عرض مشاركة واحدة
قديم 03-13-2021, 06:37 PM   #210


مديح ال قطب غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 1751
 تاريخ التسجيل :  06-03-2020
 أخر زيارة : 08-13-2021 (12:56 PM)
 المشاركات : 34,369 [ + ]
 التقييم :  22241
 الدولهـ
Egypt
 الجنس ~
Male
لوني المفضل : Coral
افتراضي











.
.





.
.





.
.











تابع – سورة نوح


محور مواضيع السورة :


هي ظاهرة تستدعي النظر ولا ريب. فهي توحي بالوحدة بين أصول الحياة على وجه الأرض ، وأن نشأة الإنسان من الأرض كنشأة النبات. من عناصرها الأولية يتكون. ومن عناصرها الأولية يتغذى وينمو ، فهو نبات من نباتها. وهبه اللّه هذا اللون من الحياة كما وهب النبات ذلك اللون من الحياة. وكلاهما من نتاج الأرض ، وكلاهما يرضع من هذه الأم! وكذلك ينشئ الإيمان في المؤمن تصورا حقيقيا حيا لعلاقته بالأرض وبالأحياء. تصورا فيه دقة العلم وفيه حيوية الشعور. لأنه قائم على الحقيقة الحية في الضمير. وهذه ميزة المعرفة القرآنية الفريدة.
والناس الذين نبتوا من الأرض يعودون إلى جوفها مرة أخرى. يعيدهم اللّه إليها كما أنبتهم منها. فيختلط رفاتهم بتربتها ، وتندمج ذراتهم في ذراتها ، كما كانوا فيها من قبل أن ينبتوا منها! ثم يخرجهم الذي أول مرة وينبتهم كما أنبتهم أول مرة .. مسألة سهلة يسيرة لا تستدعي التوقف عندها لحظة ، حين ينظر الإنسان إليها من هذه الزاوية التي يعرضها القرآن منها! ونوح - عليه السلام - وجه قومه إلى هذه الحقيقة لتستشعر قلوبهم يد اللّه وهي تنبتهم من هذه الأرض نباتا ، وهي تعيدهم فيها مرة أخرى. ثم تتوقع النشأة الأخرى وتحسب حسابها ، وهي كائنة بهذا اليسر وبهذه البساطة.
بساطة البداهة التي لا تقبل جدلا! وأخيرا وجه نوح قلوب قومه إلى نعمة اللّه عليهم في تيسير الحياة لهم على هذه الأرض وتذليلها لسيرهم ومعاشهم وانتقالهم وطرائق حياتهم : «وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ بِساطاً ، لِتَسْلُكُوا مِنْها سُبُلًا فِجاجاً» ..
وهذه الحقيقة القريبة من مشاهدتهم وإدراكهم تواجههم مواجهة كاملة ، ولا يملكون الفرار منها كما كانوا يفرون من صوت نوح وإنذاره. فهذه الأرض بالقياس إليهم مبسوطة ممهدة - حتى جبالها قد جعل لهم عبرها دروبا وفجاجا ، كما جعل في سهولها من باب أولى. وفي سبلها ودروبها يمشون ويركبون وينتقلون ويبتغون من فضل اللّه ، ويتعايشون في يسر وتبادل للمنافع والأرزاق.
وهم كانوا يدركون هذه الحقيقة المشاهدة لهم بدون حاجة إلى دراسات علمية عويصة ، يدرسون بها النواميس التي تحكم وجودهم على هذه الأرض ، وتيسر لهم الحياة فيها. وكلما زاد الإنسان علما أدرك من هذه الحقيقة جوانب جديدة وآفاقا بعيدة


هكذا سلك نوح - أو حاول أن يسلك - إلى آذان قومه وقلوبهم وعقولهم بشتى الأساليب ، ومتنوع الوسائل في دأب طويل ، وفي صبر جميل ، وفي جهد نبيل ، ألف سنة إلا خمسين عاما. ثم عاد إلى ربه الذي أرسله إليهم ، يقدم حسابه ، ويبث شكواه ، في هذا البيان المفصل ، وفي هذه اللهجة المؤثرة. ومن هذا البيان الدقيق نطلع على تلك الصورة النبيلة من الصبر والجهد والمشقة ، وهي حلقة واحدة في سلسلة الرسالة السماوية لهذه البشرية الضالة العصية! فماذا كان بعد كل هذا البيان؟
«قالَ نُوحٌ : رَبِّ إِنَّهُمْ عَصَوْنِي ، وَاتَّبَعُوا مَنْ لَمْ يَزِدْهُ مالُهُ وَوَلَدُهُ إِلَّا خَساراً. وَمَكَرُوا مَكْراً كُبَّاراً. وَقالُوا لا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ ، وَلا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلا سُواعاً وَلا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْراً. وَقَدْ أَضَلُّوا كَثِيراً. وَلا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلَّا ضَلالًا» ..
رب إنهم عصوني! بعد كل هذا الجهاد ، وبعد كل هذا العناء. وبعد كل هذا التوجيه. وبعد كل هذا التنوير. وبعد الإنذار والإطماع والوعد بالمال والبنين والرخاء .. بعد هذا كله كان العصيان. وكان السير وراء القيادات الضالة المضللة ، التي تخدع الأتباع بما تملك من المال والأولاد ، ومظاهر الجاه والسلطان. ممن لَمْ يَزِدْهُ مالُهُ وَوَلَدُهُ إِلَّا خَساراً» فقد أغراهم المال والولد بالضلال والإضلال ، فلم يكن وراءهما إلا الشقاء والخسران.
هؤلاء القادة لم يكتفوا بالضلال .. «وَمَكَرُوا مَكْراً كُبَّاراً». مكرا متناهيا في الكبر. مكروا لإبطال الدعوة وإغلاق الطريق في وجهها إلى قلوب الناس. ومكروا لتزيين الكفر والضلال والجاهلية التي تخبط فيها القوم.
وكان من مكرهم تحريض الناس على الاستمساك بالأصنام التي يسمونها آلهة : «وَقالُوا : لا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ» ..
بهذه الإضافة : «آلِهَتَكُمْ» لإثارة النخوة الكاذبة والحمية الآثمة في قلوبهم. وخصصوا من هذه الأصنام أكبرها شأنا فخصوها بالذكر ليهيج ذكرها في قلوب العامة المضللين الحمية والاعتزاز .. «وَلا تَذَرُنَّ وَدًّا ، وَلا سُواعاً ، وَلا يَغُوثَ ، وَيَعُوقَ ، وَنَسْراً» .. وهي أكبر آلهتهم التي ظلت تعبد في الجاهليات بعدهم إلى عهد الرسالة المحمدية.
وهكذا تلك القيادات الضالة المضللة تقيم أصناما ، تختلف أسماؤها وأشكالها ، وفق النعرة السائدة في كل جاهلية وتجمع حواليها الأتباع ، وتهيج في قلوبهم الحمية لهذه الأصنام ، كي توجههم من هذا الخطام إلى حيث تشاء ، وتبقيهم على الضلال الذي يكفل لها الطاعة والانقياد : «وَقَدْ أَضَلُّوا كَثِيراً» ككل قيادة ضالة تجمع الناس حول الأصنام .. أصنام الأحجار. وأصنام الأشخاص. وأصنام الأفكار .. سواء!! للصد عن دعوة اللّه ، وتوجيه القلوب بعيدا عن الدعاة ، بالمكر الكبّار ، والكيد والإصرار! هنا انبعث من قلب النبي الكريم نوح - عليه السلام - ذلك الدعاء على الظالمين الضالين المضلين ، الماكرين الكائدين :
«وَلا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلَّا ضَلالًا» ..
ذلك الدعاء المنبعث من قلب جاهد طويلا ، وعانى كثيرا ، وانتهى - بعد كل وسيلة - إلى اقتناع بأن لا خير في القلوب الظالمة الباغية العاتية وعلم أنها لا تستحق الهدى ولا تستأهل النجاة.


( يتبع )

















.
.




.
.



 

رد مع اقتباس