عرض مشاركة واحدة
قديم 01-29-2021, 11:44 AM   #11


مديح ال قطب غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 1751
 تاريخ التسجيل :  06-03-2020
 أخر زيارة : 08-13-2021 (12:56 PM)
 المشاركات : 34,369 [ + ]
 التقييم :  22241
 الدولهـ
Egypt
 الجنس ~
Male
لوني المفضل : Coral
افتراضي























تابع – سورة التغابن

محور مواضيع السورة :



«وَاسْتَغْنَى اللَّهُ. وَاللَّهُ غَنِيٌّ حَمِيدٌ» .. استغنى اللّه عنهم وعن إيمانهم وعن طاعتهم .. وما هو - سبحانه - بمحتاج إلى شيء منهم ولا من غيرهم ، ولا بمحتاج أصلا : «وَاللَّهُ غَنِيٌّ حَمِيدٌ».
فهذا نبأ الذين كفروا من قبل فذاقوا وبال أمرهم. وهذا سبب ما ذاقوا وما ينتظرهم. فكيف يكذب بعد هذا النبأ مكذبون جدد؟ أليلقوا مصيرا كهذا المصير؟



والمقطع الثالث بقية للمقطع الثاني يحكي تكذيب الذين كفروا بالبعث - وظاهر أن الذين كفروا هم المشركون الذين كان الرسول - صلى اللّه عليه وسلم - يواجههم بالدعوة - وفيه توجيه للرسول أن يؤكد لهم أمر البعث توكيدا وثيقا. وتصوير لمشهد القيامة ومصير المكذبين والمصدقين فيه ودعوة لهم إلى الإيمان والطاعة ورد كل شيء للّه فيما يقع لهم في الحياة.



«زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ لَنْ يُبْعَثُوا. قُلْ بَلى وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ ، ثُمَّ لَتُنَبَّؤُنَّ بِما عَمِلْتُمْ. وَذلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ. فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالنُّورِ الَّذِي أَنْزَلْنا. وَاللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ. يَوْمَ يَجْمَعُكُمْ لِيَوْمِ الْجَمْعِ ، ذلِكَ يَوْمُ التَّغابُنِ ، وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ وَيَعْمَلْ صالِحاً يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئاتِهِ ، وَيُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها أَبَداً. ذلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ. وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآياتِنا أُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ خالِدِينَ فِيها وَبِئْسَ الْمَصِيرُ. ما أَصابَ مِنْ مُصِيبَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ ، وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ ، وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ، وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ ، فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَإِنَّما عَلى رَسُولِنَا الْبَلاغُ الْمُبِينُ. اللَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ ، وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ» ..



ومنذ البدء يسمي مقالة الذين كفروا عن عدم البعث زعما ، فيقضي بكذبه من أول لفظ في حكايته. ثم يوجه الرسول - صلى اللّه عليه وسلم - إلى توكيد أمر البعث بأوثق توكيد ، وهو أن يحلف بربه. وليس بعد قسم الرسول بربه توكيد : «قل : بلى وربي لتبعثن» .. «ثُمَّ لَتُنَبَّؤُنَّ بِما عَمِلْتُمْ» .. فليس شيء منه بمتروك. واللّه أعلم منهم بعملهم حتى لينبئهم به يوم القيامة! «وَذلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ» .. فهو يعلم ما في السماوات والأرض ويعلم السر والعلن وهو عليم بذات الصدور. وهو على كل شيء قدير. كما جاء في مطلع السورة تمهيدا لهذا التقرير.
وفي ظل هذا التوكيد الوثيق يدعوهم إلى الإيمان باللّه ورسوله والنور الذي أنزله مع رسوله. وهو هذا القرآن.


ويعقب على دعوتهم إلى الإيمان ، بما يشعرهم أنهم مكشوفون لعين اللّه لا يخفى عليه منهم شي ء : «وَاللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ» ..
وبعد هذه الدعوة يعود إلى استكمال مشهد البعث الذي أكده لهم أوثق توكيد :
«يَوْمَ يَجْمَعُكُمْ لِيَوْمِ الْجَمْعِ : ذلِكَ يَوْمُ التَّغابُنِ» ..



فأما أنه يوم الجمع فلأن جميع الخلائق في جميع الأجيال تبعث فيه ، كما يحضره الملائكة وعددهم لا يعلمه إلا اللّه. ولكن قد يقربه إلى التصور ما جاء في حديث رسول اللّه - صلى اللّه عليه وسلم - عن أبي ذر رضي اللّه عنه - قال : قال رسول اللّه - صلى اللّه عليه وسلم - : «إني أرى ما لا ترون ، وأسمع ما لا تسمعون.
أطت السماء وحق لها أن تيط ، ما فيها موضع أربع أصابع إلا وفيه ملك واضع جبهته للّه تعالى ساجدا. واللّه لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلا ، ولبكيتم كثيرا ، ولما تلذذتم بالنساء على الفرش ، ولخرجتم إلى الصعدات تجأرون إلى اللّه تعالى. لوددت أني شجرة تعضد والسماء التي ليس فيها موضع أربع أصابع إلا وفيه ملك. هي هذا الاتساع الهائل الذي لا يعرف له البشر حدودا. والذي تبدو فيه شمس كشمسنا ذرة كالهباءة الطائرة في الفضاء! فهل هذا يقرب شيئا للتصور البشري عن عدد الملائكة؟ إنهم من بين الجمع في يوم الجمع! وفي مشهد من هذا الجمع يكون التغابن! والتغابن مفاعلة من الغبن. وهو تصوير لما يقع من فوز المؤمنين بالنعيم وحرمان الكافرين من كل شيء منه ثم صيرورتهم إلى الجحيم. فهما نصيبان متباعدان. وكأنما كان هناك سباق للفوز بكل شي ء ، وليغبن كل فريق مسابقه! ففاز فيه المؤمنون وهزم فيه الكافرون! فهو تغابن بهذا المعنى المصور المتحرك! يفسره ما بعده :
«وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ وَيَعْمَلْ صالِحاً يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئاتِهِ وَيُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها أَبَداً. ذلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ. وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآياتِنا أُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ خالِدِينَ فِيها وَبِئْسَ الْمَصِيرُ» ..

وقبل أن يكمل نداءه إليهم بالإيمان يقرر قاعدة من قواعد التصور الإيماني في القدر ، وفي أثر الإيمان باللّه في هداية القلب :
«ما أَصابَ مِنْ مُصِيبَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ. وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ ، وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ» ..
ولعل مناسبة ذكر هذه الحقيقة هنا هي مجرد بيانها في صدد عرض حقيقة الإيمان الذي دعاهم إليه في هذا المقطع. فهو الإيمان الذي يرد كل شيء إلى اللّه ، ويعتقد أن كل ما يصيب من خير ومن شر فهو بإذن اللّه.
وهي حقيقة لا يكون إيمان بغيرها. فهي أساس جميع المشاعر الإيمانية عند مواجهة الحياة بأحداثها خيرها وشرها. كما يجوز أن تكون هناك مناسبة حاضرة في واقع الحال عند نزول هذه السورة. أو هذه الآية من السورة ، فيما كان يقع بين المؤمنين والمشركين من وقائع.

وعلى أية حال فهذا جانب ضخم من التصور الإيماني الذي ينشئه الإسلام في ضمير المؤمن. فيحس يد اللّه في كل حدث ، ويرى يد اللّه في كل حركة ، ويطمئن قلبه لما يصيبه من الضراء ومن السراء. يصبر للأولى ويشكر للثانية. وقد يتسامى إلى آفاق فوق هذا ، فيشكر في السراء وفي الضراء إذ يرى في الضراء كما في السراء فضل اللّه ورحمته بالتنبيه أو بالتكفير أو بترجيح ميزان الحسنات ، أو بالخير على كل حال.
وفي الحديث المتفق عليه : «عجبا للمؤمن! لا يقضي اللّه قضاء إلا كان خيرا له. إن أصابته ضراء صبر فكان خيرا له. وإن أصابته سراء شكر فكان خيرا له. وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن» ..
«وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ» ..
وقد فسرها بعض السلف بأنها الإيمان بقدر اللّه والتسليم له عند المصيبة. وعن ابن عباس يعني يهدي قلبه هداية مطلقة. ويفتحه على الحقيقة اللدنية المكنونة. ويصله بأصل الأشياء والأحداث ، فيرى هناك منشأها وغايتها. ومن ثم يطمئن ويقر ويستريح. ثم يعرف المعرفة الواصلة الكلية فيستغني عن الرؤية الجزئية المحفوفة بالخطأ والقصور.




وهو هذا الدين الذي يبشر به القرآن. وهو نور في حقيقته بما أنه من عند اللّه. واللّه نور السماوات والأرض.
وهو نور في آثاره إذ ينير القلب فيشرق بذاته ويبصر الحقيقة الكامنة فيه هو ذاته.


ومن ثم يكون التعقيب عليها :
«وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ» ..
فهي هداية إلى شيء من علم اللّه ، يمنحه لمن يهديه ، حين يصح إيمانه فيستحق إزاحة الحجب ، وكشف الأسرار .. بمقدار ..
ويتابع دعوتهم إلى الإيمان فيدعوهم إلى طاعة اللّه وطاعة الرسول :
«وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ ، فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَإِنَّما عَلى رَسُولِنَا الْبَلاغُ الْمُبِينُ» ..
وقد عرض عليهم من قبل مصير الذين تولوا. وهنا يقرر لهم أن الرسول مبلغ. فإذا بلغ فقد أدى الأمانة ، ونهض بالواجب ، وأقام الحجة. وبقي ما ينتظرهم هم من المعصية والتولي ، مما ذكروا به منذ قليل.

ثم يختم هذا المقطع بتقرير حقيقة الوحدانية التي ينكرونها ويكذبونها ، ويقرر شأن المؤمنين باللّه في تعاملهم مع اللّه :
«اللَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ ، وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ» ..
وحقيقة التوحيد هي أساس التصور الإيماني كله. ومقتضاها أن يكون التوكل عليه وحده. فهذا هو أثر التصور الإيماني في القلوب.
وبهذه الآية يدخل السياق في خطاب المؤمنين. فهي وصلة بين ما مضى من السورة وما يجيء.
وفي النهاية يوجه الخطاب إلى المؤمنين يحذرهم فتنة الأزواج والأولاد والأموال ، ويدعوهم إلى تقوى اللّه ، والسمع والطاعة والإنفاق ، كما يحذرهم شح الأنفس ، ويعدهم على ذلك مضاعفة الرزق والمغفرة والفلاح.




ويذكرهم في الختام بعلم اللّه للحاضر والغائب ، وقدرته وغلبته ، مع خبرته وحكمته :
«يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْواجِكُمْ وَأَوْلادِكُمْ عَدُوًّا لَكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ ، وَإِنْ تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا وَتَغْفِرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ. إِنَّما أَمْوالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ ، وَاللَّهُ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ. فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ ، وَاسْمَعُوا وَأَطِيعُوا ، وَأَنْفِقُوا خَيْراً لِأَنْفُسِكُمْ ، وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ. إِنْ تُقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً يُضاعِفْهُ لَكُمْ ، وَيَغْفِرْ لَكُمْ ، وَاللَّهُ شَكُورٌ حَلِيمٌ. عالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ» ..

وقد ورد عن ابن عباس - رضي اللّه عنه - في الآية الأولى من هذا السياق وقد سأله عنها رجل فقال : فهؤلاء رجال أسلموا من مكة ، فأرادوا أن يأتوا إلى رسول اللّه - صلى اللّه تعالى عليه وسلم - فأبى أزواجهم وأولادهم أن يدعوهم. فلما أتوا رسول اللّه - صلى اللّه عليه وسلم - رأوا الناس قد فقهوا في الدين ، فهموا أن يعاقبوهم ، فأنزل اللّه هذه الآية : «وَإِنْ تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا وَتَغْفِرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ» .. وهكذا رواه الترمذي بإسناد آخر وقال : حسن صحيح. وهكذا قال عكرمة مولى ابن عباس.

ولكن النص القرآني أشمل من الحادث الجزئي وأبعد مدى وأطول أمدا. فهذا التحذير من الأزواج والأولاد كالتحذير الذي في الآية التالية من الأموال والأولاد معا : ِإنَّما أَمْوالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ»
.. والتنبيه إلى أن من الأزواج والأولاد من يكون عدوا .. إن هذا يشير إلى حقيقة عميقة في الحياة البشرية. ويمس وشائج متشابكة دقيقة في التركيب العاطفيو في ملابسات الحياة سواء. فالأزواج والأولاد قد يكونون مشغلة وملهاة عن ذكر اللّه. كما أنهم قد يكونون دافعا للتقصير في تبعات الإيمان اتقاء للمتاعب التي تحيط بهم لو قام المؤمن بواجبه فلقي ما يلقاه المجاهد في سبيل اللّه! والمجاهد في سبيل اللّه يتعرض لخسارة الكثير ، وتضحية الكثير. كما يتعرض هو وأهله للعنت. وقد يحتمل العنت في نفسه ولا يحتمله في زوجه وولده. فيبخل ويجبن ليوفر لهم الأمن والقرار أو المتاع والمال! فيكونون عدوا له ، لأنهم صدوه عن الخير ، وعوقوه عن تحقيق غاية وجوده الإنساني العليا. كما أنهم قد يقفون له في الطريق يمنعونه من النهوض بواجبه ، اتقاء لما يصيبهم من جرائه ، أو لأنهم قد يكونون في طريق غير طريقه ، ويعجز هو عن المفاصلة بينه وبينهم والتجرد للّه .. وهي كذلك صور من العداوة متفاوتة الدرجات .. وهذه وتلك مما يقع في حياة المؤمن في كل آن.

( يتبع )









 

رد مع اقتباس