منتديات سكون القمر

منتديات سكون القمر (https://www.skoon-elqmar.com/vb//index.php)
-   ۩۞۩{ الشريعة الإسلامية والحياة }۩۞۩ (https://www.skoon-elqmar.com/vb//forumdisplay.php?f=2)
-   -   التعريف بسور القرآن الكريم وأسباب النزول ومحاور ومقاصد السور (https://www.skoon-elqmar.com/vb//showthread.php?t=190745)

مديح ال قطب 01-26-2021 02:45 PM

















سورة محمد

التعريف بالسورة


سورة مدنية إلا الآية 13 نزلت في الطريق أثناء الهجرة .
من المثاني .
آياتها 38 .
ترتيبها السابعة والأربعون .
نزلت بعد الحديد .
بدأت السورة باسم موصول ذكر اسم الرسول محمد في الآية الثانية .
الجزء " 26 " الحزب " 51 " الربع " 2،3،4، " .

سبب التسمية


ولها اسمان: سورة «محمد» (ص) ، وسورة «القتال» .
والقتال عنصر بارز في السورة، بل هو موضوعها الرئيس، فقد نزلت بعد غزوة بدر وقبل غزوة الأحزاب، أي في الفترة الأولى من حياة المسلمين بالمدينة، حيث كان المؤمنون يتعرّضون لعنت المشركين، وكيد المنافقين، ودسائس اليهود.

سبب نزول السورة


عن ابن جريج في قوله تعالى " وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَلَنْ يُضِلَّ أعْمَالَهُم " قَالَ : نَزَلَتْ فِيمَنْ قُتِلَ مِن أصحاب النبي يوم أُحُدْ .


محور مواضيع السورة :

تتناول السورة أحكام القتال والأسرى والغنائم وأحوال المنافقين ولكن المحور الذي تدور عليه السورة هو موضوع " الجهاد في سبيل الله " .

هي سورة مدنية، نزلت بعد سورة «الحديد» ولها اسمان: سورة «محمد» (ص) ، وسورة «القتال» .
والقتال عنصر بارز في السورة، بل هو موضوعها الرئيس، فقد نزلت بعد غزوة بدر وقبل غزوة الأحزاب، أي في الفترة الأولى من حياة المسلمين بالمدينة، حيث كان المؤمنون يتعرّضون لعنت المشركين، وكيد المنافقين، ودسائس اليهود.
يمكن أن نقسم سورة «محمد» (ص) الى ثلاثة أقسام:
القسم الأول: يحرّض على قتال المشركين ويحثّ عليه، ويشمل الآيات [1- 15] .
القسم الثاني: يفضح المنافقين ويكشف نفاقهم، ويشمل الآيات [16- 30] القسم الثالث: يدعو المسلمين الى مواصلة الجهاد بالنفس والمال، ويشمل الآيات [31- 38] .

1- التحريض على قتال المشركين
تبدأ السورة بالهجوم على المشركين، وتبيّن هلاكهم وضياعهم وضلالهم. لقد سلب الله عنهم الهدى والتوفيق، فاتّبعوا الباطل وانحرفوا الى الضلال. أمّا المؤمنون، فقد آمنوا بالله ورسوله، فكفّر الله ذنوبهم ورزقهم صلاح البال وهدوء النفس ونعمة الرّضا واليقين. وشتان ما بين مؤمن راسخ الإيمان، صادق اليقين، معتمد على ربّ كريم حليم وبين كافر ضالّ يبيع الحق، ويشتري الباطل، ويفرّط في الإيمان والهدى، ويتبع الشرك والضلال.
ثم تحثّ السورة المسلمين على قتال المشركين، وقطع شوكتهم وهدم جبروتهم، وإزالة قوّتهم من طريق المسلمين: فَإِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقابِ وهذا الضرب بعد عرض الإسلام عليهم وإبائهم له، حَتَّى إِذا أَثْخَنْتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثاقَ. والإثخان شدّة التقتيل حتّى تتحطّم قوّة العدوّ وتتهاوى، فلا تعود به قدرة على هجوم أو دفاع وعندئذ يؤسر من استأسر ويشدّ وثاقه، فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِداءً (4) ، أي إمّا أن يطلق سراحهم بعد ذلك بلا مقابل، وإمّا أن يطلق سراحهم مقابل فدية من مال أو عمل، أو في نظير إطلاق سراح المسلمين المأسورين، حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزارَها حتى تنتهي الحرب بين الإسلام وأعدائه المناوئين له.
ولو شاء الله لانتقم من المشركين وأهلكهم كما أهلك من سبقهم بالطوفان والصيحة والريح العقيم، ولكن الله أراد أن يختبر قوة المؤمنين وأن يجعلهم سبيلا لإعزاز الدين وإهلاك الكافرين. والذين قتلوا في سبيل الله فلن يضيع أعمالهم فهم شهداء، عند الله يتمتّعون بجنات خالدة ونعيم مقيم، وأرواحهم في حواصل طير خضر، تسبح حول الجنة، وتأكل من ثمارها، وتقيم في ألوان النعيم.

وقد وعد الله الشهداء بحسن المثوبة والكرامة والهداية وصلاح البال ودخول الجنة، لأنهم نصروا دين الله فسينصرهم الله ويثبّت أقدامهم، كما توعّد الكافرين بالتعاسة والضلال والهلاك جزاء كفرهم وعنادهم.
وتسوق السورة ألوانا من التهديد للمشركين، فتأمرهم أن يسيروا في الأرض فينظروا ماذا أصاب المكذّبين من الهلاك والدمار. ثم تمضي السورة في ألوان من الحديث حول الكفر والإيمان فتصف المؤمنين بأنهم في ولاية الله ورعايته، والكفّار بأنهم محرومون من هذه الولاية.
وتفرّق السورة بين متاع المؤمنين بالطيبات، وتمتّع الكافرين بلذائذ الأرض، كالحيوانات: إِنَّ اللَّهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ وَالَّذِينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَما تَأْكُلُ الْأَنْعامُ وَالنَّارُ مَثْوىً لَهُمْ (12) .
ان الفارق الرئيس بين الإنسان والحيوان: أن للإنسان إرادة وهدفا، وتصوّرا خاصّا للحياة يا قوم على أصولها الصحيحة المتلقّاة من الله خالق الحياة.
فإذا فقد الإنسان هذا التصوّر، فقد أهم الخصائص المميّزة لجنسه، وأهم المزايا التي من أجلها كرّمه الله جلّ جلاله.
ثم تمضي السورة في سلسلة من الموازنات بين المؤمن المتيقّن، والكافر الذي اتّبع هواه وشيطانه، وزيّن له سوء العمل: أَفَمَنْ كانَ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ كَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ وَاتَّبَعُوا أَهْواءَهُمْ (14) .
كما تصف الآيات متاع المؤمنين في الجنّة بشتّى الأشربة الشهيّة، من ماء غير آسن، ولبن لم يتغيّر طعمه، وخمر لذة للشّاربين، وعسل مصفّى، في وفر وفيض، في صورة أنهار جارية. ذلك مع شتى الثمرات ومع المغفرة والرّضوان ثم سؤال: هل هؤلاء المتمتعون بالجنة والرّضوان كَمَنْ هُوَ خالِدٌ فِي النَّارِ وَسُقُوا ماءً حَمِيماً فَقَطَّعَ أَمْعاءَهُمْ (15) ؟



2- خصال المنافقين
تشمل الآيات [16- 30] المقطع الثاني من هذه السورة، وفيها حديث عن المنافقين وصفاتهم، وحركة النفاق حركة مدنيّة لم يكن لها وجود في مكة نظرا لضعف المسلمين فيها وتفوّق أعدائهم. فلما هاجر المسلمون الى المدينة وبدأ شأن الإسلام في الظهور والاستعلاء، بدأت حركة النفاق في الظهور والنموّ، وساعدها على الظهور وجود اليهود في المدينة، بما لهم من قوّة مادّيّة وفكريّة، وبما يضمرونه للدّين الجديد من كراهية. وسرعان ما اجتمع اليهود مع المنافقين على هدف واحد، ودبّروا أمرهم بليل، فأخذ المنافقون في حبك المؤامرات ودسّ الدسائس في كلّ مناسبة تعرض، فإن كان المسلمون في شدّة ظهروا بعدائهم وجهروا ببغضائهم وإذا كانوا في رخاء ظلّت الدسائس سرّيّة، والمكايد في الظلام وكانوا، الى منتصف العهد المدني، يشكّلون خطرا حقيقيّا على الإسلام والمسلمين. وقد تواتر ذكر المنافقين ووصف دسائسهم، والتنديد بمؤامراتهم وأخلاقهم في السور المدنية كما تكرّر ذكر اتصالهم باليهود، وتلقّيهم عنهم، واشتراكهم معهم في بعض المؤامرات المحبوكة.
والحديث عن المنافقين في سورة «محمد» (ص) يحمل فكرة السورة ويصوّر شدّتها في مواجهة المشركين والمنافقين. بل إن المنافقين هم فرع من الكافرين، أظهروا الملاينة وأبطنوا الكفر والخداع أو هم فرع من اليهود يعمل بأمرهم، وينفّذ كيدهم ومكرهم.
فمن هؤلاء المنافقين من يستمع الى النبي (ص) بأذنه ويغيب عنه بوعيه وقلبه. فإذا خرج من مجلس النبي (ص) تظاهر بالحرص على الدين، فسأل الصحابة عما قاله النبي (ص) سؤال سخرية واستهزاء، أو سؤال تظاهر ورياء.
أولئك المنافقون قد طمس الله سبحانه على أفئدتهم فلا تفقه، وقد اتّبعوا أهواءهم، فقادهم الهوى إلى الهلاك.
أمّا المتقون المهتدون، فيزيدهم الله هدى ويمنحهم التقوى والرشاد، ثم يتهدّد القرآن المنافقين بالساعة، فإذا جاءت، فلا يملكون الهداية ولا تنفعهم الندامة:
فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا السَّاعَةَ أَنْ تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً فَقَدْ جاءَ أَشْراطُها فَأَنَّى لَهُمْ إِذا جاءَتْهُمْ ذِكْراهُمْ (18) .
ثم تصوّر الآيات جبن المنافقين وهلعهم وتهافتهم إذا ووجهوا بالقرآن يكلّفهم القتال، فهم يتظاهرون بالإيمان، فإذا أنزلت سورة محكمة لا تشابه فيها، وذكرت الجهاد، رأيت المنافقين ينظرون إليك يا محمد نظرة من هو في النّزع الأخير تشخص أبصارهم لذلك كانوا جديرين بأن يهدّدهم الله جل جلاله بالويل والهلاك.
وتحثهم الآيات على الطاعة والصدق والثبات: فَأَوْلى لَهُمْ (20) طاعَةٌ وَقَوْلٌ مَعْرُوفٌ فَإِذا عَزَمَ الْأَمْرُ فَلَوْ صَدَقُوا اللَّهَ لَكانَ خَيْراً لَهُمْ (21) .
وبذلك يفتح القرآن الباب لمن يريد الطهارة الحسية والنفسية من المنافقين ومن المخاطبين جميعهم ثمّ يحثّهم عزّ وجلّ على تدبّر القرآن وتأمّله، لأن ذلك يحرّك المشاعر، ويستجيش القلوب، ويخلّص الضمير.
وتمضي الآيات في تصوير حال المنافقين، وبيان سبب تولّيهم عن الإيمان بعد أن شارفوه، فتبيّن أنه تآمرهم مع اليهود، ووعدهم لهم بالطاعة فيما يدبّرون.
لقد كره اليهود الإسلام وتألّبوا عليه، فلمّا هاجر النبيّ (ص) الى المدينة شنّوا عليه حرب الدّسّ والمكر والكيد، وانضمّ المنافقون لليهود يقولون لهم سرا، كما ورد في التنزيل: سَنُطِيعُكُمْ فِي بَعْضِ الْأَمْرِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِسْرارَهُمْ (26) .
ثم يتهدّد القرآن المنافقين، بملائكة العذاب لأنهم تركوا طريق الإسلام، وانضمّوا إلى دسائس الحاقدين عليه.
وفي نهاية المقطع يتهدّدهم جلّ جلاله بكشف أمرهم لرسول الله (ص) وللمسلمين الذين يعيشون بينهم متخفّين قال تعالى: أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَنْ لَنْ يُخْرِجَ اللَّهُ أَضْغانَهُمْ (29) وَلَوْ نَشاءُ لَأَرَيْناكَهُمْ فَلَعَرَفْتَهُمْ بِسِيماهُمْ وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ أَعْمالَكُمْ (30) .




3- حديث عن المشركين والمؤمنين
المقطع الأخير من السورة يشمل الآيات [32- 38] ، ويبيّن في بدايته أنّ المشركين منعوا الناس من الإيمان بالله تعالى، وأعلنوا الشقاق والعداوة لرسول الله (ص) ، وهؤلاء لن يضرّوا الله بكفرهم، وسيحبط الله أعمالهم.
وتتجه الآيات الى المؤمنين فتأمرهم بطاعة الله وطاعة الرسول، وتأمرهم بالثبات على الحق حتى يأتي نصر الله.
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَلا تُبْطِلُوا أَعْمالَكُمْ (33) .
وهذا التوجيه يوحي بأنّه كان في الجماعة المسلمة يومئذ من لا يظهر الطاعة الكاملة، أو من تثقل عليه بعض التكاليف، وتشقّ عليه بعض التضحيات التي يقتضيها جهاد هذه الطوائف القوية المختلفة التي تقف للإسلام، تناوشه من كل جانب، والتي تربطها بالمسلمين مصالح ووشائج قربى، يصعب فصمها والتخلي عنها نهائيّا، كما تقتضي العقيدة ذلك.
ولقد كان وقع هذا التوجيه عنيفا عميقا في نفوس المسلمين الصادقين، فارتعشت له قلوبهم، وخافوا أن يقع منهم ما يبطل أعمالهم ويذهب بحسناتهم.
وتستمر الآيات في خطاب المؤمنين، تدعوهم الى مواصلة الجهاد بالنفس والمال دونما تراخ أو دعوة الى مهادنة الكافر المعتدي الظالم، تحت أيّ مؤثّر من ضعف أو مراعاة قرابة أو رعاية مصلحة، ودونما بخل بالمال الذي لا يكلّفهم الله أن ينفقوا منه إلا في حدود مستطاعة، مراعيا الشّحّ الفطريّ في النفوس. وإذا لم ينهضوا بتكاليف هذه الدعوة، فإنّ الله يحرمهم كرامة حملها والانتداب لها، ويستبدل بهم قوما غيرهم ينهضون بتكاليفها، ويعرفون قدرها، وهو تهديد عنيف مخيف يناسب جوّ السورة، كما يشي بأنه كان علاجا لحالات نفسية قائمة في صفوف المسلمين إذ ذاك، من غير المنافقين وذلك الى جانب حالات التفاني والتجرد والشجاعة والفداء التي اشتهرت بها الروايات، فقد كان في الجماعة المسلمة هؤلاء وهؤلاء. وكان القرآن يعالج ويربّي لينهض بالمتخلفين الى المستوي العالي الكريم.

مقصود السورة اجمالا
قال الفيروزآبادي: معظم مقصود سورة «محمد» (ص) : «الشكاية من الكفّار في إعراضهم عن الحق، وذكر آداب الحرب والأسرى وحكمهم، والأمر بالنصرة والإيمان، وابتلاء الكفّار في العذاب، وذكر أنهار الجنة:
من ماء ولبن وخمر وعسل وذكر طعام الكفار وشرابهم وظهور علامة القيامة والشكاية من المنافقين وتفصيل ذميمات خصالهم وأمر المؤمنين بالطاعة والإحسان وذم البخلاء في الإنفاق وبيان استغناء الحق تعالى وفقر الخلق، في قوله جلّ وعلا وَاللَّهُ الْغَنِيُّ وَأَنْتُمُ الْفُقَراءُ [الآية 38] .

( يتبع – سورة الفتح )










.




مديح ال قطب 01-26-2021 02:47 PM

















سورة الفتح

التعريف بالسورة

سورة مدنية .
من المثاني .
آياتها 29 . .
ترتيبها الثامنة والأربعون .
نزلت في الطريق عند الانصراف من الحديبية ،بعد سورة " الجمعة " .
بدأت السورة باسلوب توكيد " إنا فتحنا لك فتحا مبينا " .

سبب التسمية

سميت" ‏سورة ‏الفتح "‏لأن ‏الله ‏تعالى ‏بشّر ‏المؤمنين ‏بالفتح ‏المبين ‏‏" ‏إنا ‏فتحنا ‏لك ‏فتحا ‏مبينا ‏‏..‏‏. ‏‏" ‏الآيات‎ .‎‏

سبب نزول السورة


1) عن أنس قال : لما رجعنا من غزوة الحديبية وقد حيل بيننا وبين نسكنا فنحن بين الحزن والكآبة أنزل الله عز وجل : (إنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا ) فقال رسول الله : ( لقد أُنْزِلَتْ عَليَّ آية هي أحب إليَّ من الدنيا وما فيها كلها ) وقال : عطاء عن ابن عباس:أن اليهود شمتوا بالنبي والمسلمين لما نزل قوله ( وَمَا أدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي ولاَ بِكُمْ ) وقالوا : كيف نتبع رجلا لا يدري ما يُفْعَلُ به ؟ ؛ فاشتد ذلك على النبي ؛ فأنزل الله تعالى (إنَّا فَتحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا لِيغفرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنبكَ وَمَا تَأخَّرَ ) .

2) عن أنس قال : لما نزلت (إنَّا فَتحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا لِيغفرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنبكَ وَمَا تَأخَّرَ ) :هنيئا لك يا رسول الله ما أعطاك الله فما لنا ؟ فأنزل الله تعالى ( لِيُدْخِلَ المُؤْمِنينَ وَالمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأنْهَارُ) .

3) عن أنس أن ثمانين رجلا من أهل مكة هبطوا على رسول اللهمن جبل التنعيم متسلحين يريدون غرة النبي وأصحابه فأخذهم اسرى فاستحياهم فانزل الله تعالى ( وَهُوَ الَّذي كَفَّ أيْديهُمْ عَنْكُم وَأَيديكُمْ عَنْهُم بِبَطْنِ مَكَّة بَعْدَ أن أظْفَرَكُمْ عَلَيهِمْ ) وقال عبد الله بن مغفل الهوني: كنا مع رسول الله بالحديبية في أصل الشجرة التي قال الله في القران فبينا نحن كذلك إذ خرج علينا ثلاثون شابا عليهم السلاح فثاروا في وجوهنا فدعا عليهم النبي فأخذ الله تعالى بأبصارهم وقمنا إليهم فأخذناهم فقال لهم رسول الله : هل جئتم في عهد أحد ؟ وهل جعل لكم أحد أمانا ؟ قالوا :اللهم لا ، فَخَلَّى سبيلهم فأنزل الله تعالى وهو الذي كفَّ أيديهم عنكم " الآية " .

محاور مواضيع السورة :

تعني السورة بجانب التشريع شأن سائر السور المدنية التي تعالج الأس التشريعية في المعاملات والعبادات والأخلاق والتوجيه .

معاني كلمة (الفتح)

سورة الفتح سميت بهذا لدلالتها على فتح البلاد والحجج والمعجزات والحقائق، وهذا كله من معاني الفتح، وقد ترتب على كل واحد منها المغفرة، وإتمام النعمة، والهداية، والنصر العزيز، وكل هذه أمور جليلة. وآيها تسع وعشرون آية، وهي سورة مدنية، أي أنها نزلت بعد الهجرة بغض النظر عن المكان الذي نزلت فيه. فهذه السورة مدنية، فإنها نزلت مرجع رسول الله صلى الله عليه وسلم من الحديبية سنة ست من الهجرة عدة له بالفتح، قال أنس : لما رجعنا من الحديبية، وقد حيل بيننا وبين نسكنا، فنحن بين الحزن والكآبة، نزلت يعني: هذه السورة. واختلف في المكان الذي نزلت فيه، فوقع عند محمد بن سعد أنها نزلت في مكان اسمه ضجنان، وعند الحاكم في الإكليل بكراع الغميم، وعن أبي معشر : أنها نزلت بالجحفة، والأماكن الثلاثة متقاربة. وروى البخاري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال وهو في بعض أسفاره لـعمر : (لقد أنزلت علي الليلة سورة لهي أحب إلي مما طلعت عليه الشمس، يعني: سورة الفتح)، وهذا الحديث يدل على أن هذه السورة نزلت في الليل. وأخرج البخاري عن عبد الله بن مغفل رضي الله عنه قال: (قرأ النبي صلى الله عليه وسلم يوم فتح مكة سورة الفتح فرجّع فيها). و(الفتح) يأتي بمعنى: أن يفتح المغلق، وهذا مشهور كما قال تعالى: حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا [الزمر:73]. والفتح يأتي بمعنى: النصر، كما قال تعالى: فَإِنْ كَانَ لَكُمْ فَتْحٌ مِنَ اللَّهِ [النساء:141]، وقال تعالى: فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ [المائدة:52]؛ لأن النصر يفتح الله به أمراً مغلقاً. والفتح يأتي بمعنى: القضاء؛ لأن القضاء فصل للأمور، وفتح لما أشكل منها، كما قال الله سبحانه وتعالى: وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْفَتْحُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ * قُلْ يَوْمَ الْفَتْحِ لا يَنفَعُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِيمَانُهُمْ [السجدة:28-29]، يوم الفتح هو يوم القيامة، يعني: يوم القيامة لا ينفع الذين كفروا إيمانهم، فسمي يوم القيامة بيوم الفتح؛ لأنه يقضى فيه بين العباد، ويفصل فيه بينهم، وبعض المفسرين قالوا: قُلْ يَوْمَ الْفَتْحِ لا يَنفَعُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِيمَانُهُمْ [السجدة:29]، أراد به فتح مكة؛ لأنه يوم لا ينفع الذين كفروا إيمانهم؛ لأنهم في هذه الحالة إذا آمنوا بعدما تغلب المسلمون عليهم سيكون إيمانهم خوفاً من السيف، وليس إيماناً نابعاً من قلوبهم. وقال الله عز وجل: ثُمَّ يَفْتَحُ بَيْنَنَا بِالْحَقِّ [سبأ:26] يعني: يقضي بيننا بالحق وَأَنْتَ خَيْرُ الْفَاتِحِينَ [الأعراف:89] أي: خير القضاة. قال أعرابي لآخر ينازعه: بيني وبينك الفتاح يعني: بيني وبينك الحاكم؛ لأنه يقضي ويفصل في الأمور. وعن ابن عباس رضي الله عنهما في قول الله تعالى: إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا [الفتح:1] قال: كنت أقرؤها ولا أدري ما هي حتى تزوجت بنت مشرح فقالت: فتح الله بيني وبينك يعني: حكم الله بيني وبينك.

وقت نزول سورة الفتح

هذه السورة من القرآن الليلي؛ لأن الصحابة رضي الله تعالى عنهم كانوا في غاية الدقة في وصف أحوال النبي صلى الله عليه وآله وسلم عامة، وما يتعلق بالوحي بصفة خاصة، فمن أنواع علوم القرآن معرفة القرآن المدني والمكي، ومعرفة القرآن الليلي والنهاري، فهذه السورة من القرآن الليلي. قال القرطبي رحمه الله تعالى: نزلت -أي: سورة الفتح- ليلاً بين مكة والمدينة في شأن الحديبية. وفي الصحيحين عن زيد بن أسلم عن أبيه رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم: (كان يسير في بعض أسفاره وعمر بن الخطاب يسير معه ليلاً فسأله عمر عن شيء فلم يجبه رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم سأله فلم يجبه، ثم سأله فلم يجبه، فقال عمر بن الخطاب : ثكلت أم عمر نذرت رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاث مرات كل ذلك لم يجبك؟!) (ثكلت أم عمر ) يعني: دعاء بالفقد، فهو يخاطب نفسه ويقول: (نذرت) يعني: ألححت على النبي عليه السلام، وبالغت في السؤال ثلاث مرات كل ذلك لم يجبك؟! قال عمر : فحركت بعيري، ثم تقدمت أمام الناس، وخشيت أن ينزل في قرآن)، خاف أن يكون الرسول قد غضب منه فينزل فيه القرآن يدينه بذلك؛ لأنه لم يعرف لماذا لم يرد عليه النبي صلى الله عليه وسلم، يقول: يقول: (فما نشبت أن سمعت صارخاً يصرخ بي، فقلت: لقد خشيت أن يكون نزل في قرآن، فجئت رسول الله صلى الله عليه وسلم فسلمت عليه، فقال صلى الله عليه وسلم: لقد أنزلت علي الليلة سورة لهي أحب إلي مما طلعت عليه الشمس، ثم قرأ: إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا [الفتح:1] إلى آخر السورة) وهذا لفظ البخاري ، وقال الترمذي : حديث حسن صحيح غريب.


مكان نزول سورة الفتح

اختلف في مكان نزول هذه السورة، فبعض العلماء قالوا: بضجنان، وبعضهم قال: بكراع الغميم، وبعضهم قال: بالجحفة، وجمع الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى بين ذلك بقوله: وهذه الأماكن متقاربة، فلذلك عبر بعض الصحابة بمكان والبعض بمكان آخر؛ لأنها في منطقة متقاربة فلا يضر ذلك. قال القرطبي : إن هذه السورة المباركة سورة مدنية بإجماع المفسرين، ومعنى مدنية: أنها نزلت بعد الهجرة، وإن كان نزولها في غير المدينة. إذاً: تقسيم سور القرآن الكريم إلى مكية ومدنية ليس تقسيماً على أساس المكان، بل على أساس زمن النزول، فما نزل قبل الهجرة فهو مكي، وما نزل بعد الهجرة فهو مدني؛ وإن نزل خارج المدينة كهذه السورة الكريمة.


منزلة سورة الفتح في قلوب الصحابة
هذه السورة حافلة بالمواقف الرائعة التي فيها مناقب وفضائل وخصائص للنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ولصحابته الكرام رضي الله تعالى عنهم أجمعين. فهذه السورة لها وضع خاص؛ لأنها من أكثر السور التي وردت فيها آيات تدل على رفعة مقام النبي صلى الله عليه وآله وسلم عند ربه عز وجل، وهذا ما فقهه الصحابة رضي الله تعالى عنهم، فقد روي عن ابن مسعود رضي الله تعالى عنه وغيره أنه قال: إنكم تعدون الفتح فتح مكة، ونحن -أي: الصحابة- نعد الفتح صلح الحديبية. لأن صلح الحديبية كان من أعظم الفتوح التي جاءت ببركة عظيمة جداً بالنسبة للمسلمين كما سيأتي، وكان خطاً فاصلاً -كما سنبين إن شاء الله تبارك وتعالى- بين ما قبله وما بعده. وقال الأعمش عن أبي سفيان عن جابر رضي الله عنه قال: ما كنا نعد الفتح إلا يوم الحديبية. وجاء في الحديث الذي ذكرناه آنفاً قول النبي صلى الله عليه وسلم: (لقد أنزلت علي الليلة سورة لهي أحب إلي مما طلعت عليه الشمس). وقال الإمام أحمد رحمه الله تعالى: حدثنا عبد الرزاق قال: أخبرنا معمر عن قتادة عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: (نزلت على النبي صلى الله عليه وسلم: لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ [الفتح:2] مرجعه من الحديبية، قال النبي صلى الله عليه وسلم: لقد أنزلت علي آية أحب إلي مما على الأرض، ثم قرأها عليهم النبي صلى الله عليه وسلم، فقالوا: هنيئاً مريئاً يا نبي الله! لقد بين الله عز وجل ما يفعل بك، فماذا يفعل بنا؟ فنزلت عليه: لِيُدْخِلَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ.. [الفتح:5] حتى بلغ قوله: فَوْزًا عَظِيمًا [الفتح:5]) وهذا الحديث متفق عليه. وقول الصحابة رضي الله عنهم للنبي صلى الله عليه وسلم: (هنيئاً مريئاً يا نبي الله! لقد بين الله عز وجل ما يفعل بك، فماذا يفعل بنا؟). يشيرون إلى ما سبق الكلام عليه في سورة الأحقاف في قول الله تبارك وتعالى: قُلْ مَا كُنْتُ بِدْعًا مِنَ الرُّسُلِ وَمَا أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلا بِكُمْ [الأحقاف:9]، يعني في الدنيا، أما في الآخرة فقد بين الله سبحانه وتعالى في هذه السورة الكريمة ما يفعل بنبيه صلى الله عليه وسلم وما يفعل بهم، فلما بينت السورة أولاً ما يفعل الله بالنبي عليه السلام قال الصحابة رضي الله تعالى عنهم: (هنيئاً مريئاً يا نبي الله! لقد بين الله عز وجل ماذا يفعل بك، فماذا يفعل بنا؟)، فنزلت عليه: لِيُدْخِلَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ.. [الفتح:5]، إلى أن بلغ قوله تعالى: فَوْزًا عَظِيمًا [الفتح:5]. وقال الإمام أحمد : حدثنا وكيع قال: حدثنا شعبة عن معاوية بن قرة قال: سمعت عبد الله بن مغفل -اسم (مغفل) أو (حمار) هذه أسماء آباء وأجداد المسلمين في الجاهلية، فلا يمكن تغييرها، فلذلك بقيت، أما الصحابي إذا كان له اسم يكرهه النبي عليه الصلاة والسلام فإنه كان يغير الاسم القبيح، وموضوع الأسماء له أهمية كبيرة في الحقيقة؛ فإن الإنسان غالباً يكون له حظ من اسمه، واسمه ينعكس على نفسيته جداً؛ لهذا نتألم جداً حين نجد بعض الناس في الأرياف ضاقت عليهم الدنيا، واختاروا بعض الأسماء العجيبة بسبب بعض العقائد منها: من أجل أن الولد لا يحسد، فيطلقوا أسماء تنفر، فالشخص الذي يسمع الاسم ينقبض فيتلهى وينشغل عن الحسد بهذه الأشياء، وهذا تفسير رديء، فلا بد من التنبه لمثل هذا، وإن كان ليس له علاقة بموضوعنا، فلذلك ينبغي الالتزام بهدي النبي صلى الله عليه وسلم في اختيار الأسماء الحسنة، ومن حقوق الطفل على أبيه أن يسميه بأسماء حسنة ليست غريبة -رضي الله تعالى عنه يقول: (قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم عام الفتح في مسيره سورة الفتح على راحلته فرجّع فيها) قيل: إن هذا الترجيع هو للتنبيه وهو في المدود بالذات، وقيل: إن هذا لأنه كان راكباً على الناقة، فالإنسان عندما يقرأ المد وهو راكب على شيء يهتز ويتحرك؛ يحصل منه هذا الترجيع. قال الراوي: لولا أني أكره أن يجتمع الناس علينا لحكيت لكم قراءته صلى الله عليه وآله وسلم، وهذا الحديث متفق عليه.

الأمارات التي يستدل بها على صدق نبوة النبي صلى الله عليه وسلم

هناك علامات وأمارات يستدل بها على صدق نبوة النبي صلى الله عليه وسلم، وهي من أمهات الأدلة على صدق بعثة النبي صلى الله عليه وسلم. أول شيء منها: الصفات الخَلقية والخلقية لصاحب الرسالة. الثاني: آثاره في العالم والوجود. الثالث: المعجزات. الرابع: النبوءات. الخامس: البشارات. فهذه أمهات الأدلة التي يستدل بها على صدق نبوة النبي صلى الله عليه وسلم، والموضوع كبير، لكن باختصار شديد: أولاً: الصفات الخلقية، فالأنبياء يصطفيهم الله سبحانه وتعالى من أشرف وأكرم وأعلى أنواع البشر في جميع الصفات من الحسب والنسب، وجمال الصورة، وسلامة الأعضاء، والخلو من العاهات أو النقص أو أي شيء منفر، والأخلاق، ففي كل شيء من الصفات البشرية يكون الأنبياء مختصين من بين سائر البشر بصفات لا يشركهم فيها غيرهم، ربما نجد شخصاً يختص بصفة الكرم، أو آخر يختص بالحلم، أو.. أو.. أو كذا من الصفات، لكن أن تجتمع الصفات كلها كاملة في شخص غير الأنبياء فلا كما قال الشاعر: فغاية العلم فيه أنه بشر وأنه خير خلق الله كلهم فالرسول عليه الصلاة والسلام اجتمعت فيه الفضائل والكمالات البشرية بصورة لا توجد في غيره من البشر عليه الصلاة والسلام. إذاً: أول دليل هو أن الأنبياء لهم خصائص وصفات لا توجد مجتمعة في أكمل صورة إلا في الأنبياء، فمتى وجدت في شخص فهو نبي من أنبياء الله. الأمر الثاني: موضوع الآثار، فالله سبحانه وتعالى يجعل للأنبياء آثاراً وبصمات يتركونها على البشرية لا يمكن أن تتولد لغيرهم من البشر، فآثار النبي الصادق الحق الذي يبعثه الله سبحانه وتعالى لا يمكن أن تلتبس بآثار رجل من المصلحين أو أهل الخير أو كذا.. أو كذا.. وإنما يكون لهم آثار واضحة، ولرسولنا صلى الله عليه وآله وسلم الحظ الأوفر على الإطلاق من هذه الآثار، كيف لا وهو قد بعث رحمة للعالمين، وأرسل للناس كافة صلى الله عليه وسلم؟! فهذا شيء بدهي يقر به حتى الكفار، فهم يقرون أنه لا يوجد أحد في تاريخ البشرية كله ترك بصمات وآثاراً على البشرية مثلما أكرم الله رسوله محمداً صلى الله عليه وسلم بهذه الآثار. وهذه الآثار لا تقتصر على نزول الوحي، وتعليم الشريعة للأمة، وتربية الصحابة الذين هم خير أمة أخرجت للناس. فهذه أوضح الآثار المباشرة التي كانت في حياته صلى الله عليه وسلم، ولكن كل ما يوجد من بعد النبي عليه الصلاة السلام من الخير الذي اقتدي به فيه فهو في ميزان حسنات النبي صلى الله عليه وآله وسلم، يعني: أنت كل ما تفعله من أعمال صالحة فسوف ينال نفس الثواب مثلك تماماً الرسول عليه السلام؛ لأنه هو الذي علمك هذا الخير، أي مؤمن إلى أن تقوم الساعة يفعل من الخير اقتداءً بالنبي عليه الصلاة والسلام الذي أرسله الله رحمة للعالمين أجمعين هو في ميزان حسناته صلى الله عليه وآله وسلم، فكلما وجد من الخير حتى بعد بعثته فهو من آثار بعثته الشريفة، ولذلك المسيح عليه السلام أخبر أصحابه بأن هناك أنبياء كذبة يدعون النبوة، سوف يأتون من بعده فقال له الحواريون: (كيف نعرفهم يا روح الله؟! قال: من ثمارهم تعرفونهم) يعني: من الآثار التي يتركونها تعرفونهم، والعقل وحده يقطع أنه لا يمكن أن يكون نبياً كاذباً يدعي النبوة ثم يتركه الله سبحانه وتعالى يطبع آثاره على البشرية بهذه الصورة، ويفتح عليه الفتح تلو الفتح، ويؤيده بالمعجزات تلو المعجزات، فلابد أن يكون صادقاً من عند الله سبحانه وتعالى. فالشاهد: أننا نعلم صدق نبوة محمد صلى عليه وسلم بآثاره في كل العباد والمجاهدين والبلاد التي فتحت حتى بعد وفاته عليه الصلاة والسلام إلى أن تقوم الساعة، فكل الخير الذي يوجد بسبب اتباع سنته والاهتداء بهديه هو من آثار بعثته، فعدل القضاة المسلمين في كل التاريخ كعدل عمر بن عبد العزيز أو عدل غيره من الأئمة والخلفاء الراشدين كـمحمود زنكي أو جهاد صلاح الدين وجهاد العلماء والأئمة كـقطز وبيبرس هو في ميزان رسول الله عليه السلام، وهو أثر من آثار بعثته الشريفة صلى الله عليه وآله وسلم.

( يتبع )











.




مديح ال قطب 01-26-2021 02:48 PM



















محا ور السورة

الفتح أعم من أن يكون الفتح المتعلق بفتح مكة أو بغيره، وإنما يدخل فيه كل ما كان من آثار النبي صلى الله عليه وآله وسلم. الأمر الثالث: البشارات، وهي: النصوص التي توجد في الكتب السابقة من قبلنا التي تبشر ببعثة النبي صلى الله عليه وسلم، وتخبر بصفته، وهذا ما ستأتي الإشارة إليه في آخر السورة إن شاء الله تعالى في قوله: مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ [الفتح:29] يعني: هكذا بالضبط وصفوا في التوراة قبل أن يخلقوا: وَمَثَلُهُمْ فِي الإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ [الفتح:29] إلى آخره، فهذا من البشارات. الأمر الرابع: المعجزات: وهي خوارق العادات التي تقترن بادعاء النبوة ولرسول الله صلى الله عليه وسلم الحظ الأعظم على الإطلاق بين جميع الرسل من هذه المعجزات، وأعظمها على الإطلاق معجزته الخالدة الباقية وهي القرآن الكريم، الذي ما زال حتى الآن ينبض بالحياة وبالأدلة والبراهين على حقائق هذا الدين القويم، ويوم بعد يوم ينضم إلى قافلة الإيمان أناس من الكفار بسبب هداية القرآن الكريم، كما بين النبي صلى الله عليه وسلم في قوله (إنه ما من نبي أرسله الله إلا أوتي ما على مثله آمن البشر -معجزة يراها قومه المعاصرون له- وإنما كان الذي أوتيته وحياً أوحي إلي؛ فأرجو أن أكون أكثرهم تابعاً يوم القيامة) لأن الرسول عليه السلام معجزته لم تكن معجزة حدثت ثم انقضت كعصا موسى، أو إحياء عيسى عليه السلام للموتى بإذن الله، وإنما معجزته هي هذا القرآن الكريم، فهي معجزة باقية.


أقص عليكم قصة عابرة عن إحدى الشخصيات المرموقة التي فتح الله سبحانه وتعالى عليها منذ سنوات بالإسلام، فهذا دكتور جراحة مشهور في فرنسا يدعى مورسي بكاري هذا الجراح الكبير الفرنسي نشأ في عائلة متدينة بالتدين النصراني، وشديدة التمسك به، فلما بدأ يقرأ في الكتب المقدسة عند النصارى -وهي العهد القديم والعهد الجديد- بدأ -بحكم خلفيته العلمية الحديثة- يلاحظ وجود تناقض بين بعض القضايا العلمية أو الجغرافية المذكورة في ثنايا كتابهم المقدس عندهم، فلفت ذلك نظره، وضايقه الأمر كثيراً، فقرر أن يجمع جميع الكتب التي أصلها سماوي ويعمل دراسة مفصلة، ويقارن بين القرآن والتوراة والإنجيل الموجودان الآن المحرفان، فالذي فعله أنه قام بجمع النصوص التي تتعلق بالقضايا العلمية الحديثة مثل كروية الأرض.. تشريح النبات.. وغيرها من الأمور التي تتعلق بالعلوم الحديثة، فخرجت له مجموعة بيانات كبيرة جداً جداً من آيات القرآن الكريم، عشرات الآيات استخرجها تنبئ بأنها تتعامل مع حقائق علمية كثيرة جداً، ثم استخرج من العهد القديم والعهد الجديد أشياء كانت قليلة للغاية بالنسبة للقرآن الكريم، ولا تكاد من حيث العدد تذكر، ثم إن الذي فيها أشياء غير مطابقة للواقع على طول الخط، بل متعارضة تماماً مع الحقائق العلمية الحسية! فاستمرت الدراسة في عدد كبير من الآيات ولم يجد أي تعارض على الإطلاق في نص واحد من القرآن الكريم مع أي حقيقة علمية، بل فوجئ بأن القرآن يحوي حقائق علمية مما هو متفق عليه حديثاً. فانتهى إلى نتيجة ومحصلة معينة ولكن قال: إما أن هذا القرآن هو كلام الله حقاً، وإما أن المؤلف -يقصد الرسول عليه السلام- عندما كتبه كان محيطاً إحاطة كاملة وفي غاية الدقة لأحدث ما وصل إليه العلم في العصر الحديث! وهذا التضاد هراء، ولا يمكن أن يقع أن الرسول عليه الصلاة والسلام بعلم بشري يأتي بهذه الأخبار، فهذا مستحيل، فلم يبق إلا احتمال واحد وهو أن الذي أوحى إلى النبي عليه السلام هذا الكتاب إنما هو خالق هذا الكون، وخالق هذه البرية؛ لأن قوانين الطبيعة وهذه السنن وجدت منذ أن خلق الله هذا الكون، وبقيت بلايين السنين غير مكتتبة، واكتشف الآن جزء يسير منها، لكن قوانين الله تعمل منذ أن خلق الله هذا الكون، فهم يكتشفون ويفرحون جداً باكتشافهم وبما عندهم من العلم. الشاهد أنه انتهى من عملية المقارنة بإعلان إسلامه، وعائلته النصرانية المتعصبة صدمت صدمة شديدة بإسلامه، وكانت المصيبة الأشد أنه سوف يقوم بدعاية كبيرة جداً للإسلام في كل العالم الغربي؛ لأن مثل هذه الشخصية المرموقة عندهم يكتب هذا الكتاب وهو من عائلة متدينة جداً ومتمسكة بالنصرانية أمر خطير، فانزعجوا جداً من هذا الكتاب الذي كاد أن يفرغ من تأليفه، فماذا فعلوا؟ فعلوا شيئاً عادياً عندهم في الغرب وليس بمشكلة -لا تستغربوا-، كتبوا إعلاناً في إحدى الجرائد عندهم في فرنسا: مطلوب لص محترف لمهمة خاصة، وهذا شيء عادي عندهم، ولا توجد أي مشكلة فيه أبداً: مطلوب لص محترف لمهمة خاصة، بحيث يتصل بهم بطريقة لا يكتشفها ابنهم مورسي بكاري، وهم الذين طلبوا هذا، فالمهم وصلهم لص محترف وقالوا له: إن المطلوب أن هذا الشخص -ابنهم- تذهب إلى أمام بيته في مكان معين.. وترصد مواعيده وقت خروجه ودخوله، فمتى ما يكون غير موجود في البيت تستطيع أن تدخل من المكان الفلاني، وتكسر الباب الفلاني، وهناك درج معين يترك فيه أشياء، فخذ كل محتويات هذا الدرج، ولم يبينوا له أنهم بالذات يقصدون الكتاب الذي ألفه لكن قالوا: أحضر لنا كل المحتويات في درجه. المهم أفلح اللص في أن يصل إلى الدرج، وأخذ الأشياء ثم قدم لهم كل شيء ما عدا مخطوطة الكتاب، وظن أنه ليس معقولاً أن يكون الكتاب مهماً بالنسبة لهم، وعكف اللص الظريف على قراءة المخطوطة حتى فرغ منها تماماً، ومن شدة إعجابه وانبهاره لما فيها من الحقائق أشهر اللص نفسه إسلامه وأعلنه، وذهب إلى مورسي بكاري نفسه وسلمه المخطوطة، وكان هو قد حزن حزناً شديدا .

تفسير قوله تعالى: (إنا فتحنا لك فتحاً مبيناً)

قال الله تعالى: إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا [الفتح:1]، فيها أقوال: الأول: فتح مكة. الثاني: فتح الروم وغيرها. الثالث: فتح الحديبية، وهذا أصح الأقوال، فقوله: إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا))، المقصود به فتح الحديبية. الرابع: فتح الإسلام بالحجة والبرهان، والسيف والسنان. الخامس: أن المراد منه الحكم كما قال تعالى: رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ [الأعراف:89]، وقال تعالى: ثُمَّ يَفْتَحُ بَيْنَنَا بِالْحَقِّ [سبأ:26]، ولا يخفى أن الوجوه المذكورة كلها مما يصدق عليها الفتح الرباني، فكلها داخلة في معنى الفتح الرباني، وجميعها مما تحقق مصداقه، إلا أن سبب نزول الآية يبين المراد من الفتح بياناً لا خلاف معه، وهو الوجه الثالث المذكور، وهو صلح الحديبية. قال الإمام الحافظ ابن كثير رحمه الله تعالى: نزلت هذه السورة الكريمة لما رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم من الحديبية في ذي القعدة سنة ست من الهجرة، حين صده المشركون عن الوصول إلى المسجد الحرام؛ ليقضي عمرته فيه، وحالوا بينه وبين ذلك، ثم مالوا إلى المصالحة والمهادنة، وأن يرجع عامه هذا ثم يأتي من قابل، فأجابهم إلى ذلك على تكره من جماعة من الصحابة منهم عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه، فلما نحر النبي صلى الله عليه وسلم هديه حيث أحصر ورجع، أنزل الله عز وجل هذه الآيات. وتأملوا هذا الموقف، وسوف يأتي -إن شاء الله- ذكر الحديث بالتفصيل، فالصحابة كانوا في غم وهم، كيف يحصل هذا الصلح الذي رأى بعضهم أن فيه نوعاً من الظلم للمسلمين، وأن فيه إلزامية بالنسبة للمسلمين؟! ومع ذلك في هذه اللحظات الشديدة على نفوس الصحابة ينزل القرآن الكريم مبيناً أن هذا فتح من الله: ((إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا)). وأنزل الله عز وجل هذه السورة فيما كان من أمره وأمرهم، وجعل ذلك الصلح فتحاً باعتبار ما فيه من المصلحة، وما آل الأمر إليه، كما روي عن ابن مسعود رضي الله تعالى وغيره أنه قال: إنكم تعدون الفتح فتح مكة، ونحن نعد الفتح صلح الحديبية. لأن فتح مكة نفسه هو أثر وثمرة من ثمار صلح الحديبية. وعن جابر رضي الله تعالى عنه قال: ما كنا نعد الفتح إلا يوم الحديبية. وروى البخاري عن البراء رضي الله عنه قال: تعدون أنتم الفتح فتح مكة، وقد كان فتح مكة فتحاً، ونحن نعد الفتح بيعة الرضوان يوم الحديبية. وروى الإمام أحمد عن مجمع بن جارية الأنصاري رضي الله عنه وكان أحد القراء الذين قرءوا القرآن، قال: (شهدنا الحديبية، فلما انصرفنا عنها إذا الناس ينفرون الأباعر)، وفي بعض الروايات: (إذا الناس يوجفون الأباعر -يعني: يزجرون الإبل ويدفعونها- فقال الناس بعضهم لبعض: ما للناس؟! قالوا: أوحي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فخرجنا مع الناس نرجف -أي: يخافون أن ينزل القرآن يدينهم لما حصل من بعض الصحابة أثناء المفاوضة في موضوع الفتح- فخرجنا مع الناس نرجف فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم على راحلته على كراع الغميم، فاجتمع الناس عليه فقرأ عليهم: إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا [الفتح:1]، فقال: رجل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم: أي رسول الله! أوفتح هو؟! قال صلى الله عليه وسلم: إي والذي نفس محمد بيده! إنه لفتح) رواه أبو داود في الجهاد. ثم قال الحافظ ابن كثير رحمه الله تعالى: فالمراد بقوله تعالى: إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا [الفتح:1] أي: بيناً ظاهراً، وهو صلح الحديبية، فإنه حصل بسببه خير جزيل، وأمن الناس، واجتمع بعضهم ببعض، وتكلم المؤمن مع الكافر، وانتصر العلم النافع والإيمان. ولما وقفت لغة الفيء والحرب المسلمين والمشركين حصل نوع من هبوط الحمية عند المشركين، ونتيجة الهدنة التي بين المسلمين والمشركين تكلم المؤمن مع الكافر يعني: وصلت رسالة الحق، وبدأ إعلان الدعوة، فمن ثم كانت هذه الفترة فترة في غاية الخطورة بالنسبة للدعوة الإسلامية، ويكفي دليلاً على ذلك عدد الجيش الذي كان مع النبي صلى الله عليه وسلم في صلح الحديبية، والعدد الذي كان معه يوم فتح مكة في سنة ثمان من الهجرة، فصلح الحديبية كان سنة ست، وفتح مكة كان سنة ثمان، فما الذي حصل؟ في الحديبية كان عدد الصحابة الذين مع الرسول عليه السلام ألفاً وأربعمائة صحابي، وفي فتح مكة كانوا عشرة آلاف، فهذه من ثمرات وبركات فتح الحديبية.


ديدن الكفار في تشويه الإسلام

لنتأمل هنا قوله: فإنه حصل بسببه خير جزيل، وأمن الناس، واجتمع بعضهم ببعض، وتكلم المؤمن مع الكافر وانتصر العلم النافع والإيمان. يعني: يستحيل أن الحق الذي هو الإسلام أن يهزم في معركة شريفة مع الباطل، لكن دائماً الذي يحصل هو أن أعداء الإسلام لا يعرفون الشرف، ولا يعرفون احترام مبدأ ولا عهود ولا مواثيق، أما إذا حصلت مواجهة شريفة ليس مهماً تكاثر الباطل، فإن الباطل لا يعد شيئاً، ودائماً الله سبحانه وتعالى يذكر الباطل والظلمات في القرآن الكريم بصيغة الجمع، أما النور والإسلام والحق فهو دائماً يأتي بصيغة المفرد: لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ [الأحزاب:43]، فالنور مفرد، أما الباطل فإنه لا ينتهي عدده، ولا حصر له، فلو أنه ترك للحق أن يتكلم بدون شغب ولا تشويش أو تشويه، وبدون صد عن سبيل الله ولا إرهاب -وهم الإرهابيون في الحقيقة- واستطاع الناس أن يلتقطوا هذه الرسالة الربانية بدون تشويش على هذا الإرسال فإن الله سبحانه وتعالى يفتح قلوب الناس فيدخلون في دين الله أفواجاً كما حصل من قبل، ولكن لأن أعداء الإسلام يعرفون جيداً أنه لو ترك الناس يستمعون إلي صوت الحق والإسلام وهو غير مشوش ولا مشوه؛ لدخل الناس في دين الله أفواجاً، ورغم كل الحرب القائمة الآن على الإسلام فهو المنتصر، فنحن في حرب عالمية حقيقية، وليست حرباً عالمية مجازية،

إن الأسلحة الآن حديثة وذكية تتعامل بأسلوب غير الأساليب الماضية للاستعمار القديم عن طريق الاحتلال والقوى العسكرية، فالآن يستخدم الإذلال والهيمنة لتأخذ صورة حديثة -وللأسف الشديد- هي أشد فعالية وأقوى؛ لأنها تعتمد على تسخير التكنولوجيا الحديثة، والعلم، والأساليب المدروسة؛ فلذلك هي حرب قذرة غير شريفة؛ لأن كل الهدف هو الصد عن سبيل الله، فيصدون عن سبيل الله بالمذابح والقتل والإرهاب. وأنتم ترون ما يحصل الآن في كوسوفا أو ما حصل بالأمس القريب في البوسنة والهرسك، ولنأت إلى التاريخ من أجل أن يعرف الناس وحشية الغرب ووحشية الكفار من التاريخ القديم سواء في الحروب الصليبية أو غيرها، أما الآن فنحن في صفحة في الواقع تكشف لنا مصداق قول الله تبارك وتعالى: كَيْفَ وَإِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ لا يَرْقُبُوا فِيكُمْ إِلًّا وَلا ذِمَّةً [التوبة:8]، لا يمكن أن يحترموا عهداً أو ذمة، وإنما كما ترون المذابح والتشريد والوحشية التي يمارسها هؤلاء الصرب، ولا أدري كيف يقبلون أنهم ينتمون إلى المسيح عليه السلام! كيف يصدقون أنفسهم بهذه الوحشية وهذه الهمجية وهذه الجرائم التي يرتكبونها ضد المسلمين على مرأى ومسمع، والمسرحية مفهومة، وكل الناس يتكلمون والجرائد تتحدث، وأنتم ترون هذه الأشياء ولا نكثر من ذكرها، ولكن هذا الذي يحصل من القتل والتدمير والتصفية وما يسمى بالتطهير العرقي هو أحد أساليب الصد عن سبيل الله، ويشوهون الإسلام بأنه دين الإرهاب .. ودين القتل وسفك الدماء .. ودين كذا!! ومع ذلك ما زال الناس ومن أعماق ديارهم يدخلون في دين الله أفواجاً يوماً بعد يوم، والقصص لا تنتهي ممن يهديهم الله سبحانه وتعالى إلى الإسلام! فتخيل لو أن الإسلام في دولة على وجه الأرض تتبناه، كما يوجد للنصرانية دولة تتبناها وهي الفاتيكان، فدولة واحدة للإسلام غير موجودة، أو ينفق عليه من أموال المسلمين بحيث تدعم وتقوى الدعوة للإسلام، وتخيل لو أن الإسلام لم يشوه ولم يحارب بهذه الصورة. فهم يصورون الإسلام في الحقيقة بصورة في غاية الخطورة، فيصورون للناس أننا نعبد الحجر الأسود والكعبة وأنها إلهنا، أو أننا نعبد محمداً عليه السلام كما يعبدون هم عيسى، وأننا نعتقد أنه يوجد ثالوث، وغير ذلك من التشويش الذي يحصل، وكذا أيضاً يستغلون ما يحصل للأسف الشديد من سلوكيات بعض الحمقى من بعض التيارات الإسلامية كما فعل -والله المستعان- المدعو أبو حمزة المصري لما أتى بالتصرفات التي يفعلها على مرأى ومسمع من العالم، فهم يفتحون له الإعلام تماماً؛ ليتحدث في كل قضية تمثل الدين بكلام لا يقوله المجانين، وهو يشوه الإسلام، وينفر الكفار من دين الإسلام؛ لذلك يفتحون له الإعلام على مصراعيه؛ لأنه يتكلم كلاماً لا يقوله إنسان عاقل يقول: إننا سوف ندمر الغرب، ونخترع قنابل تنزل ببالونات تفجر بريطانيا كلها! ويوهمون الناس أن هذا ممثل الإسلام! فهذا الجاهل المعتدي الظالم الصاد عن سبيل الله يظهر على أنه يمثل الإسلام! الشاهد: أن الحرب لو كانت شريفة لا يمكن أبداً أن ينهزم الإسلام، فالمسلمون لا ينهزمون أبداً في مواجهة شريفة، وانظر إلى أي مناظرة جرت في نطاق التاريخ الإسلامي كله بين عالم إسلامي متأهل وبين أعظم فطاحلة علماء اليهود أو النصارى، النتيجة معروفة تماماً وهي الاندحار، وأنهم لا يمكن أن يقووا على الصمود على الإطلاق، والقصص كثيرة جداً في هذا المضمار.

( يتبع )







.




مديح ال قطب 01-26-2021 02:48 PM



















محا ور السورة

صلح الحديبية مقدمة للفتح ودخول الناس أفواجاً في دين الله

لنتأمل قوله: وتكلم المؤمن مع الكافر يعني: بدءوا يشغلون العقول، وهذه كانت أعظم ثمرة؛ لأن الإسلام يستفيد جداً من هذا الجو الذي فيه حرية، فالباطل يمارس الباطل بكل حريته، فليتركوا إذاً الحرية للحق أيضاً، ولا يمكن أن يصمد الباطل، وحتى لو تكتل كل أهل الباطل على وجه الكرة الأرضية أمام الإسلام لا يمكن أن يصمدوا فالنتيجة معروفة مسبقاً ومقطوع بها، فأنا كنت أريد تسليط الضوء على هذه العبارة: (وتكلم المؤمن مع الكافر) يعني: الرسالة الإعلامية كانت تصل صحيحة إلى الكافر، فتأمل هذا الكافر لو كان عنده بصيص من نور الفطرة، ثم يسمع عن الإسلام، فإنه ينجذب إليه انجذاباً شديداً جداً؛ كما قال الله تعالى: نُورٌ عَلَى نُورٍ [النور:35]، نور الفطرة مع نور الوحي، نور الفطرة التي أودعها الله في قلبه وهو الله الذي خلقه، ونور الوحي الذي أنزله الله، الذي: يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ [الملك:14]، فتأملوا هذه العبارة الرائعة لـابن كثير رحمه الله تعالى؛ لأنها تكشف لنا سر وصف صلح الحديبية بأنه فتح، مع أن النظرة الأولية التي أهملت العواقب التي لا يعلمها إلا الله ورسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك الوقت هي التي جعلت بعض الصحابة يعترضون، وفي مقدمتهم عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه، فقد اشتد جداً في الاستغراب، وقال: كيف نعطي الدنية في ديننا؟! في حين أن كان الأمر عند الله وعند رسوله فتحاً مبيناً، قال تعالى: إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا [الفتح:1]، ويلخص الحافظ ابن كثير صفة هذا الفتح وسببه، فيقول: فإنه حصل بسببه خير جزيل، وأمن الناس، واجتمع بعضهم ببعض، وتكلم المؤمن مع الكافر، وانتشر العلم النافع والإيمان. وقال الإمام ابن القيم رحمه الله تعالى في زاد المعاد في الكلام على ما في غزوة الحديبية من الفقه واللطائف ما مثاله: كان صلح الحديبية مقدمة وتوطئة بين يدي هذا الفتح العظيم، أمن الناس به، وكلم بعضهم بعضاً، وناظره في الإسلام، وتمكن من اختفى من المسلمين بمكة من إظهار دينه، والدعوة إليه، والمناظرة عليه، ودخل بسببه بشر كثير في الإسلام، ولهذا سماه الله فتحاً في قوله تعالى: إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا [الفتح:1]، نزلت في الحديبية، فقال عمر : (يا رسول الله! أوفتح هو؟! قال: نعم) وأعاد سبحانه ذكر كون ذلك فتحاً قريباً بقوله: وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا [الفتح:18]، وهذا شأنه سبحانه وتعالى أن يقدم بين يدي الأمور العظيمة مقدمات تكون كالمدخل إليها، المنبئة لها وعليها. وهي التي نسميها الإرهاصات.. فهي مقدمات توضح وتمهد لحدوث أمر عظيم وجليل. فصلح الحديبية: عبارة عن إرهاص بين يدي صلح.. بين يدي الفتح الأعظم الذي هو فتح مكة، ولذلك جاء في أثناء السورة: وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا [الفتح:18] أي: سوف يحصل وهو فتح مكة. يقول ابن القيم رحمه الله تعالى: وهذا شأنه سبحانه أن يقدم بين يدي الأمور العظيمة مقدمات تكون كالمدخل إليها، المنبئة لها وعليها، كما قدم بين يدي قصة المسيح وخلقه من غير أب قصة زكريا، وخلق الولد له مع كونه كبيراً لا يولد لمثله، فتأمل في سورة آل عمران، وحتى في سورة مريم قدم الله سبحانه وتعالى أولاً قصة زكريا، وكيف أنه دعا ربه، وقبلها أنه كان يدخل على مريم: كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِنْدَهَا رِزْقًا قَالَ يَا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هَذَا قَالَتْ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ [آل عمران:37]، كرامة لمريم عليها السلام، أن يجد عندها فاكهة الصيف في الشتاء، وفاكهة الشتاء في الصيف: يَا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هَذَا قَالَتْ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ [آل عمران:37]، فهذه كانت كرامة لـمريم الصديقة عليها السلام، فـهُنَالِكَ دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُ [آل عمران:38]، لما رأى خرق العادة لـمريم علم أن ربه قادر على أن يخرق له العادة أيضاً مع كونه شاب شعر رأسه، وبلغ من الكبر عتياً، وكون امرأته عاقراً لا يولد لها، وقد طعنت أيضاً في السن، وهو حريص على الولد: وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوَالِيَ مِنْ وَرَائِي وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا * يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ [مريم:5-6]، ويستحيل أن يظن من زكريا أنه كان قلقاً على مستقبل أولاده وذريته من أجل المال والعقارات، لا، (( يَرِثُنِي )) يعني: في النبوة؛ لأن الأنبياء لا يورث عنهم مال، وإنما يرثه في العلم والدعوة، فهو كان قلقاً على الإسلام، ولم يكن قلقاً على المال والدنيا (( يَرِثُنِي )) أي: في العلم والنبوة: وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيًّا [مريم:6]. ثم رزقه الله سبحانه وتعالى يحيى عليه السلام كما قص علينا في القرآن، فهذا كله كان مقدمة وتوطئة لما هو أعظم وأخطر آية، وهي خلق المسيح عليه السلام من غير أب، فتجد أن هذا التدرج للتمهيد بين يدي أمر عظيم، وهو خلق المسيح عليه السلام ليجعله آية للناس.

قدم بين يدي تحويل القبلة في سورة البقرة مقدمات، فهي أولاً: بدأت بقصة البيت (الكعبة)، وبنائه وتعظيمه والتنويه به، وذكر بانيه وتعظيمه قال الله: وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا [البقرة:124] إلى قوله تعالى: وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا [البقرة:127] إلى آخر الآيات. فكل هذا التمهيد لأن الهدف النهائي -وهو أمر عظيم جداً- سيحصل، وهو تحويل القبلة، فقبل أن يخبر أن القبلة ستتحول من بيت المقدس إلى الكعبة المشرفة بدأت الآيات بذكر قصة بناء البيت الحرام، وتعظيمه والتنويه به، وذكر بانيه -وهو إبراهيم عليه السلام- وتعظيمه ومدحه. وقبل ذلك قوله تعالى: مَا نَنسَخْ [البقرة:106] فهذه مقدمة أيضاً؛ وإرهاص وتمهيد قبل حصول هذا الأمر، فبدأ بذكر النسخ، وحكمته المقتضية له، وقدرة الله الشاملة عز وجل على نسخه، فهذه كلها كانت توطئة وتمهيداً بين يدي حدث خطير جداً، وهو تحويل القبلة، ثم قال تعالى: قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ [البقرة:144]. وهكذا أيضاً ما قدمه بين يدي نبوة رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي هو أشرف حدث في تاريخ الإنسان كله، ولادة النبي وبعثة النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم، فماذا حصل في عام ولادته؟ حصلت أولاً قصة الفيل. أيضاً تكاثرت بشارات الكهان والجن قبل بعثته الشريفة صلى الله عليه وآله وسلم، وهذه كلها عبارة عن إرهاصات ومقدمات لهذا الحدث الجليل. كذلك قول أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها: (فكان لا يرى رؤيا إلا جاءت مثل فلق الصبح)، فهذه عبارة عن تمهيد من الله سبحانه وتعالى لبدء الوحي، فهذه عمليات التمهيد بين يدي الحدث الأعظم، وهو نزول الوحي عليه في اليقظة، فأتاه الوحي أولاً في المنام عن طريق الرؤيا الصالحة، فكان لا يرى رؤيا إلا جاءت مثل فلق الصبح، صلى الله عليه وآله وسلم. كذلك الهجرة هي المقدمة بين يدي الأمر بالجهاد، ومن تأمل أسرار الشرع والقدر رأى من ذلك ما تبهر حكمته أولي الألباب. انتهى كلام الإمام ابن القيم رحمه الله تعالى.

كلام الشنقيطي في قوله تعالى: (إنا فتحنا لك فتحاً مبيناً)

يقول العلامة الشنقيطي رحمه الله في تفسير قوله تعالى: إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا [الفتح:1]: التحقيق الذي عليه الجمهور أن المراد بهذا الفتح صلح الحديبية؛ لأنه فتح عظيم، وإيضاح ذلك أن الصلح المذكور هو السبب الذي تهيأ به للمسلمين أن يجتمعوا بالكفار فيدعوهم إلى الإسلام، وبينوا لهم محاسنه؛ فدخل كثير من قبائل العرب بسبب ذلك في الإسلام، ومما يوضح ذلك أن الذين شهدوا صلح الحديبية مع النبي صلى الله عليه وسلم في ذي القعدة عام ست كانوا ألفاً وأربعمائة، ولما أراد النبي صلى الله عليه وسلم غزو مكة حين نقض الكفار العهد كان خروجه إلى مكة في رمضان عام ثمان، وكان معه عشرة آلاف مقاتل؛ وذلك يوضح أن الصلح المذكور من أعظم الفتوح في كونه سبباً لقوة المسلمين وكثرة عددهم، وليس المراد بالفتح المذكور فتح مكة، وإن قال بذلك جماعة من أهل العلم؛ وإنما قلنا ذلك لأن أكثر أهل العلم على ما قلنا، ولأن ظاهر القرآن يدل عليه؛ ولأن سورة الفتح هذه نزلت بعد صلح الحديبية في طريقه صلى الله عليه وسلم راجعاً إلى المدينة، ولفظ الماضي في قوله: (( إِنَّا فَتَحْنَا )) يدل على أن ذلك الفتح قد مضى، فهذا هو الظاهر، فقوله (( فَتَحْنَا )) يعني: فرغنا من هذا الفتح، وهو عقد صلح الحديبية، فدعوى أنه فتح مكة، ولم يقع إلا بعد سنتين؛ خلاف الظاهر، والآية التي في فتح مكة دلت على الاستقبال لا على المضي، وهي قوله تعالى: إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ * وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا [النصر:1-2]، انتهى كلام العلامة الشنقيطي رحمه الله تعالى.


أقوال العلماء في معنى الفتح المبين


مما قيل في معنى الفتح: أنه جميع ما فتح الله لرسوله من الفتوح. وقيل: هو ما فتح له أو ما فتح له من النبوة والدعوة إلى الإسلام. وقيل: فتح الروم. ومعنى الفتح في اللغة: فتح المنغلق، والصلح الذي كان مع المشركين بالحديبية كان مسدوداً متعذراً حتى فتحه الله. قال الزهري : لم يكن فتح أعظم من صلح الحديبية؛ وذلك أن المشركين اختلطوا بالمسلمين فسمعوا كلامهم، وهذا الأمر في غاية الأهمية، وهو اختلاط المشركين بالمسلمين، فإنه يكون بركة على المشركين فضلاً عن المسلمين، ولذلك أنت إذا قارنت بين أحوال الكفار الذين يعيشون مع المسلمين في بلاد المسلمين وبين الكفار في البلاد التي ليس فيها مسلمون، تجد الفرق الكبير؛ لأن بركة المسلمين تشمل هؤلاء، فتجد أن عندهم الحياء والعفة وغير ذلك من الأخلاق الحميدة من بركة معايشة المسلمين، بخلاف الذين يتمحض فيهم الكفر، فموضوع اختلاط المسلمين الصادقين الذين يطبقون الإسلام بالفعل مع الكفار من أعظم أسلحة الدعوة. وتعرفون قصة ثمامة بن أثال رضي الله تعالى عنه، كان ثمامة ممن يحارب الرسول عليه السلام، وأسر في قتال بينه ويبن المسلمين، فماذا فعل به النبي عليه الصلاة والسلام؟ أسره وربطه في سارية المسجد، ثم تركه في المسجد ثلاثة أيام، وهذه حكمة عظيمة من النبي عليه الصلاة والسلام تشير وتنبئ إلى هذا المعنى الذي نذكره الآن من قول بعض العلماء؛ وذلك أن المشركين اختلطوا بالمسلمين، فسمعوا كلامهم؛ فتمكن الإسلام في قلوبهم، فهذا درس عملي ينبغي أن نقتدي بالرسول عليه السلام فيه، فقد ربطه في المسجد، فما الذي سوف يراه خلال ثلاثة أيام؟ حياة إسلامية مائة بالمائة.. أخلاق إسلامية.. عبادة لله.. توحيد.. سيسمع أي درس.. أي حديث فيه توحيد وفيه ذكر لله عز وجل، وبيان مقاصد ومحاسن الإسلام، يرى كيف يتعامل المسلمون بعضهم مع بعض.. يرى حسن الخلق.. يرى الأمانة.. يرى التعبد.. يرى البكاء من خشية الله.. يرى الركوع.. السجود.. ويرى بعض خيرات وبركات الإسلام. فالذي حصل أنه كان كلما طالت إقامته مع المسلمين يبدأ يلين، فالرسول عليه السلام بعدما قيده في اليوم الأول أتاه فقال: (ماذا عندك يا ثمامة؟! -بدأ بالعدوانية- قال: إن تقتل تقتل ذا دم، وإن تعف تعف عن شاكر) يعني: دمي لن يذهب هدراً، دمي له قيمة، ثم في اليوم التالي سأله نفس السؤال: (ماذا عندك يا ثمامة ؟! فقال: إن تعف تعف عن شاكر، وإن تقتل تقتل ذا دم)، والعرب كانوا في غاية الدقة في اختيار الألفاظ ومراعاة الأولوية، فهذه المرة الثانية تجد أن اللين بدأ يتسرب إلى قلبه، فمفعول الدواء بدأ ينفع من معاشرة المسلمين في يوم واحد، ففي اليوم الثاني بدأت اللهجة تخف، قال: (إن تعف تعف عن شاكر، وإن تقتل تقتل ذا دم) فتركه مقيداً، وفي اليوم الثالث سأله نفس السؤال وأجاب بنفس الجواب؛ فأطلقه النبي عليه الصلاة والسلام حراً طليقاً، فماذا فعل ثمامة ؟ كان قد وصل إلى القرار النهائي، فعمد إلى مكان قريب من المسجد واغتسل فيه، ثم أتى وشهد شهادة التوحيد، ودخل في الإسلام!

( يتبع )









.




مديح ال قطب 01-26-2021 02:49 PM



















محا ور السورة

أن موضوع اختلاط المسلمين بالمشركين -أعني المسلمين الذين يطبقون الإسلام واقعاً وحقيقة- هو من أعظم ما يغزو قلوب هؤلاء المشركين. وكما ترون أن العلماء يكادون أن يتفقوا على أن المقصود به صلح الحديبية! قال الزهري : لم يكن فتح أعظم من صلح الحديبية؛ وذلك أن المشركين اختلطوا بالمسلمين فسمعوا كلامهم، فتمكن الإسلام في قلوبهم، وأسلم في ثلاث سنين خلق كثير، وكثر بهم سواد الإسلام. وقال الشعبي : لقد أصاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديبية ما لم يصب في غزوة: غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، وبويع بيعة الرضوان، وأطعموا نخل خيبر، وبلغ الهدي محله، وظهرت الروم على فارس؛ ففرح المؤمنون بظهور أهل الكتاب على المجوس. وقال الزجاج : كان في فتح الحديبية آية عظيمة؛ وذلك أنه نزح ماؤها ولم يبق فيها قطرة، فتمضمض رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم مجه في البئر؛ فدرت بالماء حتى شرب جميع الناس، لم يذكر الزجاج هذا مرفوعاً عن النبي عليه الصلاة والسلام؛ لأنه كان من المتأخرين، لكن أياً كان فهذه المعجزة وردت في أحاديث متواترة، كحديث نبع الماء من بين أصابع يدي النبي صلى الله عليه وآله وسلم. والملاحظ أنه في كل مرة كان الرسول عليه الصلاة والسلام يدعو لهم بالبركة في الطعام يكثر الطعام تحت يده، ويكفي جيشاً بأكمله بعدما كانوا يشكون في أنه يكفي مجموعة قليلة من الناس! فهو كان يقول: ائتوني بإناء فيه شيء من الماء، ثم يضع أصابعه الشريفة، فينبع الماء، وهذا متواتر، وثابت بنفس الطريقة التي ثبت بها القرآن الكريم ثبوتاً قطعياً لا مجال للطعن فيه، فأحاديث كثيرة جداً فيها تكرر هذه المعجزة على يد النبي صلى الله عليه وسلم، فكان يضع يده الشريفة في الإناء فيفور الماء من بين أصابعه. والحكمة من الإتيان بماء في الأصل ألا يتوهم الناس أن الرسول عليه الصلاة والسلام يوجده من العدم، وإنما هي البركة التي تنزل من عند الله في ماء خلقه الله أصلاً، فالطعام موجود لكنه يبارك فيه بإذن الله سبحانه وتعالى. والعلماء مختلفون فيما يتعلق بفتح مكة هل فتحت عنوة أم أنها فتحت صلحاً؟ وهذه القضية قد نتعرض لها بعد ذلك إن شاء الله تبارك وتعالى.

فضل السورة :

1) عن عبد الله بن مغفل قال : قرأ رسول الله عام الفتح في مسيرة سورة الفتح على راحلته فرجع فيها .

2) عن أبي بردة أن النبي قرأ في الصبح " إنا فتحنا لك فتحا مبينا " .

( يتبع - سورة الحجرات )









.




مديح ال قطب 01-26-2021 02:50 PM



















سورة الحجرات

التعريف بالسورة
سورة مدنية .
من المثاني .
آياتها 18 .
ترتيبها التاسعة والأربعون .
نزلت بعد المجادلة .
بدأت السورة باسلوب النداء " يا أيها الذين آمنوا "
نهت السورة المسلمين عن رفع أصواتهم فوق صوت النبي .

سبب التسمية


سميت ‏سورة ‏الحجرات ‏لأن ‏الله ‏تعالى ‏ذكر ‏فيها ‏بيوت ‏النبي ‏‏وهي ‏الحجرات ‏التي ‏كان ‏يسكنها ‏أمهات ‏المؤمنين ‏الطاهرات ‏رضوان ‏الله ‏عليهن‎ .‎‏

سبب نزول السورة


1) قال ابن أبي مليكة أن عبد الله بن الزبير أخبره أنه قدم ركب من بني تميم على رسول الله فقال أبو بكر :أمر القعقاع بن معبد، وقال عمر : أمر الأقرع بن حابس فقال أبو بكر : ما أردت إلا خلافي ،وقال عمر : ما أردت خلافك ؛ فتماريا حتى ارتفعت أصواتهما فنزل في ذلك قوله تعالى : ( يَا أيُّها الذينَ آمنوا لا تُقَدِّموا بينَ يدي اللهِ ورسولهِ إلى قوله وَلو أنَّهم صَبَروا حتَّى تخرجَ إليهم ) (رواه البخاري) .

2) نزلت في ثابت بن قيس بن شماس كان في أذنه وقر وكان جهوري الصوت وكان إذا كلم إنسانا جهر بصوته فربما كان يكلم رسول الله فيتأذّى بصوته فأنزل الله تعالى هذه الآية .

3) عن أنس : لما نزلت هذه الآية لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي قال ثابت بن قيس :أنا الذي كنت أرفع صوتي فوق صوت النبي وأنا من أهل النار فَذُكِرَ ذلك لرسول الله فقال : هو من أهل الجنة( رواه مسلم ) .

4) عن أبي بكر قال لما نزلت على النبي ( أن الذين يغضون أصواتهم عند رسول الله اولئك الذين امتحن الله قلوبهم للتقوى ) قال أبو بكر : فآليت على نفسي أن لا أكلم رسول الله إلا كاخي السرار

محاور مواضيع السورة


تتضمن السورة حقائق التربية الخالدة وأس المدنية الفاضلة حتى سماها بعض المفسرين " سورة الأخلاق " .
إن هذه السورة الكريمة ، وهي على وجازتها سورة جليلة ضخمة ، تتضمن حقائق التربية الخالدة ، وأسس المدنية الفاضلة ، فهي بحق مدرسة متكاملة ، تربّى في ضوئها أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم .

ولقد جاءت لتربي الأمة على سمو الأخلاق وفضائل الأعمال وعلو الهمم .

إنها مدرسة عقيدية وتشريعية وتربوية ، ولذلك فلا عجب أن يُسمي بعض المفسرين هذه السورة بـ (سورة الأخلاق) فالسورة في الأمر بمكارم الأخلاق ورعاية الآداب .

مقاصد السورة
ابتدأت السورة بالأدب الرفيع ، الذي أدّب الله به المؤمنين تجاه شريعة الله وأمر رسوله صلى الله عليه وسلم ، وهو ألا يبرموا أمراً ، أو يبدوا رأياً ، أو يقضوا حكماً في حضرة الرسول صلى الله عليه وسلم ، حتى يستشيروه ويستمسكوا بإرشاداته الحكيمة ، فلا يقولوا حتى يقول ، ولا يأمروا حتى يأمر ، وأنه متى استبانت سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وجب إتباعها ، وتقديمها على غيرها .

ثم انتقلت إلى أدب آخر ، وهو خفض الصوت إذا تحدثوا مع الرسول صلى الله عليه وسلم في لين وتكريم ، وألا يكون الرسول كأحدهم ، بل يُميّزونه في خطابهم ، كما تميّز عن غيره ، فيقولوا : يا رسول الله ، يا نبي الله .

ثم مدح الله تعالى من غضّ صوته عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأخبر أن قلوبهم صالحة للتقوى ، ووعدهم بالمغفرة لذنوبهم ، والثواب العظيم لهم في جنات النعيم .

ثم ذمَّ الله تعالى أناساً من الأعراب ، قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فوجدوه في بيته وهو قائل ، فلم يصبروا حتى يخرج ، ونادوه : أن اخرج إلينا ، فذمهم الله بعدم العقل ، حيث لم يعقلوا الأدب مع رسوله واحترامه ، وذلك بأن يصبروا حتى يخرج إليهم ، فإنّ ذلك أفضل عند الله وعند الناس ، والله غفور لذنوب عباده ، رحيم بالمؤمنين ، حيث اقتصر على نصحهم وتقريعهم ، ولم يُنزل العقاب بهم .






محاور مواضيع السورة :

ومن الأدب الخاص إلى الأدب العام ، تنتقل السورة لتقرير دعائم المجتمع الفاضل ، فتأمر المؤمنين بعدم السماع للإشاعات ، وتأمر بالتثبت من الأنباء والأخبار ، لاسيما إن كان الخبر صادراً عن شخص غير عدل ، أو مُتّهم ، فإنّ في ذلك خطراً كبيراً ، ووقوعاً في الإثم ، وكم من خبرٍ لم يتثبت من سامعه جرّ وبالاً ، وأحدث انقساماً ، فحصل من تلف النفوس والأموال بغير حق ما يكون سبباً للندامة . ثم أبان تعالى بأن الرسول صلى الله عليه وسلم بين أظهركم – يعني الصحابة – فعظّموه وانقادوا لأمره ، فإنه أعلم بمصالحكم ، وأشفق عليكم من أنفسكم ، ورأيه فيكم أتمّ من رأيكم لكم ، ثم بيّن أنّ رأيهم سخيف بالنسبة إلى مراعاة مصالحهم ، فلو أطاعكم – يعني الصحابة – في جميع ما تختارونه لأدّى ذلك إلى عنتكم وحرجكم ، ولكن الرسول صلى الله عليه وسلم يرشدكم .
ثم أخبر جل جلاله بأنه يُحبّب إليكم الإيمان ، ويُزيّنه في قلوبكم ، بما أودع فيها من محبة الحق وإيثاره ، وبما نصب على الحق من الشواهد الدالة على صحته ، وقبول القلوب والفطر له ، ويُكرّه إليكم الكفر والفسوق – وهي الذنوب الكبار – والعصيان – وهي جميع المعاصي - ، بما أودع في قلوبكم من كراهية الشر وعدم إرادة فعله ، وبما نصب على الشر من الشواهد الدالة على فساده ومضرته وعدم قبول القلوب والفطر له ، وبما يجعل الله في القلوب من الكراهة له .

ثم وصف أولئك بأنهم الذين صلحت علومهم وأعمالهم واستقاموا على الدين القويم والصراط المستقيم ، وأنّ هذا الخير الذي حصل لهم هو بفضل الله وإحسانه ، لا بحولهم وقوتهم ، وأنه تبارك وتعالى عليم بمن يستحق الهداية ممن يستحق الغواية ، فهو حكيم في أقواله وأفعاله وشرعه وقدره .

ثم ينهى الله عز وجل عباده المؤمنين ، عن أن يبغي بعضهم على بعض ، ويقتل بعضهم بعضاً ، وأنه إذا اقتتلت جماعة من المؤمنين ، فإنّ على غيرهم من المؤمنين أن يتلافوا هذا الشر الكبير بالإصلاح بينهم ، والتوسط على أكمل وجه يقع به الصلح ، فإن صلحتا فبها ونعمت ، وإن بغت إحداهما على الأخرى فقاتلوا الفئة الباغية ، حتى ترجع إلى حكم الله ورسوله ، من فعل الخير وترك الشر الذي من أعظمه الاقتتال ، حتى إذا كفّت عن الاقتتال فأصلحوا بينهما ، وليكن الصلح بالعدل ، لا بالظلم والحيف على أحد الخصمين ، فلا تُراعى جماعة لقرابة أو وطن أو غير ذلك من المقاصد والأغراض ، واعدلوا في كل ما تأتون وتذرون ، فإن الله عز وجل يحب العادلين في حكمهم بين الناس ، وفي جميع الولايات التي تولوها ، حتى عدل الرجل في أهله وعياله في أداء الحقوق إليهم .

ثم عقد الله بين المؤمنين عقداً ، أنه إذا وُجِد من أي شخص كان ، في مشرق الأرض ومغربها : الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر ، فإنه أخ للمؤمنين ، أخوة تُوجب أن يُحبّ له المؤمنون ما يُحبون لأنفسهم ، ويكرهون له ما يكرهون لأنفسهم ، ومن ذلك : إذا وقع الاقتتال بينهم ، الموجب لتفرق القلوب وتباغضها وتدابرها ، فليصلح المؤمنون بين إخوانهم ، وليسعوا فيما به يزول شنآنهم ، فليس المؤمنون إلا إخوة في الدين .
ثم أمر بالتقوى ، ورتّب على القيام بها حصول الرحمة ، وإنّ عدم القيام بحقوق المؤمنين من أعظم حواجب الرحمة الذي يحصل به خيري الدنيا والآخرة .

حذّرت السورة معاشر المؤمنين من كل قول وفعل دالٍ على تحقير الأخ المسلم ، وهو دال على إعجاب الساخر بنفسه ، وعسى أن يكون المسخور به خيراً من الساخر ، وهو الغالب والواقع ، فإن السخرية لا تقع إلاّ من قلب ممتلئ من مساوئ الأخلاق ، متحلٍّ بكل خلق ذميم ، مُتخلٍّ من كل خلق كريم ، وهذا للرجال والنساء .
ولا يعب بعضكم على بعض ، ولا يُعيّر أحدكم أخاه ، ويُلقِّبه بلقب يكره أن يُقَال فيه ، واللمز بالقول ، والهمز بالفعل ، وسمى الأخ المسلم نفساً لأخيه ، لأن المؤمنين ينبغي أن يكون حالهم كالجسد الواحد .

ثم ذم الله تعالى مرتكب ذلك ، وأنَّ من فعل ما نهى عنه ، وتقدم على المعصية بعد إيمانه ، فسخر من المؤمنين ، ولمز أخاه المؤمن ، ونبذه بالألقاب ، فهو فاسق .

ومن لم يتب عن نبز أخاه أو لمزه أو سخريته منه ، فأولئك الذي ظلموا أنفسهم فأكسبوها العقاب .

ثم نهى الله عز وجل عباده المؤمنين عن كثير من الظن السيئ بالمؤمنين ، من تهمة وتخوّن للأهل والأقارب والناس عامة ، وعبّر بالكثير لوجوب الاحتياط والتورع فيما يخالج الأفئدة من هواجسه ، فلا يتلفظ به ، إلا بعد التحقق ، واعلموا أنَّ بعض الظن يكون إثماً محضاً كظن السوء الذي يقترن به كثير من الأقوال والأفعال المحرمة ، وكالظن الخالي من الحقيقة والقرينة ، وذلك بأهل الخير .

فليُتجنَّب كثير منه احتياطاً ، إذ لا داعية تدعوا المؤمن للمشي وراءه ، أو صرف الذهن فيه ، بل من مقتضى الإيمان ظنُ المؤمنين بأنفسهم خيراً .

ولما كان من ثمرات سوء الظن التجسس والاشتغال به : نهى الله عز وجل عنه ، وذلك بألاّ يتبع بعضكم عورة بعض ، ولا تُفتِّشوا عنها ، ودعوا المسلم عن حاله ، واستعملوا التغافل عن زلاته ، واقنعوا بما ظهر لكم من أمره ، وبه فاحمدوا أو ذُمّوا ، والتحسّس - بالحاء المهملة – غالباً يكون في الخير ، والتجسّس – بالجيم المعجمة – غالباً يكون في الشر ، وقد يُستعمل كل منهما في الشر .
ثم نهى الله تبارك وتعالى عن الغيبة ، وذلك بألاّ يقل بعضكم في بعض بظهر الغيب ما يكره فيه ذلك أن يقال له في وجهه ، إنّ أحدكم لو عُرِض عليه أكل لحم أخيه ميتاً لكرهه ، فلذا ينبغي أن تكرهوا غيبته ، وخافوا عقوبة الله بانتهائكم عما نهاكم عنه من ظن السوء والتجسّس عما ستر ، والاغتياب ، وغير ذلك من المناهي ؛ واعلموا أن الله يقبل توبة التائبين إليه ، ويتكّرم برحمته عن عقوبتهم بعد متابهم .

( يتبع )








.




مديح ال قطب 01-26-2021 02:50 PM



















محاور مواضيع السورة :

نبه تعالى بعد نهيه عن الغيبة واحتقار الناس بعضهم لبعض : على تساويهم في البشرية ، فأخبرهم أنه خلقهم من أصل واحد ، وهما آدم وحواء ، فلا تفاخر بالآباء والأجداد ، ولا اعتداد بالحسب والنسب ، سواء بسواء ، كلكم لآدم وآدم من تراب ؛ ولكن الله تعلى بثّ منهما رجالاً كثيراً ونساءً ، وفرّقهم ، وجعلهم شعوباً – أمة كبيرة – وقبائل – مما هو دونها- لأجل التعارف بينكم ، لا التفاخر بأنسابكم ، إنه لو استقل كل واحد منكم بنفسه ، لم يحصل بذلك التعارف الذي يترتب عليه التناصر والتعاون والتوارث والقيام بحقوق الأقارب .
واعلموا أنكم إنما تتفاضلون عند الله بالتقوى ، فمن كان أكثركم طاعة وانكفافاً عن المعاصي ، فهو المستحق لأن يكون أكرم وأشرف وأفضل ، فدعوا التفاخر بالأنساب .
إن الله عليم بظواهركم وبواطنكم ، خبير بالأتقى والأكرم ، لا تخفى عليه خافية .

إنه لمّا كانت طليعة السورة في الحديث عن جفاة الأعراب ، والإنكار على مساوئ أخلاقهم ، ختمها بتعريف أنّ من كان على شاكلتهم في ارتكاب تلك المناهي ، فهو ممن لم يخامر فؤاده الإيمان ، فهو تبارك وتعالى يُنكر على الأعراب الذين أول ما دخلوا في الإسلام ادّعوا لأنفسهم مقام الإيمان ، ولم يتمكن الإيمان في قلوبهم ، فأُدّبوا وأُعلِموا أنّ ذلك لم يصلوا إليه بعد ، فهم مسلمون ، والسبب أنكم إنما أسلمتم خوفاً أو رجاءً ، فلذلك لم تدخل بشاشة الإيمان في قلوبكم ، فهو ليسوا بمنافقين ، وإلا لفُضحوا وعُنِّفوا .

وإن تطيعوا الله ورسوله بفعل خير أو ترك شر ، فلا ينقصكم من أعمالكم ولو مثقال ذرة ، بل يوفيكم إياها ، أكمل ما تكون ، لا تفقدون منها صغيراً ولا كبيراً .

إن الله غفور لمن تاب إليه وأناب ، رحيم به ، حيث قبل توبته .
ثم بيّن تعالى الإيمان ، وما به يكون المؤمن مؤمناً ، إنما المؤمنون الصادقون في دعوى الإيمان ، الذين جمعوا بين طاعة الله ورسوله ، ولم يقع في نفوسهم شك فيما آمنوا به من وحدانية الله ونبوة نبيه ، وجاهدوا المشركين بإنفاق أموالهم وبذل مهجهم في جهادهم ، لتكون كلمة الله هي العليا وكلمة الذين كفروا السفلى ، إنّ أولئك الجامعون بين الأمور المذكورة : هم الصادقون في الاتصاف بصفة الإيمان ، والدخول في عِداد أهله ، لا من عداهم ممن أظهر الإسلام ولم يطمئن بالإيمان قلبه .


إنّ إثبات الإيمان ونفيه ، من باب تعليم الله بما في القلب ، وهو سوءُ أدبٍ وظنٍ بالله عز وجل ، ولهذا قال آمراً نبيه محمداً صلى الله عليه وسلم أن يقول لهؤلاء الأعراب : أتعلِّمون الله بدينكم ، أتخبرونه بما في ضمائركم ، إنه إن كان إخباراً للخلق فلا دليل على صدقه ، وإن كان للحق تعالى فلا معنى له ، لأنهم كيف يُعلِّمونه ، وهو العالم بكل شيء ، إنه تجمّل بما لا يجمل ، وفخر بما لا ينبغي لهم الفخر به ، فإن المنة لله تعالى عليهم ، فهو سبحانه لا يخفى عليه مثقال ذرة في الأرض ولا في السماء ، ولا أصغر من ذلك ولا أكبر ، والله بكل شيء عليم .

ثم أشار تعالى إلى نوع آخر من جفائهم ، وهو منتهم بإسلامهم ، وتكثيرهم لسواد أتباع النبي صلى الله عليه وسلم ، فردّ الله عليهم : ألاّ { تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلَامَكُم }الحجرات17، فإن نفع ذلك إنما يعود عليكم ، ولله المنة عليكم فيه ، { بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ}الحجرات17 أي أرشدكم إليه ، وأراكم طريقه ووفقكم لقبول الدين ، وشرح صدوركم له ، إن كنتم صادقين في دعواكم ، ولكن علم الله من قلوبكم أنكم كاذبون ، لاطلاعه على الغيوب ، إن الله أيها الأعراب لا يخفى عليه الصادق منكم من الكاذب ، ومن الداخل منكم في ملة الإسلام رغبة فيه ، ومن الداخل فيه رهبةً من الرسول صلى الله عليه وسلم وجنده .

فهو سبحانه يعلم الأمور الخفية التي تخفى على الخلق ، كالذي في لجج البحار ، وما جنّه الليل أو واراه النهار ، يعلم قطرات الأمطار ، وحساب الرمال وكنونات الصدور وخبايا الأمور

موضوعات السورة :

الأول : التقدم بين يدي الله ورسوله .

ولنعلم أن من مقتضى العقيدة : التحاكم إلى كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ، وهذا ما تضمنه كمال الانقياد لله ورسوله والتسليم المطلق لله ورسوله ، ولهذا ذم المشركين سبحانه وتعالى في سورة الأنعام والأعراف وغيرهما ، لكونهم حرّموا ما لم يُحرّمه الله ، ولكنهم شرعوا ديناً لم يأذن به الله ، وبهذا تعلم أن تحكيم القوانين الوضعية والإعراض عن شريعة الله ، هو خلاف مقتضيات الشهادتين ، وبطريق الأولى هو تقدّمٌ بين يدي الله ورسوله .

وعلى هذا جرى أئمة الإسلام على ما ذكرناه كابن تيمية وابن القيم وابن عبد الوهاب وابن ابراهيم وابن باز وغيرهم
وفي وجوب التحاكم إلى شرع الله {إِنَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللّهُ وَلاَ تَكُن لِّلْخَآئِنِينَ خَصِيماً }النساء105 وفي من لم يحكم بما أنزل الله {اتَّخَذُواْ أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِّن دُونِ اللّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُواْ إِلاَّ لِيَعْبُدُواْ إِلَـهاً وَاحِداً لاَّ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ }التوبة31 {وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ }المائدة44 {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُواْ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَن يَتَحَاكَمُواْ إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُواْ أَن يَكْفُرُواْ بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُضِلَّهُمْ ضَلاَلاً بَعِيداً }النساء60{فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجاً مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيماً }النساء65قال الجصّاص : وفي هذه الآية دلالة على أنّ من ردّ شيئاً من أوامر الله تعالى أو أوامر رسوله صلى الله عليه وسلم فهو خارج عن الإسلام ، سواء ردّه من جهة الشك فيه ، أو من جهة ترك القبول والامتناع من التسليم .

قال ابن عثيمين : ( وهذه المسألة ، أعني مسألة الحكم بغير ما أنزل الله ، من المسائل الكبرى التي ابتُلي بها حكام هذا الزمان ، فعلى المرء ألاّ يتسرّع في الحكم عليهم بما لا يستحقونه ، حتى يتبين له الحق ، لأن المسألة خطيرة ، نسأل الله أن يُصلح للمسلمين ولاة أمورهم وبطانتهم )
وبهذا يتضح لنا خطورة الحكم بغير ما أنزل الله ، وأنه أشد أنواع التقدم بين يدي الله ورسوله .


موضوعات السورة :

الثاني : الأدب مع العلماء :

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلَا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ }الحجرات2 عندما نزلت الآية ، تأثر الصديق أبو بكر والفاروق عمر رضي الله عنهما ، والتزما ألاّ يكلما رسول الله صلى الله عليه وسلم إلاّ سراً أو همساً ، ومن ثَمَّ نزل قوله تعالى : {إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْوَاتَهُمْ }الحجرات3 وهذا الأدب مع رسول الله صلى الله عليه وسلم التزم به الصحابة ومن بعدهم ، حتى بعد وفاته ، حيث كرهوا رفع الصوت عند قبره كما ذكر ذلك كثير من المفسّرين كابن كثير وغيره ، وهذا الأدب وعاه السلف ، حيث تجاوزوا به شخص رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى كل شيخ وعالم من العلماء ، حيث يحملون ميراث رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وهو سنته ، فالأدب مع العلماء أدب مع الله وأدب مع رسوله صلى الله عليه وسلم ، ومن أساء الأدب مع العلماء والدعاة فقد أساء الأدب مع الله ومع رسوله صلى الله عليه وسلم ، لأن ذلك لن يقف عند أشخاصهم ، بل سيتعدى إلى ما يحملونه من علم الكتاب والسنة ، ومن هذا المنطلق ، ولما نراه من هجوم على كثير من العلماء ، من تتبّع لمثالبهم وانتقاصهم والتشهير بهم ، ولم يقتصر الأمر على الأحياء ، بل تعدى إلى الأموات من سلف هذه الأمة وقدوتها.


موضوعات السورة :

الثالث : التثبت في الأخبار :

قال الله تعالى : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ }الحجرات6 وفي قراءة أخرى : ( فتثبتوا ) وهما قراءتان متواترتان ، والتثبت ينصب على السند ، أما التبين فهو حول معنى الخبر ومتنه وملابساته .
إن التثبت منهج شرعي في سماع الأخبار وتمحيصها ونقلها وإذاعتها ، بل هو أصل كبير نافع ، أمَر الله به رسوله ، كما في الآية ، وأخبر بالأضرار المترتبة على عدم التثبت {أَن تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهَالَةٍ }الحجرات6 وأنّ من تثبت لم يندم ... إن الذي يعلم كيف يتحقق وكيف يسمع وكيف ينقل وكيف يعمل هو الحازم المصيب ، ومن كان غير ذلك فهو الأحمق الطائش الذي مآله الندامة .
وعند ورود الخبر ، فإنّ المنهج الشرعي تجاه ذلك يكون بما يلي :
1- عدالة الراوي ، وذلك بسلامته من الفسق وخوارم المروءة .
2- ضبط الراوي وإتقانه وقوة حفظه ، وإنّ كثيراً ممن يروون الأخبار ويتلقونها ، يغفلون عن هذه القضية ، أو يتساهلون بها ؛ قال مالك : ( إن هذا العلم دين ، فانظروا عمَّن تأخذونه ، لقد أدركت سبعين ممن يقول : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم عند هذه الأساطين ، وأشار إلى المسجد ، فما أخذتُ عنهم شيئاً ، وإنّ أحدهم لو ائتُمن على بيت مالٍ لكان أميناً ، إلاّ أنهم لم يكونوا من أهل هذا الشأن )
3- حسن الفهم ودقة الاستيعاب للمراد :
وكم من ورع حافظ ، لكنه لا يفقه ما يروي وما يحفظ ، وإلاّ فالطفل يحفظ حفظاً عجيباً ، قد يعجز عنه بعض الكبار ، ومع ذلك لا يُدرك ما يحفظ ولا يفهم ما يروي .
ولهذا قال صلى الله عليه وسلم : « نضّر الله عبداً سمع مقالتي فحفظها ووعاها ، وبلغها من لم يسمعها ، فرُبّ حامل فقه لا فقه له ، ورُبّ حامل فقه إلى من هو أفقه منه »
4- مراعاة اتصال السند .
5- مقارنة الخبر ، وعرض متنه ومدلوله على السنن الإلهية والأحوال الجارية .
قال ابن خلدون : « وكثيراً ما وقع للمؤرخين والمفسرين وأئمة النقل من المغالط في الحكايات والوقائع لاعتمادهم فيها على مجرد النقل ، غثّاً أو سميناً ، ولم يعرضوها على أصولها ، ولا قاسوها بأشباهها ، ولا سبروها بمعيار الحكمة ... »
6- وجوب مقارنة الخبر بسيرة من نُسب إليه ابتداء ، بمعنى أنه يثبت الخبر ثبوتاً قاطعاً ، وهو لا يليق بسيرة هذا الرجل وما عُرِف عنه ، فنبحث له عن مخرج ونحمله على المحمل الحسن دون مجاملة أو مداهنة في الحق ، ولو تمحصنا بعض الأخبار التي يتعجّل بعض الناس في تصديقها وروايتها لاكتشفنا الحقيقة ، بأن هذا الخبر مكذوب ، أو قد يكون صحيحاً ولكن جاء على غير وجهه ، وقد يكون لصاحبه عذر وأنت لا تعلم ؛ قال السبكي : ( فإذا كان الرجل ثقة مشهوداً له بالإيمان والاستقامة ، فلا ينبغي أن يُحمَل كلامُه وألفاظُ كتاباتهِ على غير ما تُعوّد منه ومن أمثاله ، بل ينبغي التأويل الصالح وحسن الظن الواجب به وبأمثاله )
وقال ابن تيمية لما بلغه كلام عن سهل التستري ، مما فيه مخالفة شرعية : ( وهذه الحكاية ، إما كذب على سهل وهذا الذي نختار أن يكون حقاً ، أو تكون غلطاً منه فلا حول ولا قوة إلا بالله )
ونُنبّه إلى أن الأخبار تتفاوت ، فمنها ما يجب أن نُطبِّقه فيه ما نقدر عليه من شروط التوثيق ، ونسلك جميع السبل الممكنة للتبين والتثبت ، وأخرى دون ذلك حسب مدلولها وأثرها ، وتخصّص راويها أو المروية عنه ، فلكل خبرٍ رواتُه ، ولكل حدث فاعلوه ، ولكل جهد مصادرُها ومخبرُها ، ويجب أن تقدر كل حالة بقدرها ، فلا إفراط ولا تفريط .


الرابع : الأخوة :
قال تعالى : {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ }الحجرات10 هذه الآية أصل من الأصول التي تنظم علاقة المسلم بأخيه المسلم ، حتى الاقتتال بين المسلمين ، عدّه الله خروج عن قاعدة الأخوة التي قرّرها الله ، إنّ للأخوة الإيمانية مكانة سامية ودرجة عالية رفيعة ، قال صلى الله عليه وسلم : « أوثق عرى الإيمان الحب في الله والبغض في الله »
وعن السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم القيامة : « ورجلان تحابا في الله ، اجتمعا على ذلك وتفرقا عليه »
وهذه الآية تدل في منطوقها ومفهمومها وسياقها على عدة دلالات أهمها أمران:
1- أن الاقتتال بين المسلمين خروج عن قاعدة الأخوة التي قررها الله بقوله: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ )(الحجرات: من الآية10) فيجب اتخاذ جميع الوسائل المشروعة التي تعيد هؤلاء إلى القاعدة، ولو أدى ذلك إلى قتالهم، صيانة لهذا الأصل ومحافظة عليه.
2- أن على المؤمنين الذين لم يشاركوا في هذا الخلاف، أن يبادروا بالصلح بين الفريقين المتخاصمين، وإذا لم يجد الصلح مع أحدهما، فيجب عليهم قتاله وإجباره على ذلك.
إن هذا الأمر - وهو القيام بالصلح أو القتال - ليس أمرا اختياريا أو مندوبا، بل هو لأن هذه الآية تخولهم القيام بكل وسيلة مشروعة تعيد الأمر إلى نصابه والحق إلى أهله.
وبعد تقرير هذه القاعدة، ورسم المنهج الشرعي في المحافظة عليها، تأتي آيات أخرى متلمسة أسباب حدوث الخلاف والخصومات بين المسلمين، فتبين حكم الله فيها، وتحذر المسلمين من الوقوع في حبائلها، مغلقة أبواب الشر ووسائل الفتنة وحبائل الشيطان.
فجاءت الآيات ناهية عن: السخرية، والتنابز، واللمز، وسوء الظن والتجسس، والغيبة، والتفاخر لأن هذه الآفات من أعظم ما يبث الوشائج، ويثير الضغائن، ويفجر الخصومات، وبخاصة أن منشأها أمور قلبية، وما ظهرت على الجوارح إلا بعد أن عاشت واستوطنت القلوب زمنا، والقضاء عليها قضاء على آثارها، ومجرد إيقاف الاقتتال - لو حدث - لا يكفي لإطفاء نار الفتنة، فقد تشتعل بين لحظة وأخرى، إذا كانت النفوس تنطوي على أسباب الفتنة وجذورها.


( يتبع - سورة ق )








.




مديح ال قطب 01-26-2021 02:51 PM







سورة ق

‎‏ التعريف بالسورة


سورة مكية إلا الآية 38 فمدنية .
من المفصل .
آياتها 45 .
ترتيبها الخمسون .
نزلت بعد المرسلات .
أول سورة حزب المفصل .
بدأت السورة باسلوب قسم " ق والقرآن المجيد ".

سبب التسمية

هي من السور التي سميت بأسماء الحروف الواقعة في ابتدائها مثل طه وص . وق . ويس لانفراد كل سورة منها بعدد الحروف الواقعة في أوائلها بحيث إذا دعيت بها لا تلتبس بسورة أخرى .

وفي الإتقان أنها تسمى سورة ( الباسقات ) . هكذا بلام التعريف ، ولم يعزه [ ص: 274 ] لقائل والوجه أن تكون تسميتها هذه على اعتبار وصف لموصوف محذوف ، أي سورة النخل الباسقات إشارة إلى قوله : والنخل باسقات لها طلع نضيد .

سبب نزول السورة


عن ابن عباس أن اليهود أت النبي فسألت عن خلق السموات والارض فقال: خلق الله الأرض يوم الاحد والاثنين وخلق الجبال يوم الثلاثاء وخلق السموات يوم الاربعاء والخميس وخلق يوم الجمعة النجوم والشمس والقمر ، قالت اليهود : ثم ماذا يا محمد قال : ثم استوى على العرش قالوا : قد أصبت لو تممت ثم استراح ،فغضب رسول الله غضبا شديدا فنزلت (وَلَقَد خلقنا السموات والارض وما بينهما في ستة ايام وما مسَّنا من لغوب فاصبر على ما يقولون ).

محور مواضيع السورة :

تعالج السورة أصول العقيدة الإسلامية " الوحدانية ، الرسالة ، البعث " ولكن المحور الذي تدور حوله هو موضوع " البعث والنشور " حتى ليكاد يكون هو الطابع الخاص للسورة الكريمة وقد عالجه القرآن بالبرهان الناصع والحجة الدامغة وهذه السورة رهيبة شديدة الوقع على الحس تهز القلب هزًا وترج النفس رجًا وتثير فيها روعة الإعجاب ورعشة الخوف بما فيها من الترغيب والترهيب .
ومقصود السورة تصديق النبي صلى الله عليه وسلم في الرسالة التي معظمها الإنذار وأعظمه الإعلام بيوم الخروج بالدلالة على ذلك بعد الآيات المسموعة العنية بإعجازها عن تأييد بالآيات المرئية الدالة قطعا على الإحاطة بجميع صفات الكمال، وأحسن من هذا أن يقال: مقصودها الدلالة على إحاطة القدرة التي هي نتيجة ما ختمت به الحجرات من إحاطة العلم لبيان أنه لابد من البعث ليوم الوعيد، فتكتنف هذه الإحاطة بما يحصل من الفضل بين العباد بالعدل لأن ذلك هو سر الوجود وذلك هو نتيجة مقصود البقرة، والذي تكفل بالدلالة على هذا كله ما شوهد من إحاطة مجد القرآن بإعجازه في بلوغه في كل من جميع المعاني وعلو التراكب وجلالة المفردات وتلازم الحروف وتناسب النظم ورشاقة الجمع وحلاوة التفضيل إلى حد لا تطيقه القوى، ومن إحاطة القدرة بما هدى إليه القرآن من آيات الإيجاد والإعدام، وعلى كل من الاحتمالين دل اسمها ق لما في آياته من إثبات المجد بهذا الكتاب، والمجد هو الشرف والكرم والرفعة والعلو، وذلك لا يكون إلا والآتي به كذلك، وهو ملازم لصدقه في جميع ما أتى به، وللقاف وحدها أتم دلالة على ذلك، أولا بمخرجها فإنه من أصل اللسان مما يلي الحلق ويحاذيه من الحنك الأعلى، فإن ذلك إشارة إلى أن مقصود السورة الأصل والعلو، وكل منها دال على الصدق دلالة قوية، فإن الأصل في وضع الخبر الصدق، ودلالته على الكذب وضعية لا عقلية، وهي أيضا محيطة باسمها أو مسماها بالمخارج الثلاث، والإحاطة بالحق لا تكون إلا مع العلو، وهو لا يكون إلا مع الصدق، ولإحاطتها سمي بها الجبل المحيط بالأرض، هذا بمخرجها، وأما صفتها فإنها عظيمة في ذلك فإن لها الجهر والشدة والانفتاح والاستعلاء والقلقة، وكل منها ظاهر الدلالة على ذلك جدا، وأدل ما فيها من المخلوقات على هذا المقصد النخل، لما انفردت به عما شاركها من النبلات بالإحاطة بالطول وكثرة المنافع، فإنها جامعة للفكه بالقلب ثم الطلع ثم البسر ثم الرطب وبالاقتيات بالتمر وبالخشب والحطب والقطا والخوض النافع للافتراش والليف النافع للحبال، ودون ذلك وأعلاه من الخلال، هذا مع كثرة ملابسة العرب الذين هم أول مدعو بهذا الكتاب الذكر لها ومعرفتهم بخواصهعا، وأدل ما فيها الطول مع أنه ليس لعروقها من الامتداد في الأرض والتمكن ما لغيرها، ومثل ذلك غير كاف في العادة في الإمساك عن السقوط وكثرة الحمل وعظم الإفناء وتناضد الثمر، ولذلك سميت سورة الباسقات لا النخل.


ومن مقاصد السورة أيضا : إِثبات النبوّة للرّسول صلى الله عليه وسلم وبيان حُجّة التَّوحيد، والإِخبار عن إِهلاك القرون الماضية، وعلم الحقّ تعالى بضمائر الخَلْق وسرائرهم، وذكر الملائكة الموكَّلين على الخَلْق، المشرفين على أَقوالهم، وذكر بَعْث القِيامة، وذُلّ العاصين يومئذ، ومناظرة المنكرين بعضهم بعضًا في ذلك اليوم، وتَغَيُّظ الجحيم على أَهله، وتشرّف الجنَّة بأَهلها، والخبر عن تخليق السّماءِ والأَرض، وذكر نداءِ إِسرافيل بنفخة الصُّور، ووعظ الرّسول صلَّى الله عليه وسلم الخَلْق بالقرآن المجيد في قوله: {فَذَكِّرْ بِالقرآن مَن يَخَافُ وَعِيدِ}.

ابتدأت السورة بالقضية الأساسية التي أنكرها كفار قريش، وتعجبوا منها غاية العجب، وهي قضية الحياة بعد الموت، والبعث بعد الفناء {ق والقرآن المجيد بل عجبوا أن جاءهم منذر منهم فقال الكافرون هذا شيء عجيب أئذا متنا وكنا ترابا ذلك رجع بعيد} الآيات.
ثم لفتت السورة أنظار المشركين- المنكرين للبعث- إلى قدرة الله العظيمة، المتجلية في صفحات هذا الكون المنظور، في السماء والأرض، والماء والنبت، والثمر والطلع، والنخيل والزرع، وكلها براهين قاطعة على قدرة العلي الكبير {أفلم ينظروا إلى السماء فوقهم كيف بنيناها} الآيات.
وانتقلت السورة الكريمة للحديث عن المكذبين من الأمم السالفة، وما حل بهم من الكوارث وأنواع العذاب، تحذيرا لكفار مكة أن يحل بهم ما حل بالسابقين {كذبت قبلهم قوم نوج وأصحاب الرس وثمود} الآيات.
ثم انتقلت السورة للحديث عن سكرة الموت، ووهلة الحشر، وهول الحساب، وما يلقاه المجرم في ذلك اليوم العصيب، من أهوال وشدائد تنتهي بإلقائه في الجحيم {ونفخ في الصور ذلك يوم الوعيد} الآيات.
وختمت السورة الكريمة بالحديث عن صيحة الحق وهي الصيحة التي يخرج الناس بها من القبور، كأنهم جراد منتشر، ويساقون للحساب والجزاء، لا يخفى على الله منهم أحد، وفيه إثبات للبعث والنشور، الذي كذب به المشركون {واستمع يوم يناد المناد من مكان قريب يوم يسمعون الصيحة بالحق ذلك يوم الخروج} الآيات.

( يتبع )









مديح ال قطب 01-26-2021 02:52 PM










تابع – سورة ق

محور مواضيع السورة :

جاء في خطبة للشيخ صالح بن عواد المغامسي
بعنوان : وقفات مع سورة " ق "
لا أحد أعلم بالله من الله تبارك وتعالى , ولا أحد أدل على الطريق الموصل إلى جنانه والمبعد عن نيرانه منه تبارك وتعالى ولهذا أقسم الله جل وعلا في صدر هذه السورة بالقرآن وختم هذه السورة بقوله جل شأنه : {فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَن يَخَافُ وَعِيدِ } [ق45] .

وإن المؤمن إذا كان على الفطرة قويماً مستقيماً على منهاج محمد صلى الله عليه وسلم كان لا يتأثر بشيء أعظم من تأثره بالقرآن . بالقرآن يجاهد المؤمن قال الله جل وعلا : { وَجَاهِدْهُم بِهِ جِهَاداً كَبِيراً } [الفرقان52] . وبالقرآن يقوم المؤمن بين يدي ربه {وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَّكَ عَسَى أَن يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَاماً مَّحْمُوداً}[الإسراء79] . وبالقرآن يخوف من عصى الله { فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَن يَخَافُ وَعِيدِ} .

جعله الله جل وعلا شرفاً لهذه الأمة في الدنيا والآخرة {وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَّكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ} [الزخرف44] والذكر هنا بمعنى الشرف العالي والمقام العظيم الذي أتاه الله نبيه صلى الله عليه وسلم بما أوحى إليه من هذا القرآن العظيم .

ثم أخبر تبارك وتعالى أن أعظم العجب الذي انتاب كفار قريش أنهم استكبروا أن يبعث رسول من بين أظهرهم يعرفهم ويعرفونه فقالوا مستكبرين كما قال الله جل وعلا : {بَلْ عَجِبُوا أَن جَاءهُمْ مُنذِرٌ مِّنْهُمْ } [ق2] وهذه العلة في الرد هي العلة التي امتطتها الأمم من قبل فأكثر الأمم التي بعث إليها الرسل كان أكبر حجتهم في الرد على رسولهم أنهم اعترضوا أن يبعث الله جل وعلا بشراً رسولاً فأخبر الله تبارك وتعالى أنه لو قُدّر أن ينزل الله جل وعلا ملكا لكان هذا الملك بشراً رسولاً يحمل أوصافهم ولبقي الأمر ملتبساً عليهم كما بقي في الأول ورسولنا صلى الله عليه وسلم كانت قريش تعرفه قبل أن يبعث تعرفه بأمانته وعفافه وطهره صلوات الله وسلامه عليه تعرف منشأه ومدخله و مخرجه فليس لهم حجة في اعتراضهم عليه صلوات الله وسلامه عليه .

بل الأمر رحمة من الله محضة يضعها الله حيث يشاء قال جل ذكره : {وَقَالُوا لَوْلَا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِّنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ } [الزخرف31] فقال تبارك وتعالى مجيب لهم : {أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَةَ رَبِّكَ } [الزخرف32] فاقتضت رحمة الله جل وعلا وحكمته و مشيئته أن يكون محمد بن عبد الله صلوات الله وسلامه عليه خاتم الأنبياء وسيد الأولياء وأفضل الخلق أجمعين ولله جل وعلا الحكمة البالغة و المشيئة النافذة {بَلْ عَجِبُوا أَن جَاءهُمْ مُنذِرٌ مِّنْهُمْ فَقَالَ الْكَافِرُونَ هَذَا شَيْءٌ عَجِيبٌ } [ق2] .




وكما اعترضوا على الرسول اعترضوا على الرسالة وأعظم ما اعترضوا عليه إنكارهم للبعث والنشور وأن العظام إذا بليت والأجساد إذا تقطعت سيكون لها بعد ذلك مبعث ونشور كما أخبر الله تبارك وتعالى عنهم فقالوا : {أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَاباً ذَلِكَ رَجْعٌ بَعِيدٌ } [ق3] فقال الحق جل جلاله وعظم سلطانه : {قَدْ عَلِمْنَا مَا تَنقُصُ الْأَرْضُ مِنْهُمْ وَعِندَنَا كِتَابٌ حَفِيظٌ } [ق4] .

قال صلوات الله وسلامة عليه : ( إن بني آدم خلق من عجب الذنب منه خلق وفيه يركب فكل جسد بني آدم يبلى في قبره إلا عجب الذنب ) . أجساد الشهداء أجساد حفاظ القرآن أجساد الصالحين أجساد غيرهم من الخلق أجمعين كُلها تبلى إلا أجساد الأنبياء قال صلى الله عليه وسلم : ( إذا كانت ليلة الجمعة أو يومها فأكثروا من الصلاة علي قالوا : يا رسول الله كيف نصلي عليك وقد أرمت فقال : " إن الله حرم على الأرض أن تأكل أجساد الأنبياء " ) فخرجت أجساد الأنبياء بهذا الحديث الصحيح وبقي ما غيرها من الأجساد عرضه للبلاء والذهاب كما أخبر الله تبارك وتعالى ظاهراً في كتابه وكما بينته السنة الصحيحة الصريحة عن الرسول الهدى صلوات الله وسلامة عليه .

{ قَدْ عَلِمْنَا مَا تَنقُصُ الْأَرْضُ مِنْهُمْ وَعِندَنَا كِتَابٌ حَفِيظٌ } ذلكم هو اللوح المحفوظ .
{ حَفِيظٌ } أي محفوظ لا يتغير ولا يتبدل , حفيظ لا يشذ عنه شيء , حفيظ كتبته الملائكة بأمر من الرب تبارك وتعالى فما فيه لا يتغير ولا يتبدل إلى أن يقوم الخلق ويحضر الأشهاد بين يدي رب العباد تبارك وتعالى .

ثم ذكر جل شأنه بعض من عظيم خلقه وجلائل صنائعه فذكر السماء والأرض وإنزال المطر وإنبات الزرع وأن ذلك كله لا يخلقه إلا الله تبارك وتعالى ومن تأمل في عظيم المخلوقات دلته بصيرته وبصره إلى رب البريات جل جلاله فما أجمل أن تكون الأشياء من حولنا تدلنا على ربنا تبارك وتعالى قال الله جل وعلا عن القانتين من خلقه والمتقين من عباده : { إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآيَاتٍ لِّأُوْلِي الألْبَابِ * الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَىَ جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ } [آل عمران191 ]فما عظمة المخلوق إلا دلالة على عظمة الخالق . وما جلالة المصنوع إلا دلالة على جلالة البارئ جل شأنه .

والله تبارك وتعالى ما من مخلوق إلا والله جل وعلا خالقه ومدبره فقير كل الفقر ذلك المخلوق إلى الله والله جل وعلا غني كل الغنى عن كل مخلوق خلق العرش وهو مستغني عن العرش خلق حملة العرش وهو جل وعلا مستغني عن حملة العرش خلق جبريل و ميكائيل و إسرافيل وملك الموت وغيرهم من الملائكة وهو جل وعلا مستغنى كل الغنى عنهم وهم أجمعون فقراء كل الفقر إلى ربهم تبارك وتعالى .

{اللّهُ لاَ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ } [البقرة255] فحياته جل شأنه حياة لم يسبقها عدم ولا يلحقها زوال وقوله جل وعلا { الْقَيُّومُ } أي قيوم السموات والأرض احتاج كل أحد إليه واستغنى جل وعلا عن كل أحد سواه لا إله إلا هو رب العرش العظيم .

ذكر جل وعلا بعد ذلك الخصومة التي بين نبيه صلى الله عليه وسلم وبين كفار قريش اعترفوا أول الأمر أن الله هو خالقهم ثم قالوا إن الله غير قادر على أن يبعثنا فقال الله جل وعلا : {أَفَعَيِينَا بِالْخَلْقِ الْأَوَّلِ بَلْ هُمْ فِي لَبْسٍ مِّنْ خَلْقٍ جَدِيدٍ }[ ق15 ] .

فهم متفقون على أننا قد خلقناهم أول مرة لكن اللبس الذي في قلوبهم والشكك الذي في صدورهم إنما هو ناجم عن إعادة البعث والنشور قال الله جل وعلا مجيباً العاص ابن وائل لما أخذ عظاماً بالية ووضعها في كفة ثم نفثها في وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يقول : " أتزعم يا محمد أن ربك يعيد هذا بعد خلقه " ، قال الله مجيباً له : {وَضَرَبَ لَنَا مَثَلاً وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ * قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ * الَّذِي جَعَلَ لَكُم مِّنَ الشَّجَرِ الْأَخْضَرِ نَاراً فَإِذَا أَنتُم مِّنْهُ تُوقِدُونَ * أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُم بَلَى وَهُوَ الْخَلَّاقُ الْعَلِيمُ } [يس81] آمنا بالله الذي لا إله إلا هو قال الله : { أَفَعَيِينَا بِالْخَلْقِ الْأَوَّلِ بَلْ هُمْ فِي لَبْسٍ مِّنْ خَلْقٍ جَدِيدٍ } ثم قال جل وعلا : {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ} [ق16] وهذا قرب الله جل وعلا من عباده بملائكة بذلكم الرقيبين الذين يحصيان الكلمات ويعدان الأفعال . الذي عن اليمين يكتب الحسنات ويشهد على الآخر والذي عن الشمال يكتب السيئات ويشهد على الآخر ثم يلتقيان مع صاحبهما بين يدي الله بين يدي من لا تخفى عليه خافية فطوبى لعبد كانت سريرته خيراً له من علانيته . قال الله جل وعلا : {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ * إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ } وهذا بيان للأول أي : {وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ }حين يتلقى المتلقيان {إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ * مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ} تمضي على ذلك أيامه وأعوامه وما كتب الله له من الحياة حتى يواجه سكرت الموت وكلما تلفظ به أمر مسطور مكتوب لا يغيب قال الله سبحانه : {وَجَاءتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنتَ مِنْهُ تَحِيدُ } [ق19] أي تفر فلا يوجد أحد يلقي بنفسه إلى المهالك قال الله : {وَجَاءتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ } .
وقف الصديق رضي الله عنه يواجه سكرة الموت وهو مضطجع في بيته فقالت الصديقة رضي الله عنها ابنته عائشة لما رأت أباها يواجه سكرت الموت تردد قولاً قديماً لحاتم طي :

لعمرك ما يغني الثراء عن الفتى ***إذا حشرجت يوماً وضاق بها الصدر

فكشف الصديق وهو في سكرة الموت عن غطاءه وقال : " يا بنيه لا تقولي هذا ولكن قولي كما قال الله : { وَجَاءتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنتَ مِنْهُ تَحِيدُ }" .

( يتبع )









مديح ال قطب 01-26-2021 02:53 PM












تابع – سورة ق

محور مواضيع السورة :

إن سكرة الموت غرغرة الروح قبل أن تخرج من الجسد فإذا خرجت سميت روحاً وإذا بقيت ما زالت نفساً وهي لحظات يواجهها كل أحد ولو بدا لك بين عينيك أن الميت لا يواجه شيئاً من هذا فكم من أمر مخفي لا يعلمه إلا الله ويشتد الموت على الأنبياء لأن الموت مصيبة والمصيبة أعظم ما تكون على الصالحين وأولياء الله المتقين وإن لم يبدو ذلك ظاهر للعيان لمن كان محيطاً بالميت لكن الميت حال نزع الروح يواجه من الأمور العظام ما الله بها عليم , ثم يخففه الله جل وعلا فتنزع روحه آخر الأمر نزعاً رفيقاً خفيفاً لعناية الرب تبارك وتعالى بأوليائه بعد أن تثبتهم الملائكة كما قال الله جل وعلا في فصلت : {إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ } [فصلت30 ] .

{وَجَاءتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنتَ مِنْهُ تَحِيدُ * وَنُفِخَ فِي الصُّورِ } [ق19] أي مرت على الناس أهلة وأهلة وهم في قبورهم ثم انتهى الأمر إلى الفناء العام فنفخ في الصور النفخة الأخرى فقام الناس بين يدي ربهم {وَنُفِخَ فِي الصُّورِ ذَلِكَ يَوْمُ الْوَعِيدِ * وَجَاءتْ كُلُّ نَفْسٍ مَّعَهَا سَائِقٌ وَشَهِيدٌ * لَقَدْ كُنتَ فِي غَفْلَةٍ مِّنْ هَذَا فَكَشَفْنَا عَنكَ غِطَاءكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ } [ق22] فليست حياة البرزخ ولا حياة الآخرة كحياة الدنيا فإن في الدنيا من الغيبيات ما الله به عليم وفي حياة البرزخ ينكشف الكثير من تلك الغيبيات وفي حياة الآخرة يصبح الأمر كله عين اليقين يرى الإنسان ما كان يسمعه ويقرأه و يتلوه من كلام لله عز وجل وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم وما أخبر به من الغيبيات يراه ماثلاً بين عينيه قال الحق جل شأنه : {فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ } وهنا يقول قرينه ذلك الشيطان الذي أوكل إليه " والواو واو عطف " {وَقَالَ قَرِينُهُ هَذَا مَا لَدَيَّ عَتِيدٌ } [ق23] .

فيكون الخطاب الرباني : {أَلْقِيَا فِي جَهَنَّمَ كُلَّ كَفَّارٍ عَنِيدٍ * مَّنَّاعٍ لِّلْخَيْرِ مُعْتَدٍ مُّرِيبٍ * * الَّذِي جَعَلَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ فَأَلْقِيَاهُ فِي الْعَذَابِ الشَّدِيدِ } [ق26] .

لا ذنب يُلقى الله جل وعلا به أعظم من الشرك وهذا لا يغفره الله أبداً أما المؤمنون فإن أول ما يُنظر فيما فعلوه ما بينهم وبين الله هو الصلاة فمن حافظ عليها فقد حفظ دينه ومن ضيعها فهو إلى ما سواها أضيع .
وأول ما ينظر إليه بين الناس والآخرين مسألة الدماء فأول ما يقضي به بين الخلائق الدماء . في الدماء أول ما يقضي به بين العباد لما يتعلق بحال بعضهم ببعض والصلاة أول ما ينظر فيه مابين العبد وبين ربه , والشرك ذنب لا يغفره الله حرم الله جل وعلا على أهله الجنة .
ثم قال الله جل وعلا : {وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ غَيْرَ بَعِيدٍ * هَذَا مَا تُوعَدُونَ لِكُلِّ أَوَّابٍ حَفِيظٍ } [ق32 ] المؤمن في طريقه إلى الله جل وعلا يقول الله عنه : {لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي كَبَدٍ} [البلد4 ] ينتابه الحزَن والسرور والصحة والمرض والشباب والشيخوخة والصغر من قبل تنتابه أمور كثيرة و مطالب عظام يزدلف حيناً إلى طاعات يقع أحياناً في المعاصي يستغفر ما بين هذا وذاك يفقد أمواله يفقد أولاده يخاف يحزن إلى غير ذلك مما يشترك فيه أكثر الناس فيبقى الحزن في قلبه حتى يقف بين يدي الله جل وعلا ويُيمّن كتابه ويرى الجنة قد قربت وأزلفت فإذا دخلها نسي كل بؤس وحزن قد مر عليه قبل ذلك جعلني الله وإياكم من أهل ذلك النعيم .
قال الله جل وعلا : {وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ غَيْرَ بَعِيدٍ} . { هَذَا } أي الذي ترونه {مَا تُوعَدُونَ } أي ما كنتم توعدونه في الدنيا {هَذَا مَا تُوعَدُونَ لِكُلِّ أَوَّابٍ حَفِيظٍ} . { أَوَّابٍ } دائم التوبة والإنابة و الاستغفار لله جل وعلا حفيظ لجوارحه أن تقع في الفواحش مما حرم الله مما ظهر منها أو بطن {هَذَا مَا تُوعَدُونَ لِكُلِّ أَوَّابٍ حَفِيظٍ} .
ذكر الله جل وعلا النار قبلها وأنها يلقى فيها حتى تقول قطٍ قطٍ أي يكفي يكفي قال الله جل وعلا قبل ذلك : {يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلِ امْتَلَأْتِ وَتَقُولُ هَلْ مِن مَّزِيدٍ * وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ غَيْرَ بَعِيدٍ * هَذَا مَا تُوعَدُونَ لِكُلِّ أَوَّابٍ حَفِيظٍ * مَنْ خَشِيَ الرَّحْمَن بِالْغَيْبِ وَجَاء بِقَلْبٍ مُّنِيبٍ} [ق33 ] .

ما القول الذي يقال لهم يقول لهم العلي الأعلى : {ادْخُلُوهَا بِسَلَامٍ ذَلِكَ يَوْمُ الْخُلُودِ} [ق34] والموت أعظم ما يخوف به الناس في الدنيا ولأجل ذلك يُلقى ويذهب عنهم يوم القيامة قال الله جل وعلا : {ادْخُلُوهَا بِسَلَامٍ ذَلِكَ يَوْمُ الْخُلُودِ * لَهُم مَّا يَشَاؤُونَ فِيهَا وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ } [ق35 ] وأعظم ما فسر به المزيد رؤية وجه الله تبارك وتعالى .
اللهم إنا نسألك في مقامنا هذا لذة النظر إلى وجهك والشوق إلى لقاءك في غير ضراء مضرة ولا فتنة مضله أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولسائر المسلمين فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم ..

قال جل ذكره : {وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُم مِّن قَرْنٍ هُمْ أَشَدُّ مِنْهُم بَطْشاً فَنَقَّبُوا فِي الْبِلَادِ هَلْ مِن مَّحِيصٍ * إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَن كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ } [ق37 ] .

و إن من دلائل العقل والاتعاظ والإيمان أن ينظر الإنسان في الأمم الغابرة والأيام الخالية فينظُر إلى صنيع الله جل وعلا فيمن عصاه ورحمته تبارك وتعالى فيمن أطاعه واتبع هداه .
ثم ذكر جل وعلا رداً على اليهود التي زعمت أن الله بدأ الخلق يوم الأحد وانتهى يوم الجمعة واستراح يوم السبت تعالى الله عما يقول الظالمون علواً كبيراً فقال جل ذكره ممجّداً نفسه ومادحاً ذاته العلية : {وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَمَا مَسَّنَا مِن لُّغُوبٍ } [ق38] .

ثم أمر نبيه بالصبر على ما يقوله أعدائه {فَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ} ولابد للصبر من مطيه ألا وأعظم المطايا ذكر الله تبارك وتعالى والوقوف بين يديه مناجاة ودعاء قال الله جل وعلا : {فَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ الْغُرُوبِ } [ق39] .

ثم قال جل شأنه بعد أن دعا نبيه إلى كثرة الصلاة والذكر على القول بأن التسبيح هنا الصلاة وعلى القول بأنه الذكر المطلق والمقيد وهو أظهر والعلم عند الله {وَاسْتَمِعْ يَوْمَ يُنَادِ الْمُنَادِ مِن مَّكَانٍ قَرِيبٍ} [ق41] .

{ وَاسْتَمِعْ } هذا نداء لكل من يقرأ القرآن والمنادي هو إسرافيل عليه السلام والمكان القريب بيت المقدس سمي قريباً لأنه قريب من مكة وهذه السورة نزلت في مكة وليست بيت المقدس عن مكة ببعيد.

{وَاسْتَمِعْ يَوْمَ يُنَادِ الْمُنَادِ مِن مَّكَانٍ قَرِيبٍ * يَوْمَ يَسْمَعُونَ الصَّيْحَةَ بِالْحَقِّ ذَلِكَ يَوْمُ الْخُرُوجِ } [ق42] . ينادي أيتها العظام البالية أيتها الأوصال المتقطعة إن الله يدعكن لفصل القضاء فتجتمع الأجساد وتدب فيها الأرواح بعد أن تخرج من مستقرها ويخرج الناس لرب العالمين قال جل ذكره : {يَوْمَ يَسْمَعُونَ الصَّيْحَةَ بِالْحَقِّ ذَلِكَ يَوْمُ الْخُرُوجِ إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي وَنُمِيتُ وَإِلَيْنَا الْمَصِيرُ * يَوْمَ تَشَقَّقُ الْأَرْضُ عَنْهُمْ سِرَاعاً ذَلِكَ حَشْرٌ عَلَيْنَا يَسِيرٌ * نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَقُولُونَ } [ق45] . سواء جهروا به أو لم يجهروا فالقلوب له مفضية والسر عنده علانية وليس عليك أيها النبي إلا البلاغ فقال الله جل وعلا له : { فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَن يَخَافُ وَعِيدِ} [ق45] . عوداً على بدء كما أقسم الله بقرآنه العظيم ختم السورة به كما بيناه في أول خطبتنا وذلك أن القرآن جعله الله جل وعلا هدى ونوراً لهذه الأمة





فضل السورة :

ورد بشأنها عدة أحاديث ، منها :
1 - ما رواه مسلم (891) عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ اللهِ : " أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ سَأَلَ أَبَا وَاقِدٍ اللَّيْثِيَّ : مَا كَانَ يَقْرَأُ بِهِ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْأَضْحَى وَالْفِطْرِ؟ ، فَقَالَ: كَانَ يَقْرَأُ فِيهِمَا بِ ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ ، وَاقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ) .
2 - وروى مسلم أيضا (873) عَنْ أم هشام بِنْتٍ حَارِثَةَ بْنِ النُّعْمَانِ قَالَتْ : (مَا حَفِظْتُ ق، إِلَّا مِنْ فِي رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، يَخْطُبُ بِهَا كُلَّ جُمُعَةٍ) ، قَالَتْ: وَكَانَ تَنُّورُنَا وَتَنُّورُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاحِدًا " .
قال النووي رحمه الله :
" قَالَ الْعُلَمَاء سَبَب اِخْتِيَار ( ق ) أَنَّهَا مُشْتَمِلَة عَلَى الْبَعْث وَالْمَوْت وَالْمَوَاعِظ الشَّدِيدَة وَالزَّوَاجِر الْأَكِيدَة ، وَفِيهِ اِسْتِحْبَاب قِرَاءَة ( ق ) أَوْ بَعْضهَا فِي كُلّ خُطْبَة " انتهى .
وقال ابن كثير رحمه الله :
" كَانَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْرَأُ بِهَذِهِ السُّورَةِ فِي الْمَجَامِعِ الْكِبَارِ ، كَالْعِيدِ وَالْجُمَعِ ، لِاشْتِمَالِهَا عَلَى ابْتِدَاءِ الْخَلْقِ ، وَالْبَعْثِ وَالنُّشُورِ وَالْمَعَادِ وَالْقِيَامِ وَالْحِسَابِ ، وَالْجَنَّةِ وَالنَّارِ والثواب والعقاب والترغيب والترهيب " انتهى من "تفسير ابن كثير" (7/ 367) .

3 - وروى الإمام أحمد (16982) عَنْ وَاثِلَةَ بْنِ الْأَسْقَعِ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ( أُعْطِيتُ مَكَانَ التَّوْرَاةِ السَّبْعَ، وَأُعْطِيتُ مَكَانَ الزَّبُورِ الْمَئِينَ، وَأُعْطِيتُ مَكَانَ الْإِنْجِيلِ الْمَثَانِيَ، وَفُضِّلْتُ بِالْمُفَصَّلِ ) صححه الألباني في الصحيحة (1480)
وسورة " ق " أول المفصل كما قال ابن كثير رحمه الله في تفسيره (7 /392) .
وانظر إجابة السؤال رقم : (143301) .

4 - وروى مسلم (458) عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ قَالَ : " إِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقْرَأُ فِي الْفَجْرِ بِـــ " ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ " وَكَانَ صَلَاتُهُ بَعْدُ تَخْفِيفًا " .
وفي رواية له : " كَانَ يَقْرَأُ فِي الْفَجْرِ بِـ " ق وَالْقُرْآنِ " وَنَحْوِهَا " .

5 - ذكر الزيلعي رحمه الله في "تخريج أحاديث الكشاف" (3/ 361) أن الثعلبي روى عَن أبي بن كعب عن رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ أَنه قَالَ : (من قَرَأَ سُورَة ق هون الله عَلَيْهِ ثَارَاتِ الْمَوْت وَسَكَرَاته) .
ولكن هذا من جملة الحديث الموضوع المروي عن أبي بن كعب رضي الله عنه في فضائل السور ، وقد اتفق العلماء على أنه حديث باطل موضوع كله .
وقال ابن الجوزي رحمه الله :
" وقد فرق هذا الحديث أبو إسحاق الثعلبي في تفسيره ، فذكر عند كل سورة منه ما يخصها ، وتبعه أبو الحسن الواحدى في ذلك "

( يتبع – سورة الذاريات )






مديح ال قطب 01-26-2021 02:54 PM










سورة الذاريات

‎‎‏ التعريف بالسورة

سورة مكية .
من المفصل .
آياتها 60 .
ترتيبها الحادية والخمسون .
نزلت بعد الأحقاف.
بدأت السورة باسلوب قسم " والذاريات " ويقصد بها الرياح اسم السورة ( الذاريات ) .

سبب التسمية

سميت هذه السورة الكريمة بالذاريات لأن الله تبارك وتعالى بدأ السورة الكريمة بالقسم بالذاريات, والذاريات هي للريح التي تذرو التراب فتفتته وتفرقه, وقد أطلق الله عزوجل على الرياح اسم الذاريات, وأقسم بها نظرا لقوتها على تفتيت التراب وتفرقته ونقله من مكان الى آخر والذي نشعر به بشكل هواء.

سبب نزول السورة

عن قتادة في قوله ( فَتَوَلَّ عَنْهُمْ فَمَا أَنْتَ ِبمَلُومٍ ) قال : ذُكِرَ لنا أنها لما نزلت اشتد على أصحاب رسول الله و رأوا أن الوحى قد انقطع ، وأن العذاب قد حضر فأنزل الله بعد ذلك ( وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ المؤْمِنِينَ ) .


محاور ومقاصد مواضيع السورة :

هذه السورة الكريمة من السور المكية التي تقوم على تشييد دعائم الإيمان ، وتوجيه الأبصار إلى قدرة الله الواحد القهار، وبناء العقيدة الراسخة على أسس التقوى والإيمان .

و شانها شان السور المكية الأخرى وقد تناولت أصول العقيدة الاسلامية من تشييد دعائم الايمان, وتوجيه الأبصار الى قدرة الله الواحد القهار, وباء العقيدة الراسخة على أسس التقوى, وتناولها لقضايا البعث والشور والحساب والجزاء.

ابتدأت السورة الكريمة بقسم الله سبحانه وتعالى بالرياح (الذاريات) التي تذرو الغبار, وأقسم تبارك وتعالى بالسحب (الحاملات) مياه الأمطار, وأقسم عزوجل بالسفن (الجاريات) التي تسيّر المراكب والسفن في البحاروالتي تسير على سطح الماء بقدرة الواحد الأحد الفرد الصمد القادر المقتدر, وأقسم المولى عزوجل بالملائكة الأطهار (المقسمات) المكلفين بتدبير شؤون الخلق, من رزق وما تتطلبه حياتهم المعيشية, نعم هكذا أقسم المولى عززوجل بالأمور الكونية الأربعة لتوضح للخلق بأنّ الحشر كائن لا محالة, وأنه لا بدّ من البعث والجزاء لتجزى كل نفس ما كسبت فان خيرا فخير, وان شرا فشر, وكل ملك من الملائكة الكرام مخصّص بأمر معين لا يحيد عنه قيد أنملة بميزان دقيق سخره الله تبارك وتعالى بحكمه وعمه وهيمنته وسيطرته, فأي خلل ولو كان ضئيلا قد يفسد الكون ولكنه بيد حكيم عليم سبحانه وتعالى مقدّر الأرزاق والأكوان والكواكب والمجرات , انه هو اللطيف الخبير, العزيز الوهاب, الحكيم المتعال, الحنان المنان ذو الجلال والاكرام, تبارك الله أحسن الخالقين.

ثم انتقلت السورة الكريمة الى الحديث عن كفار مكة المكذبين بالقرىن واليوم الآخر, فبينت حالهم في الدنيا ومآلهم في الآخرة, حيث يعرضون على نار جهنم فيصلون عذابها ونكالها, وقد عبّر القرآن الكريم عن ذلك بلفظ القتل, فقال تعالى: قتل الخراصّون * الذين هم في غمرة ساهون* يسألون أيّان يوم الدين, أي لعن الكذابون الذين قالوا أنّ للنبي صلى الله عليه وسلم شاعر وساحر ومجنون, الى غير ذلك من الأقوال المختلفة التي لا تليق بمقامه السامي صلى الله عليه وسلم عند ربّ العالمين الذي أرسله رحمة للعالمين, وتكذيبهم بما جاءهم به من عند الله تعالى وهو القرآن الكريم, وبتكذيبهم باليوم الآخر والبعث بعد الموت, وما الى هناك من حقائق ذكرها القرآن الكريم أنها واقعة لا محالة, وكلمة القتل اذا أخبر الله تعالى به على أحد يعني به اللعنة عليه أو عليهم, على اعتبار أنّ من لعنه الله تعالى يكون بمنزلة المقتول الهالك.

ثم انتقلت السورة الكريمة الى الحديث عن المؤمنين وما اعده الله عزوجل لهم من تكريم في جنات النعيم , من الكرمة الخالدة في الآخرة.

( يتبع )








مديح ال قطب 01-26-2021 02:55 PM



















تابع سورة الذاريات

محاور ومقاصد السورة

تحدثت السورة الكريمة عن القدرة والوحدانية في هذا الكون الفسيح في سماءه وأرضه, في جباله ووهاده, وفي خلق الانسان في أبدع صورة وأجمل تكوين, وكلها دلائل على قدرة ربّ العالمين الذي خلق كل شيء فأحسن خلقه سبحانه وتعالى عما يصفون وعما يشركون.

ثم تناولت جانبا من قصص الرسل الكرام صلوات ربي وسلامه على نبينا وعليهم أجمعين, فذكرت قصة لوط وابراهيم وموسى عليهم الصلاة والسلام, وكرت قصص الجبابرة الطغاة من قوم عاد وثمود وقوم نوح عليه الصلاة والسلام, وما ذكر القصص هذه في القرآن الا تسلية لفؤاد النبي صلى الله عليه يدعوه ربه الى تحمل الشدائد والصبر عليها وأنه ما حصل معه كان قد سبقه اليه أخوانه الأنبياء من قبله, وسرد كل تلك القصص للعبرة والعظة لأولى الأبصارو لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد (ق 37)

وختم الله عزوجل السورة الكريمة ببيان الغاية والهدف من خلق الانس والجان, لمعرفته جل وعلا وعبادته وتوحيده وافراده بالاخلاص والتوجه لوجهه الكريم بأنواع العبادات والقربات:

وما خلقت الجنّ والانس الا ليعبدون * ما أريد منهم من رزق وما أريد أن يطعمون * انّ الله هو الرزاق ذو القوة المتين (الذاريات 54- 56)

وتحدثت السورة عن الرياح التي تذرو الغبار، وتسير المراكب في البحار، وعن السحب التي تحمل مياه الأمطار، وعن السفن الجارية على سطح الماء بقدرة الواحد الأحد، وعن الملائكة الأطهار المكلفين بتدبير شئون الخلق، وأقسمت بهذه الأمور الأربعة على أن الحشر كائن لا محالة، وأنه لابد من البعث والجزاء {والذاريات ذروا فالحاملات وقرا فالجاريات يسرا فالمقسمات أمرا إنما توعدون لصادق وأن الدين لواقع} الآيات.


ثم انتقلت إلى الحديث عن كفار مكة، المكذبين بالقرآن وبالدار الآخرة، فبينت حالهم في الدنيا، ومالهم في الآخرة، حيث يعرضون على نار جهنم، فيصلون عذابها ونكالها {قتل الخراصون الذين هم في خوض ساهون يسألون أيان يوم الدين يوم هم على النار يفتنون ذوقوا فتنتكم هذا الذي كنتم به تستعجلون} الآيات.
ثم تحدثت عن المؤمنين المتقين، وما أعد الله لهم من النعيم والكرامة في الآخرة، لأنهم كانوا في الدنيا محسنين، على طريقة القرآن في الترغيب والترهيب، والإعذار والإنذار {إن المتقين في جنات وعيون آخذين ما أتاهم ربهم إنهم كانوا قبل ذلك محسنين} الآيات.

ثم تحدثت عن دلائل القدرة والوحدانية، في هذا الكون الفسيح، في سمائه وأرضه، وجباله ووهاده، وفي خلق الإنسان في أبدع صورة وأجمل تكوين، وكلها دلائل على قدرة رب العالمين {وفي الأرض آيات للموقنين وفي أنفسكم أفلا تبصرون وفي السماء رزقكم وما توعدون} الآيات.

ثم انتقلت للحديث عن قصص الرسل الكرام، وعن موقف الأمم الطاغية من أنبيائهم، وما حل بهم من العذاب والدمار، فذكرت قصة (إبراهيم) و(لوط) وقصة (موسى) وقصة الطغاة المتجبرين من قوم عاد وثمود وقوم نوح، وفي ذكر القصص وتكراره في القرآن تسلية للرسل الكرام، وعبرة لأولى الأبصار، يعتبر بها من كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد {هل أتاك حديث ضيف إبراهيم المكرمين إذ دخلوا عليه فقالوا سلاما قال سلام قوم منكرون} الآيات.

وختمت السورة الكريمة ببيان الغاية من خلق الإنس والجن، وهي معرفة الله جل وعلا، وعبادته وتوحيده، وإفراده بالإخلاص والتوجه لوجهه الكريم، بأنواع القربات والعبادات {وما خلقت الجن والانس إلا ليعبدون ما أريد منهم من رزق وما أريد أن يطعمون إن الله هو الرزاق ذو القوة المتين} الآيات إلى نهاية السورة الكريمة.

سورة الذاريات مقصودها الدلالة على صدق ما أنذرت به سورة ق تصريحا وبشرت به تلويحا ولاسيما آخرها من مصاب الدنيا وعذاب الآخرة، واسمها الذاريات ظاهر في ذلك بملاحظة جواب القسم فإنه مع القسم لشدة الارتباط كالآية الواحدة وإن كان خمسا، والتعبير عن الرياح بالذاريات أتم إشارة إلى ذلك، فإن تكذيبهم بالوعيد لكونهم لا يشعرون بشيء من أسبابه وإن كانت موجودة معهم كما أن ما يأتي من السحاب من الرحمة والنقمة أسبابه وإن كانت موجودة، وهي الرياح وإن كانوا لا يرونها، واريح من شأنها الذرء وهو التفريق، فإذا أراد الله جمعت فكان ماأراد، فإنها تفرق الأبخرة، فإذا أراد الله سبحانه جمعها فحملها ما أوجد فيها فأوقرها به فأجراها إجراء سهلا، فقسم منها ما أراد تارة برقا وأخرى رعدا، يصل صليل الحديد على الحديد، أو الحجر على مثله مع لطافة السحاب، كل ما يشاهد فيه من الأسباب، وآونة مطرا شديد الانصباب ومرة بردا ومرة ثلجا يرجى ويهاب نن وحينا صواعق ونيرانا لها أي التهاب، ووقتا جواهر ومرجانا بديعة الإعجاب، فتكون مرة سرورا ورضوانا، وأخرى غموما وأحزانا، وغبنا وخسرانا، على أنهم أخيل الناس في يعض ذلك، يعرفون السحاب الذي يخيل المطر والذي لا يخليه والذي مطرهع دان، والذي لم يئن له أن يمطر. إلى غير ذلك من أشياء ذكرها أهل الأدب وحملها أهل اللغة عنهم، وكل ذلك بتصريف الملائكة عن أمر الله، ولذلك. والله أعلم. سن أن يقال عنمد سماع الرعد: سبحان الله سبوح قدوس، بيانا لأن المصرف الحق هو الله تعالى (رب الملائكة) أي الذي أقيموا لهذا (الروح) الذي يحمله هذا الجسم من مطر أو نار أو غيرهما

ذكر القَسَم بحقِّيّة البعث والقيامة، والإِشارة إِلى عذاب أَهل الضَّلالة، وثواب أَرباب الهداية، وحُجّة الوحدانيّة، وكرامة إِبراهيم في باب الضِّيافة، وفى إِسحاق له بالبشارة، ولقوم لوط بالهلاكة، ولفرعون وأَهله من الملامة، ولعاد وثمود وقوم نوح من الدمار والخسارة، وخَلْق السّماءِ والأَرض للنَّفع والإِفادة، وزوْجيَّة المخلوقات؛ لأَجل الدّلالة، وتكذيب المشركين لما فيه للرّسول صلى الله عليه وسلم من التسلية، وتخليق الخَلْق لأَجل العبادة، وتعجيل المنكرين بالعذاب والعقوبة في قوله: {فَلاَ تَسْتَّعْجِلُوْنَ}.

احتوت على تحقيق وقوع البعث والجزاء وإبطال مزاعم المكذبين به وبرسالة محمد صلى الله عليه وسلم ورميهم بأنهم يقولون بغير تثبت ووعيدهم بعذاب يفتنهم ووعد المؤمنين بنعيم الخلد وذكر ما استحقوا به تلك الدرجة من الإيمان والإحسان ثم الاستدلال على وحدانية الله والاستدلال على إمكان البعث وعلى أنه واقع لا محالة بما في بعض المخلوقات التي يشاهدونها ويحسون بها دالة على سعة قدرة الله تعالى وحكمته على ما هو أعظم من إعادة خلق الإنسان بعد فنائه وعلى أنه لم يخلق إلا لجزائه والتعريض بالإنذار بما حاق بالأمم التي كذبت رسل الله، وبيان الشبه التام بينهم وبين أولئك وتلقين هؤلاء المكذبين الرجوع إلى الله وتصديق النبي صلى الله عليه وسلم ونبذ الشرك ومعذرة الرسول صلى الله عليه وسلم من تبعة إعراضهم والتسجيل عليهم بكفران نعمة الخلق والرزق ووعيدهم على ذلك بمثل ما حل بأمثالهم.

( يتبع )











مديح ال قطب 01-26-2021 02:57 PM



















تابع سورة الذاريات

محاور ومقاصد السورة

وهذه السورة ذات جو خاص. فهي تبدأ بذكر قوى أربعة.. من أمر الله.. في لفظ مبهم الدلالة، يوقع في الحس لأول وهلة أنه أمام أمور ذات سر. يقسم الله- تعالى- على أمر: {والذاريات ذروا فالحاملات وقرا فالجاريات يسرا فالمقسمات أمرا إنما توعدون لصادق وإن الدين لواقع}..

والذاريات. والحاملات. والجاريات. والمقسمات.. مدلولاتها ليست متعارفة، وهي غامضة تحتاج إلى السؤال والاستفسار، كما أنها بذاتها تلقي في الحس ذلك الظل. ولعله هو المقصود الأول منها في جو هذه السورة.

وما يكاد القسم الأول ينتهي حتى يعقبه قسم آخر بالسماء: {والسماء ذات الحبك}.. يقسم بها الله تعالى. على أمر: {إنكم لفي قول مختلف}.. لا استقرار له ولا تناسق فيه، قائم على التخرصات والظنون، لا على العلم واليقين..

وبافتتاحها على هذا النحو، ثم بسياقها كله، تستهدف أمرا واضحا في سياقها كله.. ربط القلب البشري بالسماء؛ وتعليقه بغيب الله المكنون؛ وتخليصه من أوهاق الأرض، وإطلاقه من كل عائق يحول بينه وبين التجرد لعبادة الله، والانطلاق إليه جملة، والفرار إليه كلية، استجابة لقوله في السورة: {ففروا إلى الله}.. وتحقيقا لإرادته في عباده: {وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون}.

ولما كان الانشغال بالرزق وما يخبئه القدر عنه هو أكثف تلك العوائق وأشدها فقد عني في هذه السورة بإطلاق الحس من إساره، وتطمين النفس من جهته، وتعليق القلب بالسماء في شأنه، لا بالأرض وأسبابها القريبة. وتكررت الإشارة إلى هذا الأمر في السورة في مواضع متفرقة منها. إما مباشرة كقوله تعالى: {وفي السماء رزقكم وما توعدون}..{إن الله هو الرزاق ذو القوة المتين}.. وإما تعريضا كقوله يصور حال عباده المتقين مع المال: {وفي أموالهم حق للسائل والمحروم}.. ووصفه لجود إبراهيم وسخائه وهو يقري ضيوفه القلائل- أو من حسبهم ضيوفه من الملائكة- بعجل سمين، يسارع به إليهم عقب وفودهم إليه، وبمجرد إلقاء السلام عليه، وهو لم يعرفهم إلا منذ لحظة!

إن تخليص القلب من أوهاق الأرض، وإطلاقه من إسار الرزق، وتعليقه بالسماء، ترف أشواقه حولها، ويتطلع إلى خالقها في علاه، بلا عائق يحول بينه وبين الانطلاق، ويعوقه عن الفرار إلى الله. هو محور السورة بكل موضوعاتها وقضاياها التي تطرقها. ومن ثم كان هذا الاقتتاح، وكان ذلك الإيقاع الغامض في أولها، وكان القسم بعده بالسماء، وكان تكرار الإشارة إلى السماء أيضا..

وفي هذا كانت صورة المتقين التي يرسمها في مطلع السورة: {إن المتقين في جنات وعيون آخذين ما آتاهم ربهم إنهم كانوا قبل ذلك محسنين كانوا قليلا من الليل ما يهجعون وبالأسحار هم يستغفرون وفي أموالهم حق للسائل والمحروم}.. فهي صورة التطلع إلى الله، والتجرد له، والقيام في عبادته بالليل، والتوجه إليه في الأسحار. مع إرخاص المال، والتخلص من ضغطه، وجعل نصيب السائل والمحروم حقا فيه.

وفي هذا كان التوجيه إلى آيات الله في الأرض وفي الأنفس مع تعليق القلوب بالسماء في شأن الرزق، لا بالأرض وما فيها من أسبابه القريبة: {وفي الأرض آيات للموقنين وفي أنفسكم أفلا تبصرون وفي السماء رزقكم وما توعدون}..

وفي هذا كانت الإشارة إلى بناء الله للسماء على سعة، وتمهيده للأرض في يسر، وخلقه ما فيها من أزواج، والتعقيب على هذا كله بالفرار إلى الله: {والسماء بنيناها بأيد وإنا لموسعون والأرض فرشناها فنعم الماهدونومن كل شيء خلقنا زوجين لعلكم تذكرون ففروا إلى الله إني لكم منه نذير مبين}..
وفي هذا كان الإيقاع الأخير البارز في السورة، عن إرادة الله سبحانه في خلق الجن والإنس، ووظيفتهما الرئيسية الأولى: {وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون ما أريد منهم من رزق وما أريد أن يطعمون إن الله هو الرزاق ذو القوة المتين}..
فهو إيقاع واحد مطرد. ذو نغمات متعددة. ولكنها كلها تؤلف ذلك الإيقاع، وتطلق ذلك الحداء. الحداء بالقلب البشري إلى السماء!

لقد وردت إشارات سريعة إلى حلقة من قصة إبراهيم ولوط، وقصة موسى، وقصة عاد، وقصة ثمود، وقصة قوم نوح. وفي الإشارة إلى قصة إبراهيم تلك اللمحة عن المال؛ كما أن فيها لمحة عن الغيب المكنون في تبشيره بغلام عليم، ورزقه هو وامرأته به على غير ما توقع ولا انتظار. وفي بقية القصص إشارة إلى تصديق وعد الله الذي أقسم عليه في أول السورة: {إنما توعدون لصادق} والذي أشار إليه في ختامها إنذارا للمشركين: {فإن للذين ظلموا ذنوبا مثل ذنوب أصحابهم فلا يستعجلون}.. بعد ما ذكر أن أجيال المكذبين كأنما تواصت على التكذيب: {كذلك ما أتى الذين من قبلهم من رسول إلا قالوا ساحر أو مجنون أتواصوا به بل هم قوم طاغون}..
فالقصص في السورة- على هذا النحو- مرتبط بموضوعها الأصيل. وهو تجريد القلب لعبادة الله، وتخليصه من جميع العوائق، ووصله بالسماء. بالإيمان أولا واليقين. ثم برفع الحواجز والشواغل دون الرفرفة والانطلاق إلى ذلك الأفق الكريم.

فضل السورة


عَن عَلّي بن أبي طَالب أَنه قال عَلَى الْمِنْبَر سلوني قبل أَلا تَسْأَلُونِي وَلنْ تسألوا بعدِي مثلي فَقَامَ ابْن الْكواء فَقال مَا {الذاريات} قال الرِّيَاح قال: {فَالْحَامِلَات وقرا} قال السَّحَاب قال: {فَالْجَارِيَات يسرا} قال الْفلك قال: {فَالْمُقَسِّمَات أمرا} قال الْمَلَائِكَة. وَكَذَا عَن ابْن عَبَّاس.

قلت رَوَاهُ الْحَاكِم فِي الْمُسْتَدْرك من حديث أبي الطُّفَيْل قال رَأَيْت أَمِير الْمُؤمنِينَ عَلّي بن أبي طَالب قَامَ عَلَى الْمِنْبَر فَقال سلوني قبل أَلا تَسْأَلُونِي وَلنْ تسألوا بعدِي مثلي إِلَى آخِره سَوَاء وَزَاد قال فَمن {الَّذين بدلُوا نعْمَة الله كفرا وَأَحلُّوا قَومهمْ دَار الْبَوَار} قال مُنَافِقُو قُرَيْش. انْتَهَى قال حديث صَحِيح الْإِسْنَاد وَلم يخرجَاهُ انتهى.
وَكَذَلِكَ رَوَاهُ الطَّبَرِيّ وَعبد الرَّزَّاق فِي تفسريهما.

وَرَوَى الْبَزَّار فِي مُسْنده نَحوه مَرْفُوعا فَقال حَدثنَا إِبْرَاهِيم بن هَانِئ ثَنَا سعيد بن سَلام الْعَطَّار ثَنَا أَبُو بكر بن أبي سُبْرَة عَن يَحْيَى بن سعيد عَن سعيد ابْن الْمسيب قال جَاءَ صبيغ بن عَسَلِي التَّمِيمِي إِلَى عمر بن الْخطاب فَقال يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ أَخْبرنِي عَن {الذاريات ذَروا} قال هِيَ الرِّيَاح وَلَوْلَا أَنِّي سَمِعت رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم يَقوله مَا قلته قال فَأَخْبرنِي عَن {الْحَامِلَات وقرا} قال هِيَ السَّحَاب وَلَوْلَا أَنِّي سَمِعت رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم يَقوله مَا قلته قال فَأَخْبرنِي عَن {الْجَارِيَات يسرا} قال هِيَ السفن وَلَوْلَا أَنِّي سَمِعت رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم يَقوله مَا قلته قال ثمَّ أَمر بِهِ عمر فَضرب مائَة وَجعله فِي بَيت فَلَمَّا برأَ دَعَا بِهِ فَضَربهُ مائَة أُخْرَى وَحمله عَلَى قتب وَكتب إِلَى أبي مُوسَى الْأَشْعَرِيّ أَن امْنَعْ النَّاس عَن مُجَالَسَته فَلم يزل كَذَلِك حَتَّى أَتَى صبيغ أَبَا مُوسَى فَحلف لَهُ بِالْإِيمَان الْمُغَلَّظَة أَنه مَا يجد فِي نَفسه مِمَّا كَانَ يجد شَيْئا فَكتب فِي ذَلِك إِلَى عمر فَكتب عمر مَا إخَاله إِلَّا قد صدق فَخَل بَينه وَبَين النَّاس انْتَهَى.

ثمَّ قال هَذَا حديث لَا نعلمهُ عَن النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم إِلَّا من هَذَا الْوَجْه وَإِنَّمَا ذكرته لأبين علته فَإِنَّهُ إِنَّمَا أَتَى من جِهَة أبن أبي سُبْرَة فِيمَا أَحسب وَابْن أبي سبره لين الحديث وَسَعِيد بن سَلام لم يكن من أَصْحَاب الحديث انتهى.
وَرَوَاهُ ابْن مرْدَوَيْه فِي تَفْسِيره من حديث عبد الله بن مُوسَى عَن ابْن أبي سُبْرَة بِهِ سندا ومتنا.

وَأما حديث ابْن عَبَّاس فَرَوَاهُ الطَّبَرِيّ ثني مُحَمَّد بن سعد ثني أبي ثني عمي ثني أبي عَن أَبِيه عَن ابْن عَبَّاس فِي قوله تعالى: {والذاريات} قال هِيَ الرِّيَاح {فَالْحَامِلَات وقرا} قال السَّحَاب {فَالْجَارِيَات} قال هِيَ السفن فَالْمُقَسِّمَات أمرا قال هِيَ الْمَلَائِكَة انتهى.

الحديث الأول:
عَن النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم قال «لَيْسَ الْمِسْكِين الَّذِي ترده الْأكلَة وَالْأكْلَتَان وَالتَّمْرَة وَالتَّمْرَتَانِ» قالوا فَمَا هُوَ قال «الَّذِي لَا يجد وَلَا يتَصَدَّق عَلَيْهِ».
قلت رَوَاهُ مُسلم فِي صَحِيحه فِي الزَّكَاة من حديث الْأَعْرَج عَن أبي هُرَيْرَة قال قال رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم «لَيْسَ الْمِسْكِين الَّذِي يطوف عَلَى النَّاس فَتَردهُ اللُّقْمَة وَاللُّقْمَتَانِ وَالتَّمْرَة وَالتَّمْرَتَانِ» قالوا فَمَا الْمِسْكِين يَا رَسُول الله قال «الَّذِي لَا يجد غنى يُغْنِيه وَلَا يفْطن لَهُ فَيتَصَدَّق عَلَيْهِ» انتهى.

الحديث الثاني:
عَن رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم قال «من قرأ سُورَة الذاريات أعطَاهُ الله عشر حَسَنَات بِعَدَد كل ريح هبت وَجَرت فِي الدُّنْيَا».
قلت رَوَاهُ الثَّعْلَبِيّ فِي تَفْسِيره من حديث نوح بن أبي مَرْيَم عَن عَلّي بن زيد عَن زر بن حُبَيْش عَن أبي بن كَعْب قال قال رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم «من قرأ سُورَة الذاريات» إِلَى آخِره.
وَرَوَاهُ ابْن مرْدَوَيْه فِي تَفْسِيره بسنديه الْمَذْكُورين فِي آل عمرَان.
وَرَوَاهُ الواحدي فِي الْوَسِيط بِسَنَدِهِ الْمُتَقَدّم قي يُونُس.

( يتبع – سورة الطور )











مديح ال قطب 01-26-2021 02:58 PM



















سورة الطور

التعريف بالسورة

سورة مكية .
من المفصل .
آياتها 49 . .
ترتيبها الثانية والخمسون .
نزلت بعد السجدة .
بدأت السورة باسلوب قسم والطور
الطور هو الجبل الذي كلم الله سيدنا موسى عليه .

سبب التسمية


سُميت ‏‏ ‏سورة ‏الطور ‏‏ ‏لأن ‏الله ‏ـ ‏تعالى ‏ـ ‏بدأ ‏السورة ‏الكريمة ‏بالقسم ‏بجبل ‏الطور ‏الذي ‏كلم ‏الله ‏ـ ‏تعالى ‏ـ ‏عليه ‏موسى ‏ـ ‏عليه ‏السلام ‏ـ ‏ونال ‏ذلك ‏الجبل ‏من ‏الأنوار ‏والتجليات ‏والفيوضات ‏الإلهية ‏ما ‏جعله ‏مكانا ‏وبقعة ‏مشرفة ‏على ‏سائر ‏الجبال ‏في ‏بقاع ‏الأرض‎ .‎‏

محور مواضيع السورة


سورة الطور من السورة المكية التي تعالج موضوع العقيدة الإسلامية وتبحث في أصول العقيدة وهي " الوحدانية ، الرسالة ، البعث والجزاء " .

سورة الطور مقصودها تحقيق وقوع العذاب الذي هو مضمون الوعيد المقسم على وقوعه في الذاريات الذي هو مضمون الإنذار المدلول على صدقه في ق، فإن وقوعه أثبت وأمكن من الجبال التي أخبر الصادق بسيرها، وجعل دك بعضها آية يمكن عامره وغيره إخرابه، والسقف الذي يمكن رافعه وضعه، والبحر الذي يمكن من سجره أن يرسله، وقد بان أن اسمها أدل ما يكون على ذلك بملاحظة القسم وجوابه حتى بمفردات الألفاظ في خطابه.

مقاصد السورة

مقصد السورة في جملة : إثبات الوحي وتحقيق وقوع العذاب للمكذبين بالوحي وبما يخبر به وبمن أنزل عليه الوحي .

مقصد السورة باختصار : الوحي وما يتعلق به من إثبات وتهديد لمكذبه وتبشير لمصدقه
فالسورة تركز على الوحي وإثبات الوحي وتتحداهم أن يأتوا بمثله وذكر أدلة الوحي وما يخبر به من التوحيد و غيره ودفع شبهات المكذبين بالوحي وبما جاء به ومن أنزل عليه وتهديد المكذبين به بالعذاب الدنيوي والأخروي المحقق الوقوع وتبشير المؤمنين بالوحي وما يخبر به المشفقين من العذاب والتصبير للنبي صاحب الوحي وناقله بأنه بأعيننا وماذا عليه أن يفعل في مقابل تكذيبهم من التسبيح والذكر والصلاة ه
ولذلك بدئت بالطور الذي أوحي لسيدنا موسى عنده وكان جواب القسم تحقيق العذاب إن عذاب ربك لواقع وختمت بالتبشير بعذاب أعدائه وحثه على ما يصبره ويثبته .
التفصيل لمقصد السورة :
• فكأن السورة تقول الوحي صادق وليس ببدع فهذه رسالة موسى ،فالذين يقولون كاهن ومجنون وساحر ويكذبون بالتوحيد ويشركون ونحو ذلك كاذبون معذبون دنيا وأخرى بعذاب واقع لا محالة فالبعث والجزاء الدنيوي والأخروي حق وعذابه شديد دنيا وأخرى ، فإياكم من إنكار الوحي والتوحيد والبعث و العذاب لظنكم العجز له سبحانه فدلائل قدرته عظمية مبثوثة ودلائل قدرته موجودة في الآفاق كالسماء والبحر المسجور.
• والله سبحانه عظيم خالق مدبر يخضع له كل شيء ، ومنهم الملائكة العظام ، وحق له ذلك فعظمته وخلقه للعالم لا سيما السقف المرفوع والبحر المسجور وغيرها
• فآمنوا برسالة رسوله ووحده واعبدوه وسبحوه وصلوا له في كل الأوقات لا سيما في الليل وأشفقوا في أهلكم وادعوه لتنالوا النعيم الدائم
• وتسميتها الطور أنسب اسم وأدله على مقصودها وهو الوحي وإثبات الوحي وما يتبعه قال المهايميّ : سميت به لأنه لما تضمن تعظيم مهبط الوحي ، فالوحي أولى بالتعظيم ، فيعظم الاهتمام بالعمل ـ ـ وهذا من أعظم مقاصد القرآن .
• وهذا أدق مما ذكر جماعة من المفسرين كالبقاعي والميزان وغيرهما :

قال البقاعي :مقصودها تحقيق وقوع العذاب الذي هو مضمون الوعيد المقسم على وقوعه في الذاريات الذي هو مضمون الإنذار المدلول على صدقه في ق ، فإن وقوعه أثبت وأمكن من الجبال التي أخبر الصادق بسيرها ــ ـ وقد بان أن اسمها أدل ما يكون على ذلك بملاحظة القسم وجوابه حتى بمفردات الألفاظ

• قال الطباطبائي :غرض السورة إنذار أهل التكذيب والعناد من الكفار بالعذاب الذي أعد لهم يوم القيامة فتبدأ بالإنباء عن وقوع العذاب الذي أنذروا به وتحققه يوم القيامة بأقسام مؤكدة وأيمان مغلظة ، وأنه غير تاركهم يومئذ حتى يقع بهم ولا مناص ثم تذكر نبذة من صفة هذا العذاب والويل الذي يعمهم ولا يفارقهم ثم تقابل ذلك بشمة من نعيم أهل النعيم يومئذ وهم المتقون الذين كانوا في الدنيا مشفقين في أهلهم يدعون الله مؤمنين به موحدين له . ثم تأخذ في توبيخ المكذبين على ما كانوا يرمون النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وما أنزل عليه من القرآن وما أتى به من الدين الحق . و تختم الكلام بتكرار التهديد والوعيد وأمر النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) بتسبيح ربه . والسورة مكية كما يشهد بذلك سياق آياتها "

القَسَم بعذاب الكفَّار، والإِخبار عن ذلَّهم في العقوبة، ومنازلهم من النار، وطرب أَهل الجنة بثواب الله الكريم الغفَّار، وإِلزام الحجّة على الكفرة الفجّار، وبِشارتهم قبل عقوبة العُقْبَى بعذابهم في هذه الدّار، ووصيّة سيّد رُسُل الأَبرار بالعبادة والاصطبار، في قوله: {وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَإدْبَارَ النُّجُوْمِ}.


أول أغراض هذه السورة التهديد بوقوع العذاب يوم القيامة للمشركين المكذبين بالنبي صلى الله عليه وسلم فيما جاء به من إثبات البعث وبالقرآن المتضمن ذلك فقالوا: هو سحر.
ومقابلة وعيدهم بوعد المتقين المؤمنين وصفة نعيمهم ووصف تذكرهم خشية، وثنائهم على الله بما من عليهم فانتقل إلى تسلية النبي صلى الله عليه وسلم وإبطال أقوالهم فيه وانتظارهم موته.
وتحديهم بأنهم عجزوا عن الإتيان بمثل القرآن.
وإبطال خليط من تكاذيبهم بإعادة الخلق وببعثة الرسول صلى الله عليه وسلم ليس من كبرائهم وبكون الملائكة بنات الله وإبطال تعدد الآلهة وذكر استهزائهم بالوعيد.
وأمر النبي صلى الله عليه وسلم بتركهم وأن لا يحزن لذلك، فإن الوعيد حال بهم في الدنيا ثم في الآخرة وأمره بالصبر، ووعده بالتأييد، وأمر بشكر ربه في جميع الأوقات.
و هذه السورة تمثل حملة عميقة التأثير في القلب البشري. ومطاردة عنيفة للهواجس والشكوك والشبهات والأباطيل التي تساوره وتتدسس إليه وتختبئ هنا وهناك في حناياه. ودحض لكل حجة وكل عذر قد يتخذه للحيدة عن الحق والزيغ عن الإيمان.. حملة لا يصمد لها قلب يتلقاها، وهي تلاحقه حتى تلجئه إلى الإذعان والاستسلام!
وهي حملة يشترك فيها اللفظ والعبارة، والمعنى والمدلول، والصور والظلال، والإيقاعات الموسيقية لمقاطع السورة وفواصلها على السواء. ومن بدء السورة إلى ختامها تتوالى آياتها كما لو كانت قذائف، وإيقاعاتها كما لو كانت صواعق، وصورها وظلالها كما لو كانت سياطا لاذعة للحس لا تمهله لحظة واحدة من البدء إلى الختام!
وتبدأ السورة بقسم من الله سبحانه بمقدسات في الأرض والسماء. بعضها مكشوف معلوم! وبعضها مغيب مجهول: {والطور وكتاب مسطور في رق منشور والبيت المعمور والسقف المرفوع}.


إن القسم على أمر عظيم رهيب، يرج القلب رجا، ويرعب الحس رعبا. في تعبير يناسب لفظه مدلوله الرهيب؛ وفي مشهد كذلك ترجف له القلوب: {إن عذاب ربك لواقع ما له من دافع يوم تمور السماء مورا وتسير الجبال سيرا}..

وفي وسط المشهد المفزع نرى ونسمع ما يزلزل ويرعب، من ويل وهول، وتقريع وتفزيع: {فويل يومئذ للمكذبين الذين هم في خوض يلعبون يوم يدعون إلى نار جهنم دعا هذه النار التي كنتم بها تكذبون أفسحر هذا أم أنتم لا تبصرون اصلوها فاصبروا أو لا تصبروا سواء عليكم إنما تجزون ما كنتم تعملون}..

هذا شوط من حملة المطاردة. يليه شوط آخر من لون آخر. شوط في إطماع القلوب التي رأت ذلك الهول المرعب- إطماعها في الأمن والنعيم. بعرض صورة المتقين وما أعد لهم من تكريم. وما هيئ لهم من نعيم رخي رغيد، يطول عرضه، وتكثر تفصيلاته، وتتعدد ألوانه. مما يستجيش الحس إلى روح النعيم وبرده؛ بعد كرب العذاب وهوله: {إن المتقين في جنات ونعيم فاكهين بما آتاهم ربهم ووقاهم ربهم عذاب الجحيم كلوا واشربوا هنيئا بما كنتم تعملون متكئين على سرر مصفوفة وزوجناهم بحور عين والذين آمنوا واتبعتهم ذريتهم بإيمان ألحقنا بهم ذريتهم وما ألتناهم من عملهم من شيء كل امرئ بما كسب رهين وأمددناهم بفاكهة ولحم مما يشتهون يتنازعون فيها كأسا لا لغو فيها ولا تأثيم ويطوف عليهم غلمان لهم كأنهم لؤلؤ مكنون وأقبل بعضهم على بعض يتساءلون قالوا إنا كنا قبل في أهلنا مشفقين فمن الله علينا ووقانا عذاب السموم إنا كنا من قبل ندعوه إنه هو البر الرحيم}..


والآن وقد أحس القلب البشري سياط العذاب في الشوط الأول؛ وتذوق حلاوة النعيم في الشوط الثاني.. الآن يجيء الشوط الثالث يطارد الهواجس والوساوس؛ ويلاحق الشبهات والأضاليل؛ ويدحض الحجج والمعاذير. ويعرض الحقيقة بارزة واضحة بسيطة عنيفة. تتحدث بمنطق نافذ لا يحتمل التأويل، مستقيم لا يحتمل اللف والدوران. يلوي الأعناق ليا ويلجئها إلى الإذعان والتسليم.. ويبدأ هذا الشوط بتوجيه الخطاب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ليمضي في تذكيره لهم، على الرغم من سوء أدبهم معه؛ وليقرعهم بهذا المنطق النافذ القوي المستقيم: {فذكر فما أنت بنعمة ربك بكاهن ولا مجنون أم يقولون شاعر نتربص به ريب المنون قل تربصوا فإني معكم من المتربصين أم تأمرهم أحلامهم بهذا أم هم قوم طاغون أم يقولون تقوله بل لا يؤمنون فليأتوا بحديث مثله إن كانوا صادقين أم خلقوا من غير شيء أم هم الخالقون أم خلقوا السماوات والأرض بل لا يوقنون أم عندهم خزائن ربك أم هم المصيطرون أم لهم سلم يستمعون فيه فليأت مستمعهم بسلطان مبين أم له البنات ولكم البنون أم تسألهم أجرا فهم من مغرم مثقلون أم عندهم الغيب فهم يكتبون أم يريدون كيدا فالذين كفروا هم المكيدون أم لهم إله غير الله سبحان الله عما يشركون}..


( يتبع )











مديح ال قطب 01-26-2021 02:59 PM



















1تابع - سورة الطور

مقاصد السورة

عقب هذه الأسئلة المتلاحقة. بل هذه القذائف الصاعقة. التي تنسف الباطل نسفا، وتحرج المكابر والمعاند، وتخرس كل لسان يزيغ عن الحق أو يجادل فيه.. عقب هذا يصور تعنتهم وعنادهم في صورة الذي يكابر في المحسوس: {وإن يروا كسفا من السماء ساقطا يقولوا سحاب مركوم}. والفرق بين قطعة السماء تسقط وبين السحاب واضح، ولكنهم هم يتلمسون كل شبهة ليعدلوا عن الحق الواضح.

هنا يلقي عليهم بالقذيفة الأخيرة. قذيفة التهديد الرعيب، بملاقاة ذلك المشهد المرهوب، الذي عرض عليهم في مطلع السورة: {فذرهم حتى يلاقوا يومهم الذي فيه يصعقون يوم لا يغني عنهم كيدهم شيئا ولا هم ينصرون}.. كما يهددهم بعذاب أقرب من ذلك العذاب: {وإن للذين ظلموا عذابا دون ذلك ولكن أكثرهم لا يعلمون}..

ثم تختم السورة بإيقاع رضي رخي.. إنه موجه إلى الرسول الكريم الذي يقولون عنه: {شاعر نتربص به ريب المنون}.. ويقولون: كاهن أو مجنون. موجه إليه من ربه يسليه ويعزيه في إعزاز وتكريم. في تعبير لا نظير له في القرآن كله؛ ولم يوجه من قبل إلى نبي أو رسول: {واصبر لحكم ربك فإنك بأعينناوسبح بحمد ربك حين تقوم ومن الليل فسبحه وإدبار النجوم}..

إنه الإيقاع الذي يمسح على العنت والمشقة اللذين يلقاهما الرسول الكريم، من أولئك المتعنتين المعاندين، الذين اقتضت مواجهتهم تلك الحملة العنيفة من المطاردة والهجوم.

ابتدأت السورة الكريمة بالحديث عن أهوال الآخرة وشدائدها، وعما يلقاه الكافرون في ذلك الموقف الرهيب موقف الحساب وأقسمت على أن العذاب نازل بالكفار لا محالة، لا يمنعه مانع، ولا يدفعه د افع، وكان القسم بأمور خمسة تنبيها على أهمية الموضوع {والطور وكتاب مسطور في رق منشور والبيت المعمور والسقف المرفوع والبحر المسجور إن عذاب ربك لواقع ما له من دافع} الآيات.

ثم تناولت الحديث عن المتقين وهم في جنات النعيم، على سرر متقابلين، وقد جمع الله لهم أنواع السعادة الحور العين، واجتماع الشمل بالذرية والبنين، والتنعم والتلذذ بأنواع المآكل والمشارب، من فواكه وثمار، ولحوم متنوعة مما يشتهى ويستطاب، إلى غير ما هنالك من أنواع النعيم، مما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر {إن المتقين في جنات ونعيم فاكهين بما آتاهم ربهم ووقاهم ربهم عذاب الجحيم} الآيات.

ثم تحدثت عن رسالة محمد بن عبد الله صلوات الله عليه، وأمرته بالاستمرار بالدعوة، والتذكير والإنذار للكفرة الفجار، غير عابئ بما يقوله المشركون، وما يفتريه المفترون، حول الرسالة والرسول، فليس محمد صلى الله عليه وسلم بإنعام الله عليه بالنبوة وإكرامه بالرسالة بكاهن ولا مجنون كما زعم المجرمون {فذكر فما أنت بنعمة ربك بكاهن ولا مجنون} الآيات.

ثم أنكرت السورة على المشركين مزاعمهم الباطلة في شأن نبوة محمد صلى الله عليه وسلم، وردت عليهم بالحجج الدامغة والبراهين القاطعة التي تقصم ظهر الباطل، وأقامت الدلائل على صدق رسالة محمد صلى الله عليه وسلم {أم يقولون تقوله بل لا يؤمنون فليأتوا بحديث مثله إن كانوا صادقين صادقين} الآيات.
وختمت السورة الكريمة بالتهكم بالكافرين وأوثانهم بطريق التوبيخ والتقريع، وبينت شدة عنادهم، وفرط طغيانهم، وأمرت الرسول صلى الله عليه وسلم، بالصبر على تحمل الأذى في سبيل الله، حتى يأتي نصر الله {واصبر لحكم ربك فإنك بأعيننا وسبح بحمد ربك حين تقوم ومن الليل فسبحه وإدبار النجوم}.

فضل السورة

1) عن جبير بن مطعم قال : سمعت النبي يقرأ في المغرب بالطور (رواه البخاري ) وغيره .

2) عن أم سلمة قالت : شكوت إلى رسول الله إني اشتكى فقال : طوفي من وراء الناس وأنت راكبة . فطفت ورسول الله يصلي إلى جنب البيت يقرأ ( وَالطُّور وَكِتَابٍ مَسْطُورٍ)

و من الضَّعيف حديث أُبي: «مَن قرأ {والطُّور} كان حَقًّا على الله عزَّ وجلَّ أَن يُؤمنه من عذابه، وأَن ينعّمه في جنَّته».
وحديث علي: «يا علي مَن قرأها كتب الله له ما دام حيًّا كلّ يوم اثني عشر أَلف حسنة، ورفع له بكلّ آية قرأها اثني عشر أَلف درجة».

الأحاديث الواردة فيها :

. وأخرج البخاري وغيره عن أم سلمة قالت : ( شكوت إلى رسول الله إني أشتكي[1] ! فقال : طوفي من وراء الناس وأنت راكبة ، فطفت ورسول الله يصلي إلى جنب البيت ، يقرأ بالطور وكتاب مسطور )

وقال مالك ، عن الزهري ، عن محمد بن جُبَير بن مطعم ، عن أبيه : سمعت النبي يقرأ في المغرب بالطور ، فما سمعت أحدا أحسن صوتا - أو قراءة - منه . أخرجاه من طريق مالك
وأخرج البخاري ومسلم وغيرهما عن جبير بن مطعم قال : «سمعت رسول الله يقرأ في المغرب بالطور »

( يتبع – سورة النجم )











مديح ال قطب 01-26-2021 03:08 PM




















تابع – سورة النجم

محور مواضيع السورة

سورة النجم مكية، وهي تبحث عن موضوع الرسالة في إطارها العام، وعن موضوع الإيمان بالبعث والنشور، شأن سائر السور المكية.

ابتدأت السورة الكريمة بالحديث عن موضوع (المعراج) الذي كان معجزة لرسول الإنسانية محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم، والذي رأى فيه الرسول الكريم عجائب وغرائب في ملكوت الله الواسع، مما يدهش العقول ويحير الألباب، وذكرت الناس بما يجب عليهم من الإيمان والتصديق، وعدم المجادلة والمماراة في مواضيع الغيب والوحي {والنجم إذا هوى ما ضل صاحبكم وما غوى وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحى يوحى} الآيات.

ثم تلاها الحديث عن الأوثان والأصنام التي عبدها المشركون من دون الله، وبينت بطلان تلك الآلهة المزعومة، وبطلان عبادة غير الله، سواء في ذلك عبادة الأصنام، أو عبادة الملائكة الكرام {أفرأيتم اللات والعزى ومناة الثالثة الأخرى ألكم الذكر وله الأنثى} الآيات.

ثم تحدثت عن الجزاء العادل يوم الدين، حيث تجزى كل نفس بما كسبت، فينال المحسن جزاء إحسانه، والمسيء جزاء إساءته، ويتفرق الناس إلى فريقين: أبرار، وفجار {ولله ما في السموات وما في الأرض ليجزي الذين أساءوا بما عملوا ويجزي الذين أحسنوا بالحسنى} الآيات.

وقد ذكرت برهانا على الجزاء العادل، بأن كل إنسان ليس له إلا عمله وسعيه، وأنه لا تحمل نفس وزر أخرى، لأن العقوبة لا تتعدى غير المجرم، وهو شرع الله المستقيم، وحكمه العادل الذي بينه في القرآن العظيم، وفي الكتب السماوية السابقة {وأن ليس للإنسان إلا ما سعى وأن سعيه سوف يرى ثم يجزاه الجزاء الأوفى} الآيات.

وذكرت السورة الكريمة آثار قدرة الله جل وعلا في الإحياء والإماتة، والبعث بعد الفناء، والإغناء والإفقار، وخلق الزوجين الذكر والأنثى من نطفة إذا تمنى {وأن إلى ربك المتتهى وأنه هو أضحك وأبكى وأنه هو أمات وأحيا وأنه خلق الزوجين الذكر والأنثى من نطفة إذا تمنى} الآيات.

وختمت السورة الكريمة بما حل بالأمم الطاغية كقوم عاد، وثمود، وقوم نوح ولوط، من أنواع العذاب والدمار، تذكيرا لكفار مكة بالعذاب الذي ينتظرهم بتكذيبهم لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وزجرا لأهل البغي والطغيان عن الاستمرار في التمرد والعصيان {وأنه أهلك عادا الأولى وثمود فما أبقى وقوم نوح من قبل إنهم كانوا هم أظلم وأطغى} الآيات إلى نهاية السورة الكريمة.


فضل السّورة

فيه حديث ضعيف عن أُبي: «من قرأ {والنَّجم} أُعطِى من الأَجر عشر حسنات بعدد مَنْ صدّق بمحمد صلى الله عليه وسلم وجحد به»، وحديث علي: «يا علي من قرأها أَعطاه الله بكلّ آية قرأها نورًا وله بكلّ حرف ثلاثُمائة حسنة، ورفع له ثلاثمائة درجة».


( يتبع - سورة القمر )











مديح ال قطب 01-26-2021 03:09 PM



















سورة القمر

التعريف بالسورة


السورة مكية .
من المفصل .
آياتها 55 .
ترتيبها الرابعة والخمسون .
نزلت بعد الطارق .
بدأت السورة بفعل ماضي
لم يذكر لفظ الجلالة " الله " في السورة .

سبب التسمية

القمر هو أيه من ايات الله في دنيتنا وهو واحد من علامات يوم القيامة، وقد انشق القمر بالفعل في عصر رسول الله(ص) وهذا دليل علي اقتراب موعد يوم القيامة

فكان يقول رسول الله(ص) بعثت انا والساعة كهاتين ويشير بالسبابة والوسطى (صوابع يديه) صلي الله عليه وسلم

سبب نزول السورة

1) عن مسروق عن عبد الله قال انشق القمر على عهد رسول الله فقالت قريش : هذا سحر ابن أبي كبشة .. سحركم فاسألوا السُحَّار فسألوهم فقالوا : نعم قد رأينا . فأنزل الله ـ عز وجل ـ اقتربت الساعة وانشق القمر ، وإن يروا آية يعرضوا ويقولوا سحر مستمر .

2) عن إبن عباس قال جاء العاقب والسيد وكانا رأسي النصارى بنجران فتكلما بين يدي النبي ـ بكلام شديد في القدر ، والنبي ساكت ما يجيبهما بشيء حتى انصرفا فأنزل الله ( أَكُفَّارُكُمْ خَيرٌ مِنْ أُولَئِكُمْ ) . الذين كفروا وكذبوا بالله قبلكم . ( أَمْ لَكُمْ بَرَاءَةٌ في الزُّبُرِ ) الكتاب الأول .. إلى قوله تعالى : (وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا أَشْيَاعَكُمْ ) .

3) عن ابن عباس في قوله ( سَيُهْزَمُ الجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُر ) قال كان ذلك يوم بدر قالوا ( نَحْنُ جمِيعٌ مُنْتَصِرْ ) فنزلت هذه الآية .


محور مواضيع السورة

سورة القمر من السور المكية ، وقد عالجت أصول العقيدة الإسلامية ، وهى من بدئها إلى نهايتها حملة عنيفة مفزعة على المكذبين بآيات القرآن ، وطابع السورة الخاص هو طابع التهديد والوعيد والإعذار والإنذار مع صور شتى من مشاهد العذاب والدمار .

سورة القمر مقصودها بيان آخر النجم في أمر الساعة من تحققها وشدة قربها وتصنيفرآن والضحك والبكاء والعمل- إلى طالب علم مهتد به، وإلى متبع نفسه هواها وشهواتها ضال بإهمالها فهو خائب، وذلك لأنه سبحانه وعد بذلك بإخبار نبيه صلى الله عليه وسلم وتحقق صدقه بما أيده به من آياته التي ثبت بها اقتداره على ما يريد من الإيجاد الإعدام، فثبت تفرده بالملك وأيد اقترابها بالتاثير في آية الليل بما يدل على الاقتدار على نقض السماوات المستلزم لإهلاك فإن ذلك بأنه ما بقي يدل على الاقتدار على نقض السماوات المستلزم لإهلاك.. فإن ذلك بأنه ما بقي إلا تأثير آية النهار وعندما يكون طي الانتشار وعموم البوار المؤذن بالإحضار لدى الواحد القهار، وأدل ما فيها على هذا الغرض كله أول آياتها، فلذلك سميت بما تضمنته من الاقتراب المنجم به النجم بالإشارة لا بالعبارة، ولم تسم بالانشقاق لأنه إذا أطلق انصرف إلى الأتم، فالسماء أحق به.

تخويف بهجوم القيامة، والشكوى من عبادة أَهل الضَّلالة وذلّهم في وقت البعث وقيام السّاعة، وخبر الطُّوفان، وهلاك الأَمم المختلفة، وحديث العاديّين ونكبتهم بالنكباءِ، وقصة ناقة صالح، وإِهلاك جبريل قومه بالصيحة، وحديث قوم لوط، وتماديهم في المعصية، وحديث فرعون، وتعدّيه في الجهالة، وتقرير القضاءِ والقدر، وإِظهارِ علامة القيامة، وبروز المتقين (فى الجنة) في مقعد صدق، ومقام القُرْبة في قوله: {مَقْعَدَ صِدْقٍ}.


ومن أغراض هذه السورة تسجيل مكابرة المشركين في الآيات المبينة، وأمر النبي صلى الله عليه وسلم بالإعراض عن مكابرتهم.

وإنذارهم باقتراب القيامة وبما يلقونه حين البعث من الشدائد.

وتذكيرهم بما لقيته الأمم أمثالهم من عذاب الدنيا لتكذيبهم رسل الله وأنهم سيلقون مثل ما لقي أولئك إذ ليسوا خيرا من كفار الأمم الماضية.

وإنذارهم بقتال يهزمون به، ثم لهم عذاب الآخرة وهو أشد.

وإعلامهم بإحاطة الله علما بأفعالهم وأنه مجازيهم شر الجزاء ومجاز المتقين خير الجزاء.
وإثبات البعث، ووصف بعض أحواله.

وفي خلال ذلك تكرير التنويه بهدي القرآن وحكمته.

وهذه السورة من مطلعها إلى ختامها حملة رعيبة مفزعة عنيفة على قلوب المكذبين بالنذر، بقدر ما هي طمأنينة عميقة وثيقة للقلوب المؤمنة المصدقة. وهي مقسمة إلى حلقات متتابعة، كل حلقة منها مشهد من مشاهد التعذيب للمكذبين، يأخذ السياق في ختامها بالحس البشري فيضغطه ويهزه ويقول له: {فكيف كان عذابي ونذر}.. ثم يرسله بعد الضغط والهز ويقول له: {ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدكر}.

محتويات السورة الموضوعية واردة في سور مكية شتى. فهي مشهد من مشاهد القيامة في المطلع، ومشهد من هذه المشاهد في الختام. وبينهما عرض سريع لمصارع قوم نوح. وعاد وثمود. وقوم لوط. وفرعون وملئه. وكلها موضوعات تزخر بها السور المكية في صور شتى..
ولكن هذه الموضوعات ذاتها تعرض في هذه السورة عرضا خاصا، يحيلها جديدة كل الجدة. فهي تعرض عنيفة عاصفة، وحاسمة قاصمة؛ يفيض منها الهول، ويتناثر حولها الرعب، ويظللها الدمار والفزع والانبهار!

وأخص ما يميزها في سياق السورة أن كلا منها يمثل حلقة عذاب رهيبة سريعة لاهثة مكروبة. يشهدها المكذبون، وكأنما يشهدون أنفسهم فيها، ويحسون إيقاعات سياطها. فإذا انتهت الحلقة وبدأوا يستردون أنفاسهم اللاهثة المكروبة عاجلتهم حلقة جديدة أشد هولا ورعبا.. وهكذا حتى تنتهي الحلقات السبعة في هذا الجو المفزع الخانق. فيطل المشهد الأخير في السورة. وإذا هو جو آخر، ذو ظلال أخرى. وإذا هو الأمن والطمأنينة والسكينة. إنه مشهد المتقين: {إن المتقين في جنات ونهر في مقعد صدق عند مليك مقتدر}.. في وسط ذلك الهول الراجف، والفزع المزلزل، والعذاب المهين للمكذبين: {يوم يسحبون في النار على وجوههم ذوقوا مس سقر}..
فأين وأين؟ مشهد من مشهد؟ ومقام من مقام؟ وقوم من قوم؟ ومصير من مصير؟. اهـ.

سورة القمر في السور المكية، وقد عالجت أصول العقيدة الإسلامية، وهي من بدئها إلى نهايتها، حملة عنيفة مفزعة على المكذبين بآيات القرآن، وطابع السورة الخاص، هو طابع اللهديد والوعيد، والإعذار، والإنذار، مع صور شتى من مشاهد العذاب والدمار.

ابتدأت السورة الكريمة بذكر تلك المعجزة الكونية، معجزة انشقاق القمر، التي هي إحدى المعجزات العديدة لسيد البشر صلى الله عليه وسلم، وذلك حين طلب المشركون منه معجزة جلية، تدل على صدقه، وخصصوا بالذكر أن يشق لهم القمر، ليشهدوا له بالرسالة، ومع ذلك عاندوا وكابروا {اقتربت الساعة وانشق القمر وإن يروا آية يعرضوا ويقولوا سحر مستمر} الآيات.

ثم انتقلت للحديث عن أهوال القيامة وشدائدها، بأسلوب مخيف يهز المشاعر هزا، ويحرك في النفس الرعب والفزع، من هول ذلك اليوم العصيب {فتول عنهم يوم يدع الداع إلى شيء نكر خشعا أبصارهم يخرجون من الأجداث كأنهم جراد منتشر مهطعين إلى الداع يقول الكافرون هذا يوم عسر}.
وبعد الحديث عن كفار مكة، يأتى الحديث عن مصارع المكذبين، وما نالهم في الدنيا من ضروب العذاب والدمار، بدءا بقوم نوح {كذبت قبلهم قوم نوح فكذبوا عبدنا وقالوا مجنون وازدجر}.

ثم تلاه الحديث عن الطغاة المتجبرين من الأمم السالفة، الذين كذبوا الرسل، فأهلكهم الله إهلاكا فظيعا، ودمرهم عن بكرة أبيهم، وقد تحدثت الآيات عن قوم (عاد، وثمود، وقوم لوط، وقوم فرعون) وغيرهم من الطغاة المتجبرين بشيء من الإسهاب، مع تصوير أنواع العذاب {كذبت عاد فكيف كان عذابى ونذر إنا أرسلنا عليهم ريحا صرصرا في يوم نحس مستمر} الآيات.

بعد عرض هذه المشاهد الأليمة- مشاهد العذاب والنكال- الذي حل بالمكذبين لرسل الله صلى الله عليه وسلم توجهت السورة إلى مخاطبة قريش، وحذرتهم مصرعا كهذه المصارع، بل ما هو أشد وأنكى {سيهزم الجمع ويولون الدبر بل الساعة موعدهم والساعة أدهى وأمر} الآيات.
وختمت السورة ببيان مال المتقين، بعد ذكر مال الأشقياء المجرمين، على طريقة القرآن في الجمع بين الترغيب والترهيب بأسلوبه العجيب {إن المتقين في جنات ونهر في مقعد صدق عند مليك مقتدر}.

فضل السورة :

1)عن عائشة مرفوعا من قرأ ( ألم تنزيل ) و ( يس ) و ( اقتربت الساعة ) ( تبارك الذي بيده الملك ) كُنَّ له نورًا وحرزًا من الشيطان والشرك ، ورُفِعَ له في الدرجات يوم القيامة .

2) عن إسحاق بن عبد الله بن أبي فروة رفعه من قرأ ( اقتربت الساعة وانشق القمر ) في كل ليلتين بَعَثَهُ الله يوم القيامة ووجهه كالقمر ليلة البدر .


( يتبع – سورة الرحمن )











مديح ال قطب 01-26-2021 03:09 PM



















سورة الرحمن

التعريف بالسورة
سورة مدنية .
من المفصل .
آياتها 78 .
ترتيبها الخامسة والخمسون .
نزلت بعد الرعد .
بدأت السورة باسم من اسماء الله الحسنى " الرحمن "
لم يذكر لفظ الجلالة في السورة
اسم السورة ( الرحمن ) .

تسمية السورة

وردت تسميتها بسورة الرحمن بأحاديث منها ما رواه الترمذي عن جابر بن عبد الله قال: «خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم على أصحابه فقرأ سورة الرحمن» الحديث.
وفي تفسير القرطبي «أن قيس بن عاصم المنقري قال للنبي صلى الله عليه وسلم اتل علي ما أنزل عليك، فقرأ عليه سورة الرحمن، فقال: أعدها، فأعادها ثلاثا، فقال: إن له لحلاوة» إلخ.
وكذلك سميت في كتب السنة وفي المصاحف.
وذكر في الإتقان: أنها تسمى عروس القرآن لما رواه البيهقي في شعب الإيمان عن علي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لكل شيء عروس وعروس القرآن سورة الرحمن».
وهذا لا يعدوا أن يكون ثناء على هذه السورة وليس هو من التسمية في شيء كما روي أن سورة البقرة فسطاطا القرآن.
ووجه تسميه هذه السورة بسورة الرحمن أنها ابتدئت باسمه تعالى: {الرحمن} [الرحمن: 1].
ووصف سورة الرحمن بالعروس تشبيه ما تحتوي عليه من ذكر الحبرة والنعيم في الجنة بالعروس في المسرة والبذخ، تشبه معقول بمحسوس ومن أمثال العرب: لا عطر بعد عروس على أحد تفسيرين للمثل أو تشبيه ما كثر فيها من تكرير {فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ} بما يكثر على العروس من الحلي في كل ما تلبسه.

سبب النزول

عن عطاء أن أبا بكر الصديق ذكر ذات يوم وفكر في القيامة والموازين والجنة والنار وصفوف الملائكة وطىِّ السماوات ونسف الجبال وتكوير الشمس وانتشار الكواكب فقال : وددت أنى كنت خضراء من هذا الخضر تأتى عَلَىَّ بهيمةٌ فتأكلني ، وأنى لم أُخْلَق ، فنزلت هذه الآية ( وَلمِنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ )

قيل: إن سبب نزولها قول المشركين المحكي في قوله تعالى: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اسْجُدُوا لِلرَّحْمَنِ قالوا وَمَا الرَّحْمَنُ} [الفرقان: 60] في سورة الفرقان، فتكون تسميتها باعتبار إضافة سورة إلى الرحمن على معنى إثبات وصف الرحمن.

قال ابن عاشور:
هي مكية في قول جمهور الصحابة والتابعين، وروى جماعة عن ابن عباس أنها مدنية نزلت في صلح القضية عندما أبى سهيل بن عمرو أن يكتب في رسم الصلح {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ}.
ونسب إلى ابن مسعود أيضا أنها مدنية.

وعن ابن عباس: أنها مكية سوى آية منها هي قوله: {يَسْأَلُهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ} [الرحمن: 29] والأصح أنها مكية كلها وهي في مصحف ابن مسعود أول المفصل.
وإذا صح أن سبب نزولها قول المشركين {وما الرحمن} تكون نزلت بعد سورة الفرقان.

وقيل سبب نزولها قول المشركين {إنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ} المحكي في سورة النحل [103].
فرد الله عليهم بأن الرحمن هو الذي علم النبي صلى الله عليه وسلم القرآن.
محور مواضيع السورة :

سورة الرحمن من السور المكية التي تعالج أصول العقيدة الإسلامية ، وهي كالعروس بين سائر السور الكريمة ، ولهذا ورد في الحديث الشريف : ( لكل شيء عروس وعروس القرآن سورة الرحمن ) .

ولما ختم سبحانه القمر بعظيم الملك وبليغ القدرة، وكان الملك القادر لا يكمل ملكه إلا بالرحمة، وكانت رحمته لا تتم إلا بعمومها، قصر هذه السورة على تعداد نعمه على خلقه في الدارين، وذلك من آثار الملك، وفصل فيها ما أجمل في آخر القمر من مقر الأولياء والأعداء في الآخرة، وصدرها بالاسم الدال على عموم الرحمة براعة للاستهلال، وموازنة لما حصل بالملك والاقتدار من غاية التبرك والظهور والهيبة والرعب باسم هو مع أنه في غاية الغيب دال على أعظم الرجاء مفتتحاً لها بأعظم النعم وهو تعليم الذكر الذي هز ذوي الهمم العالية في القمر إلى الإقبال عليه بقوله: {ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدكر} لأنه لما كان للعظمة الدالة عليها نون {يسرنا} التي هي عماد الملك نظران: نظر الكبرياء والجبروت يقتضي أن يتكلم بما يعجز خلقه من كل جهة في الفهم والحفظ والإتيان بمثله وكل معنى من معانيه، ونظر الإكرام والرحمة، وكانت رحمته سابقة لغضبه نظر بها لخلقه لاسيما هذه الأمة المرحومة فيسر لها الذكر تحقيقاً للرحمة بعد أن أبقى من آثار الجبروت الإعجاز عن النظر، ومن الإعجاز من الفهم الحروف المقطعة أوائل السور، ومنع المتعنت من أن يقول: إنه لا معاني لها بأن فهم بعض الأصفياء بعض أسرارها، فقال جواباً لمن كأنه قال: من هذا المليك المقتدر، فقيل: {الرحمان} أي العام الرحمة، قال ابن برجان: وهو ظاهر اسمه الله، وباطن اسمه الرب، جعل هذه الأسماء الثلاثة في ظهورها مقام الذات يخبر بها عنه وحجاباً بينه وبين خلقه، يوصل بها الخطاب منه إليهم، ثم أسماؤه الظاهرة مبينة لهذه الأسماء الثلاثة.

ومن مقاصدها المِنَّة على الخَلْق بتعليم القرآن، وتلقين البيان، وأَمر الخلائق بالعدل في الميزان، والمنَّة عليهم بالعَصْف والرّيحان، وبيان عجائب القدرة في طِينة الإِنسان، وبدائع البحر، وعجائبها: من استخراج اللؤلؤ والمَرْجان، وإِجرَاءِ الفُلْك على وجه الماءِ أَبدع جريان، وفناءِ الخَلْق وبقاءِ الرّحمن، وقضاءِ حاجات المحتاجين، وأَن لا نجاة للعبد من الله إِلاَّ بحجّة وبرهان، وقهره الخلائق في القيامة بلهيب النَّار والدُّخَان، وسؤال أَهل الطاعة والعصيان، وطَوْف الكفار في الجحيم، ودلال المؤمنين في نعيم الجنان.

ومكافأة أَهل الإِحسان بالإِحسان، ونشاط المؤمنين بأَزواجهم من الحور الحِسان، وتقلبهم ورَودهم في رياض الرضوان، على بساط الشاذَرْوان، وخطبة جلال الحقِّ على لسان أَهل التوحيد والإِيمان بقوله: {تَبَارَكَ اسْمُ رَبِّكَ}.

وسورة الرحمن من أول السور نزولا فقد أخرج أحمد في مسنده بسند جيد عن أسماء بنت أبي بكر قالت: سمعت الرسول صلى الله عليه وسلم وهو يصلي نحو الركن قبل أن يصدع بما يؤمر والمشركون يسمعون يقرأ {فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ}.

وهذا يقتضي أنها نزلت قبل سورة الحجر.

وللاختلاف فيها لم تحقق رتبتها في عداد نزول سور القرآن.

وعدها الجعبري ثامنة وتسعين بناء على قول بأنها مدنية وجعلها بعد سورة الرعد وقبل سورة الإنسان.

وإذ كان الأصح إنها مكية وأنها نزلت قبل سورة الحج وقبل سورة النحل وبعد سورة الفرقان، فالوجه أن تعد ثالثة وأربعين بعد سورة الفرقان وقبل سورة فاطر.

وعد أهل المدينة ومكة آيها سبعا وسبعين، وأهل الشام والكوفة ثمانا وسبعين لأنهم عدوا الرحمن آية، وأهل البصرة ستا وسبعين.

ابتدأت السورة بالتنويه بالقرآن قال في الكشاف: أراد الله أن يقدم في عدد آلائه أول شيء ما هو أسبق قدما من ضروب آلائه وأصناف نعمائه وهي نعمة الدين فقدم من نعمة الدين ما هو أعلى مراتبها وأقصى مراقبها وهو إنعامه بالقرآن وتنزيله وتعليمه، وأخر ذكر خلق الإنسان عن ذكره ثم أتبعه إياه ثم ذكر ما تميز به من سائر الحيوان من البيان

وتبع ذلك من التنويه بالنبي صلى الله عليه وسلم بأن الله هو الذي علمه القرآن ردا على مزاعم المشركين الذين ويقولون: {إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ} [النحل: 103]، وردا على مزاعمهم أن القرآن أساطير الأولين أو أنه سحر أو كلام كاهن أو شعر.

ثم التذكير بدلائل قدرة الله تعالى في ما أتقن صنعه مدمجا في ذلك التذكير بما في ذلك كله من نعم الله على الناس.

وخلق الجن وإثبات جزائهم.

والموعظة بالفناء وتخلص من ذلك إلى التذكير بيوم الحشر والجزاء.

وختمت بتعظيم الله والثناء عليه.

وتخلل ذلك إدماج التنويه بشأن العدل، والأمر بتوفية أصحاب الحقوق حقوقهم، وحاجة الناس إلى رحمة الله فيما خلق لهم، ومن أهمها نعمة العلم ونعمة البيان، وما أعد من الجزاء للمجرمين ومن الثواب والكرامة للمتقين ووصف نعيم المتقين.

ومن بديع أسلوبها افتتاحها الباهر باسمه {الرحمن} وهي السورة الوحيدة المفتتحة باسم من أسماء الله لم يتقدمه غيره.

ومنه التعداد في مقام الامتنان والتعظيم بقوله: {فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ} إذ تكرر فيها إحدى وثلاثين مرة وذلك أسلوب عربي جليل كما سنبينه.


قال سيد قطب

هذه السورة المكية ذات نسق خاص ملحوظ. إنها إعلان عام في ساحة الوجود الكبير، وأعلام بآلاء الله الباهرة الظاهرة، في جميل صنعه، وإبداع خلقه؛ وفي فيض نعمائه؛ وفي تدبيره للوجود وما فيه؛ وتوجه الخلائق كلها إلى وجهه الكريم.. وهي إشهاد عام للوجود كله على الثقلين: الإنس والجن المخاطبين بالسورة على السواء، في ساحة الوجود، على مشهد من كل موجود، مع تحديهما إن كانا يملكان التكذيب بآلاء الله، تحديا يتكرر عقب بيان كل نعمة من نعمه التي يعددها ويفصلها، ويجعل الكون كله معرضا لها، وساحة الآخرة كذلك.

ورنة الإعلان تتجلى في بناء السورة كله، وفي إيقاع فواصلها.. تتجلى في إطلاق الصوت إلى أعلى، وامتداد التصويت إلى بعيد؛ كما تتجلى في المطلع الموقظ الذي يستثير الترقب والانتظار لما يأتي بعد المطلع من أخبار.. {الرحمن}.. كلمة واحدة. مبتدأ مفردا.. {الرحمن} كلمة واحدة في معناها الرحمة، وفي رنتها الإعلان، والسورة بعد ذلك بيان للمسات الرحمة ومعرض لآلاء الرحمن.

ويبدأ معرض الآلاء بتعليم القرآن بوصفه المنة الكبرى على الإنسان. تسبق في الذكر خلق الإنسان ذاته وتعليمه البيان.

ثم يذكر خلق الإنسان، ومنحه الصفة الإنسانية الكبرى.. البيان..

ومن ثم يفتح صحائف الوجود الناطقة بآلاء الله.. الشمس والقمر والنجم والشجر والسماء المرفوعة. والميزان الموضوع. والأرض وما فيها من فاكهة ونخل وحب وريحان. والجن والإنس. والمشرقان والمغربان. والبحران بينهما برزخ لا يبغيان، وما يخرج منهما وما يجري فيهما.

فإذا تم عرض هذه الصحائف الكبار. عرض مشهد فنائها جميعا. مشهد الفناء المطلق للخلائق، في ظل الوجود المطلق لوجه الله الكريم الباقي. الذي إليه تتوجه الخلائق جميعا، ليتصرف في أمرها بما يشاء.

وفي ظل الفناء المطلق والبقاء المطلق يجيء التهديد المروع والتحدي الكوني للجن والإنس: {سنفرغ لكم أيها الثقلان فبأي آلاء ربكما تكذبان يا معشر الجن والإنس إن استطعتم أن تنفذوا من أقطار السماوات والأرض فانفذوا لا تنفذون إلا بسلطان فبأي آلاء ربكما تكذبان يرسل عليكما شواظ من نار ونحاس فلا تنتصران فبأي آلاء ربكما تكذبان}؟..

ومن ثم يعرض مشهد النهاية. مشهد القيامة. يعرض في صورة كونية. يرتسم فيها مشهد السماء حمراء سائلة، ومشهد العذاب للمجرمين، والثواب للمتقين في تطويل وتفصيل.

ثم يجيء الختام المناسب لمعرض الآلاء: {تبارك اسم ربك ذي الجلال والإكرام}..

إن السورة كلها إعلان عام في ساحة الوجود الكبير. إعلان ينطلق من الملأ الأعلى، فتتجاوب به أرجاء الوجود. ويشهده كل من في الوجود وكل ما في الوجود.. اهـ.

قال الصابوني:

سورة الرحمن من السور المكية التي تعالج أصول العقيدة الإسلامية، وهي كالعروس بين سائر السور الكريمة، ولهذا ورد في الحديث الشريف: «لكل شيء عروس، وعروس القرآن سورة الرحمن».

ابتدأت السورة بتعديد ألاء الله الباهرة، ونعمه الكثيرة الظاهرة على العباد، التي لا يحصيها عد، وفي مقدمتها نعمة (تعليم القرآن) بوصفه المنة الكبرى على الإنسان، تسبق في الذكر خلق الإنسان ذاته وتعليمه البيان {الرحمن علم القرآن خلق الإنسان علمه البيان}.

ثم فتحت السورة صحائف الوجود، الناطقة بآلاء الله الجليلة، وآثاره العظيمة التي لا تخص: الشمس والقمر، والنجم والشجر، والسماء المرفوعة بلا عمد، وما فيها من عجائب القدرة، وغرائب الصنعة، والأرض التي بث فيها من أنواع الفواكه، والزروع، والثمار، رزقا للبشر {الشمس والقمر بحسبان والنجم والشجر يسجدان} الآيات.

وتحدثت السورة عن دلانل القدرة الباهرة في تسيير الأفلاك، وتسخير السفن الكبيرة تمخر عباب البحار، وكأنها الجبال الشاهقة عظمة وضخامة، وهى تجري فوق سطح الماء، بقدرة خالق السماء {وله الجوار المنشات في البحر كالأعلام} الآيات.

ثم بعد ذلك الاستعراض السريع لصفحة الكون المنظور، تطوى صفحات الوجود، وتتلاشى الخلائق بأسرها، فيلفها شبح الموت الرهيب، ويطويها الفناء، ولا يبقى إلا الحي القيوم، متفردا بالبقاء {كل من عليها فان ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام}.


تناولت السورة أهوال القيامة، فتحدثت عن حال الأشقياء المجرمين، وما يلاقونه من الفزع والشدائد، في ذلك اليوم العصيب {يعرف المجرمون بسيماهم فيؤخذ بالنواصي والأقدام} الآيات.

وبعد الحديث عن مشهد العذاب للمجرمين، تناولت السورة مشهد النعيم للمتقين، في شيء من الإسهاب والتفصيل، حيث يكونون في الجنان مع الحور والولدان {ولمن خاف مقام ربه جنتان} الآيات.

وختمت السورة بتمجيد الله جل وعلا والثناء عليه، على ما أنعم على عباده من فنون النعم والإكرام، وهو أنسب ختام لسورة الرحمن {تبارك اسم ربك ذي الجلال والإكرام} وهكذا يتناسق البدء مع الختام في أروع صور البيان!!.

فضل السورة :

1) عن علي سمعت رسول يقول : " لكل شيء عَروسٌ وعَرُوسُ القرآن الرحمن " .

2) عن أنس قال كان رسول الله يوتر بتسع ركعات فلما أسن وثقل أوتر بسبع فصلى ركعتين ، وهو جالس فقرأ فيهما الرحمن والواقعة .

3) عن ابن زيد قال : كان أول مفصل ابن مسعود الرحمن .

( يتبع – سورة الواقعة )











مديح ال قطب 01-26-2021 03:10 PM




















سورة الواقعة


التعريف بالسورة



السورة مكية .

من المفصل .

آياتها 96 .

ترتيبها السادسة والخمسون .

نزلت بعد طه .

بدأت السورة باسلوب شرط " اذا وقعت الواقعة "

لم يذكر في السورة لفظ الجلالة

الواقعة اسم من أسماء يوم القيامة .


تسمية السورة


قال أهل التفسير: سميت هذه السورة الواقعة لتسمية النبي صلى الله عليه وسلم لها بذلك.


فقد روى الترمذي عن ابن عباس قال قال أبو بكر يا رسول الله قد شبت قال: شيبتني هود والواقعة والمرسلات وعم يتساءلون وإذا الشمس كورت. قال الترمذي حديث حسن غريب.


وروى ابن وهب والبيهقي عن عبد الله ابن مسعود بسند ضعيف أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من قرأ سورة الواقعة كل ليلة لم تصبه فاقة أبدا.


وكذلك سميت في عصر الصحابة. روى أحمد عن جابر بن سمرة قال: كان رسول الله يقرأ في الفجر الواقعة ونحوها من السور.


والواقعة: الموصوفة بالوقوع وهو الحدوث، وهو اسم من أسماء القيامة.


سبب نزول السورة :


1) بسم الله الرحمن الرحيم قوله تعالى ( في سِدْرٍ مَخْضُودٍ ) قال أبو العالية والضحاك : نظر المسلمون إلى فوج ـ وهو الوادي مخصب بالطائف ـ فأعجبهم سدره فقالوا : يا ليت لنا مثل هذا فأنزل الله ـ تعالى ـ هذه الآية .



2) قال عروة بن رويم لما أنزل الله تعالى ( ثلة من الأولين وقليل من الآخرين ) بكى عمر وقال : يا رسول الله آمنا بك وصدقناك ، ومع هذا كله من ينجو منا قليل فأنزل الله تعالى (ثلة من الأولين وثلة من الآخرين ) ، فدعا رسول اللهعمرفقال : يا عمر بن الخطاب قد أنزل الله فيما قلت فجعل ثلة من الأولين وثلة من الآخرين ، فقال عمر : رضينا عن ربنا وتصديق نبينا ، فقال رسول الله : من آدم إلينا ثلة ، ومنى إلى يوم القيامة ثلة ، ولا يستتمها إلا سودان من رعاة الإبل ممن قال لا إله إلا الله.


3) عن ابن عباس قال : مُطِر الناس على عهد رسول الله فقال رسول الله : أصبح من الناس شاكر ومنهم كافر . قالوا : هذه رحمة وضعها الله تعالى . وقال بعضهم : لقد صدق نوء كذا . فنزلت هذه الآيات ( فَلا أُقْسِمُ بمَوَاقِعِ النُّجُومِ حَتَّى بَلَغَ وَتجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ ) رواه ( مسلم ) .


4) وروى أن النبي خرج في سفر فنزلوا وأصابهم العطش ، وليس معهم ماء فذكروا ذلك للنبي فقال أرأيتم إن دعوت لكم فسقيتم فلعلكم تقولون " سقينا هذا المطر بنوء كذا " فقالوا : يا رسول ما هذا بحين الأنواء . قال : فصلى ركعتين ودعا الله ـ تبارك وتعالى ـ فهاجت ريح ثم هاجت سحابة فَمُطِرُوا حتى سالت الأودية وملؤا الأسقية ، ثم مر رسول الله برجل يغترف بقح له ويقول : سقينا بنوء كذا ، ولم يقل هذا من رزق الله ـ سبحانه ـ فأنزل الله سبحانه ( وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ ) .


5) عن أبي هريرة قال : قال رسول الله : ألم تروا إلى ما قال ربكم " قال ما نعمت على عبادي من نعمة إلا أصبح فريق بها كافرين يقول الكوكب وبالكوكب " . رواه مسلم عن حرملة وعمرو بن سواد .


محور مواضيع السورة


تشتمل هذه السورة الكريمة على أحوال يوم القيامة ، وما يكون بين يدي الساعة من أهوال وانقسام الناس إلى ثلاث طوائف ( أصحاب اليمين ، أصحاب الشمال ، السابقون ) .


سورة الواقعة مقصودها شرح أحوال الأقسام الثلاثة المذكورة في الرحمن للأولياء من السابقين واللاحقين والأعداء المشاققين من المصارحين والمنافقين من الثقلين للدلالة على تمام القدرة بالفعل بالاختيار الذي دل عليه آخر الرحمن بإثبات الكمال ودل عليه آخر هذه بالتنزيه بالنفي لكل شيء به نقص ثم الإثبات بوصف العظمة بجميع الكمال من الجمال والجلال، ولو استوى الناس لم يكن ذلك من بليغ الحكمة، فإن استواءهم يكون شبهة لأهل الطبيعة، واسمها الواقعة دال على ذلك بتأمل آياته وما يتعلق الظرف به.


ومعظم مقصود السورة ظهور واقعة القيامة، وأَصناف الخلق بالإِضافة إِلى العذاب والعقوبة، وبيان حال السّابقين بالطاعة، وبيان حال قوم يكونون متوسّطين بين أَهل الطاعة وأَهل المعصية، وذكر حال أَصحاب الشِمال، والغَرْقَى في بحار الهلاك، وبرهان البعث من ابتداءِ الخِلْقة، ودليل الحشر والنشر من الحَرْث والزّرع، وحديث الماءِ والنَّار، وما في ضمنهما: من النّعمة والمِنَّة، ومَسّ المصحف، وقراءته في حال الطَّهارة، وحال المتوفَّى في ساعة السّكرة، وذكر قوم بالبشارة، وقوم بالخسارة، والخُطْبة على جلال الحقّ تعالى بالكبرياءِ والعظمة بقوله: {فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ}.


( يتبع )











مديح ال قطب 01-26-2021 03:10 PM











تابع – سورة الواقعة

محور مواضيع السورة

الواقعة اسم للسورة وبيان لموضوعها معا. فالقضية الأولى التي تعالجها هذه السورة المكية هي قضية النشأة الآخرة، ردا على قولة الشاكين فيها، المشركين بالله، المكذبين بالقرآن: {أئذا متنا وكنا ترابا وعظاما أئنا لمبعوثون أو آباؤنا الأولون} ومن ثم تبدأ السورة بوصف القيامة. وصفها بصفتها التي تنهي كل قول، وتقطع كل شك، وتشعر بالجزم في هذا الأمر.. الواقعة.. {إذا وقعت الواقعة ليس لوقعتها كاذبة}.. وتذكر من أحداث هذا اليوم ما يميزه عن كل يوم، حيث تتبدل أقدار الناس، وأوضاع الأرض، في ظل الهول الذي يبدل الأرض غير الأرض، كما يبدل القيم غير القيم سواء: {خافضة رافعة إذا رجت الأرض رجا وبست الجبال بسا فكانت هباء منبثا وكنتم أزواجا ثلاثة}... إلخ.

ثم تفصل السورة مصائر هذه الأزواج الثلاثة: السابقين وأصحاب الميمنة وأصحاب المشأمة. وتصف ما يلقون من نعيم وعذاب وصفا مفصلا أوفى تفصيل، يوقع في الحس أن هذا أمر كائن واقع، لا مجال للشك فيه، وهذه أدق تفصيلاته معروضة للعيان. حتى يرى المكذبون رأي العين مصيرهم ومصير المؤمنين. وحتى يقال عنهم هنالك بعد وصف العذاب الأليم الذي هم فيه: {إنهم كانوا قبل ذلك مترفين وكانوا يصرون على الحنث العظيم وكانوا يقولون أئذا متنا وكنا ترابا وعظاما أئنا لمبعوثون أو آباؤنا الأولون} وكأن العذاب هو الحاضر والدنيا هي الماضي الذي يذكر للترذيل والتقبيح. ترذيل حالهم في الدنيا وتقبيح ما كانوا عليه من تكذيب!

وبهذا ينتهي الشوط الأول من السورة. ويبدأ شوط جديد يعالج قضية العقيدة كلها، متوخيا توكيد قضية البعث التي هي موضوع السورة الأول؛ بلمسات مؤثرة، يأخذ مادتها وموضوعها مما يقع تحت حس البشر، في حدود المشاهدات التي لا تخلو منها تجربة إنسان، أيا كانت بيئته، ودرجة معرفته وتجربته.


يعرض الشوط الثاني نشأتهم الأولى من مني يمنى. ويعرض موتهم ونشأة آخرين مثلهم من بعدهم في مجال التدليل على النشأة الأخرى، التي لا تخرج في طبيعتها ويسرها عن النشأة الأولى، التي يعرفونها جميعا.
ويعرض صورة الحرث والزرع، وهو إنشاء للحياة في صورة من صورها. إنشاؤها بيد الله وقدرته. ولو شاء الله لم تنشأ، ولو شاء لم تؤت ثمارها.
ويعرض صورة الماء العذب الذي تنشأ به الحياة كلها. وهو معلق بقدرة الله ينزله من السحائب. ولو شاء جعله ملحا أجاجا، لا ينبت حياة، ولا يصلح لحياة.
وصورة النار التي يوقدون، وأصلها الذي تنشأ منه.. الشجر.. وعند ذكر النار يلمس وجدانهم منذرا. ويذكرهم بنار الآخرة التي يشكون فيها.
وكلها صور من مألوفات حياتهم الواقعة، يلمس بها قلوبهم، ولا يكلفهم فيها إلا اليقظة ليد الله وهي تنشئها وتعمل فيها.
كذلك يتناول هذا الشوط قضية القرآن الذي يحدثهم عن (الواقعة) فيشكون في وعيده. فيلوح بالقسم بمواقع النجوم، ويعظم من أمر هذا القسم لتوكيد أن هذا الكتاب هو قرآن كريم في كتاب مكنون لا يمسه إلا المطهرون، وأنه تنزيل من رب العالمين.
ثم يواجههم في النهاية بمشهد الاحتضار. في لمسة عميقة مؤثرة. حين تبلغ الروح الحلقوم، ويقف صاحبها على حافة العالم الآخر؛ ويقف الجميع مكتوفي الأيدي عاجزين، لا يملكون له شيئا، ولا يدرون ما يجري حوله، ولا ما يجري في كيانه. ويخلص أمره كله لله، قبل أن يفارق هذه الحياة. ويرى هو طريقه المقبل، حين لا يملك أن يقول شيئا عما يرى ولا أن يشير!
ثم تختم السورة بتوكيد الخبر الصادق، وتسبيح الله الخالق: {إن هذا لهو حق اليقين فسبح باسم ربك العظيم}.. فيلتئم المطلع والختام أكمل التئام..


تشتمل هذه السورة الكريمة على أحوال يوم القيامة، وما يكون بين يدي الساعة من أهوال، وانقسام الناس إلى ثلاث طوائف (أصحاب اليمين، وأصحاب الشمال، والسابقون إلى منازل السعداء).
وقد تحدثت السورة عن مآل كل فريق، وما أعده الله تعالى لهم من الجزاء العادل يوم الدين، كما أقامت الدلائل على وجود الله ووحدانيته، وكمال قدرته في بديع خلقه وصنعه، في خلق الإنسان، وإخراج النبات، وإنزال الماء، وما أودعه الله من القوة في النار.. ثم نوهت بذكر القرآن العظيم، وأنه تنزيل رب العالمين، وما يلقاه الإنسان عند الاحتضار من شدائد وأهوال.
وختمت السورة بذكر الطوائف الثلاث وهم أهل السعادة، وأهل الشقاوة، والسابقون إلى الخيرات من أهل النعيم، وبينت عاقبة كل منهم، فكان ذلك كالتفصيل لما ورد في أول السورة من إجمال، والإشادة بذكر مآثر المقربين في البدء والختام.

( يتبع )



















مديح ال قطب 01-26-2021 03:10 PM










تابع – سورة الواقعة

محور مواضيع السورة

سورة الواقعة تعالج موضوع البعث والجزاء.
وهي مقسّمة إلى الأقسام الآتية:
مقدمة وفصول ثلاثة وخاتمة.
أما المقدمة فتتحدث عن نهاية العالم وعن التغيير الذي سيحدث للكون.
{يَوْمَ تُبَدَّلُ الأَرْضُ غَيْرَ الأَرْضِ وَالسَّمَاوَاتُ وَبَرَزُواْ للّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ} إبراهيم48
{إِذَا وَقَعَتِ الْوَاقِعَةُ لَيْسَ لِوَقْعَتِهَا كَاذِبَةٌ خَافِضَةٌ رَّافِعَةٌ إِذَا رُجَّتِ الْأَرْضُ رَجًّا وَبُسَّتِ الْجِبَالُ بَسًّا فَكَانَتْ هَبَاء مُّنبَثًّا} الواقعة 1- 6
والمقدمة تنتهي عند الآية رقم-6 {فَكَانَتْ هَبَاء مُّنبَثًّا}.
ثم يأتي الفصل الأول وهو يقسم الناس إلى أقسام ثلاثة وهم: أصحاب الميمنة، وأصحاب المشأمة، والسابقون.
ويذكر جزاء كل قسم وسبب استحقاقهم هذا الجزاء.
{وَأَصْحَابُ الْيَمِينِ مَا أَصْحَابُ الْيَمِينِ فِي سِدْرٍ مَّخْضُودٍ وَطَلْحٍ مَّنضُودٍ وَظِلٍّ مَّمْدُودٍ وَمَاء مَّسْكُوبٍ وَفَاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ لَّا مَقْطُوعَةٍ وَلَا مَمْنُوعَةٍ وَفُرُشٍ مَّرْفُوعَةٍ إِنَّا أَنشَأْنَاهُنَّ إِنشَاء فَجَعَلْنَاهُنَّ أَبْكَارًا عُرُبًا أَتْرَابًا لِّأَصْحَابِ الْيَمِينِ ثُلَّةٌ مِّنَ الْأَوَّلِينَ وَثُلَّةٌ مِّنَ الْآخِرِينَ} الواقعة 27- 40
{وَأَصْحَابُ الشِّمَالِ مَا أَصْحَابُ الشِّمَالِ فِي سَمُومٍ وَحَمِيمٍ وَظِلٍّ مِّن يَحْمُومٍ لَّا بَارِدٍ وَلَا كَرِيمٍ إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُتْرَفِينَ وَكَانُوا يُصِرُّونَ عَلَى الْحِنثِ الْعَظِيمِ وَكَانُوا يَقولونَ أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَئِنَّا لَمَبْعُوثُونَ أَوَ آبَاؤُنَا الْأَوَّلُونَ قُلْ إِنَّ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ لَمَجْمُوعُونَ إِلَى مِيقَاتِ يَوْمٍ مَّعْلُومٍ ثُمَّ إِنَّكُمْ أَيُّهَا الضَّالُّونَ الْمُكَذِّبُونَ لَآكِلُونَ مِن شَجَرٍ مِّن زَقُّومٍ فَمَالِؤُونَ مِنْهَا الْبُطُونَ فَشَارِبُونَ عَلَيْهِ مِنَ الْحَمِيمِ فَشَارِبُونَ شُرْبَ الْهِيمِ هَذَا نُزُلُهُمْ يَوْمَ الدِّينِ} الواقعة 41- 56
{وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ أُوْلَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ ثُلَّةٌ مِّنَ الْأَوَّلِينَ وَقَلِيلٌ مِّنَ الْآخِرِينَ عَلَى سُرُرٍ مَّوْضُونَةٍ مُتَّكِئِينَ عَلَيْهَا مُتَقَابِلِينَ يَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُّخَلَّدُونَ بِأَكْوَابٍ وَأَبَارِيقَ وَكَأْسٍ مِّن مَّعِينٍ لَا يُصَدَّعُونَ عَنْهَا وَلَا يُنزِفُونَ وَفَاكِهَةٍ مِّمَّا يَتَخَيَّرُونَ وَلَحْمِ طَيْرٍ مِّمَّا يَشْتَهُونَ وَحُورٌ عِينٌ كَأَمْثَالِ اللُّؤْلُؤِ الْمَكْنُونِ جَزَاء بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ لَا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا وَلَا تَأْثِيمًا إِلَّا قِيلًا سَلَامًا سَلَامًا} الواقعة 10- 26
وينتهي هذا الفصل بقوله تعالى: {هَذَا نُزُلُهُمْ يَوْمَ الدِّينِ}.

الفصل الثاني يناقش المنكرين للبعث، ويسوق أدلة واضحة على البعث مستخدما عناصر الطبيعة المعلومة لدى الجميع وهي:

1- الجنين:

وكيف أن الله تعالى يكونه في بطن أم بدون تدخل من أحد.
{نَحْنُ خَلَقْنَاكُمْ فَلَوْلَا تُصَدِّقُونَ أَفَرَأَيْتُم مَّا تُمْنُونَ أَأَنتُمْ تَخْلُقُونَهُ أَمْ نَحْنُ الْخَالِقُونَ نَحْنُ قَدَّرْنَا بَيْنَكُمُ الْمَوْتَ وَمَا نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ عَلَى أَن نُّبَدِّلَ أَمْثَالَكُمْ وَنُنشِئَكُمْ فِي مَا لَا تَعْلَمُونَ وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ النَّشْأَةَ الْأُولَى فَلَوْلَا تَذكَّرُونَ} الواقعة 57- 62

2- الزرع:

وكيف أن الله تعالى يد القدر الأعلى ترعاه فتغذيه وتحافظ عليه.
{أَفَرَأَيْتُم مَّا تَحْرُثُونَ أَأَنتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ لَوْ نَشَاء لَجَعَلْنَاهُ حُطَامًا فَظَلْتُمْ تَفَكَّهُونَ إِنَّا لَمُغْرَمُونَ بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ} الواقعة 63- 67

3- الماء:

وكيف أن الله تعالى يسوقه إلى البلد الميت وينزله غيثا.
{أَفَرَأَيْتُمُ الْمَاء الَّذِي تَشْرَبُونَ أَأَنتُمْ أَنزَلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ الْمُنزِلُونَ لَوْ نَشَاء جَعَلْنَاهُ أُجَاجًا فَلَوْلَا تَشْكُرُونَ} الواقعة 68- 70

4- النار:

ومظهر قدرة الله تعالى فيها كبير.
{أَفَرَأَيْتُمُ النَّارَ الَّتِي تُورُونَ أَأَنتُمْ أَنشَأْتُمْ شَجَرَتَهَا أَمْ نَحْنُ الْمُنشِؤُونَ نَحْنُ جَعَلْنَاهَا تَذْكِرَةً وَمَتَاعًا لِّلْمُقْوِينَ} الواقعة 71- 73
ونلاحظ أن رجل الشارع يعرف عناصر المناقشة الأربعة، كما أن الدارس في أرقى البلاد يدرك عظمة الصانع الحكيم فيها، وبسرعة يأمر القرآن العاقل أن يسبح {فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ} الواقعة 74
سبحان ربّي العظيم وبحمده عدد خلقه ورضاء نفسه وزنة عرشه ومداد كلماته.


الفصل الثالث وهو يبدأ بالقسم بمواقع النجوم على كرم القرآن ونزوله من عند الله تعالى: {فَلَا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَّوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ إِنَّهُ لقرآن كَرِيمٌ فِي كِتَابٍ مَّكْنُونٍ لَّا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ تَنزِيلٌ مِّن رَّبِّ الْعَالَمِينَ} الواقعة 75 – 80.
وللقسم أثر عظيم في النفس.
ومن الظريف أنني رأيت بعض المنكرين لوجود الله تعالى، يقسم في حديثه بالله العظيم!!!!
ثم يتكلم القرآن عن الروح مظهرا ضعف الدنيا أمام سرها العجيب {فَلَوْلَا إِذَا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ وَأَنتُمْ حِينَئِذٍ تَنظُرُونَ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنكُمْ وَلَكِن لَّا تُبْصِرُونَ فَلَوْلَا إِن كُنتُمْ غَيْرَ مَدِينِينَ تَرْجِعُونَهَا إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ} الواقعة 83- 87
وعجز الناس عن عودة الروح إلى الجسد كاف في أثبات البعث والجزاء، ثم تأتي الخاتمة وهي ترد العجز إلى الصدر، وتقسم الناس مرة أخرى إلى ثلاثة أقسام.
والذي أرتاح له ويتفق مع فهمي للقرآن أن نهاية السورة لا تكرر أولها؛ لأن القرآن لا تكرار فيه إلا لفائدة.
فكيف نفهم خاتمة السورة بعيدا عن التكرار؟!
نلاحظ أن أول السورة قسم الناس إلى (أصحاب الميمنة وأصحاب المشأمة والسابقين).
هذا التقسيم جاء بعد نهاية الدنيا، فهو بيان لدرجات الناس في الآخرة.


أما آخر السورة وهو قوله تعالى: {فَأَمَّا إِن كَانَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ وَجَنَّةُ نَعِيمٍ وَأَمَّا إِن كَانَ مِنَ أَصْحَابِ الْيَمِينِ فَسَلَامٌ لَّكَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ وَأَمَّا إِن كَانَ مِنَ الْمُكَذِّبِينَ الضَّالِّينَ فَنُزُلٌ مِّنْ حَمِيمٍ وَتَصْلِيَةُ جَحِيمٍ} الواقعة 88- 94
فيأتي بعد بيان نهاية الإنسان:
ونهاية الإنسان تفهم من قوله تعالى: {فَلَوْلَا إِذَا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ وَأَنتُمْ حِينَئِذٍ تَنظُرُونَ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنكُمْ وَلَكِن لَّا تُبْصِرُونَ فَلَوْلَا إِن كُنتُمْ غَيْرَ مَدِينِينَ تَرْجِعُونَهَا إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ} الواقعة 83- 87
إذن آخر السورة تقسم الناس في القبر إلى الأقسام الثلاثة: أصحاب يمين، وأصحاب شمال، ومقربين.
فصدر السورة يتحدث عن الآخرة، وآخر السورة يتحدث عن جزاء القبر، وبذلك فلا تكرار.
وبعد: إن القرآن وحدة متكاملة وآياته حبات عقد نوراني لذلك فهو حق اليقين، وأي يقين أوضح من القرآن؟!
أقول ذلك حتى لا تخطئ فهم القرآن.

فضل السورة :

1) عن ابن مسعود سمعت رسول اللهيقول : " من قرأ سورة الواقعة كل ليلة لم تصبه فاقة أبدا " ابن عساكر .

2) عن أنس قال رسول الله: ( علموا نساءكم سورة الواقعة فإنها سورة الغنى ) .

3) عن جابر بن سمرة قال : كان رسول الله يقرأ في الفجر الواقعة ونحوها من السور .

( يتبع – سورة الحديد )



















مديح ال قطب 01-26-2021 03:11 PM











سورة الحديد

التعريف بالسورة


سورة مدنية .
من المفصل .
آياتها 29 .
ترتيبها السابعة والخمسون .
نزلت بعد الزلزلة .
من المسبحات بدأت السورة بفعل ماضي " سبح " وهو أحد أساليب الثناء ، ذُكِرَ لفظ الجلالة في الآية الأولى الله العزيز الحكيم .

تسمية السورة

سميت السورة (سورة الحديد) لذكر الحديد فيها، وهو قوة الإنسان في السلم والحرب، وعدته في البنيان والعمران، فمن الحديد تبنى الجسور الضخمة، وتشاد العمائر، وتصنع الدروع، والسيوف والرماح، وتكون الدبابات والغواصات والمدافع الثقيلة إلى غير ما هنالك من منافع.

سبب نزول السورة :

1) عن ابن عمر قال بينما النبي جالس وعنده أبو بكر الصديق وعليه عباءة قد خلها على صدره بخلال إذ نزل عليه جبريل أقرأه من الله السلام وقال : يا محمد مالي أرى أبا بكر عليه عباءة قد خلها على صدره بخلال فقال : يا جبريل أنفق ماله قبل الفتح عليَّ . قال فأقرئه من الله ـ سبحانه وتعالى ـ السلام ، وقل له يقول لك ربك : أراضٍ أَنت عَنِّي في فقرك هذا أم ساخط ؟.

2) عن ابن عمر قال بينما النبي جالس وعنده أبو بكر الصديق فالتفت النبي إلى أبي بكر فقال : يا أبا بكر هذا جبريل يقرئك من الله ـ سبحانه ـ السلامَ ويقول لك ربك :أراض أنت عنى في فقرك هذا أم ساخط ؟ فبكى أبو بكر : على ربي أغضب ؟ أنا عن ربي راض أنا عن ربي راض .

3) عن عائشةقالت : خرج رسول الله على نفر من أصحابه في المسجد وهم يضحكون فسحب رداءه محمرا وجهه ، فقال : أتضحكون ولم يأتكم أمان من ربكم بأنه غفر لكم ، ولقد أنزل عَلَىَّ في ضحككم آية ( أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ ) قالوا : يا رسول الله فما كفارة ذلك ؟ قال : تبكون بقدر ما ضحكتم حكتم .

4) قال : الكلبي ومقاتل نزلت في المنافقين بعد الهجرة بسنة ، وذلك أنهم سألوا سلمان الفارسي ذات يوم فقالوا : حدثنا عما في التوراة فإن فيها العجائب ، فنزلت هذه الآية ، وقال غيرهما نزلت في المؤمنين .

5) عن مصعب بن سعد عن سعد قال أنزل القرآن زمانا على رسول الله فتلاه عليهم زمانا فقالوا : يا رسول الله لو قصصت فأنزل الله تعالى نحن نقص عليك أحسن القصص فتلاه عليهم زمانا فقالوا : يا رسول الله لو حدثتنا فأنزل الله تعالى ( اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الحَدِيثِ ) قال : كل ذلك يؤمرون بالقرآن . قال خلاد وزاد فيه آخر . قالوا : يا رسول الله لو ذكرتنا فأنزل الله تعالى ( أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ ).

6) لما قدم المؤمنون المدنية أصابوا من لين العيش ورفاهية ففتروا عن بعض ما كانوا عليه فعوتبوا ونزلت هذه الآية ( أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ ) قال ابن مسعود : ما كان بين إسلامنا وبين أن عاتبنا الله بهذه الآية إلا أربع سنوات . عن مقاتل بن حيان قال لما نزلت ( أُوْلَئِكَ يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُمْ مَرَّتَينِ بمَا صَبَرُوا ) فخر مؤمنوا أهل الكتاب على أصحاب النبي فقالوا لنا أجران لكم أجر فاشتد ذلك على الصحابة فأنزل الله ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَينِ مِنْ رَحمَتِهِ ) فجعل لهم أجرين مثل أجور مؤمني أهل الكتاب وسوى بينهم في الأجر .


محور مواضيع السورة

هذه السورة الكريمة من السور المدنية التي تعني بالتشريع والتربية والتوجيه وتبني المجتمع الإسلامي على أساس العقيدة الصافية والخلق الكريم والتشريع الحكيم .

قال ابن عاشور:
هذه السورة تسمى من عهد الصحابة (سورة الحديد)، فقد وقع في حديث إسلام عمر بن الخطاب عند الطبراني والبزار أن عمر دخل على أخته قبل أن يسلم فإذا صحيفة فيها أولُ سورة الحديد فقرأه حتى بلغ {آمنوا بالله ورسوله وأنفقوا مما جعلكم مستخلفين فيه} فأسلم، وكذلك سُميت في المصاحف وفي كتب السنة، لوقوع لفظ الحديد فيها في قوله تعالى: {وأنزلنا الحديد فيه بأس شديد} (الحديد: 25).

وهذا اللفظ وإن ذُكر في سورة الكهف في قوله تعالى: {آتوني زبر الحديد} وهي سابقة في النزول على سورة الحديد على المختار، فلم تسم به لأنها سميت باسم الكهف للاعتناء بقصة أهل الكهف، ولأن الحديد الذي ذكر هنا مراد به حديد السلاح من سيوف ودروع وخُوذ، تنويهًا به إذ هو أثر من آثار حكمة الله في خلق مادته وإلهام الناس صنعه لتحصل به منافع لتأييد الدين ودفاع المعتدين كما قال تعالى: {فيه بأس شديد ومنافع للناس وليعلم الله من ينصره ورسله بالغيب} (الحديد: 25).

وفي كون هذه السورة مدنية أو مكية اختلاف قوي لم يختلَف مثلَه في غيرها، فقال الجمهور: مدنية وحَكى ابن عطية عن النقاش: أن ذلك إجماع المفسرين، وقد قيل: إن صدرها مكي لما رواه مسلم في (صحيحه) والنسائي وابنُ ماجه عن عبد الله بن مسعود أنه قال: (ما كان بين إسلامنا وبين أن عاتبنا الله بهذه الآية) {ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله} إلى قوله: {وكثير منهم فاسقون} (الحديد: 16) إلا أربع سنين عبد الله بن مسعود من أول الناس إسلامًا، فتكون هذه الآية مكية.
وهذا يعارضه ما رواه ابن مردويه عن أنس وابننِ عباس: أن نزول هذه الآية بعد ثلاث عشرة سنة أو أربع عشرة سنة من ابتداء نزول القرآن، فيصار إلى الجمع بين الروايتين أو الترجيح، ورواية مسلم وغيره عن ابن مسعود أصح سندًا، وكلامُ ابن مسعود يرجّح على ما رُوي عن أنس وابن عباس لأنه أقدم إسلامًا وأعلم بنزول القرآن، وقد علمت آنفًا أن صدر هذه السورة كان مقروءًا قبل إسلام عمر بن الخطاب قال ابن عطية (يشبه صدرها أن يكون مكيًا والله أعلم، ولا خلاف أن فيها قرآنًا مدنيًا).

قال البقاعي:
سورة الحديد مقصودها بيان أن عموم الرسالة لعموم الإلهية بالبعث إلى الأزواج الثلاثة المذكورة في السورتين الماضيتين من الثقلين تحقيقا لأنه سبحانه مختص بجميع صفات الكمال تحقيقا لتنزهه عن كل شائبة نقص المبدوء به هذه السورة المختوم به ما قبلها الراد لقولهم: {أئنا لمبعوثون أو آباؤنا الأولون} [الواقعة: 47- 48] المقتضي لجهاد من يحتاج إلى الجهاد ممن عصى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالسيف وما ترتب عليه من النفقة ردا لهم عن النقائص الجسمانية وإعلاء إلى الكلمات الروحانية التي دعا إليها الكتاب حذرا من سواء الحساب يوم التجلي للفصل بين العباد بالعدل ليدخل أهل الكتاب وغيرهم في الدين طوعا أو كرها، ويعلم أهل الكتاب الذين كانوا يقولون: ليس أحد أفضل منه، فضيلة هذا الرسول صلى الله عليه وسلم على جميع من تقدمه من الرسل عليهم الصلاة والسلام بعموم رسالته وشمول خلافته، وانتشار دعوته وكثرة أمته تحقيقا لأنه لا حد لفائض رحمته سبحانه لتكون هذه السورة التي هي آخر النصف الأول والتي بعدها التي هي أول النصف الثاني من حيث العدد غاية للمقصود من السورة التي هي أوله عند الالتفات والرد كما كانت السورة التي غاية النصف الأول يفي المقدار وهي الإسراء، وكذا السورة التي هي أول النصف الثاني وهي الكهف كاشفتين لمقصد الأولى فيما دعت إليه من الهداية وشدت إليه من الإنذار، على ذلك دل اسمها الحديد يتأمل آياته وتدبر سر ما ذكر فيه وغاياته، أسند صاحب الفردوس عن جابر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لا تحتجموا يوم الثلاثاء فإن سورة الحديد أنزلت يوم الثلاثاء».

و معظم مقصود السّورة الإِشارة إِلى تسبيح جملة المخلوقين والمخلوقات في الأَرض والسّموات، وتنزيهُ الحقّ تعالى في الذَّات والصفات، وأَمر المؤمنين بإِنفاق النفقات والصّدقات، وذكر حيرة المنافقين في صحراءِ العَرَصَات وبيان خِسّة الدّنيا وعزّ الجَنَّات، وتسلية الخَلْق عند هجوم النكبات والمصيبات، في قوله: {وَأَنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللَّهِ} بهذه الآيات.

( يتبع )



















ليالي الحنين 01-26-2021 04:19 PM

https://i.imgur.com/bJPfubp.gif?1

مديح ال قطب 01-27-2021 11:05 PM

http://up.skoon-elamar.com/uploads/161177792148841.gif

مديح ال قطب 01-27-2021 11:07 PM









تابع – سورة الحديد

محور مواضيع السورة

قال سيد قطب:
هذه السورة بجملتها دعوة للجماعة الإسلامية كي تحقق في ذاتها حقيقة إيمانها هذه الحقيقة التي تخلص بها النفوس لدعوة الله؛ فلا تضن عليها بشيء، ولا تحتجز دونها شيئا.. لا الأرواح ولا الأموال؛ ولا خلجات القلوب ولا ذوات الصدور.. وهي الحقيقة التي تستحيل بها النفوس ربانية بينما تعيش على الأرض موازينها هي موازين الله، والقيم التي تعتز بها وتسابق إليها هي القيم التي تثقل في هذه الموازين كما أنها هي الحقيقة التي تشعر القلوب بحقيقة الله، فتخشع لذكره، وترجف وتفر من كل عائق وكل جاذب يعوقها عن الفرار إليه.
وعلى أساس هذه الحقيقة الكبيرة تدعو السورة الجماعة الإسلامية إلى البذل في سبيل الله بذل النفس وبذل المال:{آمنوا بالله ورسوله وأنفقوا مما جعلكم مستخلفين فيه فالذين آمنوا منكم وأنفقوا لهم أجر كبير وما لكم لا تؤمنون بالله والرسول يدعوكم لتؤمنوا بربكم وقد أخذ ميثاقكم إن كنتم مؤمنين هو الذي ينزل على عبده آيات بينات ليخرجكم من الظلمات إلى النور وإن الله بكم لرؤوف رحيم وما لكم ألا تنفقوا في سبيل الله ولله ميراث السماوات والأرض لا يستوي منكم من أنفق من قبل الفتح وقاتل أولئك أعظم درجة من الذين أنفقوا من بعد وقاتلوا وكلا وعد الله الحسنى والله بما تعملون خبير}.
وعلى أساس هذه الحقيقة الكبيرة كذلك تدعو الجماعة الإسلامية إلى الخشوع لذكر الله وللحق الذي أنزله الله ليجيء البذل ثمرة لهذا الخشوع المنبعث من الحقيقة الإيمانية الأولى: {ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله وما نزل من الحق ولا يكونوا كالذين أوتوا الكتاب من قبل فطال عليهم الأمد فقست قلوبهم وكثير منهم فاسقون}..
وكذلك تضع قيم الدنيا وقيم الآخرة في ميزان الحق؛ وتدعو الجماعة الإسلامية لاختيار الكفة الراجحة، والسباق إلى القيمة الباقية:{اعلموا أنما الحياة الدنيا لعب ولهو وزينة وتفاخر بينكم وتكاثر في الأموال والأولاد كمثل غيث أعجب الكفار نباته ثم يهيج فتراه مصفرا ثم يكون حطاما وفي الآخرة عذاب شديد ومغفرة من الله ورضوان وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور سابقوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها كعرض السماء والأرض أعدت للذين آمنوا بالله ورسله ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم}..

ظاهر من سياق السورة- إلى جانب عمومية الدعوة الدائمة إلى تلك الحقيقة- أنها كانت تعالج كذلك حالة واقعة في الجماعة الإسلامية عند نزول هذه السورة في المجتمع المدني في فترة تمتد من العام الرابع الهجري إلى ما بعد فتح مكة.
فإلى جانب السابقين من المهاجرين والأنصار، الذين ضربوا أروع مثال عرفته البشرية، في تحقيق حقيقة الإيمان في نفوسهم، وفي البذل والتضحية بأرواحهم وأموالهم، في خلوص نادر، وتجرد كامل، وانطلاقمن أوهاق الأرض وجوانب الغريزة ومعوقات الطريق إلى الله...
إلى جانب هذه الفئة الممتازة الفذة، كانت هناك- في الجماعة الإسلامية- فئة أخرى ليست في هذا المستوى الإيماني الخالص الرفيع- وبخاصة بعد الفتح عندما ظهر الإسلام، ودخل فيه الناس أفواجا، وكان من بينهم من لم يدركوا بعد حقيقة الإيمان الكبيرة، ولم يعيشوا بها ولها كما عاشت تلك الفئة السابقة الخالصة المخلصة لله.
هؤلاء المسلمون من الفئة الأخرى كان يصعب عليهم البذل في سبيل الله؛ وتشق عليهم تكاليف العقيدة في النفس والمال؛ وتزدهيهم قيم الحياة الدنيا وزينتها؛ فلا يستطيعون الخلاص من دعائها وإغرائها.
وهؤلاء- بصفة خاصة- هم الذين تهتف بهم هذه السورة تلك الهتافات الموحية التي أسلفنا نماذج منها، لتخلص أرواحهم من تلك الأوهاق والجواذب، وترفعها إلى مستوى الحقيقة الإيمانية الكبرى، التي تصغر معها كل قيم الأرض، وتذوب في حرارتها كل عوائقها!


كذلك كانت هنالك طائفة أخرى- غير هؤلاء وأولئك- هي طائفة المنافقين، مختلطة غير متميزة وبخاصة حين ظهرت غلبة الإسلام، واضطر المنافقون إلى التخفي والإنزواء؛ مع بقاء قلوبهم مشوبة غير خالصة ولا مخلصة يتربصون الفرص وتجرفهم الفتن وهؤلاء تصور السورة مصيرهم يوم يميزون ويعزلون عن المؤمنين:{يوم ترى المؤمنين والمؤمنات يسعى نورهم بين أيديهم وبأيمانهم بشراكم اليوم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها ذلك هو الفوز العظيم يوم يقول المنافقون والمنافقات للذين آمنوا انظرونا نقتبس من نوركم قيل ارجعوا وراءكم فالتمسوا نورا فضرب بينهم بسور له باب باطنه فيه الرحمة وظاهره من قبله العذاب ينادونهم ألم نكن معكم قالوا بلى ولكنكم فتنتم أنفسكم وتربصتم وارتبتم وغرتكم الأماني حتى جاء أمر الله وغركم بالله الغرور فاليوم لا يؤخذ منكم فدية ولا من الذين كفروا مأواكم النار هي مولاكم وبئس المصير}..

وهذا إلى جانب من بقي في الجزيرة من أهل الكتاب من اليهود والنصارى والسورة تشير إلى شيء من أحوالهم ومواقفهم السابقة والحاضرة في ذلك الأوان؛ كالإشارة السابقة إلى قسوة قلوبهم عند تحذير الذين آمنوا أن يكونوا {كالذين أوتوا الكتاب من قبل فطال عليهم الأمد فقست قلوبهم}.. وهي إشارة إلى اليهود خاصة في الغالب.. وكالإشارة إلى النصارى قرب نهاية السورة في قوله:{ثم قفينا على آثارهم برسلنا وقفينا بعيسى ابن مريم وآتيناه الإنجيل وجعلنا في قلوب الذين اتبعوه رأفة ورحمة ورهبانية ابتدعوها ما كتبناها عليهم إلا ابتغاء رضوان الله فما رعوها حق رعايتها فآتينا الذين آمنوا منهم أجرهم وكثير منهم فاسقون}..



لما كان مدار السورة على تحقيق حقيقة الإيمان في القلب؛ وما ينبثق عن هذه الحقيقة من خشوع وتقوى، ومن خلوص وتجرد، ومن بذل وتضحية، فقد سارت في إقرار هذه الحقيقة في النفوس التي كانت تواجهها- والتي توجد في كل مجتمع إسلامي- على نسق مؤثر، أشبه ما يكون بنسق السور المكية، حافل بالمؤثرات ذات الإيقاع الآسر للقلب والحس والمشاعر!
وكان مطلعها خاصة مجموعة إيقاعات بالغة التأثير؛ تواجه القلب البشري بمجموعة من صفات الله سبحانه فيها تعريف به مع الإيحاء الآسر بالخلوص له، نتيجة للشعور بحقيقة الألوهية المتفردة، وسيطرتها المطلقة على الوجود، ورجعة كل شيء إليها في نهاية المطاف، مع نفاذ علمها إلى خبايا القلوب وذوات الصدور، واتجاه كل شيء إليها بالعبادة والتسبيح: {سبح لله ما في السماوات والأرض وهو العزيز الحكيم له ملك السماوات والأرض يحيي ويميت وهو على كل شيء قدير هو الأول والآخر والظاهر والباطن وهو بكل شيء عليم هو الذي خلق السماوات والأرض في ستة أيام ثم استوى على العرش يعلم ما يلج في الأرض وما يخرج منها وما ينزل من السماء وما يعرج فيها وهو معكم أينما كنتم والله بما تعملون بصير له ملك السماوات والأرض وإلى الله ترجع الأمور يولج الليل في النهار ويولج النهار في الليل وهو عليم بذات الصدور}..
وهذا المطلع بذاته وبإيقاعاته كاف وحده ليهز القلوب هزا ويوقع فيها الرهبة والخشية والارتعاش، كما يوقع فيها الرغبة الحية في الخلوص لله والالتجاء إليه، والتجرد من العوائق والأثقال المعوقة عن تلبية الهتاف إلى الخلاص من الشح بالأنفس والأموال. ولكن سياق السورة تضمن كثيرا من المؤثرات تتخلل ذلك الهتاف وتؤكده في مواضع شتى كتلك الصورة الوضيئة للمؤمنين والمؤمنات {يسعى نورهم بين أيديهم وبأيمانهم}.. وتلك الصورة التي تقرر ضآلة الحياة الدنيا وقيمها إلى جانب قيم الآخرة وما يتم فيها من الأمور الكبار.


كذلك جاءت لمسة أخرى ترد القلوب إلى حقيقة القدر المسيطرة على الوجود: {ما أصاب من مصيبة في الأرض ولا في أنفسكم إلا في كتاب من قبل أن نبرأها إن ذلك على الله يسير لكي لا تأسوا على ما فاتكم ولا تفرحوا بما آتاكم والله لا يحب كل مختال فخور الذين يبخلون ويأمرون الناس بالبخل ومن يتول فإن الله هو الغني الحميد} كي تستقر النفس وتطمئن لما يصيبها من خير أو شر، وهي في طريقها إلى الله فلا تطير جزعا، ولا تبطر فرحا، وهي تواجه الضراء والسراء ولا تشرك بالله سببا ولا ظرفا ولا حادثا فكله بقدر مقسوم لأجل معلوم ومرد الأمر كله في النهاية إلى الله.
وقد سار سياق السورة في علاج موضوعها في شوطين اثنين أثبتنا أولهما في صدر هذا التقديم. وجاءت فقرأت كثيرة من الشوط الثاني في خلاله. وهما مترابطان مطردان.

( يتبع )



















مديح ال قطب 01-27-2021 11:10 PM









تابع – سورة الحديد

محور مواضيع السورة

قال الصابوني
تناولت السورة الكريمة (سورة الحديد) ثلاثة مواضيع رئيسية هي:
أولا: أن الكون كله لله جل وعلا، هو خالقه ومبدعه، والمتصرف فيه بما يشاء.
ثانيا: وجوب التضحية بالنفس والنفيس، لإعزاز دين الله، ورفع منار الإسلام، الذي ختم الله به الرسالات السماوية.
ثالثا: تصوير حقيقة الدنيا بما فيها من بهرج ومتاع خادع، حتى لا يغتر بها الإنسان، وينسى الآخرة.
ابتدأت السورة الكريمة بالحديث عن عظمة الخالق جل وعلا، الذي سبح له كل ما في الكون، من شجر، وحجر، ومدر، وإنسان، وحيوان، وجماد، فالكل ناطق بعظمته، شاهد بوحدانيته {سبح لله ما في السموات والأرض وهو العزيز الحكيم} الآيات.
ثم ذكرت صفات الله الحسنى، وأسماءه العليا، فهو الأول بلا بداية، والآخر بلا نهاية، والظاهر بآثار مخلوقاته، والباطن الذي لا يعرف كنه حقيقته أحد، وهو الخالق للإنسان، والمدبر للأكوان {له ملك السموات والأرض يحيى ويميت وهو على كل شيء قدير هو الأول والأخر والظاهر والباطن} الآيات.
ثم تلتها الآيات وهي تدعو المسلمين إلى البذل والسخاء والإنفاق في سبيل الله، بما يحقق عزة الإسلام ورفعة شأنه، فلابد للمؤمن من الجهاد بالنفس والمال لينال السعادة في الدنيا، والمثوبة في الآخرة {آمنوا بالله ورسوله وأنفقوا مما جعلكم مستخلفين فيه فالذين آمنوا منكم وأنفقوا لهم أجر كبير} الآيات.
وتحدثت السورة عن أهل الإيمان، وأهل النفاق، فالمؤمنون يسعى نورهم بين أيديهم وبأيمانهم، والمنافقون يتخبطون في الظلمات، كما كانوا في الدنيا يعيشون كالبهائم، في ظلمات الجهل والغي والضلال {يوم ترى المؤمنين والمؤمنات يسعى نورهم بين أيديهم وبأيمانهم} الآيات.
وتحدثت السورة عن حقيقة الدنيا وحقيقة الآخرة، وصورتهما أدق تصوير، فالدنيا دار الفناء، فهي زائلة فانية، كمثل الزرع الزاهي الخصيب، الذي ينبت بقوة بنزول الغيث، ثم يصفر ويذبل، حتى يصير هشيما وحطاما تذروه الرياح، بينما الآخرة دار الخلود، والبقاء، التي لا نصب فيها ولا تعب، ولا هم ولا شقاء {اعلموا أنما الحياة الدنيا لعب ولهو وزينة وتفاخر بينكم وتكاثر في الأموال والأولاد} الآيات.
وختمت السورة الكريمة بالغاية من بعثة الرسل الكرام، والأمر بتقوى الله عز وجل، والاقتداء بهدي رسله وأنبيائه {يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وآمنوا برسوله يؤتكم كفلين من رحمته} الآيات إلى نهاية السورة الكريمة.

محور مواضيع السورة

قال محمد الغزالي:
سورة الحديد مدنية كلها فيما نرى، والحديث فيها يتجه إلى الدولة والجمهور معا! فإن للمجتمع الإسلامي خاصة يعرف بها، أنه رباني النشاط والوجهة، فمن قبل طلوع الفجر إلى ما بعد غياب الشفق، يهرع المسلمون إلى المساجد حاكمهم ومحكومهم، وتسمع صيحات الأذان في كل حي تدعو المسلمين إلى الصلاة، وتنبه إلى حق الله في التكبير والتمجيد، وتنزهه عما لا يليق به! إن الدولة الإسلامية وإن رفعت شعار لا إكراه في الدين إلا أنها حريصة على طاعة الله وإنفاذ حكمه والظهور في الميدان العالمي بأن ولاءها لله الواحد القائم بالقسط الرحيم بالخلق! فلا عجب إذا افتتحت سورة الحديد بهذا الشعار {سبح لله ما في السماوات والأرض وهو العزيز الحكيم له ملك السماوات والأرض يحيي ويميت وهو على كل شيء قدير} إن العصر الذي نعيش فيه يوسم بأنه عصر العلم. ولا عجب، فقد استطاع الإنسان غزو الفضاء ووضع قدمه على القمر، وهو الآن يدرس كواكب أخرى من أسرة الشمس يحاول الوصول إليها. وقد جزم بأن الشمس وأفراد أسرتها حبات رمال في فضاء زاخر بالنجوم والشموس. إن العالم ضخم كبير الحجم ذاهب في الطول والعرض مضبوط بنظام محكم يسيطر على الزفير والشهيق في أجسامنا، وعلى المد والجزر في البحار والمحيطات، وعلى الكسوف والخسوف بين الكواكب، وعلى مساحات تنحسر دونها الأبصار والآلات في ملكوت فخم مهيب يهيمن عليه رب كل شيء ومليكه «سبحان الله وبحمده عدد خلقه ورضا نفسه وزنة عرشه ومداد كلماته». ألا يسأل المرء نفسه: هل الدجاجة خلقت البيضة التي تضعها؟ هل البقرة صنعت اللبن الذي يخرج منها؟ هل الأم أنشأت الولد الذي يتخلق في أحشائها؟ هل الفلاح هو الذي سوى الحبوب والفواكه التي يزرعها؟ إن هذه كلها أسباب شفافة عن القدرة العليا والحكمة العليا اللتين تبدعان كل شيء {هو الذي خلق السماوات والأرض في ستة أيام ثم استوى على العرش يعلم ما يلج في الأرض وما يخرج منها وما ينزل من السماء وما يعرج فيها وهو معكم أينما كنتم والله بما تعملون بصير}.


إن ظيفة الأمة الإسلامية بين الناس أن تعرف الله وأن تعرف به، وأن تعبده وتيسر للآخرين عبادته. فهي تجاهد لتحمى حق العبادة، وتمنع الفتانين من فرض ضلا لهم على غيرهم! فإذا وجد من يقول للمستضعفين {لنخرجنكم من أرضنا أو لتعودن في ملتنا}، قال المسلمون له والأرض لك ولغيرك، ومن حقه أن يبقى فيها بالعقيدة التي اختارها، ونحن مع المضطهد حتى يطمئن! وتبدأ السورة في رسم الطريق للأمة الإسلامية حتى تؤدى رسالتها العالمية. فنقرأ قوله تعالى: {آمنوا بالله ورسوله وأنفقوا مما جعلكم مستخلفين فيه فالذين آمنوا منكم وأنفقوا لهم أجر كبير}. الإيمان والإنفاق عنصران رئيسان كي تنجح الأمة في بلوغ غايتها، ثم يعقب هذا الإجمال تفصيل، لا عذر للمسلمين في الاستمساك بدينهم والعيش به إلى آخر الدهر، فقد جاءهم نبي أخرجهم من الظلمات إلى النور، وختم بهم الوحي السماوي وجعلهم خير أمة أخرجت للناس، فهل يجوز أن يستبدلوا بدينهم مذهبا آخر من أهواء الناس؟ إن الحضارة الحديثة تعرض عليهم أن يتركوا الإسلام وأن يعتنقوا أي نزعة قومية، أو فكرة البعث العربي، أو أي دين آخر!! المهم أن يتركوا كتاب ربهم وسنة نبيهم! وقد استجاب البعض لهذه العروض الحديثة وقدموها على الإسلام، وأخرجوا الألوف المؤلفة من الأجناس التي رضيت الله ربا والإسلام دينا، وأحدثوا فتنا هائلة أساءت إلى الأتراك والأكراد والفرس والبربر والهنود والزنوج. إنها وثنيات جديدة يمنع منها قوله تعالى: {وما لكم لا تؤمنون بالله والرسول يدعوكم لتؤمنوا بربكم وقد أخذ ميثاقكم إن كنتم مؤمنين هو الذي ينزل على عبده آيات بينات ليخرجكم من الظلمات إلى النور وإن الله بكم لرءوف رحيم} والغريب أن الأمة العربية التي وعى لسانها القرآن من أغنى أمم الأرض، فأحشاء الدنيا في يدها، وأرضها الخصبة تفيض سمنا وعسلا، وصحراؤها العفراء ملأى بالكنوز والمعادن، فهل سخرت غناها في نصرة رسالتها؟ أم غلبتها الشهوات العاجلة في هذه الدار الفانية؟ إن ثروات المسلمين يستفيد الآخرون منها أكثر مما يستفيد المسلمون أنفسهم. وكان الواجب أن تدعم عقيدة التوحيد وحقائق الوحي كما قال تعالى: {وما لكم ألا تنفقوا في سبيل الله ولله ميراث السماوات والأرض لا يستوي منكم من أنفق من قبل الفتح وقاتل أولئك أعظم درجة من الذين أنفقوا من بعد وقاتلوا وكلا وعد الله الحسنى والله بما تعملون خبير من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا فيضاعفه له وله أجر كريم}.

وحسن التصرف في المال لخدمة الإيمان شيمة الصادقين من أهل اليقين. أما عبيد الحياة وأهل النفاق، فلهم مسالك سوء، ولذلك يقال لهم يوم القيامة {فاليوم لا يؤخذ منكم فدية ولا من الذين كفروا مأواكم النار هي مولاكم وبئس المصير}. الإيمان المقبول أساسه عرفان الله ونكران الذات ورحمة الخلق ورقة القلب! وهناك قوم ينتمون إلى الإيمان وفى صدورهم صلف وأثرة تستغرب قساوة قلوبهم وخشونة جوانبهم! قد يكون اليهود ـ بعد نقضهم مواثيق الله ـ نماذج لهذا الإيمان الكريه، وفيهم يقول الله: {فبما نقضهم ميثاقهم لعناهم وجعلنا قلوبهم قاسية}. وقد نهانا الله ورسوله عن متابعة هؤلاء الناس. ومع ذلك فإن التدين السطحي ينتشر بيننا. ترى الرجل يتشبث برأي في فروع الفقه لا يقدم ولا يؤخر ويحسب أنه ملك دون غيره مفاتيح الجنة، وينظر إلى الناس من عل ويعاملهم بجفاء!! يعظ القرآن هؤلاء {ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله وما نزل من الحق ولا يكونوا كالذين أوتوا الكتاب من قبل فطال عليهم الأمد فقست قلوبهم}. هذا المرض يحبط أعمال الأفراد، ويحول بين الأمة الإسلامية وأداء رسالتها. إن التواضع والرحمة يزرعان القبول والحب، أما العجب والفظاظة فلا يثمران إلا الخصام والقتال. وقد عادت السورة تشرح ميزات الأمة التي تحمل رسالة الخير والحق، فأكدت ما جاء في صدرها من حث على الإيمان والإنفاق، فقال تعالى: {إن المصدقين والمصدقات وأقرضوا الله قرضا حسنا يضاعف لهم ولهم أجر كريم والذين آمنوا بالله ورسله أولئك هم الصديقون والشهداء عند ربهم لهم أجرهم ونورهم}. قد يكون الشهداء قتلى معارك الجهاد.. وقد يكونون رجال الدعوة الماشين في أقدام الأنبياء يدلون على الله، ويشرحون الوحى..! {فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيدا} كلا المفهومين صحيح.

وشارة الصدق في الإيمان بالله ضبط الموقف من الدنيا. فمن بات واستيقظ مشغولا بها باكيا.
كلى ما فات منها فلا اعتداد به. إن الناس في عصرنا يذهلون عن الآخرة، والحضارة الغالبة تجهل بها وتصد عنها، والأديان السماوية فاشلة في إدارة المعركة تحسب أن الفشل في الأرض طريق النجاح.
فالسماء. ولا أدرى كيف يصح ذلك في دين يبنى الإيمان بالله على التأمل في الكون ودراسة قوانينه؟ انعقد أخيرا مؤتمرا للمياه في دول الخليج حضرته دولة إسرائيل (؟!) لماذا؟ لأن الدولة اليهودية تملك الخبرة! أما نحن فخبرتنا محدودة... يظهر أننا خبراء في حب المال والجاه وحسب! وسورة الحديد تنبه إلى أن المسلمين شركاء في سباق عالمي محموم لا ينجح فيه إلا من استعد له وتهيأ لمراحله وقدر الفروق بين خطواته وخطوات خصومه.. {سابقوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها كعرض السماء والأرض أعدت للذين آمنوا بالله ورسله}. ما هذا السباق؟ إن أهل الإيمان يعرضون ما لديهم وينصرونه، وأهل الكفر يعرضون ما لديهم وينصرونه. هكذا شاء الله أن تدور رحى النشاط في الأرض {ولو يشاء الله لانتصر منهم ولكن ليبلو بعضكم ببعض}.. والناظر الآن إلى الأطراف المتخاصمة يرى عجبا. فعلى سطح الماء من المحيط الشمالي إلى المحيط الجنوبي، لا ترى بارجة عليها علم التوحيد على حين ترى البوارج والطائرات والغواصات تخدم كل ملة وتنصر كل حزب.


يقول الله تعالى: {لقد أرسلنا رسلنا بالبينات وأنزلنا معهم الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط وأنزلنا الحديد فيه بأس شديد ومنافع للناس وليعلم الله من ينصره ورسله بالغيب إن الله قوي عزيز} خلق الله الحديد ذا خصائص عظيمة في صناعات الحرب والسلام معا، فهل درسنا هذه الخصائص وانتفعنا بها في نشاطنا المدني والعسكري؟ وأرينا الله من نشاطنا ما يرضيه؟ إن أمتنا الإسلامية عالة على غيرها في ذلك الميدان، فلما أردنا أن نصنع شيئا اتجهنا إلى صناعة أسياخ نسلح بها المباني لا إلى صناعة أسلحة نحمي بها الحق ونصون العقائد!! إن تعلقنا بمتاع الدنيا شديد، أما تعلقنا بالآخرة فوهم، ولو كان حقا ما أجدانا، فإن علومنا الأرضية تتذبذب عند درجة الصفر. وكيف يسود الأرض من لا يعي شيئا من قوانينها؟ إننا نلمح الشعرة في تفاوت الناس من حظوظ الدنيا، ولا نلمح الخشبة عندما يكون التفاوت في حقوق الله. واليوم يجد المسلمون أنفسهم في موقع عصيب، فاليهود- وعددهم في العالم أقل من سكان سوريا- يريدون الاستيلاء على مقدرات العالم الإسلامي الذي يزيد على خمس سكان الأرض! وأتباع الملل الأخرى من كتابيين ووثنيين يجتاحوننا في جبهات كثيرة، فهل الذين نزلت عليهم سورة الحديد يشعرون الآن بما تقول؟ وختمت السورة بآيتين توصيان المسلمين بالعودة إلى الله والاقتداء برسوله. والحق أن السلف الأول انتقلوا من السفح إلى القمة، عندما التفوا حول هذا القرآن وتدبروا آياته. كانوا نفرا يعد على الأصابع، ثم حزبا يشق طريقه بجهد جهيد، وفي سنوات معدودات أضحوا دولة عظمى اختفت أمامها دول حكمت العالمين قرونا. ولا مانع بتة أن يعيد التاريخ نفسه، إذا أعاد المسلمون علاقتهم بكتابهم ومشوا وراء نبيهم.. يقول تعالى خاتما هذه السورة: {يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وآمنوا برسوله يؤتكم كفلين من رحمته ويجعل لكم نورا تمشون به ويغفر لكم والله غفور رحيم لئلا يعلم أهل الكتاب ألا يقدرون على شيء من فضل الله}.

فضل السورة :

1) كان رسول الله لا ينام حتى يقرأ المسبحات وقال : إن فيهن آية أفضل من ألف آية . أخرجه( ابو داود) وغيره .

( يتبع - سورة المجادلة )



















مديح ال قطب 01-27-2021 11:11 PM











سورة المجادلة

التعريف بالسورة


سورة مدنية .
من المفصل .
آياتها 22 .
ترتيبها الثامنة والخمسون .
نزلت بعد " المنافقون " .
بدأت باسلوب توكيد " قد سمع "
ذُكِرَ لفظ الجلالة في كل آية من السورة

تسمية السورة

سميت هذه السورة في كتب التفسير وفي المصاحف وكتب السنة سورة المجادِلَة بكسر الدال أو بفتحه كما سيأتي. وتسمى سورة قد سمع وهذا الاسم مشتهر في الكتاتيب في تونس، وسميت في مصحف أُبيّ بن كعب سورة الظهار.
ووجه تسميتها سورة المجادلة لأنها افتتحت بقضية مجادلة امرأة أوس بن الصامت لدى النبي في شأن مظاهَرة زوجها.
ولم يذكر المفسرون ولا شارحو كتب السنة ضبطه بكسر الدال أو فتحها. وذكر الخفاجي في حاشية البيضاوي عن (الكشف) أن كسر الدال هو المعروف (ولم أدر ما أراد الخفاجي بالكشف الذي عزا إليه هذا)، فكشف القزويني على (الكشاف) لا يوجد فيه ذلك، ولا في التفسير المسمى (الكشفَ والبيان) للثعلبي. فلعلّ الخفاجي رأى ذلك في (الكشف) الذي ينقل عنه الطّيبي في مواضع تقريرات لكلام (الكشاف) وهو غير معروف في عداد شروح (الكشاف)، وكسر الدال أظهر لأن السورة افتتحت بذكر التي تُجادِل في زوجها فحقيقة أن تضاف إلى صاحبة الجدال، وهي التي ذكرها الله بقوله: {التي تجادلك في زوجها} (المجادلة: 1). ورأيت في نسخة من حاشية محمد الهمداني على (الكشاف) المسماة (توضيح المشكلات)، بخط مؤلفها جعل علامة كسرة تحت دال المجادلة. وأما فتح الدال فهو مصدر مأخوذ من فعل (تجادلك) كما عبر عنها بالتحاور في قوله تعالى: {والله يسمع تحاوركما} (المجادلة: 1).


سبب نزول السورة :

1) عن عروة قال : قالت عائشة تبارك الذي وسع سمعه كل شيء، إنى لأسمع كلام خولة بنت ثعلبة ويخفى على بعضه ، وهي تشتكي زوجها إلى رسول الله وهى تقول : يا رسول الله أبلى شبابي ، ونثرت له بطنى، حتى إذا كبر سني ، وانقطع ولدي ، ظاهر منى ، اللهم إني أشكو إليك . قال: فما برحت حتى نزل جبريل بهذه الآيات ( قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها وتشتكي إلى الله ) ( رواه أبو عبد الله في صحيح )

2) عن عروة عن عائشة قالت : الحمد لله الذي توسع لسمع الأصوات كلها ، لقد جاءت المجادلة فكلمت رسول الله وأنا في جانب البيت لا أدري ما يقول فأنزل الله تعالى ( قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها ).

3) عن أنس بن مالك قال : إن أوس بن الصامت ظاهر من امرأته خولة بنت ثعلبة ، فشكت ذلك إلى النبي فقالت : ظاهر مني حين كبر سنى ورق عظمى، فأنزل الله تعالى آية الظهار ، فقال رسول الله لأوس أعتق رقبة . فقال : مالي بذلك يدان . قال : فصم شهرين متتابعين . قال : أما إنى إذا أخطأني أن لا آكل في اليوم ، كَلَّ بَصري . قال : فأطعم ستين مسكينا . قال: لا أجد إلا أن تعيننى منك بعون وصلة . قال : فأعانه رسول الله بخمسة عشر صاعا حتى جمع الله له ، والله رحيم ، وكانوا يرون أن عنده مثلها ، وذلك ستون مسكينا .

4) أخبرنا بن عبد الله بن سلام قال حدثتنى خويلة بنت ثعلبة وكانت عند أوس بن الصامت أخى عبادة بن الصامت قالت دخل على ذات يوم ، وكلمني بشيء وهو فيه كالضجر فراددته ، فغضب ، فقال : أنت على كظهر أمي . ثم خرج في نادي قومه ، ثم رجع إلى فراودته عن نفسي ، فامتنعت منه ، فشادني فشاددته فغلبته بما تغلب به المرأة الرجل الضعيف ، فقلت : كلا والذي نفس خويلة بيده لا تصل إلىَّ حتى يحكم الله تعالى فيًّ وفيك بحكمه ، ثم أتيت النبي أشكو ما لقيت ؟ فقال زوجك : وابن عمك اتقى الله ، وأحسنى صحبته ، فما برحت حتى نزل القرآن ( قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِى تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا) إلى ( إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِير ) حتى انتهى إلى الكفارة قال : مريه فيعتق رقبة قلت : يا نبي الله والله ما عنده رقبة يعتقها قال : مريه فيصم شهرين متتابعين . قلت : يا نبي الله شيخ كبير ما به من صيام . قال : فيطعم ستين مسكينا . قلت : يا نبي الله والله ما عنده ما يطعم . قال : بله سنعينه بعرق من تمر مكتل يسع ثلاثين صاعا . قالت : قلت : وأنا أعينه بعرق آخر . قال : قد أحسنت فليتصدق .

تناولت السورة أحكاما تشريعية كثيرة كأحكام الظهار والكفارة التي تجب على المُظَاهِر وحكم التناجي وآداب المجالس وتقديم الصدقة عند مناجاة الرسول صلى الله عليه وسلم وعدم مودة أعداء الله الى غير ذلك كما تحدثت عن المنافقين وعن اليهود .
و مقصودها الإعلام بإيقاع البأس الشديد، الذي أشارت إليه الحديد، بمن حاد الله ورسوله صلى الله عليه وسلم لما له سبحانه من تمام العلم، اللازم عنه تمام القدرة، اللازم عنه الإحاطة بجميع صفات الكمال، وعلى ذلك دلت تسميتها بالمجادلة بأول قصتها وآخرها، وعلى تكرير الاسم الأعظم الجامع في القصة وجميع السورة تكريرا لم يكن في سواها بحيث لم تخل منه آية، وأما الآيات التي تكرر في كل منها المرتين فأكثر فكثرة كل ذلك، للدلالة على أن الأكثر منها المراد فيها بالخطاب من يصح أن ينظر إليه تارة بالجلال، وتارة بالكمال، فيجمع له الوصفان، وهو من آمن ووقع منه هفوة أو عصيان، ولهذا ضمتها أشياء شدد النكير فيها حين وقع بعض أهل الإيمان، ولم يبحها لهم عند وقوعهم فيها ردا للشرع إلى ما دعا إليه الطبع كما فعل في غيرها كالأكل والجماع في ليل رمضان من غير تقييد بيقظة ولا منام، لمنابذتها للحكمة، وبعدها عن موجبات الرحمة، وهذا مؤيد لما تقدم من سر إخلاء الواقعة والرحمن والقمر من هذا الاسم الجامع.
و معظم مقصود السّورة بيان حُكْم الظِّهار، وذكر النجوى والسّرار، والأَمر بالتَّوسع في المجالس، وبيان فضل أَهل العلم، والشكاية من المنافقين، والفرق بين حِزب الرّحمن، وحزب الشيطان، والحكم على بعض بالفلاح، وعلى بعض بالخسران، في قوله: {هُمُ الخَاسِرُونَ} و{هُمُ المُفْلِحُوْنَ}.


قال سيد قطب:
نحن في هذه السورة- وفي هذا الجزء كله تقريبا- مع أحداث السيرة في المجتمع المدني. مع الجماعة المسلمة الناشئة؛ حيث تربى وتقوم، وتعد للنهوض بدورها العالمي، بل بدورها الكوني، الذي قدره الله لها في دورة هذا الكون ومقدراته. وهو دور ضخم يبدأ من إنشاء تصور جديد كامل شامل لهذه الحياة، في نفوس هذه الجماعة، وإقامة حياة واقعية على أساس هذا التصور، ثم تحمله هذه الجماعة إلى العالم كله لتنشئ للبشرية حياة إنسانية قائمة على أساس هذا التصور كذلك، وهو دور ضخم إذن يقتضي إعدادا كاملا.
ولقد كان أولئك المسلمون الذين يعدهم القدر لهذا الدور الضخم، ناسا من الناس. منهم السابقون من المهاجرين والأنصار الذين نضج إيمانهم، واكتمل تصورهم للعقيدة الجديدة، وخلصت نفوسهم لها، ووصلوا.. وصلوا إلى حقيقة وجودهم وحقيقة هذا الوجود الكبير؛ واندمجت حقيقتهم مع حقيقة الوجود، فأصبحوا بهذا طرفا من قدر الله في الكون؛ لا يجدون في أنفسهم عوجا عنه، ولا يجدون في خطاهم تخلفا عن خطاه، ولا يجدون في قلوبهم شيئا إلا الله.. كانوا كما جاء عنهم في هذه السورة: {لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله ولو كانوا آباءهم أو أبناءهم أو إخوانهم أو عشيرتهم أولئك كتب في قلوبهم الإيمان وأيدهم بروح منه ويدخلهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها رضي الله عنهم ورضوا عنه أولئك حزب الله ألا إن حزب الله هم المفلحون}..


هؤلاء السابقين كانوا قلة بالقياس إلى الجماعة المسلمة المتزايدة العدد- وبخاصة بعد أن أصبح الإسلام قوة ترهب- حتى قبل الفتح- ودخل فيه من لم يتلق من التربية الإسلامية القسط الكافي، ولم يتنفس في الجو الإسلامي فترة طويلة. كما دخل فيه من المنافقين من آثر المصلحة أو العافية على دخل في القلوب، وتربص بالفرص، وذبذبة بين المعسكر الإسلامي والمعسكرات القوية المناوئة له في ذلك الحين. سواء معسكرات المشركين أو اليهود! ولقد اقتضت تربية النفوس وإعدادها للدور الكوني الكبير المقدر لها في الأرض جهودا ضخمة، وصبرا طويلا، وعلاجا بطيئا، في صغار الأمور وفي كبارها.. كانت حركة بناء هائلة هذه التي قام بها الإسلام، وقام بها رسول الإسلام صلى الله عليه وسلم بناء النفوس التي تنهض ببناء المجتمع الإسلامي والدولة الإسلامية، وتقوم على منهج الله، تفهمه وتحققه، وتنقله إلى أطراف الأرض في صورة حية متحركة، لا في صحائف وكلمات.
ونحن نشهد في هذه السورة- وفي هذا الجزء كله- طرفا من تلك الجهود الضخمة، وطرفا من الأسلوب القرآني كذلك في بناء تلك النفوس، وفي علاج الأحداث والعادات والنزوات؛ كما نشهد جانبا من الصراع الطويل بين الإسلام وخصومه المختلفين من مشركين ويهود ومنافقين.


وفي هذه السورة بصفة خاصة نشهد صورة موحية من رعاية الله للجماعة الناشئة؛ وهو يصنعها على عينه، ويربيها بمنهجه، ويشعرها برعايته، ويبني في ضميرها الشعور الحي بوجوده-سبحانه- معها في أخص خصائصها، وأصغر شؤونها، وأخ في طواياها؛ وحراسته لها من كيد أعدائها خفيه وظاهره؛ وأخذها في حماه وكنفه، وضمها إلى لوائه وظله؛ وتربية أخلاقها وعاداتها وتقاليدها تربية تليق بالجماعة التي تنضوي إلى كنف الله، وتنتسب إليه، وتؤلف حزبه في الأرض، وترفع لواءه لتعرف به في الأرض جميعا.
ومن ثم تبدأ السورة بصورة عجيبة من صور هذه الفترة الفريدة في تاريخ البشرية. فترة اتصال السماء بالأرض في صورة مباشرة محسوسة، ومشاركتها في الحياة اليومية لجماعة من الناس مشاركة ظاهرة: {قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها وتشتكي إلى الله والله يسمع تحاوركما إن الله سميع بصير}.. فنشهد السماء تتدخل في شأن يومي لأسرة صغيرة فقيرة مغمورة، لتقرر حكم الله في قضيتها، وقد سمع-سبحانه- للمرأة وهي تحاور رسول الله فيها، ولم تكد تسمعها عائشة وهي قريبة منها! وهي صورة تملأ القلب بوجود الله وقربه وعطفه ورعايته.
يليها في سياق السورة توكيد أن الذين يحادون الله ورسوله- وهم أعداء الجماعة المسلمة التي تعيش في كنف الله- مكتوب عليهم الكبت والقهر في الأرض، والعذاب المهين في الآخرة، مأخوذون بما عملوا مما أحصاه الله عليهم، ونسوه هم وهم فاعلوه! {والله على كل شيء شهيد}..

( يتبع )

















مديح ال قطب 01-27-2021 11:12 PM











تابع – سورة المجادلة

محور مواضيع السورة

في السورة توكيد وتذكير بحضور الله-سبحانه- وشهوده لكل نجوى في خلوة، يحسب أصحابها أنهم منفردون بها. والله معهم أينما كانوا: {ثم ينبئهم بما عملوا يوم القيامة إن الله بكل شيء عليم}.. وهي صورة تملأ القلب كذلك بوجود الله وحضوره، كما تملؤه برقابته واطلاعه.
وهذا التوكيد مقدمة لتهديد الذين يتناجون في خلواتهم لتدبير المكايد للمسلمين، وملء قلوبهم بالحزن والهم والتوجس. تهديد بأن أمرهم مكشوف، وأن عين الله مطلعة عليهم، ونجواهم بالإثم والعدوان ومعصية الرسول مسجلة، وأن الله آخذهم بها ومعذبهم عليها. ونهي للمسلمين عن التناجي بغير البر والتقوى، وتربية نفوسهم وتقويمها بهذا الخصوص.
ثم يستطرد في تربية هذه النفوس المؤمنة؛ فيأخذها بأدب السماحة وبالطاعة في مجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم ومجالس العلم والذكر. كما يأخذها بأدب السؤال والحديث مع الرسول صلى الله عليه وسلم والجد في هذا الأمر والتوقير.
أما بقية السورة بعد هذا فتنصرف إلى الحديث عن المنافقين الذين يتولون اليهود؛ ويتآمرون معهم، ويدارون تآمرهم بالكذب والحلف للرسول وللمؤمنين. وتصورهم في الآخرة كذلك حلافين كذابين؛ يتقون بالحلف والكذب ما يواجههم من عذاب الله، كما كانوا يتقون بهما في الدنيا ما يواجههم من غضب رسول الله والمؤمنين! مع توكيد أن الذين يحادون الله ورسوله كتب الله عليهم أنهم في الأذلين وأنهم هم الأخسرون. كما كتب أنه ورسله هم الغالبون. وذلك تهوينا لشأنهم، الذي كان بعض المنتسبين إلى الإسلام- وبعض المسلمين- يستعظمه، فيحافظ على مودته معهم، ولا يدرك ضرورة تميز الصف المسلم تحت راية الله وحدها، والاعتزاز برعاية الله وحده، والاطمئنان إلى حراسته الساهرة للفئة التي يصنعها على عينه، ويهيئها لدورها الكوني المرسوم.
وفي ختام السورة تجيء تلك الصورة الوضيئة لحزب الله. هذه الصورة التي كان يمثلها بالفعل أولئك السابقون من المهاجرين والأنصار. والتي كانت الآية الكريمة تشير لها كي ينتهي إليها أولئك الذين ما زالوا بعد في الطريق!
{لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله..} إلخ الآية... كما وردت في أول هذا التقديم.


محور مواضيع السورة

.قال الصابوني:
* سورة المجادلة مدنية، وقد تناولت أحكاما تشريعية كثيرة كأحكام الظهار، والكفارة التي تجب على المظاهر، وحكم التناجي، وآداب المجالس، وتقديم الصدقة عند مناجاة الرسول صلى الله عليه وسلم، وعدم مودة أعداء الله، إلى غير ذلك، كما تحدثت عن المنافقين وعن اليهود.
* ابتدأت السورة الكريمة ببيان قصة المجادلة (خولة بنت ثعلبة) التي ظاهر منها زوجها- على عادة أهل الجاهلية في تحريم الزوجة بالظهار- وقد جاءت تلك المرأة رسول الله صلى الله عليه وسلم تشكو ظلم زوجها لها وقالت يا رسول الله: أكل مالي، وأفنى شبابي، ونثرت له بطني، حتى إذا كبرت سني، وانقطع ولدي، ظاهر مني. ورسول الله، يقول لها: «ما أراك إلا قد حرمت عليه»، فكانت تجادله وتقول يا رسول الله: ما طلقني ولكنه ظاهر مني، فيرد عليها قوله السابق، لم قالت: اللهم إني أشكو إليك، فاستجاب الله دعاءها، وفرج كربتها وشكواها {قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها وتشتكي إلى الله..} الآيات.
* ثم تناولت حكم كفارة الظهار {الذين يظاهرون منكم من نسائهم ما هن أمهاتهم إن أمهاتهم إلا اللائي ولدنهم وإنهم ليقولون منكرا من القول وزورا وإن الله لعفو غفور..} الآيات.
* ثم تحدثت عن موضوع التناجي، وهو الكلام سرا بين اثنين فأكثر، وقد كان هذا من دأب اليهود والمنافقين لإيذاء المؤمنين، فبينت حكمه وحذرت المؤمنين من عواقبه {ألم تر أن الله يعلم ما في السموات وما في الأرض ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم..} الآيات.
* وتحدثت السورة عن اليهود اللعناء، الذين كانوا يحضرون مجلس الرسول صلى الله عليه وسلم فيحيونه بتحية ملغزة، ظاهرها التحية والسلام، وباطنها الشتيمة والمسئة، كقولهم: السام عليك يا محمد يعنون الموت {وإذا جاءوك حيوك بما لم يحيك به الله} الآيات.
* وتناولت السورة الحديث عن المنافقين بشيء من الإسهاب، فقد اتخذوا اليهود بخاصة أصدقاء، يحبونهم ويوالونهم وينقلون إليهم أسرار المؤمنين، فكشفت الستار عن هؤلاء المذبذبين وفضحتهم: {ألم تر إلى الذين تولوا قوما غضب الله عليهم..} الآيات.
* وختمت السورة الكريمة ببيان حقيقة الحب في الله، والبغض في الله، الذي هو أصل الإيمان، وأوثق عرى الدين، ولابد في اكتمال الإيمان من معاداة أعداء الله {لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله ولو كانوا آباءهم أو أبناءهم أو إخوانهم أو عشيرتهم أولئك كتب في قلوبهم الإيمان...} إلى آخر السورة الكريمة.


قال محمد الغزالي
هى سور مدنية كلها. والمجتمع المدنى كان صنوفا شتى من الناس.
هناك المؤمنون الذين يصنعهم الوحي ليقودوا قافلة الإيمان في المشارق والمغارب.
وهناك الوثنيون المتعلقون بأذيال الليل المدبر.
وهناك اليهود الذين يعبدون جنسهم ويريدون فرض أهوائهم على الناس.
وهناك المنافقون الذين يجرون وراء مصالحهم ويظهرون في ألف لون.
وهذه السورة على وجازتها، تعرضت لأولئك جميعا.
فقد بتت في قضية الظهار، وهو من شئون الأسرة المسلمة، وبينت أنه ليس طلاقا، وذكرت كفارته. والإسلام يهتم بشئون الأسرة ويوضح حدودها، فيقول هنا {وتلك حدود الله وللكافرين عذاب أليم}. ويقول في سورة البقرة {تلك حدود الله فلا تعتدوها}- بعد أحكام الطلاق- ويقول في سورة النساء {تلك حدود الله ومن يطع الله ورسوله يدخله جنات تجري من تحتها الأنهار}- بعد أحكام الميراث- وهذه الحدود شيء آخر غير العقوبات المقدرة على بعض الجرائم. ومن أسلوب القرآن أن يمزج الأحكام بالعقائد ليجعل التزامها جزءا من الإيمان ومظهرا لإجلال الله، ولذلك قال بعدها {ألم تر أن الله يعلم ما في السماوات وما في الأرض ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم ولا خمسة إلا هو سادسهم...}.
وانتقلت السورة عقب ذلك إلى اليهود الذين إذا أرادوا تحية المسلمين قالوا: السام عليكم! ويجعلون من الشبه بين السام والسلام ذريعة للعن المسلمين وتمنى الهلاك لهم! وقد سمعتهم عائشة فكشفتهم ونهرتهم، ولكن النبي صلى الله عليه وسلم آثر أسلوبا أليق به، ونزلت الآية {.. وإذا جاءوك حيوك بما لم يحيك به الله ويقولون في أنفسهم لولا يعذبنا الله بما نقول حسبهم جهنم يصلونها فبئس المصير}.

( يتبع )



















مديح ال قطب 01-27-2021 11:12 PM











تابع – سورة المجادلة

محور مواضيع السورة

أمر الله المسلمين أن تكون أحاديثهم في مجالسهم أو مع خصومهم بعيدة عن الشحناء والتحدي وأن يترفعوا عن محاكاة اليهود، وألا يكترثوا إذا تلاقى اليهود والمنافقون فتسار بعضهم مع البعض الآخر في بشاشة وود- ليحرجوا المؤمنين ويشعروهم بالعزلة {إنما النجوى من الشيطان ليحزن الذين آمنوا وليس بضارهم شيئا إلا بإذن الله وعلى الله فليتوكل المؤمنون}.
والإسلام ينزل الناس منازلهم وفق الإيمان والعلم. فـ: في صفوف الصلاة، يقول الرسول: «ليلني منكم أولو الأحلام والنهى». وفي المجالس العامة، يقول الله تعالى: {يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات}. والمسلمون يحبون نبيهم أشد الحب، ولم لا وقد أخرجهم من الظلمات إلى النور، وعرفهم بخالقهم ورازقهم، ووقفهم صفوفا بين يديه يحمدونه ويستهدونه طر في النهار وزلفا من الليل؟ ثم إن شخصه النبيل جدير بالحب والحفاوة، والكمال البشرى جدير بالحب حيث كان. إلا أن عاطفة الالتفاف حول الرسول والجلوس معه لابد من تنظيمها حتى تستقيم شئون الدنيا والدين وحتى يجد وقتا يخلص فيه إلى نفسه وأهله!! ولذلك نزلت الآية {يا أيها الذين آمنوا إذا ناجيتم الرسول فقدموا بين يدي نجواكم صدقة ذلك خير لكم وأطهر فإن لم تجدوا فإن الله غفور رحيم}. فإذا صعب ذلك على مؤمن، فأفعال الخير أمامه كثيرة يستطيع بها إرضاء ربه، وهى أولى به من إيثار الحديث مع الرسول! قد يكون في الحديث مع العظماء لذة، بيد أن نصرة رسالتهم أهم! {أأشفقتم أن تقدموا بين يدي نجواكم صدقات فإذ لم تفعلوا وتاب الله عليكم فأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة...}.


في مجتمع يختلط فيه المؤمنون والمشركون والكتابيون وتشتبك فيه المصالح المادية والأدبية تمتحن المبادئ امتحانا قاسيا، وقد يقدم الرجل قرابته أو تجارته على مذهبه أو رأيه! وذاك ما جعل الشاعر يقول قديما لواحد من هؤلاء المتلونين:

فإما أن تكون أخي بصدق ** فأعرف منك غثي من سميني
وإما فاطرحني واتخذني ** عدوا أتقيك وتتقيني

والنفاق داء خبيث شديد الخطر. ومن أيسر الأمور على المنافق أن يحلف كاذبا، ولذلك قال تعالى يصف هذا الصنف: {ألم تر إلى الذين تولوا قوما غضب الله عليهم ما هم منكم ولا منهم ويحلفون على الكذب وهم يعلمون أعد الله لهم عذابا شديدا إنهم ساء ما كانوا يعملون} ويظهر أن الذي يألف نهجا معينا من الحياة يموت به ويبعث عليه، وذاك ما جعل العامة في بلادنا يقولون (يموت الزمار وأصابعه تلعب)! فإذا مات كذلك بعث كذلك. وربما حاول الدجال في الدنيا أن يكون دجالا في الآخرة، فيحلف على الزور كأن حلفه سينجيه! {يوم يبعثهم الله جميعا فيحلفون له كما يحلفون لكم ويحسبون أنهم على شيء ألا إنهم هم الكاذبون}، وهيهات.. {إن الذين يحادون الله ورسوله أولئك في الأذلين}.
في النجاة من هذه الفتن. وتفريقا بين الإيمان الصادق والإيمان المغشوش، يأمر الله المؤمنين أن يصارحوا بعقائدهم ويتحدَّوا بمبادئهم وينحازوا إلى أشكالهم ويجافوا خصومهم. {لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله ولو كانوا آباءهم أو أبناءهم أو إخوانهم أو عشيرتهم أولئك كتب في قلوبهم الإيمان وأيدهم بروح منه..}.

( يتبع – سورة الحشر )



















مديح ال قطب 01-27-2021 11:13 PM











سورة الحشر

التعريف بالسورة


سورة مدنية .
من المفصل .
آياتها 24 .
ترتيبها التاسعة والخمسون .
نزلت بعد البينة .
من المسبحات "
بدأت بفعل ماضي " سَبَّحَ " وهو أحد أساليب الثناء والتسبيح
ذُكِرَ لفظ الجلالة في الآية الأولى واسم الله العزيز الحكيم
اسم السورة احد اسماء يوم القيامة .

سبب التسمية

‎ ‎‏ ‏سُميت ‏بهذا ‏الاسم ‏لأن ‏الله ‏الذي ‏حشر ‏اليهود ‏وجمعهم ‏خارج ‏المدينة ‏هو ‏الذي ‏يحشر ‏الناس ‏ويجمعهم ‏يوم ‏القيامة ‏للحساب ‏‏، ‏وتسمى ‏أيضا ‏‏" ‏بني ‏النضير‎"‎‏ ‏‎ .‎‏
و اشتهرت تسمية هذه السورة (سورةَ الحشر). وبهذا الاسم دعاها النبي صلى الله عليه وسلم.
روى الترمذي عن معقل بن يسار قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من قال حين يصبح ثلاث مرات: أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم وقرأ ثلاث آيات من آخر سورة الحشر» الحديث، أي الآيات التي أولها {هو الله الذي لا إله إلا هو عالم الغيب والشهادة} (الحشر: 22) إلى آخر السورة.

وفي (صحيح البخاري) عن سعيد بن جُبَير قال: قلت لابن عباس: سورة الحشر قال: (قل بني النضير)، أي سورة بني النضير فابن جُبَير سماها باسمها المشهور. وابن عباس يسميها سورة بني النضير. ولعله لم يبلغه تسمية النبي صلى الله عليه وسلم إياها (سورة الحشر) لأن ظاهر كلامه أنه يرى تسميتها (سورة بني النضير) لقوله لابن جُبَير (قل بني النضير).
وتأول ابن حَجر كلام ابن عباس على أنه كره تسميتها بالحشر لئلا يُظن أن المراد بالحشر يوم القيامة. وهذا تأول بعيد. وأحسن من هذا أن ابن عباس أراد أن لها اسمين، وأن الأمر في قوله: قُل، للتخيير.

فأما وجه تسميتها (الحشر) فلوقوعِ لفظ (الحشر) (الحشر: 2) فيها. ولكونها ذكر فيها حشر بني النضير من ديارهم أي من قريتهم المسماة الزهرة قريبًا من المدينة. فخرجوا إلى بلاد الشام إلى أريحا وأذرعات، وبعضُ بيوتهم خرجوا إلى خيبر، وبعض بيوتهم خرجوا إلى الحِيرة.
وأما وجه تسميتها (سورة بني النضير) فلأن قصة بني النضير ذُكرت فيها.

محور مواضيع السورة

تعني السورة بجانب التشريع شأن سائر السور المدنية والمحور الرئيسي الذي تدور عليه السورة الكريمة هو الحديث عن " غزوة بني النضير " وهم اليهود الذين نقضوا العهد مع الرسول صلى الله عليه وسلم فأجلاهم عن المدينة المنورة ولهذا كان ابن عباس يسمى هذه السورة " سورة بني النضير " وهي هذه السورة الحديث عن المنافقين الذين تحالفوا مع اليهود وبإيجاز هى سورة " الغزوات والجهاد والفئ والغنائم .

و مقصودها بيان ما دل عليه آخر المجادلة من التنزه عن شوائب النقص بإثبات القدرة الشاملة بدليل شهودي على أنه يغلب هو ورسله، ومن حاده في الأذلين، لأنه قوي عزيز، المستلزمة للعلم التام المستلزم الحكمة البالغة المستلزمة للحشر المظهر لفلاح المفلح وخسار الخاسر على زجه الثبات الكاشف أتم كشف لجميع صفات الكمال، وأدل ما فيها على ذلك تأمل قصة بني النضير المعلم بأول الحشر المؤذن بالحشر الحقيقي بالقدرة عليه بعد إطباق الولي والعدو على ظن أنه لا يكون، فلذا سميت الحشر وببني النضير لأنه سبحانه وتعالى حشرهم بقدرته من المدينة الشريفة إلى خيبر والشام والحيرة ثم حشرهم وغيرهم من اليهود الحشر الثاني من خيبر إلى الشام الذي هو آية الحشر الأعظم إلى أرض الحشر لقهر هذا النبي الكريم أهل الكتاب المدعين لأنهم أفضل الناس وأنهم مؤيدون بما لهم من الدين الذي أصله قويم بما لوحت إليه الحديد كما قهر أهل الأوثان الذين هم عالمون بأنهم بدلوا الدين الصحيح فثبتت بظهور دينه على كل دين على حد سواء كما وعد به سبحانه صدقه في كل ما جاء به بعد التوحيد- الإيمان بالبعث الآخر لأنه محط الحكمة وموضع إظهار النقمة والرحمة.

قال سيد قطب:
نزلت هذه السورة في حادث بني النضير- حي من أحياء اليهود- في السنة الرابعة من الهجرة. تصف كيف وقع؟ ولماذا وقع؟ وما كان في أعقابه من تنظيمات في الجماعة الإسلامية.. ترويها بطريقة القرآن الخاصة، وتعقب على الأحداث والتنظيمات بطريقة القرآن كذلك في تربية تلك الجماعة تربية حية بالأحداث والتوجيهات والتعقيبات.
وقبل أن نستعرض النصوص القرآنية في السورة، نعرض شيئا مما ذكرته الروايات عن ذلك الحادث الذي نزلت السورة بشأنه؛ لنرى ميزة العرض القرآني، وبعد آماده وراء الأحداث التي تتنزل بشأنها النصوص، فتفي بمقتضيات الأحداث، وتمتد وراءها وحولها في مجالات أوسع وأشمل من مقتضيات تلك الأحداث المحدودة بالزمان والمكان.
كانت وقعة بني النضير في أوائل السنة الرابعة من الهجرة بعد غزوة أحد وقبل غزوة الأحزاب. ومما يذكر عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذهب مع عشرة من كبار أصحابه منهم أبو بكر وعمر وعلي- رضي الله عنهم- إلى محلة بني النضير، يطلب منهم المشاركة في أداء دية قتيلين بحكم ما كان بينه وبينهم من عهد في أول مقدمه على المدينة. فاستقبله يهود بني النضير بالبشر والترحاب ووعدوا بأداء ما عليهم، بينما كانوا يدبرون أمرا لاغتيال رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن معه. وكان صلى الله عليه وسلم جالسا إلى جدار من بيوتهم. فقال بعضهم لبعض: إنكم لن تجدوا الرجل على مثل حاله هذه. فمن رجل منكم يعلو هذا البيت، فيلقي عليه صخرة، فيريحنا منه؟ فانتدب لذلك عمرو بن جحاش بن كعب. فقال: أنا لذلك. فصعد ليلقي عليه صخرة كما قال. فألهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ما يبيت اليهود من غدر. فقام كأنما ليقضي أمرا. فلما غاب استبطأه من معه، فخرجوا من المحلة يسألون عنه، فعلموا أنه دخل المدينة.

أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالتهيؤ لحرب بني النضير لظهور الخيانة منهم، ونقض عهد الأمان الذي بينه وبينهم. وكان قد سبق هذا إقذاع كعب بن الأشرف- من بني النضير- في هجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم وتأليبه الأعداء عليه. وما قيل من أن كعبا ورهطا من بني النضير اتصلوا بكفار قريش اتصال تآمر وتحالف وكيد ضد النبي صلى الله عليه وسلم مع قيام ذلك العهد بينهم وبينه. مما جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يأذن لمحمد بن مسلمة في قتل كعب بن الأشرف. فقتله.
فلما كان التبييت للغدر برسول الله في محلة بني النضير لم يبق مفر من نبذ عهدهم إليهم. وفق القاعدة الإسلامية: {وإما تخافن من قوم خيانة فانبذ إليهم على سواء إن الله لا يحب الخائنين}.. فتجهز رسول الله صلى الله عليه وسلم وحاصر محلة بني النضير، وأمهلهم ثلاثة أيام- وقيل عشرة- ليفارقوا جواره ويجلوا عن المحلة على أن يأخذوا أموالهم، ويقيموا وكلاء عنهم على بساتينهم ومزارعهم. ولكن المنافقين في المدينة- وعلى رأسهم عبد الله بن أبي بن سلول رأس النفاق- أرسلوا إليهم يحرضونهم على الرفض والمقاومة، وقالوا لهم: أن اثبتوا وتمنعوا فإنا لن نسلمكم. وإن قوتلتم قاتلنا معكم، وإن أخرجتم خرجنا معكم.
وفي هذا الله تعالى: {ألم تر إلى الذين نافقوا يقولون لإخوانهم الذين كفروا من أهل الكتاب لئن أخرجتم لنخرجن معكم ولا نطيع فيكم أحدا أبدا وإن قوتلتم لننصرنكم والله يشهد إنهم لكاذبون لئن أخرجوا لا يخرجون معهم ولئن قوتلوا لا ينصرونهم ولئن نصروهم ليولن الأدبار ثم لا ينصرون لأنتم أشد رهبة في صدورهم من الله ذلك بأنهم قوم لا يفقهون...}.


تحصن اليهود في الحصون؛ فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقطع نخيلهم والتحريق فيها. فنادوه: أن يا محمد قد كنت تنهى عن الفساد وتعيبه على من صنعه: فما بال قطع النخيل وتحريقها؟ وفي الرد عليهم نزل قوله تعالى: {ما قطعتم من لينة أو تركتموها قائمة على أصولها فبإذن الله وليخزي الفاسقين}..
ولما بلغ الحصار ستا وعشرين ليلة، يئس اليهود من صدق وعد المنافقين لهم، وقذف الله في قلوبهم الرعب، فسألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يجليهم ويكف عن دمائهم، كما سبق جلاء بني قينقاع- وقد ذكرنا سببه وظروفه في تفسير سورة الأحزاب في الجزء الحادي والعشرين- على أن لهم ما حملت الإبل من أموالهم {هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِن دِيَارِهِمْ لِأَوَّلِ الْحَشْرِ مَا ظَنَنتُمْ أَن يَخْرُجُوا وَظَنُّوا أَنَّهُم مَّانِعَتُهُمْ حُصُونُهُم مِّنَ اللَّهِ فَأَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُم بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَارِ (2) وَلَوْلَا أَن كَتَبَ اللَّهُ عَلَيْهِمُ الْجَلَاء لَعَذَّبَهُمْ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابُ النَّارِ (3) ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ شَاقُّوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَمَن يُشَاقِّ اللَّهَ فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ (4)}
إلا السلاح. فأجابهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فاحتملوا من أموالهم ما استقلت به الإبل. فكان الرجل منهم يهدم بيته عن خشبة بابه فيحمله على ظهر بعيره؛ أو يخربه حتى لا يقع في أيدي المسلمين؛ وكان المسلمون قد هدموا وخربوا بعض الجدران التي اتخذت حصونا في أيام الحصار.
وفي هذا يقول الله في هذه السورة: {هو الذي أخرج الذين كفروا من أهل الكتاب من ديارهم لأول الحشر ما ظننتم أن يخرجوا وظنوا أنهم مانعتهم حصونهم من الله فأتاهم الله من حيث لم يحتسبوا وقذف في قلوبهم الرعب يخربون بيوتهم بأيديهم وأيدي المؤمنين فاعتبروا يا أولي الأبصار ولولا أن كتب الله عليهم الجلاء لعذبهم في الدنيا ولهم في الآخرة عذاب النار ذلك بأنهم شاقوا الله ورسوله ومن يشاق الله فإن الله شديد العقاب}..
وكان منهم من سار إلى خيبر، ومنهم من سار إلى الشام. وكان من أشرافهم ممن سار إلى خيبر سلام بن أبي الحقيق، وكنانة بن الربيع بن أبي الحقيق، وحي بن أخطب، ممن ورد ذكرهم بعد ذلك في تأليب المشركين على المسلمين في غزوة الأحزاب ووقعة بني قريظة (في سورة الأحزاب) وكان لبعضهم كذلك ذكر في فتح خيبر (في سورة الفتح).

( يتبع )



















مديح ال قطب 01-27-2021 11:14 PM











تابع – سورة الحشر

محور مواضيع السورة

كانت أموال بني النضير فيئا خالصا لله وللرسول؛ لم يوجف المسلمون عليه بخيل ولا جمال. فقسمها رسول الله صلى الله عليه وسلم على المهاجرين خاصة دون الأنصار عدا رجلين من الأنصار فقيرين هما سهل بن حنيف، وأبو دجانة سماك بن خرشة. وذلك أن المهاجرين لم يكن لهم مال بعد الذي تركوه في مكة وتجردوا منه كله لعقيدتهم. وكان الأنصار قد أنزلوهم دورهم وشاركوهم مالهم في أريحية عالية، وأخوة صادقة، وإيثار عجيب. فلما واتت هذه الفرصة سارع رسول الله صلى الله عليه وسلم لإقامة الأوضاع الطبيعية في المجتمع الإسلامي، كي يكون للفقراء مال خاص، وكي لا يكون المال متداولا في الأغنياء وحدهم. ولم يعط من الأنصار إلا الفقيرين اللذين يستحقان لفقرهما..
وتكلم في أموال بني النضير بعض من تكلم- والراجح أنهم من المنافقين- فقال تعالى: {وما أفاء الله على رسوله منهم فما أوجفتم عليه من خيل ولا ركاب ولكن الله يسلط رسله على من يشاء والله على كل شيء قدير}..
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم للأنصار: «إن شئتم قسمتم للمهاجرين من أموالكم ودياركم وشاركتموهم في هذه الغنيمة. وإن شئتم كانت لكم دياركم وأموالكم، ولم يقسم لكم شيء من الغنيمة» فقالت الأنصار: بل نقسم من أموالنا وديارنا ونؤثرهم بالغنيمة ولا نشاركهم فيها.
وفي هذا نزل قوله تعالى: {للفقراء المهاجرين الذين أخرجوا من ديارهم وأموالهم يبتغون فضلا من الله ورضوانا وينصرون الله ورسوله أولئك هم الصادقون والذين تبوؤوا الدار والإيمان من قبلهم يحبون من هاجر إليهم ولا يجدون في صدورهم حاجة مما أوتوا ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون}.
فهذا هو الحادث الذي نزلت فيه هذه السورة، وتعلقت به نصوصها، بما في ذلك خاتمة السورة التي يتوجه فيها الخطاب للذين آمنوا ممن شهدوا هذا الحادث وممن يعرفونه بعد ذلك. على طريقة القرآن في تربية النفوس بالأحداث وبالتعقيب عليها، وربطها بالحقائق الكلية الكبيرة.. ثم الإيقاع الأخير في السورة بذكر صفات الله الذي يدعو الذين آمنوا ويخاطبهم بهذا القرآن. وهي صفات ذات فاعلية وأثر في هذا الكون؛ وعلى أساس تصور حقيقتها يقوم الإيمان الواعي المدرك البصير.
وتبدأ السورة وتختتم بتسبيح الله الذي له ما في السماوات والأرض وهو العزيز الحكيم. فيتناسق البدء والختام مع موضوع السورة، ومع دعوة المؤمنين للتقوى والخشوع والتفكر في تدبير الله الحكيم.

قال الصابوني

* ابتدأت السورة الكريمة بتنزيه الله وتمجيده، فالكون كله بما فيه من إنسان، وحيوان، ونبات، وجماد، شاهد بوحدانية الله، وقدرته وجلاله، ناطق بعظمته وسلطانه {سبح لله ما في السموات وما في الأرض وهو العزيز الحكيم} الآيات.
* ثم ذكرت السورة بعض آثار قدرته، ومظاهر عزته، بإجلاء اليهود من ديارهم وأوطانهم، مع ما كانوا فيه من الحصون والقلاع، وقد كانوا يعتقدون أنهم في عزة ومنعة، لا يستطيع أحد عليهم، فجاءهم بأس الله وعذابه من حيث لم يكن في حسابهم {هو الذي أخرج الذين كفروا من أهل الكتاب من ديارهم لأول الحشر...} الآيات.
* ثم تناولت السورة موضوع الفيء والغنيمة، فبينت شروطه وأحكامه، ووضحت الحكمة من تخصيص الفيء بالفقراء، لئلا يستأثر به الأغنياء، وليكون هناك بعض التعادل بين طبقات المجتمع، بما فيه خير الفريقين، وبما يحقق المصلحة العامة {ما أفاء الله على رسوله من أهل القرى فلله وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين} الآيات.
* وتناولت السورة أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بالثناء العاطر، فنوهت بفضائل المهاجرين، ومآثر الأنصار، فالمهاجرون هجروا الديار والأوطان حبا في الله، والأنصار نصروا دين الله، وآثروا إخوانهم- المهاجرين- بالأموال والديار على أنفسهم، مع فقرهم وحاجتهم {للفقراء الذين أخرجوا من ديارهم وأموالهم يبتغون فضلا من الله ورضوانا} الآيات.
* وفي مقابلة ذكر المهاجرين والأنصار، ذكرت السورة المنافقين الأشرار، الذين تحالفوا مع اليهود ضد الإسلام، وضربت لهم أسوأ الأمثال، فمثلتهم بالشيطان الذي يغري الإنسان بالكفر والضلال، ثم يتخلى عنه ويخذله، وهكذا كان شأن المنافقين مع إخوانهم اليهود {ألم تر إلى الذين نافقوا يقولون لإخوانهم الذين كفروا من أهل الكتاب لئن أخرجتم لنخرجن معكم} الآيات.
* ووعظت السورة المؤمنين بتذكر ذلك اليوم الرهيب، الذي لا ينفع فيه حسب ولا نسب، ولا يفيد فيه جاه ولا مال، وبينت الفارق الهائل بين أهل الجنة وأهل النار، ومصير السعداء ومصير الأشقياء في دار العدل والجزاء {يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله ولتنظر نفس ما قدمت لغد} الآيات.
* وختمت السورة بذكر أسماء الله الحسنى وصفاته العليا وبتنزيهه عن صفات النقص {هو الله الذي لا إله إلا هو} الآيات إلى نهاية السورة الكريمة، وهكذا يتناسق البدء مع الختام، في أبدع تناسق ووئام!

( يتبع – سورة الممتحنة )



















عبيرالشوق 01-28-2021 10:43 PM

جزاك الله خير ونفع بك
وجعله في ميزان حسناتك

مديح ال قطب 01-29-2021 11:21 AM

http://up.skoon-elamar.com/uploads/161190845431671.gif

مديح ال قطب 01-29-2021 11:30 AM










سورة الممتحنة


التعريف بالسورة :
سورة مدنية .
من المفصل .
آياتها 13 .
ترتيبها الستون .
نزلت بعد الأحزاب .
بدأت باسلوب النداء " يا أيها الذين آمنوا " ، ذُكِرَ لفظ الجلالة في الآية الأولى

سبب التسمية :
سميت بهذا ‏الاسم ‏لما ‏ورد ‏فيها ‏من ‏وجوب ‏امتحان ‏المؤمنات ‏عند ‏الهجرة وعدم ‏ردُّهُنَّ ‏إلى ‏الكفار ‏إذا ‏ثبت ‏إيمانهن ‏‏. وتسمى ‏أيضا ‏‏" الامتحان ‏‏" ‏و ‏‏" ‏المودة‎ " .‎‏


سبب نزول السورة
- قَوْلُهُ- عَزَّ وَجَلَّ-{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ} الْآيَةَ [1]:
قَالَ جَمَاعَةٌ مِنَ الْمُفَسِّرِينَ: نَزَلَتْ فِي حَاطِبِ بْنِ أَبِي بَلْتَعَةَ وَذَلِكَ أَنَّ سَارَةَ مَوْلَاةَ أَبِي عَمْرِو بْنِ صَيْفِيِّ بْنِ هَاشِمِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ أَتَتْ رَسُولَ اللَّهِ- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِنْ مَكَّةَ إِلَى الْمَدِينَةِ وَرَسُولُ اللَّهِ- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَتَجَهَّزُ لِفَتْحِ مَكَّةَ فَقَالَ لَهَا:«أَمُسْلِمَةً جِئْتِ؟» قَالَتْ: لَا، قَالَ:«فَمَا جَاءَ بِكِ؟» قَالَتْ: أَنْتُمْ كُنْتُمُ الْأَهْلَ وَالْعَشِيرَةَ وَالْمَوَالِيَ، وَقَدِ احْتَجْتُ حَاجَةً شَدِيدَةً فَقَدِمْتُ عَلَيْكُمْ لِتُعْطُونِي وَتَكْسُوَنِي، قَالَ لَهَا:«فَأَيْنَ أَنْتَ مِنْ شَبَابِ أَهْلِ مَكَّةَ»، وَكَانَتْ مُغَنِّيَةً، قَالَتْ: مَا طُلِبَ مِنِّي شَيْءٌ بَعْدَ وَقْعَةِ بَدْرٍ فَحَثَّ رَسُولُ اللَّهِ- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ فَكَسَوْهَا وَحَمَلُوهَا وَأَعْطَوْهَا، فَأَتَاهَا حَاطِبُ بْنُ أَبِي بَلْتَعَةَ وَكَتَبَ مَعَهَا إِلَى أَهْلِ مَكَّةَ وَأَعْطَاهَا عَشَرَةَ دَنَانِيرَ عَلَى أَنْ تُوَصِّلَ الْكِتَابَ إِلَى أَهْلِ مَكَّةَ، وَكَتَبَ فِي الْكِتَابِ: مِنْ حَاطِبٍ إِلَى أَهْلِ مَكَّةَ، إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُرِيدُكُمْ فَخُذُوا حِذْرَكُمْ، فَخَرَجَتْ سَارَةُ وَنَزَلَ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ، فَأَخْبَرَ النَّبِيَّ- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِمَا فَعَلَ حَاطِبٌ، فَبَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَلِيًّا وَعَمَّارًا وَالزُّبَيْرَ وَطَلْحَةَ وَالْمِقْدَادَ بْنَ الْأَسْوَدِ وَأَبَا مَرْثَدٍ وَكَانُوا كُلُّهُمْ فُرْسَانًا، وَقَالَ لَهُمُ:«انْطَلِقُوا حَتَّى تَأْتُوا رَوْضَةَ خَاخٍ، فَإِنَّ فِيهَا ظَعِينَةً مَعَهَا كِتَابٌ مِنْ حَاطِبٍ إِلَى الْمُشْرِكِينَ، فَخُذُوهُ مِنْهَا وَخَلُّوا سَبِيلَهَا، فَإِنْ لَمْ تَدْفَعْهُ إِلَيْكُمْ فَاضْرِبُوا عُنُقَهَا»، فَخَرَجُوا حَتَّى أَدْرَكُوهَا فِي ذَلِكَ الْمَكَانِ، فَقَالُوا لَهَا: أَيْنَ الْكِتَابُ؟ فَحَلَفَتْ بِاللَّهِ مَا مَعَهَا مِنْ كِتَابٍ، فَفَتَّشُوا مَتَاعَهَا فلم يجدوا معا كِتَابًا، فَهَمُّوا بِالرُّجُوعِ، فَقَالَ عَلِيٌّ: وَاللَّهِ مَا كَذَبَنَا وَلَا كَذَّبْنَا، وَسَلَّ سَيْفَهُ، وَقَالَ: أَخْرِجِي الْكِتَابَ وَإِلَّا وَاللَّهِ لَأُجَرِّدَنَّكِ وَلَأَضْرِبَنَّ عُنُقَكِ، فَلَمَّا رَأَتِ الْجِدَّ أَخْرَجَتْهُ مِنْ ذُؤَابَتِهَا وَكَانَتْ قَدْ خَبَّأَتْهُ فِي شَعْرِهَا، فَخَلَّوْا سَبِيلَهَا وَرَجَعُوا بِالْكِتَابِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَأَرْسَلَ رَسُولُ اللَّهِ- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِلَى حَاطِبٍ فَأَتَاهُ، فَقَالَ لَهُ:«هَلْ تَعْرِفُ الْكِتَابَ؟» قَالَ: نَعَمْ، قَالَ:«فَمَا حَمَلَكَ عَلَى مَا صَنَعْتَ؟» فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَاللَّهِ مَا كَفَرْتُ مُنْذُ أَسْلَمْتُ، وَلَا غَشَشْتُكَ مُنْذُ نَصَحْتُكَ، وَلَا أَحْبَبْتُهُمْ مُنْذُ فَارَقْتُهُمْ، وَلَكِنْ لَمْ يَكُنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ إِلَّا وَلَهُ بِمَكَّةَ مَنْ يَمْنَعُ عَشِيرَتَهُ، وَكُنْتُ غَرِيبًا فِيهِمْ وَكَانَ أَهْلِي بَيْنَ ظَهْرَانَيْهِمْ، فَخَشِيتُ عَلَى أَهْلِي فَأَرَدْتُ أَنْ أَتَّخِذَ عِنْدَهُمْ يَدًا وَقَدْ عَلِمْتُ أَنَّ اللَّهَ يُنْزِلُ بِهِمْ بَأْسَهُ وَأَنَّ كِتَابِي لَا يُغْنِي عَنْهُمْ شَيْئًا. فَصَدَّقَهُ رَسُولُ اللَّهِ- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَعَذَرَهُ، فَنَزَلَتْ هَذِهِ السورة:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ} فَقَامَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ فَقَالَ: دَعْنِي يَا رَسُولَ اللَّهِ أَضْرِبُ عُنُقَ هَذَا الْمُنَافِقِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-«وَمَا يُدْرِيكَ يَا عُمَرُ لَعَلَّ اللَّهَ قَدِ اطَّلَعَ عَلَى أَهْلِ بَدْرٍ فَقَالَ لَهُمْ: اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ فَقَدْ غَفَرْتُ لَكُمْ».
- أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ أحمد بن الحسن بْنُ عَمْرٍو، أخبرنا مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، أَخْبَرَنَا الربيع، أخبرنا الشَّافِعِيُّ، أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي رَافِعٍ، قَالَ: سَمِعْتُ عَلِيًّا يَقُولُ: بَعَثَنَا رَسُولُ اللَّهِ- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنَا وَالزُّبَيْرُ وَالْمِقْدَادُ بْنُ الْأَسْوَدِ قَالَ:«انطلقوا حتى تأتؤا روضة خاخ فإت فِيهَا ظَعِينَةً مَعَهَا كِتَابٌ» فَخَرَجْنَا تُعَادِي بِنَا خَيْلُنَا فَإِذَا نَحْنُ بِظَعِينَةٍ فَقُلْنَا أَخْرِجِي الْكِتَابَ. فَقَالَتْ: مَا مَعِي كِتَابٌ. فَقُلْنَا لَهَا: لَتُخْرِجِنَّ الْكِتَابَ أَوْ لَنُلْقِيَنَّ الثِّيَابَ، فَأَخْرَجَتْهُ مِنْ عِقَاصِهَا فَأَتَيْنَا بِهِ رَسُولَ اللَّهِ- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَإِذَا فِيهِ: مِنْ حَاطِبِ بْنِ أَبِي بَلْتَعَةَ إِلَى نَاسٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ مِمَّنْ كَانَ بِمَكَّةَ، يُخْبِرُ بِبَعْضِ أَمْرِ النَّبِيِّ- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ:«مَا هَذَا يَا حَاطِبُ؟» فَقَالَ: لَا تَعْجَلْ عَلَيَّ، إِنِّي كُنْتُ امْرَأً مُلْصَقًا فِي قُرَيْشٍ وَلَمْ أَكُنْ مِنْ نَفْسِهَا، وَكَانَ مَنْ مَعَكَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ لَهُمْ قَرَابَاتٌ يَحْمُونَ بِهَا قَرَابَاتِهِمْ، وَلَمْ يَكُنْ لِي بِمَكَّةَ قَرَابَةٌ، فَأَحْبَبْتُ إِذْ فَاتَنِي ذَلِكَ أَنْ أَتَّخِذَ عِنْدَهُمْ يَدًا، وَاللَّهِ مَا فَعَلْتُهُ شَاكًّا فِي دِينِي وَلَا رِضًا بِالْكُفْرِ بَعْدَ الْإِسْلَامِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-«إِنَّهُ قَدْ صَدَقَ»، فَقَالَ عُمَرُ: دَعْنِي يَا رَسُولَ اللَّهِ أَضْرِبُ عُنُقَ هَذَا الْمُنَافِقِ فَقَالَ:«إِنَّهُ قَدْ شَهِدَ بَدْرًا، وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ اللَّهَ اطَّلَعَ عَلَى أَهْلِ بَدْرٍ فَقَالَ: اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ فَقَدْ غَفَرْتُ لَكُمْ»، وَنَزَلَتْ:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ} رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ عَنِ الْحُمَيْدِيِّ، وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ وَجَمَاعَةٍ، كُلُّهُمْ عَنْ سفيان.


.- قوله عز وجل:{لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِيهِمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كانَ يَرْجُوا اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآَخِرَ} [6]:
يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى لِلْمُؤْمِنِينَ: لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي إِبْرَاهِيمَ وَمَنْ مَعَهُ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ وَالْأَوْلِيَاءِ اقْتِدَاءٌ بِهِمْ فِي مُعَادَاةِ ذَوِي قَرَابَاتِهِمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ، فَلَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ عَادَى الْمُؤْمِنُونَ أَقْرِبَاءَهُمُ الْمُشْرِكِينَ فِي اللَّهِ وَأَظْهَرُوا لَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَرَاءَةَ، وَعَلِمَ اللَّهُ تَعَالَى شِدَّةَ وَجْدِ الْمُؤْمِنِينَ بِذَلِكَ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ:{عَسَى اللَّهُ أَنْ يَجْعَلَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ الَّذِينَ عَادَيْتُمْ مِنْهُمْ مَوَدَّةً} ثُمَّ فَعَلَ ذَلِكَ بِأَنْ أَسْلَمَ كَثِيرٌ مِنْهُمْ وَصَارُوا لَهُمْ أَوْلِيَاءَ وَإِخْوَانًا، وَخَالَطُوهُمْ وَنَاكَحُوهُمْ، وَتَزَوَّجَ رَسُولُ اللَّهِ- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أُمَّ حَبِيبَةَ بِنْتَ أَبِي سُفْيَانَ بْنِ حَرْبٍ، فَلَانَ لَهُمْ أَبُو سُفْيَانَ وَبَلَغَهُ ذَلِكَ وَهُوَ مُشْرِكٌ، فَقَالَ: ذَاكَ الْفَحْلُ لَا يُقْرَعُ أَنْفُهُ.
- أَخْبَرَنَا أَبُو صَالِحٍ مَنْصُورُ بْنُ عَبْدِ الْوَهَّابِ الْبَزَّازُ، أَخْبَرَنَا أَبُو عَمْرٍو مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الْحِيرِيُّ، أَخْبَرَنَا أبو يعلى، أخبرنا إِبْرَاهِيمُ بن الحجاج، أخبرنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ، عَنْ مُصْعَبِ بْنِ ثَابِتٍ، عَنْ عَامِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: قَدِمَتْ قُتَيْلَةُ بِنْتُ عَبْدِ الْعُزَّى عَلَى ابْنَتِهَا أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ بِهَدَايَا: ضِبَابٍ وَسَمْنٍ وَأَقِطٍ، فَلَمْ تَقْبَلْ هَدَايَاهَا وَلَمْ تُدْخِلْهَا مَنْزِلَهَا، فَسَأَلَتْ لَهَا عَائِشَةُ النَّبِيَّ- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَنْ ذَلِكَ، فَقَالَ:{لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ} الْآيَةَ. فَأَدْخَلَتْهَا مَنْزِلَهَا وَقَبِلَتْ مِنْهَا هَدَايَاهَا. رَوَاهُ الْحَاكِمُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ فِي صَحِيحِهِ، عَنْ أَبِي الْعَبَّاسِ السَّيَّارِيِّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ الْغَزَّالِ، عَنِ ابْنِ شَقِيقٍ، عَنِ ابْنِ الْمُبَارَكِ.


.- قَوْلُهُ تَعَالَى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا جَاءَكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِهِنَّ} الْآيَةَ [10]:
قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: إِنَّ مُشْرِكِي مَكَّةَ صَالَحُوا رَسُولَ اللَّهِ- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَامَ الْحُدَيْبِيَةِ عَلَى أَنَّ مَنْ أَتَاهُ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ رَدَّهُ إِلَيْهِمْ، وَمَنْ أَتَى أَهْلَ مَكَّةَ مِنْ أَصْحَابِهِ فَهُوَ لَهُمْ، وَكَتَبُوا بِذَلِكَ الْكِتَابِ وَخَتَمُوهُ، فَجَاءَتْ سُبَيْعَةُ بِنْتُ الْحَارِثِ الْأَسْلَمِيَّةُ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنَ الْكِتَابِ وَالنَّبِيُّ- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِالْحُدَيْبِيَةَ، فَأَقْبَلَ زَوْجُهَا وَكَانَ كَافِرًا، فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ رُدَّ عَلَيَّ امْرَأَتِي، فَإِنَّكَ قَدْ شَرَطْتَ لَنَا أَنْ تَرُدَّ عَلَيْنَا مَنْ أَتَاكَ مِنَّا وَهَذِهِ طِينَةُ الْكِتَابِ لَمْ تَجِفَّ بَعْدُ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى هَذِهِ الْآيَةَ.
- أَخْبَرَنَا الْحَسَنُ بْنُ محمد الفارسي، أخبرنا محمد بن عبد الله بن الفضل، أخبرنا أحمد بْنُ محمد بن الحسن الحافظ، أخبرنا محمد بن يحيى، أخبرنا الحسن بْنُ الرَّبِيعِ بن الخشاب، أخبرنا ابن إِدْرِيسَ قَالَ: قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ، حَدَّثَنِي الزُّهْرِيُّ قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ وَهُوَ يَكْتُبُ كِتَابًا إِلَى ابْنِ هُنَيْدَةَ صَاحِبِ الْوَلِيدِ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ يَسْأَلُهُ عَنْ قَوْلِهِ:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا جَاءَكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ} قَالَ: فَكَتَبَ إِلَيْهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- صَالَحَ قُرَيْشًا يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةِ عَلَى أَنْ يَرُدَّ عَلَيْهِمْ مَنْ جَاءَ بِغَيْرِ إِذْنِ وَلِيِّهِ، فَلَمَّا هَاجَرْنَ النِّسَاءُ أَبَى اللَّهُ تَعَالَى أَنْ يُرْدَدْنَ إِلَى الْمُشْرِكِينَ إِذَا هُنَّ امْتُحِنَّ، فَعَرَفُوا أَنَّهُنَّ إِنَّمَا جِئْنَ رَغْبَةً فِي الْإِسْلَامِ بِرَدِّ صَدَقَاتِهِنَّ إِلَيْهِمْ إِذَا احْتُبِسْنَ عَنْهُمْ إِنْ هُمْ رَدُّوا عَلَى الْمُسْلِمِينَ صَدَقَةَ مَنْ حُبِسْنَ مِنْ نِسَائِهِمْ، قَالَ: وَذَلِكُمْ حُكْمُ اللَّهِ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ، فَأَمْسَكَ رَسُولُ اللَّهِ- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- النِّسَاءَ وَرَدَّ الرِّجَالَ.
.- قوله تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَوَلَّوْا قَوْمًا غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ} الْآيَةَ [13]:
نَزَلَتْ فِي نَاسٍ مِنْ فُقَرَاءِ الْمُسْلِمِينَ كَانُوا يُخْبِرُونَ الْيَهُودَ بِأَخْبَارِ الْمُسْلِمِينَ وَيُوَاصِلُونَهُمْ فَيُصِيبُونَ بِذَلِكَ مِنْ ثِمَارِهِمْ، فَنَهَاهُمُ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى عَنْ ذَلِكَ.

مقصودها براءة من أقر بالإيمان ممن اتسم بالعدوان دلالة على صحة مدعاه كما أن الكفار تبرءوا من المؤمنين وكذبوا بما جاءهم من الحق لئلا يكونوا على باطلهم أحرص من المؤمنين على حقهم، وتسميتها بالممتحنة أوضح شيء فيها وأدله على ذلك لأن الصهر أعظم الوصل وأشرفها بعد الدين، فإذا ن في ومنع دل على أعظم المقاطعة لدلالته على الامتهان بسبب الكفران الذي هو أقبح العصيان.
ومعظم مقصود السّورة النهى عن موالاة الخارجين عن مِلَّة الإِسلام، والاقتداءُ بالسّلف الصّالح في طريق الطَّاعة والعبادة، وانتظار المودّة بعد العداوة، وامتحان المدّعين بمطالبة الحقيقة، وأَمر الرّسول بكيفيّة البَيْعة مع أَهل الستْر والعفَّة، والتَّجنّب من أَهل الزّيغ والضّلالة، في قوله: {لاَ تَتَوَلَّوْاْ قوْمًا غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ}.
وعرفت هذه السورة في كتب التفسير وكتب السنة وفي المصاحف بـ: (سورة الممتحنة). قال القرطبي: والمشهور على الألسنة النطق في كلمة (الممتحِنة) بكسر الحاء وهو الذي جزم به السُّهيلي.
ووجه التسمية أنها جاءت فيها آية امتِحان إيمان النساء اللاتي يأتين من مكة مهاجرات إلى المدينة وهي آية: {يأيها الذين آمنوا إذا جاءكم المؤمنات مهاجرات فامتحنوهنّ} إلى قوله: {بعصم الكوافر} (الممتحنة: 10). فوصف الناس تلك الآية بالممتحِنة لأنها شرعت الامتحان. وأضيفت السورة إلى تلك الآية.
وقال السهيلي: أسند الامتحان إلى السورة مجازًا كما قيل لسورة براءة الفاضحة. يعني أن ذلك الوصف مجاز عقلي.
ورُوي بفتح الحاء على اسم المفعول قال ابن حجر: وهو المشهور أي المرأة الممتحَنة على أن التعريف تعريف العهد والمعهودُ أول امرأة امتُحنت في إيمانها، وهي أم كلثوم بنت عقبة بن أبي مُعَيْط امرأةُ عبد الرحمن بن عوف. كما سميت سورة قد سمع الله (سورة المجادِلة) بكسر الدال.
ولك أنْ تجعل التعريف تعريف الجنس، أي النساء الممتحَنة.
قال في (الإِتقان): وتُسمّى (سورة الامتحان)، (وسورة المَوَدَّة)، وعزا ذلك إلى كتاب (جمال القراء) لعلي السخاوي ولم يذكر سنده.
وهذه السورة مدنية بالاتفاق.
واتفق أهل العدد على عدّ آيها ثلاث عشرة آية. وآياتها طوال.
واتفقوا على أن الآية الأولى نزلت في شأن كتاب حاطب بن أبي بلتعة إلى المشركين من أهل مكة. اهـ.


.قال سيد قطب:
هذه السورة حلقة في سلسلة التربية الإيمانية والتنظيم الاجتماعي والدولة في المجتمع المدني. حلقة من تلك السلسلة الطويلة، أو من ذلك المنهج الإلهي المختار للجماعة المسلمة المختارة، التي ناط بها الله تحقيق منهجه الذي يريده للحياة الإنسانية، في صورة واقعية عملية، كيما يستقر في الأرض نظاما ذا معالم وحدود وشخصية مميزة؛ تبلغ إليه البشرية أحيانا، وتقصر عنه أحيانا، ولكنها تبقى معلقة دائما بمحاولة بلوغه؛ وتبقى أمامها صورة واقعية منه، تحققت يوما في هذه الأرض.
وقد اقتضى هذا- كما قلنا في أول هذا الجزء- إعدادا طويلا في خطوات ومراحل. وكانت الأحداث التي تقع في محيط هذه الجماعة، أو تتعلق بها، مادة من مواد هذا الإعداد. مادة مقدرة في علم الله، تقوم عليها مادة أخرى هي التفسير والتوضيح والتعقيب والتوجيه.
وفي مضطرب الأحداث، وفي تيار الحياة المتدفق، تمت عملية بناء النفوس المختارة لتحقيق ذلك المنهج الإلهي في الأرض. فلم تكن هناك عزلة إلا العزلة بالتصور الإيماني الجديد، وعدم خلطه بأية رقع غريبة عنه في أثناء التكوين النفسي لهذه الجماعة. وكانت التربية المستمرة متجهة دائما إلى إنشاء هذا التصور الإيماني الخاص المميز، المنعزل بحقيقته وطبيعته عن التصورات السائدة في العالم كله يومذاك، وفي الجزيرة العربية بصفة خاصة. أما الناس الذين ينشأ هذا التصور المتميز في نفوسهم فلم يكونوا بمعزل عن واقع الحياة ومضطرب الأحداث، بل كانوا يصهرون في بوتقة الحوادث يوما بعد يوم، ومرة بعد مرة، ويعاد صهرهم في الأمر الواحد والخلق الواحد مرات كثيرة، وتحت مؤثرات متنوعة؛ لأن الله الذي خلق هذه النفوس يعلم أنها ليست كلها مما يتأثر ويستجيب ويتكيف ويستقر على ما تكيف به منذ اللمسة الأولى. وكان يعلم أن رواسب الماضي، وجواذب الميول الطبيعية، والضعف البشري، وملامسات الواقع، وتحكم الإلف والعادة، كلها قد تكون معوقات قوية تغلب عوامل التربية والتوجيه مرة بعد مرة. وتحتاج في مقاومتها إلى التذكير المتكرر، والصهر المتوالي.. فكانت الأحداث تتوالى كما هي منسوقة في قدر الله، وتتوالى الموعظة بها. والتحذير على ضوئها، والتوجيه بهديها، مرة بعد مرة.
وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقوم في يقظة دائمة وإلهام بصير، بالتقاط الأحداث والوقائع والمناسبات في كل فرصة، واستخدامها بحكمة بالغة في بناء هذه النفوس. والوحي والإلهام يؤيدانه ويسددانه صلى الله عليه وسلم حتى تصنع تلك الجماعة المختارة على عين الله. بتوفيق الله. على يدي رسول الله.
هذه السورة حلقة في سلسلة ذلك الإعداد الطويل، تستهدف- مع غيرها مما جاء في مثل موضوعها- إقامة عالم رباني خالص في ضمير المسلم. عالم محوره الإيمان بالله وحده، يشد المسلمين إلى هذا المحور وحده، بعروة واحدة لا انفصام لها؛ ويبرئ نفوسهم من كل عصبية أخرى. عصبية للقوم أو للجنس أو للأرض أو للعشيرة أو للقرابة. ليجعل في مكانها جميعا عقدة واحدة. هي عقدة الإيمان بالله. والوقوف تحت راية الله. في حزب الله.


إن العالم الذي يريده الإسلام عالم رباني إنساني. رباني بمعنى أنه يستمد كل مقوماته من توجيه الله وحكمه، ويتجه إلى الله بكل شعوره وعمله. وإنساني بمعنى أنه يشمل الجنس الإنساني كله- في رحاب العقيدة- وتذوب فيه فواصل الجنس والوطن واللغة والنسب. وسائر ما يميز إنسانا عن إنسان، عدا عقيدة الإيمان. وهذا هو العالم الرفيع اللائق أن يعيش فيه الإنسان الكريم على الله، المتضمن كيانه نفحة من روح الله.
ودون إقامة هذا العالم تقف عقبات كثيرة- كانت في البيئة العربية وما تزال في العالم كله إلى اليوم- عقبات من التعصب للبيت، والتعصب للعشيرة، والتعصب للقوم، والتعصب للجنس، والتعصب للأرض. كما تقف عقبات أخرى من رغائب النفوس وأهواء القلوب، من الحرص والشح وحب الخير للذات، ومن الكبرياء الذاتية والالتواءات النفسية.. وألوان غيرها كثير من ذوات الصدور!
وكان على الإسلام أن يعالج هذا كله في الجماعة التي يعدها لتحقيق منهج الله في الأرض في صورة عملية واقعة. وكانت هذه الصورة حلقة في سلسلة هذا العلاج الطويل.
وكان بعض المهاجرين الذين تركوا ديارهم وأموالهم وأهليهم في سبيل عقيدتهم، ما تزال نفوسهم مشدودة إلى بعض من خلفوا هنالك من ذرية وأزواج وذوي قربى. وعلى الرغم من كل ما ذاقوا من العنت والأذى في قريش فقد ظلت بعض النفوس تود لو وقعت بينهم وبين أهل مكة المحاسنة والمودة؛ وأن لو انتهت هذه الخصومة القاسية التي تكلفهم قتال أهليهم وذوي قرابتهم، وتقطع ما بينهم وبينهم من صلات!
وكان الله يريد استصفاء هذه النفوس واستخلاصها من كل هذه الوشائج، وتجريدها لدينه وعقيدته ومنهجه. وهو-سبحانه- يعلم ثقل الضغط الواقع عليها من الميول الطبيعية ورواسب الجاهلية جميعا- وكان العرب بطبيعتهم أشد الناس احتفالا بعصبية القبيلة والعشيرة والبيت- فكان يأخذهم يوما بعد يوم بعلاجه الناجع البالغ، بالأحداث وبالتعقيب على الأحداث، ليكون العلاج على مسرح الحوادث وليكون الطرق والحديد ساخن!
وتذكر الروايات حادثا معينا نزل فيه صدر هذه السورة. وقد تكون هذه الروايات صحيحة في سبب النزول المباشر. ولكن مدى النصوص القرآنية دائما أبعد من الحوادث المباشرة.
وقد قيل في هذا الحادث: إن حاطب بن أبي بلتعة كان رجلا من المهاجرين. وكان من أهل بدر أيضا. وكان له بمكة أولاد ومال، ولم يكن من قريش أنفسهم بل كان حليفا لعثمان. فلما عزم رسول الله صلى الله عليه وسلم على فتح مكة لما نقض أهلها عهد الحديبية أمر المسلمين بالتجهيز لغزوهم، وقال: «اللهم عم عليهم خبرنا».. وأخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم جماعة من أصحابه بوجهته، كان منهم حاطب. فعمد حاطب فكتب كتابا وبعثه مع امرأة مشركة- قيل من مزينة- جاءت المدينة تسترفد- إلى أهل مكة يعلمهم بعزم رسول الله صلى الله عليه وسلم على غزوهم، ليتخذ بذلك عندهم يدا. فأطلع الله- تعالى- رسوله على ذلك استجابة لدعائه. وإمضاء لقدره في فتح مكة. فبعث في أثر المرأة، فأخذ الكتاب منها.


روى البخاري في المغازي، ورواه مسلم في صحيحه من حديث حصين بن عبدالرحمن، عن سعد ابن عبيدة عن أبي عبدالرحمن السلمي، عن علي- رضي الله عنه- قال: «بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبا مرثد والزبير بن العوام- وكلنا فارس- وقال: انطلقوا حتى تأتوا روضة خاخ، فإن بها امرأة من المشركين معها كتاب من حاطب بن أبي بلتعة إلى المشركين. فأدركناها تسير على بعير لها حيث قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلنا: الكتاب؟ فقالت ما معي كتاب. فأنخناها فالتمسنا فلم نر كتابا. فقلنا: ما كذب رسول الله صلى الله عليه وسلم لتخرجن الكتاب أو لنجردنك. فلما رأت الجد أهوت إلى حجزتها، وهي محتجزة بكساء، فأخرجته. فانطلقنا به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال عمر: يا رسول الله. قد خان الله ورسوله والمؤمنين، فدعني فلأضربن عنقه. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ما حملك على ما صنعت؟ قال حاطب: والله ما بي إلا أن أكون مؤمنا بالله ورسوله صلى الله عليه وسلم أردت أن تكون لي عند القوم يد. يدفع الله بها عن أهلي ومالي، وليس أحد من أصحابك إلا له هناك من عشيرته من يدفع الله به عن أهله وماله. فقال: صدق لا تقولوا إلا خيرا. فقال عمر: إنه قد خان الله ورسوله والمؤمنين، فدعني فلأضرب عنقه. فقال: أليس من أهل بدر؟- فقال-: لعل الله اطلع إلى أهل بدر فقال: اعملوا ما شئتم فقد وجبت لكم الجنة- أو- قد غفرت لكم. فدمعت عينا عمر، وقال: الله ورسوله أعلم».. وزاد البخاري في كتاب المغازي: فأنزل الله السورة: {يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء تلقون إليهم بالمودة}.. وفي رواية أخرى أن الذين أرسلوا كانوا هم علي والزبير والمقداد.
ولوقوف قليلا أمام هذا الحادث وما دار بشأنه لا يخرج بنا عن (ظلال القرآن) والتربية به وبالأحداث والتوجيهات والتعقيبات عن طريق رسول الله صلى الله عليه وسلم القائد المربي العظيم.. وأول ما يقف الإنسان أمامه هو فعلة حاطب، وهو المسلم المهاجر، وهو أحد الذين أطلعهم رسول الله صلى الله عليه وسلم على سر الحملة.. وفيها ما يكشف عن منحنيات النفس البشرية العجيبة، وتعرض هذه النفس للحظات الضعف البشري مهما بلغ من كمالها وقوتها؛ وأن لا عاصم إلا الله من هذه اللحظات فهو الذي يعين عليها.
ثم يقف الإنسان مرة أخرى أمام عظمة الرسول صلى الله عليه وسلم وهو لا يعجل حتى يسأل: «ما حملك على ما صنعت» في سعة صدر وعطف على لحظة الضعف الطارئة في نفس صاحبه، وإدراك ملهم بأن الرجل قد صدق، ومن ثم يكف الصحابة عنه: «صدق لا تقولوا إلا خيرا».. ليعينه وينهضه من عثرته، فلا يطارده بها ولا يدع أحدا يطارده. بينما نجد الإيمان الجاد الحاسم الجازم في شدة عمر: «إنه قد خان الله ورسوله والمؤمنين. فدعني فلأضرب عنقه».. فعمر- رضي الله عنه- إنما ينظر إلى العثرة ذاتها فيثور لها حسه الحاسم وإيمانه الجازم. أما رسول الله صلى الله عليه وسلم فينظر إليها من خلال إدراكه الواسع الشامل للنفس البشرية على حقيقتها، ومن كل جوانبها، مع العطف الكريم الملهم الذي تنشئه المعرفة الكلية. في موقف المربي الكريم العطوف المتأني الناظر إلى جميع الملابسات والظروف..
( يتبع )



















مديح ال قطب 01-29-2021 11:31 AM











تابع – سورة الممتحنة

محاور السورة

يقف الإنسان أمام كلمات حاطب، وهو في لحظة ضعفه، ولكن تصوره لقدر الله وللأسباب الأرضية هو التصور الإيماني الصحيح.. ذلك حين يقول: «أردت أن تكون لي عند القوم يد.. يدفع الله بها عن أهلي ومالي».. فالله هو الذي يدفع، وهذه اليد لا تدفع بنفسها، إنما يدفع الله بها. ويؤكد هذا التصور في بقية حديثه وهو يقول: «وليس أحد من أصحابك إلا له هناك من عشيرته من يدفع.. الله.. به عن أهله وماله» فهو الله حاضر في تصوره، وهو الذي يدفع لا العشيرة. إنما العشيرة أداة يدفع الله بها..
ولعل حس رسول الله الملهم قد راعى هذا التصور الصحيح الحي في قول الرجل، فكان هذا من أسباب قوله صلى الله عليه وسلم: «صدق. لا تقولوا إلا خيرا»..
وأخيرا يقف الإنسان أمام تقدير الله في الحادث؛ وهو أن يكون حاطب من القلة التي يعهد إليها رسول الله صلى الله عليه وسلم بسر الحملة. وأن تدركه لحظة الضعف البشري وهو من القلة المختارة. ثم يجري قدر الله بكف ضرر هذه اللحظة عن المسلمين. كأنما القصد هو كشفها فقط وعلاجها! ثم لا يكون من الآخرين الذين لم يعهد إليهم بالسر اعتراض على ما وقع، ولا تنفج بالقول: ها هو ذا أحد من استودعوا السر خانوه، ولو أودعناه نحن ما بحنا به! فلم يرد من هذا شيء. مما يدل على أدب المسلمين مع قيادتهم، وتواضعهم في الظن بأنفسهم، واعتبارهم بما حدث لأخيهم...
والحادث متواتر الرواية. أما نزول هذه الآيات فيه فهو أحد روايات البخاري. ولا نستبعد صحة هذه الرواية؛ ولكن مضمون النص القرآني- كما قلنا- أبعد مدى، وأدل على أنه كان يعالج حالة نفسية أوسع من حادث حاطب الذي تواترت به الروايات، بمناسبة وقوع هذا الحادث، على طريقة القرآن.
كان يعالج مشكلة الأواصر القريبة، والعصبيات الصغيرة، وحرص النفوس على مألوفاتها الموروثة ليخرج بها من هذا الضيق المحلي إلى الأفق العالمي الإنساني.
وكان ينشئ في هذه النفوس صورة جديدة، وقيما جديدة، وموازين جديدة، وفكرة جديدة عن الكون والحياة والإنسان، ووظيفة المؤمنين في الأرض، وغاية الوجود الإنساني.
وكان كأنما يجمع هذه النبتات الصغيرة الجديدة في كنف الله؛ ليعلمهم الله ويبصرهم بحقيقة وجودهم وغايته، وليفتح أعينهم على ما يحيط بهم من عداوات ومكر وكيد، وليشعرهم أنهم رجاله وحزبه، وأنه يريد بهم أمرا، ويحقق بهم قدرا. ومن ثم فهم يوسمون بسمته ويحملون شارته، ويعرفون بهذه الشارة وتلك السمة بين الأقوام جميعا. في الدنيا والآخرة. وإذن فليكونوا خالصين له، منقطعين لولايته، متجردين من كل وشيجة غير وشيجته. في عالم الشعور وعالم السلوك.
والسورة كلها في هذا الاتجاه. حتى الآيات التشريعية التنظيمية الواردة في آخرها عن معاملة المهاجرات المؤمنات، ومبايعة من يدخلن في الإسلام، والفصل بين المؤمنات وأزواجهن من الكفار. وبين المؤمنين وزوجاتهم من الكوافر.. فكلها تنظيمات منبثقة من ذلك التوجيه العام.
ثم ختام السورة كما بدأت بالنهي عن موالاة أعداء الله، ممن غضب عليهم الله، سواء من المشركين أو من اليهود. ليتم التمييز والانفراد والمفاصلة من جميع الوشائج والروابط غير رابطة العقيدة وغير وشيجة الإيمان..


إن هذه السورة الكريمة من السور المدنية، التي تهتم بجانب التشريع، ومحور السورة يدور حول فكرة (الحب والبغض في الله)الذي هو أوثق عرى الإيمان، وقد نزل صدر السورة عتابا لحاطب بن أبي بلتعة، حين كتب كتابا لأهل مكة، يخبرهم أن الرسول صلى الله عليه وسلم قد تجهز لغزوهم، كما ذكر تعالى حكم موالاة أعداء الله، وضرب الأمثال في إبراهيم والمؤمنين في تبرؤهم من المشركين، وبين حكم الذين لم يقاتلوا المسلمين، وحكم المؤمنات المهاجرات وضرورة امتحانهن، وغير ذلك من الأحكام التشريعية.
ابتدأت السورة الكريمة بالتحذير من موالاة أعداء الله، الذين آذوا المؤمنين حتى اضطروهم إلى الهجرة، وترك الديار والأوطان {يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء..} الآيات.
ثم بينت السورة أن القرابة والنسب والصداقة في هذه الحياة، لن تنفع الإنسان أبدا يوم القيامة، حيث لا ينفع الإنسان إلا الإيمان والعمل الصالح {لن تنفعكم أرحامكم ولا أولادكم يوم القيامة..} الآيات.
ثم ضربت المثل في إيمان إبراهيم عليه السلام وأتباعه المؤمنين، حين تبرءوا من قومهم المشركين، ليكون ذلك حافزا لكل مؤمن، على الاقتداء بأبي الأنبياء إبراهيم خليل الرحمن {قد كانت لكم أسوة حسنة في إبراهيم والذين معه إذ قالوا لقومهم إنا برءاء منكم ومما تعبدون من دون الله كفرنا بكم وبدا بيننا وبينكم العداوة والبغضاء أبدا..} الآيات.
وتحدثت السورة عن حكم الذين لم يعادوا المؤمنين ولم يقاتلوهم {لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم..} وحكم الذين قاتلوا المؤمنين وآذوهم {إنما ينهاكم الله عن الذين قاتلوكم في الدين..} الآيات.
وبينت السورة وجوب امتحان المؤمنات عند الهجرة، وعدم ردهن إلى الكفار، إذا ثبت إيمانهن، وقررت عدم الاعتداد بعصمة الكافر، ثم بين تعالى حكم الهجرة، ومبايعة النساء للرسول صلى الله عليه وسلم وشروط هذه البيعة {يا أيها الذين آمنوا إذا جاءكم المؤمنات مهاجرات فامتحنوهن..} الآيات وقوله: {يا أيها النبي إذا جاءك المؤمنات يبايعنك على ألا يشركن بالله شيئا..} الآيات.
وختمت السورة بتحذير المؤمنين من موالاة الكفرة المجرمين أعداء الله {يا أيها الذين آمنوا لا تتولوا قوما غضب الله عليهم قد يئسوا من الآخرة كما يئس الكفار من أصحاب القبور} وهكذا ختمت السورة بمثل ما بدأت به من التحذير من موالاة أعداء الله، ليتناسق الكلام في البدء والختام. ا


الأحاديث الواردة في السورة الكريمة:
قال الزيلعي:
سورة الممتحنة ذكر فِيهَا ثَمَانِيَة أَحَادِيث:
الحديث الأول:
رُوِيَ أَن مولاة لأبي عَمْرو بن صَيْفِي بن هَاشم يُقال لَهَا سارة أَتَت رَسُول الله صلى الله عليه وسلمَ بِالْمَدِينَةِ وَهُوَ يُجهز لِلْفَتْحِ فَقال لَهَا رَسُول الله صلى الله عليه وسلمَ: «أَمُسْلِمَة جِئْت؟ قالت لَا قال أفمهاجرة. قالت لَا قال فَمَا جَاءَ بك. فَقالت كُنْتُم الْأَهْل وَالْمُوَالَى وَالْعشيرَة وَقد ذهبت الموَالِي يَعْنِي قتلوا يَوْم بدر فَاحْتَجت حَاجَة شَدِيدَة فَحَث عَلَيْهَا بني عبد الْمطلب فَكَسَوْهَا وَحملُوهَا وزودوها فَأَتَاهَا حَاطِب ابْن أبي بلتعة وَأَعْطَاهَا عشرَة دَنَانِير وَكَسَاهَا بردا واستحملها كتابا إِلَى أهل مَكَّة نسخته من حَاطِب بن أبي بلتعة إِلَى أهل مَكَّة أعلمُوا أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلمَ يُرِيدكُمْ فَخُذُوا حذركُمْ فَخرجت سارة وَنزل جِبْرِيل عَلَيْهِ السلام بالْخبر فَبعث رَسُول الله صلى الله عليه وسلمَ عليا وَعمَّارًا وَعمر وَطَلْحَة وَالزُّبَيْر والمقداد وَأَبا مرْثَد وَكَانُوا فُرْسَانًا وَقال انْطَلقُوا حَتَّى تَأْتُوا رَوْضَة خَاخ فَإِن بهَا ظَعِينَة مَعهَا كتاب من حَاطِب بن أبي بلتعة إِلَى أهل مَكَّة فَخُذُوهُ مِنْهَا وَحلوهَا فَإِن أَبَت فَأَضْرَبُوا عُنُقهَا. فَأَدْرَكُوهَا فَجحدت وَحلفت فَهموا بِالرُّجُوعِ فَقال عَلّي مَا كذبنَا وَلَا كذب رَسُول الله صلى الله عليه وسلمَ وسل سَيْفه وَقال أَخْرِجِي الْكتاب أَو تَضَعِي رَأسك فَأَخْرَجته من عقَاص شعرهَا.
وَرُوِيَ أَنه عَلَيْهِ السلام أَمن النَّاس إِلَّا أَرْبَعَة هِيَ أحدهم فَاسْتَحْضر رَسُول الله صلى الله عليه وسلمَ حَاطِبًا وَقال مَا حملك عَلَى هَذَا فَقال يَا رَسُول الله مَا كفرت مُنْذُ أسلمت وَلَا غشتك مُنْذُ نَصَحْتُك وَلَا أَحْبَبْتهم مُنْذُ فَارَقْتهمْ وَلَكِنِّي كنت امْرَأً مُلْصقًا فِي قُرَيْش وَرُوِيَ عَزِيزًا فيهم أَي غَرِيبا وَلم أكن من أَنْفسهَا وكل من مَعَك من الْمُهَاجِرين لَهُم قرابَات بِمَكَّة يحْمُونَ أَهَالِيهمْ وَأَمْوَالهمْ غَيْرِي فَخَشِيت عَلَى أَهلِي فَأَرَدْت أَن أَتَّخِذ عِنْدهم يدا وَقد علمت أَن الله ينزل عَلَيْهِم بأسه وَأَن كتابي لَا يَنْفَعهُمْ شَيْئا فَصدقهُ وَقبل عذره فَقال عمر يَا رَسُول الله دَعْنِي أضْرب عنق هَذَا الْمُنَافِق فَقال وَمَا يدْريك يَا عمر لَعَلَّ الله قد اطلع عَلَى أهل بدر فَقال اعْمَلُوا مَا شِئْتُم فقد غفرت لكم. فَفَاضَتْ عينا عمر وَقال الله وَرَسُوله أعلم فَنزلت»
هُوَ كَذَلِك بِتَمَامِهِ فِي تَفْسِير الثَّعْلَبِيّ ثمَّ الْبَغَوِيّ وَكَذَلِكَ فِي أَسبَاب النُّزُول لِلْوَاحِدِيِّ.
قلت غَرِيب بِهَذَا اللَّفْظ والْحديث رَوَاهُ الْجَمَاعَة إِلَّا ابْن ماجة بِنَقص أَلْفَاظ فَرَوَاهُ البُخَارِيّ فِي موضِعين فِي الْجِهَاد وَرَوَاهُ فِي التَّفْسِير وَمُسلم فِي المناقب وَأَبُو دَاوُد فِي الْجِهَاد وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ فِي التَّفْسِير كلهم من حديث عبيد الله بن أبي رَافع عَن عَلّي رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قال: «بَعَثَنِي رَسُول الله صلى الله عليه وسلمَ أَنا وَالزُّبَيْر والمقداد فَقال انْطَلقُوا حَتَّى تَأْتُوا رَوْضَة خَاخ فَإِن بهَا ظَعِينَة مَعهَا كتاب فَخُذُوهُ مِنْهَا. فَانْطَلَقْنَا تَتَعَادَى بِنَا خَيْلنَا حَتَّى أَتَيْنَا الرَّوْضَة فَإِذا نَحن بِالظَّعِينَةِ فَقُلْنَا هَلُمِّي الْكتاب قالت مَا عِنْدِي من كتاب فَقُلْنَا لتخْرجن الْكتاب أَو لتلْقين الثِّيَاب فَأَخْرَجته من عقَاص شعرهَا فأتينا بِهِ النَّبِي صلى الله عليه وسلمَ فَإِذا فِيهِ من حَاطِب بن أبي بلتعة إِلَى نَاس من الْمُشْركين يُخْبِرهُمْ بِبَعْض أَمر النَّبِي صلى الله عليه وسلمَ فَقال النَّبِي صلى الله عليه وسلمَ: يَا حَاطِب مَا هَذَا قال لَا تجْعَل عَلّي يَا رَسُول الله إِنِّي كنت امْرَأً مُلْصقًا فِي قُرَيْش وَلم أكن من أَنْفسهَا وَكَانَ مَعَك من الْمُهَاجِرين بهَا قرابَات يحْمُونَ بهَا أَهْليهمْ وَأَمْوَالهمْ فَأَحْبَبْت إِذْ فَاتَنِي فيهم ذَلِك أَن أَتَّخِذ مِنْهُم يدا يحْمُونَ بهَا قرابتي وَمَا فعلت ذَلِك كفرا وَلَا ارْتِدَادًا عَن ديني وَلَا رضَا بالْكفْر فَقال النَّبِي صلى الله عليه وسلمَ: إِنَّه قد صدقكُم. فَقال عمر دَعْنِي يَا رَسُول الله أضْرب عنق هَذَا الْمُنَافِق فَقال النَّبِي صلى الله عليه وسلمَ: إِنَّه قد شهد بَدْرًا فَمَا يدْريك لَعَلَّ الله اطلع عَلَى أهل بدر فَقال اعْمَلُوا مَا شِئْتُم فقد غفرت لكم. قال وَفِيه أنزل الله: {يأيها الَّذين آمنُوا لَا تَتَّخِذُوا عدوي وَعَدُوكُمْ أَوْلِيَاء} السُّورَة».


الأحاديث الواردة في السورة الكريمة:
فِي لفظ للْبُخَارِيّ «بَعَثَنِي رَسُول الله صلى الله عليه وسلمَ أَنا وَأَبا مرْثَد الغنوي وَالزُّبَيْر بن الْعَوام وكلنَا فَارس فَقال انْطَلقُوا» الحديث ذكره فِي كتاب اسْتِتَابَة الْمُرْتَدين وَرَوَاهُ فِي كتاب الاسْتِئْذَان وَفِيه «فَقال عَلّي مَا كذب رَسُول الله صلى الله عليه وسلمَ» وَفِيه «فَقال عمر إِنَّه قد خَان الله وَرَسُوله فَدَعْنِي أضْرب عُنُقه فَقال رَسُول الله صلى الله عليه وسلمَ: أَلَيْسَ من أهل بدر وَمَا يدْريك لَعَلَّ الله اطلع عَلَى أهل بدر فَقال اعْمَلُوا مَا شِئْتُم فقد وَجَبت لكم الْجنَّة. قال فَدَمَعَتْ عينا عمر وَقال الله وَرَسُوله أعلم».
وَرَوَاهُ البُخَارِيّ فِي كِتَابه الْمُفْرد فِي الْأَدَب وَفِيه «فَأَخْرَجته من حجزَتهَا».
الرِّوَايَتَانِ فِي صَحِيح ابْن حبَان ذكر الأول فِي النَّوْع الثَّانِي من الْقسم الثَّالِث عَن أبي عبد الرَّحْمَن السّلمِيّ عَن عَلّي فَذكره بِلَفْظ الصَّحِيحَيْنِ الأول وَفِيه «فَأَخْرَجته من حجزَتهَا» ثمَّ أَعَادَهُ فِي النَّوْع الْحَادِي عشر مِنْهُ فَذكره بِسَنَد الصَّحِيحَيْنِ وَمَتنه إِلَّا أَنه قال: «بَعَثَنِي أَنا وَالزُّبَيْر وَطَلْحَة والمقداد بن الْأسود».
وَرَوَاهُ الْحَاكِم فِي مُسْتَدْركه فِي الْفَضَائِل بِلَفْظ الصَّحِيحَيْنِ وَفِي لفظ لأبي دَاوُد «قالت مَا معي من كتاب فَقال عَلّي وَالَّذِي يحلف بِهِ لأَقْتُلَنك أَو لتخرجي الْكتاب» الحديث بِطُولِهِ وَرَوَى الطَّبَرِيّ فِي تَفْسِيره وَابْن هِشَام وَرَوَاهُ الْوَاقِدِيّ فِي كتاب الْمَغَازِي ثني الْمُنْذر بن سعيد عَن يزِيد بن رُومَان قال لما أجمع فَذكره بِلَفْظ ابْن هِشَام ثمَّ قال وحَدثني عتبَة بن جبيرَة عَن الْحصين بن عبد الرَّحْمَن بن عَمْرو بن سعد قال هِيَ سارة وَجعل لَهَا عشرَة دَنَانِير.
وَفِي السِّيرَة فِي فتح مَكَّة من حديث مُحَمَّد بن إِسْحَاق ثني مُحَمَّد بن جَعْفَر ابْن الزُّبَيْر عَن عُرْوَة بن الزُّبَيْر وَغَيره من عُلَمَائِنَا قالوا: لما أجمع رَسُول الله صلى الله عليه وسلمَ السّير إِلَى مَكَّة كتب حَاطِب بن أبي بلتعة إِلَى قُرَيْش كتابا يُخْبِرهُمْ فِيهِ بأَمْره ثمَّ أعطَاهُ امْرَأَة زعم مُحَمَّد بن جَعْفَر أَنَّهَا من مزينة زَاد الْوَاقِدِيّ فِي الْمَغَازِي يُقال لَهَا كنُود وَزعم غَيره أَنَّهَا سارة مولاة لبني عبد الْمطلب وَجعل لَهَا جعلا عَلَى أَن تبلغه قُريْشًا فَجَعَلته فِي رَأسهَا ثمَّ فتلت عَلَيْهِ قُرُونهَا ثمَّ خرجت بِهِ وَأَتَى رَسُول الله صلى الله عليه وسلمَ الْخَبَر من السَّمَاء بِمَا فعل حَاطِب فَبعث عَلّي بن أبي طَالب وَالزُّبَيْر بن الْعَوام فَقال: «أدْركَا امْرَأَة قد كتب مَعهَا حَاطِب بِكِتَاب إِلَى قُرَيْش يُحَذرهُمْ مَا قد اجْتَمَعنَا عَلَيْهِ من أَمرهم». فَخَرَجَا حَتَّى أَدْركَاهَا بِالْحُلَيْفَة فَاسْتَنْزَلَاهَا فَالْتَمَسَا رَحلهَا فَلم يجدا شَيْئا فَقال عَلَى وَالله مَا كذب رَسُول الله صلى الله عليه وسلمَ وَلَا كذبنَا لتخْرجن هَذَا الْكتاب أَو ليكشفنك فَلَمَّا رَأَتْ الْجد قالت لَهُ أعرض فَأَعْرض فَحلت قُرُون رَأسهَا وَدفعت الْكتاب إِلَيْهِ فَأَتَى بِهِ رَسُول الله صلى الله عليه وسلمَ فَدَعَا حَاطِبًا الحديث.
وَرَوَى الطَّبَرِيّ أَيْضا وَابْن أبي حَاتِم فِي تفسيريهما وَأَبُو يعلي فِي مُسْنده من حديث أبي سِنَان سعيد بن سِنَان عَن عَمْرو بن مرّة الْجملِي عَن أبي إِسْحَاق عَن أبي البخْترِي عَن الْحَارِث عَن عَلّي قال لما أَرَادَ النَّبِي صلى الله عليه وسلمَ أَن يَأْتِي مَكَّة أسر إِلَى أنَاس من أَصْحَابه أَنه يُرِيد مَكَّة فيهم حَاطِب بن أبي بلتعة وَأَفْشَى فِي النَّاس أَنه يُرِيد خَيْبَر قال فَكتب حَاطِب بن أبي بلتعة إِلَى أهل مَكَّة أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلمَ يُرِيدكُمْ فَأخْبر رَسُول الله صلى الله عليه وسلمَ قال فَبَعَثَنِي وَأَبا مرْثَد وَلَيْسَ منا رجل إِلَّا وَعِنْده فرس فَقال: «ائْتُوا رَوْضَة خَاخ فَإِنَّكُم سَتَلْقَوْنَ امْرَأَة مَعهَا كتاب فَخُذُوهُ مِنْهَا» فَانْطَلَقْنَا حَتَّى رَأينَا الْمَكَان فَقُلْنَا لَهَا هَاتِي الْكتاب فَقالت مَا معي كتاب ففتشناها فَلم نجده فَقُلْنَا لَهَا لَتُخْرِجنَّهُ أَو لَنُجَرِّدَنَّكِ قال عَمْرو بن مرّة فَأَخْرَجته من حجزَتهَا وَقال حبيب بن أبي ثَابت فَأَخْرَجته من قبلهَا فَأتوا بِهِ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم... الحديث.
وَقوله وَرُوِيَ أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلمَ أَمن النَّاس إِلَّا أَرْبَعَة هِيَ أحدهم.
وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ فِي دَلَائِل النُّبُوَّة فِي بَاب فتح مَكَّة أخبرنَا أَبُو عبد الله الْحَافِظ ثَنَا أَبُو الْعَبَّاس مُحَمَّد بن يَعْقُوب ثَنَا أَبُو زرْعَة عبد الرَّحْمَن بن عَمْرو الدِّمَشْقِي ثَنَا الْحسن بن بشر الْكُوفِي ثَنَا الحكم بن عبد الْملك عَن قَتَادَة عَن أنس بن مَالك قال أَمن النَّبِي صلى الله عليه وسلمَ النَّاس يَوْم فتح مَكَّة إِلَّا أَرْبَعَة من النَّاس عبد الْعُزَّى بن خطل وَمقيس بن ضَبَابَة وَعبد الله بن سعد بن أبي سرح وَأم سارة مولاة لقريش وَفِي لفظ سارة مولاة لبَعض بني عبد الْمطلب أَتَت رَسُول الله صلى الله عليه وسلمَ فشكت إِلَيْهِ الْحَاجة فَأَعْطَاهَا شَيْئا ثمَّ أَتَاهَا رجل فَبعث مَعهَا بِكِتَاب إِلَى أهل مَكَّة فَذكر قصَّة حَاطِب.
( يتبع )



















مديح ال قطب 01-29-2021 11:31 AM











تابع – سورة الممتحنة
الأحاديث الواردة في السورة الكريمة:
كَذَلِكَ رَوَاهُ ابْن مرْدَوَيْه فِي تَفْسِيره من حديث الْحسن بن بشر بِهِ سندا ومتنا.
وَكَذَلِكَ الطَّبَرَانِيّ فِي مُعْجَمه الْوسط وَقال تفرد بِهِ الْحسن بن بشر.
وَذكره ابْن هِشَام فِي السِّيرَة من قول ابْن إِسْحَاق قال فِيهِ وَسَارة مولاة لبَعض بني عبد الْمطلب وَزَاد خَامِسًا قال وَالْحُوَيْرِث بن نقيذ فَإِنَّهُ لما حمل الْعَبَّاس ابْن عبد الْمطلب بِنْتي رَسُول الله صلى الله عليه وسلمَ من مَكَّة يُرِيد الْمَدِينَة جلس لَهما فَرَمَى بهما الأَرْض.
وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ فِي سنَنه فِي آخر الْحَج من حديث عمر بن عُثْمَان بن عبد الرَّحْمَن ابْن سعيد المَخْزُومِي عَن أَبِيه عَن جده عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلمَ وَجعل الْحُوَيْرِث عوض سارة ثمَّ رَوَاهُ فِي آخر الْبيُوع من حديث مُصعب بن سعد عَن أَبِيه وَجعل عوضهَا عِكْرِمَة بن أبي جهل.
وَبِهَذَا السَّنَد والمتن رَوَاهُ الْحَاكِم فِي الْمُسْتَدْرك فِي الْبيُوع وَسكت عَنهُ.
وَفِي عُيُون الْأَثر لأبي الْفَتْح الْيَعْمرِي وَمَغَازِي الْوَاقِدِيّ وَهَبَّار بن الْأسود وَقَيْنَتَا ابْن خطل كَانَتَا تُغنيَانِ بهجوه عَلَيْهِ السلام قال وَأما ابْن خطل فَإِنَّهُ كَانَ مُسلما وَبَعثه النَّبِي صلى الله عليه وسلمَ مُصدقا وَمَعَهُ آخر من الْأَنْصَار فَعمد ابْن خطل عَلَى الْأنْصَارِيّ وَهُوَ نَائِم فَقتله ثمَّ ارْتَدَّ مُشْركًا فَأمر النَّبِي صلى الله عليه وسلمَ يَوْم الْفَتْح بقتْله وَهُوَ مُتَعَلق بِأَسْتَارِ الْكَعْبَة فَقتله أَبُو بَرزَة الْأَسْلَمِيّ وَقيل سعيد بن حُرَيْث المَخْزُومِي وَقيل عمار بن يَاسر وَالْأول أثبت ثمَّ أسْند عَن عبد الرَّحْمَن بن أَبْزَى قال سَمِعت أَبَا بَرزَة يَقول أَنا أخرجت عبد الله بن خطل من تَحت أَسْتَار الْكَعْبَة فَضربت عُنُقه بَين الرُّكْن وَالْمقَام.
وَأما ابْن أبي سرح فَإِنَّهُ أَيْضا كَانَ مِمَّن أسلم وَهَاجَر وَكَانَ يكْتب الْوَحْي للنَّبِي صلى الله عليه وسلمَ ثمَّ ارْتَدَّ وَلحق بالمشركين فَلَمَّا كَانَ يَوْم الْفَتْح اخْتَبَأَ عِنْد عُثْمَان فَأَتَى بِهِ وَاسْتَأْمَنَ لَهُ النَّبِي صلى الله عليه وسلمَ وَحسن بعد ذَلِك إِسْلَامه ولاه عمر ثمَّ عُثْمَان بعده وَأما عِكْرِمَة فَإِنَّهُ فر إِلَى الْيمن وَلَحِقتهُ امْرَأَته أم حَكِيم بنت الْحَارِث بن هِشَام فَردته فَأسلم وَحسن إِسْلَامه.
وَأما الْحُوَيْرِث بن نقيذ وَكَانَ يُؤْذِي رَسُول الله صلى الله عليه وسلمَ بِمَكَّة فَقتله عَلّي بن أبي طَالب يَوْم الْفَتْح.
وَأما مقيس بن ضَبَابَة فَإِنَّهُ أَيْضا كَانَ مُسلما وَلكنه قتل رجلا من الْأَنْصَار بأَخيه هِشَام بن ضَبَابَة بعد أَن أَخذ الدِّيَة وَكَانَ الْأنْصَارِيّ قتل أَخَاهُ مُسلما خطأ فِي غَزْوَة ذِي قرد وَهُوَ يرَى أَنه من الْعَدو ثمَّ لحق بِمَكَّة مُرْتَدا فَقتله يَوْم الْفَتْح نميلَة بن عبد الله اللَّيْثِيّ وَهُوَ ابْن عَمه.
وَأما هَبَّار بن الْأسود فَهُوَ الَّذِي عرض لِزَيْنَب بنت رَسُول الله صلى الله عليه وسلمَ حِين بعث بهَا زَوجهَا أَبُو الْعَاصِ إِلَى الْمَدِينَة فَنَخَسَ بهَا فَأسْقطت وَأَلْقَتْ مَا فِي بَطنهَا وَأَهْرَقت الدِّمَاء وَلم يزل بهَا مَرضهَا حَتَّى مَاتَت سنة ثَمَان فَقال لَهُم عَلَيْهِ السلام: «إِن وجدْتُم هَبَّارًا فَأَحْرقُوهُ بالنَّار» ثمَّ قال: «اقْتُلُوهُ وَلَا تحرقُوهُ» فَلم يُوجد ثمَّ إِنَّه أسلم بعد الْفَتْح وَحسن إِسْلَامه وَصَحب النَّبِي صلى الله عليه وسلمَ فَجعل النَّاس يَسُبُّونَهُ فَقال عَلَيْهِ السلام: «من سبك فَسَبهُ» فَانْتَهوا عَنهُ.
وَأما قَيْنَتَا ابْن خطل فقتلت إِحْدَاهمَا وَاسْتُؤْمِنَ لِلْأُخْرَى فَعَاشَتْ مُدَّة ثمَّ مَاتَت فِي حَيَاته عَلَيْهِ السلام.
وَأما سارة فَاسْتُؤْمِنَ لَهَا أَيْضا فَأَمَّنَهَا عَلَيْهِ السلام وَعَاشَتْ إِلَى أَن أَوْطَأَهَا رجل فرسا بِالْأَبْطح فَمَاتَتْ فِي زمن عمر.

وَقال السُّهيْلي فِي الرَّوْض الْأنف:
وَأما الْقَيْنَتَانِ اللَّتَان أَمر بِقَتْلِهِمَا فهما سارة وَفَرْتَنَا فَأسْلمت فَرَّتْنَا وَأمنت سارة وَعَاشَتْ إِلَى زمن عمر.

وَقال ابْن سعد فِي الطَّبَقَات فِي بَاب غَزْوَة الْفَتْح وَأمر النَّبِي صلى الله عليه وسلمَ يَوْمئِذٍ بقتل سِتَّة نفر وَأَرْبع نسْوَة عِكْرِمَة بن أبي جهل وَهَبَّار بن الْأسود وَعبد الله بن أبي سرح وَمقيس بن ضَبَابَة وَالْحُوَيْرِث بن نقيذ وَهِنْد بنت عتبَة وَسَارة مولاة عَمْرو بن هِشَام وَفَرْتَنَا وَقَرِيبَة فَقتل مِنْهُم ابْن خطل وَمقيس بن ضَبَابَة وَالْحُوَيْرِث بن نقيذ.
وَكَذَلِكَ قاله الْوَاقِدِيّ فِي كتاب الْمَغَازِي.


الأحاديث الواردة في السورة الكريمة:
الحديث الثَّانِي
رُوِيَ أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلمَ تزوج أم حَبِيبَة فَلَانَتْ عِنْد ذَلِك عَرِيكَة أبي سُفْيَان وَاسْتَرْخَتْ شَكِيمَته فِي الْعَدَاوَة وَكَانَت أم حَبِيبَة قد أسلمت وَهَاجَرت مَعَ زَوجهَا عبيد الله بن جحش إِلَى الْحَبَشَة فَتَنَصَّرَ وَأَرَادَهَا عَلَى النَّصْرَانِيَّة فَأَبت وَصَبَرت عَلَى دينهَا وَمَات زَوجهَا فَبعث رَسُول الله صلى الله عليه وسلمَ إِلَى النَّجَاشِيّ فَخَطَبَهَا عَلَيْهِ وسَاق عَنهُ إِلَيْهَا مهرهَا أَربع مائَة دِينَار وَبلغ ذَلِك أَبَاهَا فَقال ذَلِك الْفَحْل لَا يُقْدَع أَنفه.
قلت غَرِيب بِهَذَا اللَّفْظ وَرَوَى أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ فِي سنَنَيْهِمَا فِي النِّكَاح من حديث عُرْوَة بن الزُّبَيْر عَن أم حَبِيبَة أَنَّهَا كَانَت تَحت عبيد الله بن جحش فَمَاتَ بِأَرْض الْحَبَشَة فَزَوجهَا النَّجَاشِيّ النَّبِي صلى الله عليه وسلمَ وَأَمْهَرهَا عَنهُ أَرْبَعَة أُلَّاف دِرْهَم وَبعث بهَا إِلَى رَسُول الله صلى الله عليه وسلمَ مَعَ شُرَحْبِيل بن حَسَنَة. انْتَهَى.
وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد مُرْسلا عَن الزُّهْرِيّ أَن النَّجَاشِيّ زوج أم حَبِيبَة بنت أبي سُفْيَان من رَسُول الله صلى الله عليه وسلمَ عَلَى صدَاق أَرْبَعَة آلَاف دِرْهَم وَكتب بذلك إِلَى رَسُول الله صلى الله عليه وسلمَ فَقبل. انْتَهَى.
وَرَوَى الْحَاكِم فِي الْمُسْتَدْرك فِي النِّكَاح من طَرِيق ابْن الْمُبَارك أَنا معمر عَن الزُّهْرِيّ عَن عُرْوَة عَن أم حَبِيبَة أَنَّهَا كَانَت تَحت عبيد الله بن جحش فَمَاتَ بِأَرْض الْحَبَشَة فَزَوجهَا النَّجَاشِيّ النَّبِي صلى الله عليه وسلمَ وَأَمْهَرهَا عَنهُ أَرْبَعَة آلَاف وَبعث بهَا إِلَيْهِ مَعَ شُرَحْبِيل بن حَسَنَة. انْتَهَى.
وَقال صَحِيح عَلَى شَرط الشَّيْخَيْنِ وَلم يخرجَاهُ هن وَرَوَاهُ أَحْمد وَابْن أبي شيبَة فِي مسنديهما كَذَلِك وَزَاد فِيهِ وَلم يُرْسل إِلَيْهَا رَسُول الله صلى الله عليه وسلمَ وَكَانَ مُهُور أَزوَاجه أَرْبَعمِائَة دِرْهَم. انْتَهَى.
ثمَّ رَوَى فِي فَضَائِل أم حَبِيبَة بِسَنَدِهِ إِلَى الزُّهْرِيّ قال تزوج رَسُول الله صلى الله عليه وسلمَ أم حَبِيبَة بنت أبي سُفْيَان وَكَانَت قبله تَحت عبيد الله بن جحش الْأَسدي وَكَانَ قد هَاجر بهَا من مَكَّة إِلَى الْحَبَشَة ثمَّ افْتتن وَتَنصر وَمَات نَصْرَانِيّا وَأثبت الله الْإِسْلَام لأم حَبِيبَة حَتَّى رجعت إِلَى الْمَدِينَة فَخَطَبَهَا رَسُول الله صلى الله عليه وسلمَ فَزَوجهَا إِيَّاه عُثْمَان بن عَفَّان قال الزُّهْرِيّ وَزَعَمُوا أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلمَ كتب إِلَى النَّجَاشِيّ فَزَوجهَا إِيَّاه وسَاق عَنهُ أَرْبَعِينَ أُوقِيَّة. انْتَهَى.
ثمَّ أسْند إِلَى الْوَاقِدِيّ ثني إِسْحَاق بن مُحَمَّد عَن جَعْفَر بن مُحَمَّد بن عَلّي عَن أَبِيه قال بعث رَسُول الله صلى الله عليه وسلمَ عَمْرو بن أُميَّة الضمرِي إِلَى النَّجَاشِيّ يخْطب عَلَيْهِ أم حَبِيبَة بنت أبي سُفْيَان وَكَانَت تَحت عبيد الله بن جحش وَزوجهَا إِيَّاه وَأصْدقهَا النَّجَاشِيّ من عِنْده عَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلمَ أَرْبَعمِائَة دِينَار. انْتَهَى.
ثمَّ أسْند أَيْضا إِلَى الْوَاقِدِيّ حَدثنِي عبد الله بن جَعْفَر بن عبد الْوَاحِد بن أبي عون قال لما بلغ أَبَا سُفْيَان بن حَرْب نِكَاح النَّبِي صلى الله عليه وسلمَ ابْنَته قال ذَلِك الْفَحْل لَا يفرع أَنفه هَكَذَا وجدته فِي نُسْخَة مُعْتَمدَة وَهَكَذَا وجدته فِي تَارِيخ ابْن أبي خَيْثَمَة يفرع بِالْفَاءِ وَالرَّاء وَبَينه فِي الْحَاشِيَة وَوَجَدته فِي عُيُون الْأَثر يقزع وَوَجَدته فِي طَبَقَات ابْن سعد بِالْفَاءِ وَالرَّاء كَمَا فِي تَارِيخ ابْن أبي خَيْثَمَة.
ثمَّ أسْند الْحَاكِم إِلَى الْوَاقِدِيّ ثني عبد الله بن عَمْرو بن زُهَيْر عَن إِسْمَاعِيل بن عَمْرو ابْن سعيد بن الْعَاصِ قال قالت أم حَبِيبَة لما مَاتَ عبيد الله بن جحش رَأَيْت فِي النّوم كَأَن أبي يَقول لي يَا أم الْمُؤمنِينَ فَفَزِعت وَأَوَّلْتهَا أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلمَ يَتَزَوَّجنِي قالت فَمَا هُوَ إِلَّا أَن انْقَضتْ عدتي فَمَا شَعرت إِلَّا برَسُول النَّجَاشِيّ جَارِيَة يُقال لَهَا أَبْرَهَة كَانَت تقوم عَلَى بَنَاته دخلت عَلّي فَقالت إِن الْملك يَقول لَك إِن رَسُول الله صلى الله عليه وسلمَ كتب إِلَيّ أَن أزَوجك مِنْهُ فَقلت بشرك الله بِالْخَيرِ ثمَّ قَامَت فَدفعت لَهَا سواري من فضَّة وخواتيم فضَّة كَانَت فِي أَصَابِع رِجْلَيْهَا سُرُورًا بِمَا بَشرَتهَا وَأرْسلت إِلَى خَالِد بن سعيد بن الْعَاصِ فَوَكَّلَتْهُ فَلَمَّا كَانَ الْعشَاء أَمر النَّجَاشِيّ جَعْفَر بن أبي طَالب وَمن هُنَاكَ من الْمُسلمين فَحَضَرُوا فَخَطب النَّجَاشِيّ فَقال الْحَمد لله الْملك القدوس السلام الْمُؤمن الْمُهَيْمِن الْعَزِيز الْجَبَّار بِحَق حَمده وَأشْهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وحدة لَا شريك لَهُ وَأَن مُحَمَّدًا عَبده وَرَسُوله وَأَنه الَّذِي بشر بِهِ عِيسَى بن مَرْيَم أما بعد فَإِن رَسُول الله صلى الله عليه وسلمَ كتب إِلَيّ أَن أزَوجهُ أم حَبِيبَة بنت أبي سُفْيَان وَقد أَجَبْته إِلَى مَا دَعَا وَقد أَصدقتهَا عَنهُ أَرْبَعمِائَة دِينَار ثمَّ سكب الدَّنَانِير فَتكلم خَالِد بن سعيد فَقال الْحَمد لله أَحْمَده أَسْتَعِينهُ وَأَسْتَنْصِرهُ وَأشْهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَأشْهد أَن مُحَمَّد عَبده وَرَسُوله أرْسلهُ بِالْهُدَى وَدين الْحق لِيظْهرهُ عَلَى الدَّين كُله وَلَو كره الْمُشْركُونَ أما بعد فقد أجبْت إِلَى مَا دَعَا إِلَيْهِ رَسُول الله صلى الله عليه وسلمَ وَزَوجته أم حَبِيبَة بنت أبي سُفْيَان فَبَارك الله لرَسُوله ثمَّ قبض الدَّنَانِير ودعا النَّجَاشِيّ بِطَعَام فَأَكَلُوا ثمَّ تفَرقُوا فَلَمَّا وصل الذَّهَب أم حَبِيبَة أرْسلت مِنْهُ إِلَى أَبْرَهَة خمسين دِينَارا الَّتِي بَشرَتهَا فَردَّتهَا وَردت جَمِيع مَا أخذت مِنْهَا وَقالت قد عزم عَلّي الْملك أَن لَا أرزأك شَيْئا وَقد أسلمت لله وَاتَّبَعت رَسُوله صلى الله عليه وسلمَ فَإِذا وصلت إِلَيْهِ فَأَقرئيهِ مني السلام واعلميه أَنِّي قد اتبعت دينه وَقد أَمر الْملك نِسَاءَهُ أَن يبْعَثْنَ إِلَيْك بِكُل مَا عِنْدهن من الْعطر قالت فَلَمَّا كَانَ الْغَد جَاءَتْنِي بِعُود وَوَرس وَعَنْبَر وَزَباد كثير وَكَانَت هِيَ الَّتِي جَهَّزْتنِي فَلَمَّا قدمت عَلَى رَسُول الله صلى الله عليه وسلمَ أخْبرته الْخَبَر وَمَا فعل النَّجَاشِيّ وَمَا فعلت أَبْرَهَة معي وَأَقرأته مِنْهَا السلام فَقال: «وَعَلَيْهَا السلام وَرَحْمَة الله». انْتَهَى.
وَسكت عَن هَذِه الْأَحَادِيث الواقدية كلهَا.


الأحاديث الواردة في السورة الكريمة:
رَوَى ابْن هِشَام فِي أَوَائِل السِّيرَة حَدثنِي زِيَاد بن عبد الله البكائي عَن مُحَمَّد بن إِسْحَاق ثني مُحَمَّد بن عَلّي بن الْحُسَيْن أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلمَ بعث فِي أم حَبِيبَة إِلَى النَّجَاشِيّ عَمْرو بن أُميَّة الضمرِي فَخَطَبَهَا عَلَيْهِ النَّجَاشِيّ فَزَوجهُ إِيَّاهَا وَأصْدقهَا عَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلمَ أَرْبَعمِائَة دِينَار فَقال مُحَمَّد بن عَلّي مَا نرَى عبد الْملك ابْن مَرْوَان وقف صدَاق النِّسَاء عَلَى أَرْبَعمِائَة دِينَار إِلَّا عَن ذَلِك وَكَانَ الَّذِي أملكهَا رَسُول الله صلى الله عليه وسلمَ خَالِد بن سعيد بن الْعَاصِ. انْتَهَى.
وَقال أَبُو نعيم فِي كتاب دَلَائِل النُّبُوَّة فِي الْبَاب التَّاسِع عشر قال وَبعث النَّبِي صلى الله عليه وسلمَ عَمْرو بن أُمِّيّه الضمرِي إِلَى النَّجَاشِيّ فَزَوجهُ أم حَبِيبَة بنت أبي سُفْيَان وَأصْدقهَا عَنهُ من مَاله أَرْبَعمِائَة دِينَار وَبعث بهَا إِلَيْهِ قال وَكَانَ ذَلِك فِي سنة سِتّ من الْهِجْرَة بعد رُجُوع النَّبِي صلى الله عليه وسلمَ من خَيْبَر قال وَلَا أعلم فِي ذَلِك خلافًا. انْتَهَى كَلَامه.
وَرَوَى ابْن سعد فِي الطَّبَقَات أخبرنَا مُحَمَّد بن عمر الْوَاقِدِيّ ثني سيف ابْن سُلَيْمَان عَن ابْن أبي نجيح وَثني عبد الله بن مُحَمَّد الجُمَحِي عَن أَبِيه عَن عبد الْعَزِيز بن سابط فَذكر قصَّة الْمُهَاجِرين إِلَى أَرض الْحَبَشَة الْهِجْرَة الأولَى كَانُوا أحد عشر رجلا وَأَرْبع نسْوَة مِنْهُم عُثْمَان بن عَفَّان وَزَوجته رقية ابنة رَسُول الله صلى الله عليه وسلمَ.
وَالْهجْرَة الثَّانِيَة كَانُوا ثَلَاثَة وَثَمَانِينَ رجلا وَاحِد وَإِحْدَى عشرَة امْرَأَة فَلَمَّا سمعُوا بِهِجْرَة النَّبِي صلى الله عليه وسلمَ إِلَى الْمَدِينَة رَجَعَ بَعضهم وَبَقِي بَعضهم فَلَمَّا كَانَ شهر ربيع الأول سنة سبع من الْهِجْرَة أرسل النَّبِي صلى الله عليه وسلمَ إِلَى النَّجَاشِيّ عَمْرو بن أُميَّة الضمرِي بِكِتَاب يَدعُوهُ فِيهِ إِلَى الْإِسْلَام فَأسلم وَسَأَلَهُ أَن يُزَوجهُ أم حَبِيبَة وَكَانَت هَاجَرت مَعَ زَوجهَا عبيد الله بن جحش وَتَنصر وَمَات فَزَوجهُ النَّجَاشِيّ إِيَّاهَا وَأصْدقهَا عَنهُ أَرْبَعمِائَة دِينَار وَوَلَّى تَزْوِيجهَا خَالِد بن سعيد بن الْعَاصِ وَسَأَلَهُ أَن يبْعَث إِلَيْهِ بِمن بَقى من أَصْحَابه فَفعل وَحَملهمْ مَعَ عَمْرو بن أُميَّة حَتَّى قدمُوا الْمَدِينَة فوجدوا رَسُول الله صلى الله عليه وسلمَ قد فتح خَيْبَر فَكلم عَلَيْهِ السلام الْمُسلمين أَن يُدْخِلُوهُمْ فِي سِهَامهمْ فَفَعَلُوا. مُخْتَصر.
وَرَوَى ابْن أبي شيبَة فِي مصنفة فِي النِّكَاح ثَنَا عَبدة عَن مُحَمَّد بن إِسْحَاق عَن أبي جَعْفَر أَن النَّجَاشِيّ زوج النَّبِي صلى الله عليه وسلمَ أم حَبِيبَة عَلَى أَرْبَعمِائَة دِينَار.انْتَهَى.
وَرَوَى الطَّبَرَانِيّ فِي مُعْجَمه الْوسط فِي تَرْجَمَة أَحْمد بن النَّضر من حديث أنس أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلمَ زوجه النَّجَاشِيّ أم حَبِيبَة أَصْدف عَنهُ من مَاله مِائَتي دِينَار. انْتَهَى.
وَرَوَى فِي مُعْجَمه الْكَبِير من حديث عُرْوَة بن الزُّبَيْر أَن عبيد الله بن جحش مَاتَ بِالْحَبَشَةِ نَصْرَانِيّا وَمَعَهُ أم حَبِيبَة بنت أبي سُفْيَان فَأَنْكحهَا عُثْمَان بن عَفَّان رَسُول الله صلى الله عليه وسلمَ من أجل أَنَّهَا بنت صَفيه بنت أبي الْعَاصِ وَصفيه عمَّة عُثْمَان بن عَفَّان.
وَأخرج من حديث بَقِيَّة ثَنَا أَبُو بكر بن أبي مَرْيَم عَن عَطِيَّة بن قيس أَن أم حَبِيبَة كَانَت بِأَرْض الْحَبَشَة وَأَنه عَلَيْهِ السلام تزَوجهَا وَأصْدقهَا عَنهُ النَّجَاشِيّ أَرْبَعمِائَة دِينَار. انْتَهَى.
وَرَوَى الثَّعْلَبِيّ فِي تَفْسِيره فِي سُورَة النِّسَاء من طَرِيق أبي عبيد ثَنَا أَبُو الْيَمَان عَن أبي بكر بن عبد الله بن أبي مَرْيَم عَن ضَمرَة بن حبيب أَن أم حَبِيبَة كَانَت بِأَرْض الْحَبَشَة مَعَ جَعْفَر بن أبي طَالب وَأَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلمَ تزَوجهَا فَأَصدق عَنهُ النَّجَاشِيّ أَرْبَعمِائَة دِينَار. انْتَهَى.
وَقال أَبُو الْفَتْح الْيَعْمرِي فِي عُيُون الْأَثر وَقع فِي الصَّحِيح أخرج مُسلم فِي الْفَضَائِل عَن أبي زميل عَن ابْن عَبَّاس قال لما كَانَ الْمُسلمُونَ لَا ينظرُونَ إِلَى أبي سُفْيَان وَلَا يُقَاعِدُونَهُ فَقال للنَّبِي صلى الله عليه وسلمَ يَا نَبِي الله ثَلَاث أَعطيتهنَّ قال: «نعم» عِنْدِي أحسن الْعَرَب أم حَبِيبَة أزَوّجكَهَا قال: «نعم» قال وَمُعَاوِيَة تَجْعَلهُ كَاتبا بَين يَديك قال: «نعم» وَتُؤَمِّرنِي حَتَّى أقَاتل الْكفَّار كَمَا كنت أقَاتل الْمُسلمين قال: «نعم» قال أَبُو زميل لَوْلَا أَنه طلب ذَلِك من النَّبِي صلى الله عليه وسلمَ مَا أعطَاهُ لِأَنَّهُ لم يكن يسْأَل شَيْئا إِلَّا قال نعم. انْتَهَى.
قال عبد الْحق فِي الْجمع فِي الصَّحِيحَيْنِ لم يُخرجهُ البُخَارِيّ وَالصَّحِيح أَنه عَلَيْهِ السلام تزَوجهَا قبل إِسْلَام أبي سُفْيَان. انْتَهَى.
وَقول أبي سُفْيَان يَوْم الْفَتْح للنَّبِي صلى الله عليه وسلمَ أَسأَلك ثَلَاثًا فَذكر مِنْهُنَّ أَن يتَزَوَّج رَسُول الله صلى الله عليه وسلمَ أم حَبِيبَة يَعْنِي ابْنَته فَأَجَابَهُ عَلَيْهِ السلام لما سَأَلَ قال وَهَذَا مُخَالف لما اتّفق عَلَيْهِ أَرْبَاب السّير وَالْعلم بالْخبر قال وَأجَاب عَنهُ الْحَافِظ الْمُنْذِرِيّ جَوَابا يتساءل هزلا فَقال يحْتَمل أَن أَبَا سُفْيَان ظن أَنه تَجَدَّدَتْ لَهُ عَلَيْهَا ولَايَة بِمَا حصل لَهُ من الْإِسْلَام فَأَرَادَ تَجْدِيد العقد يَوْم ذَاك لَا غير.


الأحاديث الواردة في السورة الكريمة:
الحديث الثَّالِث
رُوِيَ أَن أَسمَاء بنت أبي بكر الصّديق قدمت عَلَيْهَا أمهَا قتيلة بنت عبد الْعُزَّى وَهِي مُشركَة بِهَدَايَا فَلم تقبلهَا وَلم تَأذن لَهَا فِي الدُّخُول فَنزلت يعني قوله تعالى: {لَا يَنْهَاكُم الله} الْآيَة فَأمرهَا رَسُول الله صلى الله عليه وسلمَ أَن تدْخلهَا وَتقبل مِنْهَا وتكرمها.
قلت رَوَاهُ الْحَاكِم فِي الْمُسْتَدْرك من طَرِيق ابْن الْمُبَارك عَن مُصعب بن ثَابت ابْن عبد الله بن الزُّبَيْر عَن أَبِيه عَن جده قال قدمت قتيلة بنت عبد الْعُزَّى عَلَى ابْنَتهَا أَسمَاء بنت أبي بكر وَكَانَ أَبُو بكر طَلقهَا فِي الْجَاهِلِيَّة فَقدمت عَلَى ابْنَتهَا بِهَدَايَا صَبَّابًا وَسمنًا وَأَقِطًا فَأَبت أَسمَاء أَن تقبلهَا أَو تدْخلهَا منزلهَا حَتَّى أرْسلت إِلَى عَائِشَة أَن سَلِي عَن هَذَا رَسُول الله صلى الله عليه وسلمَ فَأَخْبَرته فَأمرهَا أَن تقبل هَدَايَاهَا وَتدْخلهَا منزلهَا فَأنْزل الله تَعَالَى: {لَا يَنْهَاكُم الله عَن الَّذين لم يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدَّين} الْآيَتَيْنِ.

وَقال حديث صَحِيح الْإِسْنَاد وَلم يخرجَاهُ.
وَكَذَلِكَ رَوَاهُ أَحْمد وَالْبَزَّار وَأَبُو دَاوُد الطَّيَالِسِيّ وَأَبُو يعلي الْموصِلِي فِي مسانيدهم وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي مُعْجَمه والطبري وَابْن مرْدَوَيْه وَابْن أبي حَاتِم فِي تفاسيرهم والواحدي فِي أَسبَاب النُّزُول.
وَحديث أَسمَاء فِي الصَّحِيحَيْنِ من حديث عُرْوَة عَنْهَا بِغَيْر هَذَا اللَّفْظ.
الحديث الرَّابِع
كَانَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلمَ يَقول للممتحنة «بِاللَّه الَّذِي لَا إِلَه إِلَّا هُوَ مَا خرجت من بغض زوج بِاللَّه مَا خرجت رَغْبَة عَن أَرض إِلَى أَرض بِاللَّه مَا خرجت التمَاس دنيا بِاللَّه مَا خرجت إِلَّا حبا لله وَرَسُوله».
قلت رَوَاهُ الطَّبَرِيّ فِي مُعْجَمه وَالْبَزَّار فِي مُسْنده من حديث قيس بن الرّبيع عَن الْأَغَر بن الصَّباح عَن خَليفَة بن حُصَيْن عَن أبي نصر الْأَسدي قال سُئِلَ ابْن عَبَّاس كَيفَ كَانَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلمَ يمْتَحن النِّسَاء قال كَانَ إِذا أَتَتْهُ امْرَأَة لتسلم حَلفهَا بِاللَّه مَا خرجت لِبُغْض زوج بِاللَّه مَا خرجت إِلَّا حبا لِاكْتِسَابِ دنيا وَبِاللَّهِ مَا خرجت رَغْبَة عَن أَرض إِلَى أَرض وَبِاللَّهِ مَا خرجت إِلَّا حبا لله وَلِرَسُولِهِ. انْتَهَى.
وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيّ فِي كِتَابه حَدثنَا سَلمَة بن شبيب ثَنَا مُحَمَّد بن يُوسُف الْفِرْيَانِيُّ ثَنَا قيس بن الرّبيع بِهِ سندا ومتنا وَهُوَ مَوْجُود فِي نسخ التِّرْمِذِيّ الَّتِي هِيَ من رِوَايَة الصَّدَفِي دون غَيرهَا وَلم يذكرهُ ابْن عَسَاكِر فِي أَطْرَافه وَقال فِيهِ التِّرْمِذِيّ حديث غَرِيب.
وَقال الْبَزَّار لَا نعلمهُ يرْوَى عَن ابْن عَبَّاس إِلَّا من هَذَا الْوَجْه بِهَذَا الْإِسْنَاد. انْتَهَى.
وَرَوَاهُ عبد الرَّزَّاق فِي مُصَنفه فِي أَوَاخِر الْمَغَازِي من حديث قَتَادَة عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلمَ مُرْسلا.
( يتبع )



















مديح ال قطب 01-29-2021 11:32 AM











الأحاديث الواردة في السورة الكريمة:
الحديث الْخَامِس
رُوِيَ أَن صلح الْحُدَيْبِيَة كَانَ عَلَى أَن من أَتَاكُم من أهل مَكَّة يرد إِلَيْنَا وَمن أَتَى مِنْكُم مَكَّة لَا يرد إِلَيْكُم وَكَتَبُوا بذلك كتابا وختموه فَجَاءَت سبيعة بنت الْحَارِث الأسْلَمِيَّة مسلمة وَالنَّبِيّ صلى الله عليه وسلمَ بِالْحُدَيْبِية وَأَقْبل زَوجهَا مُسَافر المَخْزُومِي وَقيل صَيْفِي بن الراهب فَقال يَا مُحَمَّد ارْدُدْ عَلّي امْرَأَتي فَإنَّك قد شرطت علينا أَن ترد علينا من أَتَاك منا وَهَذِه طِينَة الْكتاب لم تَجف فَنزلت بَيَانا لِأَن الشَّرْط إِنَّمَا كَانَ فِي الرِّجَال دون النِّسَاء.
وَعَن الضَّحَّاك كَانَ بَين رَسُول الله صلى الله عليه وسلمَ وَبَين الْمُشْركين عهد أَلا يَأْتِيك منا امْرَأَة لَيست عَلَى دينك إِلَّا رَددتهَا إِلَيْنَا فَإِن دخلت فِي دينك وَلها زوج أَن ترد عَلَى زَوجهَا الَّذِي أنْفق عَلَيْهَا وَلِلنَّبِيِّ عَلَيْهِ السلام من الشَّرْط مثل ذَلِك.
وَعَن قَتَادَة ثمَّ نسخ هَذَا الحكم وَهَذَا الْعَهْد بِبَرَاءَة فَاسْتَحْلَفَهَا رَسُول الله صلى الله عليه وسلمَ فَحَلَفت فَأعْطَى زَوجهَا مَا أنْفق وَتَزَوجهَا عمر.
قلت غَرِيب ذكره الْبَغَوِيّ هَكَذَا عَن ابْن عَبَّاس من غير سَنَد.
الحديث السَّادِس
رُوِيَ أَن من لحق بالمشركين من نسَاء الْمُؤمنِينَ الْمُهَاجِرين رَاجِعَة عَن الْإِسْلَام سِتّ نسْوَة أم الحكم بنت أبي سُفْيَان كَانَت تَحت عِيَاض بن شَدَّاد الفِهري وَفَاطِمَة بنت أبي أُميَّة كَانَت تَحت عمر بن الْخطاب وَهِي أُخْت أم سَلمَة وَبرْوَع بنت عقبَة كَانَت تَحت شماس بن عُثْمَان وَعَبدَة بنت عبد الْعُزَّى ابْن نَضْلَة وَزوجهَا عَمْرو بن عبد ود وَهِنْد بنت أبي جهل كَانَت تَحت هِشَام ابْن الْعَاصِ وَأم كُلْثُوم بنت جَرْوَل كَانَت تَحت عمر بن الْخطاب وَأَعْطَاهُمْ رَسُول الله صلى الله عليه وسلمَ مُهُور نِسَائِهِم من الْغَنِيمَة.
قلت غَرِيب وَذكره هَكَذَا الثَّعْلَبِيّ ثمَّ الْبَغَوِيّ هَكَذَا عَن ابْن عَبَّاس من غير سَنَد وَلَا راو.


الأحاديث الواردة في السورة الكريمة:
الحديث السَّابِع
رَوَى أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلمَ لما فرغ يَوْم فتح مَكَّة من بيعَة الرِّجَال أَخذ فِي بيعَة النِّسَاء وَهُوَ عَلَى الصَّفَا وَعمر بن الْخطاب أَسْفَل مِنْهُ يُبَايِعهُنَّ بِإِذْنِهِ ويبلغهن عَنهُ وَهِنْد بنت عتبَة امْرَأَة أبي سُفْيَان مُتَقَنعَة مُتَنَكِّرَة خوفًا من رَسُول الله صلى الله عليه وسلمَ أَن يعرفهَا فَقال رَسُول الله صلى الله عليه وسلمَ: «أُبَايِعكُنَّ عَلَى أَن لَا تُشْرِكْنَ بِاللَّه شَيْئا» فَرفعت هِنْد رَأسهَا وَقالت وَالله لقد عَبدنَا الْأَصْنَام وَإنَّك لتأْخذ علينا أمرا مَا رَأَيْنَاك أَخَذته عَلَى الرِّجَال تبَايع الرِّجَال عَلَى الْإِسْلَام وَالْجهَاد فَقال عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسلام «وَلَا يَسْرِقن» فَقالت إِن أَبَا سُفْيَان رجل شحيح وَإِنِّي أصبت من مَاله هَنَات فَمَا أَدْرِي أَيحلُّ أم لَا فَقال أَبُو سُفْيَان مَا أصبت من مَالِي فِيمَا مَضَى وَفِيمَا غبر فَهُوَ لَك حَلَال فَضَحِك رَسُول الله صلى الله عليه وسلمَ وَعرفهَا فَقال لَهَا «وَإنَّك لهِنْد بنت عتبَة» قالت نعم فَاعْفُ عَمَّا سلف يَا نَبِي الله عَفا الله عَنْك فَقال: «وَلَا يَزْنِين» فَقالت أَو تَزني الْحرَّة وَفِي رِوَايَة مَا زنت مِنْهُنَّ امْرَأَة قطّ فَقال: «وَلَا يقتلن أَوْلَادهنَّ» فَقالت رَبَّيْنَاهُمْ صغَارًا وَقَتَلْتُمُوهُمْ كبارًا فَأنْتم وهم أعلم وَكَانَ ابْنهَا حنظله بن أبي سُفْيَان قد قتل يَوْم بدر فَضَحِك عمر حَتَّى اسْتَلْقَى وَتَبَسم رَسُول الله صلى الله عليه وسلمَ فَقال: «وَلَا يَأْتِين بِبُهْتَان» فَقالت وَالله إِن الْبُهْتَان لأمر عَظِيم الْقبْح وَمَا تَأْمُرنَا إِلَّا بِالرشد وَمَكَارِم الْأَخْلَاق فَقال: «وَلَا يَعْصِينَك فِي مَعْرُوف» فَقالت وَالله مَا جلسنا فِي مَجْلِسنَا هَذَا وَفِي أَنْفُسنَا أَن نَعْصِيك فِي شَيْء.
وَقيل فِي كَيْفيَّة الْمُبَايعَة أَنه دَعَا بقدح مَاء فَغمسَ يَده فِيهِ ثمَّ غمس أَيْدِيهنَّ.
وَقيل صَافَحَهُنَّ وَكَانَ عَلَى يَده ثوب قطري.
وَقيل كَانَ عمر يُصَافِحهُنَّ عَنهُ.
قلت غَرِيب بِهَذَا اللَّفْظ.
وَرَوَى الطَّبَرِيّ فِي تَفْسِيره مُخْتَصرا فَقال ثَنَا مُحَمَّد بن سعد ثَنَا أبي عَن عمي ثني أبي عَن أَبِيه عَن ابْن عَبَّاس أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلمَ أَمر عمر بن الْخطاب فَقال قل لَهُنَّ إِن رَسُول الله صلى الله عليه وسلمَ يُبَايِعكُنَّ عَلَى أَن لَا تُشْرِكْنَ بِاللَّه شَيْئا وَكَانَت هِنْد بنة عتبَة بن ربيعَة الَّتِي شقَّتْ بطن حَمْزَة مُتَنَكِّرَة فِي النِّسَاء فَقالت إِنِّي إِن أَتكَلّم يعرفنِي فَيَقْتُلنِي فَتَنَكَّرت فرقا من رَسُول الله صلى الله عليه وسلمَ وَقالت كَيفَ تقبل من النِّسَاء مَا لم تقبله من الرِّجَال فَنظر إِلَيْهَا رَسُول الله صلى الله عليه وسلمَ وَقال لعمر «قل لَهُنَّ وَلَا يَسْرِقن» قالت هِنْد وَالله إِنِّي لَأُصِبْت من مَال أبي سُفْيَان الهنت مَا أَدْرِي أحل لي أم لَا قال فَضَحِك رَسُول الله صلى الله عليه وسلمَ وَصرف عَنْهَا ثمَّ قال: «وَلَا يَزْنِين» فَقالت يَا رَسُول الله وَهل تَزني الْحرَّة قال: «لَا» ثمَّ قال: «وَلَا يقتلن أَوْلَادهنَّ» قالت هِنْد أَنْت قَتلتهمْ يَوْم بدر فَأَنت وهم أبْصر قال: «وَلَا يَأْتِين بِبُهْتَان يَفْتَرِينَهُ بَين أَيْدِيهنَّ وَأَرْجُلهنَّ» قال: «وَلَا يَعْصِينَك فِي مَعْرُوف» قال مَنعهنَّ أَن يَنحن وَكَانَ أهل الْجَاهِلِيَّة يُمَزِّقْنَ الثِّيَاب وَيَخْدِشْنَ الْوُجُوه وَيَقْطَعْنَ الشُّعُور وَيدعونَ بِالْوَيْلِ وَالثُّبُور. انْتَهَى.
وَأخرجه ابْن أبي حَاتِم فِي تَفْسِيره عَن مقَاتل بن حَيَّان فَذكره كَمَا تقدم وَزَاد فَلَمَّا قال: «وَلَا تقتلن أَوْلَادكُنَّ» قالت هِنْد رَبَّيْنَاهُمْ صغَارًا فَقَتَلْتُمُوهُمْ كبارًا فَضَحِك عمر بن الْخطاب حَتَّى اسْتَلْقَى.
قوله وَقيل فِي كَيْفيَّة الْمُبَايعَة إِنَّه دَعَا بقدح مَاء إِلَى آخِره.
رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي مُعْجَمه من حديث جبارَة بن الْمُغلس ثَنَا عبد الله بن حَكِيم عَن حجاج عَن دَاوُد بن أبي عَاصِم عَن عُرْوَة بن مَسْعُود الثَّقَفِيّ قال كَانَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلمَ عِنْده المَاء فَإِذا بَايع النِّسَاء غمسن أَيْدِيهنَّ فِيهِ. انْتَهَى.


الأحاديث الواردة في السورة الكريمة:
وَفِي تَارِيخ أَصْبَهَان فِي بَاب الْحَاء الْمُهْملَة لأبي نعيم عَن صغدي بن سِنَان ثَنَا عُثْمَان بن عبد الْملك عَن شهر بن حَوْشَب عَن أَسمَاء بنت يزِيد بن السكن قالت مر رَسُول الله صلى الله عليه وسلمَ عَلَى نسْوَة فَسلم عَلَيْهِنَّ فَقُلْنَ يَا رَسُول الله إِنَّا نحب أَن نُبَايِعك ونصافحك قال: «إِنِّي لَا أُصَافح النِّسَاء» ثمَّ دَعَا بِقَعْبٍ مَاء فَخَاضَ فِيهِ يَده فَقال: «ضعن أَيْدِيكُنَّ فِيهِ» وَكَانَت بيعتهن. انْتَهَى.
وَرَوَى ابْن مرْدَوَيْه فِي تَفْسِيره من حديث أبي مُطِيع الحكم بن عبد الله عَن إِبْرَاهِيم بن مُحَمَّد عَن ابْن عجلَان عَن عَمْرو بن شُعَيْب عَن أَبِيه عَن جده قال كَانَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلمَ إِذا صَافح النِّسَاء دَعَا بقدح من مَاء فَغمسَ يَده فِيهِ ثمَّ غمسن أَيْدِيهنَّ فِيهِ وَكَانَت هَذِه بيعتهن. انْتَهَى.
وَرَوَاهُ ابْن سعد فِي الطَّبَقَات أخبرنَا مُحَمَّد بن عمر هُوَ الْوَاقِدِيّ ثَنَا أُسَامَة ابْن زيد اللَّيْثِيّ عَن عَمْرو بن شُعَيْب عَن أَبِيه عَن جده فَذكره سَوَاء ببقبق.
قوله وَقيل صَافَحَهُنَّ وَعَلَى يَده ثوب قطري.
رَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي مراسيله عَن الشّعبِيّ أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلمَ حِين بَايع النِّسَاء أَتَى بِبرد قطري فَوَضعه عَلَى يَده وَقال: «لَا أُصَافح النِّسَاء». انْتَهَى.
وَرَوَاهُ عبد الرَّزَّاق فِي مُصَنفه وَفِي تَفْسِيره أخبرنَا الثَّوْريّ عَن مَنْصُور عَن إِبْرَاهِيم النَّخعِيّ مُرْسلا قال كَانَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلمَ يُصَافح النِّسَاء وَعَلَى يَده ثوب قطري.
وَرَوَى ابْن سعد فِي الطَّبَقَات الْمُرْسلين قوله وَقيل كَانَ عمر يُصَافِحهُنَّ عَنهُ.
رَوَاهُ ابْن حبَان فِي صَحِيحه فِي الْقسم الثَّانِي عَن إِسْمَاعِيل بن عبد الرَّحْمَن ابْن عَطِيَّة عَن جدته أم عَطِيَّة قالت لما قدم رَسُول الله صلى الله عليه وسلمَ الْمَدِينَة أَمر نسَاء الْأَنْصَار فجمعن فِي بَيت ثمَّ أرسل إلَيْهِنَّ عمر فجَاء عمر فَسلم علينا فَقال أَنا رَسُول رَسُول الله إلَيْكُنَّ فَقُلْنَ مرْحَبًا برَسُول رَسُول الله صلى الله عليه وسلمَ فَقال أُبَايِعكُنَّ عَلَى أَن لَا يُشْرِكْنَ بِاللَّه شَيْئا وَلَا يَسْرِقن إِلَى آخر الْآيَة ثمَّ مد يَده من خَارج الْبَيْت وَمَدَدْنَا أَيْدِينَا من دَاخل الْبَيْت فَقال اللَّهُمَّ اشْهَدْ فَبَايَعْنَاهُ. انْتَهَى.
وَكَذَلِكَ رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي مُعْجَمه وَالْبَزَّار فِي مُسْنده والطبري فِي تَفْسِيره وَابْن مرْدَوَيْه وَأَبُو يعلي الْموصِلِي فِي مُسْنده وَالنَّسَائِيّ فِي كتاب الكنى.
وَفِي الصَّحِيح مَا يدْفع هَذِه الرِّوَايَات عَن الزُّهْرِيّ عَن عُرْوَة عَن عَائِشَة قالت كَانَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلمَ يُبَايع النِّسَاء بالْكلَام بِهَذِهِ الْآية: {عَلَى أَن لَا يُشْرِكْنَ بِاللَّه شَيِّئًا} قالت وَمَا مست يَده يَد امْرَأَة قطّ إِلَّا امْرَأَة يملكهَا. انْتَهَى.
رَوَاهُ البُخَارِيّ بِهَذَا اللَّفْظ وَرَوَاهُ مُسلم فِي أَوَاخِر الْجِهَاد بِلَفْظ وَالله مَا مست يَد رَسُول الله صلى الله عليه وسلمَ يَد امْرَأَة قطّ غير أَنه يُبَايِعهُنَّ بالْكلَام.


الأحاديث الواردة في السورة الكريمة
رَوَى التِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ فِي السّير وَابْن حبَان وَالْحَاكِم فِي صَحِيحَيْهِمَا وَمَالك فِي الْمُوَطَّأ فِي أول الْجِهَاد مَالك عَن مُحَمَّد بن الْمُنْكَدر بِهِ من حديث مُحَمَّد بن الْمُنْكَدر عَن أُمَيْمَة بنت رقيقَة قالت أتيت رَسُول الله صلى الله عليه وسلمَ فِي نسْوَة نُبَايِعهُ عَلَى الْإِسْلَام فَقلت يَا رَسُول الله صلى الله عليه وسلمَ هَلُمَّ نُبَايِعك فَقال: «إِنِّي لَا أُصَافح النِّسَاء إِنَّمَا قولي لمِائَة امْرَأَة كَقولي لامْرَأَة وَاحِدَة» وَصَححهُ التِّرْمِذِيّ وَهُوَ فِي لفظ الْحَاكِم وَكَذَلِكَ الطَّبَرِيّ إِنَّمَا قولي لامْرَأَة كَقولي لمِائَة امْرَأَة وَهُوَ فِي مُسْند أَحْمد باللفظين وَكَذَلِكَ الطَّبَقَات لِابْنِ سعد.
وَذكر الْحَازِمِي فِي كتاب النَّاسِخ والمنسوخ حديث الشّعبِيّ بِلَفْظ أبي دَاوُد ثمَّ قال وَهَذَا مُرْسل لَا يُقَاوم الْأَحَادِيث الثَّابِتَة ثمَّ ذكر حديث أُمَيْمَة هَذَا ثمَّ قال فَإِن كَانَ ثَابتا فَفِيهِ دَلَائِل عَلَى النّسخ وَله شَاهد فِي بعض الْأَحَادِيث. انْتَهَى.
وَرَوَى الْوَاقِدِيّ فِي كتاب الْمَغَازِي فِي غَزْوَة الْفَتْح ثني ابْن أبي سُبْرَة عَن مُوسَى بن عقبَة عَن أبي حَبِيبَة مولَى الزُّبَيْر عَن عبد الله بن الزُّبَيْر قال لما كَانَ يَوْم الْفَتْح أسلم عشرَة نسْوَة من قُرَيْش مِنْهُنَّ هِنْد بنت عتبَة وَأم حَكِيم بنت الْحَارِث بن هِشَام امْرَأَة عِكْرِمَة بن أبي جهل فَأَتَيْنَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلمَ فبايعنه فَقالت هِنْد يَا رَسُول الله نُصَافِحك قال: «إِنِّي لَا أُصَافح النِّسَاء إِن قولي لمِائَة امْرَأَة مثل قولي لامْرَأَة وَاحِدَة» قال الْوَاقِدِيّ وَيُقال وضع عَلَى يَده ثوبا ثمَّ مَسَحْنَ عَلَى يَده وَيُقال إِنَّه أَتَى بقدح من مَاء فَوضع يَده فِيهِ ثمَّ جَعلهنَّ يَضعن أَيْدِيهنَّ فِيهِ قال وَالْأول أثبت عندنَا مُخْتَصر.
الحديث الثَّامِن
عَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلمَ أَنه قال: «من قرأ سُورَة الممتحنة كَانَ لَهُ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَات شُفَعَاء يَوْم الْقِيَامَة».
قلت رَوَاهُ الثَّعْلَبِيّ أخبرنَا أَبُو الْحسن الْخَبَّازِي الْمُقرئ أَنا ابْن حسان أَنا الفرقدي ثَنَا إِسْمَاعِيل بن عَمْرو ثَنَا يُوسُف بن عَطِيَّة ثَنَا هَارُون بن كثير عَن زيد بن أسلم عَن أَبِيه عَن أبي أُمَامَة عَن أبي بن كَعْب قال قال رَسُول الله صلى الله عليه وسلمَ: «من قرأ سُورَة الممتحنة» إِلَى آخِره سَوَاء.
وَرَوَاهُ ابْن مرْدَوَيْه فِي تَفْسِيره بسنديه فِي آل عمرَان.
وَرَوَاهُ الواحدي فِي تَفْسِيره الْوَسِيط بِسَنَدِهِ الْمُتَقَدّم فِي يُونُس.


المؤمن لا يقبل دنية ولا يرضى بهوان، ويبذل جهده لمدافعة ظالميه؛ فماذا غلب على أمره أسر المقاومة وانتظر مع اليوم غدا يبلغ فيه مراده، ويحقق فيه قول الله سبحانه: {والذين إذا أصابهم البغي هم ينتصرون}. وقد هزم المسلمون أول تاريخهم في مكة وطردوا من ديارهم شر طردة، فرفضوا الاستسلام للبغي واشتبكوا مع عدوهم في حرب مرة وصابروا الليالي حتى تحقق لهم النصر. ومن الناس من يستوعر طريق الكفاح وينتهز الفرصة لقبول الأمر الواقع ولا يرى حرجا في الاستخذاء أمام عدوه حرصا على سلامته أو سلامة أهله. ولهؤلاء يقول الله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء تلقون إليهم بالمودة وقد كفروا بما جاءكم من الحق...}. إن من السقوط أن تلين لمن يريد قهرك ويحط قدرك! ويحقر دينك ويحاول فتنتك {إن يثقفوكم يكونوا لكم أعداء ويبسطوا إليكم أيديهم وألسنتهم بالسوء وودوا لو تكفرون}. ويقول أبو الطيب. ذل من يغبط الذليل بعيش رب عيش أخف منه الحمام واحتمال الأذى ورؤية جانيه غذاء تضوى به الأجسام والوفاء للعقائد والمبادئ يفرض الولاء لمن يواليها والبراءة ممن يعاديها واعتراض من يعترضها. كذلك فعل أتباع الأنبياء في جميع الأعصار. ولذلك يقول الله للمسلمين {قد كانت لكم أسوة حسنة في إبراهيم والذين معه إذ قالوا لقومهم إنا برآء منكم ومما تعبدون من دون الله كفرنا بكم وبدا بيننا وبينكم العداوة والبغضاء أبدا حتى تؤمنوا بالله وحده...}. والمسلمون بذلك لا يشترون الخصومة أو يجنحون إلى التهجم. إنهم يردون العدوان ويعلنون بقاءهم على دينهم إلى آخر رمق. وفي تحديد العلاقة بين المسلمين وأعدائهم في العقيدة، يقول الله تعالى: {لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين إنما ينهاكم الله عن الذين قاتلوكم في الدين وأخرجوكم من دياركم وظاهروا على إخراجكم أن تولوهم ومن يتولهم فأولئك هم الظالمون}. لقد رأينا العبث الشديد بالمواثيق الدولية، وبحقوق الإنسان، ورأينا ألوفا مؤلفة من المسلمين يغار عليهم، فيدعون بيوتهم لمن يسكنها ويعيشون هم في العراء عشرات السنين، فهل الرضا بذلك شرف؟ وهل الغضب لذلك تعصب ديني؟
( يتبع )



















مديح ال قطب 01-29-2021 11:33 AM











تابع – سورة الممتحنة
إن الله يحب العدل، فأين العدل في استضعاف المسلمين على هذا النحو الأثيم؟ الحق أن استنهاض الهمم عالميا لتغيير هذه الأوضاع عبادة لله، وإنصاف للبشر، واحترام للإنسانية. والدول الكبرى لا تهتم إلا بمصالحها الخاصة، ولا تكترث بما يصيب الآخرين! وهذا لا يجوز... ومن هنا كان الحب في الله والبغض في الله من عناصر الإيمان، فإذا أحببت جائرا لنفع يعود عليك أو كرهت عادلا لطمع لم يسقه إليك، فاتهم إيمانك! إن المشاعر المعتلة دليل إيمان مزيف. وقد ختمت السورة بما بدئت به من ضرورة التعصب للحق وحده والانحراف عن أهل الريبة والفسق {يا أيها الذين آمنوا لا تتولوا قوما غضب الله عليهم قد يئسوا من الآخرة كما يئس الكفار من أصحاب القبور}. وحدث في معاهدة الحديبية عندما أملى المشركون شروطهم على المسلمين أن فرضوا هذا البند الغريب: من ترك مكة مسلما لم يجز لأهل المدينة أن يستقبلوه مهاجرا معهم. ومن ترك المدينة مرتدا فلأهل مكة أن يؤمنوه ويطمئنوه!! وقد قبل الرسول صلى الله عليه وسلم هذه الجاهلية المتكبرة، وشاء الله أن يكون أهل مكة أول من يكوى بنارها ويسعى لإلغائها. لكن بعض النساء في مكة شرح الله صدورهن للإسلام فأين يذهبن؟ لقد نزل الوحي آذنا بقبولهن في المدينة، فلا مساغ لتشريدهن في الأرض {يا أيها الذين آمنوا إذا جاءكم المؤمنات مهاجرات فامتحنوهن الله أعلم بإيمانهن فإن علمتموهن مؤمنات فلا ترجعوهن إلى الكفار..}. ونلاحظ أن المسلمين أمروا بتعويض المشركين الذين آمنت نساؤهم، كما أن هناك نساء لحقن بأهل مكة مرتدات، فقال الله تعالى: {ولا تمسكوا بعصم الكوافر واسألوا ما أنفقتم وليسألوا ما أنفقوا ذلكم حكم الله يحكم بينكم}. وهذه تنظيمات عادلة تدل على روح الدين ولم يطل بها عهد، فسرعان ما فتحت مكة ودكت معاقل الوثنية وبنيت الأسر المسلمة على التوحيد الخالص. على أن الإسلام- كما تقرر في سورة المائدة أباح الزواج بالمحصنات من الكتابيات، وأين هن اليوم؟ إن الحضارة الحديثة قلما تعرف الإحصان، فقد غاضت في ربوعها مواريث النبوات الأولى... وانتهت سورة الممتحنة بهذا الميثاق: {يا أيها النبي إذا جاءك المؤمنات يبايعنك على أن لا يشركن بالله شيئا ولا يسرقن ولا يزنين ولا يقتلن أولادهن ولا يأتين ببهتان يفترينه بين أيديهن وأرجلهن ولا يعصينك في معروف فبايعهن واستغفر لهن الله...}. وقد بايع النبي النساء بعد فتح مكة، وكانت المبايعة شفوية لم يضع يده في يد واحدة منهن... إن الذي يقرأ قصة الحضارة لديورانت يعلم أن الجو الديني قد يذهب طهره كله بالعلاقة الفوضوية بين الرهبان والنساء، فمن الخير المباعدة بين أنفاس هؤلاء وأولئك، ولذلك حدد النبي صلاته بالنساء الأجنبيات تحديدا صارما، {ذلكم أطهر لقلوبكم وقلوبهن}.


فضل السّورة:
فيه من الأَحاديث الضعيفة حديث أُبي: «مَنْ قرأ سورة الممتحنة كان المؤمنون والمؤمنات له شفيعًا يوم القيامة».
وحديث علي: «يا علي مَنْ قرأها كان له بكلّ مؤمن ومؤمنة من الأَحياءِ والأَموات أَلفا حسنة، ورفع له أَلفا درجة، وله بكلّ آية قرأها مثلُ ثواب مَنْ يموت في طريق مكَّة».




( يتبع - سورة الصف )




















مديح ال قطب 01-29-2021 11:34 AM










سورة الصف

التعريف بالسورة

سورة مدنية .
من المفصل .
آياتها 14 .
ترتيبها الحادية والستون .
نزلت بعد التغابن .
بدأت بفعل ماضي " سَبَّحَ " وهو أحد أساليب الثناء والتسبيح
ذكر لفظ الجلالة في الآية الأولى واسم الله العزيز الحكيم .

سبب التسمية

سُميت ‏بهذا ‏الاسم ‏لوصف ‏الذي ‏يجب ‏أن ‏يكون ‏عليه ‏المسلمون ‏في ‏القتال ‏‏، ‏وهو ‏كونهم ‏على ‏صف ‏واحد ‏كالبنيان ‏المرصوص ‏‏، ‏وتسمى ‏أيضا ‏‏" ‏ الحوارين ‏‏" ‏و ‏‏" ‏عيسى ‏‎". ‎‏

سبب نزول السورة

1) عن عبد الله بن سلام قال : قعدنا نفر من أصحاب النبي وقلنا لو نعلم أي الأعمال أحب إلى الله تبارك وتعالى عملناه ، فأنزل الله تعالى ( سبح لله ما في السموات وما في الأرض وهو العزيز الحكيم ) إلى قوله ( إن الله يحب الذين يقاتلون في سبيله صفا ) إلى آخر السورة .. فقرأها علينا رسول الله .

2) قال المفسرون : كان المسلمون يقولون : " لو نعلم أحب الأعمال إلى الله تعالى لبذلنا فيه أموالنا وأنفسنا " فدلهم الله على أحب الأعمال إليه ، فقال : ( إن الله يحب الذين يقاتلون في سبيله صفا ) الآية ، فابتلوا يوما بذلك فولوا مدبرين ، فأنزل الله تعالى ( لم تقولون ما لا تفعلون ) .
محور مواضيع السورة

تعني السورة بالأحكام التشريعية وهذه السورة تتحدث عن موضع القتال وجهاد أعداء الله والتضحية في سبيل الله لإعزاز دينه وإعلاء كلمته وعن التجارة الرابحة التي بها سعادة المؤمن في الدنيا والآخرة ولكن المحور الذي تدور عليه السورة هو القتال ولهذا سميت سورة الصف .

مقصودها الحث على الاجتهاد التام في الاجتماع على قلب واحد في جهاد من دعت الممتحنة إلى البراءة منهم، بحملهم على الدين الحق، أو محقهم عن جديد الأرض أقصى المحق، تنزيها للملك الأعلى عن الشرك، وصيانة لجنابه الأقدس عن الإفك، ودلالة على الصدق في البراءة منهم والعداوة لهم، فهي نتيجة سورة التوبة، وأدل عما فيها على هذا المقصد الصف بتأمل آيته، وتدبر ما له من جليل النفع في أوله وأثنائه وغايته، وكذا الحواريون.

ومعظم مقصود السّورة تدور حول عتاب الذين يقولون أَقوالًا لا يعملون بمقتضاها، وتشريف صفوف الغُزَاة والمصلِّين، والتَّنبيهُ على جفاءِ بني إسرائيل، وإِظهار دِين المصطفى على سائر الأَديان، وبيان التجارة الرّابحة مع الرّحيم الرّحمن، والبشارة بنصر أَهل الإِيمان، على أَهل الكفر والخِذلان، وغلبة بني إسرائيل على أَعدائهم ذوى العُدْوان، في قوله: {فَأَصْبَحُواْ ظَاهِرِينَ}.


محور مواضيع السورة

قال ابن عاشور:

اشتهرت هذه السورة باسم (سورة الصَّف) وكذلك سميت في عصر الصحابة.
روى ابن أبي حاتم سنده إلى عبد الله بن سَلاَم أن نَاسًا قالوا: «لو أرسلنا إلى رسول الله نسأله عن أحب الأعمال» إلى أن قال: «فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم أولئك النفَرَ حتى جمعهم ونزلتْ فيهم سورة سبح لله الصّف» الحديث، رواه ابن كثير، وبذلك عنونت في (صحيح البخاري) وفي (جامع الترمذي)، وكذلك كتب اسمها في المصاحِف وفي كتب التفسير.

ووجه التسمية وقوع لفظ {صَفًّا} (الصف: 4) فيها وهو صف القتال، فالتعريف باللام تعريف العهد.

وذكر السيوطي في (الإِتقان): أنها تسمّى (سورة الحواريين) ولم يسنده. وقال الألوسي تسمّى (سورة عِيسى) ولم أقف على نسبته لقائل. وأصله للطبرسي فلعلّه أخذ من حديث رواه في فضلها عن أبيّ بن كعب بلفظ (سورة عيسى). وهو حديث موسوم بأنه موضوع. والطبرسي يكثر من تخريج الأحاديث الموضوعة.


فتسميتها (سورة الحواريين) لذكر الحواريين فيها. ولعلّها أول سورة نزلت ذكر فيها لفظ الحواريين.

وإذا ثبت تسميتها (سورة عيسى) فلِما فيها من ذكر {عيسى} (الصف: 6 و14) مرتين.

وهي مدنية عند الجمهور كما يشهد لذلك حديث عبد الله بن سَلاَم. وعن ابن عباس ومجاهد وعطاء أنها مكية ودرج عليه في (الكشاف) والفخر.

وقال ابن عطية: الأصح أنها مدنية ويشبه أن يكون فيها المكيّ.
واختلف في سبب نزولها وهل نزلت متتابعة أو متفرقة متلاحقة.

قال سيد قطب:

هذه السورة تستهدف أمرين أساسيين واضحين في سياقها كل الوضوح، إلى جانب الإشارات والتلميحات الفرعية التي يمكن إرجاعها إلى ذينك الأمرين الأساسيين:

تستهدف أولا أن تقرر في ضمير المسلم أن دينه هو المنهج الإلهي للبشرية في صورته الأخيرة، سبقته صور منه تناسب أطوارا معينة في تاريخ البشرية، وسبقته تجارب في حياة الرسل وحياة الجماعات، تمهد كلها لهذه الصورة الأخيرة من الدين الواحد، الذي أراد الله أن يكون خاتمة الرسالات. وأن يظهره على الدين كله في الأرض..

ومن ثم يذكر رسالة موسى ليقرر أن قومه الذين أرسل إليهم آذوه وانحرفوا عن رسالته فضلوا، ولم يعودوا أمناء على دين الله في الأرض: {وإذ قال موسى لقومه يا قوم لم تؤذونني وقد تعلمون أني رسول الله إليكم فلما زاغوا أزاغ الله قلوبهم والله لا يهدي القوم الفاسقين}.. وإذن فقد انتهت قوامة قوم موسى على دين الله؛ فلم يعودوا أمناء عليه، مذ زاغوا فأزاغ الله قلوبهم، ومذ ضلوا فأضلهم الله والله لا يهدي القوم الفاسقين.

ويذكر رسالة عيسى ليقرر أنه جاء امتدادا لرسالة موسى، ومصدقا لما بين يديه من التوراة، وممهدا للرسالة الأخيرة ومبشرا برسولها؛ ووصلة بين الدين الكتابي الأول والدين الكتابي الأخير: وإذ قال عيسى ابن مريم: يا بني إسرائيل إني رسول الله إليكم، مصدقا لما بين يدي من التوراة، ومبشرا برسول يأتي من بعدي اسمه أحمد.. وإذن فقد جاء ليسلم أمانة الدين الإلهي التي حملها بعد موسى إلى الرسول الذي يبشر به.

وكان مقررا في علم الله وتقديره أن تنتهي هذه الخطوات إلى قرار ثابت دائم، وأن يستقر دين الله في الأرض في صورته الأخيرة على يدي رسوله الأخير: {هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون}.


إن الهدف الأول الواضح في السورة يقوم عليه الهدف الثاني. فإن شعور المسلم بهذه الحقيقة، وإدراكه لقصة العقيدة، ولنصيبه هو من أمانتها في الأرض.. يستتبع شعوره بتكاليف هذه الأمانة شعورا يدفعه إلى صدق النية في الجهاد لإظهار دينه على الدين كله- كما أراد الله- وعدم التردد بين القول والفعل؛ ويقبح أن يعلن المؤمن الرغبة في الجهاد ثم ينكص عنه، كما يبدو أنه حدث من فريق من المسلمين كما تذكر الروايات.. ومن ثم يجيء في مطلع السورة بعد إعلان تسبيح الكون وما فيه لله.. {يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون كبر مقتا عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون إن الله يحب الذين يقاتلون في سبيله صفا كأنهم بنيان مرصوص}.

ثم يدعوهم في وسط السورة إلى أربح تجارة في الدنيا والآخرة: {يا أيها الذين آمنوا هل أدلكم على تجارة تنجيكم من عذاب أليم تؤمنون بالله ورسوله وتجاهدون في سبيل الله بأموالكم وأنفسكم ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون يغفر لكم ذنوبكم ويدخلكم جنات تجري من تحتها الأنهار ومساكن طيبة في جنات عدن ذلك الفوز العظيم وأخرى تحبونها نصر من الله وفتح قريب وبشر المؤمنين}.

ثم يختم السورة بنداء أخير للذين آمنوا، ليكونوا أنصار الله كما كان الحواريون أصحاب عيسى أنصاره إلى الله، على الرغم من تكذيب بني إسرائيل به وعدائهم لله: {يا أيها الذين آمنوا كونوا أنصار الله كما قال عيسى ابن مريم للحواريين من أنصاري إلى الله قال الحواريون نحن أنصار الله فآمنت طائفة من بني إسرائيل وكفرت طائفة فأيدنا الذين آمنوا على عدوهم فأصبحوا ظاهرين}..

هذان الخطان واضحان في السورة كل الوضوح، يستغرقان كل نصوصها تقريبا. فلا يبقى إلا التنديد بالمكذبين بالرسالة الأخيرة- وهذه قصتها وهذه غايتها- وهذا التنديد متصل دائما بالخطين الأساسيين فيها. وذلك قول الله تعالى، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد ذكر تبشير عيسى- عليه السلام- به: {فلما جاءهم بالبينات قالوا هذا سحر مبين ومن أظلم ممن افترى على الله الكذب وهو يدعى إلى الإسلام والله لا يهدي القوم الظالمين يريدون ليطفئوا نور الله بأفواههم والله متم نوره ولو كره الكافرون}..

وفيه يتضح في ضمير المسلم أن دينه هو دين الله في صورته الأخيرة في الأرض؛ وأن أمانة العقيدة في البشرية كلها موكولة إليه؛ يعلم أنه مكلف أن يجاهد في سبيل الله، كما يحب الله؛ ويتضح طريقه، فلا يبقى في تصوره غبش، ولا يبقى في حياته مجال للتمتمة والغمغمة في هذه القضية، أو للتردد والتلفت عن الهدف المرسوم والنصيب المقسوم في علم الله وتقديره منذ بعيد.

وفي أثناء توجيهه إلى هذا الهدف الواضح يوجه كذلك إلى خلق المسلم وطبيعة ضميره. وهو أن لا يقول ما لا يفعل، وألا يختلف له قول وفعل، ولا ظاهر وباطن، ولا سريرة وعلانية. وأن يكون هو نفسه في كل حال. متجردا لله. خالصا لدعوته. صريحا في قوله وفعله. ثابت الخطو في طريقه. متضامنا مع إخوانه. كالبنيان المرصوص. .

قال الصابوني:

* سورة الصف هي إحدى السور المدنية، التي تعنى بالأحكام التشريعية، وهذه السورة تتحدث عن موضوع (القتال) وجهاد أعداء الله، والتضحية في سبيل الله، لإعزاز دينه، وإعلاء كلمته، وعن التجارة الرابحة التي بها سعادة المؤمن في الدنيا والآخرة، ولكن المحور الذي تدور عليه السورة هو (القتال والجهاد لإعلاء كلمة الله) ولهذا سميت سورة الصف، لأن المراد به اصطفاف المجاهدين للحرب.

* ابتدأت السورة الكريمة- بعد تسبيح الله وتمجيده- بتحذير المؤمنين من إخلاف الوعد، وعدم الوفاء بما التزموا به {سبح لله ما في السموات وما في الأرض وهو العزيز الحكيم يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون}.

* ثم تحدثت عن قتال أعداء الله بشجاعة المؤمن وبسالته، لأنه يقاتل من أجل غرض نبيل، وهو رفع منار الحق، وإعلاء كلمة الله {إن الله يحب الذين يقاتلون في سبيله صفا كأنهم بنيان مرصوص}.

* وتناولت السورة بعد ذلك موقف اليهود من دعوة (موسى وعيسى) عليهما السلام، وما أصابهما من الأذى في سبيل الله، وذلك تسلية لرسول الله صلى الله عليه وسلم فيما ناله من كفار مكة {وإذ قال موسى لقومه يا قوم لم تؤذونني..} الآيات.

* وتحدثت السورة عن سنة الله في نصرة دينه، وأنبيائه، وأوليائه، وضربت المثل للمشركين في عزمهم على محاربة دين الله، بمن يريد إطفاء نور الشمس بفمه الصغير الحقير {يريدون ليطفئوا نور الله بأفواههم والله متم نوره ولو كره الكافرون}.

* ودعت السورة المؤمنين إلى التجارة الرابحة، وحرضتهم على الجهاد في سبيل الله، بالنفس والنفيس، لينالوا السعادة الدائمة الكبيرة، مع النصرة العاجلة في الدنيا، وخاطبتهم بأسلوب الترغيب والتشويق {يا أيها الذين آمنوا هل أدلكم على تجارة تنجيكم من عذاب أليم تؤمنون بالله ورسوله وتجاهدون في سبيل الله..} الآيات.

* وختمت السورة بدعوة أهل الإيمان إلى نصرة (دين الرحمن)، كما فعل الحواريون أصحاب عيسى، حين دعاهم إلى نصرة دين الله، فاستجابوا ونصروا الحق والرسول يا أيها الذين آمنوا كونوا أنصار الله كما قال عيسى ابن مريم للحواريين من أنصاري إلى الله قال الحواريون نحن أنصار الله فآمنت طائفة من بني إسرائيل وكفرت طائفة فأيدنا الذين آمنوا على عدوهم فأصبحوا ظاهرين. وهكذا يتناسق البدء مع الختام في أبدع بيان وإحكام.

( يتبع )





















مديح ال قطب 01-29-2021 11:34 AM











تابع – سورة الصف

محور مواضيع السورة

قال محمد الغزالي:

الرسالات الكبرى تحتاج في نصرتها وحمايتها إلى الجد والصدق، ولا يصلح في مساندتها أهل الكلام والدعوى، ولا الجبناء الذين إذا كلفوا بالجهاد تدور أعينهم كالذي يغشى عليه من الموت! إن المبطلين وأصحاب الأهواء لديهم جراءة في خدمة ما يعتنقون، ولن يستطيع قهرهم إلا مؤمنون شداد يستميتون في دعم الحق، ويرخصون في سبيله النفس والمال، ويتراصون في مواجهة العدو، كلما استشهد بطل حل مكانه آخر. {ذلك ولو يشاء الله لانتصر منهم ولكن ليبلو بعضكم ببعض}.

أما الكلام المرسل والصياح العالي، فلا يجديان في بلوغ غاية. ولذلك عوتب المؤمنون الذين لا يرتفعون إلى هذا المستوى {يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون كبر مقتا عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون}.

إن المؤمن عندما يتفانى في مرضاة ربه، يتجاوب مع كل شيء في الكون يسبح بحمد ربه. أما المقصر العاصي، فهو شذوذ في الكون وخروج على قاعدة الطاعة، ولذلك افتتحت سورة الصف بهذه الآية. {سبح لله ما في السماوات وما في الأرض وهو العزيز الحكيم}.

ثم وقع بعد ذلك التوبيخ، وذكرت الأمم التي لم تصدق الله، بل حادت الله ورسله. وأول هذه الأمم اليهود الذين آذوا موسى وأتعبوه وفقدوا الشجاعة في مقاتلة عدوه، وسرعان ما ضيعوا الكتاب الذي نزل عليهم. {وإذ قال موسى لقومه يا قوم لم تؤذونني وقد تعلمون أني رسول الله إليكم فلما زاغوا أزاغ الله قلوبهم}.


وخذلان أي نبي يكون بالزهد في تعاليمه والجزع من لقاء عدوه.. ثم ذكرت السورة عيسى وقومه.. فبينت أن عيسى عليه السلام صاحب رسالة محدودة الزمان والمكان، فهو مبعوث إلى خراف بني إسرائيل الضالة، يربطها بالتوراة التي تمردت عليها، ويعالج أمراضها النفسية والاجتماعية، ويمهد لنبوة عامة تهدى البشر كلهم إلى الله الواحد.. {وإذ قال عيسى ابن مريم يا بني إسرائيل إني رسول الله إليكم مصدقا لما بين يدي من التوراة ومبشرا برسول يأتي من بعدي اسمه أحمد...}.


محور مواضيع السورة :

عندما ننظر في الكتب التي ألفها تلامذة عيسى، والتي سقيت تجوزا أناجيل، نجد كلمات جديرة بأن نقف عندها متأملين. ففي إنجيل متى في الإصحاح الرابع والعشرين يقول عيسى عليه السلام.... ويقوم أنبياء كذبة كثيرون، ويضلون كثيرا، ولكن الذي يصير إلى المنتهى فهذا يخلص ويكرز- أي يدعو- ببشارة الملكوت هذه، في كل المسكونة، شهادة لجميع الأمم ثم يكون المنتهى... ونتساءل: من هذا الذي يدعو الملكوت ويعرض نفسه على العالم أجمع ويبقى حتى نهاية العالم؟ هل عرفت هذه الصفات لشخص آخر غير محمد؟ وفي إنجيل يوحنا في الإصحاح الرابع عشر إن كنتم تحبونني فاحفظوا وصاياي، وأنا أطلب من الأب فيعطيكم فارقليط آخر يثبت معكم إلى الأبد. وهذه كلمة يونانية تعنى الرحيم الذي يدافع الأحزان! فمن هو هذا القادم الذي تبقى رسالته إلى الأبد؟ إنني أتبع محمدا لأن كتابه تجاوب مع ضميري! إنني عرفت الله بعقلي بعدما نظرت في نفسي وفي آفاق العالم الذي يضمني وسائر البشر. وإذا كان كتاب محمد لا يصلح دليلا على رسالته، فلن يصح في الأذهان شيء، ولن تصدق رسالة بشر!! والنبوءات التي تشير إلى صدق محمد قد تخدم أصحابها، أما محمد نفسه فحسبه كتابه وسيرته.. {ومن أظلم ممن افترى على الله الكذب وهو يدعى إلى الإسلام والله لا يهدي القوم الظالمين يريدون ليطفئوا نور الله بأفواههم والله متم نوره ولو كره الكافرون}.

إن العقل أثمن ما وهب الله للناس، والإيمان الذي يقوم على تخدير العقل أو تمويته لا وزن له ولا خير فيه، ولكن جماهير غفيرة تنحى العقل جانبا ثم تتكلم، فكيف نسمع لها؟

ختمت السورة بمعنيين كريمين يصدقان ما بدئت به: الأول أن الحياة إيمان وجهاد {تؤمنون بالله ورسوله وتجاهدون في سبيل الله بأموالكم وأنفسكم}.


وقد اقتبس شوقي هذا المعنى في قوله:
قف دون رأيك في الحياة مجاهدا ** إن الحياة عقيدة وجهاد!

أما الثاني فهو استعداد المؤمن في كل موطن لنصرة الله وإعلاء كلمته. إنه يمشى في دروب الحياة مصيخا السمع، فإذا بلغته صيحة تدعو إلى الله هرع إليها ولبى صاحبها وكان رجع الصدى، كما نصدق المؤذن عندما يشق بصوته أجواز الفضاء داعيا إلى الصلاة. وقد اعتمد عيسى على هذا التأييد عندما رأى اليهود يرتابون فيه وينصرفون عنه فصاح: {من أنصاري إلى الله قال الحواريون نحن أنصار الله}! وحواريو عيسى كأصحاب محمد، ككل متجرد للحق يؤنس وحشته ويرفع رايته، هم أمل الرسالات في قيامها وبقائها. والإسلام في هذا العصر بحاجة إلى أن نفهم هذه الآية في ختام سورة الصف: {يا أيها الذين آمنوا كونوا أنصار الله...}.

والخلاصة أن السورة تناولت مايلي :

1- ابتدأت بعد تسبيحه تعالى بتحذير المؤمنين من إخلاف الوعد ،كما تحدثت عن قتال أعداء الله حثّاً للمؤمنين على القتال بشجاعة وبسالة لأنهم يقاتلون في سبيل إعلاء كلمة الله ، من قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ .. {1}) إلى قوله تعالى : (إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفّاً كَأَنَّهُم بُنيَانٌ مَّرْصُوصٌ {4})

2- تناولت موقف اليهود من دعوة موسى وعيسى عليهما السلام ، و ما أصابهما من أذى تسلية لرسول الله صلى الله عليه وسلم فيما ناله من كفار مكة ، قال تعالى: (وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ لِمَ تُؤْذُونَنِي... {5}) إلى قوله تعالى : ( ... وَهُوَ يُدْعَى إِلَى الْإِسْلَامِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ {7}) .

3- تحدثت عن سنـته تعالى في نصرة دينه ، و مثلت المشركين بمن يريد إطفاء نور الشمس بفمه ، والله متم نوره رغما عنهم ، من قوله تعالى : (يُرِيدُونَ لِيُطْفِؤُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ {8} هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ {9}) .

4- دعت المؤمنين للتجارة الرابحة وحرضتهم على الجهاد في سبيل الله بالنفس والنفيس لينالوا السعادة الدائمة ، قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنجِيكُم مِّنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ ... {10}) إلى قوله تعالى : (وَأُخْرَى تُحِبُّونَهَا نَصْرٌ مِّنَ اللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ {13})

5- ختمت بدعوة أهل الإيمان إلى نصرة دين الرحمن كما فعل الحوارييون عندما نصروا عيسى عليه السلام، قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُونوا أَنصَارَ اللَّهِ كَمَا قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ لِلْحَوَارِيِّينَ مَنْ أَنصَارِي إِلَى اللَّهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنصَارُ اللَّهِ فَآَمَنَت طَّائِفَةٌ مِّن بَنِي إِسْرَائِيلَ وَكَفَرَت طَّائِفَةٌ فَأَيَّدْنَا الَّذِينَ آَمَنُوا عَلَى عَدُوِّهِمْ فَأَصْبَحُوا ظَاهِرِينَ {14}‏).


( يتبع - سورة الجمعة )




















الساعة الآن 11:03 PM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
new notificatio by 9adq_ala7sas
User Alert System provided by Advanced User Tagging (Lite) - vBulletin Mods & Addons Copyright © 2025 DragonByte Technologies Ltd.

 ملاحظة: كل مايكتب في هذا المنتدى لا يعبر عن رأي إدارة الموقع أو الأعضاء بل يعبر عن رأي كاتبه فقط

دعم وتطوير نواف كلك غلا