03-14-2021, 08:36 PM
|
#236
|
بيانات اضافيه [
+
]
|
رقم العضوية : 1751
|
تاريخ التسجيل : 06-03-2020
|
أخر زيارة : 08-13-2021 (12:56 PM)
|
المشاركات :
34,369 [
+
] |
التقييم : 22241
|
الدولهـ
|
الجنس ~
|
|
لوني المفضل : Coral
|
|
. . .
. . .
. . .
تابع – سورة المزمل
محاور ومقاصد السورة
إن اللّه - سبحانه - وهو يعد عبده ورسوله محمدا - صلى اللّه عليه وسلم - ليتلقى القول الثقيل ، وينهض بالعبء الجسيم ، اختار له قيام الليل ، لأن ناشئة الليل هي أشد وطأ وأقوم قيلا. ولأن له في النهار مشاغله ونشاطه الذي يستغرق كثيرا من الطاقة والالتفات :
«إِنَّ لَكَ فِي النَّهارِ سَبْحاً طَوِيلًا» ..
فلينقض النهار في هذا السبح والنشاط ، وليخلص لربه في الليل ، يقوم له بالصلاة والذكر :
«وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلًا» ..
وذكر اسم اللّه ، ليس هو مجرد ترديد هذا الاسم الكريم باللسان ، على عدة المسبحة المئوية أو الألفية! إنما هو ذكر القلب الحاضر مع اللسان الذاكر أو هو الصلاة ذاتها وقراءة القرآن فيها. والتبتل هو الانقطاع الكلي عما عدا اللّه ، والاتجاه الكلي إليه بالعبادة والذكر ، والخلوص من كل شاغل ومن كل خاطر ، والحضور مع اللّه بكامل الحس والمشاعر.
ولما ذكر التبتل وهو الانقطاع عما عدا اللّه ، ذكر بعده ما يفيد أنه ليس هناك إلا اللّه ، يتجه إليه من يريد الاتجاه :
«رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ ، لا إِلهَ إِلَّا هُوَ ، فَاتَّخِذْهُ وَكِيلًا» ..
فهو رب كل متجه .. رب المشرق والمغرب .. وهو الواحد الأحد الذي لا إله إلا هو. فالانقطاع إليه هو الانقطاع للحقيقة الوحيدة في هذا الوجود والتوكل عليه هو التوكل على القوة الوحيدة في هذا الوجود.
والاتكال على اللّه وحده هو الثمرة المباشرة للاعتقاد بوحدانيته ، وهيمنته على المشرق والمغرب ، أي على الكون كله .. والرسول الذي ينادى : قم .. لينهض بعبئه الثقيل ، في حاجة ابتداء للتبتل للّه والاعتماد عليه دون سواه.
فمن هنا يستمد القوة والزاد للعبء الثقيل في الطريق الطويل
ثم وجه اللّه الرسول إلى الصبر الجميل على ما يلقاه من قومه من الاتهام والإعراض والصد والتعطيل. وأن يخلي بينه وبين المكذبين! ويمهلهم قليلا. فإن لدى اللّه لهم عذابا وتنكيلا :
«وَاصْبِرْ عَلى ما يَقُولُونَ وَاهْجُرْهُمْ هَجْراً جَمِيلًا. وَذَرْنِي وَالْمُكَذِّبِينَ أُولِي النَّعْمَةِ وَمَهِّلْهُمْ قَلِيلًا. إِنَّ لَدَيْنا أَنْكالًا وَجَحِيماً. وَطَعاماً ذا غُصَّةٍ وَعَذاباً أَلِيماً. يَوْمَ تَرْجُفُ الْأَرْضُ وَالْجِبالُ ، وَكانَتِ الْجِبالُ كَثِيباً مَهِيلًا .. إِنَّا أَرْسَلْنا إِلَيْكُمْ رَسُولًا شاهِداً عَلَيْكُمْ كَما أَرْسَلْنا إِلى فِرْعَوْنَ رَسُولًا ، فَعَصى فِرْعَوْنُ الرَّسُولَ فَأَخَذْناهُ أَخْذاً وَبِيلًا. فَكَيْفَ تَتَّقُونَ إِنْ كَفَرْتُمْ يَوْماً يَجْعَلُ الْوِلْدانَ شِيباً ، السَّماءُ مُنْفَطِرٌ بِهِ كانَ وَعْدُهُ مَفْعُولًا» ..
وإذا صحت الرواية الأولى عن نزول مطلع هذه السورة في بدء البعثة ، فإن هذا الشوط الثاني منها يكون قد نزل متأخرا بعد الجهر بالدعوة ، وظهور المكذبين والمتطاولين ، وشدتهم على رسول اللّه - صلى اللّه عليه وسلم - وعلى المؤمنين. فأما إذا صحت الرواية الثانية فإن شطر السورة الأول كله يكون قد نزل بمناسبة ما نال النبي - صلى اللّه عليه وسلم - من أذى المشركين وصدهم عن الدعوة
وعلى أية حال فإننا نجد التوجيه إلى الصبر ، بعد التوجيه إلى القيام والذكر ، وهما كثيرا ما يقترنان في صدد تزويد القلب بزاد هذه الدعوة في طريقها الشاق الطويل ، سواء طريقها في مسارب الضمير أو طريقها في جهاد المناوئين ، وكلاهما شاق عسير .. نجد التوجيه إلى الصبر. «وَاصْبِرْ عَلى ما يَقُولُونَ» .. مما يغيظ ويحنق ، «وَاهْجُرْهُمْ هَجْراً جَمِيلًا» .. لا عتاب معه ولا غضب ، ولا هجر فيه ولا مشادة. وكانت هذه هي خطة الدعوة في مكة - وبخاصة في أوائلها .. كانت مجرد خطاب للقلوب والضمائر ، ومجرد بلاغ هادئ ومجرد بيان منير.
والهجر الجميل مع التطاول والتكذيب ، يحتاج إلى الصبر بعد الذكر. والصبر هو الوصية من اللّه لكل رسول من رسله ، مرة ومرة ومرة ولعباده المؤمنين برسله. وما يمكن أن يقوم على هذه الدعوة أحد إلا والصبر زاده وعتاده ، والصبر جنته وسلاحه ، والصبر ملجؤه وملاذه. فهي جهاد .. جهاد مع النفس وشهواتها وانحرافاتها وضعفها وشرودها وعجلتها وقنوطها .. وجهاد مع أعداء الدعوة ووسائلهم وتدبيرهم وكيدهم وأذاهم. ومع النفوس عامة وهي تتفصى من تكاليف هذه الدعوة ، وتتفلت ، وتتخفى في أزياء كثيرة وهي تخالف عنها ولا تستقيم عليها. والداعية لا زاد له إلا الصبر أمام هذا كله ، والذكر وهو قرين الصبر في كل موضع تقريبا! اصبر على ما يقولون واهجرهم هجرا جميلا .. وخل بيني وبين المكذبين ، فأنا بهم كفيل : «وَذَرْنِي وَالْمُكَذِّبِينَ أُولِي النَّعْمَةِ وَمَهِّلْهُمْ قَلِيلًا» .. كلمة يقولها الجبار القهار القوي المتين .. «وَذَرْنِي وَالْمُكَذِّبِينَ» .. والمكذبون بشر من البشر ، والذي يتهددهم هو الذي أنشأهم ابتداء وخلق هذا الكون العريض «بكن» ولا تزيد! ذرني والمكذبين .. فهي دعوتي. وما عليك إلا البلاغ. ودعهم يكذبون واهجرهم هجرا جميلا. وسأتولى أنا حربهم ، فاسترح أنت من التفكير في شأن المكذبين! إنها القاصمة المزلزلة المذهلة حين يخلو الجبار ، إلى هذه الخلائق الهينة المضعوفة .. «أُولِي النَّعْمَةِ» مهما يكن من جبروتهم في الأرض على أمثالهم من المخاليق! «وَمَهِّلْهُمْ قَلِيلًا» ولو مهلهم الحياة الدنيا كلها ما كانت إلا قليلا. وإن هي إلا يوم أو بعض يوم في حساب اللّه. وفي حسابهم هم أنفسهم حين تطوى ، بل إنهم ليحسونها في يوم القيامة ساعة من نهار! فهي قليل أيا كان الأمد ، ولو مضوا من هذه الحياة ناجين من أخذ الجبار المنتقم الذي يمهل قليلا ويأخذ تنكيلا :
«إِنَّ لَدَيْنا أَنْكالًا وَجَحِيماً وَطَعاماً ذا غُصَّةٍ وَعَذاباً أَلِيماً» ..
والأنكال - هي القيود - والجحيم والطعام ذو الغصة الذي يمزق الحلوق والعذاب الأليم .. كلها جزاء مناسب «لأولي النعمة»! الذين لم يرعوا النعمة ، ولم يشكروا المنعم ، فاصبر يا محمد عليهم صبرا جميلا وخل بيني وبينهم. ودعهم فإن عندنا قيودا تنكل بهم وتؤذيهم ، وجحيما تجحمهم وتصليهم. وطعاما تلازمه الغصة في الحلق ، وعذابا أليما في يوم مخيف ..
( يتبع )
|
. . |
. . . |
. . . |
|
|
|