12-05-2019, 02:47 PM
|
|
|
لوني المفضل
White
|
رقم العضوية : 1482 |
تاريخ التسجيل : 27-05-2018 |
فترة الأقامة : 2536 يوم |
أخر زيارة : اليوم (03:54 PM) |
العمر : 29 |
المشاركات :
111,575 [
+
]
|
التقييم :
40336 |
معدل التقييم :
 |
بيانات اضافيه [
+
] |
|
|
|
"احفظ الله يحفظك" (2)..
ظلال حديث:
"احفظ الله يحفظك"
(2)
من أعظم ما يحفظ الصلاة: الخشوعُ فيها.
عرَفنا في المقال السابق - ونحن نتفيأ ظلال حديث احفظ الله يحفظك - أن من أعظم ما يستوجب حفظَ العبد المؤمن لربه أن يحفظ صلاتَه التي بها قوامُ هذا الدين، واستقامةُ أخلاق العابدين، وأن هذا الحفظ يقتضي أداءها على وجهها، وفي أوقاتها، وبحضور القلب فيها، والإقبال على الله في حركاتها وسكناتها، وأنها الصلاة النافعة، التي تنهى فعلًا عن الفحشاء والمنكر.
لكن، ما السبيل إلى اعتياد مثل هذه الصلاة السليمة النافعة التي تؤثِّر في الجوارح، وتطهِّر القلب، وتزكِّي النفس؟ إنها الصلاة الخاشعة لله، الخاضعة بالأركان لجلال الله، التي يحس معها المؤمن أنه انتقل بتكبيرة الإحرام من وهدة الدنيا ومشاغلها، إلى أشواق الروح التي تعلقت بربها، فلا ترى إلا جلاله، ولا تطمع في غير جنته.
قال صاحب اللسان: "خشع يخشع خشوعًا، رمى ببصره نحو الأرض، وغضَّه، وخفض صوته، وقيل: الخشوع قريب من الخضوع، إلا أن الخضوع في البدن، والخشوع في البدن، والصوت، والبصر؛ كقوله تعالى: ﴿ وَخَشَعَتِ الْأَصْوَاتُ لِلرَّحْمَنِ فَلَا تَسْمَعُ إِلَّا هَمْسًا ﴾ [طه: 108]؛ أي: سكنت، وكل ساكن خاضع خاشع".
وفي الاصطلاح: قال ابن القيم رحمه الله: "الخشوع: قيام القلب بين يدي الرب بالخُضُوع والذُّلِّ".
وقال ابن رجب رحمه الله: "وأصل الخشوع: هو لين القلب ورقته، وسكونه، وخضوعه، وانكساره، وحرقته، فإذا خشع القلب، تبعه خشوع جميع الجوارح والأعضاء؛ لأنها تابعة له"، وهو الموصوف في دعاء النبي صلى الله عليه وسلم في ركوعه في الصلاة: "اللَّهُمَّ لَكَ رَكَعْتُ، وَبِكَ آمَنْتُ، وَلَكَ أَسْلَمْتُ، خَشَعَ لَكَ سَمْعِي، وَبَصَرِي، وَمُخِّي، وَعَظْمِي، وَعَصَبِي"؛ مسلم.
وهذه حقيقة الخشوع التي تنافي ما يفعله البعض من التخاشع الذي تظهر فيه الجوارح خاشعة، والأعضاء خاضعة، والرقاب مطأطئة، ولكن القلب لاه غافل.
قال ابن القيم رحمه الله: "وقال بعض العارفين: حسن أدب الظاهر، عنوان أدب الباطن، ورأى عمر بن الخطاب رضي الله عنه رجلًا طأطأ رقبته في الصلاة، فقال: (يا صاحب الرقبة، ارفع رقبتك، ليس الخشوع في الرقاب، إنما الخشوع في القلوب)".
ورأت عائشة رضي الله عنها شبابًا يمشون ويتماوتون في مشيتهم، فقالت لأصحابها: "من هؤلاء؟"، قالوا: نُسَّاك (أي عُبَّاد)، فقالت: "كان عمر بن الخطاب إذا مشى أسرع، وإذا قال أسمع، وإذا ضرب أوجع، وإذا أطعم أشبع، وكان هو الناسكَ حقًّا".
وقال الفضيل رحمه الله: "كان يُكْرَهُ أن يُرِيَ الرجلُ من الخشوع أكثر مما في قلبه".
فكان لا بد من مِران القلب على الحضور في الصلاة، في قيامها، وركوعها، وسجودها، ودعائها، حتى يكون الواحد منا مقيمًا فعلًا للصلاة، وليس مجرد مصلٍّ.
فعن جُبَير بن نُفَير عن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: كُنَّا مَعَ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم، فَشَخَصَ بِبَصَرِهِ إِلَى السَّمَاءِ، ثُمَّ قَالَ: "هَذَا أَوَانُ يُخْتَلَسُ الْعِلْمُ مِنَ النَّاسِ، حَتَّى لَا يَقْدِرُوا مِنْهُ عَلَى شَيْءٍ"، فَقَالَ زِيَادُ بْنُ لَبِيدٍ الْأَنْصَارِيُّ رضي الله عنه: كَيْفَ يُخْتَلَسُ مِنَّا، وَقَدْ قَرَأْنَا الْقُرْآنَ؟ فَوَالله لَنَقْرَأَنَّهُ، وَلَنُقْرِئَنَّهُ نِسَاءَنَا وَأَبْنَاءَنَا، فَقَالَ: "ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ يَا زِيَادُ، إِنْ كُنْتُ لَأَعُدُّكَ مِنْ فُقَهَاءِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ؛ هَذِهِ التَّوْرَاةُ وَالْإِنْجِيلُ عِنْدَ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى، فَمَاذَا تُغْنِي عَنْهُمْ؟"، قَالَ جُبَيْرٌ: فَلَقِيتُ عُبَادَةَ بْنَ الصَّامِتِ، فَقُلْتُ: أَلَا تَسْمَعُ مَا يَقُولُ أَخُوكَ أَبُو الدَّرْدَاءِ؟ فَأَخْبَرْتُهُ بِالَّذِي قَالَ أَبُو الدَّرْدَاءِ، قَالَ: صَدَقَ أَبُو الدَّرْدَاءِ، إِنْ شِئْتَ لَأُحَدِّثَنَّكَ بِأَوَّلِ عِلْمٍ يُرْفَعُ مِنْ النَّاسِ: الْخُشُوعُ، يُوشِكُ أَنْ تَدْخُلَ مَسْجِدَ الجَامِعِ، فَلَا تَرَى فِيهِ رَجُلًا خَاشِعًا"؛ ص. سنن الترمذي.
وفي ذلك إيماء إلى حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أوَّلُ شَيءٍ يرفعُ مِن هذِهِ الأمَّةِ الخُشوعُ، حتى لا تَرى فيها خاشِعًا"؛ ص. الجامع.
وقال حذيفة رضي الله عنه: "أول ما تفقدون من دينكم الخشوع، وآخر ما تفقدون من دينكم الصلاة، ورُبَّ مُصَلٍّ لا خير فيه، ويوشك أن تدخل مسجد الجماعة، فلا ترى فيهم خاشعًا".
فعلى كل واحد منا أن يتحسس مواطن تأثير الصلاة على جوارحه، وأعماله، وأقواله، وعلاقاته، فإن لم يجد أثرًا، فليعد النظر في صلاته التي هي رأس ماله على الحقيقة؛ قال ابن القيم رحمه الله: "مُجْلِبَةٌ لِلرِّزْقِ، حَافِظَةٌ لِلصِّحَّةِ، دَافِعَةٌ لِلْأَذَى، مُطْرِدَةٌ لِلْأَدْوَاءِ، مُقَوِّيَةٌ لِلْقَلْبِ، مُبَيِّضَةٌ لِلْوَجْهِ، مُفْرِحَةٌ لِلنَّفْسِ، مُذْهِبَةٌ لِلْكَسَلِ، مُنَشِّطَةٌ لِلْجَوَارِحِ، مُمِدَّةٌ لِلْقُوَى، شَارِحَةٌ لِلصَّدْرِ، مُغَذِّيَةٌ لِلرُّوحِ، مُنَوِّرَةٌ لِلْقَلْبِ، حَافِظَةٌ لِلنِّعْمَةِ، دَافِعَةٌ لِلنِّقْمَةِ، جَالِبَةٌ لِلْبَرَكَةِ، مُبْعِدَةٌ مِنَ الشَّيْطَانِ، مُقَرِّبَةٌ مِنَ الرَّحْمَنِ".
لقد علمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الصلاة رأس مال العبد، وأن الحفاظ عليها لا يقل أهمية عن الحفاظ على العلائق الثمينة، والمعادن النفيسة، بل الحفاظ عليها أشد، ومن أعظم ما فيها أن الله تعالى ينصب وجهه لوجه عبده في صلاته؛ قال صلى الله عليه وسلم: "إِنَّ اللهَ أَمَرَكُمْ بِالصَّلاَةِ، فَإِذَا صَلَّيْتُمْ فَلاَ تَلْتَفِتُوا، فَإِنَّ اللهَ يَنْصِبُ وَجْهَهُ لِوَجْهِ عَبْدِهِ فِي صَلاَتِهِ مَا لَمْ يَلْتَفِتْ"؛ ص. سنن الترمذي، وقال صلى الله عليه وسلم: "لاَ يَزَالُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ مُقْبِلًا عَلَى الْعَبْدِ وَهُوَ فِي صَلاَتِهِ مَا لَمْ يَلْتَفِتْ، فَإِذَا الْتَفَتَ انْصَرَفَ عَنْهُ" ص. سنن ابن ماجه.
قال ابن القيم رحمه الله: "الالتفات المنهيُّ عنه في الصلاة قسمان: أحدهما: التفات القلب عن الله عز وجل إلى غير الله تعالى، والثاني: التفات البصر، وكلاهما منهي عنه".
فكان على المسلم أن يحرص على أن يظفر بأجر صلاته كاملًا، وأن يجتهد في أن يغالب النفس والشيطان؛ حتى لا يسرقا من صلاته شيئًا، فالمرء لا يكتب له من صلاته إلا ما عقل منها؛ كما قال ابن عباس رضي الله عنهما؛ يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إِنَّ الْعَبْدَ لَيُصَلِّي الصَّلاَةَ مَا يُكْتَبُ لَهُ مِنْهَا إِلاَّ عُشُرُهَا، تُسُعُهَا، ثُمُنُهَا، سُبُعُهَا، سُدُسُهَا، خُمُسُهَا، رُبُعُهَا، ثُلُثُهَا، نِصْفُهَا"؛ ص. سنن أبي داود.
قال ابن القيم رحمه الله: "فصلاةٌ بلا خشوعٍ ولا حضور، كبدنٍ ميِّتٍ لا روح فيه"، ولذلك كان النبي صلى الله عليه وسلم يدعو الله ويسأله القلب الخاشع الحاضر ويقول: "اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ عِلْمٍ لَا يَنْفَعُ، وَمِنْ قَلْبٍ لَا يَخْشَعُ، وَمِنْ نَفْسٍ لَا تَشْبَعُ، وَمِنْ دَعْوَةٍ لَا يُسْتَجَابُ لَهَا"؛ مسلم.
وقال حسان بن عطية: "إن الرجلين ليكونان في الصلاة الواحدة، وإن ما بينهما في الفضل كما بين السماء والأرض، وذلك أن أحدهما مقبل بقلبه على الله عز وجل، والآخر ساهٍ غافل".
متى يا قلب تأنس بالصلاه 
وتنسى عندها همَّ الحياه 
أيعقل أن تصليَ كل حين 
وتغرقَ في بحار اﻷمنيات؟ 
فلا تدري إذا صليتَ ماذا 
ولا كم قد ركعتَ بذي الغداه 
تصلي كي تُريحَ النفس فيها 
وﻻ ترتاح فيها من شتات
|