عرض مشاركة واحدة
قديم 01-31-2021, 01:02 PM   #150


مديح ال قطب غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 1751
 تاريخ التسجيل :  06-03-2020
 أخر زيارة : 08-13-2021 (12:56 PM)
 المشاركات : 34,369 [ + ]
 التقييم :  22241
 الدولهـ
Egypt
 الجنس ~
Male
لوني المفضل : Coral
افتراضي





















تابع – سورة التحريم

محور مواضيع السورة :

«وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرانَ» .. إنها كذلك مثل للتجرد للّه منذ نشأتها التي قصها اللّه في سور أخرى. ويذكر هنا تطهرها : «الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَها» .. يبرئها مما رمتها به يهود الفاجرة! «فَنَفَخْنا فِيهِ مِنْ رُوحِنا». ومن هذه النفخة كان عيسى عليه السلام ، كما هو مفصل في السورة المفصلة لهذا المولد «سورة مريم» فلا نستطرد معه هنا تمشيا مع ظل النص الحاضر ، الذي يستهدف تصوير طهارة مريم وإيمانها الكامل وطاعتها : «وَصَدَّقَتْ بِكَلِماتِ رَبِّها وَكُتُبِهِ وَكانَتْ مِنَ الْقانِتِينَ» ..

وإفراد امرأة فرعون بالذكر هنا مع مريم ابنة عمران يدل على المكانة العالية التي جعلتها قرينة مريم في الذكر. بسبب ملابسات حياتها التي أشرنا إليها. وهما الاثنتان نموذجان للمرأة المتطهرة المؤمنة المصدقة القانتة يضربهما اللّه لأزواج النبي - صلى اللّه عليه وسلم - بمناسبة الحادث الذي نزلت فيه آيات صدر السورة ، ويضربهما للمؤمنات من بعد في كل جيل ..

وأخيرا فإن هذه السورة - وهذا الجزء كله - قطعة حية من السيرة ، رسمها القرآن بأسلوبه الموحي. لا تملك روايات البشر التاريخية عن تلك الفترة أن ترسمها. فالتعبير القرآني أكثر إيحاء ، وأبعد آمادا ، وهو يستخدم الحادثة المفردة لتصوير الحقيقة المجردة ، الباقية وراء الحادثة ووراء الزمان والمكان .. كما هو شأن القرآن ..

قال الصابوني:

* سورة التحريم من السور المدنية التي تتناول الشئون التشريعية، وهي هنا تعالج قضايا وأحكامأ تتعلق (ببيت النبوة) وبأمهات المؤمنين أزواج رسول الله صلى الله عليه وسلم الطاهرات، وذلك في إطار تهيئة البيت المسلم، والنموذج الأكمل للأسرة السعيدة، المتمسكة بآداب بالإسلام.

* تناولت السورة الكريمة في البدء الحديث عن تحريم الرسول صلى الله عليه وسلم لجاريته ومملوكته (مارية القبطية) على نفسه، وامتناعه عن معاشرتها إرضاء لرغبة بعض زوجاته الطاهرات، وجاء العتاب له لطيفا رقيقا، يشف عن عناية الله بعبده ورسوله محمد صلى الله عليه وسلم أن يضيق على نفسه ما وسعه الله له {يا أيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك تبتغي مرضات أزواجك..} الآية.

* ثم تناولت السورة أمرا على جانب كبير من الخطورة، ألا وهو (إفشاء السر) الذي يكون بين الزوجين، والذي يهدد الحياة الزوجية، وضربت المثل على ذلك برسول الله صلى الله عليه وسلم حين أسر إلى حفصة بسر واستكتمها إياه، فأفشته إلى عائشة، حتى شاع الأمر وذاع، مما أغضب الرسول حتى هم بتطليق أزواجه {وإذ أسر النبي إلى بعض أزواجه حدبثا..} الآية.

* وحملت السورة الكريمة حملة شديدة عنيفة، على أزواج النبي صلى الله عليه وسلم حين حدث ما حدث بينهن من التنافس، وغيرة بعضهن من بعض، لأمور يسيرة، وتوعدتهن بإبدال الله لرسوله صلى الله عليه وسلم بنساء خير منهن، انتصارا لرسول الله صلى الله عليه وسلم {عسى ربه إن طلقكن أن يبدله أزواجا خيرا منكن مسلمات مؤمنات قانتات تائبات..} الآية.

* وختمت السورة بضرب مثلين: مثل (للزوجة الكافرة) في عصمة الرجل الصالح المؤمن، ومثل! (للزوجة المؤمنة) في عصمة الرجل الفاجر الكافر، تنبيها للعباد على أنه لا يغني في الآخرة أحد عن أحد، ولا ينفع حسب ولا نسب، إذا لم يكن عمل الإنسان صالحا {ضرب الله مثلا للذين كفروا امرأة نوح وامرأة لوط كانتا تحت عبدين من عبادنا صالحين فخانتاهما} أي كفرتا بالله ولم تؤمنا {فلم يغنيا عنهما من الله شيئا وقيل أدخلا النار مع الداخلين وضرب الله مثلا للذين آمنوا امرأة فرعون إذ قالت رب ابن لي عندك بيتا في الجنة..} الآيات. وهو ختم رائع يتناسق مع جو السورة وهدفها في ترسيخ دعائم الفضيلة والإيمان.




قال محمد الغزالي:

أمهات المؤمنين خيرة نساء الأمة وأعلاهن طهرا ومكانة وتقوى، وقد صحبن النبي الكريم وعاونه! على أداء رسالته وارتفعن إلى ما يتلى في بيوتهن من آيات الله والحكمة، وقد آخذهن الله بأمرين معروفين في السيرة: الأول، اتفاقهن على مطالبة النبي بالمزيد من النفقة، وضيقهن بالمعيشة الناشفة التي التزمها. وقد رضين جميعا بالبقاء معه عندما أكد لهن أنه ما بد من هذه الحياة لمن يريد الله ورسوله والدار الآخرة! أما الأمر الثانى فإن النبي كان لطيف العشرة لين الجانب دميث الأخلاق، فأطمع ذلك بعض نسائه في الجراءة عليه. وكانت الغيرة هي السبب، فزعمت إحداهن أنها شمت منه رائحة غير طبيعية، فقال: شربت عسلا عند زينب! فقالت: لعل نحله وقع على نبات سيئ. فقال: لا أعود إليه ولا تخبرى أحدا. ثم ظهر أن القصة مفتعلة، وأنها مؤامرة لتزهيده في فلانة!! وغضب الرسول لما وقع، وهجر نساءه جميعا حتى شاع أنه طلقهن! ونزلت سورة التحريم تطفئ هذه الفتنة وتؤدب من أحرج الرسول وأساء المسلك، وبدأت بالآية {يا أيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك تبتغي مرضاة أزواجك والله غفور رحيم قد فرض الله لكم تحلة أيمانكم...} والعلماء على أن تحريم الحلال يمين، وكفارته كفارة يمين، وليس لأحد أن يحزم ما أباح الله. ثم أومأ الوحى إلى القصة. والمفسرون يذكرون أن حفصة بنت عمر وعائشة بنت أبى بكر هما سبب ما حدث، والمعنيتان بقوله تعالى: {إن تتوبا إلى الله فقد صغت قلوبكما وإن تظاهرا عليه فإن الله هو مولاه وجبريل وصالح المؤمنين والملائكة بعد ذلك ظهير}.

ومعنى {صغت قلوبكما} انحرفت وجدير بكما إصلاحها وإلا أصابكما ما يحبط عملكما ويعزلكما عن سائر الصالحين! ثم اتجه الخطاب إلى نساء النبي ينصحهن بالوعى والاعتدال وتقدير الأدب الرفيع الذي يعاملن به {عسى ربه إن طلقكن أن يبدله أزواجا خيرا منكن مسلمات مؤمنات قانتات تائبات عابدات سائحات ثيبات وأبكارا}. إن الشمائل الجميلة الحلوة لصاحب الرسالة لا يسوغ أن تكون سببا في إزعاجه وإتعابه. وبيت النبوة ليس مسرحا للغيرة والتحاسد وإنما هو صومعة عبادة ومجال إقبال على الآخرة، وتفان في مرضاة الله. ولعل ما ختمت به السورة تلويح شديد القسوة لمن شاركن في إغضاب الرسول وأثرن الحزن في نفسه.

إن امرأة نوح وامرأة لوط لم يساعدا رجالهما في إبلاع الدعوة، بل كانتا عونا لأعداء الله وخصوم الوحى {ضرب الله مثلا للذين كفروا امرأة نوح وامرأة لوط كانتا تحت عبدين من عبادنا صالحين فخانتاهما فلم يغنيا عنهما من الله شيئا وقيل ادخلا النار مع الداخلين}. والخيانة المذكورة ليست في الناحية الجنسية، فتلك غضاضة يأباها الله على عباده المرسلين، وإنما هي خيانة الدعوة والهدف الأسمى من الحياة.. كانت لسقرأط امرأة سليطة تزدرى شخصه وتستهجن فلسفته وتنغص حياته! وكانت لنوح ولوط نسوة ينصرن أقاربهن ويخذلن أزواجهن ويكرهن الله ورسله! فجعلهن الله مع الكفار في مصير واحد {وقيل ادخلا النار مع الداخلين}. والمسئولية الشخصية أساس الحساب في الإسلام فلا يغنى والد عن ولد ولا زوج عن زوجة. وسيدخل فرعون النار وتفوز امرأته بالجنة لا يمسها من عمله شيء. وبين أوائل السورة وخواتيمها، طلب الله من أرباب الأمر أن يرقبوا بيوتهم ويجعلوها مهادا للنعيم المقيم وحجابا عن العذاب الشديد {يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم نارا وقودها الناس والحجارة...}. ثم بين جل شأنه أن الله لم يكلف الناس بالعصمة فلا يخطئوا أبدا، بل أمرهم إذا أخطئوا أن يثوبوا إلى رشدهم ويرجعوا إلى ربهم ويستفيدوا من التجارب ما يرزقهم الصواب ويحصنهم من الانزلاق {يا أيها الذين آمنوا توبوا إلى الله توبة نصوحا...} والتوبة النصوح هي التي تصنع ضميرا آمرا بالخير زاجرا عن الشر مذكرا بالله.
ومما يذكر هنا أن بعض المستشرقين استنكر على الوحى الإلهى أن يعنى بنزاع ثار في بيت محمد، وأن يشغل الناس به. وقد سرد الدكتور محمد حسين هيكل الشبهة ثم قال: أليست القصة أولى بالذكر مما أورده الكتاب المقدس عن زنى لوط بابنتيه بعدما أسكرتاه وأفقدتاه الوعى؟ ونقولى نحن: أوليست أولى بالذكر من زنى أحد الأنبياء بامرأة ابنه، والثمن الذي دفعه في هذه الفعلة الشنعاء.. إن المستشرقين يلمحون القشة في عيون الآخرين ولا يحسون الخشبة في عيونهم. ولله في خلقه شئون.

( يتبع – سورة الملك )

















 

رد مع اقتباس