عرض مشاركة واحدة
قديم 03-13-2021, 06:23 PM   #190


مديح ال قطب غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 1751
 تاريخ التسجيل :  06-03-2020
 أخر زيارة : 08-13-2021 (12:56 PM)
 المشاركات : 34,369 [ + ]
 التقييم :  22241
 الدولهـ
Egypt
 الجنس ~
Male
لوني المفضل : Coral
افتراضي









تابع – سورة الحاقة

محور مواضيع السورة :

وهو مشهد حي ماثل للعين، ماثل للقلب، ماثل للخيال! وكذلك سائر مشاهد الأخذ الشديد العنيف في السورة.

ثم هذه مشاهد النهاية المروعة لهذا الكون. هذه هي تخايل للحس، وتقرقع حوله، وتغمره بالرعب والهول والكآبة. ومن ذا الذي يسمع: {وحملت الأرض والجبال فدكتا دكة واحدة}.. ولا يسمع حسه القرقعة بعد ما ترى عينه الرفعة ثم الدكة!! ومن الذي يسمع:


{وانشقت السماء فهي يومئذ واهية والملك على أرجائها}.. ولا يتمثل خاطره هذه النهاية الحزينة، وهذا المشهد المفجع للسماء الجميلة المتينة؟! ثم من الذي لا يغمر حسه الجلال والهول وهو يسمع: {والملك على أرجائها ويحمل عرش ربك فوقهم يومئذ ثمانية يومئذ تعرضون لا تخفى منكم خافية}..

ومشهد الناجي الآخذ كتابه بيمينه والدنيا لا تسعه من الفرحة، وهو يدعو الخلائق كلها لتقرأ كتابه في رنة الفرح والغبطة: هاؤم اقرؤوا كتابيه. إني ظننت أني ملاق حسابيه!

ومشهد الهالك الآخذ كتابه بشماله. والحسرة تئن في كلماته ونبراته وإيقاعاته: {يا ليتني لم أوت كتابيه ولم أدر ما حسابيه يا ليتها كانت القاضية ما أغنى عني ماليه هلك عني سلطانيه}.

ومن ذا الذي لا يرتعش حسه، وهو يسمع ذلك القضاء الرهيب: خذوه، فغلوه، ثم الجحيم صلوه، ثم في سلسلة ذرعها سبعون ذراعا فاسلكوه... إلخ.. وهو يشهد كيف يتسابق المأمورون إلى تنفيذ الأمر الرهيب الجليل في ذلك البائس الحسير!

وحاله هناك: فليس له اليوم هاهنا حميم، ولا طعام إلا من غسلين. لا يأكله إلا الخاطئون.

وأخيرا فمن ذا الذي لا تأخذه الرجفة وتلفه الرهبة، وهو يتمثل في الخيال صورة التهديد الشديد: {ولو تقول علينا بعض الأقاويل لأخذنا منه باليمين ثم لقطعنا منه الوتين فما منكم من أحد عنه حاجزين}..

إنها مشاهد من القوة والحيوية والحضور بحيث لا يملك الحس أن يتلفت عنها طوال السورة، وهي تلح عليه، وتضغط، وتتخلل الأعصاب والمشاعر في تأثير حقيقي عنيف!


ويشارك إيقاع الفاصلة في السورة، برنته الخاصة وتنوع هذه الرنة، وفق المشاهد والمواقف في تحقيق ذلك التأثير الحي العميق.. فمن المد والتشديد والسكت في مطلع السورة:
{الحاقة ما الحاقة وما أدراك ما الحاقة}.. إلى الرنة المدوية في الياء والهاء الساكنة بعدها. سواء كانت تاء مربوطة يوقف عليها بالسكون، أو هاء سكت مزيدة لتنسيق الإيقاع، طوال مشاهد التدمير في الدنيا والآخرة، ومشاهد الفرحة والحسرة في موقف الجزاء. ثم يتغير الإيقاع عند إصدار الحكم إلى رنة رهيبة جليلة مديدة: {خذوه فغلوه ثم الجحيم صلوه..}.. ثم يتغير مرة أخرى عند تقرير أسباب الحكم، وتقرير جدية الأمر، إلى رنة رزينة جادة حاسمة ثقيلة مستقرة على الميم أو النون: نه كان لا يؤمن بالله العظيم. ولا يحض على طعام المسكين. فليس له اليوم هاهنا حميم ولا طعام إلا من غسلين.. {وإنه لحق اليقين فسبح باسم ربك العظيم}..

وهذا التغير في حرف الفاصلة وفي نوع المد قبلها وفي الإيقاع كله ظاهرة ملحوظة تتبع تغير السياق والمشاهدوالجو، وتتناسق مع الموضوع والصور والظلال تمام التناسق. وتشارك في إحياء المشاهد وتقوية وقعها على الحس. في السورة القوية الإيقاع العميقة التأثير.



إنها سورة هائلة رهيبة. قل أن يتلقاها الحس إلا بهزة عميقة. وهي بذاتها أقوى من كل استعراض ومن كل تحليل، ومن كل تعليق!

«الْحَاقَّةُ. مَا الْحَاقَّةُ؟. وَما أَدْراكَ مَا الْحَاقَّةُ؟» ..
القيامة ومشاهدها وأحداثها تشغل معظم هذه السورة. ومن ثم تبدأ السورة باسمها ، وتسمى به ، وهو اسم مختار بجرسه ومعناه كما أسلفنا. فالحاقة هي التي تحق فتقع. أو تحق فتنزل بحكمها على الناس. أو تحق فيكون فيها الحق .. وكلها معان تقريرية جازمة تناسب اتجاه السورة وموضوعها. ثم هي بجرسها كما بينا من قبل تلقي إيقاعا معينا يساوق هذا المعنى الكامن فيها ، ويشارك في إطلاق الجو المراد بها ويمهد لما حق على المكذبين بها.
في الدنيا وفي الآخرة جميعا.

والجو كله في السورة جو جد وجزم ، كما أنه جو هول وروع. وهو يوقع في الحس إلى جانب ما أسلفنا في التقديم ، شعورا بالقدرة الإلهية الكبرى من جهة ، وبضالة الكائن الإنساني تجاه هذه القدرة من جهة أخرى وأخذها له أخذا شديدا في الدنيا والآخرة ، عند ما يحيد أو يتلفت عن هذا النهج الذي يريده اللّه للبشرية ، ممثلا فيما يجيء به الرسل من الحق والعقيدة والشريعة فهو لا يجيء ليهمل ، ولا ليبدل ، إنما يجيء ليطاع ويحترم ، ويقابل بالتحرج والتقوى. وإلا فهناك الأخذ والقصم ، وهناك الهول والروع.

( يتبع )









 

رد مع اقتباس