عرض مشاركة واحدة
قديم 01-29-2021, 11:34 AM   #120


مديح ال قطب غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 1751
 تاريخ التسجيل :  06-03-2020
 أخر زيارة : 08-13-2021 (12:56 PM)
 المشاركات : 34,369 [ + ]
 التقييم :  22241
 الدولهـ
Egypt
 الجنس ~
Male
لوني المفضل : Coral
افتراضي













تابع – سورة الصف

محور مواضيع السورة

قال محمد الغزالي:

الرسالات الكبرى تحتاج في نصرتها وحمايتها إلى الجد والصدق، ولا يصلح في مساندتها أهل الكلام والدعوى، ولا الجبناء الذين إذا كلفوا بالجهاد تدور أعينهم كالذي يغشى عليه من الموت! إن المبطلين وأصحاب الأهواء لديهم جراءة في خدمة ما يعتنقون، ولن يستطيع قهرهم إلا مؤمنون شداد يستميتون في دعم الحق، ويرخصون في سبيله النفس والمال، ويتراصون في مواجهة العدو، كلما استشهد بطل حل مكانه آخر. {ذلك ولو يشاء الله لانتصر منهم ولكن ليبلو بعضكم ببعض}.

أما الكلام المرسل والصياح العالي، فلا يجديان في بلوغ غاية. ولذلك عوتب المؤمنون الذين لا يرتفعون إلى هذا المستوى {يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون كبر مقتا عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون}.

إن المؤمن عندما يتفانى في مرضاة ربه، يتجاوب مع كل شيء في الكون يسبح بحمد ربه. أما المقصر العاصي، فهو شذوذ في الكون وخروج على قاعدة الطاعة، ولذلك افتتحت سورة الصف بهذه الآية. {سبح لله ما في السماوات وما في الأرض وهو العزيز الحكيم}.

ثم وقع بعد ذلك التوبيخ، وذكرت الأمم التي لم تصدق الله، بل حادت الله ورسله. وأول هذه الأمم اليهود الذين آذوا موسى وأتعبوه وفقدوا الشجاعة في مقاتلة عدوه، وسرعان ما ضيعوا الكتاب الذي نزل عليهم. {وإذ قال موسى لقومه يا قوم لم تؤذونني وقد تعلمون أني رسول الله إليكم فلما زاغوا أزاغ الله قلوبهم}.


وخذلان أي نبي يكون بالزهد في تعاليمه والجزع من لقاء عدوه.. ثم ذكرت السورة عيسى وقومه.. فبينت أن عيسى عليه السلام صاحب رسالة محدودة الزمان والمكان، فهو مبعوث إلى خراف بني إسرائيل الضالة، يربطها بالتوراة التي تمردت عليها، ويعالج أمراضها النفسية والاجتماعية، ويمهد لنبوة عامة تهدى البشر كلهم إلى الله الواحد.. {وإذ قال عيسى ابن مريم يا بني إسرائيل إني رسول الله إليكم مصدقا لما بين يدي من التوراة ومبشرا برسول يأتي من بعدي اسمه أحمد...}.


محور مواضيع السورة :

عندما ننظر في الكتب التي ألفها تلامذة عيسى، والتي سقيت تجوزا أناجيل، نجد كلمات جديرة بأن نقف عندها متأملين. ففي إنجيل متى في الإصحاح الرابع والعشرين يقول عيسى عليه السلام.... ويقوم أنبياء كذبة كثيرون، ويضلون كثيرا، ولكن الذي يصير إلى المنتهى فهذا يخلص ويكرز- أي يدعو- ببشارة الملكوت هذه، في كل المسكونة، شهادة لجميع الأمم ثم يكون المنتهى... ونتساءل: من هذا الذي يدعو الملكوت ويعرض نفسه على العالم أجمع ويبقى حتى نهاية العالم؟ هل عرفت هذه الصفات لشخص آخر غير محمد؟ وفي إنجيل يوحنا في الإصحاح الرابع عشر إن كنتم تحبونني فاحفظوا وصاياي، وأنا أطلب من الأب فيعطيكم فارقليط آخر يثبت معكم إلى الأبد. وهذه كلمة يونانية تعنى الرحيم الذي يدافع الأحزان! فمن هو هذا القادم الذي تبقى رسالته إلى الأبد؟ إنني أتبع محمدا لأن كتابه تجاوب مع ضميري! إنني عرفت الله بعقلي بعدما نظرت في نفسي وفي آفاق العالم الذي يضمني وسائر البشر. وإذا كان كتاب محمد لا يصلح دليلا على رسالته، فلن يصح في الأذهان شيء، ولن تصدق رسالة بشر!! والنبوءات التي تشير إلى صدق محمد قد تخدم أصحابها، أما محمد نفسه فحسبه كتابه وسيرته.. {ومن أظلم ممن افترى على الله الكذب وهو يدعى إلى الإسلام والله لا يهدي القوم الظالمين يريدون ليطفئوا نور الله بأفواههم والله متم نوره ولو كره الكافرون}.

إن العقل أثمن ما وهب الله للناس، والإيمان الذي يقوم على تخدير العقل أو تمويته لا وزن له ولا خير فيه، ولكن جماهير غفيرة تنحى العقل جانبا ثم تتكلم، فكيف نسمع لها؟

ختمت السورة بمعنيين كريمين يصدقان ما بدئت به: الأول أن الحياة إيمان وجهاد {تؤمنون بالله ورسوله وتجاهدون في سبيل الله بأموالكم وأنفسكم}.


وقد اقتبس شوقي هذا المعنى في قوله:
قف دون رأيك في الحياة مجاهدا ** إن الحياة عقيدة وجهاد!

أما الثاني فهو استعداد المؤمن في كل موطن لنصرة الله وإعلاء كلمته. إنه يمشى في دروب الحياة مصيخا السمع، فإذا بلغته صيحة تدعو إلى الله هرع إليها ولبى صاحبها وكان رجع الصدى، كما نصدق المؤذن عندما يشق بصوته أجواز الفضاء داعيا إلى الصلاة. وقد اعتمد عيسى على هذا التأييد عندما رأى اليهود يرتابون فيه وينصرفون عنه فصاح: {من أنصاري إلى الله قال الحواريون نحن أنصار الله}! وحواريو عيسى كأصحاب محمد، ككل متجرد للحق يؤنس وحشته ويرفع رايته، هم أمل الرسالات في قيامها وبقائها. والإسلام في هذا العصر بحاجة إلى أن نفهم هذه الآية في ختام سورة الصف: {يا أيها الذين آمنوا كونوا أنصار الله...}.

والخلاصة أن السورة تناولت مايلي :

1- ابتدأت بعد تسبيحه تعالى بتحذير المؤمنين من إخلاف الوعد ،كما تحدثت عن قتال أعداء الله حثّاً للمؤمنين على القتال بشجاعة وبسالة لأنهم يقاتلون في سبيل إعلاء كلمة الله ، من قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ .. {1}) إلى قوله تعالى : (إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفّاً كَأَنَّهُم بُنيَانٌ مَّرْصُوصٌ {4})

2- تناولت موقف اليهود من دعوة موسى وعيسى عليهما السلام ، و ما أصابهما من أذى تسلية لرسول الله صلى الله عليه وسلم فيما ناله من كفار مكة ، قال تعالى: (وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ لِمَ تُؤْذُونَنِي... {5}) إلى قوله تعالى : ( ... وَهُوَ يُدْعَى إِلَى الْإِسْلَامِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ {7}) .

3- تحدثت عن سنـته تعالى في نصرة دينه ، و مثلت المشركين بمن يريد إطفاء نور الشمس بفمه ، والله متم نوره رغما عنهم ، من قوله تعالى : (يُرِيدُونَ لِيُطْفِؤُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ {8} هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ {9}) .

4- دعت المؤمنين للتجارة الرابحة وحرضتهم على الجهاد في سبيل الله بالنفس والنفيس لينالوا السعادة الدائمة ، قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنجِيكُم مِّنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ ... {10}) إلى قوله تعالى : (وَأُخْرَى تُحِبُّونَهَا نَصْرٌ مِّنَ اللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ {13})

5- ختمت بدعوة أهل الإيمان إلى نصرة دين الرحمن كما فعل الحوارييون عندما نصروا عيسى عليه السلام، قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُونوا أَنصَارَ اللَّهِ كَمَا قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ لِلْحَوَارِيِّينَ مَنْ أَنصَارِي إِلَى اللَّهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنصَارُ اللَّهِ فَآَمَنَت طَّائِفَةٌ مِّن بَنِي إِسْرَائِيلَ وَكَفَرَت طَّائِفَةٌ فَأَيَّدْنَا الَّذِينَ آَمَنُوا عَلَى عَدُوِّهِمْ فَأَصْبَحُوا ظَاهِرِينَ {14}‏).


( يتبع - سورة الجمعة )




















 

رد مع اقتباس