01-29-2021, 11:45 AM
|
#132
|
بيانات اضافيه [
+
]
|
رقم العضوية : 1751
|
تاريخ التسجيل : 06-03-2020
|
أخر زيارة : 08-13-2021 (12:56 PM)
|
المشاركات :
34,369 [
+
] |
التقييم : 22241
|
الدولهـ
|
الجنس ~
|
|
لوني المفضل : Coral
|
|
تابع – سورة التغابن
محور مواضيع السورة :
ومن ثم اقتضت هذه الحال المعقدة المتشابكة ، التحذير من اللّه ، لإثارة اليقظة في قلوب الذين آمنوا ، والحذر من تسلل هذه المشاعر ، وضغط هذه المؤثرات.
ثم كرر هذا التحذير في صورة أخرى من فتنة الأموال والأولاد. وكلمة فتنة تحتمل معنيين :
الأول أن اللّه يفتنكم بالأموال والأولاد بمعنى يختبركم ، فانتبهوا لهذا ، وحاذروا وكونوا أبدا يقظين لتنجحوا في الابتلاء ، وتخلصوا وتتجردوا للّه. كما يفتن الصائغ الذهب بالنار ليخلصه من الشوائب! والثاني أن هذه الأموال والأولاد فتنة لكم توقعكم بفتنتها في المخالفة والمعصية ، فاحذروا هذه الفتنة لا تجرفكم وتبعدكم عن اللّه.
وكلا المعنيين قريب من قريب.
وقد روى الإمام أحمد - بإسناده - عن عبد اللّه بن بريدة : سمعت أبي بريدة يقول : «كان رسول اللّه - صلى اللّه عليه وسلم - يخطب ، فجاء الحسن والحسين - رضي اللّه عنهما - عليهما قميصان أحمران ، يمشيان ويعثران فنزل رسول اللّه - صلى اللّه عليه وسلم - من المنبر فحملهما ، فوضعهما بين يديه. ثم قال : «صدق اللّه ورسوله. إنما أموالكم وأولادكم فتنة. نظرت إلى هذين الصبيين يمشيان ويعثران ، فلم أصبر حتى قطعت حديثي ورفعتهما» .. ورواه أهل السنة من حديث ابن واقد. فهذا رسول اللّه - صلى اللّه عليه وسلم - وهذان ابنا بنته .. وإنه لأمر إذن خطير. وخطر. وإن التحذير والتنبيه فيه لضرورة يقدرها من خلق قلوب الناس ، وأودعها هذه المشاعر ، لتكفكف نفسها عن التمادي والإفراط ، وهي تعلم أن هذه الوشائج الحبيبة قد تفعل بها ما يفعل العدو ، وتؤدي بها إلى ما تؤدي إليه مكايد الأعداء! ومن ثم يلوح لها بما عند اللّه بعد التحذير من فتنة الأموال والأولاد ، والعداوة المستسرة في بعض الأبناء والأزواج. فهذه فتنةَ اللَّهُ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ»
ويهتف للذين آمنوا بتقوى اللّه في حدود الطاقة والاستطاعة ، وبالسمع والطاعة :
«فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ - وَاسْمَعُوا وَأَطِيعُوا» ..
وفي هذا القيد : «مَا اسْتَطَعْتُمْ» يتجلى لطف اللّه بعباده ، وعلمه بمدى طاقتهم في تقواه وطاعته. وقد قال رسول اللّه - صلى اللّه عليه وسلم - : «إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم وما نهيتكم عنه فاجتنبوه» فالطاعة في الأمر ليس لها حدود ، ومن ثم يقبل فيها ما يستطاع. أما النهي فلا تجزئة فيه فيطلب بكامله دون نقصان.
ويهيب بهم إلى الإنفاق :
«وَأَنْفِقُوا خَيْراً لِأَنْفُسِكُمْ» ..
فهم ينفقون لأنفسهم. وهو يأمرهم أن ينفقوا الخير لأنفسهم. فيجعل ما ينفقونه كأنه نفقة مباشرة لذواتهم ، ويعدها الخير لهم حين يفعلون.
ويريهم شح النفس بلاء ملازما. السعيد السعيد من يخلص منه ويوقاه والوقاية منه فضل من اللّه :
«وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ» ..
ثم يمضي في إغرائهم بالبذل وتحبيبهم في الإنفاق ، فيسمي إنفاقهم قرضا للّه. ومن ذا الذي لا يربح هذه الفرصة التي يقرض فيها مولاه؟ وهو يأخذ القرض فيضاعفه ويغفر به ، ويشكر المقرض ، ويحلم عليه حين يقصر في شكره. وهو اللّه! «إِنْ تُقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً يُضاعِفْهُ لَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ. وَاللَّهُ شَكُورٌ حَلِيمٌ» ..
وتبارك اللّه. ما أكرمه! وما أعظمه! وهو ينشئ العبد ثم يرزقه. ثم يسأله فضل ما أعطاه. قرضا. يضاعفه ..
ثم .. يشكر لعبده الذي أنشأه وأعطاه! ويعامله بالحلم في تقصيره هو عن شكر مولاه ..! يا للّه!!! إن اللّه يعلمنا - بصفاته - كيف نتسامى على نقصنا وضعفنا ، ونتطلع إلى أعلى دائما لنراه - سبحانه - ونحاول أن نقلده في حدود طاقتنا الصغيرة المحدودة. وقد نفخ اللّه في الإنسان من روحه. فجعله مشتاقا أبدا إلى تحقيق المثل الأعلى في حدود طاقته وطبيعته ، ومن ثم تبقى الآفاق العليا مفتوحة دائما ليتطلع هذا المخلوق إلى الكمال المستطاع ، ويحاول الارتفاع درجة بعد درجة ، حتى يلقى اللّه بما يحبه له ويرضاه.
ويختم هذه الجولة بعد هذا الإيقاع العجيب ، بصفة اللّه التي بها الإطلاع والرقابة على القلوب :
«عالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ» ..
فكل شيء مكشوف لعلمه ، خاضع لسلطانه ، مدبر بحكمته. كي يعيش الناس وهم يشعرون بأن عين اللّه تراهم ، وسلطانه عليهم ، وحكمته تدبر الأمر كله حاضره وغائبه. ويكفي أن يستقر هذا التصور في القلوب ، لتتقي اللّه وتخلص له وتستجيب.
( يتبع )
|
|
|
|
|
|
|
|
|