لماذا أكتب؟ لماذا أرشق ظهر الغياب الصلب بالحروف البالية؟
لأني أحس الآن أكثر من أي وقتٍ مضى, أن الحياة قصيرة, أن هذه الحياة قصيرة جدًا على أن لا أكتب. قصيرة على أن أدع الكبرياء يكبح حديثي الذي خرج ممتطيًا صهوة قبحه الخالص
لأني خائف. أحدّق في طريقي المتروس بالزجاج المسحوق. وكتائب القلق تتكالب فوق رأسي بطريقة مفجعة, أقف بين ركام التساؤلات صامدًا كالبارودة, صامدًا كالذاكرة التي لم يعوّذني من وعثاءها أحد
لأني خائف من كوني أمضيت العامين المنصرمين أحلم, أتجلد, أتقشف, وأتهاوى ثم أسقط واقفًا على قصة ليست حقيقية. وترديدي طوال العامين اللذين مرّو بسرعة النصل من عمري "هذا أجمل من أن يكون حقيقة" لا يغني ولا يسمن من خيبة.
لأني خائف. وأريد أن أراها, ألمسها, أتأكد لآخر مرة أن حضنها الذي أجوعه في كل مرة ينهش الخواء جوفي موجود وحقيقيّ. حقيقيّ وأسئلتي.. تطن كالسياط من فمي. حقيقيّ كغياب رفيقي الأحمق, والموت.. والكتابة
المعضلة الآن أني لا أستطيع التذكر ولا الإجابة على أسئلة نفسي الملحاحة, إني خائف. وأشعر أن ضباب هذه المدينة تراكم على وجهها. وأن ضحكتها اليانعة, أصبحت كهلة, متجعدة.
غنائها المبتور, يستفز جشعي. إني خائف, ويستفزني الخوف بلا مبرر. شحوبها الجميل يستفزني. أطرافها الزرقاء تستفزني, وفستانها الأبيض الفضفاض يستفزني
إني خائف. وضائع بين الإحتمالات. كلها تضخّم خوفي.. أشعر بي أتقزّم أمام التساؤلات، تحوم حولي كالفراش المبثوث. وأفقد كل شيء.. إلا شحّ الأجوبة
كنت أعلم أنها حين تكون ماضٍ ستكون موجعة – الى حد ما- لكنّي لم أتوقع أبدًا, أبدًا. أن تحيلني الى مادة شديدة الهشاشة, قابلة للطرق والسحب والانصهار
وأضحك. لأني لا أريد من هذا العالم أن يذرف دمعتين بائستين علي. لأني أنفث حياتي المقفرة -وفي الحقيقة- لا أعلم هل أنفثها أنا أم هي التي تنفثني. لأني بهذه الصورة البسيطة الموحشة: أحتاجك. لا لتدرأ خوفي, ولا لتربت على قلبي المهرهر, بل.. لتضحك معي.