عرض مشاركة واحدة
قديم 01-31-2021, 01:01 PM   #149


مديح ال قطب غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 1751
 تاريخ التسجيل :  06-03-2020
 أخر زيارة : 08-13-2021 (12:56 PM)
 المشاركات : 34,369 [ + ]
 التقييم :  22241
 الدولهـ
Egypt
 الجنس ~
Male
لوني المفضل : Coral
افتراضي






















تابع – سورة التحريم

محور مواضيع السورة :

إن الإسلام دين أسرة - كما أسلفنا في سورة الطلاق - ومن ثم يقرر تبعة المؤمن في أسرته ، وواجبه في بيته.
والبيت المسلم هو نواة الجماعة المسلمة ، وهو الخلية التي يتألف منها ومن الخلايا الأخرى ذلك الجسم الحي ..
المجتمع الإسلامي ..

إن البيت الواحد قلعة من قلاع هذه العقيدة. ولا بد أن تكون القلعة متماسكة من داخلها حصينة في ذاتها ، كل فرد فيها يقف على ثغرة لا ينفذ إليها. وإلا تكن كذلك سهل اقتحام المعسكر من داخل قلاعه ، فلا يصعب على طارق ، ولا يستعصي على مهاجم! وواجب المؤمن أن يتجه بالدعوة أول ما يتجه إلى بيته وأهله. واجبه أن يؤمن هذه القلعة من داخلها. واجبه أن يسد الثغرات فيها قبل أن يذهب عنها بدعوته بعيدا.

ولا بد من الأم المسلمة. فالأب المسلم وحده لا يكفي لتأمين القلعة. لا بد من أب وأم ليقوما كذلك على الأبناء والبنات. فعبثا يحاول الرجل أن ينشئ المجتمع الإسلامي بمجموعة من الرجال. لا بد من النساء في هذا المجتمع فهن الحارسات على النش ء ، وهو بذور المستقبل وثماره.

ومن ثم كان القرآن يتنزل للرجال وللنساء وكان ينظم البيوت ، ويقيمها على المنهج الإسلامي ، وكان يحمل المؤمنين تبعة أهليهم كما يحملهم تبعة أنفسهم : «يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ ناراً» ..
هذا أمر ينبغي أن يدركه الدعاة إلى الإسلام وأن يدركوه جيدا. إن أول الجهد ينبغي أن يوجه إلى البيت.
إلى الزوجة. إلى الأم. ثم إلى الأولاد وإلى الأهل بعامة. ويجب الاهتمام البالغ بتكوين المسلمة لتنشئ البيت المسلم. وينبغي لمن يريد بناء بيت مسلم أن يبحث له أولا عن الزوجة المسلمة. وإلا فسيتأخر طويلا بناء الجماعة الإسلامية. وسيظل البنيان متخاذلا كثير الثغرات! وفي الجماعة المسلمة الأولى كان الأمر أيسر مما هو في أيامنا هذه .. كان قد أنشئ مجتمع مسلم - في المدينة - يهيمن عليه الإسلام. يهيمن عليه بتصوره النظيف للحياة البشرية ، ويهيمن عليه بتشريعه المنبثق من هذا التصور.
وكان المرجع فيه ، مرجع الرجال والنساء جميعا ، إلى اللّه ورسوله. وإلى حكم اللّه وحكم رسوله. فإذا نزل الحكم فهو القضاء الأخير .. وبحكم وجود هذا المجتمع وسيطرة تصوره وتقاليده على الحياة كان الأمر سهلا بالنسبة للمرأة لكي تصوغ نفسها كما يريد الإسلام. وكان الأمر سهلا بالنسبة للأزواج كي ينصحوا نساءهم ويربوا أبناءهم على منهج الإسلام ..

نحن الآن في موقف متغير. نحن نعيش في جاهلية. جاهلية مجتمع. وجاهلية تشريع. وجاهلية أخلاق.
وجاهلية تقاليد. وجاهلية نظم. وجاهلية آداب. وجاهلية ثقافة كذلك!! والمرأة تتعامل مع هذا المجتمع الجاهلي ، وتشعر بثقل وطأته الساحقة حين تهم أن تلبي الإسلام ، سواء اهتدت إليه بنفسها ، أو هداها إليه رجلها. زوجها أو أخوها أو أبوها ..

هناك كان الرجل والمرأة والمجتمع. كلهم. يتحاكمون إلى تصور واحد ، وحكم واحد ، وطابع واحد.
فأما هنا فالرجل يتحاكم إلى تصور مجرد لا وجود له في دنيا الواقع. والمرأة تنوء تحت ثقل المجتمع الذي يعادي ذلك التصور عداء الجاهلية الجامح! وما من شك أن ضغط المجتمع وتقاليده على حس المرأة أضعاف ضغطه على حس الرجل! وهنا يتضاعف واجب الرجل المؤمن. إن عليه أن يقي نفسه النار! ثم عليه أن يقي أهله وهم تحت هذا الضغط الساحق والجذب العنيف! فينبغي له أن يدرك ثقل هذا الواجب ليبذل له من الجهد المباشر أضعاف ما كان يبذله أخوه في الجماعة المسلمة الأولى. ويتعين حينئذ على من يريد أن ينشئ بيتا أن يبحث أولا عن حارسة للقلعة ، تستمد تصورها من مصدر تصوره هو .. من الإسلام .. وسيضحي في هذا بأشياء : سيضحي بالالتماع الكاذب في المرآة.

سيضحي بخضراء الدمن! سيضحي بالمظهر البراق للجيف الطافية على وجه المجتمع. ليبحث عن ذات الدين ، التي تعينه على بناء بيت مسلم ، وعلى إنشاء قلعة مسلمة! ويتعين على الآباء المؤمنين الذين يريدون البعث الإسلامي أن يعلموا أن الخلايا الحية لهذا البعث وديعة في أيديهم وأن عليهم أن يتوجهوا إليهن وإليهم بالدعوة والتربية والإعداد قبل أي أحد آخر. وأن يستجيبوا للّه وهو يدعوهم : «يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ ناراً» ونرجع الكرة - بهذه المناسبة - إلى طبيعة الإسلام التي تقتضي قيام الجماعة المسلمة التي يهيمن عليها الإسلام ، والتي يتحقق فيها وجوده الواقعي. فهو مبني على أساس أن تكون هناك جماعة. الإسلام عقيدتها ، والإسلام نظامها ، والإسلام شريعتها ، والإسلام منهجها الكامل الذي تستقي منه كل تصوراتها .
هذه الجماعة هي المحضن الذي يحمي التصور الإسلامي ويحمله إلى النفوس ، ويحميها من ضغط المجتمع الجاهلي ، كما يحميها من فتنة الإيذاء سواء.

ومن ثم تتبين أهمية الجماعة المسلمة التي تعيش فيها الفتاة المسلمة والمرأة المسلمة ، محتمية بها من ضغط المجتمع الجاهلي حولها. فلا تتمزق مشاعرها بين مقتضيات تصورها الإسلامي وبين تقاليد المجتمع الجاهلي الضاغط الساحق. ويجد فيها الفتى المسلم شريكة في العش المسلم ، أو في القلعة المسلمة ، التي يتألف منها ومن نظيراتها المعسكر الإسلامي.

إنها ضرورة - وليست نافلة - أن تقوم جماعة مسلمة ، تتواصى بالإسلام ، وتحتضن فكرته وأخلاقه وآدابه وتصوراته كلها ، فتعيش بها فيما بينها ، وتعيش لها تحرسها وتحميها وتدعو إليها ، في صورة واقعية يراها من يدعون إليها من المجتمع الجاهلي الضال ليخرجوا من الظلمات إلى النور بإذن اللّه. إلى أن يأذن اللّه بهيمنة الإسلام.
حتى تنشأ الأجيال في ظله ، في حماية من الجاهلية الضاربة الأطناب ..

وفي سبيل حماية الجماعة المسلمة الأولى كان الأمر لرسول اللّه - صلى اللّه عليه وسلم - بمجاهدة أعدائها :
«يا أَيُّهَا النَّبِيُّ جاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنافِقِينَ ، وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ ، وَمَأْواهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ» ..
وهي لفتة لها معناها وقيمتها بعد ما تقدم من أمر المؤمنين بوقاية أنفسهم وأهليهم من النار. وبالتوبة النصوح التي تكفر عنهم السيئات وتدخلهم الجنة تجري من تحتها الأنهار ..
لها معناها وقيمتها في ضرورة حماية المحضن الذي تتم فيه الوقاية من النار. فلا تترك هذه العناصر المفسدة الجائرة الظالمة ، تهاجم المعسكر الإسلامي من خارجه كما كان الكفار يصنعون. أو تهاجمه من داخله كما كان المنافقون يفعلون.

وتجمع الآية بين الكفار والمنافقين في الأمر بجهادهم والغلظة عليهم. لأن كلا من الفريقين يؤدي دورا مماثلا في تهديد المعسكر الإسلامي ، وتحطيمه أو تفتيته. فجهادهم هو الجهاد الواقي من النار. وجزاؤهم هو الغلظة عليهم من رسول اللّه والمؤمنين في الدنيا.

«وَمَأْواهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ» في الآخرة! وهكذا تتناسق هذه الجولة فيما بين آياتها واتجاهاتها كما تتناسق بجملتها مع الجولة الأولى في السياق ..

ثم تجيء الجولة الثالثة والأخيرة. وكأنها التكملة المباشرة للجولة الأولى. إذ تتحدث عن نساء كافرات في بيوت أنبياء. ونساء مؤمنات في وسط كفار :
«ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ كَفَرُوا امْرَأَتَ نُوحٍ وَامْرَأَتَ لُوطٍ ، كانَتا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبادِنا صالِحَيْنِ ، فَخانَتاهُما فَلَمْ يُغْنِيا عَنْهُما مِنَ اللَّهِ شَيْئاً ، وَقِيلَ : ادْخُلَا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ .. وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ آمَنُوا امْرَأَتَ فِرْعَوْنَ ، إِذْ قالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتاً فِي الْجَنَّةِ ، وَنَجِّنِي مِنْ فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ ، وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ. وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَها فَنَفَخْنا فِيهِ مِنْ رُوحِنا ، وَصَدَّقَتْ بِكَلِماتِ رَبِّها وَكُتُبِهِ. وَكانَتْ مِنَ الْقانِتِينَ» ..
والمأثور في تفسير خيانة امرأة نوح وامرأة لوط ، أنها كانت خيانة في الدعوة ، وليست خيانة الفاحشة.

امرأة نوح كانت تسخر منه مع الساخرين من قومه وامرأة لوط كانت تدل القوم على ضيوفه وهي تعلم شأنهم مع ضيوفه! والمأثور كذلك عن امرأة فرعون أنها كانت مؤمنة في قصره - ولعلها كانت أسيوية من بقايا المؤمنين بدين سماوي قبل موسى. وقد ورد في التاريخ أن أم «أمنحوتب الرابع» الذي وحد الآلهة في مصر ورمز للإله الواحد بقرص الشمس ، وسمى نفسه «إخناتون» .. كانت أسيوية على دين غير دين المصريين .. واللّه أعلم إن كانت هي المقصودة في هذه السورة أم إنها امرأة فرعون موسى .. وهو غير «أمنحوتب» هذا ..

ولا يعنينا هنا التحقيق التاريخي لشخص امرأة فرعون. فالإشارة القرآنية تعني حقيقة دائمة مستقلة عن الأشخاص. والأشخاص مجرد أمثلة لهذه الحقيقة ..

إن مبدأ التبعة الفردية يراد إبرازه هنا ، بعد الأمر بوقاية النفس والأهل من النار. كما يراد أن يقال لأزواج النبي - صلى اللّه عليه وسلم - وأزواج المؤمنين كذلك : إن عليهن أنفسهن بعد كل شيء. فهن مسؤولات عن ذواتهن ، ولن يعفيهن من التبعة أنهن زوجات نبي أو صالح من المسلمين! وها هي ذي امرأة نوح. وكذلك امرأة لوط. «كانَتا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبادِنا صالِحَيْنِ» .. «فَخانَتاهُما» ..
«فَلَمْ يُغْنِيا عَنْهُما مِنَ اللَّهِ شَيْئاً» .. «وَقِيلَ : ادْخُلَا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ» ..
فلا كرامة ولا شفاعة في أمر الكفر والإيمان. وأمر الخيانة في العقيدة حتى لأزواج الأنبياء! وها هي ذي امرأة فرعون ، لم يصدها طوفان الكفر الذي تعيش فيه .. في قصر فرعون .. عن طلب النجاة وحدها .. وقد تبرأت من قصر فرعون طالبة إلى ربها بيتا في الجنة. وتبرأت من صلتها بفرعون فسألت ربها النجاة منه. وتبرأت من عمله مخافة أن يلحقها من عمله شيء وهي ألصق الناس به : «وَنَجِّنِي مِنْ فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ»
..
وتبرأت من قوم فرعون وهي تعيش بينهم : «وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ» ..
ودعاء امرأة فرعون وموقفها مثل للاستعلاء على عرض الحياة الدنيا في أزهى صوره. فقد كانت امرأة فرعون أعظم ملوك الأرض يومئذ. في قصر فرعون أمتع مكان تجد فيه امرأة ما تشتهي .. ولكنها استعلت على هذا بالإيمان. ولم تعرض عن هذا العرض فحسب ، بل اعتبرته شرا ودنسا وبلاء تستعيذ باللّه منه ، وتتفلت من عقابيله ، وتطلب النجاة منه! وهي امرأة واحدة في مملكة عريضة قوية .. وهذا فضل آخر عظيم. فالمرأة - كما أسلفنا - أشد شعورا وحساسية بوطأة المجتمع وتصوراته. ولكن هذه المرأة .. وحدها .. في وسط ضغط المجتمع ، وضغط القصر ، وضغط الملك ، وضغط الحاشية ، والمقام الملوكي. في وسط هذا كله رفعت رأسها إلى السماء .. وحدها ..
في خضم هذا الكفر الطاغي! وهي نموذج عال في التجرد للّه من كل هذه المؤثرات وكل هذه الأواصر ، وكل هذه المعوقات ، وكل هذه الهواتف. ومن ثم استحقت هذه الإشارة في كتاب اللّه الخالد. الذي تتردد كلماته في جنبات الكون وهي تتنزل من الملأ الأعلى ..

( يتبع )

















 

رد مع اقتباس