03-14-2021, 08:30 PM
|
#225
|
بيانات اضافيه [
+
]
|
رقم العضوية : 1751
|
تاريخ التسجيل : 06-03-2020
|
أخر زيارة : 08-13-2021 (12:56 PM)
|
المشاركات :
34,369 [
+
] |
التقييم : 22241
|
الدولهـ
|
الجنس ~
|
|
لوني المفضل : Coral
|
|
تابع – سورة الجن
محاور ومقاصد السورة
وإذا كان المصدر الذي يزعم الكهان أنهم يستقون منه معلوماتهم عن الغيب ، يقرر أنه هو لا يدري عن ذلك شيئا ، فقد انقطع كل قول ، وبطل كل زعم ، وانتهى أمر الكهانة والعرافة. وتمحض الغيب للّه ، لا يجترئ أحد على القول بمعرفته ، ولا على التنبؤ به. وأعلن القرآن تحرير العقل البشري من كل وهم وكل زعم من هذا القبيل! وأعلن رشد البشرية منذ ذلك اليوم وتحررها من الخرافات والأساطير! أما أين يقف ذلك الحرس؟ ومن هو؟ وكيف يرجم الشياطين بالشهب؟ فهذا كله مما لم يقل لنا عنه القرآن ولا الأثر شيئا ، وليس لنا مصدر سواهما نستقي منه عن هذا الغيب شيئا ولو علم اللّه أن في تفصيله خيرا لنا لفعل. وإذ لم يفعل فمحاولتنا نحن في هذا الاتجاه عبث لا يضيف إلى حياتنا ولا إلى معرفتنا المثمرة شيئا! ولا مجال كذلك للاعتراض أو الجدل حول الشهب ، وأنها تسير وفق نظام كوني ، قبل البعثة وبعدها ووفق ناموس يحاول علماء الفلك تفسيره ، بنظريات تخطئ وتصيب. وحتى على فرض صحة هذه النظريات فإن هذا لا يدخل في موضوعنا ، ولا يمنع أن ترجم الشياطين بهذه الشهب عند انطلاقها. وأن تنطلق هذه الشهب رجوما وغير رجوم وفق مشيئة اللّه الذي يجري عليها القانون! فأما الذين يرون في هذا كله مجرد تمثيل وتصوير لحفظ اللّه للذكر من الالتباس بأي باطل وأنه لا يجوز أن يؤخذ على ظاهره .. فسبب هذا عندهم أنهم يجيئون إلى القرآن بتصورات مقررة سابقة في أذهانهم ، أخذوها من مصادر أخرى غير القرآن. ثم يحاولون أن يفسروا القرآن وفق تلك التصورات السابقة المقررة في أذهانهم من قبل .. ومن ثم يرون الملائكة تمثيلا لقوة الخير والطاعة. والشياطين تمثيلا لقوة الشر والمعصية. والرجوم تمثيلا للحفظ والصيانة ... إلخ لأن في مقرراتهم السابقة - قبل أن يواجهوا القرآن - أن هذه المسميات : الملائكة والشياطين أو الجن ، لا يمكن أن يكون لها وجود مجسم على هذا النحو ، وأن تكون لها هذه التحركات الحسية ، والتأثيرات الواقعية!!! من أين جاءوا بهذا؟ من أين جاءوا بهذه المقررات التي يحاكمون إليها نصوص القرآن والحديث؟
إن الطريق الأمثل في فهم القرآن وتفسيره ، وفي التصور الإسلامي وتكوينه .. أن ينفض الإنسان من ذهنه كل تصور سابق ، وأن يواجه القرآن بغير مقررات تصورية أو عقلية أو شعورية سابقة ، وأن يبني مقرراته كلها حسما يصور القرآن والحديث حقائق هذا الوجود. ومن ثم لا يحاكم القرآن والحديث لغير القرآن.
ولا ينفي شيئا يثبته القرآن ولا يؤوله! ولا يثبت شيئا ينفيه القرآن أو يبطله. وما عدا المثبت والمنفي في القرآن ، فله أن يقول فيه ما يهديه إليه عقله وتجربته ..
نقول هذا بطبيعة الحال للمؤمنين بالقرآن .. وهم مع ذلك يؤولون نصوصه هذه لتوائم مقررات سابقة في
عقولهم ، وتصورات سابقة في أذهانهم لما ينبغي أن تكون عليه حقائق الوجود «1» ..
فأما الذين لا يؤمنون بهذا القرآن ، ويعتسفون نفي هذه التصورات لمجرد أن العلم لم يصل إلى شيء منها ، فهم مضحكون حقا! فالعلم لا يعلم أسرار الموجودات الظاهرة بين يديه ، والتي يستخدمها في تجاربه. وهذا لا ينفي وجودها طبعا! فضلا على أن العلماء الحقيقيين أخذت كثرة منهم تؤمن بالمجهول على طريق المتدينين ، أو على الأقل لا ينكرون ما لا يعلمون! لأنهم بالتجربة وجدوا أنفسهم - عن طريقة العلم ذاته - أمام مجاهيل فيما بين أيديهم مما كانوا يحسبون أنهم فرغوا من الإحاطة بعلمه! فتواضعوا تواضعا علميا نبيلا ليست عليه سمة الادعاء ، ولا طابع التطاول على المجهول ، كما يتطاول مدعو العلم ومدعو التفكير العلمي ، ممن ينكرون حقائق الديانات ، وحقائق المجهول! إن الكون من حولنا حافل بالأسرار ، عامر بالأرواح ، حاشد بالقوى. وهذه السورة من القرآن - كغيرها - تمنحنا جوانب من الحقائق في هذا الوجود ، تعين على بناء تصور حقيقي صحيح للوجود وما فيه من قوى وأرواح وحيوات تعج من حولنا ، وتتفاعل مع حياتنا وذواتنا. وهذا التصور هو الذي يميز المسلم ويقف به وسطا بين الوهم والخرافة ، وبين الادعاء والتطاول. ومصدره هو القرآن والسنة. وإليهما يحاكم المسلم كل تصور آخر وكل قول وكل تفسير ..
إن هنالك مجالا للعقل البشري معينا في ارتياد آفاق المجهول : والإسلام يدفعه إلى هذا دفعا .. ولكن وراء هذا المجال المعين ما لا قدرة لهذا العقل على ارتياده ، لأنه لا حاجة به إلى ارتياده. وما لا حاجة له به في خلافة الأرض فلا مجال له إليه ، ولا حكمة في إعانته عليه. لأنه ليس من شأنه ، ولا داخلا في حدود اختصاصه.
والقدر الضروري له منه ليعلم مركزه في الكون بالقياس إلى ما حوله ومن حوله ، قد تكفل اللّه سبحانه ببيانه له ، لأنه أكبر من طاقته. وبالقدر الذي يدخل في طاقته. ومنه هذا الغيب الخاص بالملائكة والشياطين والروح والمنشأ والمصير ..
فأما الذين اهتدوا بهدى اللّه ، فقد وقفوا في هذه الأمور عند القدر الذي كشفه اللّه لهم في كتبه وعلى لسان رسله. وأفادوا منه الشعور بعظمة الخالق ، وحكمته في الخلق ، والشعور بموقف الإنسان في الأرض من هذه العوالم والأرواح. وشغلوا طاقاتهم العقلية في الكشف والعلم المهيأ للعقل في حدود هذه الأرض وما حولها من أجرام بالقدر الممكن لهم. واستغلوا ما علموه في العمل والإنتاج وعمران هذه الأرض والقيام بالخلافة فيها ، على هدى من اللّه ، متجهين إليه ، مرتفعين إلى حيث يدعوهم للارتفاع.
وأما الذين لم يهتدوا بهدى اللّه فانقسموا فرقتين كبيرتين :
فرقة ظلت تجاهد بعقولها المحدودة لإدراك غير المحدود من ذاته تعالى ، والمعرفة الحقيقية المغيبة عن غير طريق الكتب المنزلة. وكان منهم فلاسفة حاولوا تفسير هذا الوجود وارتباطاته ، فظلوا يتعثرون كالأطفال الذين يصعدون جبلا شاهقا لا غاية لقمته ، أو يحاولون حل لغز الوجود وهم لم يتقنوا بعد أبجدية الهجاء! وكانت لهم تصورات مضحكة - وهم كبار فلاسفة - مضحكة حقا حين يقرنها الإنسان إلى التصور الواضح المستقيم الجميل الذي ينشئه القرآن. مضحكة بعثراتها. ومضحكة بمفارقاتها. ومضحكة بتخلخلها. ومضحكة بقزامتها بالقياس إلى عظمة الوجود الذي يفسرونه بها .. لا أستثني من هذا فلاسفة الإغريق الكبار ، ولا فلاسفة المسلمين الذين قلدوهم في منهج التفكير. ولا فلاسفة العصر الحديث! وذلك حين يقاس تصورهم إلى التصور الإسلامي للوجود
فهذه فرقة. فأما الفرقة الأخرى ، فقد يئست من جدوى هذا الاتجاه في المعرفة. فعدلت عنه إلى حصر نفسها وجهدها في العلم التجريبي والتطبيقي. ضاربة صفحا عن المجهول. ، الذي ليس إليه من سبيل. وغير مهتدية فيه بهدى اللّه. لأنها لا تستطيع أن تدرك اللّه! وهذه الفرقة كانت في أوج غلوائها خلال القرنين الثامن عشر والتاسع عشر. ولكنها أخذت منذ مطلع هذا القرن تفيق من الغرور العلمي الجامح ، على هروب المادة من بين أيديها وتحولها إلى إشعاع «مجهول الكنه» ويكاد يكون مجهول القانون! وبقي الإسلام ثابتا على صخرة اليقين. يمنح البشر من المجهول القدر الذي لهم فيه خير. ويوفر طاقتهم العقلية للعمل في خلافة الأرض. ويهيئ لعقولهم المجال الذي تعمل فيه في أمن. ويهديهم للتي هي أقوم في المجهول وغير المجهول! بعد ذلك أخذ الجن يصفون حالهم وموقفهم من هدى اللّه بما نفهم منه أن لهم طبيعة مزدوجة كطبيعة الإنسان في الاستعداد للهدى والضلال.
( يتبع )
|
|
|
|
|
|