عرض مشاركة واحدة
قديم 01-31-2021, 01:00 PM   #147


مديح ال قطب غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 1751
 تاريخ التسجيل :  06-03-2020
 أخر زيارة : 08-13-2021 (12:56 PM)
 المشاركات : 34,369 [ + ]
 التقييم :  22241
 الدولهـ
Egypt
 الجنس ~
Male
لوني المفضل : Coral
افتراضي





















تابع – سورة التحريم

محور مواضيع السورة :

تبدأ السورة بهذا العتاب من اللّه سبحانه لرسوله - صلى اللّه عليه وسلم - :
«يا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ ما أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ ، تَبْتَغِي مَرْضاتَ أَزْواجِكَ ، وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ؟ قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمانِكُمْ ، وَاللَّهُ مَوْلاكُمْ ، وَهُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ» ..

وهو عتاب مؤثر موح. فما يجوز أن يحرم المؤمن على نفسه ما أحله اللّه له من متاع. والرسول - صلى اللّه عليه وسلم - لم يكن حرم العسل أو مارية بمعنى التحريم الشرعي إنما كان قد قرر حرمان نفسه. فجاء هذا العتاب يوحي بأن ما جعله اللّه حلالا فلا يجوز حرمان النفس منه عمدا وقصدا إرضاء لأحد .. والتعقيب :
«وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ» .. يوحي بأن هذا الحرمان من شأنه أن يستوجب المؤاخذة ، وأن تتداركه مغفرة اللّه ورحمته.
وهو إيحاء لطيف.
فأما اليمين التي يوحي النص بأن الرسول - صلى اللّه عليه وسلم - قد حلفها ، فقد فرض اللّه تحلتها. أي كفارتها التي يحل منها. ما دامت في غير معروف والعدول عنها أولى. «وَاللَّهُ مَوْلاكُمْ» .. فهو يعينكم على ضعفكم وعلى ما يشق عليكم. ومن ثم فرض تحلة الأيمان ، للخروج من العنت والمشقة .. «وَهُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ».

يشرع لكم عن علم وعن حكمة ، ويأمركم بما يناسب طاقتكم وما يصلح لكم. فلا تحرموا إلا ما حرم ، ولا تحلوا غير ما أحل. وهو تعقيب يناسب ما قبله من توجيه.

ثم يشير إلى الحديث ولا يذكر موضوعه ولا تفصيله ، لأن موضوعه ليس هو المهم ، وليس هو العنصر الباقي فيه. إنما العنصر الباقي هو دلالته وآثاره :
«وإذ أسر النبي إلى بعض أزواجه حديثا» ..

ومن النص نطلع على نموذج من تلك الفترة العجيبة في تاريخ البشرية. الفترة التي يعيش فيها الناس مع السماء.
والسماء تتدخل في أمرهم علانية وتفصيلا. ونعلم أن اللّه قد أطلع نبيه على ما دار بين زوجيه بشأن ذلك الحديث الذي أسره إلى بعض أزواجه. وأنه - صلى اللّه عليه وسلم - حين راجعها فيه اكتفى بالإشارة إلى جانب منه.
ترفعا عن السرد الطويل ، وتجملا عن الإطالة في التفصيل وأنه أنبأها بمصدر علمه وهو المصدر الأصيل :
«فلما نبأت به وأظهره اللّه عليه عرف بعضه وأعرض عن بعض. فلما نبأها به قالت : من أنبأك هذا؟

قال : نبأني العليم الخبير» ..
والإشارة إلى العلم والخبرة هنا إشارة مؤثرة في حالة التآمر والمكايدات المحبوكة وراء الأستار! ترد السائلة إلى هذه الحقيقة التي ربما نسيتها أو غفلت عنها ، وترد القلوب بصفة عامة إلى هذه الحقيقة كلما قرأت هذا القرآن.
ويتغير السياق من الحكاية عن حادث وقع إلى مواجهة وخطاب للمرأتين كأن الأمر حاضر :
«إِنْ تَتُوبا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُما. وَإِنْ تَظاهَرا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلاهُ وَجِبْرِيلُ وَصالِحُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمَلائِكَةُ بَعْدَ ذلِكَ ظَهِيرٌ» ..

وحين نتجاوز صدر الخطاب ، ودعوتهما إلى التوبة لتعود قلوبهما فتميل إلى اللّه ، فقد بعدت عنه بما كان منها .. حين نتجاوز هذه الدعوة إلى التوبة نجد حملة ضخمة هائلة وتهديدا رعيبا مخيفا ..

ومن هذه الحملة الضخمة الهائلة ندرك عمق الحادث وأثره في قلب رسول اللّه - صلى اللّه عليه وسلم - حتى احتاج الأمر إلى إعلان موالاة اللّه وجبريل وصالح المؤمنين. والملائكة بعد ذلك ظهير! ليطيب خاطر الرسول - صلى اللّه عليه وسلم - ويحس بالطمأنينة والراحة من ذلك الأمر الخطير! ولا بد أن الموقف في حس رسول اللّه - صلى اللّه عليه وسلم - وفي محيطه كان من الضخامة والعمق والتأثير إلى الحد الذي يتناسب مع هذه الحملة. ولعلنا ندرك حقيقته من هذا النص ومما جاء في الرواية على لسان الأنصاري صاحب عمر - رضي اللّه عنهما - وهو يسأله : جاءت غسان؟ فيقول لا بل أعظم من ذلك وأطول. وغسان هي الدولة العربية الموالية للروم في الشام على حافة الجزيرة ، وهجومها إذ ذاك أمر خطير. ولكن الأمر الآخر في نفوس المسلمين كان أعظم وأطول! فقد كانوا يرون أن استقرار هذا القلب الكبير ، وسلام هذا البيت الكريم أكبر من كل شأن. وأن اضطرابه وقلقه أخطر على الجماعة المسلمة من هجوم غسان عملاء الروم! وهو تقدير يوحي بشتى الدلالات على نظرة أولئك الناس للأمور. وهو تقدير يلتقي بتقدير السماء للأمر ، فهو إذن صحيح قويم عميق.

وكذلك دلالة الآية التالية ، وتفصيل صفات النساء اللواتي يمكن أن يبدل اللّه النبي بهن من أزواجه ولو طلقهن.
مع توجيه الخطاب للجميع في معرض التهديد :
«عَسى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبْدِلَهُ أَزْواجاً خَيْراً مِنْكُنَّ مُسْلِماتٍ ، مُؤْمِناتٍ ، قانِتاتٍ ، تائِباتٍ ، عابِداتٍ ، سائِحاتٍ ، ثَيِّباتٍ وَأَبْكاراً» ..

وهي الصفات التي يدعوهن إليها عن طريق الإيحاء والتلميح.
الإسلام الذي تدل عليه الطاعة والقيام بأوامر الدين. والإيمان الذي يعمر القلب ، وعنه ينبثق الإسلام حين يصح ويتكامل. والقنوت وهو الطاعة القلبية. والتوبة وهي الندم على ما وقع من معصية والاتجاه إلى الطاعة.

والعبادة وهي أداة الاتصال باللّه والتعبير عن العبودية له. والسياحة وهي التأمل والتدبر وللتفكر في إبداع اللّه والسياحة بالقلب في ملكوته. وهن - مع هذه الصفات - من الثيبات ومن الأبكار. كما أن نساءه الحاضرات كان فيهن الثيب وفيهن البكر. وهو تهديد لهن لا بد كان له ما يقتضيه من تأثير مكايداتهن في قلب رسول اللّه - صلى اللّه عليه وسلم - وما كان ليغضب من قليل! وقد رضيت نفس النبي - صلى اللّه عليه وسلم - بعد نزول هذه الآيات ، وخطاب ربه له ولأهل بيته.

واطمأن هذا البيت الكريم بعد هذه الزلزلة ، وعاد إليه هدوؤه بتوجيه اللّه سبحانه. وهو تكريم لهذا البيت ورعاية تناسب دوره في إنشاء منهج اللّه في الأرض وتثبيت أركانه.




وبعد فهذه صورة من الحياة البيتية لهذا الرجل الذي كان ينهض بإنشاء أمة ، وإقامة دولة ، على غير مثال معروف ، وعلى غير نسق مسبوق. أمة تنهض بحمل أمانة العقيدة الإلهية في صورتها الأخيرة ، وتنشئ في الأرض مجتمعا ربانيا ، في صورة واقعية يتأسى بها الناس.

وهي صورة من حياة إنسان كريم رفيع جليل عظيم. يزاول إنسانيته في الوقت الذي يزاول فيه نبوته. فلا تفترق هذه عن تلك لأن القدر جرى بأن يكون بشرا رسولا ، حينما جرى بأن يحمله الرسالة الأخيرة للبشر أو منهج الحياة الأخير.

إنها الرسالة الكاملة يحملها الرسول الكامل. ومن كمالها أن يظل الإنسان بها إنسانا. فلا تكبت طاقة من طاقاته البانية ، ولا تعطل استعدادا من استعداداته النافعة وفي الوقت ذاته تهذبه وتربيه ، وترتفع به إلى غاية مراقيه.

وكذلك فعل الإسلام بمن فقهوه وتكيفوا به ، حتى استحالوا نسخا حية منه. وكانت سيرة نبيهم وحياته الواقعية ، بكل ما فيها من تجارب الإنسان ، ومحاولات الإنسان ، وضعف الإنسان ، وقوة الإنسان ، مختلطة بحقيقة الدعوة السماوية ، مرتقية بها خطوة خطوة - كما يبدو في سيرة أهله وأقرب الناس إليه - كانت هي النموذج العملي للمحاولة الناجحة ، يراها ويتأثر بها من يريد القدوة الميسرة العملية الواقعية ، التي لا تعيش في هالات ولا في خيالات! وتحققت حكمة القدر في تنزيل الرسالة الأخيرة للبشر بصورتها الكاملة الشاملة المتكاملة. وفي اختيار الرسول الذي يطيق تلقيها وترجمتها في صورة حية. وفي جعل حياة هذا الرسول كتابا مفتوحا يقرؤه الجميع.
وتراجعه الأجيال بعد الأجيال ...

( يتبع )


















 

رد مع اقتباس