01-31-2021, 12:56 PM
|
#142
|
بيانات اضافيه [
+
]
|
رقم العضوية : 1751
|
تاريخ التسجيل : 06-03-2020
|
أخر زيارة : 08-13-2021 (12:56 PM)
|
المشاركات :
34,369 [
+
] |
التقييم : 22241
|
الدولهـ
|
الجنس ~
|
|
لوني المفضل : Coral
|
|
تابع – سورة الطلاق
محور مواضيع السورة :
وتلك القرى ذاقت وبال أمرها وكان عاقبة أمرها خسرا .. ذاقته في هذه الأرض قبل يوم الحساب الأخير.
ولقد ذاقت هذا الوبال قرى وأمم وشعوب عتت عن منهج اللّه في الأرض. ونحن نشهد وأسلافنا شهدوا هذا الوبال. ذاقته فسادا وانحلالا ، وفقرا وقحطا ، وظلما وجورا ، وحياة مفزعة لا أمن فيها ولا سلام ، ولا طمأنينة فيها ولا استقرار. وفي كل يوم نرى مصداق هذا النذير! وذلك فوق العذاب الشديد الذي ينتظر العتاة عن أمر اللّه ونهجه في الحياة حيث يقول اللّه : «أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ عَذاباً شَدِيداً» .. واللّه أصدق القائلين.
إن هذا الدين منهج نظام جماعي - كما أسلفنا الحديث في سورة الصف - جاء لينشئ جماعة مسلمة ذات نظام خاص. وجاء ليصرف حياة هذه الجماعة كلها. ومن ثم فالجماعة كلها مسؤولة عنه ، مسؤولة عن أحكامه.
ولن تخالف عن هذه الأحكام حتى يحق عليها هذا النذير الذي حق على القرى التي عتت عن أمر ربها ورسله.
وفي مواجهة هذا الإنذار ومشاهده الطويلة يهتف بأولي الألباب الذين آمنوا. الذين هدتهم ألبابهم إلى الإيمان.
يهتف بهم ليتقوا اللّه الذي أنزل لهم الذكر : «قَدْ أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكُمْ ذِكْراً» .. ويجسم هذا الذكر ويمزجه بشخص الرسول - صلى اللّه عليه وسلم - فيجعل شخصه الكريم هو الذكر ، أو بدلا منه في العبارة : «رَسُولًا يَتْلُوا عَلَيْكُمْ آياتِ اللَّهِ مُبَيِّناتٍ» ..
وهنا لفتة مبدعة عميقة صادقة ذات دلائل منوعة ..
إن هذا الذكر الذي جاء من عند اللّه مر إليهم من خلال شخصية الرسول الصادق حتى لكأن الذكر نفذ إليهم مباشرة بذاته ، لم تحجب شخصية الرسول شيئا من حقيقته.
والوجه الثاني لإيحاء النص هو أن شخصية الرسول - صلى اللّه عليه وسلم - قد استحالت ذكرا ، فهي صورة مجسمة لهذا الذكر صنعت به فصارت هو. وهو ترجمة حية لحقيقة القرآن. وكذلك كان رسول اللّه - صلى اللّه عليه وسلم - وهكذا وصفته عائشة - رضي اللّه عنها - وهي تقول : «كان خلقه القرآن» .. وهكذا كان القرآن في خاطره في مواجهة الحياة. وكان هو القرآن يواجه الحياة!
وفوق نعمة الذكر والنور والهداية والصلاح ، وعد بنعيم الجنات خالدين فيها أبدا. وتذكير بأن هذا الرزق هو أحسن الرزق ، فلا يقاس إليه رزق الأرض : «قَدْ أَحْسَنَ اللَّهُ لَهُ رِزْقاً» .. وهو الرازق في الدنيا والآخرة ، ولكن رزقا خير من رزق ، واختياره للأحسن هو الاختيار الحق الكريم.
وهكذا يلمس نقطة الرزق مرة أخرى ، ويهون بهذه الإشارة من رزق الأرض ، إلى جانب رزق الجنة.
بعد ما وعد في المقاطع الأولى بسعة رزق الأرض أيضا ..
وفي الختام يجيء ذلك الإيقاع الكوني الهائل ، فيربط موضوع السورة وتشريعاتها وتوجيهاتها بقدر اللّه وقدرة اللّه ، وعلم اللّه ، في المجال الكوني العريض :
«اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَماواتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ ، يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ ، لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ، وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْماً» ..
والسماوات السبع لا علم لنا بحقيقة مدلولها وأبعادها ومساحاتها. وكذلك الأراضي السبع. فقد تكون أرضنا هذه التي نعرفها واحدة منهن والباقيات في علم اللّه. وقد يكون معنى مثلهن أن هذه الأرض من جنس السماوات فهي مثلهن في تركيبها أو خصائصها .. وعلى أية حال فلا ضرورة لمحاولة تطبيق هذه النصوص على ما يصل إليه علمنا ، لأن علمنا لا يحيط بالكون ، حتى نقول على وجه التحقيق : هذا ما يريده القرآن. ولن يصح أن نقول هكذا إلا يوم يعلم الإنسان تركيب الكون كله علما يقينيا .. وهيهات ..!
فننتفع بإيحاء هذه الإشارة إلى تلك الحقيقة في مجالها النفسي ، وفي إنشاء التصور الإيماني الكوني الصحيح.
والإشارة إلى هذا الكون الهائل : «سَبْعَ سَماواتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ» .. يهول الحس ويقف القلب وجها لوجه أمام مشهد من مشاهد قدرة الخالق ، وسعة ملكه ، تصغر أمامه هذه الأرض كلها ، فضلا على بعض ما فيها ، فضلا على حادث من أحداثها. فضلا على دريهمات ينفقها الزوج أو تتنازل عنها الزوجة! وبين هذه السماوات السبع والأرض أو الأرضين السبع يتنزل أمر اللّه - ومنه هذا الأمر الذي هم بصدده في هذا السياق. فهو أمر هائل إذن ، حتى بمقاييس البشر وتصوراتهم في المكان والزمان بقدر ما يطيقون التصور. والمخالفة عنه مخالفة عن أمر تتجاوب به أقطار السماوات والأرضين ، ويتسامع به الملأ الأعلى وخلق اللّه الآخرون في السماوات والأرضين. فهي مخالفة بلقاء شنعاء ، لا يقدم عليها ذو عقل مؤمن ، جاءه رسول يتلو عليه آيات اللّه مبينات ، ويبين له هذا الأمر ، ليخرجه من الظلمات إلى النور ..
وهذا الأمر يتنزل بين السماوات والأرض ، لينشئ في قلب المؤمن عقيدة أن اللّه على كل شيء قدير فلا يعجزه شيء مما يريد. وأنه أحاط بكل شيء علما فلا يند عن علمه شيء مما يكون في ملكه الواسع العريض ، ولا مما يسرونه في حنايا القلوب.
ولهذه اللمسة قيمتها هنا من وجهين :
الأول أن اللّه الذي أحاط بكل شيء علما هو الذي يأمر بهذه الأحكام. فقد أنزلها وهو يحيط بكل ظروفهم وملابساتهم ومصالحهم واستعداداتهم. فهي أولى بالاتباع لا يلتفتون عنها أدنى التفات وهي من وضع العليم المحيط بكل شيء علما.
والثاني أن هذه الأحكام بالذات موكولة إلى الضمائر ، فالشعور بعلم اللّه واطلاعه على كل شيء هو الضمان لحساسية هذه الضمائر ، في شأن لا يجدي فيه شيء إلا تقوى اللّه العليم بذات الصدور.
وهكذا تختم السورة بهذا الإيقاع الذي يهول ويروع ، بقدر ما يحرك القلوب لتخبت وتطيع. فسبحان خالق القلوب ، العليم بما فيها من المنحنيات والدروب!
قال الصابوني:
سورة الطلاق مدنية وآياتها اثنا عشر آية.
* سورة الطلاق مدنية وقد تناولت بعض الأحكام التشريعية المتعلقة بأحوال الزوجين، كبيان أحكام الطلاق وكيفيته، وما يترتب على الطلاق من (العدة، والنفقة، والسكنى، وأجر المرضع) إلى غير ما هنالك من أحكام.
* تناولت السورة الكريمة في البدء أحكام الطلاق (الطلاق السني) و(الطلاق البدعي) فأمرت المؤمنين بسلوك أفضل الطرق، عند تعذر استمرار الحياة الزوجية، ودعت إلى تطليق الزوجة في الوقت المناسب، وعلى الوجه المشروع، وهو أن يطلقها طاهرا من غير جماع، ثم يتركها إلى انقضاء عدتها {يا أيها النبي إذا طلقتم النساء فطلقوهن لعدتهن..} الآيات.
* وفي هذا التوجيه الإلهي دعوة للرجال أن يتمهلوا، ولا يتسرعوا في فصل عرى الزوجية، فإن الطلاق أبغض الحلال إلى الله، ولولا الضرورات القسرية لما أبيح الطلاق لأنه هدم للأسرة {فإذا بلغن أجلهن فأمسكوهن بمعروف أو فارقوهن بمعروف} الآيات.
* ودعت السورة إلى إحصاء العدة لضبط انتهائها، لئلا تختلط الأنساب، ولئلا يطول الأمد على المطلقة، فيلحقها الضرر، ودعت إلى الوقوف عند حدود الله، وعدم عصيان أوامره {وتلك حدود الله ومن يتعد حدود الله فقد ظلم نفسه..} الآيات.
* وتناولت السورة أحكام العدة، فبينت عدة اليائس التي انقطع عنها دم الحيض لكبر أو مرض، وكذلك عدة الصغيرة، وعدة الحامل، فبينته أوضح بيان مع التوجيه والإرشاد {واللائي يئسن من المحيض من نسائكم إن ارتبتم فعدتهن ثلاثة أشهر واللائي لم يحضن..} الآيات.
* وفي خلال تلك الأحكام التشريعية، تكررت الدعوة إلى (تقوى الله) بالترغيب تارة، وبالترهيب أخرى، لئلا يقع حيف أو ظلم من أحد الزوجين، كما وضحت أحكام السكنى والنفقة {ذلك أمر الله أنزله إليكم ومن يتق الله يكفر عنه سيئاته ويعظم له أجرا..} الآيات.
* وختمت السورة بالتحذير من تعدي حدود الله، وضربت الأمثلة بالأمم الباغية التي عتت عن أمر الله، وما ذاقت من الوبال والدمار، ثم أشارت إلى قدرة الله في خلق سبع سموات طباق، وخلق الأرضين، وكلها براهين على وحدانية رب العالمين {وكأين من قرية عتت عن أمر ربها ورسله فحاسبناها حسابا شديدا وعذبناها عذابا نكرا فذاقت وبال أمرها وكان عاقبة أمرها خسرا..} الآيات إلى نهاية السورة الكريمة
قال محمد الغزالي:
سورة الطلاق تسمى سورة النساء الصغرى. وقد أودع الله فيها جملة أحكام تتصل بالأسرة، وتقيم كيانها على أسس سليمة، وتعالج ما قد يعرض لها من علل ومتاعب. وأسلوب السورة كلها وحدة موضوعية جديرة بالتأمل العميق، وتدل! على ترابط الآيات وتماسك سياقها في إبراز حقيقة معينة. وليس في السورة حكم فقهى من اجتهادى الخاص، وإنما اخترت من اجتهادات الأقدمين ما يناسب هذا التفسير وما يوافق رأيى.. ولمن شاء مخالفتى فلست مكرها أحدا على وجهة نظر لى. في صدر السورة نداء للنبى عليه الصلاة والسلام لأنه قائد الأمة وإمام الهدى! ومناداة الرسول في شأن يشيع بين أفراد الأمة كلها يشير إلى أن الأمر مهم، وأنه يخرج من النطاق الفردى الخاص إلى النطاق الجماعى العام. والواقع أن الطلاق يتجاوز الرجل الذي أوقعه، إلى امرأته، وأولادهما وأسرتيهما، فلابد من وضع ضوابط له، حتى لا يكون صدوره بإرادة مفردة بابا إلى الطيش والتظالم.. ومن هنا حدد الشارع له وقتا معينا؟ فلا يجوز في أثناء الحيض والنفاس، ولا يجوز بعد طهر مس امرأته فيه، وينبغى أن يحضره شاهدان. وعلى الزوجة إذا سمعت الطلاق، أن تبقى في بيت الزوجية، فليس ما سمعته إجهازا على الحياة الزوجية وإنما هو إنذار بالقضاء عليها، وبقاؤها حيث هي مطلوب، فقد تستأنف هذه الحياة مع تغير الظروف التي دفعت إلى الطلاق. إن ثورات الغضب قد تتلاشى وتتغلب بواعث الوئام خلال شهرين أو ثلاثة، وذاك معنى الآية الأولى {يا أيها النبي إذا طلقتم النساء فطلقوهن لعدتهن وأحصوا العدة واتقوا الله ربكم لا تخرجوهن من بيوتهن ولا يخرجن إلا أن يأتين بفاحشة مبينة وتلك حدود الله ومن يتعد حدود الله فقد ظلم نفسه لا تدري لعل الله يحدث بعد ذلك أمرا}.
وقد لاحظت أن الإيمان بالغيوب والانبعاث عن تقوى الله تكرر خلال الآيات والأحكام الفقهية، حتى يمكن تفريج الأزمات العائلية الباعثة على الشقاق بالاعتماد على الله ومغالبة الأمر الواقع {ومن يتق الله يجعل له مخرجا}. وذكر الوحى الكريم تفصيلات للإنفاق في السراء والضراء وبيانات لحالات الإرضاع وغيرها. وبدا من الإرشاد الإلهى أن الله سبحانه لا يريد أن يتحول الطلاق إلى كارثة اجتماعية كالحة، وألا يفقد المسلمون أدبهم وتواصلهم مع هذه المحنة.. ومع ذلك كله، فإن الطلاق كما مارسه المسلمون اقترن بمآس كئيبة. فمن الناحية الفقهية وقع الاعتراف بالطلاق البدعى، وانتشر الحلف بالطلاق، كما انتشر تعليقه على التوافه المحقرة، وسطرت في كتب الفقه نوادر لوقوع الطلاق تستدعى العجب. ولا يزال الأوروبيون ينظرون إلى سهولة الطلاق وميوعة حدوده عندنا نظرة إنكار، وهى ميوعة اختلقها الناس ولا يعرفها الإسلام. ويكاد يستحيل أن تسمع امرأة الطلاق وتبقى في البيت، كما يكاد يندر وقوع الطلاق داخل النطاق الذي رسمته السنة النبوية من طهر، واعتزال! وإشهاد.. والفقهاء المتربصون بمصير الأسرة المرحبون بتمزيق عراها لأتفه الأسباب والأقوال، لا حصر لهم.. وقد أضر ذلك إضرارا بليغا بسمعة الإسلام وانتشار رسالته، واستغله أعداؤه استغلالا واسعا.. ولذلك فأنا انظر إلى النصف الثانى من السورة على أنه امتداد وتكميل لنصفها الأول، وتحذير لأمتنا من العبث بأحكام الطلاق. ويبدأ، ذلك بقوله تعالى: {وكأين من قرية عتت عن أمر ربها ورسله فحاسبناها حسابا شديدا وعذبناها عذابا نكرا فذاقت وبال أمرها...}. إلخ. وليتدبر القارئ قوله تعالى في إحكام الطلاق: {ذلك أمر الله أنزله إليكم ومن يتق الله يكفر عنه سيئاته ويعظم له أجرا}. وقوله بعد ذلك {وكأين من قرية عتت عن أمر ربها ورسله..} إن السياق متماسك، ولفظ الأمر واحد. ولا يجوز لأمة شرفها الله بالوحى والهدى أن تفرط وتعبث وتجعل نظام الأسرة في مجتمعها لغوا!! كما لا يجوز أن تبعثر العقبات في طريق الدعوة وانتشار الرسالة بسوء تطبيقها للإسلام وسوء تنفيذها لأحكامه!
وأخيرا تختم السورة بهذه الآية الدالة على أن الله خلق الكون لنعرفه، وأنزل الوحى لنتبعه؟ وبين الكون الدال على الله بصمته، والوحى الهادر بنطقه يعرف المسلمون طريقهم {الله الذي خلق سبع سماوات ومن الأرض مثلهن يتنزل الأمر بينهن لتعلموا أن الله على كل شيء قدير وأن الله قد أحاط بكل شيء علما}. هذه سورة الطلاق أدعو كل مسلم لقراءتها مرة أخرى، على ضوء ما شرحت لعله واجد فيها ما يهدى ويجدى.
يتبع – سورة التحريم
|
|
|
|
مديح |
|
|
|
|