين ندموا على مقتل الحسين وسموا أنفسهم بالتوابين، بينما يرى آخرون أن أهل الكوفة لم يكن بأيديهم شيئًا، يقول الباحث عبد المنعم ماجد: «ولا نلقي اللوم على أهل الكوفة لتقاعسهم إذ لم يكونوا يستطيعون شيئًا أمام الحكم الأموي القوي».

وأمّا قادة جيش الكوفة، فهم المُنفذون المباشرون لمقتل الحسين، فعبيد الله بن زياد هو الذي قتل مسلم بن عقيل وهانيء بن عروة مما جعل أهل الكوفة يتراجعون عن البيعة، يقول يوسف العش: «وينبغي لنا أن نقول أن المسؤول عن مقتل الحسين هو شمر أولًا، وثانيًا عبيد الله بن زياد»، وكان الشعراء يهجون بني زياد لذلك؛ حتى قال عثمان بن زياد أخو عبيد الله: «لوددت أنه ليس من بني زياد رجل إلا وفي أنفه خرامة إلى يوم القيامة، وأن حسينًا لم يُقتل». وقال ابن الصلاح: «والمحفوظ أن الآمر بقتاله المفضي إلى قتله إنما هو عبيد الله بن زياد». وكذلك عمر بن سعد يُحمّله المؤرخون قسمًا كبيرًا من مسؤولية مقتل الحسين، حيث إنه المُنفِّذ والمتفاوض مع الحسين، وحاول التهرب من مسؤولية مقتل الحسين وجعلها ملقاة على ابن زياد، وأخفى الكتاب الذي أرسله له ابن زياد قبل المعركة.

أمّا الحاكم وهو يزيد بن معاوية، فيُحمّله المؤرخون مسؤولية إرسال عبيد الله بن زياد إلى الكوفة للسيطرة عليها، وأنه لم ينتصر للحسين ويأخذ بثأره أو يقتل قاتله، واختلف الباحثون فيما إذا كان يزيد قد أمر بقتل الحسين أم لا، فيرى ابن تيمية وفريق من أهل السنة والجماعة أن يزيد لم يأمر بقتل الحسين ولم يُظهر الفرح بقتله، فيقول: «إن يزيد بن معاوية لم يأمر بقتل الحسين باتفاق أهل النقل ولكن كتب إلى ابن زياد أن يمنعه عن ولاية العراق، ولما بلغ يزيد قتل الحسين أظهر التوجع على ذلك وظهر البكاء في داره، ولم يَسْبِ لهم حريماً بل أكرم أهل بيته وأجازهم حتى ردّهم إلى بلادهم، أما الروايات التي في كتب الشيعة أنه أُهين نساء آل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنهن أُخذن إلى الشام مَسبيَّات، وأُهِنّ هناك هذا كله كلام باطل.» ثم يقول: «لكنه مع ذلك ما انتصر للحسين، ولا أمر بقتل قاتله، ولا أخذ بثأره.». بينما يرى آخرون أن يزيد هو المسؤول المباشر عن قتل الحسين، وأن رأس الحسين حُمِلَ بها إليه، وأنه أهان أهل بيته ونسائه، يقول سعد الدين التفتازاني: «والحق أن رضا يزيد بقتل الحسين، واستبشاره بذلك، وإهانته أهل بيت الرسول مما تواتر معناه، لعنة الله عليه، وعلى أنصاره وأعوانه».

وأغلب آراء علماء الشيعة تحمّل المسؤولية الكاملة ليزيد بن معاوية والوالي عبيد الله بن زياد، يقول الباحث نزار حيدر: «إن الذي قتل الحسين بن علي سبط رسول الله في كربلاء، هو النظام السياسي الذي كان يحكم بلاد المسلمين آنئذٍ.»، ويرى جلٌ مراجع الشيعة كفرهما ويردون الآثار في الحثّ على لعنهما، ثم يليهم في المسؤولية قادة الجيش الأموي في كربلاء: عمر بن سعد وشمر بن ذي الجوشن وسنان بن أنس وعورة بن قيس وشبث بن ربعي والحصين بن نمير السكوني، كما يحمّل بعض علماء الشيعة مثل حسين الكوراني أهل الكوفة جزءًا من هذه المسؤولية، وترد في كثير من الآثار والنصوص الشيعية نصوص تلعن بني أمية وآل زياد وقادة الجيش في كربلاء ومن تخاذل عن نصرة الحسين جميعًا، فجاء في زيارة عاشوراء: «وَلَعَنَ اللهُ آلَ زِياد وَآلَ مَرْوانَ، وَلَعَنَ اللهُ بَني اُمَيَّةَ قاطِبَةً، وَلَعَنَ اللهُ ابْنَ مَرْجانَةَ، وَلَعَنَ اللهُ عُمَرَ بْنَ سَعْد، وَلَعَنَ اللهُ شِمْراً، وَلَعَنَ اللهُ اُمَّةً اَسْرَجَتْ وَاَلْجَمَتْ وَتَنَقَّبَتْ لِقِتالِكَ.

الحركات التي تلت مقتل الحسين

بعد وصول خبر مقتل الحسين آفاق الدولة الإسلامية، غضب جموع المسلمين على يزيد لمقتل ابن بنت رسول الله على أيدي جيوشه. وحاول البعض الأخذ بثأره، وسعى آخرون في نزع البيعة من يزيد بن معاوية، ورأى آخرون الاعتزال وتجنب الفتن خشية إهراق دماء المسلمين. فبعد مقتل الحسين، صار شاغل يزيد أخذ بيعة عبد الله بن الزبير، خاصةً لما كان لابن الزبير من دور في تأليب المسلمين على بني أمية، حتى أنه في موسم حج سنة 61 هـ لم يُصلّ ابن الزبير بصلاة عمرو بن سعيد بن العاص والي يزيد على المدينة، ولم يُفض بإفاضته، بل ومنع ابن الزبير الحارث بن خالد المخزومي نائب عمرو بن سعيد على مكة من إمامة أهل مكة في الصلاة.

وفي سنة 63 هـ بعد سنتين من مقتل الحسين خرج أهل المدينة على يزيد، وطردوا عامله، فوجّه إليهم جيشًا بقيادة مسلم بن عقبة، فاستقبلهم أهل المدينة بجموع كثيرة، فهابهم أهل الشام وكرهوا قتالهم، فلما نشب القتال سمعوا في جوف المدينة التكبير، وذلك أن بني حارثة أدخلوا قوما من الشاميين من جانب الخندق، فترك أهل المدينة القتال ودخلوا المدينة خوفًا على أهلهم، فكانت الهزيمة، وقتل من قتل، وبايع مسلم الناس على أنهم خول ليزيد، واستباح حُرماتها ثلاثة أيام، وهي ما تُعرف بوقعة الحرة.

وفي 26 محرم سنة 64 هـ، وحوصر ابن الزبير 64 يومًا في مكة ونصبوا المنجنيق واحترقت الكعبة، فمني جيش ابن الزبير بخسائر كبيرة وفقد الكثير من مؤيديه. وبعد وفاة يزيد، تواصل فئة من أهل العراق يُريدون الثأر للحسين ندمًا على تقاعسهم عن نصرته، فاجتمع منهم جيش في ربيع الأول سنة 65هـ، وساروا إلى قبر الحسين ليبكوه ويترحموا عليه، وساروا إلى الشام في حملة بقيادة سليمان بن صرد الخزاعي عُرفت بجيش التوّابين، لقتال عبيد الله بن زياد الذي أمر بقتل الحسين، فالتقوا جيشًا أمويًا في عين الوردة، وانهزم التوابون هزيمة ساحقة لقلة عددهم، وقُتل عدد من قادتهم وتمكن رفاعة بن شداد البُجليّ من الانسحاب بمن بقي منهم إلى الكوفة.

وفي ستة 66 هـ خرج المختار بن أبي عبيد الثقفي يطالب بدم الحسين، وزعم أنه مُفوّض بذلك من قبل محمد بن الحنفية، وهو ما نفاه ابن الحنفية نفسه. ورفع شعار «يا لثارات الحسين» وانضم إليه إبراهيم بن الأشتر النخعي، وتتبع المختار من كان من قتلة الحسين في الكوفة فقتلهم، ثم أرسل في محرم سنة 67 هـ جيشًا بقيادة إبراهيم بن الأشتر لقتال عبيد الله بن زياد، فالتقيا عند نهر الخازر قرب الموصل، وهزم جيش ابن الأشتر جيش ابن زياد، وقُتل عبيد الله بن زياد والحصين بن نمير السكوني في تلك المعركة

مصير قتلة الحسين

قُتل أغلب المشاركين في قتل الحسين في الأحداث التي تلت ذلك، يقول عامر الشعبي: «رأيت في النوم كأن رجالا من السماء نزلوا، معهم حراب يتتبعون قتلة الحسين، فما لبثت أن نزل المختار فقتلهم.»

فقُتِلَ عبيد الله بن زياد على يد إبراهيم بن الأشتر النخعي سنة 67 هـ، حيث خرج من الكوفة قاصدًا ابن زياد في أرض الموصل، فالتقيا بمكان يقال له الخازر بينه وبين الموصل خمسة فراسخ، فباغت ابن الأشتر جيش ابن زياد، وأخذ يحرض جنده قائلًا: «هذا قاتل ابن بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم، قد جاءكم الله به وأمكنكم الله منه اليوم، فعليكم به، فإنه قد فعل في ابن بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم ما لم يفعله فرعون في بني إسرائيل! هذا ابن زياد قاتل الحسين الذي حال بينه وبين ماء الفرات أن يشرب منه هو وأولاده ونساؤه، ومنعه أن ينصرف إلى بلده أو يأتي يزيد بن معاوية حتى قتله. ويحكم! اشفوا صدوركم منه، وارووا رماحكم وسيوفكم من دمه، هذا الذي فعل في آل نبيكم ما فعل، قد جاءكم الله به.». وقُتل أغلب المشاركين في قتل الحسين على يد المختار بن أبي عبيد الثقفي أثناء ثورته، فقُتِلَ شمر بن ذي الجوشن وسنان بن أنس على يد كيان أبو عمرة قائد شرطة المختار، وأُتِىَ بحرملة بن كاهل وقُطّعت يداه ورجلاه أمام المختار ثم ألهب فيه النار.

مكانته الدينية

مكانته عند النبي

للحسين بن علي مكانة كبيرة عند عموم المسلمين بمختلف طوائفهم، وذلك لأنه حفيد النبي محمد وابن ابنته فاطمة، وحِبُه وريحانته، وسيد شباب أهل الجنة، وخصَّه النبي بقوله أنه منه، وغيرها من الأوصاف التي تصفه بها الأحاديث النبوية، ولا تختلف طوائف المسلمين حول هذه النقاط، ومن هذه الأحاديث:

وصفه أنه من النبي والنبي منه، عن يعلى بن مرة قال: «قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: حُسَيْنٌ مِنِّي وَأَنَا مِنْ حُسَيْنٍ أَحَبَّ اللَّهُ مَنْ أَحَبَّ حُسَيْنًا، حُسَيْنٌ سِبْطٌ مِنْ الْأَسْبَاطِ».
عن أبي هريرة قال: «سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: مَنْ أَحَبَّ الْحَسَنَ وَالْحُسَيْنَ فَقَدْ أَحَبَّنِي، وَمَنْ أَبْغَضَهُمَا فَقَدْ أَبْغَضَنِي».
عن عبد الله بن مسعود قال: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُصَلِّي، فَإِذَا سَجَدَ وَثَبَ الْحَسَنُ وَالْحُسَيْنُ عَلَى ظَهْرِهِ، فَإِذَا أَرَادُوا أَنْ يَمْنَعُوهُمَا أَشَارَ إِلَيْهِمْ:أَنْ دَعُوهُمَا فَلَمَّا قَضَى الصَّلاةَ وَضَعَهُمَا فِي حِجْرِهِ. فَقَالَ:مَنْ أَحَبَّنِي فَلْيُحِبَّ هَذَيْنِ».
ووصفه برحانته من الدنيا، فسأل رجل عبد الله بن عمر عن قتل الذباب أثناء الإحرام، فقال: «أهل العراق يسألون عن الذباب، وقد قتلوا ابن ابنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: هما ريحانتاي من الدنيا».
ووصفه بسيد شباب أهل الجنة، عن عبد الله بن عمر قال: «قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة وأبوهما خير منهما

مكانته لدى الصحابة

ذُكرت في المصادر التاريخية العديد من الروايات التي تذكر تبجيل الصحابة للحسين، مثل ابن عباس وأبي هريرة وعبد الله بن عمر وعمرو بن العاص وغيرهم، ومن هذه الروايات:

أن عمرو بن العاص كان جالسًا في ظل الكعبة، ورأى الحسين، فقال: «هذا أحب أهل الأرض إلى أهل السماء اليوم.».
وأن ابن عباس كان يُمسك الركاب للحسن والحسين ويُسوي لهما، فقال له مدرك أبو زياد: «أنت أكبر منهما تمسك لهما وتسوي عليهما.» فقال ابن عباس: «يا لكع. أتدري من هذان؟ هذان ابنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، أوليس هذا مما أنعم الله علي به أن أمسك لهما وأسوي عليهما؟».
وأن أبا هريرة كان ينفض عنه التراب، فعن أبي المهزم قال: «كنا مع جنازة امرأة، ومعنا أبو هريرة، فجيء بجنازة رجل، فجعله بينه، وبين المرأة، فصلى عليهما، فلما أقبلنا أعيا الْحُسَيْن، فقعد في الطريق، فجعل أبو هريرة ينفض التراب، عن قدميه بطرف ثوبه، فقال الْحُسَيْن: يا أبا هريرة، وأنت تفعل هذا، قال أبو هريرة: دعني فوالله لو يعلم الناس منك ما أعلم لحملوك عَلَى رقابهم.».
وأن ابن عمر قال له حين هم بالخروج إلى الكوفة: «إن جبريل أتى النبي صلى الله عليه وسلم فخيره بين الدنيا والآخرة، فاختار الآخرة ولم يرد الدنيا، وإنك بضعة من رسول الله صلى الله عليه وسلم، كذلك يريد منكم».

نظرة أهل السنة والجماعة


منزلة أهل البيت عمومًا: يعتقد أهل السنة أن أهل البيت تجب محبتهم وموالاتهم ورعاية حقوقهم، وأن المسلمين مأمورون بالصلاة عليهم مع الصلاة على النبي، وأنّ لهم حقًا في أداء الخمس من المغنم والفيء، فعن عائشة بنت أبي بكر قالت: «خرج النبي صلى الله عليه وسلم غداة وعليه مرط مرحَّل من شعر أسود، فجاء الحسن بن علي فأدخله ثم جاء الحسين فدخل معه، ثم دخلت فاطمة فأدخلها، ثم جاء عليُّ فأدخله، ثم قال: ï´؟إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًاï´¾».
الشهيد: يعتبر علماء أهل السنة الحسين شهيدًا، ويلقبونه بالشهيد في ترجمتهم له، يقول ابن تيمية: «وأما مقتل الحسين رضي الله عنه فلا ريب أنه قُتِلَ مظلومًا شهيدًا، كما قتل أشباهه من المظلومين الشهداء، وقَتل الحسين معصية لله ورسوله ممن قتله، أو أعان على قتله، أو رضى بذلك، وهو مصيبة أصيب بها المسلمون من أهله وغير أهله، وهو في حقه شهادة له ورفع حجة وعلو منزلة؛ فإنه وأخاه سبقت لهما من الله السعادة التي لا تنال إلا بنوع من البلاء، ولم يكن لهما من السوابق ما لأهل بيتهما، فإنهما تربيا في حجر الإسلام في عز وأمان، فمات هذا مسمومًا وهذا مقتولًا لينالا بذلك منازل السعداء وعيش الشهداء.»
من سادات المسلمين وعلماء الصحابة: يقول ابن كثير الدمشقي: «فكل مسلم ينبغي له أن يحزنه قتله رضي الله عنه، فإنه من سادات المسلمين، وعلماء الصحابة وابن بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم التي هي أفضل بناته

نظرة الشيعة

الإمام الثالث من الأئمة الاثني عشر: تؤمن طوائف الشيعة أن الحسين هو الإمام الثالث من الأئمة الاثني عشر بعد علي بن أبي طالب والحسن بن علي، وتنص المصادر الشيعية على أن النبي محمد قد نص على الأئمة من بعده وعينهم بأسمائهم ومن بينهم الحسين، وتنص كذلك على أن عليًا قد أوصى قبل وفاته بالخلافة إلى ولده الحسن، وقد أشهد على وصيته جميع أولاده وأهل شيعته وأهل بيته، وعهد إليه بكتابه وسلاحه وأمره بأن يدفعها لأخيه الحسين إذا حضرته الوفاة. وأن الحسين تولى إمامته بعد وفاة الحسن مباشرةً، وبدأ دعوته، وكانت مدة إمامته إحْدَى عشرة سنة. قال الشيخ المفيد: «واتفقوا على أنه عليه السلام قال - في الحسن والحسين -: ابناي هذان إمامان، قاما أو قعدا.».
وجاء في كتاب الكافي: «عن سليم بن قيس قال: شهدت وصية أمير المؤمنين عليه السلام حين أوصى إلى ابنه الحسن عليه السلام، وأشهد على وصيته الحسين عليه السلام ومحمدًا وجميع ولده ورؤساء شيعته وأهل بيته، ثم دفع إليه الكتاب والسلاح، وقال لابنه الحسن: يا بني أمرني رسول الله أن أوصي إليك وأن أدفع إليك كتبي وسلاحي كما أوصى إلي رسول الله، ودفع إلى كتبه وسلاحه، وأمرني أن آمرك إذا حضرك الموت أن تدفعها إلى أخيك الحسين، ثم أقبل على ابنه الحسين فقال، وأمرك رسول الله أن تدفعها إلى ابنك هذا، ثم أخذ بيد علي بن الحسين، ثم قال لعلي بن الحسين: وأمرك رسول الله أن تدفعها إلى ابنك محمد بن علي واقرأه من رسول الله».

أبو الأئمة: يُعتبر الحسين أبًا لتسعة من الأئمة الاثني عشر، وجميع الأئمة من بعده من نسله، وأتى في كتب الشيعة عددًا من المرويات في ذلك. منها ما جاء في بحار الأنوار أن النبي قال للحسين: «يا حسين أنت السيد ابن السيد أبو السادة، تسعة من ولدك أئمة أبرار والتاسع قائمهم، أنت الإمام ابن الإمام أبو الأئمة تسعة من صلبك أئمة أبرار والتاسع مهديهم».
سيد الشهداء: يُلقب الحسين بسيد الشهداء، حيث جاء في كتاب كامل الزيارات رواية تقول عنه: «إنه سيد الشهداء من الأولين والآخرين في الدنيا والآخرة».
من أصحاب الكساء: يعتقد الشيعة أن النبي جمع علي بن أبي طالب وفاطمة والحسن والحسين معه تحت كساء واحد بعد نزول ما يُسمَّى بآية التطهير: ï´؟إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًاï´¾.
من المعصومين: يعتقد الشيعة الاثنا عشرية أن الحسين وجميع الأئمة الاثنا عشر بالإضافة إلى النبي وفاطمة الزهراء، معصومون عن الذنوب والمعاصي صغائرها وكبائرها، وأنه لا يمكن صدور المعصية منهم حتى على نحو الغفلة أو السهو أو النسيان، وجاء في الكافي: «قال جعفر الصادق: نحن قوم معصومون، أمر الله تبارك وتعالى بطاعتنا ونهى عن معصيتنا».

المراسم والاحتفالات المتعلقة بالحسين

يوما عاشوراء والأربعين

يوافق يوم مقتل الحسين يوم العاشر من المحرم، وهو اليوم الذي نجّى الله فيه موسى من فرعون، وصيامه مستحب عند أهل السنة والجماعة، فقد روى البخاري عن ابن عباس قال: «قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة فرأى اليهود تصوم يوم عاشوراء فقال: ما هذا؟ قالوا: هذا يوم صالح، هذا يوم نجَّى الله بني إسرائيل من عدوهم فصامه موسى، قال: «فأنا أحقُّ بموسى منكم، فصامه وأمر بصيامه».».

بينما يُتخذه الشيعة يوم حزن وعزاء وبكاء، كما تُقام مجالس العزاء، وتُقام المحاضرات لعرض حادثة مقتل الإمام الحسين بن علي على الناس من خلال الخطيب والذي غالبا ما يجلس على المنبر متوسطاً الناس، ليبكي الناس على المقتل، ثم تبدأ شعائر أخرى كاللطم، ويجلس الرادود يردد المراثي على اللاطمين، ويُجرَى فيها تمثيل مقتل الحسين ويظهرون في هذه المجالس ما فيه من مظاهر الحزن والبكاء وما يصاحبه من كثرة الأعلام ودق الطبول وغيرهما. كما تُقام المواكب لزيارة العتبة الحسينية في كربلاء، ويقوم الشيعة بما يُسمى بالشعائر الحسينية، مثل: اللطمية، ولبس السواد، وتمثيل مشاهد من واقعة الطف، والتطبير، ويستخدم في التطبير سيوف وقامات أو أي أدوات حادة أخرى، فيضرب المطبرون رؤوسهم بهذه الأدوات لإحداث جرح لإسالة الدماء من الرأس أو الضرب بالسلاسل، ويكون التطبير في الغالب بصورة جَماعية وعلى شكل مواكب ومسيرات تجوب الشوراع والأماكن العامة، ولا يزال التطبير رائجًا في عدد من البلدان كالعراق ولبنان وباكستان والهند وأذربيجان والبحرين. وتستمر هذه الشعائر حتى 20 صفر وهو ما يُسمى بزيارة الأربعين.

مولد الحسين

تُنظم الطرق الصوفية خاصةً في مصر مراسم خاصة في يوم الثالث من شعبان احتفالًا بمولد الحسين، حيث يحتشد الناس على طول الطرق المؤدية إلى مسجد الحسين في القاهرة، ويكتظ المسجد بالزائرين، وتُنصب الخيمة الرئيسية أمام الباب الأخضر أكبر أبواب المسجد، وتخصص هذه الخيمة لجميع الطرق الصوفية، حيث تتخذ كل طريقة مكانًا خاصًا بها بداخلها استعدادًا لإحياء المولد، وتبدأ حلقات الذكر، ودروس الوعظ والإرشاد، بالإضافة لأناشيد المديح وغير ذلك من المظاهر

صفاته

كان الحسن والحسين أشبه الناس بالنبي محمد، ولكن كان الحسن أكثر شبهًا، فعن علي قال: «كان الحسن أشبه الناس برسول الله صلى الله عليه وسلم من وجهه إلى سرته، وكان الحسين أشبه الناس به ما أسفل من ذلك.». وقال: «الحسين أشبه برسول الله صلى الله عليه وسلم من صدره إلى قدميه». وكان أسود الرأس واللحية إلا شعرات في مقدم لحيته، قال عمر بن عطاء: «رأيت الحسين يصبغ بالوسمة كان رأسه ولحيته شديدي السواد».

وكان كثير الحج ورُوى أنه حجَّ خمس وعشرين مرة ماشيًا على رجليه، قال أبو سعيد الخدري: «رأيت الحسن والحسين صليا مع الإمام العصر، ثم أتيا الحجر، فاستلماه، ثم طافا أسبوعًا، وصليا ركعتين، فقال الناس: هذان ابنا بنت رسول صلى الله عليه وسلم، فحطمهما الناس حتى لم يستطيعا أن يمضيا ومعهم رجل من الركانات، فأخذ الحسين بيد الركاني، ورد الناس عن الحسن.»

عائلته

زوجاته

تزوج الحسين خمس زوجات، ولا تختلف المصادر تقريبًا في ذلك، وهن:

شهربانو أو شهر بانويه بنت كسرى يزدجرد،
يختلف المؤرخون في هَويّتَها، ويُعتقد أنها ابنة يزدجرد الثالث، وسُبيتْ أثناء الفتح الإسلامي لفارس. أنجبت للحسين علي بن الحسين السجاد.

ليلى بنت أبي مُرّة بن عروة بن مسعود الثقفية، أنجبت له علي الأكبر، أمها ميمونة ابنة أبي سفيان بن حرب.

وفيها يقول حسان بن ثابت:
طَافَتْ بِنَا شَمْسُ النَّهارِ ومن رَأَى من الناس شمسًا بالعشاء تَطُوفُ
أَبو أُمِّها أَوْفى قريشٍ بذمةٍ وأعمامُها إِما سألتَ ثَقِيفُ

الرباب بنت امرئ القيس،

أنجبت له سكينة بنت الحسين وعبد الله الرضيع. يقول فيها الحسين:
لَعَمْرُكَ إنَّنِي لَأُحِبُّ دارًا تُضَيِّفُها سُكَينةُ والرَّبَابُ
أُحِبُّهُمَا وأبذلُ بعدُ مالي وليس لِلَائِمي فيها عتابُ
وَلَسْتُ لهم وإن عَتِبُوا مُطِيعـًا حياتي أو يُغَيِّبَني الترابُ

أم إسحاق بنت طلحة بن عبيد الله،
كانت زوجة لأخيه الحسن، وأنجبت له الحسين وفاطمة وطلحة، ثم تزوجها بعده الحسين، وأنجبت له فاطمة بنت الحسين بن علي.
السُلافة امرأة من بلي بن عمرو بن الحاف بن قضاعة، أنجبت له جعفر بن الحسين.

ذريته

تذكر المصادر المتقدمة ستة أولاد للحسين: أربعة من الذكور واثنان من الإناث، وهم:

علي بن الحسين الأكبر،

وأمّه ليلى بنت أبي مُرّة بن عروة بن مسعود الثقفية، قُتل مع أبيه في معركة كربلاء.

علي بن الحسين السجاد، المعروف بزين العابدين،

هو الإمام الرابع عند الشيعة، ولد سنة 38 هـ، وأمّه شاه زنان بنت كسرى يزدجرد، وحضر كربلاء، توفي سنة 95 هـ.

عبد الله بن الحسين، أو عبد الله الرضيع،

ويُعرف اليوم في الوسط الشيعي بعلي الأصغر، أمه الرباب بنت امرئ القيس، يُذكر أنه قُتل رضيعًا وعمره ستة أشهر مع أبيه في معركة كربلاء.

سكينة بنت الحسين،

وأمها الرباب بنت امرئ القيس.

فاطمة بنت الحسين وأمّها أم إسحاق بنت طلحة بن عبيد الله،

تزوجها ابن عمها عبد الله بن الحسن، فقتل مع أبيها قبل الدخول بها، ثم تزوجها مصعب بن الزبير أمير العراق، ولكن سرعان ما قُتل، وتزوجت بعده أيضًا، توفيت سنة 117 هـ.
وجعفر بن الحسين وأمّه السُلافة القضاعية،
مات صغيرًا ولا عقب له.
وذكرت بعض المصادر المتأخرة مثل ابن طلحة الشافعي أن للحسين ستة من الذكور وأربعة من الإناث، فزادوا عددًا من الأبناء وهم:

محمد بن الحسين،
ذكره ابن شهر آشوب، ومحمد بن جرير الطبري الإمامي، وذكروا أنه قُتِلَ في كربلاء، أمّه الرباب بنت امرئ القيس.

محسن بن الحسين، أو السقط،

له ضريح في مدينة حلب، ذكره ياقوت الحموي فقال: «كانت زوجة الحسين حاملاً فأسقطت هناك فطلبت من الصنَّاع خبزاً وماءً فشتموها ومنعوه فدعت عليهم، فمن الآن مَن عمل فيه لا يربح، وفي قِبلي الجبل مشهد يُعرف بمشهد السقط ويُسمَّى مشهد الدكَّة والسقط يُسمَّى محسن بن الحسين».

زينب بنت الحسين،

ذكرها ابن شهر آشوب، ومحمد بن جرير الطبري الإمامي، ولم يتم ذكر اسم أمّها.

رقية بنت الحسين،

هي صاحبة الضريح الموجود في دمشق، نسبها صاحب كتاب لباب الأنساب إلى الحسين، بينما لم تذكرها المصادر الأخرى، ويُظنّ أن أمها أم إسحاق بنت طلحة،
أو شهربانو، وذكرت بعض المصادر أن للحسين ابنة توفيت في الرابعة من عمرها في الشام، لذلك يُعتقد أنها رقية.
كما يُنسب إليه في التراث الشعبي:

صفية بنت الحسين،

لها ضريح في بلدة حوش تل صفية، لا سيرة لها في المصادر التاريخية، يُعتقد أنها ماتت بعد كربلاء بقليل وهي صغيرة.

خولة بنت الحسين،

يُنسب إليها مقام خولة بنت الحسين في بعلبك، لكن لا سيرة لها في المصادر التاريخية، يُعتقد أنها ماتت أيضًا بعد كربلاء بقليل وهي صغيرة.

تراثه

فقهه وروايته للحديث النبوي

تحتوي كتب الحديث السني على العديد من مرويات الحسين للحديث، ويعتبره علماء أهل السنة عالمًا فقيهًا من فقهاء الصحابة، يقول ابن قيم الجوزية: «من فقهاء الصحابة المقلين في الفتيا»، كان الحسين صغيرًا حين توفي النبي؛ لذلك لم يروي الكثير من الأحاديث عنه، فروى عن النبي محمد وعلي بن أبي طالب وفاطمة الزهراء وعمر بن الخطاب وخاله هند بن أبي هالة. وروى عنه ابنه علي بن الحسين السجاد وفاطمة بنت الحسين، وعبيد بن حنين، والفرزدق، وعكرمة البربري، وعامر الشعبي، وطلحة العقيلي، وابن أخيه زيد بن الحسن، وعلي بن الحسن وحفيده محمد بن علي الباقر بدون إدراك له، وابنته سكينة بنت الحسين، وكرز التيّمي، وسنان بن أبي سنان، وعبد الله بن عمرو بن عثمان.

التراث الأدبي

يحتوي التراث الشيعي على العديد من الأقوال المنسوبة للحسين، بالإضافة إلى الخطب مثل خطبته في منى وخطبته في كربلاء. وكذلك الأدعية وجاء بعضها بحار الأنوار مثل دعاء يوم عرفة.

كما تُنسب إلى الحسين العديد من الأشعار التي ذكرها المترجمون عند السنة والشيعة، وقام بجمعها محمد صادق الكرباسي في كتاب أسماه "ديوان الإمام الحسين (من الشعر المنسوب إليه)، وذكر ابن كثير الدمشقي فصلًا في كتابه البداية والنهاية عن ما رُوى من أشعاره، منها: أن الحسين زار المقابر بالبقيع فقال:

نَادَيْتُ سُكّانَ الْقُبُورِ فَأُسْكِتُوا **وَأَجابَنِي عَنْ صَمْتِهِمْ تُرْبُ الْحَصى
قَالَتْ أَتَدْرِي مَا فَعَلْتُ بِساكِني**مَزَّقْتُ لَحْمَهُمْ وَخَرَّقْتُ الْكِسا
وَحَشَوْتُ أَعْيُنَهُمْ تُراباً بَعْدَما**كانَتْ تَأَذّى بِالْيَسِيرِ مِنَ الْقَذى
أَمَّا الْعِظامُ فَإِنَّني مَزَّقْتُهَا **حَتَّى تَبَايَنَتِ الْمَفاصِلُ وَالشَّوى
قَطَعْتُ ذا زاد مِنْ هذا كَذا ** فَتَرَكْتُها رَمَماً يَطُوفُ بِهَا البِلا

المصدر
كل المعلومات السابقة من wikipedia

عطر الزنبق 06-14-2021 08:41 PM

الشخصية الاسلامية الخامسة عشرة


زيد بن حارثة (المتوفي سنة 8 هـ) صحابي وقائد عسكري مسلم، كان مولى للنبي محمد، وكان النبي محمد قد تبناه قبل بعثته، وهو أول الموالي إسلامًا، ومن السابقين الأولين للإسلام، والوحيد من بين أصحاب النبي محمد الذي ذُكر اسمه في القرآن. شهد زيد العديد من غزوات النبي محمد، كما بعثه قائدًا على عدد من السرايا. استشهد زيد في غزوة مؤتة وهو قائد جيش المسلمين أمام جيش من البيزنطيين والغساسنة يفوق المسلمين عددًا.

سيرته

نشأته وتبني النبي محمد له


ولد زيد بن حارثة بن شراحيل (وقيل شرحبيل) بن كعب قبل الهجرة النبوية بسبعة وأربعين سنة، وقيل بثلاثة وأربعين سنة في ديار قومه بني *** أحد بطون قضاعة، أما أمه فهي سُعدى بنت ثعلبة بن عبد عامر بن أفلت من بني معن من طيّئ. تعرض زيد للأسر وهو غلام صغير حيث اختطفته خيل بني القين بن جسر قبل الإسلام، حين أغارت على ديار بني معن أهل أمه وكان معها في زيارة لأهلها، فباعوه في سوق عكاظ، فاشتراه حكيم بن حزام لعمته خديجة بنت خويلد بأربعمائة درهم. فلما تزوجها النبي محمد وهبته له. ثم مر زمن، وحج أناس من قبيلته ***، فرأوه فعرفهم وعرفوه، ثم عادوا وأخبروا أباه بمكانه، فخرج أبوه حارثة وعمه كعب يفتدونه. والتقوا النبي محمد وطلبوا فدائه، فدعاهما إلى تخيير زيد نفسه إن شاء بقي، وإن شاء عاد مع أهله دون مقابل. ثم دعاه النبي محمد، وقال له: «فأنا من قد علمت ورأيت صحبتي لك فاخترني أو اخترهما»، فقال زيد: «ما أنا بالذي أختار عليك أحدًا. أنت مني بمكان الأب والأم»، فتعجّب أبوه وعمه وقالا: «ويحك يا زيد أتختار العبودية على الحرية وعلى أبيك وعمك وأهل بيتك؟!»، قال: «نعم. إني قد رأيت من هذا الرجل شيئًا ما أنا بالذي اختار عليه أحدًا أبدًا»، فلما رأي النبي محمد منه ذلك، خرج به إلى الحِجْر، وقال: «يا من حضر اشهدوا أن زيدًا ابني أرثه ويرثني». فلما رأى ذلك أبوه وعمه اطمأنا وانصرفا. فصار زيد يُدعي «زيد بن محمد»


عطر الزنبق 06-14-2021 08:42 PM

إسلامه وصحبته للنبي محمد

ولما دعا النبي محمد دعوته إلى الإسلام، كان زيد من السابقين الأولين للإسلام، فكان إسلامه بعد خديجة بنت خويلد وعلي بن أبي طالب، وقبل أبي بكر الصديق، وهو أول الموالي إسلامًا. ومنذ إسلامه، صحب زيد النبي محمد، إلى أن أمره النبي محمد بالهجرة إلى يثرب، فهاجر زيد ونزل ضيفًا على كلثوم بن الهدم، ولما آخى النبي محمد بين أصحابه، آخى بين زيد بن حارثة وحمزة بن عبد المطلب، وقيل بينه وبين أسيد بن حضير.

شهد زيد مع النبي محمد غزوة بدر، وهو الذي كان البشير إلى المدينة المنورة بالنصر. ثم شارك بعدها في غزوات أحد والخندق وخيبر، وشهد صلح الحديبية، كما استخلفه النبي محمد على المدينة حين خرج إلى المُرَيسِيع، وعُرف عن زيد أنه من الرُماة المهرة. كما عقد له النبي محمد اللواء في سبع سرايا أولها القَرَدَة، ثم إلى الجَمُومِ، ثم إلى العِيص، ثم إلى الطَّرْف، ثم إلى حِسْمَى، ثم إلى أم قِرْفَة، ثم عقد النبي محمد لواء غزوة مؤتة، وجعله القائد الأول على ثلاثة آلاف مقاتل من المسلمين يُقاتلون عدوًا من الروم والغساسنة يفوقونهم عُدّةً وعتادًا، فأوصى المسلمين بترتيب القادة فقال: «فإن قُتل فجعفر بن أبي طالب، فإن قُتل فعبد الله بن رواحة»، وقد صدق حدس النبي محمد، حيث قُتل زيد في المعركة طعنًا بالرماح، وكان ذلك في جُمادى الأولى سنة 8 هـ، وكان عُمره يوم قُتل 55 سنة.

زواجه من زينب بنت جحش وإبطال التبني

تبنّى النبي محمد زيدًا، فكان أهل مكة يدعونه «زيد بن محمد»، وزوّجه من ابنة عمته زينب بنت جحش. ثم طلّق زيد زوجته زينب، وأراد النبي محمد الزواج منها، ولكنه تردد في الزواج منها كونها زوجة سابقة لمُتبنّاه إلى أن جاء الوحي يأمره بالزواج منها: وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاهُ فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا لِكَيْ لَا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ إِذَا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَرًا وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولًا فأبطلت الآية الحرج الذي كان يتحرجه أهل الجاهلية من أن يتزوج الرجل زوجة دعيُّه، كما نزلت آية: ادْعُوهُمْ لِآَبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ فَإِنْ لَمْ تَعْلَمُوا آَبَاءَهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوَالِيكُمْ وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا فأبطلت التبنّي ذاته، فدُعِيَ يومئذ زيد بن حارثة، ودُعي المقداد بالمقداد بن عمرو وكان يقال له قبل ذلك المقداد بن الأسود، وكان الأسود بن عبد يغوث الزُهري قد تبناه، ودعي الأدعياء إلى آبائهم. وقد صدّق على ذلك قول ابن عمر: «ما كنا ندعو زيد بن حارثة إلا زيد بن محمد. فنزلت ادعوهم لآبائهم هو أقسط عند الله»، إلا أن زواج النبي محمد من زينب بنت جحش كان مدعاةً لتلاسن بعض أهل المدينة من المنافقين وطعنوا في الزواج، وقالوا: «محمد يُحرّم نساء الولد، وقد تزوج امرأة ابنه زيد»، فنزلت آية: مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا


عطر الزنبق 06-14-2021 08:43 PM

صفته وأسرته

كان زيد بن حارثة قصيرًا، شديد الأدمة، أفطس، وقيل كان شديد البياض، أحمر، وكان ابنه أسامة آدم شديد الأدمة. أما أسرته فقد زوّجه النبي محمد من مولاته وحاضنته أم أيمن، فولدت له أسامة، ولما تبنّاه زوّجه ابنة عمته زينب بنت جحش ثم طلّقها، وتزوّج أم كلثوم بنت عقبة بن معيط فأنجبت له زيد لكنه مات صغيرًا، ورُقية ماتت أخرى صغيرة ولكن بعد أبيها، ثم طلّقها وتزوّج درة بنت أبي لهب، ثم طلّقها وتزوّج هند بنت العوام بن خويلد أخت الزبير.


روايته للحديث النبوي


روى زيد بن حارثة بعض الأحاديث النبوية عن النبي محمد مباشرة وعن أنس بن مالك، ورواها عنه أنس بن مالك والبراء بن عازب وعبد الله بن عباس وابنه أسامة بن زيد وأخوه جبلة بن حارثة. قد روى له النسائي حديثًا في سننه، وروى محمد بن ماجه له حديثًا آخر


عطر الزنبق 06-14-2021 08:43 PM

مكانته

لم يسم أحد من الصحابة في القرآن باسمه إلا زيد بن حارثة، كما كان لزيد بن حارثة مكانة عالية عند النبي محمد، فقد رُوي أنه قال له: «يا زيد، أنت مولاي ومني وإلي وأحب القوم إلي»، وكان أصحاب النبي محمد يُسمونه «حِبُّ رسول الله»، ولما بلغ النبي محمد مقتل زيد وجعفر بن أبي طالب وعبد الله بن رواحة في مؤتة، استغفر النبي محمد لهم، فقال: «اللهم اغفر لزيد، اللهم اغفر لزيد، اللهم اغفر لزيد، اللهم اغفر لجعفر، ولعبد الله بن رواحة»، ثم زار أهل بيت زيد، وأجهش بالبكاء حتى انتحب لما رأى بكاء رقية بنت زيد، فقال له سعد بن عبادة: «يا رسول الله ما هذا؟»، قال: «هذا شوق الحبيب إلى حبيبه». وحين قرر النبي محمد أن يبعث بعثًا، وأمّر عليهم أسامة بن زيد، طعن بعض الناس في إمرته، فقام النبي محمد، فقال: «إن تطعنوا في إمرته، فقد كنتم طعنتم في إمرة أبيه من قبله. وأيم الله إن كان لخليقًا للإمارة، وإن كان لمن أحب الناس إلي، وإن هذا لمن أحب الناس إلي بعده».

كما قالت عائشة بنت أبي بكر عن زيد: «ما بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم زيد بن حارثة في سريّة، إلا أمره عليهم، ولو بقي لاستخلفه». وحين فرض الخليفة الثاني عمر بن الخطاب لأسامة بن زيد عطاءً من بيت مال المسلمين أكثر مما فرض لابنه عبد الله بن عمر، كلمه عبد الله في ذلك، فقال: «إنه كان أحب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم منك، وإن أباه كان أحب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من أبيك»

عطر الزنبق 06-14-2021 08:45 PM

الشخصية الاسلامية السادسة عشرة


سعد بن معاذ (المتوفي سنة 5 هـ) صحابي، كان سيدًا للأوس في يثرب قبل الهجرة النبوية. أسلم سعد على يد مصعب بن عمير الذي أرسله النبي محمد إلى يثرب ليعلم أهلها دينهم، فأسلم بإسلامه بنو عبد الأشهل كلهم. بعد هجرة النبي محمد، شهد سعد بن معاذ معه غزوات بدر وأحد والخندق التي أصيب فيها إصابة بليغة. ولما حاصر النبي محمد بني قريظة، قبلوا بالاستسلام على أن يُحكَّمْ فيهم سعد بن معاذ، فحُمل إليهم وهو جريح، فحكم فيهم بقتل الرجال وسبي النساء وتقسيم أموالهم وأراضيهم على المسلمين. بعد غزوة بني قريظة، انتقض جرح سعد، ولم يلبث إلا يسيرًا ومات.

سيرته

كان سعد بن معاذ بن النعمان بن امرئ القيس بن زيد بن عبد الأشهل سيدًا لقبيلة الأوس قبل هجرة النبي محمد إليها. أسلم سعد على يد مصعب بن عمير الذي أرسله النبي محمد إلى يثرب ليدعوا أهلها إلى الإسلام بعد بيعة العقبة الأولى، فلما أسلم سعد وقف على قومه، فقال: «يا بني عبد الأشهل، كيف تعلمون أمري فيكم؟»، قالوا: «سيدنا فضلاً، وأيمننا نقيبة»، قال: «فإن كلامكم علي حرام، رجالكم ونساؤكم، حتى تؤمنوا بالله ورسوله»، فما بقي في دور بني عبد الأشهل رجل ولا امرأة إلا وأسلموا. كما أصبحت داره مقرًا لمصعب بن عمير وأسعد بن زرارة، يدعوان أهل يثرب فيها إلى الإسلام. وكان سعد بن معاذ ومعه أسيد بن حضير من تولّى كسر أصنام بني عبد الأشهل.

وبعد هجرة النبي محمد، آخى النبي محمد بينه وبين أبي عبيدة بن الجراح، وقيل بينه وبين سعد بن أبي وقاص. وقد شهد سعد مع النبي محمد غزوة بدر، وحين استشار النبي محمد أصحابه قبل المعركة، قال سعد: «قد آمنا بك وصدقناك، وشهدنا أن ما جئت به الحق، وأعطيناك مواثيقنا على السمع والطاعة، فامض يا رسول الله لما أردت، فنحن معك، فوالذي بعثك بالحق، لو استعرضت بنا هذا البحر لخضناه معك، ما تخلف منا رجل واحد، وما نكره أن تلقى بنا عدونا غدًا، إنا لصبر عند الحرب، صدق عند اللقاء، لعل الله يريك فينا ما تقر به عينك، فسر بنا على بركة الله»، وهو الذي حمل راية الأوس يوم بدر. شهد سعد أيضًا مع النبي محمد غزوة أحد، وثَبَتَ مع النبي محمد في القتال لما ولّى المسلمون عنه. وفي غزوة الخندق، رُمي سعد بسهم قطع منه الأكحل، وكان الذي رماه رجل من قريش اسمه «حيان بن قيس بن العرفة»، فقال سعد: «اللهم إن كنت أبقيت من حرب قريش شيئًا، فأبقني لها، فإنه لا قوم أحب إلي من أن أجاهدهم فيك من قوم آذوا نبيك وكذبوه وأخرجوه. اللهم إن كنت وضعت الحرب بيننا وبينهم، فاجعلها لي شهادة، ولا تمتني حتى تقر عيني من بني قريظة».

بعد غزوة الخندق، دعا النبي محمد أصحاب إلى قتال بني قريظة لنقضهم عهدهم مع المسلمين، وتحالفهم مع قريش في غزوة الخندق. حاصر المسلمون حصون بني قريظة 25 يومًا حتى أرسلوا يطلبون السلم، ويرتضون حكم سعد بن معاذ فيهم، وكان حليفهم في الجاهلية، فأرسل النبي محمد إلى سعد، فجيء به محمولاً على حمار، وهو مُتعَب من جرحه، فقال له: «أشر علي في هؤلاء»، فقال سعد: «لو وليت أمرهم، لقتلت مقاتلتهم، وسبيت ذراريهم»، فقال النبي محمد: «والذي نفسي بيده، لقد أشرت عليّ فيهم بالذي أمرني الله به».

أُعيد سعد إلى المدينة إلى القبة التي ضربها عليه النبي محمد في المسجد النبوي ليعوده من قريب، وكوى النبي محمد له ذراعه. عاد النبي محمد وأبو بكر الصديق وعمر بن الخطاب وقت وفاة سعد . فوجد النبي محمد يد سعد انفجرت بالدم، فقام إليه وعانقه، حتى مات. فبكى أبو بكر وعمر، وحزن النبي وأخذ بلحْيته، وكان النبي محمد لا تدمع عينه على أحد، ولكنه كان إذا حزن، أخذ بلحيته. صلى النبي محمد على سعد، وحُمل فدُفن بالبقيع، وشهد النبي دفنه، وكان الذين أنزلوه في قبره ابن أخيه الحارث بن أوس بن معاذ وأسيد بن حضير وأبو نائلة سلكان بن سلامة بن وقش وسلمة بن سلامة بن وقش. كانت وفاة سعد بن معاذ سنة 5 هـ بعد غزوة الخندق بشهر، وقد توفي سعد بن معاذ، وله من الولد عمرو وعبد الله أمهما هند بنت سماك بن عتيك بن امرئ القيس بن زيد بن عبد الأشهل

أما صفته، فقد كان سعد بن معاذ رجلاً أبيضًا، طويلاً، جميلاً، حسن الوجه، واسع العينين، حسن اللحية.


مكانته

قال الحسن البصري: «كان سعد بادنًا، فلما حملوه، وجدوا له خفة. فقال رجال من المنافقين: والله إن كان لبادنا، وما حملنا أخف منه. فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: إن له حملة غيركم. والذي نفسي بيده لقد استبشرت الملائكة بروح سعد، واهتز له العرش». وروت عائشة بنت أبي بكر عن النبي محمد قوله: «إن للقبر ضغطة، ولو كان أحد ناجيًا منها، نجا منها سعد بن معاذ». وروى سعد بن أبي وقاص عن النبي محمد قوله: «لقد نزل من الملائكة في جنازة سعد بن معاذ سبعون ألفًا ما وطئوا الأرض قبل، وبحق أعطاه الله تعالى ذلك». وقد أهدى أكيدر بن عبد الملك النبي محمد يومًا ثوبًا من ديباج مطرّز بخيوط من ذهب، فجعل الصحابة يتعجبون من لينه وحسنه، فقال: «مناديل سعد في الجنة أحسن من هذا». وقالت عائشة بنت أبي بكر: «كان في بني عبد الأشهل ثلاثة لم يكن أحد أفضل منهم: سعد بن معاذ وأسيد بن حضير وعباد بن بشر»


عطر الزنبق 06-14-2021 08:50 PM

الشخصية الاسلامية السابعة عشرة


عبد الله بن عمر بن الخطاب (10 ق.هـ - 73 هـ) محدث وفقيه وصحابي من صغار الصحابة، وابن الخليفة الثاني عمر بن الخطاب، وأحد المكثرين في الفتوى، وكذلك هو من المكثرين في رواية الحديث النبوي عن النبي محمد. كان ابن عمر من أكثر الناس اقتداءً بسيرة النبي محمد، ومن أكثرهم تتبُّعًا لآثاره. كما كان قبلة لطُلاّب الحديث والفتاوى في المدينة المنورة، وطلاّب العطايا لما عُرف عنه من سخائه في الصدقات، والزهد في الدنيا.

شهد ابن عمر عدداً من المشاهد مع النبي محمد، ثم شارك بعد وفاة النبي في فتوح الشام والعراق وفارس ومصر وإفريقية. ولما قامت الفتن بعد مقتل عثمان بن عفان، وبعد وفاة يزيد بن معاوية، آثر ابن عمر اعتزال الفتن. كان ابن عمر دائمًا محل احترام وثقة المسلمين، فحاول عثمان بن عفان توليته القضاء، وعرض عليه علي بن أبي طالب ولاية الشام، ورشحه أبو موسى الأشعري للخلافة يوم التحكيم بين جيشي علي ومعاوية، إلا أنه اعتذر عن ذلك كله، وحرص على عدم الانخراط في أمور الحكم تجنبًا منه

سيرته

نشأته

ولد أبو عبد الرحمن عبد الله بن عمر بن الخطاب بن نفيل بن عبد العزى بن رياح بن قرط بن رزاح بن عدي بن كعب القرشي في مكة قبل الهجرة النبوية إلى يثرب بعشر سنين، وهو ابن الصحابي والخليفة الثاني عمر بن الخطاب، وأمه وأم شقيقته حفصة هي زينب بنت مظعون الجمحية أخت الصحابي عثمان بن مظعون.

أسلم عبد الله بن عمر بمكة مع أبيه، ولم يكن قد بلغ الحلم يومئذ، ثم هاجر مع أبيه. وما أن هاجر إلى المدينة المنورة حتى انخرط في عقد المسلمين، وصحب النبي محمداً والتف حوله مع غيره من صحابته. ولما أمر النبي محمد أصحابه بالخروج إلى غزوة بدر، تطوع يومها عبد الله للقتال، فردّه النبي محمد لصغر سنه، وهو ما تكرر عندما حاول التطوع للقتال في غزوة أحد. لم يُجزه النبي محمد للقتال إلا في غزوة الخندق وكان عمره يومها خمسة عشر سنة، وقد روى مولاه نافع تلك الأحداث على لسان ابن عمر نفسه، فقال: «عرضت على النبي صلى الله عليه وسلم يوم بدر، وأنا ابن ثلاث عشرة سنة، فلم يقبلني، وعرضت عليه يوم أحد وأنا ابن أربع عشرة سنة، فلم يقبل وعرضت عليه يوم الخندق وأنا ابن خمس عشرة سنة، فقبل». ومن يومئذ، شهد ابن عمر ما بعد غزوة الخندق من المشاهد مع النبي محمد، فشهد بيعة الشجرة، وفتح مكة، وغزوة مؤتة.



عطر الزنبق 06-14-2021 08:51 PM

بعد وفاة النبي محمد

بعد وفاة النبي محمد، شارك عبد الله بن عمر في فتوح الشام والعراق وفارس ومصر وإفريقية، وشهد في تلك الفتوح معركة اليرموك وفتح نهاوند، وأذربيجان، ثم عاد فسكن المدينة المنورة، ودعاه الخليفة الثالث عثمان بن عفان ليتولى القضاء، فاعتذر. ولما حُوصِرَ عثمان وقت الفتنة، تقلد ابن عمر سيف أبيه ودافع عن عثمان يوم الدار. وبعد مقتل عثمان ورفض معاوية بن أبي سفيان مبايعة الخليفة الرابع علي بن أبي طالب، واستئثار معاوية بحكم الشام، ومطالبته بالقصاص لعثمان، جاء علي إلى ابن عمر يسأله الخروج إلى الشام أميرًا، فاعتذر ابن عمر، وخرج إلى مكة، ولم يشهد مع عليّ شيئًا من حروبه، حتى لا ينخرط في الفتنة. بل إن الفتنة لما استفحلت، أتوا ابن عمر، فقالوا: «أنت سيد الناس وابن سيدهم، والناس بك راضون، اخرج نبايعك»، فقال: «لا والله لا يهراق فيّ محجمة من دم، ولا في سببي ما كان في روح». كما كادت أن تنعقد البيعة له يوم التحكيم رغم وجود علي وسعد بن أبي وقاص، وقد عقّب الذهبي في ترجمته لابن عمر في كتابه «سير أعلام النبلاء» على ذلك بقوله: «ولو بويع يومها، لما اختلف عليه اثنان». إلا أن ابن عمر يرى أن حقن دماء المسلمين له الأولوية، فقد رُوي أنه قال: «إنما مثلنا في هذه الفتنة كمثل قوم يسيرون على جادة يعرفونها، فبينما هم كذلك، إذ غشيتهم سحابة وظلمة، فأخذ بعضهم يمينًا وشمالاً، فأخطأ الطريق، وأقمنا حيث أدركنا ذلك، حتى جلا الله ذلك عنا، فأبصرنا طريقنا الأول فعرفناه، فأخذنا فيه. إنما هؤلاء فتيان قريش يقتتلون على هذا السلطان وعلى هذه الدنيا، ما أبالي أن لا يكون لي ما يقتل عليه بعضهم بعضًا بنعلي هاتين الجرداوين»، كما قال: «لو اجتمعت عليّ الأمة إلا رجلين ما قاتلتهما».

وقد استدام ابن عمر على سياسة الحياد تلك، فكان لا يأتي أمير على المدينة وقت الفتن إلا وصلّى خلفه، وأدّى إليه زكاة ماله، سوى الحجاج بن يوسف الثقفي الذي ترك ابن عمر الصلاة خلفه لما رآه يؤخر الصلاة. ولما استقر الأمر لمعاوية، دسّ عمرو بن العاص ليعلم ما في نفس ابن عمر من أمر الخلافة، فقال عمرو: «يا أبا عبد الرحمن ما يمنعك أن تخرج فنبايعك، وأنت صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم وابن أمير المؤمنين، وأنت أحق الناس بهذا الأمر؟»، فقال ابن عمر: «لو لم يبق إلا ثلاثة أعلاج بهُجر، لم يكن لي فيها حاجة». فعلم أن لا مطمع له في الخلافة، فقال عمرو: «هل لك أن تبايع لمن قد كاد الناس أن يجتمعوا عليه، ويُكتب لك من الأرضين ومن الأموال ما لا تحتاج أنت ولا ولدك إلى ما بعده؟»، فغضب ابن عمر، وقال: «أُفٍّ لك. اخرج من عندي. ثم لا تدخل عليّ. ويحك! إن ديني ليس بديناركم ولا درهمكم وإني أرجو أن أخرج من الدنيا ويدي بيضاء نقية». وقد ذكر الزُهري أن معاوية تعرّض لابن عمر يومًا في خطبة، فقال: «ومن كان أحق بهذا الأمر مني؟»، فتهيّأ ابن عمر للرد بقوله: «أحق به من ضربك وأباك على الكفر». إلا أنه تراجع خشية أن يُظن به حرصه على الخلافة. كما ذكر نافع مولى ابن عمر أن معاوية قدم إلى المدينة المنورة يومًا، وحلف على منبر المسجد النبوي ليقتلنّ ابن عمر، فتجمّع له الناس، فتراجع.

ولما بويع يزيد بن معاوية وبلغه الخبر، قال: «إن كان خيرًا رضينا، وإن كان بلاءً صبرنا». وبعد وفاة يزيد وتصدّر عبد الله بن الزبير للخلافة، لم يوافقه ابن عمر على دعواه، وكان يرى أنه بغى على بني أمية، ونكث عهدهم، وقد حاول مروان بن الحكم أن يدفعه للمطالبة بالخلافة، فقال له: «هلم يدك نبايعك، فإنك سيد العرب وابن سيدها»، فقال ابن عمر: «فكيف أصنع بأهل المشرق؟»، قال مروان: «نضربهم حتى يبايعوا»، فقال ابن عمر: «والله ما أحب أنها دانت لي سبعين سنة، وأنه قتل في سيفي رجل واحد»، فقال مروان:
إني أرى فتنة تغلي مراجلها والملك بعد أبي ليلى لمن غلبا
ولما اجتمع الناس على عبد الملك بن مروان، كتب ابن عمر إليه يبايعه بكتاب جاء فيه: «أما بعد، فإني قد بايعت لعبد الله عبد الملك أمير المؤمنين بالسمع والطاعة على سُنّة الله وسُنّة رسوله فيما استطعت، وإن بنيّ قد أقروا بذلك». وحين تولى الحجاج الحجاز لعبد الملك، أنكر عليه ابن عمر تأخيره للصلاة، فقد روى شهر بن حوشب أن الحجاج خطب الناس وابن عمر في المسجد حتى أمسى، فناداه ابن عمر: «أيها الرجل الصلاة»، قالها ثلاثاً، ثم أنهض الناس، فنزل الحجاج فصلّى، ثم دعا به، فقال: «ما حملك على ما صنعت؟»، فقال ابن عمر: «إنما نجيء للصلاة، فإذا حَضَرَتِ الصلاة فصلِّ بالصلاة لوقتها، ثم بقبق بعد ذلك ما شئت من بقبقة». كما ردّ ابن عمر الحجاج وهو يخطب على المنبر حين قال بأن ابن الزبير حرّف كتاب الله، فقال: «كذبت كذبت كذبت. ما يستطيع ذلك ولا أنت معه»، فقال له الحجاج: «اسكُت، فإنك شيخ قد خَرِفتَ، وذهب عقلك. يُوشِكُ شيخ أن يُؤخَذَ، فتُضرب عُنقهُ، فيُجَرَّ قد انتفخت خصيتاه يطوف به صبيان أهل البقيع». يقول سعيد بن عمرو بن سعيد الأشدق الأموي أن الحجاج وَجِد في نفسه، وأمر بعض خاصته، فأخذ حربة مسمومة، وضرب بها رجل ابن عمر في موسم الحج، فمرض منها مرض موته، فأتاه الحجاج يعوده، فقال: «لو أعلم الذي أصابك، لضربت عُنقه»، فقال عبد الله: «أنت الذي أصبتني». قال: «كيف؟»، قال ابن عمر: «يوم أدخلت حرم الله السلاح». فلما خرج الحجاج، قال ابن عمر: «ما آسى من الدنيا إلا على ثلاث: ظمأ الهواجر، ومُكابدة الليل، وألا أكون قاتلت هذه الفئة الباغية التي حلت بنا»


عطر الزنبق 06-14-2021 08:52 PM

وفاته

كانت وفاة ابن عمر سنة 74 هـ، وقيل 73 هـ، بمكة وصلى عليه الحجاج بن يوسف الثقفي، ودفن بفخ في مقبرة المهاجرين نحو ذي طوى، وقيل دُفن بالمحصب، وقيل بسرف. وقد نعاه الذهبي، فقال: «أين مثل ابن عمر في دينه، وورعه وعلمه، وتألّهه وخوفه، من رجل تُعرض عليه الخلافة، فيأباها، والقضاء من مثل عثمان، فيرده، ونيابة الشام لعلي، فيهرب منه. فالله يجتبي إليه من يشاء ويهدي إليه من ينيب». توفي ابن عمر دون أن يوصي بوصية، وقد ترك ابن عمر من الولد أبا بكر وواقد وعبد الله وأبا عبيدة وعمر وحفصة وسودة (وهي التي زوّجها ابن عمر لعروة بن الزبير) وأمهم صفية بنت أبي عبيد بن مسعود الثقفية، وعبد الرحمن وأمه أم علقمة بنت علقمة بن ناقش المحاربية الفهرية، وسالم وعبيد الله وحمزة وزيداً وعائشة وأبا سلمة وقُلابة وبلال وأمهاتهم أمهات أولاد، وقيل إنّ أم زيد هي سهلة بنت مالك بن الشحاح من بني زيد بن جشم بن حبيب بن عمرو بن غنم بن تغلب.

أما صفته، فقد كان ابن عمر رجل ربعة، آدمًا، جسيمًا، أصلعًا. وقال سعيد بن المسيب أن عبد الله بن عمر كان أشبه ولد عمر بعمر، وأن سالم بن عبد الله، كان أشبه ولد عبد الله بعبد الله. وكان ابن عمر يحب التطيّب، فلا يذهب الجمعة أو العيد إلا وقد دهن وتطيّب. وكان لابن عمر خاتمًا نقشه «عبد الله بن عمر»، يجعله عند ابنه أبي عبيدة، فإذا أراد أن يختم أخذه، فختم به.
روايته للحديث النبوي

روى عن: النبي محمد وأبي بكر الصديق وأبيه عمر بن الخطاب وعثمان بن عفان وأبي ذر الغفاري ومعاذ بن جبل وعائشة بنت أبي بكر ورافع بن خديج وأبي هريرة وعلي بن أبي طالب وبلال بن رباح وصهيب بن سنان الرومي وعامر بن ربيعة وزيد بن ثابت وعمه زيد بن الخطاب وسعد بن أبي وقاص وعبد الله بن مسعود وعثمان بن طلحة وأسلم مولى عمر وأخته حفصة بنت عمر. وأبي لبابة الأنصاري وأبي سعيد الخدري.



عطر الزنبق 06-14-2021 08:53 PM

روى عنه:

عبد الله بن عباس وجابر بن عبد الله بن عمرو بن حرام والأغر المزني وأبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف وحميد بن عبد الرحمن بن عوف ومصعب بن سعد بن أبي وقاص وسعيد بن المسيب وأسلم مولى عمر ومولاه نافع وبنوه سالم وعبد الله وحمزة بلال وزيد بنو عبد الله بن عمر وابن أخيه حفص بن عاصم وعلقمة بن وقاص وأبو عبد الرحمن النهدي ومسروق بن الأجدع وجبير بن نفير وعبد الرحمن بن أبي ليلى وعبد الله بن دينار وزيد بن أسلم وأخوه خالد بن أسلم وموسى بن طلحة بن عبيد الله وعروة بن الزبير وبسر بن سعيد المدني وعطاء بن أبي رباح ومجاهد بن جبر ومحمد بن سيرين والحسن البصري وصفوان بن محرز المازني وآدم بن علي العجلي وإسماعيل بن عبد الرحمن بن أبي ذؤيب القرشي وأمية بن عبد الله بن خالد بن أسيد الأموي وأنس بن سيرين الأنصاري وبشر بن حرب الندبي وبشر بن عائذ وبشر بن المحتفز وبكر بن عبد الله المزني وتميم بن عياض وثابت البناني وثابت بن عبيد وثابت بن محمد العبدي وثوير بن أبي فاختة وجبلة بن سحيم الشيباني وجبير بن أبي سليمان بن جبير بن مطعم وجميع بن عمير التيمي وحبيب بن أبي ثابت وحبيب بن أبي مليكة النهدي والحر بن الصياح وحرملة مولى أسامة بن زيد والحسن بن سهيل بن عبد الرحمن بن عوف وحسين بن الحارث الجدلي والحكم بن ميناء المدني وحكيم بن أبي حرة الأسلمي وحمران مولى العبلات وحميد بن عبد الرحمن الحميري وخالد بن كيسان وداود بن سليك السعدي وأبو صالح ذكوان السمان ورزين بن سليمان الأحمري وأبو عمر زاذان والزبير بن عربي البصري والزبير بن الوليد الشامي وأبو عقيل زهرة بن معبد وزياد بن جبير بن حية الثقفي وزياد بن صبيح الحنفي وأبو الخصيب زياد بن عبد الرحمن القرشي وزيد بن جبير الجشمي الطائي وسالم بن أبي الجعد والسائب والد عطاء بن السائب وسعد بن عبيدة وسعد مولى آل أبي بكر وسعد مولى طلحة وسعيد بن جبير وسعيد بن الحارث الأنصاري وسعيد بن حسان وسعيد بن عامر وسعيد بن عمرو الأشدق الأموي وسعيد بن مرجانة وسعيد بن وهب الثوري الهمداني وأبو الحباب سعيد بن يسار وسليمان بن أبي يحيى وسليمان بن يسار وشهر بن حوشب وصدقة بن يسار وطاووس بن كيسان والطفيل بن أبي بن كعب وطيسلة بن علي البهدلي وطيسلة بن مياس وعامر بن سعد بن أبي وقاص وعباس بن جليد الحجري وعبد الله بن بدر اليمامي وعبد الله بن بريدة وأبو الوليد عبد الله بن الحارث البصري وعبد الله بن أبي سلمة الماجشون وعبد الله بن شقيق العقيلي وعبد الله بن عبد الله بن جبر وابن أبي مليكة وابن أخيه عبد الله بن عبيد الله بن عمر وعبد الله بن عبيد بن عمير الليثي وأبو علوان عبد الله بن عصم الحنفي وعبد الله بن أبي قيس الشامي وعبد الله بن كيسان مولى أسماء وعبد الله بن مالك بن الحارث الهمداني وعبد الله بن محمد بن عقيل بن أبي طالب وعبد الله بن مرة الهمداني وعبد الله بن موهب الفلسطيني وحفيده عبد الله بن واقد بن عبد الله بن عمر وعبد الرحمن بن البيلماني ومولاه عبد الرحمن بن سعد وعبد الرحمن بن سمير وعبد الرحمن بن أبي نعم البجلي وعبد الرحمن بن هنيدة وعبد الرحمن بن يزيد الصنعاني وعبد العزيز بن قيس البصري وعبد الملك بن نافع وعبدة بن أبي لبابة وابنه عبيد الله بن عبد الله بن عمر وعبيد الله بن مقسم وعبيد بن جريج وعبيد بن حنين وعبيد بن عمير الليثي وأبو الرواع عثمان بن الحارث وعثمان بن عبد الله بن موهب وعراك بن مالك وعطية العوفي وعقبة بن حريث التغلبي وعكرمة بن خالد المخزومي وعكرمة مولى ابن عباس وعلي بن عبد الله البارقي وعمر بن عبد الرحمن المعاوي وعمرو بن دينار وأبو الحكم عمران بن الحارث السلمي وعمران بن حطان وعمران الأنصاري وعمير بن هانئ وعنبسة بن عمار وعون بن عبد الله بن عتبة والعلاء بن عرار والعلاء بن اللجلاج وعلاج بن عمرو وغطيف الهذلي والقاسم بن ربيعة بن جوش الغطفاني والقاسم بن عوف الشيباني والقاسم بن محمد بن أبي بكر وقدامة بن إبراهيم بن محمد بن حاطب الجمحي وقزعة بن يحيى وقيس بن عباد وكثير بن جمهان وكثير بن مرة وكليب بن وائل ومجاهد بن رياح ومحارب بن دثار وحفيده محمد بن زيد بن عبد الله بن عمر ومحمد بن عباد بن جعفر المخزومي ومحمد الباقر وابن شهاب الزهري ومحمد بن المنتشر ومروان بن سالم المقفع ومروان الأصفر ومسلم بن جندب وأبو المثنى مسلم بن المثنى المؤذن ومسلم بن أبي مريم ومسلم بن يناق والمطلب بن عبد الله بن حنطب المخزومي ومعاوية بن قرة المزني ومغراء العبدي ومغيث بن سمي ومغيث الحجازي والمغيرة بن سلمان ومكحول الأزدي ومنقذ بن قيس ومهاجر الشامي ومورق العجلي وموسى بن دهقان وميمون بن مهران ونابل صاحب العباء ونسير بن ذعلوق ونميلة أبو عيسى وواسع بن حبان ووبرة بن عبد الرحمن والوليد بن عبد الرحمن الجرشي وأبو مجلز لاحق بن حميد ويحنس مولى آل الزبير ويحيى بن راشد الدمشقي ويحيى بن عبد الرحمن بن حاطب ويحيى بن وثاب ويحيى بن يعمر ويحيى البكاء وأبو صخر يزيد بن أبي سمية الأيلي وأبو البزرى يزيد بن عطارد ويسار مولاه ويوسف بن ماهك وأبو غلاب يونس بن جبير وأبو أمامة التيمي وأبو البختري الطائي وأبو بردة بن أبي موسى الأشعري وأبو بكر بن حفص وأبو بكر بن سليمان بن أبي خيثمة وحفيده أبو بكر بن عبد الله بن عبد الله بن عمر وأبو تميمة الهجيمي وأبو حية ال***ي وأبو الزبير المكي وأبو سعيد بن رافع وأبو سهل وأبو السوداء وأبو الشعثاء المحاربي وأبو شيخ الهنائي وأبو الصديق الناجي وأبو طعمة وأبو العباس الشاعر وأبو عثمان النهدي وأبو العجلان المحاربي وأبو عقبة وأبو غالب وأبو الفضل وأبو المنيب الجرشي وأبو نجيح المكي وأبو نوفل بن أبي عقرب البكري وأبو الوليد البصري وأبو يعفور العبدي ورقية بنت عمرو بن سعيد وعبد الرحمن بن عبد الله الغافقي وعبد الرحمن بن علقمة.

عطر الزنبق 06-14-2021 08:56 PM

الشخصية الاسلامية الثامنة عشرة



حمزة بن عبد المطلب الهاشمي القرشي. صحابي من صحابة رسول الإسلام محمد، وعمُّه وأخوه من الرضاعة وأحد وزرائه الأربعة عشر، وهو خير أعمامه لقوله: «خَيْرُ إِخْوَتِي عَلِيٌّ، وَخَيْرُ أَعْمَامِي حَمْزَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا». وهو أسنُّ من الرسولِ محمدٍ بسنتين، كما أنه قريبٌ له من جهة أمه، فأمه هي هالة بنت وهيب بن عبد مناف، ابنة عم آمنة بنت وهب بن عبد مناف أمِّ الرسولِ محمدٍ. لُقِّب بسيد الشهداء، وأسد الله وأسد رسوله، ويكنى أبا عمارة، وقيل أبو يعلى. كان حمزة في الجاهلية فتىً شجاعاً كريماً سمحاً، وكان أشدَّ فتى في قريش وأعزَّهم شكيمة، فقد شهد في الجاهلية حرب الفجار التي دارت بين قبيلتي كنانة وقيس عيلان.

أسلم حمزة في السنة الثانية من بعثة النبي محمد، فلمَّا أسلم علمت قريش أن الرسولَ محمداً قد عز وامتنع وأن حمزة سيمنعه، فكفّوا عن بعض ما كانوا ينالون منه. ثم هاجر حمزة إلى المدينة المنورة، فآخى الرسولُ بينه وبين زيد بن حارثة. وكان أولُ لواء عقده الرسولُ محمدٌ هو اللواءَ الذي عقده لحمزة، وشهد حمزةُ غزوة بدر، وقَتَلَ فيها شيبة بن ربيعة مبارزةً، وقتل غيرَه كثيراً من المشركين، كما شهد غزوة أحد، فقُتل بها سنة 3هـ، وكان قد قَتَلَ من المشركين قبل أن يُقتل واحداً وثلاثين نفساً، وكان الذي قتله هو وحشي بن حرب الحبشي غلامُ جبير بن مطعم، ومثَّل به المشركون، وخرج الرسولُ يلتمس حمزة، فوجده ببطن الوادي قد مُثِّل به، فلم ير منظراً كان أوجع لقلبه منه فقال: «رحمك الله، أي عم، فلقد كنت وصولاً للرحم فعولاً للخيرات». ودفن حمزة وابن أخته عبد الله بن جحش في قبر واحد.


عطر الزنبق 06-14-2021 08:57 PM

نسبه

هو «حمزة بن عبد المطلب (واسمه شيبة) بن هاشم (واسمه عمرو) بن عبد مناف (واسمه المغيرة) بن قصي (واسمه زيد) بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر (واسمه قيس) وهو قريش بن كنانة بن خزيمة بن مدركة (واسمه عامر) بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان». هذا هو المتفق عليه من نسبه، وهو نسب الرسول محمدٍ نفسه تقريباً، فكلاهما من نسل عبد المطلب بن هاشم. أما ما فوق معد بن عدنان ففيه اختلاف كثير، غير أنه ثبت أن نسب عدنان ينتهي إلى إسماعيل بن إبراهيم.
وهو شقيق صفية بنت عبد المطلب أم الزبير بن العوام، وهو عم الرسول محمد وأخوه من الرضاعة، أرضعتهما ثويبة مولاة أبي لهب، فقد أرضعت حمزة بن عبد المطلب، ثم محمداً، ثم أبا سلمة عبد الله المخزومي القرشي، فكانوا جميعاً إخوة من الرضاعة. وقيل إنَّ حمزة ارتضع أيضًا من حليمة السعديَّة، فإذا صحَّ ذلك فحمزة أخٌ للنبيِّ مُحمدٍ من الرضاعة من جهتين، من جهة ثويبة، ومن جهة حليمة السعدية. وقال ابن قيم الجوزية: «فكان حمزة رضيع رسول الله صلى الله عليه وسلم من جهتين: من جهة ثويبة، ومن جهة السعدية».

بينما ينكر ويُشكك بعض علماء الشيعة بإرضاع ثويبة للنبي محمد، ويقول السيّد جعفر مرتضى العاملي: «وعلى كل حال، فإن كل ما تقدم، وسواه، يجعلنا نشك كثيرا، في أن تكون ثويبة قد أرضعت رسول الله، وحمزة، وأبا سلمة، بلبن ولدها مسروح ليكونوا جميعا أخوة من الرضاعة.». وكان حمزةُ أسنَّ من الرسولِ محمدٍ بسنتين، وقيل: بأربع سنين.


عطر الزنبق 06-14-2021 08:58 PM

أمه:

«هالة بنت وهيب بن عبد مناف بن زهرة بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر

(واسمه قيس) وهو قريش بن كنانة بن خزيمة بن مدركة (واسمه عامر) بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان». وهي ابنة عم آمنة بنت وهب أم الرسول محمد

حياته في الجاهلية


تربى حمزة بن عبد المطلب في كنف والده عبد المطلب بن هاشم الذي كان سيد قريش وبني هاشم، ونشأ مع تِربه وابن أخيه عبد الله وأخيه من الرضاعة محمد بن عبد الله بن عبد المطلب، وعاشا ينهلان من الشمائل والقيم العربية الأصيلة، من بطولة وشجاعة وكرم ونجدة وغيرها، وارتبطت بينهما صداقة متينة ووثيقة العُرا.

كان حمزة في الجاهلية فتىً شجاعاً كريماً سمحاً، وكان أشدَّ فتى في قريش وأعزَّهم شكيمةً، فقد شهد حرب الفجار التي وقعت بعد عام الفيل بعشرين سنة، وقد دارت بين قبيلة كنانة التي منها قريش، وبين قبيلة قيس عيلان، وكانت حربُ الفجار أولَ تدريب عملي لحمزة بن عبد المطلب، حيث مارس التدريب على استعمال السلاح، وتحمل أعباء القتال ومشقات الحروب.

ويقال أن حمزة بن عبد المطلب هو الذي خطب لابن أخيه محمد خديجة بنت خويلد، فقد رُوي أن خديجة بعثت إلى الرسول محمد فقالت له: «إني قد رغبت فيك لقرابتك مني، وشرفك في قومك، وأمانتك عندهم، وحسن خلقك، وصدق حديثك»، ثم عرضت عليه نفسها، وكانت أوسط نساء قريش نسباً، وأعظمهن شرفاً، وأكثرهن مالاً. فلما قالت للرسول محمد ما قالت ذكر ذلك لأعمامه، فخرج معه عمُّه حمزة بن عبد المطلب حتى دخل على خويلد بن أسد، فخطبها إليه فتزوجها الرسولُ محمدٌ، وقيل إن حمزة خطبها من عمها أسد بن أسد، وقيل إن الذي زوجها من النبي محمد هو عمها عمرو بن أسد، وقيل إن أبا طالب هو الذي ذهب لخطبة خديجة، وقد ولدت خديجة للنبي مُحمدٍ: القاسم،وزينب، ورقية، وأم كلثوم، وفاطمة الزهراء، وعبد الله. وكان عُمْرُ الرسول حين تزوج خديجة خمساً وعشرين سنة، وقيل إحدى وعشرون سنة، وكان عمر خديجة حينئذ أربعين سنة، وقيل ثمان وعشرون سنة، وقيل غير ذلك.


عطر الزنبق 06-14-2021 08:59 PM

إسلامه

أَسْلم حمزة بن عبد المطّلب في السّنة الثّانية من بعثة النبي محمد، وقيل: بعد دخول النبي دارَ الأرْقم في السّنة السّادسة من مَبْعَثه. وكان سببُ إسلامه أن أبا جهل عَمراً بن هشام المخزومي القرشي اعترض الرسولَ محمداً عند جبل الصفا، فآذاه وشتمه ونال منه ما يكره من العيب لدينه والتضعيف له، فلم يكلمه الرسولُ محمدٌ، ومولاةٌ لعبد الله بن جدعان التيمي القرشي في مسكن لها فوق الصفا تسمع ذلك، ثم انصرف عنه، فعمد إلى نادٍ لقريش عند الكعبة فجلس معهم. ولم يلبث حمزة بن عبد المطلب أن أقبل متوشحاً قوسه، راجعاً من قنص له، وكان إذا فعل ذلك لا يمر على نادٍ من قريش إلا وقف وسلم وتحدث معهم، وكان أعزَّ قريش وأشدَّها شكيمةً، وكان يومئذ مشركاً على دين قومه، فلما مر بالمولاة، وقد قام الرسولُ محمدٌ فرجع إلى بيته، قالت له: «يا أبا عمارة، لو رأيت ما لقي ابنَ أخيك من أبي الحكم آنفاً، وجده ههنا فآذاه وشتمه وبلغ منه ما يكره، ثم انصرف عنه ولم يكلمه محمدٌ»، فاحتمل حمزةَ الغضبُ، فخرج سريعاً لا يقف على أحد كما كان يصنع يريد الطواف بالبيت، مُعداً لأبي جهل أن يقع به، فلما دخل المسجد نظر إليه جالساً في القوم، فأقبل نحوه، حتى إذا قام على رأسه رفع القوس فضربه بها فشجَّه شجةً منكرةً، ثم قال: «أتشتمه وأنا على دينه أقول ما يقول؟ فرُدَّ ذلك علي إن استطعت»، وقامت رجال من قريش من بني مخزوم إلى حمزة لينصروا أبا جهل منه، فقالوا: «ما تراك يا حمزة إلا قد صبأت»، فقال حمزة: «وما يمنعني منه وقد استبان لي منه ذلك، وأنا أشهد أنه رسولُ الله، وأن الذي يقول حق، فوالله لا أنزع، فامنعوني إن كنتم صادقين»، فقال أبو جهل: «دعوا أبا عمارة، فإني والله لقد سببت ابن أخيه سباً قبيحاً»، وتم حمزة على إسلامه وعلى ما بايع عليه الرسولَ محمداً من قوله، فلما أسلم حمزة عرفت قريش أن الرسولَ محمداً قد عز وامتنع، وأن حمزة سيمنعه، فكفّوا عن بعض ما كانوا ينالون منه.

ثم رجع حمزة إلى بيته، فأتاه الشيطان فقال: «أنت سيد قريش، اتبعت هذا الصابئ وتركت دين آبائك، لَلموتُ كان خيراً لك مما صنعت»، فأقبل على حمزة بثُّه فقال: «ما صنعتُ اللهم إن كان رشداً فاجعل تصديقه في قلبي، وإلا فاجعل لي مما وقعتُ فيه مخرجاً»، فبات بليلة لم يبت بمثلها من وسوسة الشيطان وتزيينه حتى أصبح، فغدا على الرسولِ محمدٍ فقال: «يا ابن أخي، إني قد وقعت في أمر لا أعرف المخرج منه، وإقامة مثلي على ما لا أدري ما هو، أرشد هو أم غي شديد؟ فحدثني حديثاً فقد اشتهيت يا ابن أخي أن تحدثني»، فأقبل الرسولُ محمدٌ فذكّره ووعّظه وخوّفه وبشّره، فألقى الله تعالى في نفسه الإيمان بما قال الرسولُ محمدٌ، فقال: «أشهد أنك الصادقُ، شهادة الصدق، فأظهر يا ابن أخي دينَك، فوالله ما أُحبُّ أنَّ لي ما أظلته السماءُ وأني على ديني الأول».

ورُوي عن حمزة بن عبد المطلب أنه قال:


حَمِدْتُ اللهَ حِينَ هَدى فُؤادِي إلى الإِسْلامِ والدِّينِ الحَنيفِ
لِدينٍ جَاءَ مِنْ رَبٍّ عَزيزٍ خَبيرٍ بِالعِبادِ بِهمْ لِطيفِ
إذَا تُليَتْ رَسَائلُهُ عَلَيْنَا تَحَدَّرَ دَمعُ ذِي اللُّبِ الحَصيفِ
رَسَائلُ جَاءَ أَحمَدُ مِن هُداهَا بِآياتٍ مُبيناتِ الحُروفِ
وأَحْمدُ مُصطفىً فِينَا مُطاعٌ فَلا تَغشوهُ بِالقولِ العَنيفِ
فَلا وَاللهِ نُسلِمُهُ لِقَومٍ ولـمَّا نَقضِ فِيهِمْ بِالسُّيوفِ
ونَتركُ مِنهمُ قَتلى بِقَاعٍ عَليها الطَّيرُ كالوَردِ العَكوفِ
وَقَدْ خُبِّرتُ مَا صَنَعتْ ثَقيفٌ بِهِ فَجُزي القَبائلُ من ثَقيفِ
إلهَ النَّاسِ شَرَّ جَزاءِ قَومٍ ولا أَسقاهُمُ صَوبَ الخَريفِ

وسر أبو طالب بإسلامه وأنشأ يقول:

صَبراً أَبا يَعلى عَلى دينِ أَحمَد وَكُن مُظهِراً لِلدينِ وُفِّقتَ صابِرا
وَحُط مَن أَتى بِالحَقِّ مِن عِندِ رَبِّهِ بِصِدقٍ وَعَزمٍ لا تَكُن حَمزَ كافِرا
فَقَد سَرَّني إِذ قُلتَ إِنَّكَ مُؤمِنٌ فَكُن لِرَسولِ اللَهِ في اللَهِ ناصِرا
وَنادِ قُرَيشاً بِالَّذي قَد أَتَيتَهُ جهاراً وَقُل ما كانَ أَحمَدُ ساحِر

وبعد إسلام حمزة قويت شوكة المسلمين، وأخذ حمزةُ يُعلن دينه في كل مكان، ويتحدى أبطال قريش، ومنهم عمر بن الخطاب، حيث إن عمر بن الخطاب لما أراد أن يسلم قال لخباب بن الأرت: «فدلني يا خباب على محمد حتى آتيه فأسلم»، فقال له خباب: «هو في بيت عند الصفا، معه فيه نفر من أصحابه»، فأخذ عمر سيفه فتوشحه، ثم عمد إلى الرسولِ محمدٍ وأصحابه، فضرب عليهم الباب، فلما سمعوا صوته قام رجل من أصحاب الرسولِ، فنظر من خلل الباب فرآه متوشحاً السيف، فرجع إلى الرسولِ محمدٍ وهو فَزِع، فقال: «يا رسول الله، هذا عمر بن الخطاب متوشحاً السيف»، فقال حمزة بن عبد المطلب: «فأذن له، فإن كان جاء يريد خيراً بذلناه له، وإن كان جاء يريد شراً قتلناه بسيفه»، فقال الرسولُ محمدٌ: «ائذن له»، فأذن له الرجل، ونهض إليه الرسولُ محمدٌ حتى لقيه في الحجرة، فأخذ حجزته (موضع شد الإزار) أو بمجمع ردائه، ثم جبذه به جبذةً شديدةً، وقال: «ما جاء بك يا ابن الخطاب؟ فوالله ما أرى أن تنتهي حتى ينزل الله بك قارعة»، فقال عمر: «يا رسول الله، جئتك لأومن بالله وبرسوله، وبما جاء من عند الله»، فكبَّر الرسولُ محمدٌ تكبيرةً عَرف أهل البيت من أصحاب الرسولِ أن عمر قد أسلم، فتفرق أصحاب الرسولِ من مكانهم، وقد عزوا في أنفسهم حين أسلم عمر مع إسلام حمزة، وعرفوا أنهما سيمنعان الرسولَ محمداً، وينتصفون بهما من عدوهم. وهذه القصة تدل على شجاعة حمزة، فقد كان عمر مشهوراً بالشدة والبطش، وبعد إسلام عمر خرج المسلمون إلى شوارع مكة جهرةً، وكانوا بصفَّين: أحدهما يتقدمه عمر، والثاني حمزة، فبإسلامهما عز الإسلامُ والمسلمون.

ولما أسلم حمزة بن عبد المطلب، قالت قريش بعضها لبعض: «إن حمزة وعمر قد أسلما، وقد فشا أمرُ محمد في قبائل قريش كلها، فانطلقوا بنا إلى أبي طالب، فليأخذ لنا على ابن أخيه وليعطه منا، والله ما نأمن أن يبتزونا أمرنا»، ويدل ذلك على خوف المشركين من إسلام حمزة وعمر، وقلقهم أن ينتشر الإسلام بين قبائل قريش كلها بإسلامهم.


عطر الزنبق 06-14-2021 08:59 PM

هجرته

سرية حمزة إلى سيف البحر

كان أولُ لواء عقده الرسولُ محمدٌ لحمزة بن عبد المطلب، إذ بعثه في سرية إلى سيف البحر من أرض جهينة، وقيل إن أول لواء عقده لعبيدة بن الحارث بن المطلب، قال ابن إسحاق: «فكانت رايةُ عبيدة بن الحارث -فيما بلغني- أولَ راية عقدها رسول الله صلى الله عليه وسلم في الإسلام لأحد من المسلمين».

بعث الرسولُ محمدٌ حمزةَ بنَ عبد المطلب إلى سيف البحر من ناحية العيص، في ثلاثين راكباً من المهاجرين، ليس فيهم من الأنصار أحد، فلقي أبا جهل بنَ هشام بذلك الساحل في ثلاثمئة راكب من أهل مكة، فحجز بينهم مجدي بن عمرو الجهني، وكان موادعاً للفريقين جميعاً، فانصرف بعضُ القوم عن بعض، ولم يكن بينهم قتال، وكان الذي يحمل لواء حمزة أبا مرثد الغنوي.

وقال بعض الرواة: «كانت رايةُ حمزة أولَ راية عقدها رسول الله صلى الله عليه وسلم لأحد من المسلمين»، وذلك أنَّ بعْثَه وبعْثَ عبيدة كانا معاً، فشُبِّه ذلك على الناس، وقد زعموا أن حمزة قد قال في ذلك شعراً يذكر فيه أن رايتَه أولُ راية عقدها الرسول محمد، وقال ابن هشام: «وأكثر أهل العلم بالشعر يُنكر هذا الشعر لحمزة رضيَ الله عنه». وأما هذا الشعر الذي يُنسب لحمزة فهو هذه الأبيات:

ألا يا لقومي للتحلم والجهلِ وللنقص من رأي الرجال وللعقلِ
وللراكبينا بالمظالم لم نطأ لهم حرمات من سوام ولا أهلِ
كأنا تبلناهم ولا تبل عندنا لهم غير أمر بالعفاف وبالعدلِ
وأمر بإسلام فلا يقبلونه وينزل منهم مثل منزلة الهزلِ
فما برحوا حتى انتدبت لغارة لهم حيث حلوا ابتغى راحة الفضلِ
بأمر رسول الله، أول خافق عليه لواء لم يكن لاح من قبلي
لواء لديه النصر من ذي كرامة إله عزيز فعله أفضل الفعلِ
عشية ساروا حاشدين وكلنا مراجله من غيظ أصحابه تغلي
فلما تراءينا أناخوا فعقلوا مطايا وعقلنا مدى غرض النبلِ
فقلنا لهم: حبل الإله نصيرنا وما لكم إلا الضلالة من حبلِ
فثار أبو جهل هنالك باغياً فخاب وردَّ الله كيد أبي جهلِ
وما نحن إلا في ثلاثين راكباً وهم مائتان بعد واحدة فضلِ
فيا للؤي لا تطيعوا غواتكم وفيئوا إلى الإسلام والمنهج السهلِ
فإني أخاف أن يُصبَّ عليكمُ عذاب فتدعوا بالندامة والثكلِ

فأجابه أبو جهل بأبيات من الشعر قال فيها ابن هشام: «وأكثر أهل العلم بالشعر يُنكر هذا الشعر لأبي جهل»، وأما هذا الشعر الذي يُنسب لأبي جهل فهو هذه الأبيات:

عجبت لأسباب الحفيظة والجهلِ وللشاغبين بالخلاف وبالبطلِ
وللتاركين ما وجدنا جدودنا عليه ذوي الأحساب والسؤدد الجزلِ
أتَونا بإفك كي يُضلوا عقولنا وليس مضلاً إفكهم عقل ذي عقلِ
فقلنا لهم: يا قومنا لا تخالفوا على قومكم إن الخلاف مدى الجهلِ
فإنكم إن تفعلوا تُدع نسوة لهن بواك بالرزية والثكلِ
وإن ترجعوا عما فعلتم فإننا بنو عمكم أهلُ الحفائظ والفضلِ
فقالوا لنا: إنا وجدنا محمداً رضاُ لذوي الأحلام منا وذي العقلِ
فلما أبوا إلا الخلاف وزيَّنوا جماع الأمور بالقبيح من الفعلِ
تيمَّمتُهم بالساحلين بغارة لأتركَهم كالعصف ليس بذي أصلِ
فورَّعني مجدي عنهم وصحبتي وقد وازروني بالسيوف وبالنبلِ
لإلَّ علينا واجب لا نُضِيعه أمين قواه غير منتكث الحبلِ
فلولا ابن عمرو كنتُ غادرتُ منهمُ ملاحمَ للطير العكوف بلا تبلِ
ولكنَّه آلى بإلٍّ فقلصت بأيماننا حد السيوف عن القتلِ
فإن تُبقني الأيامُ أرجعْ عليهمُ ببيض رقاق الحد محدَثة الصقلِ
بأيدي حماة من لؤي بن غالب كرام المساعي في الجدوبة والمحلِ
عميس.

أمة الله بنت حمزة بن عبد المطلب:

ذكرها ابن حجر العسقلاني في قسم من لهم رؤية وقال: «أَمَة الله بنت حمزة بن عبد المطلب، تكنى أم الفَضْل. قيل: هي أمامة الماضية - يعني: أمامة بنت حمزة بن عبدالمطلب - وقيل أختها؛ فإن كانت غيرها فلعلها ماتت صغيرة، فإني لم أَجد لها ذِكْرًا في كتاب النسب، فذكرتها في هذا القسم.». وقال ابن عبد البر في ترجمة سلمى بنت عميس: «كانت تحت حمزة بن عبد المطّلب رضي الله عنه، فولدت له أمة الله بنت حمزة، ثم خلف عليها بعده شداد بن أُسامة بن الهاد الليثي، فولدت له عبد الله وعبد الرّحمن»، وجاء في موقع إسلام ويب: «فقد كان لحمزة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أبناء وبنات عاشوا بعده، وسمي لنا منهم عمارة ويعلى وأمة الله وأمامة.».

كما ذكر ابن قدامة المقدسي في التبيين "أم الفضل بنت حمزة بن عبد المطلب" مع ذكره أمامة وفاطمة، ولم يذكر اسمها فلعل أم الفضل كُنية لإحدى بناته المذكورات سابقاً، قال ابن قدامة: «روى عنها عبد الله بن شداد قال: توفي مولى لنا وترك بنتًا وأختًا، فأتينا رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم، فأعطى البنت النصف، وأعطى الأخت النصف، وروى عنه أنه قال: هلك مولى لبنت حمزة وترك بنتاً ومولاته، فأعطى النبي صلَّى الله عليه وسلَّم ابنته النصف وأعطى الباقي لبنت حمزة، وقال إبراهيم النخعي: ان مولى حمزة مات وترك بنته وبنت حمزة، فأعطى النبي صلَّى الله عليه وسلَّم ابنته النصف، وبنت حمزة ما بقي. والرواية قبل هذا أصح وعليها العمل عند العلم.».

عطر الزنبق 06-14-2021 09:00 PM

جهاده في غزوة بدر

شهد حمزة بن عبد المطلب بدراً، وأبلى فيها بلاءً عظيماً مشهوراً، وكان حمزة بن عبد المطلب هو الذي ابتدأ قتال المشركين في غزوة بدر، فقد خرج رجل من جيش قريش هو الأسود بن عبد الأسد المخزومي القرشي فقال: «أعاهد الله لأشربن من حوضهم، أو لأهدمنه، أو لأموتن دونه»، فلما خرج، خرج إليه حمزة بن عبد المطلب، فلما التقيا ضربه حمزة فأطن قدمه بنصف ساقه وهو دون الحوض، فوقع على ظهره تشخب رجله دماً نحو أصحابه، ثم حبا إلى الحوض حتى اقتحم فيه، يريد أن يبر يمينه، وأتبعه حمزة فضربه حتى قتله في الحوض.

ثم خرج بعده عتبة بن ربيعة، بين أخيه شيبة بن ربيعة وابنه الوليد بن عتبة، حتى إذا فصل من الصف دعا إلى المبارزة، فخرج إليه فتية من الأنصار ثلاثة، وهم: عوف ومعوذ ابنا الحارث -وأمهما عفراء- ورجل آخر يُقال هو عبد الله بن رواحة، فقالوا: «من أنتم؟»، فقالوا: «رهط من الأنصار»، قالوا: «ما لنا بكم من حاجة»، ثم نادى مناديهم: «يا محمد، أخرج إلينا أكفاءَنا عن قومنا»، فقال الرسولُ محمدٌ: «قم يا عبيدة بن الحارث، وقم يا حمزة، وقم يا علي»، فلما قاموا ودنوا منهم، قالوا: «من أنتم؟»، قال عبيدة: «عبيدة»، وقال حمزة: «حمزة»، وقال علي: «علي»، قالوا: «نعم، أكفاء كرام». فبارز عبيدةُ، وكان أسن القوم، عتبةَ بن ربيعة، وبارز حمزة شيبة بن ربيعة، وبارز علي الوليد بن عتبة، فأما حمزة فلم يُمهل شيبة أن قتله، وأما علي فلم يمهل الوليد أن قتله، واختلف عبيدة وعتبة بينهما ضربتين، كلاهما أثبت صاحبه (أي جرحه جراحةً لم يقم معها)، وكرَّ حمزة وعلي بأسيافهما على عتبة فذففا عليه (أي أسرعا قتله)، واحتملا صاحبهما فحازاه إلى أصحابه.

وكان حمزة يُعلَّم في الحرب بريشة نعامة، وقاتل يوم بدر بين يدي الرسول محمد بسيفين، وقد رُوي عن عبد الرحمن بن عوف أنه قال: قال لي أمية بن خلف، وأنا بينه وبين ابنه آخذ بأيديهما (أي وهما أسيران عنده): «يا عبد الإله، من الرجل منكم المعلم بريشة نعامة في صدره؟»، قلت: «ذاك حمزة بن عبد المطلب»، قال: «ذاك الذي فعل بنا الأفاعيل».

وأما الذين رُوي أن حمزة بن عبد المطلب هو من قتلهم في غزوة بدر فهم:

شيبة بن ربيعة العبشمي القرشي، قتله حمزةُ مبارزةً.
عتبة بن ربيعة العبشمي القرشي، اشترك فيه عبيدة بن الحارث بن المطلب وحمزة وعلي.
حنظلة بن أبي سفيان بن حرب الأموي القرشي، قتله علي بن أبي طالب حسب مشهور الروايات، وقيل: قتله زيد بن حارثة، ويقال: اشترك فيه حمزة وعلي وزيد. وذكر البلاذري أن حمزة وعلي قتلاه.
طعيمة بن عدي النوفلي القرشي، قتله علي بن أبي طالب، ويُقال حمزة بن عبد المطلب.
زمعة بن الأسود بن المطلب الأسدي القرشي، اشترك فيه حمزة وعلي بن أبي طالب وثابت بن الجذع.
عقيل بن الأسود بن المطلب الأسدي القرشي، قتله حمزة وعلي، اشتركا فيه.
أبو قيس بن الوليد بن المغيرة المخزومي القرشي.
الأسود بن عبد الأسد بن هلال المخزومي القرشي.
نبيه بن الحجاج بن عامر السهمي القرشي، قتله حمزة بن عبد المطلب وسعد بن أبي وقاص، اشتركا فيه.
عائذ بن السائب بن عويمر المخزومي القرشي، أُسر ثم افتُدي فمات في الطريق من جراحة جرحه إياها حمزة بن عبد المطلب.
وكان مما قيل من الشعر في يوم بدر، وترادَّ به المسلمون بينهم لِما كان فيه، قول حمزة بن عبد المطلب:

ألم تر أمراً كان من عجب الدهرِ وللحين أسبابٌ مبينة الأمرِ
وما ذاك إلا أن قوماً أفادهم فحانوا تواصٍ بالعقوق وبالكفرِ
عشية راحوا نحو بدرٍ بجمعهم فكانوا رهوناً للركية من بدرِ
وكنا طلبنا العيرَ لم نبغِ غيرها فساروا إلينا فالتقينا على قدرِ
فلما التقينا لم تكن مثنويةٌ لنا غيرَ طعن بالمثقفة السمرِ
وضربٍ ببِيضٍ يختلي الهامُ حدَّها مشهرةِ الألوان بيِّنةِ الأثرِ
ونحن تركنا عتبة الغي ثاوياً وشيبة في القتلى تجرجم في الجفرِ
وعمرو ثوى فيمن ثوى من حماتهم فشقت جيوب النائحات على عمرو
جيوبُ نساء من لؤي بن غالب كرام تفرعن الذوائب من فهرِ
أولئك قوم قُتِّلوا في ضلالهم وخلَّوا لواءً غير محتضر النصرِ
لواءَ ضلال قاد إبليسُ أهلَه فخاس بهم، إن الخبيث إلى غدرِ
وقال لهم، إذ عاينَ الأمر واضحاً برئتُ إليكم ما بي اليوم من صبرِ
فإني أرى ما لا ترون وإنني أخاف عقاب الله والله ذو قسرِ
فقدَّمهم للحين حتى تورَّطوا وكان بما لم يخبرِ القومَ ذا خبرِ
فكانوا غداة البئر ألفاً وجمعُنا ثلاث مئين كالمسدمة الزهرِ
وفينا جنود الله حين يمدنا بهم في مقامٍ ثم مستوضح الذكرِ
فشدَّ بهم جبريلُ تحت لوائنا لدى مأزق فيه مناياهم تجري

جهاده في غزوة أحد ووفاته


شهد حمزة بن عبد المطلب غزوة أحد، فقُتل بها يوم السبت في النصف من شوال، وكان قَتَلَ من المشركين قبل أن يُقتل واحداً وثلاثين نفساً، وقاتل حمزةُ حتى قَتَلَ أرطاة بن عبد شرحبيل بن هاشم بن عبد مناف بن عبد الدار، وكان أحد النفر الذين يحملون اللواء. وكذلك قتل عثمان بن أبي طلحة وهو حامل اللواء وهو يقول:

إن على أهل اللواء حقاً أن يخضبوا الصعدة أو تندقا
فحمل عليه حمزة فقتله. ثم مر به سباع بن عبد العزى الغبشاني، وكان يُكنى بأبي نيار، فقال حمزة: «هلم إلي يا ابن مقطعة البظور»، وكانت أمُّه أمُّ أنمارٍ مولاةَ شريق بن عمرو بن وهب الثقفي، وكانت ختانة بمكة، فلما التقيا ضربه حمزة فقتله.

وقد رُوي عن ابن الشياب أنه قال: «كان رسولُ الله صلى الله عليه وسلم آخرَ أصحابه يوم الشعب (يعني يوم أحد)، ليس بينه وبين العدو غير حمزة، يقاتل العدو حتى قُتل، وقد قَتَلَ اللهُ بيد حمزة رضيَ الله عنه من الكفار واحداً وثلاثين رجلاً، وكان يدعى أسد الله».

وكان جبير بن مطعم النوفلي القرشي قد دعا غلاماً له حبشياً يُقال له وحشي، يقذف بحربة له قذف الحبشة، قلَّما يخطئ بها، فقال له: «اخرج مع الناس، فإن أنت قتلت حمزة عمَّ محمد بعمي طعيمة بن عدي، فأنت عتيق». وكان وحشي كلما مر بهند بنت عتبة أو مرت به تقول: «ويهاً أبا دسمة، اشف واشتف»، أي تحرضه على قتل حمزة بن عبد المطلب.

وكان حمزة يقاتل يومئذٍ بسيفين، فقال قائل: «أيّ أسد هو حمزة!»، فبينما هو كذلك إذ عثر عثرة وقع منها على ظهره، فانكشف الدرعُ عن بطنه، فزرقه وحشي الحبشي مولى جبير بن مطعم بحربة فقتله. ومثَّل به المشركون، وبجميع قتلى المسلمين إلا حنظلة بن أبي عامر الراهب الأوسي، فإن أباه كان مع المشركين فتركوه لأجله، وجعلت نساء المشركين (هند بنت عتبة وصواحباتها) يجدعن أُنُفَ المسلمين وآذانَهم ويبقرون بطونَهم، وبقرت هند بطن حمزة فأخرجت كبده، فجعلت تلوكها فلم تسغها فلفظتها، فقال الرسولُ محمدٌ: «لو دخل بطنها لم تمسها النار». وذكر موسى بن عقبة: «أن الذي بقر عن كبد حمزة وحشيٌّ، فحملها إلى هند فلاكتها فلم تستطع أن تسيغها، فالله أعلم».

وكان مقتل حمزة للنصف من شوال من سنة 3هـ، وكان عمره سبعاً وخمسين سنة، على قول من يقول إنه كان أسن من الرسول محمدٍ بسنتين، وقيل: كان عمره تسعاً وخمسين سنة، على قول من يقول إنه كان أسن من الرسولِ محمدٍ بأربع سنين، وقيل: كان عمره أربعاً وخمسين سنة، وهذا يقوله من جعل مقام الرسولِ محمدٍ بمكة بعد الوحي عشر سنين، فيكون للرسول اثنتان وخمسون سنة، ويكون لحمزة أربعٌ وخمسون سنة، فإنهم لا يختلفون في أن حمزة أكبر من الرسول


عطر الزنبق 06-14-2021 09:01 PM


وحشي يروي قصة قتله حمزة


روي عن وحشي بن حرب أنه حدَّث جعفر بن عمرو بن أمية الضمري الكناني وعبيد الله بن عدي بن الخيار النوفلي القرشي بقصة قتله حمزة بن عبد المطلب، فقال:

حمزة بن عبد المطلب ...أما إني سأحدثكما كما حدثت رسول الله صلى الله عليه وسلم حين سألني عن ذلك، كنت غلاماً لجبير بن مطعم، وكان عمه طعيمة بن عدي قد أصيب يوم بدر، فلما سارت قريش إلى أحد، قال لي جبير: «إن قتلت حمزة عم محمد بعمي فأنت عتيق»، فخرجت مع الناس، وكنت رجلاً حبشياً أقذف بالحربة قذف الحبشة، قلَّما أخطئ بها شيئاً، فلما التقى الناس خرجت أنظر حمزة وأتبصره، حتى رأيته في عرض الناس مثل الجمل الأورق، يهدُّ الناس بسيفه هدَّاً، ما يقوم له شيء، فوالله إني لأتهيأ له، أريده وأستتر منه بشجرة أو حجر ليدنو مني إذ تقدمني إليه سباع بن عبد العزى، فلما رآه حمزة قال له: «هلم إلي يا ابن مقطعة البظور»، فضربه ضربة كأن ما أخطأ رأسه، وهززت حربتي، حتى إذا رضيت منها، دفعتها عليه، فوقعت في ثنته، حتى خرجت من بين رجليه، وذهب لينوء نحوي، فغُلب، وتركته وإياها حتى مات، ثم أتيته فأخذت حربتي، ثم رجعت إلى العسكر، فقعدت فيه، ولم يكن لي بغيره حاجة، وإنما قتلته لأعتق.
فلما قدمت مكة أعتقت، ثم أقمت حتى إذا افتتح رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة هربت إلى الطائف، فمكثت بها، فلما خرج وفد الطائف إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ليُسلِموا تعيت علي المذاهب، فقلت: «ألحق بالشأم، أو اليمن، أو ببعض البلاد»، فوالله إني لفي ذلك من همي، إذ قال لي رجل: «ويحك! إنه والله ما يقتل أحداً من الناس دخل في دينه، وتشهَّد شهادتَه»، فلما قال لي ذلك، خرجت حتى قدمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة، فلم يرعه إلا بي قائماً على رأسه أتشهد بشهادة الحق، فلما رآني قال: «أوحشي؟»، قلت: «نعم يا رسول الله»، قال: «اقعد فحدثني كيف قتلت حمزة»، فحدثته كما حدثتكما، فلما فرغت من حديثي قال: «ويحك! غيب عني وجهك، فلا أرينك»، فكنت أتنكب رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث كان لئلا يراني، حتى قبضه الله صلى الله عليه وسلم. فلما خرج المسلمون إلى مسيلمة الكذاب صاحب اليمامة خرجت معهم، وأخذت حربتي التي قتلت بها حمزة، فلما التقى الناس رأيت مسيلمة الكذاب قائما في يده السيف، وما أعرفه، فتهيأت له، وتهيأ له رجل من الأنصار من الناحية الأخرى، كلانا يريده، فهززت حربتي حتى إذا رضيت منها دفعتها عليه، فوقعت فيه، وشد عليه الأنصاري فضربه بالسيف، فربك أعلم أينا قتله، فإن كنت قتلته، فقد قتلت خير الناس بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد قتلت شر الناس.


عطر الزنبق 06-14-2021 09:02 PM

حمزة بن عبد المطلب
وقال ابن هشام: فبلغني أن وحشياً لم يزل يُحَدُّ في الخمر حتى خُلع من الديوان، فكان عمر بن الخطاب يقول: «قد علمت أن الله تعالى لم يكن ليدعَ قاتل حمزة»

حزن الرسول محمد والمسلمين على مقتل حمزة

وخرج الرسولُ محمدٌ يلتمس حمزة بن عبد المطلب، فوجده ببطن الوادي قد بُقر بطنه عن كبده، ومُثِّل به، فجُدع أنفه وأذناه، فقال حين رأى ما رأى: «لولا أن تحزن صفية، ويكون سنة من بعدي لتركته، حتى يكون في بطون السباع، وحواصل الطير، ولئن أظهرني الله على قريش في موطن من المواطن لأمثلن بثلاثين رجلاً منهم»، فلما رأى المسلمون حزنَ الرسولِ محمد وغيظَه على من فُعل بعمه ما فُعل، قالوا: «والله لئن أظفرنا الله بهم يوماً من الدهر لنمثلن بهم مثلة لم يمثلها أحد من العرب».

وعن ابن عباس أنه قال: «أن الله عز وجل أنزل في ذلك، من قول رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقول أصحابه: وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلَّا بِاللَّهِ وَلَا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلَا تَكُ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ ، فعفا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وصبر ونهى عن المثلة»

ولما وقف الرسولُ محمدٌ على حمزة قال: «لن أصاب بمثلك أبداً، ما وقفت موقفاً قط أغيظ إلي من هذا»، ثم قال: «جاءني جبريل فأخبرني أن حمزة بن عبد المطلب مكتوب في أهل السموات السبع: حمزة بن عبد المطلب، أسد الله وأسد رسوله». وقال أبو هريرة: «وقف رسول الله صلى الله عليه وسلم على حمزة وقد مُثِّل به، فلم يرَ منظراً كان أوجع لقلبه منه فقال: «رحمك الله، أي عم، فلقد كنت وصولاً للرحم فعولاً للخيرات»». وقال جابر: «لما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم حمزة قتيلاً بكى، فلما رأى ما مُثِّل به شهق، وقال: «لولا أن تجد صفية لتركته حتى يحشر من بطون الطير والسباع»»، وصفية هي أخت حمزة وهي أم الزبير بن العوام. وروى محمد بن عقيل عن جابر أنه قال: «لما سمع النبي صلى الله عليه وسلم ما فُعل بحمزة شهق، فلما رأى ما فُعل به صعق».

وأقبلت صفية بنت عبد المطلب لتنظر إليه، وكان أخاها لأبيها وأمها، فقال الرسولُ محمدٌ لابنها الزبير بن العوام: «القها فأرجعها، لا ترى ما بأخيها»، فقال لها: «يا أمه، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرك أن ترجعي»، قالت: «ولم؟ وقد بلغني أن قد مُثل بأخي، وذلك في الله، فما أرضانا بما كان من ذلك! لأحتسبن ولأصبرن إن شاء الله»، فلما جاء الزبير إلى الرسولِ محمدٍ فأخبره بذلك، قال: «خل سبيلها»، فأتته فنظرت إليه، فصلت عليه واسترجعت واستغفرت له، ثم أمر به الرسولُ محمدٌ فدفن.

وعن جابر بن عبد الله قال: «كان النبي صلى الله عليه وسلم يجمع بين الرجلين من قتلى أحد في قبر واحد، يقول: «أيهم أكثر أخذاً للقرآن؟»، فإذا أشير إلى أحدهما قدمه في اللحد، وقال: «أنا شهيد على هؤلاء يوم القيامة»، وأمر بدفنهم في دمائهم، فلم يُغسلوا، ودفن حمزة وابن أخته عبد الله بن جحش الأسدي في قبر واحد، وكُفّن حمزةُ في نمرة، فكان إذا تُركت على رأسه بدت رجلاه، وإذا غطى بها رجلاه بدا رأسُه، فجُعلت على رأسه، وجُعل على رجليه شيء من الإذخر». وروى يونس بن بكير عن ابن إسحاق أنه قال: «كان ناس من المسلمين قد احتملوا قتلاهم إلى المدينة ليدفنوهم بها، فنهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك، وقال: «ادفنوهم حيث صرعوا»

الصلاة على حمزة

رُوي عن ابن عباس أنه قال: «أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بحمزة فسُجِّي ببردة ثم صلى عليه، فكبر سبع تكبيرات، ثم أتى بالقتلى يوضعون إلى حمزة، فصلى عليهم وعليه معهم حتى صلى عليه ثنتين وسبعين صلاة»، ورُوي عن أنس بن مالك أنه قال: «كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا كبَّر على جنازة كبَّر عليها أربعاً، وأنه كبَّر على حمزة سبعين تكبيرة»، وقال أبو أحمد العسكري: «وكان حمزة أولَ شهيد صلَّى عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم».

وفي رواية عن أبي سفيان أنه قال: «قد كانت في القوم مثلةٌ، وإن كانت لَعَنْ غَيرِ مَلَأٍ مِنَّا، مَا أَمَرتُ وَلَا نَهَيتُ وَلَا أَحبَبتُ وَلَا كَرِهتُ، ولا ساءني ولا سرني. قال: فنظروا فإذا حمزة قد بُقِرَ بطنُه، وأخذت هند كبداً فلاكتها فلم تستطع أن تأكلها، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أأكلت شيئاً؟»، قالوا: «لا»، قال: «ما كان الله ليدخل شيئاً من حمزة في النار»، قال: فوضع رسول الله صلى الله عليه وسلم حمزة فصلى عليه، وجيء برجل من الأنصار فوُضع إلى جنبه فصلى عليه، فرُفع الأنصاري وتُرك حمزة، وجيء بآخر فوضعه إلى جنب حمزة فصلى عليه، ثم رُفع وتُرك حمزةُ، حتى صلى عليه يومئذ سبعين صلاة»

العودة إلى المدينة ورثاء حمزة

ثم عاد الرسولُ محمدٌ راجعاً إلى المدينة المنورة، فلقيته حمنة بنت جحش الأسدية، فلما لقيت الناس نُعي إليها أخوها عبد الله بن جحش الأسدي، فاسترجعت واستغفرت له، ثم نُعي لها خالها حمزة بن عبد المطلب، فاسترجعت واستغفرت له، ثم نعي لها زوجها مصعب بن عمير العبدري القرشي، فصاحت وولولت، فقال الرسولُ محمدٌ: «إن زوج المرأة منها لبمكان»، لِما رأى من تثبتها عند أخيها وخالها، وصياحها على زوجها.

ومر الرسولُ محمدٌ بدار من دور الأنصار من بني عبد الأشهل وبني ظفر من الأوس، فسمع البكاء والنوائح على قتلاهم، فذرفت عيناه فبكى، ثم قال: «لكن حمزة لا بواكي له»، فلما رجع سعد بن معاذ وأسيد بن حضير إلى دار بني عبد الأشهل أمرا نساءهم أن يتحزمن، ثم يذهبن فيبكين على عم الرسولِ محمدٍ، فلما سمع الرسولُ محمدٌ بكاءهن على حمزة خرج عليهن وهن على باب مسجده يبكين عليه، فقال: «ارجعن يرحمكن الله، فقد آسيتن بأنفسكن»، قال ابن هشام: «ونُهي يومئذ عن النوح». وروي عن أبي عبيدة أن الرسولَ محمداً لما سمع بكاءهن قال: «رحم الله الأنصار، فإن المواساة منهم ما عتمت لقديمة، مروهن فلينصرفن».

وَقَالَتْ صَفِيّةُ بِنْتُ عَبْدِ الْمُطّلِبِ، تَبْكِي أَخَاهَا حَمْزَةَ بْنَ عَبْدِ الْمُطّلِبِ:

أَسَائِلَةً أَصْحَابَ أُحْدٍ مَخَافَةً بَنَاتُ أَبِي مِنْ أَعْجَمٍ وَخَبِيرِ
فَقَالَ الْخَبِيرُ إنّ حَمْزَةَ قَدْ ثَوَى وَزِيرُ رَسُولِ اللّهِ خَيْرُ وَزِيرِ
دَعَاهُ إلَهُ الْحَقّ ذُو الْعَرْشِ دَعْوَةً إلَى جَنّةٍ يَحْيَا بِهَا وَسُرُورِ
فَذَلِكَ مَا كُنّا نُرَجّي وَنَرْتَجِي لِحَمْزَةِ يَوْمَ الْحَشْرِ خَيْرِ مَصِيرِ
فَوَاَللّهِ لَا أَنْسَاك مَا هَبّتْ الصّبَا بُكَاءً وَحُزْنًا مَحْضَرِي وَمَسِيرِي
عَلَى أَسَدِ اللّهِ الّذِي كَانَ مِدْرَهَا يَذُودُ عَنْ الْإِسْلَامِ كُلّ كَفُورِ
فَيَا لَيْتَ شِلْوِي عِنْدَ ذَاكَ وَأَعْظُمِي لَدَى أَضْبُعٍ تَعْتَادُنِي وَنُسُورِ
أَقُولُ وَقَدْ أَعْلَى النّعِيّ عَشِيرَتِي جَزَى اللّهُ خَيْرًا مِنْ أَخٍ وَنَصِرْ

وقال كعب بن مالك السلمي الخزرجي برثاء حمزة هذه الأبيات (وقيل هي لعبد الله بن رواحة الحارثي الخزرجي):

بـكـت عيني وحُـقَّ لها بكـاها وما يُغني البكاءُ ولا العويلُ
عـلـى أسد الإله غـداة قالوا لحمزة: ذاكم الرجـل القتيلُ
أصـيـب المسلمون به جـميـعاً هـنـاك وقد أصيب به الرسولُ
أبا يـعـلى لك الأركـان هـدَّت وأنـت الماجد البر الوصـولُ
علـيـك سـلامُ ربك فـي جـنـانٍ يـخـالـطـهـا نعـيمٌ لا يزولُ
ألا يـا هاشـمَ الأخـيار صبـراً فـكـل فـعـالـكم حسنٌ جمـيلُ
رسـول اللـه مصـطـبرٌ كـريـمٌ بـأمـر اللـه ينطق إذ يقولُ
ألا مـن مُـبـلِـغ عـنـي لـؤياً فـبـعـدَ اليوم دائـلةٌ تدولُ
وقبل اليوم ما عرفوا وذاقوا وقـائعنا بها يُشـفى الغليلُ
نـسـيـتـم ضربنا بقلـيب بدر غداة أتـاكم الموت العجـيلُ
غـداةَ ثـوى أبو جهل صـريـعاً عليه الطـير حائـمة تـجـولُ
وعـتـبـة وابنه خرا جـميـعاً وشـيـبـة غضَّه السيف الصقيلُ
ألا يا هـنـدُ لا تُبـدي شمـاتاً بـحـمـزة إن عـزكـم ذلـيـلُ
ألا يا هـنـدُ فابكـي لا تملِّـي فأنت الوالهُ العبرى الثكولُ

وقال حسان بن ثابت النجاري الخزرجي يبكي حمزة بن عبد المطلب:

أتعرف الدارَ عفا رسمُها بعدَك صوب المسبل الهاطلِ
بين السراديح فأدمانة فمدفع الروحاء في حائلِ
ساءلتُها عن ذاك فاستعجمت لم تَدرِ ما مرجوعة السائلِ؟
دع عنك داراً قد عفا رسمها وابكِ على حمزة ذي النائلِ
المالئِ الشيزى إذا أعصفت غبراء في ذي الشبم الماحلِ
والتارك القرن لدى لبدة يعثر في ذي الخرص الذابلِ
واللابس الخيل إذ أجحمت كالليث في غابته الباسلِ
أبيض في الذروة من هاشم لم يمر دون الحق بالباطلِ
مال شهيداً بين أسيافكم شلت يداً وحشي من قاتلِ
أي امرئ غادر في ألة مطرورة مارنة العاملِ
أظلمت الأرض لفقدانه وأسودَّ نور القمر الناصلِ
صلى عليه الله في جنة عالية مكرمة الداخلِ
كنا نرى حمزة حرزاً لنا في كل أمر نابنا نازلِ
وكان في الإسلام ذا تدرأ يكفيك فقد القاعد الخاذلِ
لا تفرحي يا هندُ واستحلبي دمعاً وأذري عبرة الثاكلِ
وابكي على عتبة إذ قطه بالسيف تحت الرهج الجائلِ
إذا خرَّ في مشيخة منكم من كل عاتٍ قلته جاهلِ
أرداهم حمزة في أسرةٍ يمشون تحت الحلق الفاضلِ
غداة جبريل وزير له نعم وزير الفارس الحاملِ


وقد رُوي عن سعد بن إبراهيم عن أبيه أن عبد الرحمن بن عوف أُتي بطعام، وكان صائماً فقال: «قُتل مصعب بن عمير، وهو خير مني، فكُفن في بردته، إن غطي رأسه بدت رجلاه، وإن غطي رجلاه بدا رأسه»، وأراه قال: «وقُتل حمزة وهو خير مني، ثم بُسط لنا من الدنيا ما بُسط»، أو قال: «أُعطينا من الدنيا ما أُعطينا، وقد خشينا أن تكون حسناتُنا عجلت لنا»، ثم جعل يبكي حتى ترك الطعام.

قبر حمزة

دفن حمزة وعبد الله بن جحش في قبرًا واحد، وتروي كتب الشيعة أن النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم قال: «من زارني ولم يزر عمي حمزة فقد جفاني».

وروى ابن شبة النميري وابن سعد أن فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كانت تأتي وتزور قبر حمزةَ فتَرُمّه وتُصلِحُهُ وقد تعلمته بحجر. وذكر الشيخ الطبرسي أن فاطمة الزهراء كانت تستعمل تربة حمزة كمسابيح، فاستعملها الناس، فلما قتل الحسين عدل بالامر إليه فاستعملوا تربته لما فيها من الفضل والمزية. وروى البيهقي في السنن الكبرى أن فاطمة بنت النبي صلى الله عليه وآله وسلم كانت تزور قبر عمها حمزة كل جمعة فتصلي وتبكي عنده، وروى الحاكم النيسابوري أن فاطمة بنت النبي صلى الله عليه وآله وسلم كانت تزور قبر عمها حمزة بن عبد المطلب في الأيام فتصلى وتبكي عنده.

وروى الخزاز القمي وعباس القمي عن محمود بن لبيد قال: لما قبض رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كانت فاطمة عليها السلام تأتي قبور الشهداء وتأتي قبر حمزة وتبكي هناك، فلما كان في بعض الأيام أتيت قبر حمزة فوجدتها تبكي هناك، فأمهلتها حتى سكنت، فأتيتها وسلمت عليها وقلت: «يا سيدة النسوان قد والله قطعت أنياط قلبي من بكائك»، فقالت: «يا أبا عمر، ويحق لي البكاء فلقد أصبته بخير الآباء رسول الله صلى الله عليه وآله واشوقاه إلى رسول الله»، ثم أنشأت تقول:

إذا ماتَ يَوْماً مَيِّتٌ قَلَّ ذِكرُهُ وَذِكْرُ أبي مُذْ ماتَ وَاللهِ اَكْثَرُ
وكان على قبر حمزة مسجدًا، وفي سنة 1344 هـ قامت الوهابية بهدم قبر حمزة بالكامل، ومن ثم قامو ببناء مسجدًا بجانب القبر عرف بـمسجد حمزة ومسجد سيد الشهداء

زوجاته وذريته

زوجاته

تزوج حمزة بن عبد المطلب عدة زوجات هنَّ:

بنت الملة بن مالك بن عبادة بن حجر بن عوف الأوسية الأنصارية،

وهي التي أنجبت لحمزة: يعلى، وعامر، وبكر، وقيل أيضًا إنها أنجبت له فاطمة.
خولة بنت قيس بن قهد بن قيس بن ثعلبة بن غنم بن مالك النجارية الخزرجية الأنصارية، تكنى أم محمد، وقيل أم حبيبة. وقد قيل إن امرأة حمزة خولة بنت ثامر، وقيل إن ثامراً لقبٌ لقيس بن قهد، قال علي بن المديني: «خولة بنت قيس هي خولة بنت ثامر». وقد قُتل عنها حمزة يوم أحد، فخلف عليها النعمان بن العجلان الزرقي الخزرجي الأنصاري. وهي التي أنجبت لحمزة: عمارة. وذكر ابن سعد في الطبقات أنها ولدت له يعلى وعمارة وابنتين له لم تدركا.

سلمى بنت عميس الشهرانية الخثعمية،

أخت أسماء بنت عميس زوج جعفر بن أبي طالب، وهي إحدى الأخوات اللاتي قال فيهن الرسولُ محمدٌ: «الأخوات مؤمنات». وكانت سلمى زوجَ حمزة بن عبد المطلب، ثم خلف عليها بعده شداد بن أسامة بن الهاد الليثي الكناني، فولدت له عبد الله، وعبد الرحمن. وهي التي أنجبت لحمزة: أمامة..

عطر الزنبق 06-14-2021 09:06 PM


أبنائه
يعلى بن حمزة بن عبد المطلب، ابنُ عم الرسولِ محمدٍ. قال الزبير: «لم يعقب أحدٌ من بني حمزة بن عبد المطلب إلا يعلى وحده، فإنه ولد له خمسة رجال لصلبه، وماتوا ولم يعقبوا، فلم يبقَ لحمزة عقب».

عامر أو عمرو بن حمزة بن عبد المطلب،
ودرج وهو صغير. وجاء في كتاب الدرة اللطيفة في الأنساب الشريفة عند ذكر أبناء حمزة بن عبد المطلب: «عامر أو عمرو درج».

بكر بن حمزة بن عبد المطلب،
درج وهو صغير.

عمارة بن حمزة بن عبد المطلب،

ابنُ عم الرسولِ محمدٍ، وبه كان حمزة يُكنَّى. وقد توفي الرسولُ محمدٌ ولعمارة ويعلى ابني حمزة أعوام.

فاطمة بنت حمزة بن عبد المطلب:

وتُكنى أم الفضل، جاء في بعض المصادر أن أمها بنت الملة ولها صحبة، ولا عقب لها، وروى علي بن أبي طالب قال: أهدي إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حلة إستبرق، فقال: «اجْعَلْهَا خُمرًا بَيْنَ الْفَوَاطِمِ»، فشققتها أربعة أخمرة: خمارًا لفاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وخمارًا لفاطمة بنت أسد، وخمارًا لفاطمة بنت حمزة، ولم يذكر الرابعة، قال ابن حجر العسقلاني: ولعلها امرأة عقيل.

أمامة بنت حمزة بن عبد المطلب،

اختُلف في اسمها، فسماها اْبْنُ الكَلْبِيِّ أُمامة، وسماها الواقدي عمارة، وحكى ابْنُ السَّكَنِ أنه قيل: إن اسمها فاطمة، وقال البلاذري: «وبعضهم زعم أن اسمها أمة الله وبعضهم يقول أم أبيها وقال بعضهم عمارة والثبت أمامة...». وقد زوّجها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من سلمة بن أبي سلمة، فكان النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم يقول: «هل جزيت سلمة؟»، لأن سلمة هو الذي زوج أمه أم سلمة من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وأم أمامة: سلمى بنت
عميس الشهرانية الخثعمية.

عطر الزنبق 06-14-2021 09:10 PM

الشخصية الاسلامية التايعة عشرة


عبد الله بن عباس بن عبد المطلب الهاشمي، (3 ق هـ / 618م - 68 هـ / 687م) هو صحابي محدث وفقيه وحافظ ومُفسِّر، وابن عم النبي محمد، وأحد المكثرين لرواية الحديث، حيث روى 1660 حديثًا عن النبي محمد.

ولد في مكة في شعب أبي طالب قبل الهجرة النبوية بثلاث سنوات، وهاجر مع أبيه العباس بن عبد المطلب قبيل فتح مكة فلقوا النبي محمدًا بالجحفة؛ وهو ذاهب لفتح مكة، فرجعا وشهدا معه فتح مكة، ثم شهد غزوة حنين وغزوة الطائف، ولازم النبي وروى عنه، ودعا له النبي قائلًا: «اللهم فقهه في الدين وعلمه التأويل»، وقال أيضًا: « اللهم علمه الكتاب، اللهم علمه الحكمة»، توفي النبي وعمره ثلاث عشرة سنة، فكان يفسّر القرآن بعد موت النبي، حتى لُقِّب بـ حّبر الأمة وترجمان القرآن، والحبر والبحر.

كان ابن عباس مستشارًا لعمر بن الخطاب في خلافته على صغر سنة، وكان يُلقبه بـ فتى الكهول، شهد ابن عباس فتح إفريقية سنة 27 هـ مع ابن أبي السرح، وغزا طبرستان مع سعيد بن العاص في سنة 30 هـ، وتولى إمامة الحج سنة 35 هـ بأمر عثمان، وشهد مع علي بن أبي طالب موقعة الجمل ووقعة صفين، وكان أميرًا على الميسرة، ثم شهد مع علي قتال الخوارج في النهروان، وأرسله علي إلى ستة آلاف من الحرورية فحاورهم ابن عباس، فرجع منهم ألفان. وولاه علي على البصرة، من سنة 36 هـ حتى سنة 39 هـ، ثم خلفه عليها أبو الأسود الدؤلي.

ولما أخذت البيعة ليزيد في حياة معاوية امتنع ابن عباس عن مبايعته، وبعد وفاة معاوية كان ابن عباس يرى عدم خروج الحسين إلى الكوفة، ونصحه بعدم الخروج عدة مرات، وبعد وفاة الحسين ثم يزيد اعتزل ابن عباس الناس مع محمد بن الحنفية، ولم يبايع عبد الله بن الزبير ولا مروان بن الحكم، وكفَّ بصره في آخر عمره، فسكن الطائف، وتوفي بها سنة 68 هـ وعمره إحدى وسبعون سنة، وصلى عليه محمد بن الحنفية.

طلب ابن عباس العلم والحديث من الصحابة، وقرأ القرآن على زيد بن ثابت وأبي بن كعب، وكان يسأل عن الأمر الواحد ثلاثين من الصحابة، كان لابن عباس مجلس كبير في المدينة يأتيه الناس لطلب العلم، وكان يُقسِّم مجلسه أيامًا ودروسًا، فيجعل يومًا للفقه، ويومًا لتفسير القرآن، ويومًا للمغازي، ويومًا للشعر، ويومًا لأيام العرب. وقد روى حوالي 1660 حَدِيثًا، ولهُ في الصحيحين 75 حَدِيثًا متفقا عليها، وتفرد البخاري له بِـ 110 أَحَادِيثَ، وتفرَّد مسلم بن الحجاج بـ 49 حَدِيثًا.



عطر الزنبق 06-14-2021 09:10 PM

نسبه

هو: عبد الله بن العباس بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصي بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب، بن فهر بن مالك بن النضر وهو قريش بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان. أبوه العباس هو عم النبي محمد، لذلك فإنه يلتقي في نسبه مع النبي محمد في عبد المطلب بن هاشم.

أمه:

أم الفضل بنت الحارث المعروفة باسم لُبَابَة الكُبْرى الهلالية بن حَزْن بن البُجير بن الهُزَم بن رُؤَيْبَة بن عبد الله بن هلال بن عامر بن صعصعة بن معاوية بن بكر بن هوازن بن منصور بن عِكْرِمَة بن خَصفة بن قَيْس بن عَيْلان بن مُضَر، وهي أخت ميمونة بنت الحارث زوجة الرسول محمد.

كنيته:

أبو العباس.

إخوته:

للعباس عشرة أبناء حسب المشهور وهم

الفضل، وعبيد الله، وعبد الرحمن، وقثم، وعون، والحارث أو الحرث، وكثير، وتمام، ومعبد ، وهناك مصادر أخرى ذكرت له أخوة آخرين. وأصغرهم تمام وعبد الله هو الأكبر من تمّام مباشرةً. فكان العبَّاس يقول:
تمَّوا بتمَّامٍ فصاروا عشرة يا رب فاجعلهم كرامًا بررة

أخواته :

ذكر بعض المصادر لعبد الله ثلاثة أخوات فقط هن: أم حبيب أو أم حبيبة، وصفية، وأميمة أو آمنة أو أمينة، وزاد بعضهم: أم كلثوم ، وهُناك خوات أخريات ذكرن في مصادر أخرى.



عطر الزنبق 06-14-2021 09:11 PM

مولده

اختلفت الروايات في سنة مولد عبد الله بن عباس على عدة أقوال:

القول الأشهر أنه وُلِدَ في عام الهجرة إلى المدينة أي سنة 622م، وهو ما يؤيده ما يرويه سعيد بن جبير عن ابن عباس أنه قال: "مات رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا ابن عشر سنين وأنا مختون، وقد قرأت المُحكَم من القرآن "، وكانوا لا يختنون الرجل إلا عندما يبلغ الحلم.
القول الثاني أنه وُلِدَ قبل الهجرة بثلاث سنوات، زمن حصار المسلمين في شعب أبي طالب، أي سنة 619م، وتؤيده عدة روايات، فعن شعبة بن الحجاج عن ابن عباس أنه قال: "ولدت قبل الهجرة بثلاث سنين، ونحن في الشعب، وتوفي النبي صلى الله عليه وسلم وأنا ابن ثلاث عشرة". وعن مجاهد بن جبر عن ابن عباس أنه قال: "لَمَّا كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَأَهْلُ بَيْتِهِ فِي الشِّعْبِ أَتَى أَبِي النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ، مَا أَرَى أُمَّ الْفَضْلِ إِلَّا قَدِ اشْتَمَلَتْ عَلَى حَمْلٍ قَالَ: «لَعَلَّ اللهَ أَنْ يُقِرَّ أَعْيُنَنَا مِنْهَا بِغُلَامٍ»، فَأَتَى بِي النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم وَأَنَا فِي خِرْقَتِي فَحَنَّكَنِي قَالَ مجاهد: لَا نَعْلَمُ أَحَدًا حُنِّكَ بِرِيقِ النُّبُوَّةِ غَيْرَهُ". وقال الواقدي: لا خلاف أنه ولد في الشعب، وبنو هاشم محصورون، فولد قبل خروجهم منه بيسير، وذلك قبل الهجرة بثلاث سنين.
بينما قال ابن منده: ولد قبل الهجرة بسنتين.

إسلامه

لا يُعرف زمن إسلامه على وجه التحديد، لكنه أسلم هو وأمه أم الفضل بنت الحارث قبل فتح مكة بزمن غير يسير، لكنهما لم يهاجرا إلى المدينة المنورة، وكان يتلو إِلاَّ الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاء وَالْوِلْدَانِ لاَ يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلاَ يَهْتَدُونَ سَبِيلاً ويقول: "كنت أنا وأمي ممن عذر الله". ولم تتح لهما الهجرة إلا عندما أشهر والده العباس إسلامه، وأراد الهجرة قبيل فتح مكة، فخرجا معه، فلقوا النبي محمد بالجحفة؛ وهو ذاهب لفتح مكة، فرجعا وشهدا معه فتح مكة في صبيحة يوم الجمعة 20 رمضان 8 هـ، وبايعه النبي وبايع ابن عباس وهو صغير لم يبلغ الحُلم بعد، يقول محمد بن علي بن الحسين: "أن النبي صلى الله عليه وسلم بايع الحسن والحسين، وعبد الله بن عباس، وعبد الله بن جعفر وهم صغار، ولم يبقلوا، ولم يبلغوا، ولم يبايع صغيرًا إلا منّا"، أي من أهل البيت.



عطر الزنبق 06-14-2021 09:12 PM

صحبته للنبي محمد

بعدما هاجر ابن عباس، لزم النبي محمد، وأخذ عنه، وكانت صحبته للنبي حوالي ثلاثين شهرًا. وكان لقرابته للنبي أثر في ذلك، فكانت خالته ميمونة بنت الحارث زوجة النبي، وكان ابن عباس يدخل بيت النبي، ويبيت في حجرة خالته أيامًا، ويقوم بخدمة النبي. وكان يصف للصحابة كل ما يراه من أفعال النبي وأقواله، وذات مرة كان النبي في بيتِ ميمونةَ فوضَعْ ابن عباس له وَضوءًا مِنَ الليلِ فقالتْ له ميمونةُ: "وضَع لك هذا عبدُ اللهِ بنُ عباسٍ" فقال النبي: "اللهم فقِّهْهُ في الدينِ وعلِّمْهُ التأويلَ". وضمّه النبي إلى صدره وقال: "اللَّهُمَّ عَلِّمْهُ الْكِتَابَ".

ويذكر ابن عباس أنه رأى جبريل مرتين في بيت النبي، فيقول: "رأيت جبريل مرتين، ودعا لي بالحكمة مرتين". ويروي ابن عباس قصة رؤيته لجبريل فيقول:

عبد الله بن عباس كنت مع أبي عند النبي صلى الله عليه وسلم وعنده رجل يناجيه، فقال العباس: ألم تر إلى ابن عمك كالمعرض عني؟ فقلت: إنه كان عنده رجل يناجيه. قال: أوكان عنده أحد؟ قلت: نعم. فرجع إليه، فقال: يا رسول الله هل كان عندك أحد; فإن عبد الله أخبرني أنه كان عندك رجل تناجيه؟ قال: هل رأيته يا عبد الله؟ قلت: نعم. قال: ذاك جبريل عليه السلام. عبد الله بن عباس

وكان ابن عباس ملازمًا للنبي محمد في مرضه واحتضاره ووفاته، ووصف الأيام الأخيرة للنبي، وخروج النبي من مرضه إلى الصلاة وخطبته، وصفة وفاة النبي وكيفية غسله والصلاة عليه، وما دار بعد وفاة النبي بين الصحابة. وقد تُوفي النبي وعمر ابن عباس ثلاث عشرة سنة، وقيل عشرة، وقيل خمس عشرة -لاختلاف المصادر في سنة مولده-، لكن أجمعت المصادر على أنه كان قد خُتِنَ وبَلغ الحُلم.



عطر الزنبق 06-14-2021 09:13 PM



في عهد عمر

كان ابن عباس مُقدَّمًا عند عمر بن الخطاب في زمن خلافته، كان عمر بن الخطاب يحرص على مشورته في كل أمر، ويأذن له بالدخول عليه مع أهل بدر، حتى أن بعضهم تعجب من صنيع عمر، فعن سعيد بن جبير قال: «كان ناس من المهاجرين قد وجدوا على عمر في إدنائه ابن عباس دونهم، وكان يسأله، فقال عمر: أما إني سأريكم اليوم منه ما تعرفون فضله، فسألهم عن هذه السورة:إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ فقال بعضهم: أمر الله نبيه إذا رأى الناس يدخلون في دين الله أفواجًا أن يحمده ويستغفره، فقال عمر: يا ابن عباس تكلم، فقال: أعلمه متى يموت؛ أي فهي آيتك من الموت، فسبح بحمد ربك واستغفره.» كان ابن عباس يقوم على منبر النبي محمد، فيقرأ البقرة وآل عمران فيفسرهما آية آية، وكان عمر إذا ذكره قال: "ذلك فتى الكهول، له لسان سؤول، وقلب عقول". وفي رواية: "ذاكم كهل الفتيان".

ولما رأى العباس قرب ابنه من الخليفة عمر أوصاه وصية قال فيها: «إن عمر يدنيك ويجلسك مع أكابر الصحابة فاحفظ عني ثلاثًا: لا تفشين له سرًا، ولا تغتابن عنده أحدًا، ولا يجربن عليك كذبًا.»، قال الشعبي لابن عباس: "كل واحدة خير من ألف". فقال ابن عباس: "بل كل واحدة خير من عشرة آلاف". ولم يزل ابن عباس ملازمًا لعمر حتى مقتله، فبعدما طُعِن دخل عليه وأخذ يواسيه، ويقول له: «يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ وَلَئِنْ كَانَ ذَاكَ لَقَدْ صَحِبْتَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَأَحْسَنْتَ صُحْبَتَهُ ثُمَّ فَارَقْتَهُ وَهُوَ عَنْكَ رَاضٍ، ثُمَّ صَحِبْتَ أَبَا بَكْرٍ فَأَحْسَنْتَ صُحْبَتَهُ ثُمَّ فَارَقْتَهُ وَهُوَ عَنْكَ رَاضٍ، ثُمَّ صَحِبْتَ صَحَبَتَهُمْ فَأَحْسَنْتَ صُحْبَتَهُمْ وَلَئِنْ فَارَقْتَهُمْ لَتُفَارِقَنَّهُمْ وَهُمْ عَنْكَ رَاضُونَ.»، فقال عمر: «أَمَّا مَا ذَكَرْتَ مِنْ صُحْبَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرِضَاهُ فَإِنَّمَا ذَاكَ مَنٌّ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى مَنَّ بِهِ عَلَيَّ وَأَمَّا مَا ذَكَرْتَ مِنْ صُحْبَةِ أَبِي بَكْرٍ وَرِضَاهُ فَإِنَّمَا ذَاكَ مَنٌّ مِنْ اللَّهِ جَلَّ ذِكْرُهُ مَنَّ بِهِ عَلَيَّ وَأَمَّا مَا تَرَى مِنْ جَزَعِي فَهُوَ مِنْ أَجْلِكَ وَأَجْلِ أَصْحَابِكَ وَاللَّهِ لَوْ أَنَّ لِي طِلَاعَ الْأَرْضِ ذَهَبًا لَافْتَدَيْتُ بِهِ مِنْ عَذَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ قَبْلَ أَنْ أَرَاهُ.».


عطر الزنبق 06-14-2021 09:14 PM



في عهد عثمان

بعد وفاة عمر شهد ابن عباس فتح إفريقية سنة 27 هـ مع عبد الله بن سعد بن أبي السرح، حيث نادى المُنادي بالجهاد في إفريقية، ولبَّى ابن عباس النداء، وقام عُثمان فيهم خطيبًا وحثَّهم على الجهاد، ووزَّع عليهم السلاح، كما أمدَّهم بِألف بعير يُحمل عليها ضُعفاءُ الناس أي فُقراؤهم، فخرج المُسلمون في جيشٍ عظيمٍ، يقوده الحارث بن الحكم بن أبي العاص، إلى أن يقدموا على ابن أبي السرح بمصر فكانت القيادة له. وفي سنة 30 هـ غزا ابن عباس طبرستان تحت قيادة سعيد بن العاص، فلمّا وصلوا إليها فتحوها، وذكر المدائني: «أن سعيد بن العاص ركب في جيش فيه الحسن والحسين، والعبادلة الأربعة، وحذيفة بن اليمان، في خلق من الصحابة، فسار بهم فمر على بلدان شتى يصالحونه على أموال جزيلة، حتى انتهى إلى بلد معاملة جرجان، فقاتلوه حتى احتاجوا إلى صلاة الخوف».

كما تولى ابن عباس إمامة الحج سنة 35 هـ بأمر عثمان بن عفان له وهو محصور، وقد حجّ بالناس وفيهم عائشة بنت أبي بكر وأم سلمة، وكانت عائشة تقول: "هو أعلم الناس بالمناسك."، وخطب بالناس في عرفات وفسّر فيها سورة البقرة، وقيل سورة النور، قيل: "فسّر ذلك تفسيرًا لو سمعته الروم والترك والديلم لأسلموا."، وفي هذه الحجة قُتِلَ عثمان

في عهد علي

شهد ابن عباس مع علي الجمل وصفين، وكان أميرًا على الميسرة، وكان ممن أشار على علي أن يستنيب معاوية على الشام، وأن لا يعزله عنها في بادئ الأمر، حتى قال له: "إن أحببت عزله فولَّه شهرًا واعزله دهرًا"، فأبى علي إلا أن يقاتله. ولما تراض الفريقان على تحكيم الحكمين طلب ابن عباس أن يكون من جهة علي ليكافئ عمرو بن العاص، فامتنعت مذحج وأهل اليمن إلا أن يكون من جهة علي أبو موسى الأشعري، ثم شهد مع علي قتال الخوارج في النهروان. وقد كان ابن عباس ينتقد على علي في بعض أحكامه فيرجع إليه علي في ذلك، روى البخاري في صحيحه: "أن عليًا حرق ناسًا ارتدوا عن الإسلام. فبلغ ذلك ابن عباس فقال: لَوْ كُنْتُ أَنَا لَمْ أُحَرِّقْهُمْ لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لاَ تُعَذِّبُوا بِعَذَابِ اللَّهِ» وَلَقَتَلْتُهُمْ كَمَا قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ بَدَّلَ دِينَهُ فَاقْتُلُوهُ»". وقد أرسله علي إلى ستة آلاف من الحرورية فحاورهم ابن عباس، فرجع منهم ألفان، وخرج سائرهم، فقاتلهم المهاجرون والأنصار، ومن حواره معهم:


عطر الزنبق 06-14-2021 09:15 PM

عبد الله بن عباس

سألهم ابن عباس: ماذا تنقمون من علي؟ قالوا: ننقم منه ثلاثًا.
أولاهن: أنه حكم الرجال في دين الله، والله يقول: ï´؟إِنِ الحكم إِلاَّ للَّهِï´¾،
والثانية: أنه قَاتَل، ثم لم يأخذ من مقاتليه سبيًا ولا غنائم، فلئن كانوا كفارًا، فقد حلت له أموالهم، وإن كانوا مؤمنين، فقد حرمت عليه دماؤهم.
والثالثة: رضى عند التحكيم أن يخلع عن نفسه صفة أمير المؤمنين، استجابة لأعدائه، فإن لم يكن أمير المؤمنين، فهو أمير الكافرين.

فقال ابن عباس:

أما قولكم: إنه حكم الرجال في دين الله، فأي بأس؟ إن الله يقول: ï´؟يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَقْتُلُواْ الصَّيْدَ وَأَنتُمْ حُرُمٌ وَمَن قَتَلَهُ مِنكُم مُّتَعَمِّدًا فَجَزَاء مِّثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِّنكُمْï´¾، وكان من حكم الله أنه صيره إلى الرجال يحكمون فيه، ولو شاء لحكم فيه، فجاز من حكم الرجال، أنشدكم بالله أحكم الرجال في صلاح ذات البين، وحقن دمائهم أفضل أو في أرنب؟ وفي المرأة وزوجها: ï´؟وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُواْ حَكَمًا مِّنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِّنْ أَهْلِهَاï´¾ فنشدتكم بالله حكم الرجال في صلاح ذات بينهم، وحقن دمائهم أفضل من حكمهم في بضع امرأة؟.
وأما قولكم: قاتل ولم يَسْبِ، ولم يغنم. أفتسبون أمكم عائشة، تستحلون منها ما تستحلون من غيرها وهي أمكم؟ فإن قلتم: إنا نستحل منها ما نستحل من غيرها فقد كفرتم، وإن قلتم: ليست بأمنا فقد كفرتم: ï´؟النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْï´¾ فأنتم بين ضلالتين، فأتوا منها بمخرج.
وأما محي نفسه من أمير المؤمنين، فأنا آتيكم بما ترضون. إن نبي الله صلى الله عليه وسلم يوم الحديبية صالح المشركين فقال لعلي: اكتب يا علي: هذا ما صالح عليه محمد رسول الله. قالوا: لو نعلم أنك رسول الله ما قاتلناك فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: امح يا علي اللهم إنك تعلم أني رسول الله، امح يا علي، واكتب هذا ما صالح عليه محمد بن عبد الله والله لرسول الله صلى الله عليه وسلم خير من علي، وقد محى نفسه، ولم يكن محوه نفسه ذلك محاه من النبوة.

عبد الله بن عباس

ولَّاه علي بن أبي طالب على البصرة، وكان إذا خرج منها يستخلف أبا الأسود الدؤلي على الصلاة، وزياد بن أبي سفيان على الخراج، وهو أول من عرّف بالناس في البصرة، فكان يصعد المنبر ليلة عرفة ويجتمع أهل البصرة حوله فيفسر شيئًا من القرآن، ويذكر الناس من بعد العصر إلى الغروب، ثم ينزل فيصلي بهم المغرب. يقول ابن كثير: "وكان أهل البصرة مغبوطين به، يفقههم ويعلم جاهلهم، ويعظ مجرمهم، ويعطي فقيرهم، فلم يزل عليها حتى مات علي." وقيل: إن عليًا عزله عنها قبل موته، ثم وفد على معاوية فأكرمه وقربه واحترمه وعظمه، وكان يلقي عليه المسائل المعضلة فيجيب عنها سريعًا، فكان معاوية يقول: "ما رأيت أحدا أحضر جوابا منه". وفي عزله عن البصرة اختلاف بين المؤرخين. بينما ذكر محمد بن جرير الطبري في تاريخه أنه تولّى البصرة من سنة 36 هـ حتى سنة 39 هـ، ثم خلفه عليها أبو الأسود الدؤلي.



عطر الزنبق 06-14-2021 09:15 PM

بعد الخلافة الراشدة

تذكر المصادر الشيعية أن ابن عباس دعا الناس بعد مقتل علي إلى مبايعة ابنه الحسن، وقد جاء في بعض الروايات بأن عبد الله بن عباس بن عبد المطلب ظل واليًا على البصرة في عهد الحسن، لغاية عقد الصلح مع معاوية بن أبي سفيان، ثم خرج من البصرة معتزلًا السياسة قاصدًا مكة المكرمة وتفرغ للعلم والتعليم. وتذكر بعض الروايات الأخرى أنه خرج من البصرة وذهب إلى مكة بعد مقتل علي. وقد قال ابن الأثير الجزري أن هذه الرواية الثانية أصح وإنما كان الذي شهد صلح الحسن عبيد الله بن عباس وليس عبد الله. وقد قام عبد الله بن عباس باستخلاف "عبد الله بن الحارث بن نوفل" على البصرة ومضى إلى الحجاز. ولمّا جاء الكتاب بموت الحسن بن علي؛ كان ابن العباس عند معاوية فعزاه، وبعث ابنه يزيد فعزاه، وقد كان ابن عباس محبًا للحسن والحسين، كان يُمسك الركاب للحسن والحسين ويُسوي لهما، فقال له مدرك أبو زياد: «أنت أكبر منهما تمسك لهما وتسوي عليهما.» فقال ابن عباس: «يا لكع. أتدري من هذان؟ هذان ابنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، أوليس هذا مما أنعم الله علي به أن أمسك لهما وأسوي عليهما؟». ولما أخذت البيعة ليزيد في حياة معاوية امتنع ابن عباس عن مبايعته، هو والحسين وابن الزبير، وعبد الرحمن بن أبي بكر، وابن عمر

ولما مات معاوية وعزم الحسين الخروج إلى العراق نهاه ابن عباس أشد النهي، وقال: «يا ابن عم، إنه قد أرجف الناس أنك سائر إلى العراق، فبيِّن لي ما أنت صانع؟» قال: «قد أجمعت المسير في أحد يومَي هذين إن شاء الله - تعالى -» فقال له ابن عباس: «أخبرني إن كان عدوك بعد ما قتلوا أميرهم، ونفوا عدوهم، وضبطوا بلادهم، فسر إليهم، وإن كان أميرهم حيًا وهو مقيم عليهم، قاهر لهم، وعماله تجبي بلادهم، فإنهم إنما دعوك للفتنة والقتال، ولا آمنُ عليك أن يستفزوا عليك الناس، ويقلبوا قلوبهم عليك، فيكون الذي دعوك أشد الناس عليك.» فقال الحسين: «إني أستخير الله وأنظر ما يكون.» وجاء ابن عباس إلى الحسين اليوم التالي فقال: «يا ابن عم إني أتصبر ولا أصبر، وإني أتخوف عليك في هذا الوجه الهلاكَ، إن أهل العراق قوم غدرٌ فلا تغترن بهم، أقم في هذا البلد حتى ينفي أهل العراق عدوهم ثم أقدم عليهم، وإلا فسر إلى اليمن؛ فإن به حصونًا وشعابًا، ولأبيك به شيعةً، وكن عن الناس بمعزل، واكتب إليهم وبث دعاتك فيهم، فإني أرجو إذا فعلت ذلك أن يكون ما تحب.» فقال الحسين: «يا ابن عم، والله إني لأعلم أنك ناصح شفيق، ولكني قد أزمعت المسير.» فقال له: «فإن كنت ولا بد سائرًا فلا تسر بأولادك ونسائك، فوالله إني لخائف أن تقتل كما قتل عثمان ونساؤه وولده ينظرون إليه... فوالله الذي لا إله إلا هو لو أعلم أنك إذا أخذت بشعرك وناصيتك حتى يجتمع عليَّ وعليك الناس أطعتني وأقمت لفعلت ذلك.» وقد أورد هذا الخبر ابن الأثير الجزري. وأورد محمد بن جرير الطبري رواية مشابهة. ثم جاءه مرة أخرى قبل خروحه، ونصحه فأبى إلا الخروج، فقال له ابن عباس: «لولا أن يزري بي وبك، لنشبت يدي في رأسك، فقال الحسين: لأن أقتل بمكان كذا وكذا أحب إلى من أستحل حرمتها -يعني مكة المكرمة-» فقال ابن عباس فيما بعد: «وكان ذلك الذي سلَّى نفسي عنه.»

حينها كتب يزيد بن معاوية كتابًا إلى عبد الله بن عباس شيخ بني هاشم حينئذٍ قائلًا: «نحسب أن رجالًا أتوه من المشرق فمنوه الخلافة، فإنهم عندك منهم خبرة وتجربة، فإن كان فعل فقد قطع واشج القرابة، وأنت كبير أهل بيتك والمنظور إليه، فاكففه عن السعي في الفرقة.» وكتب له مجموعة أبيات أشار فيها إلى خوفه من أن يحدث بينه وبين الحسين مصادمة، فكتب إليه ابن عباس: «إني لأرجو أن لا يكون خروج حسين لأمر تكرهه، ولست أدع النصيحة له في كل ما يجمع الله به الألفة وتُطفى بها الثائرة».

وفي 10 محرم 61 هـ قُتِل الحسين في معركة كربلاء، فلمَّا بلغه موته حزن عليه حزنًا شديدًا ولزم بيته، وقال: "يا لسان قل خيرًا تغنم، واسكت عن شرٍ تسلم، فإنك إن لا تفعل تندم". ورُوي عن ابن عباس أنه رأى النبي في المنام في اليوم الذي قُتل فيه الحسين فقال: «رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْمَنَامِ بِنِصْفِ النَّهَارِ أَشْعَثَ أَغْبَرَ، مَعَهُ قَارُورَةٌ فِيهَا دَمٌ يَلْتَقِطُهُ، أَوْ يَتَتَبَّعُ فِيهَا شَيْئًا قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا هَذَا؟، قَالَ: دَمُ الْحُسَيْنِ، وَأَصْحَابِهِ لَمْ أَزَلْ أَتَتَبَّعُهُ مُنْذُ الْيَوْمَ».

وبوفاة يزيد بن معاوية سنة 64 هـ، دعا عبد الله بن الزبير إلى نفسه بالخلافة، فبيايعه أهل الحجاز إلا ابن عمر وابن الحنفية وابن عباس، واعتزل ابن عباس ومحمد بن الحنفية الناس، فدعاهما ابن الزبير ليبايعاه فأبيا عليه، وقال كل منهما: "لا نبايعك ولا نخالفك"، فهمّ بهما؛ فبعثا أبا الطفيل عامر بن واثلة فاستنجد لهما من العراق من شيعتهما. يقول ابن كثير الدمشقي: «فقدم أربعة آلاف فكبروا بمكة تكبيرة واحدة، وهموا بابن الزبير فهرب فتعلق بأستار الكعبة، وقال: أنا عائذ بالله، فكفوهم عنه، ثم مالوا إلى ابن عباس وابن الحنفية وقد حمل ابن الزبير حول دورهم الحطب ليحرقهم، فخرجوا بهما حتى نزلوا الطائف، وأقام ابن عباس سنتين لم يبايع أحدًا.» ومن حينها سكن ابن عباس الطائف وأقام بها


عطر الزنبق 06-14-2021 09:16 PM


وفاته

أصاب ابن عباس العمى في آخر عمره، وكان يقول:

إِن يَأخُذِ اللَهُ مِن عَينَيَّ نورَهُما فَفي لِساني وَقَلبي مِنهُما نورُ
قَلبٌ ذَكِيٌّ وَعَقلٌ غَرُ ذي دَخَلٍ وَفي فَمي صارِمٌ كَالسَيفِ مَأثورُ
توفي ابن عباس بالطائف في سنة 68 هـ، وهو ابن إحدى وسبعين سنة، وصلى عليه محمد بن الحنفية، ورُوِيَّ أنه لمَّا وضعوه ليدخلوه في قبره جاء طائر أبيض لم يُرَ مثل خلقته، فدخل في أكفانه، والتف بها حتى دفن معه. قال عفان بن مسلم الصفار: وكانوا يرون علمه وعمله، فلما وضع في اللحد تلا تالٍ لا يعرف من هو، وفي رواية: أنهم سمعوا من قبره: يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً فَادْخُلِي فِي عِبَادِي وَادْخُلِي جَنَّتِي ذكر ذلك أحمد بن حنبل،
والواقدي، وابن عساكر، وابن حجر العسقلاني.

يعتقد أهل الطائف أن قبر ابن عباس يقع أمام مقبرة الشهداء بجوار مسجد عبد الله بن عباس بالطائف، في الجهة المُقابلة لمُصلَّى النساء حاليًا، وبجواره قبر محمد بن الحنفية، ويقول الباحث عيسى علوي القصير: "إن قبر ابن عباس كان عليه تابوت أخضر وستارة خضراء وشبك حديدي مثلما كان في مساجد المدينة"، بينما يجادل بعض الباحثين حول حقيقة نسبة القبر إليه، قائلين أن هذه القبور تعود إلى المتأخرين من علماء القرن الثاني الهجري.

علمه

طلبه للعلم

بعد وفاة النبي، أخذ ابن عباس يطلب العلم والحديث من الصحابة، وقرأ القرآن على زيد بن ثابت وأبي بن كعب، فيقول: «لما قُبِضَ رسول الله قلت لرجل من الأنصار: هلم فلنسأل أصحاب رسول الله فإنهم اليوم كثير. فقال: "يا عجبا لك يا ابن عباس! أترى الناس يفتقرون إليك وفي الناس من أصحاب رسول الله من فيهم؟"، فترك ذلك وأقبلت أنا أسأل أصحاب رسول الله، فإن كان ليبلغني الحديث عن الرجل فآتي بابه وهو قائل فأتوسد ردائي على بابه يسفي الريح عليّ من التراب، فيخرج فيراني فيقول: "يا ابن عم رسول الله ما جاء بك؟ هلا أرسلت إليّ فآتيك؟" فأقول: "لا! أنا أحق أن آتيك." فأساله عن الحديث. فعاش هذا الرجل الأنصاري حتى رآني وقد اجتمع حولي الناس يسألوني، فيقول: "هذا الفتى كان أعقل مني"». وكان يلزم كبار الصحابة ويسألهم عن غزوات النبي وما نزل فيها من القرآن، وكان يسأل عن الأمر الواحد من ثلاثين من الصحابة، وكان يذهب خاصةً لأبي بن كعب، وعمر بن الخطاب، وعلي بن أبي طالب. وكان في البداية يتردد أن يسأل عمر من هيبته؛ فيذكر أنه تردد أن يسأله عن آية سنةً؛ فيقول: «مَكَثْتُ سَنَةً أُرِيدُ أَنْ أَسْأَلَ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ عَنْ آيَةٍ فَمَا أَسْتَطِيعُ أَنْ أَسْأَلَهُ هَيْبَةً لَهُ، حَتَّى خَرَجَ حَاجًّا فَخَرَجْتُ مَعَهُ، فَلَمَّا رَجَعْنَا وَكُنَّا بِبَعْضِ الطَّرِيقِ عَدَلَ إِلَى الْأَرَاكِ لِحَاجَةٍ لَهُ، فَوَقَفْتُ لَهُ حَتَّى فَرَغَ، ثُمَّ سِرْتُ مَعَهُ، فَقُلْتُ: "يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ مَنْ اللَّتَانِ تَظَاهَرَتَا عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مِنْ أَزْوَاجِهِ"، فَقَالَ: "تِلْكَ حَفْصَةُ وَعَائِشَةُ"، فَقُلْتُ: "وَاللَّهِ إِنْ كُنْتُ لَأُرِيدُ أَنْ أَسْأَلَكَ عَنْ هَذَا مُنْذُ سَنَةٍ فَمَا أَسْتَطِيعُ هَيْبَةً لَكَ"، قَالَ: "فَلَا تَفْعَلْ! مَا ظَنَنْتَ أَنَّ عِنْدِي مِنْ عِلْمٍ فَاسْأَلْنِي، فَإِنْ كَانَ لِي عِلْمٌ خَبَّرْتُكَ بِهِ"»



عطر الزنبق 06-14-2021 09:17 PM

مجلسه وتعليمه الناس

كان لابن عباس مجلس كبير في المدينة يأتيه الناس لطلب العلم، ومدح معاصروه طريقته في الخطابة والأخذ بقلوب وعقول مستمعيه، فيقول صعصعة بن صوحان: "إنه آخذ بثلاث وتارك لثلاث، آخذ بقلوب الرجال إذا حدث، وبحسن الاستماع إذا حُدث، وبأيسر الأمرين إذا خولف. وترك المراء، ومقارنة اللئيم، وما يعتذر منه."، وكان ابن عباس يجلس يومًا ما يذكر فيه إلا الفقه، ويومًا ما يذكر فيه إلا التأويل، ويومًا ما يذكر فيه إلا المغازي، ويومًا الشعر، ويومًا أيام العرب. ويصف أبو صالح السمان ذلك المجلس فيقول:

عبد الله بن عباس

لَقَدْ رَأَيْتُ النَّاسَ اجْتَمَعُوا حَتَّى ضَاقَ بِهِمُ الطَّرِيقُ، فَمَا كَانَ أَحَدٌ يَقْدِرُ عَلَى أَنْ يَجِيءَ وَلَا أَنْ يَذْهَبَ، قَالَ: فَدَخَلْتُ عَلَيْهِ فَأَخْبَرْتُهُ بِمَكَانِهِمْ عَلَى بَابِهِ، فَقَالَ لِي: ضَعْ لِي وَضُوءًا، قَالَ: فَتَوَضَّأَ وَجَلَسَ، وَقَالَ: اخْرُجْ وَقُلْ لَهُمْ مَنْ كَانَ يُرِيدُ أَنْ يَسْأَلَ عَنِ الْقُرْآنِ وَحُرُوفِهِ وَمَا أَرَادَ مِنْهُ فَلْيَدْخُلْ. قَالَ: فَخَرَجْتُ فَآذَنْتُهُمْ فَدَخَلُوا حَتَّى مَلَئُوا الْبَيْتَ وَالْحُجْرَةَ فَمَا سَأَلُوهُ عَنْ شَيْءٍ إِلَّا أَخْبَرَهُمْ بِهِ، وَزَادَهُمْ مِثْلَ مَا سَأَلُوا عَنْهُ أَوْ أَكْثَرَهُ. ثُمَّ قَالَ: إِخْوَانُكُمْ. فَخَرَجُوا. ثُمَّ قَالَ: اخْرُجْ فَقُلْ مَنْ أَرَادَ أَنْ يَسْأَلَ عَنْ تَفْسِيرِ الْقُرْآنِ وَتَأْوِيلِهِ فَلْيَدْخُلْ. قَالَ: فَخَرَجْتُ فَآذَنْتُهُمْ فَدَخَلُوا حَتَّى مَلَئُوا الْبَيْتَ وَالْحُجْرَةَ، فَمَا سَأَلُوهُ عَنْ شَيْءٍ إِلَّا أَخْبَرَهُمْ بِهِ، وَزَادَهُمْ مِثْلَ مَا سَأَلُوهُ عَنْهُ أَوْ أَكْثَرَ، ثُمَّ قَالَ: إِخْوَانُكُمْ. فَخَرَجُوا. ثُمَّ قَالَ: اخْرُجْ فَقُلْ مَنْ أَرَادَ أَنْ يَسْأَلَ عَنِ الْحَلَالِ وَالْحَرَامِ وَالْفِقْهِ فَلْيَدْخُلْ. فَخَرَجْتُ فَقُلْتُ لَهُمْ، قَالَ: فَدَخَلُوا حَتَّى مَلَئُوا الْبَيْتَ وَالْحُجْرَةَ، فَمَا سَأَلُوهُ عَنْ شَيْءٍ إِلَّا أَخْبَرَهُمْ بِهِ وَزَادَهُمْ مِثْلَهُ. ثُمَّ قَالَ: إِخْوَانُكُمْ. فَخَرَجُوا. ثُمَّ قَالَ: اخْرُجْ فَقُلْ مَنْ أَرَادَ أَنْ يَسْأَلَ عَنِ الْفَرَائِضِ وَمَا أَشْبَهَهَا فَلْيَدْخُلْ. قَالَ: فَخَرَجْتُ فَآذَنْتُهُمْ فَدَخَلُوا حَتَّى مَلَئُوا الْبَيْتَ وَالْحُجْرَةَ، فَمَا سَأَلُوهُ عَنْ شَيْءٍ إِلَّا أَخْبَرَهُمْ بِهِ وَزَادَهُمْ مِثْلَهُ. ثُمَّ قَالَ: إِخْوَانُكُمْ. فَخَرَجُوا. ثُمَّ قَالَ: اخْرُجْ فَقُلْ مَنْ أَرَادَ أَنْ يَسْأَلَ عَنِ الْعَرَبِيَّةِ وَالشِّعْرِ وَالْغَرِيبِ مِنَ الْكَلَامِ فَلْيَدْخُلْ. قَالَ: فَدَخَلُوا حَتَّى مَلَئُوا الْبَيْتَ وَالْحُجْرَةَ فَمَا سَأَلُوهُ عَنْ شَيْءٍ إِلَّا أَخْبَرَهُمْ بِهِ وَزَادَهُمْ مِثْلَهُ. قَالَ أبو صالح: فَلَوْ أَنَّ قُرَيْشًا كُلَّهَا فَخَرَتْ بِذَلِكَ لَكَانَ فَخْرًا. فَمَا رَأَيْتُ مِثْلَ هَذَا لِأَحَدٍ مِنَ النَّاسِ.

فقهه


كان ابن عباس يقوم بالفتوى في عهد عمر وعثمان، وكان عمر وعثمان يدعوان ابن عباس إلى مجلسهما مع أهل بدر فيستشيرانه، فكان من فقهاء الصحابة، وأجد العبادلة الأربعة الذين كان عليهم مدار العلم والفتيا والرواية لتأخر وفاتهم، وقد ذكر ابن القيم في إعلام الموقعين أن الذين حفظت عنهم الفتوى من الصحابة أكثر من 130 صحابي ما بين رجل وامرأة، وجعل منهم المكثرين والمقلين: أما المكثرون فسبعة وهم: عمر بن الخطاب، وعلي بن أبي طالب، وعبد الله بن مسعود، وعائشة أم المؤمنين، وزيد بن ثابت، وعبد الله بن عباس، وعبد الله بن عمر. حتى صار ابن عباس مرجعًا للصحابة إذا اختلفوا في الفقه، يقول طاووس بن كيسان: "إني رأيت سبعين من الصحابة إذا تماروا في شيء صاروا إلى قوله". وقال مجاهد بن جبر: "ما سمعت فتيا أحسن من فتيا ابن عباس"، وعن عكرمة مولى ابن عباس: "سَمِعْت مُعَاوِيَةَ يَقُولُ لِي: مَوْلَاكَ وَاللَّهِ أَفْقَهُ مَنْ مَاتَ وَمَنْ عَاشَ".

أمّا عن منهجه في الفقه، فكان إذا سُئل فإن كان من القرآن أخبر به، وإن لم يجد جوابًا من القرآن أخبر من سنة النبي، وإن لم يجد جوابًا من السنة، أخبر من قول أبي بكر، ثم قول عمر، فإن لم يجد، قال برأيه. وكان يأخذ بالرخص إذا وُجدت لمحبة النبي الأخذ بها. ولابن عباس العديد من الآراء الفقهية في العديد من أبواب الفقه من العبادات والمعاملات والمواريث وغيرها من الأبواب، ومن أشهر مسائله التي أفتى بها؛ مخالفته لعمر بن الخطاب في إيقاع الطلاق الثلاث بلفظٍ واحد، وفتواه بأن ملامسة المرأة دون الجماع لا توجب الوضوء، وفتواه بعدم جواز أكل المُحرم لصيد البر سواء اصطاده بنفسه أو اصطاده غيره. وهناك بعض الفتاوى التي أفتاها ثم تراجع عنها بعدما أخبره أحد الصحابة أو إحدى زوجات النبي - خاصة عائشة - بغيرها.


عطر الزنبق 06-14-2021 09:18 PM

علمه بالتفسير

يُعد ابن عباس من أشهر مُفسري القرآن من الصحابة، مع أنه كان أصغرهم سنًا، حتى لُقِب بـ ترجمان القرآن، يقول عبد الله بن مسعود: "نعم ترجمان القرآن عبد الله بن عباس"، وقد اشتهر بالتفسير جماعة من الصحابة، ذكرهم السيوطي، فقال: «اشتهر بالتفسير من الصحابة عشرة: الخلفاء الأربعة، وابن مسعود، وابن عباس، وأبي بن كعب، وزيد بن ثابت، وأبو موسى الأشعري، وعبد الله بن الزبير.». وقد كان ابن عباس يُتقن تفسير القرآن كله، وقد كان مجاهد بن جبر يسأله عن تفسير القرآن ومعه الواحة، ويكتب ما يقوله حتى يسأله عن التفسير كله، فيقول مجاهد: "عرضت المصحف على ابن عباس ثلاث عرضات من فاتحته إلى خاتمته أوقفه عند كل آية منه وأساله عنها". وقد كان ابن عباس يقول: «كُلُّ الْقُرْآنِ أَعْلَمُهُ إِلَّا ثَلَاثًا؛ "الرَّقِيمَ" وَ"غِسْلِينَ" وَ"حَنَانًا"».

وكان ابن عباس يكره الأخذ عن أهل الكتاب في التفسير وهو ما يُسمى بالإسرائيليات، وينهى الناس عن سؤالهم، ويقول:

عبد الله بن عباس كَيْفَ تَسْأَلُونَ أَهْلَ الْكِتَابِ عَنْ شَيْء، وَكِتَابُكُمْ الَّذِي أُنْزِلَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَحْدَثُ، تَقْرَءُونَهُ مَحْضًا لَمْ يُشَبْ، وَقَدْ حَدَّثَكُمْ أَنَّ أَهْلَ الْكِتَابِ بَدَّلُوا كِتَابَ اللَّهِ وَغَيَّرُوهُ، وَكَتَبُوا بِأَيْدِيهِمْ الْكِتَابَ، وَقَالُوا هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا، أَلَا يَنْهَاكُمْ مَا جَاءَكُمْ مِنْ الْعِلْمِ عَنْ مَسْأَلَتِهِمْ، لَا وَاللَّهِ مَا رَأَيْنَا مِنْهُمْ رَجُلًا يَسْأَلُكُمْ عَنْ الَّذِي أُنْزِلَ عَلَيْكُمْ. عبد الله بن عباس
وقد نُسب لابن عباس عدة تفاسير، منها الكتاب الذي ألفه محمد بن يعقوب الفيروزآبادي وسمِّاه "تنوير المقباس من تفسير ابن عباس" وتدور روايات الكتاب على طريق واحد، هو طريق السدي الصغير، عن محمد بن السائب الكلبي، عن أبي صالح السمان عن ابن عباس؛ وقد شكك عدد من العلماء في صحة الروايات بالكتاب، واستشهدوا بقول الشافعي: "لم يثبت عن ابن عباس في التفسير إلا شبيه بمائة حديث"، وقول ابن تيمية: «وموسى بن عبد الرحمن هذا من الكذابين، قال أبو أحمد بن عدي فيه: منكر الحديث، وقال أبو حاتم ابن حبان: دجال يضع الحديث، وضع على ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس كتابًا في التفسير، جمعه من كلام الكلبي ومقاتل.»، وقال جلال الدين السيوطي: «وأوهى طرقه – يعني طرق التفسير عن ابن عباس - طريق الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس، فإن انضم إلى ذلك رواية محمد بن مروان السدي الصغير فهي سلسلة الكذب.». فقال محمد بن محمد أبو شهبة: «أما التفسير المنسوب إليه ففي صحة نسبته إليه شك غير قليل.»، وقال الشوكاني: «ومن جملة التفاسير التي لا يوثق بها "تفسير ابن عباس"، فإنه مروي من طريق الكذابين كالكلبي والسدي ومقاتل، ذكر معنى ذلك السيوطي وقد سبقه إلى معناه ابن تيمية.» ويقول مشهور حسن: «طُبِعَ كتاب منسوب لابن عباس رضي الله عنه، وهو من طريق محمد بن مروان السدي الصغير عن الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس، كما ذُكِر إسناده في أول الكتاب وفي مواضع منه وقد جمعه الفيروزابادي "صاحب القاموس" من كتب التفسير التي أدخل أصحابها هذا الطريق في تفاسيرهم كالثعلبي والواحدي‚ فهذا التفسير لا يعتمد عليه ولا تصح نسبته إلى ابن عباس.».

وهناك تفسير آخر يُنسب لابن عباس بعنوان «صحيفة علي بن أبي طلحة في التفسير» ذكرها السيوطي في الإتقان عن أحمد بن حنبل، ويتعبرها السيوطي من أصح ما رُوي في التفسير عن ابن عباس، وقد مدحها ابن حنبل قائلًا: «بِمِصْرَ صَحِيفَةٌ فِي التَّفْسِيرِ رَوَاهَا عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَلْحَةَ لَوْ رَحَلَ رَجُلٌ فِيهَا إِلَى مِصْرَ قَاصِدًا مَا كَانَ كَثِيرًا.»، وحديثًا قام الباحث راشد بن عبد المنعم الرجال بجمع مرويات تلك الصحيفة وأخرجها بعنوان «تفسير ابن عباس المسمى: صحيفة علي بن أبي طلحة في تفسير القرآن الكريم».


عطر الزنبق 06-14-2021 09:18 PM

حُجّية تفسير ابن عباس

ابن عباس من الصحابة، وقد ذكر علماء التفسير أنّ الصحابي إذا قال قولاً فإنه على أربعة أحوال:

قول الصحابي إذا اشتهر ولم يُعلَم أحدٌ من الصحابة أنكره: هذا القول حجة عند جمهور أهل العلم، قال ابن تيمية: "وأما أقوال الصحابة؛ فإن انتشرت ولم تنكر في زمانهم فهي حجة عند جماهير العلماء".
قول الصحابي إذا لم يُعلم باشتهاره، ولا يُعلَم أن أحداً من الصحابة أنكره: رأى جمهور العلماء قبول هذا القول والاعتماد عليه، وهذه الحالة تنطبق على ما استنبطه ابن عباس من التفسير، ولم يعرف له مخالف ولا موافق من الصحابة.
قول الصحابي إذا خالفه غيره من الصحابة: إذا اختلف الصحابة في مسألة فليس قول أحدهم حجة، بل ينظر العالم في أقوالهم ويرجّح أحد أقوالهم ولا يبتكر قولاً جديداً.

إذا خالف نصًا شرعيًا: فيقدم النص ولا يعمل بقول الصحابي، ومن ذلك رأي ابن عباس في توريث البنتين نصف التركة إذا لم يكن معهما ذكور، وهذا القول ليس له دليل صريح من القرآن، وقد أجمع علماء أهل السنة على أن للبنتين الثلثين، ليس النصف، ودليلهم حديث جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: "جَاءَتْ امْرَأَةُ سَعْدِ بْنِ الرَّبِيعِ بِابْنَتَيْهَا مِنْ سَعْدٍ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، هَاتَانِ ابْنَتَا سَعْدِ بْنِ الرَّبِيعِ، قُتِلَ أَبُوهُمَا مَعَكَ يَوْمَ أُحُدٍ شَهِيدًا، وَإِنَّ عَمَّهُمَا أَخَذَ مَالَهُمَا، فَلَمْ يَدَعْ لَهُمَا مَالًا وَلَا تُنْكَحَانِ إِلَّا وَلَهُمَا مَالٌ، قَالَ: يَقْضِي اللَّهُ فِي ذَلِكَ، فَنَزَلَتْ: آيَةُ المِيرَاثِ، فَبَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى عَمِّهِمَا، فَقَالَ: أَعْطِ ابْنَتَيْ سَعْدٍ الثُّلُثَيْنِ، وَأَعْطِ أُمَّهُمَا الثُّمُنَ، وَمَا بَقِيَ فَهُوَ لَكَ ). قال ابن حجر العسقلاني: "وقد انفرد بن عباس بأن حكمهما حكم الواحدة وأبى ذلك الجمهور، واختلف في مأخذهم فقيل حكمهما حكم الثلاث فما زاد، ودليله بيان السنة فإن الآية لما كانت محتملة بينت السنة أن حكمهما حكم ما زاد عليهما، وذلك واضح في سبب النزول فإن العم لما منع البنتين من الإرث وشكت ذلك أمهما قال صلى الله عليه وسلم لها (يقضي الله في ذلك) فنزلت آية الميراث، فأرسل إلى العم فقال: (أعط بنتي سعد الثلثين)، ويعتذر عن ابن عباس بأنه لم يبلغه فوقف مع ظاهر الآية".

المفسرون وابن عباس


لمّا كان لابن عباس منزلة علمية وخاصة في التفسير، فقد ذُكرت رواياته في كتب التفسير، ولكن بدرجات متفاوتة وفقاً لصحة الرواية وضعفها، وتنوّع المفسرون في تضمين روايات ابن عباس التفسيرية في كتب التفسير، فكانوا ثلاثة أنواع:

علماء ذكروا كل ما رُويَ عن ابن عباس، حتى الروايات الضعيفة والمكذوبة، ومن هؤلاء المفسرين الواحدي الذي جعل الأولويّة لتفسير ابن عباس، وقال "وأبتدئ في كل آية عند التفسير بقول ابن عباس ما وجدتُ له نصّاً"، بغض النظر عن صحة الرواية وضعفها.
علماء لم يذكروا إلا الصحيح من روايات التفسير لابن عباس، ولكنهم لم يرووا عنه إلا القليل، كالبخاري ومسلم.
علماء ذكروا الروايات الصحيحة والضعيفة وتجنبوا الروايات المكذوبة، ومن هؤلاء ابن جرير الطبري



عطر الزنبق 06-14-2021 09:20 PM

روايته للحديث

مروياته

عدد الأحاديث التي رواها ابن عباس حسب إحصاء الذهبي: "1660 حَدِيثًا، ولهُ في الصحيحين 75 حَدِيثًا متفق عليها، وتفرد البخاري له بِـ 120 حَدِيثًا، وتفرَّد مسلم بن الحجاج بـ 9 أَحَادِيثَ" ، لكن يبدو أن إحصاء الذهبي به تصحيف في عدد الأحاديث التي تفرد بها البخاري ومسلم، حيث الصحيح أن ما تفرد به البخاري 110، وما تفرد به مسلم 49، فقد أحصاها يحيى بن أبي بكر العامري في كتابه "الرياض المستطابة في جملة من روى في الصحيحين من الصحابة" فقال: «روى عبد الله بن عباس عن رسول الله وأكثر، فأخرج له الشيخان مئتان وأربعة وثلاثون حديثًا، اتفقا على خمسة وسبعين، وانفرد البخاري بمائة وعشرة، ومسلم بتسعة أربعين.». بينما أحصاها محمد بن الشيخ علي الولوي صاحب "إسعاف ذوي الوطر بشرح نظم الدرر في علم الأثر" بـ "1696 حَدِيثًا"، وله في مسند أحمد 1625 حَدِيثًا من الحديث رقم 1741، وحتى الحديث رقم 3366،
صحب ابن عباس النبي محمد ثلاثون شهرًا، ثم طلب الحديث بعد وفاة النبي، وأخذ يرافق كبار الصحابة وأمهات المؤمنين ويسألهم عن الحديث، أما عدد ما يرويه ابن عباس عن النبي مباشرةً فهو قليل، بل أغلب حديثه عن أحد الصحابة عن النبي، فروى غندر أن ابن عباس روى عن النبي مباشرةً 9 أحاديث فقط، وقال يحيى القطان 10 أحاديث، وله في الصحيحين ما صرح بأنه عن النبي مباشرةً أكثر من عشرة أحاديث. وكان ابن عباس يكره الإكثار من الحديث عن النبي محمد، وكان لا يقبل حديثًا إلا أن يتثبت، وكان يقول: «إِنَّا كُنَّا مَرَّةً إِذَا سَمِعْنَا رَجُلًا يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ابْتَدَرَتْهُ أَبْصَارُنَا، وَأَصْغَيْنَا إِلَيْهِ بِآذَانِنَا، فَلَمَّا رَكِبَ النَّاسُ الصَّعْبَ وَالذَّلُولَ، لَمْ نَأْخُذْ مِنَ النَّاسِ إِلَّا مَا نَعْرِفُ.»، وعلى الرغم من ذلك فإن ابن عباس يعتبر من الصحابة المكثرين من رواية الحديث، يقول جلال الدين السيوطي في ألفيته في علوم الحديث:

والمكثرون في رواية الأثر أبو هريرة يليه ابن عمر
وأنس والبحر كالخدري وجابر وزوجة النبي

روى عن

روى ابن عباس عن:

النبي محمد
أبيه العباس
أمه أم الفضل بنت الحارث
أخيه الفضل
خالته ميمونة بنت الحارث
أبي بكر الصديق
عمر بن الخطاب
عثمان بن عفان
علي بن أبي طالب
عبد الرحمن بن عوف
معاذ بن جبل
أبي ذر الغفاري
أبي بن كعب
تميم الداري
ابن خالته خالد بن الوليد
أسامة بن زيد
حمل بن مالك بن النابغة
ذويب والد قبيصة
الصعب بن جثامة
عمار بن ياسر
أبي سعيد الخدري
أبي طلحة الأنصاري
أبي هريرة
معاوية بن أبي سفيان
أبي سفيان بن حرب
عائشة بنت أبي بكر
أسماء بنت أبي بكر
جويرية بنت الحارث
سودة بنت زمعة
أم هانئ بنت أبي طالب
أم سلمة



عطر الزنبق 06-14-2021 09:22 PM

روي عنه

ذكر جمال الدين المزي في تهذيب الكمال من الرواة عن ابن عباس 297 راوٍ، منهم:

ابنه علي بن عبد الله بن عباس
ابن ابنه محمد بن علي بن عبد الله
أخوه كثير بن العباس
ابن أخيه عبد الله بن عبيد الله بن العباس
ابن أخيه عبد الله بن معبد بن العباس
عبد الله بن عمر بن الخطاب
ثعلبة بن الحكم الليثي
المسور بن مخرمة
أبو الطفيل عامر بن واثلة
أبو أمامة بن سهل بن حنيف
سعيد بن المسيب
عبد الله بن الحارث بن نوفل
عبد الله بن عبد الله بن الحارث
ابن خالته عبد الله بن شداد بن الهاد
ابن خالته يزيد بن الأصم
أبو سلمة بن عبد الرحمن
أبو جمرة الضبعي
أبو مجلز لاحق بن حميد
أبو رجاء العطاردي
القاسم بن محمد بن أبي بكر
عبيد بن السباق
علقمة بن وقاص
علي بن الحسين بن علي
عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن أبي وقاص
عكرمة مولى ابن عباس
عطاء بن أبي رباح
طاووس بن كيسان
كريب
سعيد بن جبير
مجاهد بن جبر
عمرو بن دينار
أبو الجوزاء أوس بن عبد الله الربعي
أبو الشعثاء جابر بن زيد
بكر بن عبد الله المزني
أبو ظبيان حصين بن جندب
الحكم بن الأعرج
أبو الجويرية حطان بن خفاف
حميد بن عبد الرحمن بن عوف
أبو العالية الرياحي
مقسم مولى بني هاشم
أبو صالح السمان
سعد بن هشام بن عامر
سعيد بن أبي الحسن البصري
سعيد بن الحويرث
سعيد بن أبي هند
أبو الحباب سعيد بن يسار
سليمان بن سلمة
أبو زميل سماك بن الوليد
سنان بن سلمة بن المحبق
صهيب أبو الصهباء
طلحة بن عبد الله بن عوف
عامر الشعبي
عبد الله بن عبيد الله بن أبي مليكة
عبد الله بن كعب بن مالك
عبد الله بن أبي عبيد بن عمير
عبيد بن حنين
أبو المنهال عبد الرحمن بن مطعم
عبد الرحمن بن وعلة
عبد العزيز بن رفيع
عبد الرحمن بن عابس النخعي
عبيد الله بن عبد الله بن أبي ثور
عبيد الله بن أبي يزيد المكي
علي بن أبي طلحة مرسلًا
عمرو بن مرة
عمرو بن ميمون الأودي
عمران بن حطان
عمار بن أبي عمار
محمد بن سيرين
محمد بن عباد بن جعفر
أبو الضحي مسلم بن صبيح
سالم القرير
موسى بن سلمة بن المحبق
ميمون بن مهران
نافع بن جبير بن مطعم
ناعم مولى أم سلمة
النضر بن أنس بن مالك
يحيى بن يعمر أبو البختري الطائي
أبو حسان الأعرج
يزيد بن هرمزة أبو حمزة القصاب
أبو الزبير المكي
أبو عمر البهراني
أبو المتوكل الناجي
أبو نضرة العبدي
فاطمة بنت الحسين بن علي

الآراء والمواقف حوله




الساعة الآن 11:55 PM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
new notificatio by 9adq_ala7sas
User Alert System provided by Advanced User Tagging (Lite) - vBulletin Mods & Addons Copyright © 2025 DragonByte Technologies Ltd.

 ملاحظة: كل مايكتب في هذا المنتدى لا يعبر عن رأي إدارة الموقع أو الأعضاء بل يعبر عن رأي كاتبه فقط

دعم وتطوير نواف كلك غلا