03-14-2021, 08:32 PM
|
#229
|
بيانات اضافيه [
+
]
|
رقم العضوية : 1751
|
تاريخ التسجيل : 06-03-2020
|
أخر زيارة : 08-13-2021 (12:56 PM)
|
المشاركات :
34,369 [
+
] |
التقييم : 22241
|
الدولهـ
|
الجنس ~
|
|
لوني المفضل : Coral
|
|
. . .
. . .
. . .
تابع – سورة الجن
محاور ومقاصد السورة
إن الدعوة ليست من أمره ، وليس له فيها شي ء ، إلا أن يبلغها قياما بالتكليف ، والتجاء بنفسه إلى منطقة الأمان - الذي لا يبلغه إلا أن يبلغ ويؤدي. وإن ما يوعدونه على العصيان والتكذيب هو كذلك من أمر اللّه ، وليس له فيه يد ، ولا يعلم له موعدا. فما يدري أقريب هو أم بعيد يجعل له اللّه أمدا ممتدا. سواء عذاب الدنيا أو عذاب الآخرة. فكله غيب في علم اللّه وليس للنبي من أمره شي ء ، ولا حتى علم موعده متى يكون! واللّه - سبحانه - هو المختص بالغيب دون العالمين :
«عالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلى غَيْبِهِ أَحَداً» ..
ويقف النبي - صلى اللّه عليه وسلم - متجردا من كل صفة إلا صفة العبودية. فهو عبد اللّه. وهذا وصفه في أعلى درجاته ومقاماته .. ويتجرد التصور الإسلامي من كل شبهة ومن كل غبش. والنبي - صلى اللّه عليه وسلم - يؤمر أن يبلغ فيبلغ : «قُلْ : إِنْ أَدْرِي أَقَرِيبٌ ما تُوعَدُونَ أَمْ يَجْعَلُ لَهُ رَبِّي أَمَداً ، عالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلى غَيْبِهِ أَحَداً» ..
هناك فقط استثناء واحد .. وهو ما يأذن به اللّه من الغيب ، فيطلع عليه رسله ، في حدود ما يعاونهم على تبليغ دعوته إلى الناس. فما كان ما يوحي به إليهم إلا غيبا من غيبه ، يكشفه لهم في حينه ويكشفه لهم بقدر ، ويرعاهم وهم يبلغونه ، ويراقبهم كذلك .. ويؤمر الرسول - صلى اللّه عليه وسلم - أن يعلن هذا في صورة جادة رهيبة :
«إِلَّا مَنِ ارْتَضى مِنْ رَسُولٍ ، فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَداً ، لِيَعْلَمَ أَنْ قَدْ أَبْلَغُوا رِسالاتِ رَبِّهِمْ ، وَأَحاطَ بِما لَدَيْهِمْ ، وَأَحْصى كُلَّ شَيْءٍ عَدَداً» ..
فالرسل الذين يرتضيهم اللّه لتبليغ دعوته ، يطلعهم على جانب من غيبه ، هو هذا الوحي : موضوعه ، وطريقته ، والملائكة الذين يحملونه ، ومصدره ، وحفظه في اللوح المحفوظ .. إلى آخر ما يتعلق بموضوع رسالتهم مما كان في ضمير الغيب لا يعلمه أحد منهم.
وفي الوقت ذاته يحيط هؤلاء الرسل بالأرصاد والحراس من الحفظة ، للحفظ وللرقابة. يحمونهم من وسوسة الشيطان ونزغه ، ومن وسوسة النفس وتمنيتها ، ومن الضعف البشري في أمر الرسالة ، ومن النسيان أو الانحراف.
ومن سائر ما يعترض البشر من النقص والضعف .. والتعبير الرهيب - «فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَداً» .. يصور الرقابة الدائمة الكاملة للرسول ، وهو يؤدي هذا الأمر العظيم .. «لِيَعْلَمَ أَنْ قَدْ أَبْلَغُوا رِسالاتِ رَبِّهِمْ» .. واللّه يعلم. ولكن المقصود هو أن يقع منهم البلاغ فيتعلق به علمه في عالم الواقع.
«وَأَحاطَ بِما لَدَيْهِمْ» .. فما من شيء في نفوسهم وفي حياتهم ومن حولهم ، إلا وهو في قبضة العلم لا يند منه شيء ..
« وَأَحْصى كُلَّ شَيْءٍ عَدَداً» .. لا يقتصر على ما لدى الرسل بل يحيط بكل شيء إحصاء وعدا ، وهو أدق الإحاطة والعلم! وتصور هذه الحال. والرسول محوط بالحراس والأرصاد. وعلم اللّه على كل ما لديه. وكل ما حوله.
وهو يتلقى التكليف جنديا لا يملك إلا أن يؤدي. ويمضي في طريقه ليس متروكا لنفسه ، ولا متروكا لضعفه ، ولا متروكا لهواه ، ولا متروكا لما يحبه ويرضاه. إنما هو الجد الصارم والرقابة الدقيقة. وهو يعلم هذا ويستقيم في طريقه لا يتلفت هنا أو هناك. فهو يعلم ماذا حوله من الحرس والرصد ، ويعلم ما هو مسلط عليه من علم وكشف! إنه موقف يثير العطف على موقف الرسول ، كما يثير الرهبة حول هذا الشأن الخطير.
وبهذا الإيقاع الهائل الرهيب تختم السورة ، التي بدأت بالروعة والرجفة والانبهار بادية في مقالة الجن الطويلة المفصلة ، الحافلة بآثار البهر والرجفة والارتياع! وتقرر السورة التي لا تتجاوز الثماني والعشرين آية ، هذا الحشد من الحقائق الأساسية التي تدخل في تكوين عقيدة المسلم ، وفي إنشاء تصوره الواضح المتزن المستقيم ، الذي لا يغلو ولا يفرط ، ولا يغلق على نفسه نوافذ المعرفة ، ولا يجري - مع هذا - خلف الأساطير والأوهام! وصدق النفر الذي آمن حين سمع القرآن ، وهو يقول : «إِنَّا سَمِعْنا قُرْآناً عَجَباً يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ» ..
قال محمد الغزالي:
سورة الجن:
في سورة الجن إشارات إلى طبيعة العقيدة عند النصارى، وكيف جعلوا المسيح ابنا لله وإلها معه! لقد انتشرت هذه القالة في أقطار الأرض، وولدت عليها أجيال، حتى جاء القرآن فنفاها بشدة مؤكدا أن الله واحد ليس له أولاد..! وكانت العقيدة النصرانية قد بلغت الجن فاعتنقوها، ثم عرفوا في تطوافهم بالأرض ما يناقضها {قل أوحي إليّ أنه استمع نفر من الجن فقالوا إنا سمعنا قرآنا عجبا يهدي إلى الرشد فآمنا به ولن نشرك بربنا أحدا}. وشرع الجن يفصلون ما تابوا عنه وعرفوا خطأه. إنه ما يسوغ أن تكون لله صاحبة ولا أن ينسل منها ابنا {وأنه تعالى جد ربنا ما اتخذ صاحبة ولا ولدا}. وذكروا أن الذي بلغهم ذلك موغل في الوهم {وأنه كان يقول سفيهنا على الله شططا}. ثم اعتذروا عن غفلتهم في قبول هذه الشائعة بأنهم ما تصوروا أن يكذب أحد على الله {وأنا ظننا أن لن تقول الإنس والجن على الله كذبا}! ولكن رجالا من الإنس استمعوا إلى هذا اللغو ونشروه في الأرض وضللوا به جماهير غفيرة {وأنه كان رجال من الإنس يعوذون برجال من الجن فزادوهم رهقا}. وقد حسب الجميع أن أبواب السماء غلقت فلن ينزل ملك يوحى، ولن يحمل بشر رسالة أخرى تعود بالإيمان إلى أصله الصحيح، وتؤكد ما بلغه المرسلون الأولون من وحدانية الله وسيطرته المطلقة على الملكوت كله. لكن الله بعث نبيه الخاتم من العرب فطوفت رسالته بالمشارق والمغارب، معلنة أن الله لا ولد له ولا والد. إن هذه الرسالة كانت مفاجأة للمخطئين {وأنهم ظنوا كما ظننتم أن لن يبعث الله أحدا}. والواقع أن الخطأ إذا سلحته الدولة بعنفوانها، وأقامت له أبراجا تدرسه وتحميه، ترك ظلاله في النفوس واستقرت أوضاعه قرونا. وقد نشر الاستعمار الرومانى عقيدة التثليث، واستطاع بالرغبة والرهبة أن يوطئ لها الأكناف. ولولا أن محمدا درع الحق الذي بعث به وفداه بالنفس والمال. لجعله الرومان في خبر كان.
ومن أين كان يعلم الجن أن الله واحد لا ولد له ولا والد. لولا الدعاة الذين حملوا الكتاب هنا وهناك، وقرعوا به الآذان؟ لقد شعرت الجن أن تغيرا ما يحدث في الكون، وأن الوحى النازل يحيط به حرس شديد حتى لا ينقص منه شيء {وأنا لمسنا السماء فوجدناها ملئت حرسا شديدا وشهبا وأنا كنا نقعد منها مقاعد للسمع فمن يستمع الآن يجد له شهابا رصدا}. والغريب أن الحراسة التي صاحبت نزول القرآن من السماء لم تتركه وهو يسير في الأرض، فتحولت حفظا صانه حرفا حرفا ونغمة نغمة. وقد آمن الجن بالإسلام عن تصديق واقتناع {وأنا لما سمعنا الهدى آمنا به فمن يؤمن بربه فلا يخاف بخسا ولا رهقا}. ويظهر أن أعدادا من الجن رفضت الانقياد للحق وعالنت بتمردها عليه! وليس في ذلك ما يدهش، أليس ذلك صنيع بنى آدم؟ {وأنا منا المسلمون ومنا القاسطون فمن أسلم فأولئك تحروا رشدا وأما القاسطون فكانوا لجهنم حطبا}.
( يتبع )
|
. . |
. . . |
. . . |
|
|
|