عرض مشاركة واحدة
قديم 01-29-2021, 11:42 AM   #128


مديح ال قطب غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 1751
 تاريخ التسجيل :  06-03-2020
 أخر زيارة : 08-13-2021 (12:56 PM)
 المشاركات : 34,369 [ + ]
 التقييم :  22241
 الدولهـ
Egypt
 الجنس ~
Male
لوني المفضل : Coral
افتراضي














تابع – سورة المنافقون

محور مواضيع السورة :
وهكذا يتوافى على هذه الوسيلة الخسيسة كل خصوم الإيمان ، من قديم الزمان ، إلى هذا الزمان .. ناسين الحقيقة البسيطة التي يذكرهم القرآن بها قبل ختام هذه الآية :
«وَلِلَّهِ خَزائِنُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ. وَلكِنَّ الْمُنافِقِينَ لا يَفْقَهُونَ» ..
ومن خزائن اللّه في السماوات والأرض يرتزق هؤلاء الذين يحاولون أن يتحكموا في أرزاق المؤمنين ، فليسوا هم الذين يخلقون رزق أنفسهم. فما أغباهم وأقل فقههم وهم يحاولون قطع الرزق عن الآخرين! وهكذا يثبت اللّه المؤمنين ويقوي قلوبهم على مواجهة هذه الخطة اللئيمة والوسيلة الخسيسة ، التي يلجأ أعداء اللّه إليها في حربهم. ويطمئنهم إلى أن خزائن اللّه في السماوات والأرض هي خزائن الأرزاق للجميع. والذي يعطي أعداءه لا ينسى أولياءه. فقد شاءت رحمته ألا يأخذ حتى أعداءه من عباده بالتجويع وقطع الأرزاق.

وقد علم أنهم لا يرزقون أنفسهم كثيرا ولا قليلا لو قطع عنهم الأرزاق! وهو أكرم أن يكل عباده - ولو كانوا أعداءه - إلى ما يعجزون عنه البتة. فالتجويع خطة لا يفكر فيها إلا أخس الأخساء وألأم اللؤماء!


ثم قولتهم الأخيرة :
«يَقُولُونَ لَئِنْ رَجَعْنا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ» ..

وقد رأينا كيف حقق ذلك عبد اللّه بن أبي! وكيف لم يدخلها الأذل إلا بإذن الأعز! «وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ. وَلكِنَّ الْمُنافِقِينَ لا يَعْلَمُونَ» ..


ويضم اللّه - سبحانه - رسوله والمؤمنين إلى جانبه ، ويضفي عليهم من عزته ، وهو تكريم هائل لا يكرمه إلا اللّه! وأي تكريم بعد أن يوقف اللّه - سبحانه - رسوله والمؤمنين معه إلى جواره. ويقول : ها نحن أولاء! هذا لواء الأعزاء.

وهذا هو الصف العزيز! وصدق اللّه. فجعل العزة صنو الإيمان في القلب المؤمن. العزة المستمدة من عزته تعالى. العزة التي لا تهون ولا تهن ، ولا تنحني ولا تلين. ولا تزايل القلب المؤمن في أحرج اللحظات إلا أن يتضعضع فيه الإيمان. فإذا استقر الإيمان ورسخ فالعزة معه مستقرة راسخة ..
«وَلكِنَّ الْمُنافِقِينَ لا يَعْلَمُونَ» ..

وكيف يعلمون وهم لا يتذوقون هذه العزة ولا يتصلون بمصدرها الأصيل؟
لهؤلاء المؤمنين الذين أوقفهم اللّه في صفه مع رسول اللّه - صلى اللّه عليه وسلم - وجعل عزتهم من عزته يوجه النداء الأخير في السورة ، ليرتفعوا إلى هذا المكان الكريم ، ويبرأوا من كل صفة تشبه صفات المنافقين ، ويختاروا ذلك المقام الأسنى على الأموال والأولاد ، فلا يدعوها تلهيهم عن بلوغ ذلك المقام الوضي ء :
«يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُلْهِكُمْ أَمْوالُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ. وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ فَأُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ. وَأَنْفِقُوا مِنْ ما رَزَقْناكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ ، فَيَقُولَ : رَبِّ لَوْلا أَخَّرْتَنِي إِلى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ. وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْساً إِذا جاءَ أَجَلُها ، وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ» ..

والأموال والأولاد ملهاة ومشغلة إذا لم يستيقظ القلب ، ويدرك غاية وجوده ، ويشعر أن له هدفا أعلى يليق بالمخلوق الذي نفخ اللّه فيه من روحه ، فأودع روحه الشوق إلى تحقيق بعض صفاته الإلهية في حدود طاقته البشرية. وقد منحه الأموال والأولاد ليقوم بالخلافة في الأرض لا لتلهيه عن ذكر اللّه والاتصال بالمصدر الذي تلقى منه ما هو به إنسان. ومن يغفل عن الاتصال بذلك المصدر ، ويلهه عن ذكر اللّه ليتم له هذا الاتصال «فَأُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ» .. وأول ما يخسرونه هو هذه السمة. سمة الإنسان. فهي موقوفة على الاتصال بالمصدر الذي صار به الإنسان إنسانا. ومن يخسر نفسه فقد خسر كل شيء. مهما يملك من مال ومن أولاد.
ويلمسهم في موضوع الإنفاق لمسات متنوعة في آية واحدة ..
«وَأَنْفِقُوا مِنْ ما رَزَقْناكُمْ» .. فيذكرهم بمصدر هذا الرزق الذي في أيديهم. فهو من عند اللّه الذي آمنوا به والذي يأمرهم بالإنفاق.
«مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ ...» ..
فيترك كل شيء وراءه لغيره وينظر فلا يجد أنه قدم شيئا لنفسه ، وهذا أحمق الحمق وأخسر الخسران.

ثم يرجو حينئذ ويتمنى أن لو كان قد أمهل ليتصدق وليكون من الصالحين! وأنى له هذا؟ : «وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْساً إِذا جاءَ أَجَلُها»؟
وأنى له ما يتقدم به؟ «وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ»؟
إنها اللمسات المنوعة في الآية الواحدة. في مكانها المناسب بعد عرض سمات المنافقين وكيدهم للمؤمنين.
ولو إذ المؤمنين بصف اللّه الذي يقيهم كيد المنافقين .. فما أجدرهم إذن أن ينهضوا بتكاليف الإيمان ، وألا يغفلوا عن ذكر اللّه. وهو مصدر الأمان ..
وهكذا يربي اللّه المسلمين بهذا القرآن الكريم ..

( يتبع - سورة التغابن )





 

رد مع اقتباس