عرض مشاركة واحدة
قديم 03-13-2021, 06:36 PM   #209


مديح ال قطب غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 1751
 تاريخ التسجيل :  06-03-2020
 أخر زيارة : 08-13-2021 (12:56 PM)
 المشاركات : 34,369 [ + ]
 التقييم :  22241
 الدولهـ
Egypt
 الجنس ~
Male
لوني المفضل : Coral
افتراضي








.

.

.












تابع – سورة نوح


محور مواضيع السورة :
كما أن النص يحتمل أن يكون هذا تقريرا لكل أجل يضربه اللّه ليقر في قلوبهم هذه الحقيقة بوجه عام.
بمناسبة الحديث عن الوعد بتأخير حسابهم - لو أطاعوا وأنابوا - إلى يوم الحساب.
وراح نوح - عليه السلام - يواصل جهوده النبيلة الخالصة الكريمة لهداية قومه ، بلا مصلحة له ، ولا منفعة ويحتمل في سبيل هذه الغاية النبيلة ما يحتمل من إعراض واستكبار واستهزاء .. ألف سنة إلا خمسين عاما ..
وعدد المستجيبين له لا يكاد يزيد ودرجة الإعراض والإصرار على الضلال ترتفع وتزداد! ثم عاد في نهاية المطاف يقدم حسابه لربه الذي كلفه هذا الواجب النبيل وذلك الجهد الثقيل! عاد يصف ما صنع وما لا قى ..
وربه يعلم. وهو يعرف أن ربه يعلم. ولكنها شكوى القلب المتعب في نهاية المطاف ، إلى الجهة الوحيدة التي يشكو إليها الأنبياء والرسل والمؤمنون حقيقة الإيمان .. إلى اللّه ..
«قالَ : رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلًا وَنَهاراً ، فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعائِي إِلَّا فِراراً وَإِنِّي كُلَّما دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ جَعَلُوا أَصابِعَهُمْ فِي آذانِهِمْ ، وَاسْتَغْشَوْا ثِيابَهُمْ ، وَأَصَرُّوا ، وَاسْتَكْبَرُوا اسْتِكْباراً. ثُمَّ إِنِّي دَعَوْتُهُمْ جِهاراً ، ثُمَّ إِنِّي أَعْلَنْتُ لَهُمْ وَأَسْرَرْتُ لَهُمْ إِسْراراً. فَقُلْتُ : اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كانَ غَفَّاراً ، يُرْسِلِ السَّماءَ عَلَيْكُمْ مِدْراراً ، وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوالٍ وَبَنِينَ ، وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهاراً. ما لَكُمْ لا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقاراً؟ وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْواراً؟ أَلَمْ تَرَوْا كَيْفَ خَلَقَ اللَّهُ سَبْعَ سَماواتٍ طِباقاً؟ وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُوراً وَجَعَلَ الشَّمْسَ سِراجاً؟ وَاللَّهُ أَنْبَتَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ نَباتاً ، ثُمَّ يُعِيدُكُمْ فِيها وَيُخْرِجُكُمْ إِخْراجاً. وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ بِساطاً ، لِتَسْلُكُوا مِنْها سُبُلًا فِجاجاً» ..

هذا ما صنع نوح وهذا ما قال عاد يعرضه على ربه وهو يقدم حسابه الأخير في نهاية الأمد الطويل.
وهو يصور الجهد الدائب الذي لا ينقطع : «إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلًا وَنَهاراً» ..
ولا يمل ولا يفتر ولا ييئس أمام الإعراض والإصرار : «فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعائِي إِلَّا فِراراً» .. فرارا من الداعي إلى اللّه. مصدر الوجود والحياة ، ومصدر النعم والآلاء ، ومصدر الهدى والنور. وهو لا يطلب أجرا على السماع ولا ضريبة على الاهتداء! الفرار ممن يدعوهم إلى اللّه ليغفر لهم ويخلصهم من جريرة الإثم والمعصية والضلال! فإذا لم يستطيعوا الفرار ، لأن الداعي واجههم مواجهة ، وتحين الفرصة ليصل إلى أسماعهم بدعوته ، كرهوا أن يصل صوته إلى أسماعهم. وكرهوا أن تقع عليه أنظارهم ، وأصروا على الضلال ، واستكبروا عن الاستجابة لصوت الحق والهدى : «وَإِنِّي كُلَّما دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ جَعَلُوا أَصابِعَهُمْ فِي آذانِهِمْ ، وَاسْتَغْشَوْا ثِيابَهُمْ وَأَصَرُّوا وَاسْتَكْبَرُوا اسْتِكْباراً» .. وهي صورة لإصرار الداعية على الدعوة وتحين كل فرصة ليبلغهم إياها وإصرارهم هم على الضلال. تبرز من ثناياها ملامح الطفولة البشرية العنيدة. تبرز في وضع الأصابع في الآذان ، وستر الرؤوس والوجوه بالثياب. والتعبير يرسم بكلماته صورة العناد الطفولي الكامل ، وهو يقول : إنهم «جَعَلُوا أَصابِعَهُمْ فِي آذانِهِمْ» وآذانهم لا تسع أصابعهم كاملة ، إنما هم يسدونها بأطراف الأصابع. ولكنهم يسدونها في عنف بالغ ، كأنما يحاولون أن يجعلوا أصابعهم كلها في آذانهم ضمانا لعدم تسرب الصوت إليها بتاتا! وهي صورة غليظة للإصرار والعناد ، كما أنها صورة بدائية لأطفال البشرية الكبار! ومع الدأب على الدعوة ، وتحين كل فرصة ، والإصرار على المواجهة .. اتبع نوح - عليه السلام - كل الأساليب فجهر بالدعوة تارة ، ثم زاوج بين الإعلان والإسرار تارة : «ثُمَّ إِنِّي دَعَوْتُهُمْ جِهاراً ، ثُمَّ إِنِّي أَعْلَنْتُ لَهُمْ وَأَسْرَرْتُ لَهُمْ إِسْراراً» ..

وفي أثناء ذلك كله أطمعهم في خير الدنيا والآخرة. أطمعهم في الغفران إذا استغفروا ربهم فهو - سبحانه - غفار للذنوب : «فَقُلْتُ : اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كانَ غَفَّاراً» .. وأطمعهم في الرزق الوفير الميسور من أسبابه التي يعرفونها ويرجونها وهي المطر الغزير ، الذي تنبت به الزروع ، وتسيل به الأنهار ، كما وعدهم برزقهم الآخر من الذرية التي يحبونها - وهي البنين - والأموال التي يطلبونها ويعزونها : «يُرْسِلِ السَّماءَ عَلَيْكُمْ مِدْراراً وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوالٍ وَبَنِينَ ، وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهاراً» ..
وقد ربط بين الاستغفار وهذه الأرزاق. وفي القرآن مواضع متكررة فيها هذا الارتباط بين صلاح القلوب واستقامتها على هدى اللّه ، وبين تيسير الأرزاق ، وعموم الرخاء ... جاء في موضع : «وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنا عَلَيْهِمْ بَرَكاتٍ مِنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ ، وَلكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْناهُمْ بِما كانُوا يَكْسِبُونَ .. وجاء في موضع : «وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْكِتابِ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَكَفَّرْنا عَنْهُمْ سَيِّئاتِهِمْ وَلَأَدْخَلْناهُمْ جَنَّاتِ النَّعِيمِ. وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقامُوا التَّوْراةَ وَالْإِنْجِيلَ وَما أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ مِنْ رَبِّهِمْ لَأَكَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ ... .. وجاء في موضع :
«أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ إِنَّنِي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ ، وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُمْ مَتاعاً حَسَناً إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ
وهذه القاعدة التي يقررها القرآن في مواضع متفرقة ، قاعدة صحيحة تقوم على أسبابها من وعد اللّه ، ومن سنة الحياة كما أن الواقع العملي يشهد بتحققها على مدار القرون. والحديث في هذه القاعدة عن الأمم لا عن الأفراد. وما من أمة قام فيها شرع اللّه ، واتجهت اتجاها حقيقيا للّه بالعمل الصالح والاستغفار المنبئ عن خشية اللّه .. ما من أمة اتقت اللّه وعبدته وأقامت شريعته ، فحققت العدل والأمن للناس جميعا ، إلا فاضت فيها الخيرات ، ومكن اللّه لها في الأرض واستخلفها فيها بالعمران وبالصلاح سواء.


( يتبع )



مديح



.
.



 

رد مع اقتباس