عرض مشاركة واحدة
قديم 03-14-2021, 08:27 PM   #220


مديح ال قطب غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 1751
 تاريخ التسجيل :  06-03-2020
 أخر زيارة : 08-13-2021 (12:56 PM)
 المشاركات : 34,369 [ + ]
 التقييم :  22241
 الدولهـ
Egypt
 الجنس ~
Male
لوني المفضل : Coral
افتراضي























تابع – سورة الجن
محاور ومقاصد السورة
قال سيد قطب
هذه السورة تبده الحس - قبل أن ينظر إلى المعاني والحقائق الواردة فيها - بشيء آخر واضح كل الوضوح فيها .. إنها قطعة موسيقية مطردة الإيقاع ، قوية التنغيم ، ظاهرة الرنين مع صبغة من الحزن في إيقاعها ، ومسحة من الأسى في تنغيمها ، وطائف من الشجى في رنينها ، يساند هذه الظاهرة ويتناسق معها صور السورة وظلالها ومشاهدها ، ثم روح الإيحاء فيها. وبخاصة في الشطر الأخير منها بعد انتهاء حكاية قول الجن ، والاتجاه بالخطاب إلى رسول اللّه - صلى اللّه عليه وسلم - هذا الخطاب الذي يثير العطف على شخص الرسول في قلب المستمع لهذه السورة ، عطفا مصحوبا بالحب وهو يؤمر أن يعلن تجرده من كل شيء في أمر هذه الدعوة إلا البلاغ ، والرقابة الإلهية المضروبة حوله وهو يقوم بهذا البلاغ :
«قُلْ : إِنَّما أَدْعُوا رَبِّي وَلا أُشْرِكُ بِهِ أَحَداً .. قُلْ : إِنِّي لا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلا رَشَداً .. قُلْ : إِنِّي لَنْ يُجِيرَنِي مِنَ اللَّهِ أَحَدٌ وَلَنْ أَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَداً ، إِلَّا بَلاغاً مِنَ اللَّهِ وَرِسالاتِهِ ، وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نارَ جَهَنَّمَ خالِدِينَ فِيها أَبَداً ، حَتَّى إِذا رَأَوْا ما يُوعَدُونَ فَسَيَعْلَمُونَ مَنْ أَضْعَفُ ناصِراً وَأَقَلُّ عَدَداً .. قُلْ : إِنْ أَدْرِي أَقَرِيبٌ ما تُوعَدُونَ أَمْ يَجْعَلُ لَهُ رَبِّي أَمَداً ، عالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلى غَيْبِهِ أَحَداً ، إِلَّا مَنِ ارْتَضى مِنْ رَسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَداً ، لِيَعْلَمَ أَنْ قَدْ أَبْلَغُوا رِسالاتِ رَبِّهِمْ ، وَأَحاطَ بِما لَدَيْهِمْ ، وَأَحْصى كُلَّ شَيْءٍ عَدَداً» ..
وذلك كله إلى جانب الإيقاع النفسي للحقائق التي وردت في حكاية قول الجن ، وبيانهم الطويل المديد.
وهي حقائق ذات ثقل ووزن في الحس والتصور والاستجابة لها تغشى الحس بحالة من التدبر والتفكير ، تناسب مسحة الحزن ورنة الشجى المتمشية في إيقاع السورة الموسيقي! وقراءة هذه السورة بشيء من الترتيل الهادئ ، توقع في الحس هذا الذي وصفناه من المسحة الغالبة عليها ..
إذا تجاوزنا هذه الظاهرة التي تبده الحس إلى موضوع السورة ومعانيها واتجاهها فإننا نجدها حافلة بشتى الدلالات والإيحاءات.
إنها ابتداء شهادة من عالم آخر بكثير من قضايا العقيدة التي كان المشركون يجحدونها ويجادلون فيها أشد الجدل ، ويرجمون في أمرها رجما لا يستندون فيه إلى حجة ، ويزعمون أحيانا أن محمدا - صلى اللّه عليه وسلم - يتلقى من الجن ما يقوله لهم عنها! فتجيء الشهادة من الجن أنفسهم بهذه القضايا التي يجحدونها ويجادلون فيها وبتكذيب دعواهم في استمداد محمد من الجن شيئا. والجن لم يعلموا بهذا القرآن إلا حين سمعوه من محمد - صلى اللّه عليه وسلم - فهالهم وراعهم ومسهم منه ما يدهش ويذهل ، وملأ نفوسهم وفاض حتى ما يملكون السكوت على ما سمعوا ، ولا الإجمال فيما عرفوا ، ولا الاختصار فيما شعروا. فانطلقوا يحدثون في روعة المأخوذ ، ووهلة المشدوه ، عن هذا الحادث العظيم ، الذي شغل السماء والأرض والإنس والجن والملائكة والكواكب.
وترك آثاره ونتائجه في الكون كله! .. وهي شهادة لها قيمتها في النفس البشرية حتما.
ثم إنها تصحيح لأوهام كثيرة عن عالم الجن في نفوس المخاطبين ابتداء بهذه السورة ، وفي نفوس الناس جميعا من قبل ومن بعد ووضع حقيقة هذا الخلق المغيب في موضعها بلا غلو ولا اعتساف. فقد كان العرب المخاطبون بهذا القرآن أول مرة يعتقدون أن للجن سلطانا في الأرض ، فكان الواحد منهم إذا أمسى بواد أو قفر ، لجأ إلى الاستعاذة بعظيم الجن الحاكم لما نزل فيه من الأرض ، فقال : أعوذ بسيد هذا الوادي من سفهاء قومه .. ثم بات آمنا! كذلك كانوا يعتقدون أن الجن تعلم الغيب وتخبر به الكهان فيتنبأون بما يتنبأون. وفيهم من عبد الجن وجعل بينهم وبين اللّه نسبا ، وزعم له سبحانه وتعالى زوجة منهم تلد له الملائكة! والاعتقاد في الجن على هذا النحو أو شبهه كان فاشيا في كل جاهلية ، ولا تزال الأوهام والأساطير من هذا النوع تسود بيئات كثيرة إلى يومنا هذا!!! وبينما كانت الأوهام والأساطير تغمر قلوب الناس ومشاعرهم وتصوراتهم عن الجن في القديم ، وما تزال ..
نجد في الصف الآخر اليوممنكرين لوجود الجن أصلا ، يصفون أي حديث عن هذا الخلق المغيب بأنه حديث خرافة


وبين الإغراق في الوهم ، والإغراق في الإنكار ، يقرر الإسلام حقيقة الجن ، ويصحح التصورات العامة عنهم ، ويحرر القلوب من خوفها وخضوعها لسلطانهم الموهوم :
فالجن لهم حقيقة موجودة فعلا وهم كما يصفون أنفسهم هنا : «وَأَنَّا مِنَّا الصَّالِحُونَ وَمِنَّا دُونَ ذلِكَ كُنَّا طَرائِقَ قِدَداً» .. ومنهم الضالون المضلون ومنهم السذج الأبرياء الذين ينخدعون : «وَأَنَّهُ كانَ يَقُولُ سَفِيهُنا عَلَى اللَّهِ شَطَطاً ، وَأَنَّا ظَنَنَّا أَنْ لَنْ تَقُولَ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى اللَّهِ كَذِباً» .. وهم قابلون للهداية من الضلال ، مستعدون لإدراك القرآن سماعا وفهما وتأثرا : «قُلْ : أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ فَقالُوا : إِنَّا سَمِعْنا قُرْآناً عَجَباً يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ ، وَلَنْ نُشْرِكَ بِرَبِّنا أَحَداً» .. وأنهم قابلون بخلقتهم لتوقيع الجزاء عليهم وتحقيق نتائج الإيمان والكفر فيهم : «وَأَنَّا لَمَّا سَمِعْنَا الْهُدى آمَنَّا بِهِ ، فَمَنْ يُؤْمِنْ بِرَبِّهِ فَلا يَخافُ بَخْساً وَلا رَهَقاً. وَأَنَّا مِنَّا الْمُسْلِمُونَ وَمِنَّا الْقاسِطُونَ ، فَمَنْ أَسْلَمَ فَأُولئِكَ تَحَرَّوْا رَشَداً ، وَأَمَّا الْقاسِطُونَ ، فَكانُوا لِجَهَنَّمَ حَطَباً» .. وأنهم لا ينفعون الإنس حين يلوذون بهم بل يرهقونهم : «وَأَنَّهُ كانَ رِجالٌ مِنَ الْإِنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجالٍ مِنَ الْجِنِّ فَزادُوهُمْ رَهَقاً» .. وأنهم لا يعلمون الغيب ، ولم تعد لهم صلة بالسماء : «وَأَنَّا لَمَسْنَا السَّماءَ فَوَجَدْناها مُلِئَتْ حَرَساً شَدِيداً وَشُهُباً ، وَأَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْها مَقاعِدَ لِلسَّمْعِ ، فَمَنْ يَسْتَمِعِ الْآنَ يَجِدْ لَهُ شِهاباً رَصَداً ، وَأَنَّا لا نَدْرِي أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَنْ فِي الْأَرْضِ أَمْ أَرادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَداً» .. وأنهم لا صهر بينهم وبين اللّه - سبحانه وتعالى - ولا نسب : «وَأَنَّهُ تَعالى جَدُّ رَبِّنا مَا اتَّخَذَ صاحِبَةً وَلا وَلَداً» ..
وأن الجن لا قوة لهم مع قوة اللّه ولا حيلة : «وَأَنَّا ظَنَنَّا أَنْ لَنْ نُعْجِزَ اللَّهَ فِي الْأَرْضِ وَلَنْ نُعْجِزَهُ هَرَباً»
..
( يتبع )













 

رد مع اقتباس