عرض مشاركة واحدة
قديم 03-13-2021, 06:28 PM   #198


مديح ال قطب غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 1751
 تاريخ التسجيل :  06-03-2020
 أخر زيارة : 08-13-2021 (12:56 PM)
 المشاركات : 34,369 [ + ]
 التقييم :  22241
 الدولهـ
Egypt
 الجنس ~
Male
لوني المفضل : Coral
افتراضي








.
.
.


.
.
.


.
.
.
.








تابع – سورة الحاقة

محور مواضيع السورة :

وحكى عن الثاني (النضر بن الحارث) قال :
«فقال يا معشر قريش. إنه واللّه قد نزل بكم أمر ما أتيتم له بحيلة بعد. قد كان محمد فيكم غلاما حدثا ، أرضاكم فيكم ، وأصدقكم حديثا ، وأعظمكم أمانة ، حتى إذا رأيتم في صدغيه الشيب ، وجاءكم بما جاءكم به قلتم : ساحر! لا واللّه ، ما هو بساحر. لقد رأينا السحرة ونفثهم وعقدهم. وقلتم كاهن! لا واللّه ما هو بكاهن.

قد رأينا الكهنة وتخالجهم ، وسمعنا سجعهم. وقلتم : شاعر! لا واللّه ما هو بشاعر. قد رأينا الشعر ، وسمعنا أصنافه كلها هزجه ورجزه. وقلتم : مجنون! لقد رأينا الجنون فما هو بخنقه ولا وسوسته ولا تخليطه. يا معشر قريش ، فانظروا في شأنكم ، فإنه واللّه قد نزل بكم أمر عظيم ...».

والمطابقة تكاد تكون تامة - بين قوله وقول عتبة. وقد يكون هو حادثا واحدا نسب مرة إلى هذا ومرة إلى ذاك.
ولكن لا نستبعد كذلك أن يتطابق قولان لرجلين من كبار قريش في موقفين متشابهين من مواقف حيرتهم تجاه هذا القرآن! وأما موقف عتبة فقد سبقت حكايته في استعراضنا لسورة القلم في هذا الجزء .. وهو قريب من موقف الوليد والنضر تجاه محمد وتجاه القول الذي جاء به ..
فما كان قولهم : ساحر أو كاهن ، إلا حيلة ما كرة أحيانا وشبهة مفضوحة أحيانا. والأمر أوضح من أن يلتبس عند أول تدبر وأول تفكير. وهو من ثم لا يحتاج إلى قسم بما يعلمون وما لا يعلمون : إنه لقول رسول كريم.


وما هو بقول شاعر. ولا بقول كاهن .. إنما هو تنزيل من رب العالمين.
وتقرير أنه قول رسول كريم لا يعني أنه من إنشائه ، ولكن المراد هنا أنه قول من نوع آخر. لا يقوله شاعر ، ولا يقوله كاهن ، إنما يقوله رسول ، يرسل به من عند اللّه ، فيحمله من هناك ، من ذلك المصدر الذي أرسله. والذي يعين هذا المعنى هو كلمة رسول. أي مرسل به من عند ربه ، وليس شاعرا ولا كاهنا يقوله من عند نفسه.
أو بمساعدة رئي أو شيطان .. إنما هو رسول يقول ما يحمله عمن أرسله. ويقرر هذا تقريرا حاسما ما جاء بعده :

«تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ» ..
والتعقيب : «قَلِيلًا ما تُؤْمِنُونَ» .. «قَلِيلًا ما تَذَكَّرُونَ» .. مدلوله نفي الإيمان ، ونفي التذكر. وفق تعبيرات اللغة المألوفة. وفي الحديث في وصف رسول اللّه - صلى اللّه عليه وسلم - «إنه كان يقل اللغو». أي لا يلغو أصلا .. فقد نفى عنهم أصل الإيمان وأصل التذكر. وإلا فما يقول مؤمن عن الرسول : إنه شاعر ، ولا يقول متذكر متدبر : إنه كاهن. إنما هما الكفر والغفلة ينضحان بهذا القول النكير! وفي النهاية يجيء ذلك التهديد الرعيب ، لمن يفتري على اللّه في شأن العقيدة وهي الجد الذي لا هوادة فيه.
يجيء لتقرير الاحتمال الواحد الذي لا احتمال غيره ، وهو صدق الرسول - صلى اللّه عليه وسلم - وأمانته فيما أبلغه إليهم أو يبلغه. بشهادة أن اللّه لم يأخذه أخذا شديدا. كما هو الشأن لو انحرف أقل انحراف عن أمانة التبليغ :

«وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنا بَعْضَ الْأَقاوِيلِ. لَأَخَذْنا مِنْهُ بِالْيَمِينِ. ثُمَّ لَقَطَعْنا مِنْهُ الْوَتِينَ. فَما مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حاجِزِينَ» ..
ومفاد هذا القول من الناحية التقريرية أن محمدا - صلى اللّه عليه وسلم - صادق فيما أبلغهم. وأنه لو تقول بعض الأقاويل التي لم يوح بها إليه ، لأخذه اللّه فقتله على هذا النحو الذي وصفته الآيات. ولما كان هذا لم يقع فهو لا بد صادق.


هذه هي القضية من الناحية التقريرية .. ولكن المشهد المتحرك الذي ورد فيه هذا التقرير شيء آخر ، يلقي ظلالا بعيدة وراء المعنى التقريري. ظلالا فيها رهبة وفيها هول. كما أن فيها حركة وفيها حياة. ووراءها إيحاءات وإيماءات وإيقاعات! فيها حركة الأخذ باليمين وقطع الوتين. وهي حركة عنيفة هائلة مروعة حية في الوقت ذاته. ووراءها الإيحاء بقدرة اللّه العظيمة وعجز المخلوق البشري أمامها وضعفه .. البشر أجمعين .. كما أن وراءها الإيماء إلى جدية هذا الأمر التي لا تحتمل تسامحا ولا مجاملة لأحد كائنا من كان. ولو كان هو محمد الكريم عند اللّه الأثير الحبيب. ووراءها بعد هذا كله إيقاع الرهبة والهول والخشوع! وأخيرا تجيء الخاتمة التقريرية بحقيقة هذا الأمر وطبيعته القوية :
«وَإِنَّهُ لَتَذْكِرَةٌ لِلْمُتَّقِينَ. وَإِنَّا لَنَعْلَمُ أَنَّ مِنْكُمْ مُكَذِّبِينَ. وَإِنَّهُ لَحَسْرَةٌ عَلَى الْكافِرِينَ. وَإِنَّهُ لَحَقُّ الْيَقِينِ».

فهذا القرآن يذكر القلوب التقية فتذكر. إن الحقيقة التي جاء بها كامنة فيها. فهو يثيرها فيها ويذكرها بها فتتذكرها. فأما الذين لا يتقون فقلوبهم مطموسة غافلة لا تتفتح ولا تتذكر ، ولا تفيد من هذا الكتاب شيئا.
وإن المتقين ليجدون فيه من الحياة والنور والمعرفة والتذكير ما لا يجده الغافلون.

«وَإِنَّا لَنَعْلَمُ أَنَّ مِنْكُمْ مُكَذِّبِينَ» .. ولكن هذا لا يؤثر في حقيقة هذا الأمر ، ولا يغير من هذه الحقيقة. فأمركم أهون من أن يؤثر في حقائق الأمور.

وَإِنَّهُ لَحَسْرَةٌ عَلَى الْكافِرِينَ» .. بما يرفع من شأن المؤمنين ، ويحط من قدر المكذبين وبما ينتهي إليه من إقرار الحق وإزهاق الباطل الذي يستمسك به الكافرون. ثم إنه حجة عليهم عند اللّه في اليوم الآخر ، يعذبون به ، ويتحسرون لما يصيبهم بسببه. فهو حسرة على الكافرين في الدنيا والآخرة.

( يتبع )



.
.
..

.
.
.

.
.
.
.



 

رد مع اقتباس