03-14-2021, 08:31 PM
|
#228
|
بيانات اضافيه [
+
]
|
رقم العضوية : 1751
|
تاريخ التسجيل : 06-03-2020
|
أخر زيارة : 08-13-2021 (12:56 PM)
|
المشاركات :
34,369 [
+
] |
التقييم : 22241
|
الدولهـ
|
الجنس ~
|
|
لوني المفضل : Coral
|
|
. . .
. . .
. . .
تابع – سورة الجن
محاور ومقاصد السورة
والحقيقة الثالثة أن الإعراض عن ذكر اللّه ، الذي قد تنتهي إليه فتنة الابتلاء بالرخاء ، مؤد إلى عذاب اللّه.
والنص يذكر صفة للعذاب «يَسْلُكْهُ عَذاباً صَعَداً» .. توحي بالمشقة مذكان الذي يصعد في المرتفع يجد مشقة في التصعيد كلما تصعد. وقد درج القرآن على الرمز للمشقة بالتصعيد. فجاء في موضع : «فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلامِ ، وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً كَأَنَّما يَصَّعَّدُ فِي السَّماءِ «1»». وجاء في موضع : «سَأُرْهِقُهُ صَعُوداً . وهي حقيقة مادية معروفة. والتقابل واضح بين الفتنة بالرخاء وبين العذاب الشاق عند الجزاء! والآية الثالثة في السياق يجوز أن تكون حكاية لقول الجن ، ويجوز أن تكون من كلام اللّه ابتداء :
«وَأَنَّ الْمَساجِدَ لِلَّهِ فَلا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَداً» ..
وهي في الحالتين توحي بأن السجود - أو مواضع السجود وهي المساجد - لا تكون إلا للّه ، فهناك يكون التوحيد الخالص ، ويتوارى كل ظل لكل أحد ، ولكل قيمة ، ولكل اعتبار. وينفرد الجو ويتمحض للعبودية الخالصة للّه. ودعاء غير اللّه قد يكون بعبادة غيره وقد يكون بالالتجاء إلى سواه وقد يكون باستحضار القلب لأحد غير اللّه.
فإن كانت الآية من مقولات الجن فهي توكيد لما سبق من قولهم : «وَلَنْ نُشْرِكَ بِرَبِّنا أَحَداً» في موضع خاص ، وهو موضع العبادة والسجود. وإن كانت من قول اللّه ابتداء ، فهي توجيه بمناسبة مقالة الجن وتوحيدهم لربهم ، يجيء في موضعه على طريقة القرآن.
وكذلك الآية التالية :
«وَأَنَّهُ لَمَّا قامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ كادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَداً» ..
أي متجمعين متكتلين عليه ، حين قام يصلي ويدعو ربه. والصلاة معناها في الأصل الدعاء.
فإذا كانت من مقولات الجن ، فهي حكاية منهم عن مشركي العرب ، الذين كانوا يتجمعون فئات حول رسول اللّه - صلى اللّه عليه وسلم - وهو يصلي أو وهو يتلو القرآن كما قال في «سورة المعارج» : «فَما لِ الَّذِينَ كَفَرُوا قِبَلَكَ مُهْطِعِينَ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمالِ عِزِينَ؟» .. يتسمعون في دهش ولا يستجيبون. أو وهم يتجمعون
لإيقاع الأذى به ، ثم يعصمه اللّه منهم كما وقع ذلك مرارا .. ويكون قول الجن هذا لقومهم للتعجيب من أمر هؤلاء المشركين! وإذا كانت من إخبار اللّه ابتداء ، فقد تكون حكاية عن حال هذا النفر من الجن ، حين سمعوا القرآن .. العجب .. فأخذوا ودهشوا ، وتكأكأوا على رسول اللّه - صلى اللّه عليه وسلم - بعضهم لصق بعض ، كما تكون لبدة الصوف المنسوق شعرها ، بعضه لصق بعض! .. ولعل هذا هو الأقرب لمدلول الآية لاتساقه مع العجب والدهشة والارتياع والوهلة البادية في مقالة الجن كلها! واللّه أعلم ..
وعند ما تنتهي حكاية مقالة الجن عن هذا القرآن ، وعن هذا الأمر ، الذي فاجأ نفوسهم ، وهز مشاعرهم وأطلعهم على انشغال السماء والأرض والملائكة والكواكب بهذا الأمر وعلى ما أحدثه من آثار في نسق الكون كله وعلى الجد الذي يتضمنه ، والنواميس التي تصاحبه.
عند ما ينتهي هذا كله يتوجه الخطاب إلى الرسول - صلى اللّه عليه وسلم - في إيقاعات جادة صارمة حاسمة ، بالتبليغ ، والتجرد من هذا الأمر كله بعد التبليغ ، والتجرد كذلك من كل دعوى في الغيب أو في حظوظ الناس ومقادرهم .. وذلك كله في جو عليه مسحة من الحزن والشجى تناسب ما فيه من جد ومن صرامة :
« قُلْ : إِنَّما أَدْعُوا رَبِّي وَلا أُشْرِكُ بِهِ أَحَداً. قُلْ : إِنِّي لا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلا رَشَداً. قُلْ : إِنِّي لَنْ يُجِيرَنِي مِنَ اللَّهِ أَحَدٌ وَلَنْ أَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَداً. إِلَّا بَلاغاً مِنَ اللَّهِ وَرِسالاتِهِ. وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نارَ جَهَنَّمَ خالِدِينَ فِيها أَبَداً. حَتَّى إِذا رَأَوْا ما يُوعَدُونَ فَسَيَعْلَمُونَ مَنْ أَضْعَفُ ناصِراً وَأَقَلُّ عَدَداً. قُلْ : إِنْ أَدْرِي أَقَرِيبٌ ما تُوعَدُونَ أَمْ يَجْعَلُ لَهُ رَبِّي أَمَداً. عالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلى غَيْبِهِ أَحَداً. إِلَّا مَنِ ارْتَضى مِنْ رَسُولٍ. فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَداً. لِيَعْلَمَ أَنْ قَدْ أَبْلَغُوا رِسالاتِ رَبِّهِمْ ، وَأَحاطَ بِما لَدَيْهِمْ وَأَحْصى كُلَّ شَيْءٍ عَدَداً» ..
قل يا محمد للناس : «إِنَّما أَدْعُوا رَبِّي وَلا أُشْرِكُ بِهِ أَحَداً» .. وهذا الإعلان يجيء بعد إعلان الجن لقومهم :
«وَلَنْ نُشْرِكَ بِرَبِّنا أَحَداً» .. فيكون له طعمه وله إيقاعه. فهي كلمة الإنس والجن ، يتعارفان عليها. فمن شذ عنها كالمشركين فهو يشذ عن العالمين.
«قُلْ : إِنِّي لا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلا رَشَداً» .. يؤمر الرسول - صلى اللّه عليه وسلم - أن يتجرد ، ويؤمر أن ينفض يديه من كل ادعاء لشيء هو من خصائص اللّه الواحد الذي يعبده ولا يشرك به أحدا. فهو وحده الذي يملك الضر ويملك الخير. ويجعل مقابل الضر الرشد ، وهو الهداية ، كما جاء التعبير في مقالة الجن من قبل : «وَأَنَّا لا نَدْرِي أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَنْ فِي الْأَرْضِ أَمْ أَرادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَداً» .. فيتطابق القولان في اتجاههما وفي ألفاظهما تقريبا ، وهو تطابق مقصود في القصة والتعقيب عليها ، كما يكثر هذا في الأسلوب القرآني
وبهذا وذلك يتجرد الجن - وهو موضع الشبهة في المقدرة على النفع والضر - ويتجرد النبي - صلى اللّه عليه وسلم - وتتفرد الذات الإلهية بهذا الأمر. ويستقيم التصور الإيماني على هذا التجرد الكامل الصريح الواضح.
«قُلْ : إِنِّي لَنْ يُجِيرَنِي مِنَ اللَّهِ أَحَدٌ وَلَنْ أَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَداً. إِلَّا بَلاغاً مِنَ اللَّهِ وَرِسالاتِهِ ...» ..
وهذه هي القولة الرهيبة ، التي تملأ القلب بجدية هذا الأمر .. أمر الرسالة والدعوة .. والرسول - صلى اللّه عليه وسلم - يؤمر بإعلان هذه الحقيقة الكبيرة .. إني لن يجيرني من اللّه أحد ، ولن أجد من دونه ملجأ أو حماية ، إلا أن أبلغ هذا الأمر ، وأؤدي هذه الأمانة ، فهذا هو الملجأ الوحيد ، - وهذه هي الإجارة المأمونة.
إن الأمر ليس أمري ، وليس لي فيه شيء إلا التبليغ ، ولا مفر لي من هذا التبليغ. فأنا مطلوب به من اللّه ولن يجيرني منه أحد ، ولن أجد من دونه ملجأ يعصمني ، إلا أن أبلغ وأؤدي! يا للرهبة! ويا للروعة! ويا للجد! إنها ليست تطوعا يتقدم به صاحب الدعوة. إنما هو التكليف. التكليف الصارم الجازم ، الذي لا مفر من أدائه. فاللّه من ورائه! وإنها ليست اللذة الذاتية في حمل الهدى والخير للناس. إنما هو الأمر العلوي الذي لا يمكن التلفت عنه ولا التردد فيه! وهكذا يتبين أمر الدعوة ويتحدد .. إنها تكليف وواجب. وراءه الهول ، ووراءه الجد ، ووراءه الكبير المتعال! «وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نارَ جَهَنَّمَ خالِدِينَ فِيها أَبَداً. حَتَّى إِذا رَأَوْا ما يُوعَدُونَ فَسَيَعْلَمُونَ مَنْ أَضْعَفُ ناصِراً وَأَقَلُّ عَدَداً».
فهو التهديد الظاهر والملفوف لمن يبلغه هذا الأمر ثم يعصي. بعد التلويح بالجد الصارم في التكليف بذلك البلاغ. وإذا كان المشركون يركنون إلى قوة وإلى عدد ، ويقيسون قوتهم إلى قوة محمد - صلى اللّه عليه وسلم - والمؤمنين القلائل معه ، فسيعلمون حين يرون ما يوعدون - إما في الدنيا وإما في الآخرة - «مَنْ أَضْعَفُ ناصِراً وَأَقَلُّ عَدَداً» .. وأي الفريقين هو الضعيف المخذول القليل الهزيل! ونعود إلى مقالة الجن فنجدهم يقولون : «وَأَنَّا ظَنَنَّا أَنْ لَنْ نُعْجِزَ اللَّهَ فِي الْأَرْضِ وَلَنْ نُعْجِزَهُ هَرَباً» فنجد التعقيب على القصة يتناسق معها. ونجد القصة تمهد للتعقيب فيجيء في أوانه وموعده المطلوب! ثم يؤمر الرسول - صلى اللّه عليه وسلم - أن يتجرد وينفض يديه من أمر الغيب أيضا :
«قُلْ : إِنْ أَدْرِي أَقَرِيبٌ ما تُوعَدُونَ أَمْ يَجْعَلُ لَهُ رَبِّي أَمَداً» ..
( يتبع )
|
. . |
. . . |
. . . |
|
|
|