عرض مشاركة واحدة
قديم 01-31-2021, 01:01 PM   #148


مديح ال قطب غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 1751
 تاريخ التسجيل :  06-03-2020
 أخر زيارة : 08-13-2021 (12:56 PM)
 المشاركات : 34,369 [ + ]
 التقييم :  22241
 الدولهـ
Egypt
 الجنس ~
Male
لوني المفضل : Coral
افتراضي





















تابع – سورة التحريم

محور مواضيع السورة :

في ظلال هذا الحادث الذي كان وقعه عميقا في نفوس المسلمين ، يهيب القرآن بالذين آمنوا ليؤدوا واجبهم في بيوتهم من التربية والتوجيه والتذكير ، فيقوا أنفسهم وأهليهم من النار. ويرسم لهم مشهدا من مشاهدها.

وحال الكفار عندها. وفي ظلال الدعوة إلى التوبة التي وردت في سياق الحادث يدعو الذين آمنوا إلى التوبة ، ويصور لهم الجنة التي تنتظر التائبين. ثم يدعو النبي - صلى اللّه عليه وسلم - إلى جهاد الكفار والمنافقين ..
وهذا هو المقطع الثاني في السورة :
« يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ ناراً ، وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجارَةُ ، عَلَيْها مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدادٌ لا يَعْصُونَ اللَّهَ ما أَمَرَهُمْ ، وَيَفْعَلُونَ ما يُؤْمَرُونَ. يا أَيُّهَا الَّذِينَ كَفَرُوا لا تَعْتَذِرُوا الْيَوْمَ ، إِنَّما تُجْزَوْنَ ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ. يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحاً عَسى رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ ، وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ ، يَوْمَ لا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ ، نُورُهُمْ يَسْعى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمانِهِمْ ، يَقُولُونَ : رَبَّنا أَتْمِمْ لَنا نُورَنا ، وَاغْفِرْ لَنا إِنَّكَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ. يا أَيُّهَا النَّبِيُّ جاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ ، وَمَأْواهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ» ..

إن تبعة المؤمن في نفسه وفي أهله تبعة ثقيلة رهيبة. فالنار هناك وهو متعرض لها هو وأهله ، وعليه أن يحول دون نفسه وأهله ودون هذه النار التي تنتظر هناك. إنها نار. فظيعة متسعرة : «وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجارَةُ» ..

الناس فيها كالحجارة سواء. في مهانة الحجارة. وفي رخص الحجارة ، وفي قذف الحجارة. دون اعتبار ولا عناية. وما أفظعها نارا هذه التي توقد بالحجارة! وما أشده عذابا هذا الذي يجمع إلى شدة اللذع المهانة والحقارة! وكل ما بها وما يلابسها فظيع رهيب : «عَلَيْها مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدادٌ». تتناسب طبيعتهم مع طبيعة العذاب الذي هم به موكلون .. «لا يَعْصُونَ اللَّهَ ما أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ ما يُؤْمَرُونَ» .. فمن خصائصهم طاعة اللّه فيما يأمرهم ، ومن خصائصهم كذلك القدرة على النهوض بما يأمرهم .. وهم بغلظتهم هذه وشدتهم موكلون بهذه النار الشديدة الغليظة. وعلى المؤمن أن يقي نفسه وأن يقي أهله من هذه النار. وعليه أن يحول بينها وبينهم قبل أن تضيع الفرصة ولا ينفع الاعتذار. فها هم أولاء الذين كفروا يعتذرون وهم عليها وقوف ، فلا يؤبه لاعتذارهم ، بل يجبهون بالتيئيس :

«يا أَيُّهَا الَّذِينَ كَفَرُوا لا تَعْتَذِرُوا الْيَوْمَ. إِنَّما تُجْزَوْنَ ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ» ..
لا تعتذروا فليس اليوم يوم اعتذار ، إنما هو يوم الجزاء على ما كان من عمل. وقد عملتم ما تجزون عليه بهذه النار! فكيف يقي المؤمنون أنفسهم وأهليهم من هذه النار؟ إنه يبين لهم الطريق ، ويطمعهم بالرجاء :
«يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحاً ، عَسى رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ ، وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ. يَوْمَ لا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ ، نُورُهُمْ يَسْعى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمانِهِمْ ، يَقُولُونَ : رَبَّنا أَتْمِمْ لَنا نُورَنا ، وَاغْفِرْ لَنا إِنَّكَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ» ..

هذا هو الطريق .. توبة نصوح .. توبة تنصح القلب وتخلصه ، ثم لا تغشه ولا تخدعه.
توبة عن الذنب والمعصية ، تبدأ بالندم على ما كان ، وتنتهي بالعمل الصالح والطاعة ، فهي عندئذ تنصح القلب فتخلصه من رواسب المعاصي وعكارها وتحضه على العمل الصالح بعدها. فهذه هي التوبة النصوح.
التوبة التي تظل تذكر القلب بعدها وتنصحه فلا يعود إلى الذنوب.

فإذا كانت هذه التوبة فهي مرجوة إذن في أن يكفر اللّه بها السيئات. وأن يدخلهم الجنات. في اليوم الذي يخزي فيه الكفار كما هم في المشهد الذي سبق في السياق. ولا يخزي اللّه النبي والذين آمنوا معه.

وإنه لإغراء مطمع ، وتكريم عظيم ، أن يضم اللّه المؤمنين إلى النبي - صلى اللّه عليه وسلم - فيجعلهم معه صفا يتلقى الكرامة في يوم الخزي. ثم يجعل لهم نورا «يَسْعى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمانِهِمْ». نورا يعرفون به في ذلك اليوم الهائل المائج العصيب الرهيب. ونورا يهتدون به في الزحام المريج. ونورا يسعى بين أيديهم وبأيمانهم إلى الجنة في نهاية المطاف! وهم في رهبة الموقف وشدته يلهمون الدعاء الصالح بين يدي اللّه : «يَقُولُونَ : رَبَّنا أَتْمِمْ لَنا نُورَنا ، وَاغْفِرْ لَنا ، إِنَّكَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ» .. وإلهامهم هذا الدعاء في هذا الموقف الذي يلجم الألسنة ويسقط القلوب ، هو علامة الاستجابة. فما يلهم اللّه المؤمنين هذا الدعاء إلا وقد جرى قدره بأنه سيستجيب. فالدعاء هنا نعمة يمنّ بها اللّه عليهم تضاف إلى منة اللّه بالتكريم وبالنور.

فأين هذا من النار التي وقودها الناس والحجارة؟
إن هذا الثواب ، كذلك العقاب ، كلاهما يصور تبعة المؤمن في وقاية نفسه وأهله من النار ، وإنالتهم هذا النعيم في جنات تجري من تحتها الأنهار.

وفي ظلال ذلك الحادث الذي كان في بيوت النبي - صلى اللّه عليه وسلم - ندرك الإيحاء المقصود هنا من وراء هذه النصوص.
إن المؤمن مكلف هداية أهله ، وإصلاح بيته ، كما هو مكلف هداية نفسه وإصلاح قلبه.

( يتبع )


















 

رد مع اقتباس