03-14-2021, 08:31 PM
|
#227
|
بيانات اضافيه [
+
]
|
رقم العضوية : 1751
|
تاريخ التسجيل : 06-03-2020
|
أخر زيارة : 08-13-2021 (12:56 PM)
|
المشاركات :
34,369 [
+
] |
التقييم : 22241
|
الدولهـ
|
الجنس ~
|
|
لوني المفضل : Coral
|
|
. . .
. . .
. . .
تابع – سورة الجن
محاور ومقاصد السورة
ثم يقررون تصورهم لحقيقة الهدى والضلال ، والجزاء على الهدى والضلال :
«وَأَنَّا مِنَّا الْمُسْلِمُونَ وَمِنَّا الْقاسِطُونَ. فَمَنْ أَسْلَمَ فَأُولئِكَ تَحَرَّوْا رَشَداً. وَأَمَّا الْقاسِطُونَ فَكانُوا لِجَهَنَّمَ حَطَباً» ..
والقاسطون : الجائرون المجانبون للعدل والصلاح. وقد جعلهم هذا النفر من الجن فريقا يقابل المسلمين.
وفي هذا إيماءة لطيفة بليغة المدلول. فالمسلم عادل مصلح ، يقابله القاسط : الجائر المفسد ..
«فَمَنْ أَسْلَمَ فَأُولئِكَ تَحَرَّوْا رَشَداً» .. والتعبير بلفظ «تَحَرَّوْا» يوحي بأن الاهتداء إلى الإسلام معناه الدقة في طلب الرشد والاهتداء - ضد الغي والضلال - ومعناه تحري الصواب واختياره عن معرفة وقصد بعد تبين ووضوح. وليس هو خبط عشواء ولا انسياقا بغير إدراك. ومعناه أنهم وصلوا فعلا إلى الصواب حين اختاروا الإسلام .. وهو معنى دقيق وجميل ..
<<أَمَّا الْقاسِطُونَ فَكانُوا لِجَهَنَّمَ حَطَباً»
أي تقرر أمرهم وانتهى إلى أن يكونوا حطبا لجهنم ، تتلظى بهم وتزداد اشتعالا ، كما تتلظى النار بالحطب ..
ودل هذا على أن الجن يعذبون بالنار. ومفهومه أنهم كذلك ينعمون بالجنة .. هكذا يوحي النص القرآني.
وهو الذي نستمد منه تصورنا. فليس لقائل بعد هذا أن يقول شيئا يستند فيه إلى تصور غير قرآني ، عن طبيعة الجن وطبيعة النار أو طبيعة الجنة .. فسيكون ما قاله اللّه حقا بلا جدال! وما ينطبق على الجن مما بينوه لقومهم ، ينطبق على الإنس وقد قاله لهم الوحي بلسان نبيهم ..
وإلى هنا كان الوحي يحكي قول الجن بألفاظهم المباشرة عن أنفسهم ثم عدل عن هذا النسق إلى تلخيص مقالة لهم عن فعل اللّه مع الذين يستقيمون على الطريقة إليه ، وذكرها بفحواها لا بألفاظها :
«وَأَنْ لَوِ اسْتَقامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْناهُمْ ماءً غَدَقاً لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ ، وَمَنْ يُعْرِضْ عَنْ ذِكْرِ رَبِّهِ يَسْلُكْهُ عَذاباً صَعَداً» ..
يقول اللّه - سبحانه - إنه كان من مقالة الجن عنا : ما فحواه أن الناس لو استقاموا على الطريقة ، أو أن القاسطين لو استقاموا على الطريقة لأسقيناهم نحن ماء موفورا نغدقه عليهم ، فيفيض عليهم بالرزق والرخاء ..
«لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ» .. ونبتليهم أيشكرون أم يكفرون.
وهذا العدول عن حكاية قول الجن إلى ذكر فحوى قولهم في هذه النقطة ، يزيد مدلولها توكيدا بنسبة الإخبار فيها والوعد إلى اللّه سبحانه. ومثل هذه اللفتات كثير في الأسلوب القرآني ، لإحياء المعاني وتقويتها وزيادة الانتباه إليها.
وهذه اللفتة تحتوي جملة حقائق ، تدخل في تكوين عقيدة المؤمن ، وتصوره عن مجريات الأمور وارتباطاتها.
والحقيقة الأولى : هي الارتباط بين استقامة الأمم والجماعات على الطريقة الواحدة الواصلة إلى اللّه ، وبين إغداق الرخاء وأسبابه وأول أسبابه توافر الماء واغدوداقه. وما تزال الحياة تجري على خطوات الماء في كل بقعة. وما يزال الرخاء يتبع هذه الخطوات المباركة حتى هذا العصر الذي انتشرت فيه الصناعة ، ولم تعد الزراعة هي المصدر الوحيد للرزق والرخاء. ولكن الماء هو الماء في أهميته العمرانية ..
وهذا الارتباط بين الاستقامة على الطريقة وبين الرخاء والتمكين في الأرض حقيقة قائمة. وقد كان العرب في جوف الصحراء يعيشون في شظف ، حتى استقاموا على الطريقة ، ففتحت لهم الأرض التي يغدودق فيها الماء ، وتتدفق فيها الأرزاق. ثم حادوا عن الطريقة فاستلبت منهم خيراتهم استلابا. وما يزالون في نكد وشظف ، حتى يفيئوا إلى الطريقة ، فيتحقق فيهم وعد اللّه.
وإذا كانت هناك أمم لا تستقيم على طريقة اللّه ، ثم تنال الوفر والغنى ، فإنها تعذب بآفات أخرى في إنسانيتها أو أمنها أو قيمة الإنسان وكرامته فيها ، تسلب عن ذلك الغنى والوفر معنى الرخاء. وتحيل الحياة فيها لعنة مشؤومة على إنسانية الإنسان وخلقه وكرامته وأمنه وطمأنينته (كما سبق بيانه في سورة نوح) ..
والحقيقة الثانية التي تنبثق من نص هذه الآية : هي أن الرخاء ابتلاء من اللّه للعباد وفتنة. ونبلوكم بالشر والخير فتنة. والصبر على الرخاء والقيام بواجب الشكر عليه والإحسان فيه أشق وأندر من الصبر على الشدة! على عكس ما يلوح للنظرة العجلى .. فكثيرون هم الذين يصبرون على الشدة ويتماسكون لها بحكم ما تثيره في النفس من تجمع ويقظة ومقاومة ومن ذكر للّه والتجاء إليه واستعانة به ، حين تسقط الأسناد في الشدة فلا يبقى إلا ستره. فأما الرخاء فينسي ويلهي ، ويرخي الأعضاء وينيم عناصر المقاومة في النفس ، ويهيئ الفرصة للغرور بالنعمة والاستنامة للشيطان! إن الابتلاء بالنعمة في حاجة ملحة إلى يقظة دائمة تعصم من الفتنة .. نعمة المال والرزق كثيرا ما تقود إلى فتنة البطر وقلة الشكر ، مع السرف أو مع البخل ، وكلاهما آفة للنفس والحياة ... ونعمة القوة كثيرا ما تقود إلى فتنة البطر وقلة الشكر مع الطغيان والجور ، والتطاول بالقوة على الحق وعلى الناس ، والتهجم على حرمات اللّه .. ونعمة الجمال كثيرا ما تقود إلى فتنة الخيلاء والتيه وتتردى في مدارك الإثم والغواية .. ونعمة الذكاء كثيرا ما تقود إلى فتنة الغرور والاستخفاف بالآخرين وبالقيم والموازين .. وما تكاد تخلو نعمة من الفتنة إلا من ذكر اللّه فعصمه اللّه ..
( يتبع )
|
. . |
. . . |
. . . |
|
|
|