عرض مشاركة واحدة
قديم 03-14-2021, 08:30 PM   #226


مديح ال قطب غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 1751
 تاريخ التسجيل :  06-03-2020
 أخر زيارة : 08-13-2021 (12:56 PM)
 المشاركات : 34,369 [ + ]
 التقييم :  22241
 الدولهـ
Egypt
 الجنس ~
Male
لوني المفضل : Coral
افتراضي









.
.
.


.
.
.


.
.
.






تابع – سورة الجن
محاور ومقاصد السورة
ويحدثنا هذا النفر عن عقيدتهم في ربهم وقد آمنوا به. وعن ظنهم بعاقبة من يهتدي ومن يضل :
«وَأَنَّا مِنَّا الصَّالِحُونَ وَمِنَّا دُونَ ذلِكَ ، كُنَّا طَرائِقَ قِدَداً. وَأَنَّا ظَنَنَّا أَنْ لَنْ نُعْجِزَ اللَّهَ فِي الْأَرْضِ وَلَنْ نُعْجِزَهُ هَرَباً. وَأَنَّا لَمَّا سَمِعْنَا الْهُدى آمَنَّا بِهِ ، فَمَنْ يُؤْمِنْ بِرَبِّهِ فَلا يَخافُ بَخْساً وَلا رَهَقاً. وَأَنَّا مِنَّا الْمُسْلِمُونَ وَمِنَّا الْقاسِطُونَ : فَمَنْ أَسْلَمَ فَأُولئِكَ تَحَرَّوْا رَشَداً. وَأَمَّا الْقاسِطُونَ فَكانُوا لِجَهَنَّمَ حَطَباً» ..
وهذا التقرير من الجن بأن منهم صالحين وغير صالحين ، مسلمين وقاسطين ، يفيد ازدواج طبيعة الجن ، واستعدادهم للخير والشر كالإنسان - إلا من تمحض للشر منهم وهو إبليس وقبيله - وهو تقرير ذو أهمية بالغة في تصحيح تصورنا العام عن هذا الخلق. فأغلبنا حتى الدارسين الفاقهين - على اعتقاد أن الجن يمثلون الشر ، وقد خلصت طبيعتهم له. وأن الإنسان وحده بين الخلائق هو ذو الطبيعة المزدوجة. وهذا ناشئ من مقررات سابقة في تصوراتنا عن حقائق هذا الوجود كما أسلفنا. وقد آن أن نراجعها على مقررات القرآن الصحيحة! وهذا النفر من الجن يقول : «وَأَنَّا مِنَّا الصَّالِحُونَ وَمِنَّا دُونَ ذلِكَ» .. ويصف حالهم بصفة عامة : «كُنَّا طَرائِقَ قِدَداً» .. أي لكل منا طريقته المنفصلة المقدودة المنقطعة عن طريقة الفريق الآخر.


ثم بين النفر معتقدهم الخاص بعد إيمانهم :
«وَأَنَّا ظَنَنَّا أَنْ لَنْ نُعْجِزَ اللَّهَ فِي الْأَرْضِ ، وَلَنْ نُعْجِزَهُ هَرَباً» ..
فهم يعرفون قدرة اللّه عليهم في الأرض ، ويعرفون عجزهم عن الهرب من سلطانه - سبحانه - والإفلات من قبضته ، والفكاك من قدره. فلا هم يعجزون اللّه وهم في الأرض ، ولا هم يعجزونه بالهرب منها. وهو ضعف العبد أمام الرب ، وضعف المخلوق أمام الخالق. والشعور بسلطان اللّه القاهر الغالب.
وهؤلاء الجن هم الذين يعوذ بهم رجال من الإنس! وهم الذين يستعين بهم الإنس في الحوائج! وهم الذين جعل المشركون بين اللّه - سبحانه - وبينهم نسبا! وهؤلاء هم يعترفون بعجزهم وقدرة اللّه. وضعفهم وقوة اللّه ، وانكسارهم وقهر اللّه ، فيصححون ، لا لقومهم فحسب بل للمشركين كذلك ، حقيقة القوة الواحدة الغالبة على هذا الكون ومن فيه.


ثم يصفون حالهم عند ما سمعوا الهدى ، وقد قرروه من قبل ، ولكنهم يكررونه هنا بمناسبة الحديث عن فرقهم وطوائفهم تجاه الإيمان :
«وَأَنَّا لَمَّا سَمِعْنَا الْهُدى آمَنَّا بِهِ» ..
كما ينبغي لكل من يسمع الهدى. وهم سمعوا القرآن. ولكنهم يسمونه هدى كما هي حقيقته ونتيجته.
ثم يقررون ثقتهم في ربهم ، وهي ثقة المؤمن في مولاه :
«فَمَنْ يُؤْمِنْ بِرَبِّهِ فَلا يَخافُ بَخْساً وَلا رَهَقاً» ..
وهي ثقة المطمئن إلى عدل اللّه ، وإلى قدرته ، ثم إلى طبيعة الإيمان وحقيقته .. فاللّه - سبحانه - عادل.
ولن يبخس المؤمن حقه ، ولن يرهقه بما فوق طاقته. واللّه - سبحانه - قادر. فسيحمي عبده المؤمن من البخس وهو نقص الاستحقاق إطلاقا ، ومن الرهق وهو الجهد والمشقة فوق الطاقة. ومن ذا الذي يملك أن يبخس المؤمن أو يرهقه وهو في حماية اللّه ورعايته؟ ولقد يقع للمؤمن حرمان من بعض أعراض هذه الحياة الدنيا ولكن هذا ليس هو البخس ، فالعوض عما يحرمه منها يمنع عنه البخس. وقد يصيبه الأذى من قوى الأرض لكن هذا ليس هو الرهق ، لأن ربه يدركه بطاقة تحتمل الألم وتفيد منه وتكبر به! وصلته بربه تهوّن عليه المشقة فتمحضها لخيره في الدنيا والآخرة.
المؤمن إذن في أمان نفسي من البخس ومن الرهق : «فَلا يَخافُ بَخْساً وَلا رَهَقاً» .. وهذا الأمان يولد الطمأنينة والراحة طوال فترة العافية ، فلا يعيش في قلق وتوجس. حتى إذا كانت الضراء لم يهلع ولم يجزع ، ولم تغلق على نفسه المنافذ .. إنما يعد الضراء ابتلاء من ربه يصبر له فيؤجر. ويرجو فرج اللّه منها فيؤجر. وهو في الحالين لم يخف بخسا ولا رهقا. ولم يكابد بخسا ولا رهقا.
وصدق النفر المؤمن من الجن في تصوير هذه الحقيقة المنيرة.
( يتبع )





.
.


.
.
.


.
.
.



 

رد مع اقتباس