01-26-2021, 02:45 PM
|
#80
|
بيانات اضافيه [
+
]
|
رقم العضوية : 1751
|
تاريخ التسجيل : 06-03-2020
|
أخر زيارة : 08-13-2021 (12:56 PM)
|
المشاركات :
34,369 [
+
] |
التقييم : 22241
|
الدولهـ
|
الجنس ~
|
|
لوني المفضل : Coral
|
|
تابع – سورة الأحقاف
محور مواضيع السورة :
2- الفطرة السليمة والفطرة السقيمة
يحتوي المقطع الثاني على ست آيات هي الآيات [15- 20] ، وفيها حديث عن الفطرة في استقامتها وفي انحرافها، وفيما تنتهي إليه حين تستقيم، وما تنتهي إليه حين تنحرف.
يبدأ بالوصيّة بالوالدين، وكثيرا ما ترد الوصيّة بالوالدين لاحقة للكلام عن العقيدة، لبيان أهمية الأسرة والعمل على ترابطها، وتذكير الإنسان بأصل نعمته ورعايته. وتذكّرنا الآيات بجهود الأم وفضلها في الحمل والولادة والرضاع.
«إنّ البويضة بمجرد تلقيحها بالخلية المنوية، تسعى للالتصاق بجدار الرحم وهي مزوّدة بخاصّية تمزيق جدار الرحم الذي تلتصق به، فيتوارد دم الأم الى موضعها حيث تسبح هذه البويضة دائما في بركة من دم الأم الغني بكل ما في جسمها من خلاصات، وتمتصّه لتحيا به وتنمو وهي دائمة الأكل لجدار الرحم، دائمة الامتصاص لمادة الحياة، والأم المسكينة تأكل وتشرب، وتهضم وتمتص، لتصبّ هذا كلّه دما نقيا غنيا لهذه البويضة الشرهة النهمة الأكول.
وفي فترة تكوين عظام الجنين يشتد امتصاصه للجير من دم الأم فتفتقر الى الجير، ذلك أنها تعطي محلول عظامها في الدم ليقوم به هيكل هذا الصغير، وهذا كله قليل من كثير.
ثم الوضع وهو عملية شاقة، ممزّقة، ولكن آلامها الهائلة كلّها لا تقف في وجه الفطرة، ولا تنسى الأم حلاوة الثمرة، ثمرة تلبية الفطرة، ومنح الحياة نبتة جديدة تفيض وتمتدّ، بينما هي تذوي وتموت.
ثم الرضاع والرعاية، حيث تعطي الأم عصارة لحمها وعظمها في اللبن، وعصارة قلبها وأعصابها في الرعاية، وهي، مع هذا وذلك، فرحة سعيدة، رحيمة ودود. لا تملّ أبدا، ولا تراها كارهة لتعب هذا الوليد، وأكبر ما تتطلع إليه من جزاء: أن تراه يسلم وينمو، فهذا هو جزاؤها الحبيب الوحيد» «1» .
وقد تكررت وصية القرآن للأبناء ببرّ الآباء، لأنّ الوالدين قدّما كل شيء، كالنبتة التي ينمو بها النبات فإذا هي قشّة، وكالبيضة التي ينمو منها الكتكوت فإذا هي قشرة.
ومن الواجب رد الجميل والعرفان بالفضل لأهله، وأن يحسن الإنسان الى أصله وأن يدعو لهما، وهو نوع من تكافل الأجيال. قال تعالى: وَوَصَّيْنَا الْإِنْسانَ بِوالِدَيْهِ إِحْساناً حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهاً وَوَضَعَتْهُ كُرْهاً وَحَمْلُهُ وَفِصالُهُ ثَلاثُونَ شَهْراً حَتَّى إِذا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلى والِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صالِحاً تَرْضاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ (15) .
وهذا النموذج، الذي نشاهده في الآية، نموذج للفطرة المستقيمة التي ترعى أصلها وتتعهد ذريتها، وهذا النموذج يقبل الله عمله ويحشره في أصحاب الجنة.
أما النموذج الثاني، فهو نموذج الانحراف والفسوق والضلال، نموذج ولد عاق يجحد معروف والديه وينكر البعث والجزاء ويقول ما هذا إِلَّا أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ (17) .
وهذا النموذج جدير بالخسران: لقد خسر اليقين والإيمان في الدنيا، ثم خسر النّعيم والرّضوان في الآخرة.
وينتهي هذا المقطع من السورة بعرض هذين النموذجين ومصيرهما في النهاية ثم يعرض مشهدا من مشاهد القيامة حيث يعرض المتكبّرون على النار وفي ذلك المشهد نرى الغائب شاهدا ماثلا يستحثّ النّفوس على الهدى، ويستجيش الفطر السليمة القوية لارتياد الطريق الواصل المأمون.
3- قصة عاد
يتناول المقطع الثالث من السورة قصة عاد وهم قوم نبي الله هود (ع) ، ويشمل الآيات [20- 28] .
والقصة هنا تخدم الفكرة وتؤيّدها:
فقد أنكر أهل مكة رسالة النبي محمد (ص) ، وأعرضوا عن دعوته.
فجاء هذا المقطع يذكّرهم بأشباههم، وينذرهم أن يصيبهم ما أصاب السابقين.
وَاذْكُرْ أَخا عادٍ إِذْ أَنْذَرَ قَوْمَهُ بِالْأَحْقافِ [الآية 21] . وأخو عاد هو هود عليه السلام، دعا قومه إلى التوحيد وحذّرهم من عذاب الله.
والأحقاف جمع حقف، وهو الكثيب المرتفع من الرّمال، وقد كانت منازل عاد على المرتفعات المتفرّقة في جنوب الجزيرة، يقال في حضرموت.
وقد أنذر أخو عاد قومه ودعاهم الى عبادة الله وحده، وحذرهم بطشه وانتقامه. ولم تؤمن عاد برسالة هود (ع) ، وقابلت دعوته بسوء الظن وعدم الفهم والتحدي والاستهزاء، واستعجال العذاب الذي ينذرهم به.
فلما رأوا العذاب، في صورة سحابة، ظنّوه مطرا مفيدا لهم: فَلَمَّا رَأَوْهُ عارِضاً مُسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ قالُوا هذا عارِضٌ مُمْطِرُنا بَلْ هُوَ مَا اسْتَعْجَلْتُمْ بِهِ رِيحٌ فِيها عَذابٌ أَلِيمٌ (24) تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّها فَأَصْبَحُوا لا يُرى إِلَّا مَساكِنُهُمْ كَذلِكَ نَجْزِي الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ (25) .
وتقول الروايات إنه أصاب القوم حرّ شديد، واحتبس عنهم المطر، ودخن الجوّ حولهم من الحرّ والجفاف، ثم ساق الله جلّ جلاله إليهم سحابة ففرحوا بها فرحا شديدا وخرجوا يستقبلونها في الأودية وهم يحسبون فيها الماء قالُوا هذا عارِضٌ مُمْطِرُنا.
وجاءهم الرد بلسان الواقع بَلْ هُوَ مَا اسْتَعْجَلْتُمْ بِهِ رِيحٌ فِيها عَذابٌ أَلِيمٌ (24) تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّها.. وهي الريح الصرصر العاتية التي ذكرت في سورة أخرى كما جاء في صفتها: ما تَذَرُ مِنْ شَيْءٍ أَتَتْ عَلَيْهِ إِلَّا جَعَلَتْهُ كَالرَّمِيمِ (42) [الذاريات/ 42] .
لقد اندفعت الريح تحقّق أمر الله، وتدمر كل شيء بأمر الله، فهلك القوم بجميع ما يملكون من أنعام ومتاع وأشياء، وبقيت مساكنهم خالية موحشة لا ديّار فيها ولا نافخ نار.
ويلتفت السياق الى أهل مكة يلمس قلوبهم، ويحرك وجدانهم، ويذكّرهم بأنّ الهالكين كانوا أكثر منهم تمكّنا في الأرض، وأكثر مالا ومتاعا وقوّة وعلما. فلم تغن عنهم قدرتهم ولا قوتهم، ولم يغن عنهم ثراؤهم. ولم ينتفعوا بسمعهم وأبصارهم وأفئدتهم، بل أصمّوا قلوبهم عن سماع الحق، ولم تغن عنهم آلهتهم التي اتّخذوها تقرّبا إلى الله.
وكذلك يقف المشركون في مكة أمام مصارع أسلافهم من أمثالهم، فيقفون أمام مصيرهم هم أنفسهم، ثمّ أمام الخطّ الثّابت المطّرد المتّصل، خط الرسالة القائمة على أصلها الواحد الذي لا يتغيّر، وخط السنّة الإلهيّة التي لا تتحوّل ولا تتبدّل. وتبدو شجرة العقيدة عميقة الجذور، ممتدّة الفروع، ضاربة في أعماق الزمان، سنّة واحدة، على اختلاف القرون واختلاف المكان.
لقد أهلك الله القرى التي كذّبت رسلها في الجزيرة، كعاد بالأحقاف في جنوب الجزيرة، وثمود بالحجر في شمالها، وسبأ وكانوا باليمن، ومدين، وكانت في طريقهم الى الشام، وكذلك قرى قوم لوط وكانوا يمرون بها في رحلة الصيف الى الشمال. وقد نوّع الله جلّ جلاله في آياته، لعلّ المكذّبين يرجعون إلى ربّهم، ويثوبون الى رشدهم.
قال تعالى: وَلَقَدْ أَهْلَكْنا ما حَوْلَكُمْ مِنَ الْقُرى وَصَرَّفْنَا الْآياتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (27) .
4- إيمان الجن
يتناول المقطع الرابع الحديث عن إيمان الجن ويشمل الآيات الأخيرة من سورة «الأحقاف» .
وقد تحدث القرآن عن الجن فذكر أنّ أصلهم من نار، وأنّ منهم الصالحين ومنهم الظالمين، وأن لهم تجمّعات معيّنة تشبه تجمّعات البشر في قبائل وأجناس، وأن لهم قدرة على الحياة على هذا الكوكب الأرضي، ولهم قدرة على الحياة خارج هذا الكوكب. وللجن قدرة على التأثير في إدراك البشر، والإيعاز بالشّرّ. قال تعالى: قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ (1) مَلِكِ النَّاسِ (2) إِلهِ النَّاسِ (3) مِنْ شَرِّ الْوَسْواسِ الْخَنَّاسِ (4) الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ (5) مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ (6) . ومن خصائص الجنّ أن يروا النّاس ولا يراهم النّاس، لقوله تعالى عن إبليس، وهو من الجن: إِنَّهُ يَراكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لا تَرَوْنَهُمْ [الأعراف/ 27] .
وقد تحدّثت الآيات الأخيرة من السورة عن إيمان الجن الذين استمعوا لهذا القرآن، فتنادوا بالإنصات، واطمأنّت قلوبهم إلى الإيمان، وانصرفوا إلى قومهم منذرين يدعونهم الى الله سبحانه، ويبشّرونهم بالغفران والنجاة، ويحذّرونهم الإعراض والضلال.
وهذا الأمر في ظاهره الخبر عن إيمان الجن، ومع ذلك، فهو يصوّر أثر هذا القرآن في القلوب. فعند ما سمع الجن تلاوة القرآن قالوا: أنصتوا.
وعند ما تأثرت قلوبهم، انطلقوا الى قومهم يتحدثون عن القرآن والإيمان، ويعرضون دعوة الإسلام على قومهم.
وبفضل القرآن صاروا دعاة هداة، ملك القرآن عليهم نفوسهم، فانطلقوا يحملون الهداية والرحمة لقومهم، ثم يتحدثون عن الصلة الوثيقة بين القرآن والتوراة، بين محمد وموسى، صلوات الله وسلامه عليهما، وعلى الأنبياء والمرسلين كافّة، فالجميع من عند الله لهداية خلق الله:
قالُوا يا قَوْمَنا إِنَّا سَمِعْنا كِتاباً أُنْزِلَ مِنْ بَعْدِ مُوسى مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ وَإِلى طَرِيقٍ مُسْتَقِيمٍ (30) .
وهذا القول على لسان الجنّ يفيد ما بين الرسل جميعا من آصرة الأخوّة.
فربهم واحد، ودعوتهم واحدة، وفكرتهم أساسها هداية الناس ومحاربة الرذائل، والتعاون على الخير والمعروف. والعداء بين الأديان إنما جاء من سوء الفهم أو من تحريف الإنسان للوحي.
كذلك وردت على لسان الجن إشارة الى كتاب الكون المفتوح، ودلالته على قدرة الله الظاهرة في خلق السموات والأرض، الشاهدة لقدرته على الإحياء والبعث، وهي القضية التي يجادل فيها البشر، وبها يجحدون.
وبمناسبة البعث، يعرض السياق مشهدا من مشاهد القيامة يبدو فيه الكفار وهم يعترفون بالإيمان، بعد أن كانوا ينكرونه في الدنيا، ثم يقال لهم:
فَذُوقُوا الْعَذابَ بِما كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ (34) .
وفي ختام السورة توجيه للرسول (ص) بالصبر والمصابرة فإنها طريق الرسل، وما ينبغي للدّعاة إلّا الصبر والاحتمال.
مقصود السورة اجمالا
ذكر الفيروزآبادي أن معظم سورة الأحقاف هو:
«إلزام الحجّة على عبادة الأصنام، والإخبار عن تناقض كلام المتكبّرين، وبيان نبوّة سيّد المرسلين محمّد (ص) ، وتأكيد ذلك بحديث موسى (ع) ، والوصيّة بتعظيم الوالدين، وتهديد المتنعّمين والمترفين، والإشادة بإهلاك عاد، والإشارة إلى الدعوة، وإسلام الجن، وإتيان يوم القيامة فجأة» واستقلال لبث اللّابثين في قوله تعالى:
فَاصْبِرْ كَما صَبَرَ أُولُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ وَلا تَسْتَعْجِلْ لَهُمْ كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَ ما يُوعَدُونَ لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا ساعَةً مِنْ نَهارٍ بَلاغٌ فَهَلْ يُهْلَكُ إِلَّا الْقَوْمُ الْفاسِقُونَ (35) .
فضل السورة :
1) عن ابن مسعود قال : أقرأني رسول الله سورة ال ( حم ) وهى الأحقاف قال :وكانت السورة إذا كانت اكثر من ثلاثين آية سميت ثلاثين .
2) عن ابن مسعود قال :أقرأني رسول الله سورة الأحقاف وأقرأها آخر فخالف قراءته فقلت من أقراكما قال رسول الله فقلت والله لقد اقرأني رسول الله غير ذا فآتينا رسول الله فقلت : يا رسول الله ألم تقرئني كذا وكذا؟ قال :بلى فقال الآخر :ألم تقرئني كذا وكذا ؟قال: بلى فتمعر وجه النبي فقال : ليقر كل واحد منكما ما سمع فإنما هلك من كان قبلكم بالاختلاف .
( يتبع – سورة محمد )
|
.
|
|
|
|
|