03-14-2021, 08:50 PM
|
#247
|
بيانات اضافيه [
+
]
|
رقم العضوية : 1751
|
تاريخ التسجيل : 06-03-2020
|
أخر زيارة : 08-13-2021 (12:56 PM)
|
المشاركات :
34,369 [
+
] |
التقييم : 22241
|
الدولهـ
|
الجنس ~
|
|
لوني المفضل : Coral
|
|
. . .
. . .
. . .
تابع – سورة المدثر
محاور مواضيع السورة :
ويوجهه أخيرا إلى الصبر. الصبر لربه : «وَلِرَبِّكَ فَاصْبِرْ» .. وهي الوصية التي تتكرر عند كل تكليف بهذه الدعوة أو تثبيت. والصبر هو هذا الزاد الأصيل في هذه المعركة الشاقة. معركة الدعوة إلى اللّه. المعركة المزدوجة مع شهوات النفوس وأهواء القلوب ومع أعداء الدعوة الذين تقودهم شياطين الشهوات وتدفعهم شياطين الأهواء! وهي معركة طويلة عنيفة لا زاد لها إلا الصبر الذي يقصد فيه وجه اللّه ، ويتجه به إليه احتسابا عنده وحده.
فإذا انتهى هذا التوجيه الإلهي للنبي الكريم ، اتجه السياق إلى بيان ما ينذر به الآخرين ، في لمسة توقظ الحس لليوم العسير ، الذي ينذر بمقدمه النذير :
«فَإِذا نُقِرَ فِي النَّاقُورِ. فَذلِكَ يَوْمَئِذٍ يَوْمٌ عَسِيرٌ. عَلَى الْكافِرِينَ غَيْرُ يَسِيرٍ» ..
والنقر في الناقور ، هو ما يعبر عنه في مواضع أخرى بالنفخ في الصور. ولكن التعبير هنا أشد إيحاء بشدة الصوت ورنينه كأنه نقر يصوّت ويدوّي. والصوت الذي ينقر الآذان أشد وقعا من الصوت الذي تسمعه الآذان .. ومن ثم يصف اليوم بأنه عسير على الكافرين ، ويؤكد هذا العسر بنفي كل ظل لليسر فيه : «عَلَى الْكافِرِينَ غَيْرُ يَسِيرٍ» .. فهو عسر كله. عسر لا يتخلله يسر. ولا يفصل أمر هذا العسر ، بل يدعه مجملا مجهلا يوحي بالاختناق والكرب والضيق .. فما أجدر الكافرين أن يستمعوا للنذير ، قبل أن ينقر في الناقور ، فيواجههم هذا اليوم العسير العسير! وينتقل من هذا التهديد العام إلى مواجهة فرد بذاته من المكذبين يبدو أنه كان له دور رئيسي خاص في التكذيب والتبييت للدعوة فيوجه إليه تهديدا ساحقا ماحقا ، ويرسم له صورة منكرة تثير الهزء والسخرية من حاله وملامح وجهه ونفسه التي تبرز من خلال الكلمات كأنها حية شاخصة متحركة الملامح والسمات :
«ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيداً ، وَجَعَلْتُ لَهُ مالًا مَمْدُوداً ، وَبَنِينَ شُهُوداً ، وَمَهَّدْتُ لَهُ تَمْهِيداً ثُمَّ يَطْمَعُ أَنْ أَزِيدَ! كَلَّا! إِنَّهُ كانَ لِآياتِنا عَنِيداً. سَأُرْهِقُهُ صَعُوداً. إِنَّهُ فَكَّرَ وَقَدَّرَ. فَقُتِلَ! كَيْفَ قَدَّرَ؟ ثُمَّ قُتِلَ! كَيْفَ قَدَّرَ؟ ثُمَّ نَظَرَ ، ثُمَّ عَبَسَ وَبَسَرَ ، ثُمَّ أَدْبَرَ وَاسْتَكْبَرَ ، فَقالَ : إِنْ هذا إِلَّا سِحْرٌ يُؤْثَرُ. إِنْ هذا إِلَّا قَوْلُ الْبَشَرِ. سَأُصْلِيهِ سَقَرَ. وَما أَدْراكَ ما سَقَرُ؟ لا تُبْقِي وَلا تَذَرُ ، لَوَّاحَةٌ لِلْبَشَرِ ، عَلَيْها تِسْعَةَ عَشَرَ ...» ..
وقد وردت روايات متعددة بأن المعنيّ هنا هو الوليد بن المغيرة المخزومي. قال ابن جرير : حدثنا ابن عبد الأعلى ، حدثنا محمد بن ثورة ، عن معمر ، عن عبادة بن منصور ، عن عكرمة ، أن الوليد بن المغيرة جاء إلى النبي - صلى اللّه عليه وسلم - فقرأ عليه القرآن ، فكأنه رق له ، فبلغ ذلك أبا جهل بن هشام ، فأتاه فقال له : أي عم! إن قومك يريدون أن يجمعوا لك مالا : قال : لم؟ قال : يعطونكه ، فإنك أتيت محمدا تتعرض لما قبله (يريد بخبث أن يثير كبرياءه من الناحية التي يعرف أن الوليد أشد بها اعتزازا) قال : قد علمت قريش أني أكثرها مالا! قال : فقل فيه قولا يعلم قومك أنك منكر لما قال ، وأنك كاره له! قال : فماذا أقول فيه؟ فو اللّه ما منكم رجل أعلم بالأشعار مني ولا أعلم برجزه ولا بقصيده ، ولا بأشعار الجن! واللّه ما يشبه الذي يقوله شيئا من هذا. واللّه إن لقوله الذي يقوله لحلاوة ، وإنه ليحطم ما تحته ، وإنه ليعلو وما يعلى ..
قال : واللّه لا يرضى قومك حتى تقول فيه .. قال : فدعني حتى أفكر فيه .. فلما فكر قال : إن هذا إلا سحر يؤثره عن غيره. فنزلت : «ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيداً - حتى بلغ - عَلَيْها تِسْعَةَ عَشَرَ».
وفي رواية أخرى أن قريشا قالت : لئن صبأ الوليد ، لتصبون قريش كلها! فقال أبو جهل : أنا أكفيكموه! ثم دخل عليه! .. وأنه قال بعد التفكير الطويل : إنه سحر يؤثر. أما ترون أنه يفرق بين المرء وأهله وولده ومواليه؟
هذه هي الواقعة كما جاءت بها الروايات. فأما القرآن فيسوقها هذه السياقة الحية المثيرة .. يبدأ بذلك التهديد القاصم الرهيب.
«ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيداً» ..
والخطاب للرسول - صلى اللّه عليه وسلم - ومعناه خل بيني وبين هذا الذي خلقته وحيدا مجردا من كل شيء آخر مما يعتز به من مال كثير ممدود وبنين حاضرين شهود ونعم يتبطر بها ويختال ويطلب المزيد. خل بيني وبينه ولا تشغل بالك بمكره وكيده. فأنا سأتولى حربه .. وهنا يرتعش الحس ارتعاشة الفزع المزلزل وهو يتصور انطلاق القوة التي لا حد لها .. قوة الجبار القهار .. لتسحق هذا المخلوق المضعوف المسكين الهزيل الضئيل! وهي الرعشة التي يطلقها النص القرآني في قلب القارئ والسامع الآمنين منها. فما بال الذي تتجه إليه وتواجهه! ويطيل النص في وصف حال هذا المخلوق ، وما آتاه اللّه من نعمه وآلائه ، قبل أن يذكر إعراضه وعناده.
فهو قد خلقه وحيدا مجردا من كل شيء حتى من ثيابه! ثم جعل له مالا كثيرا ممدودا. ورزقه بنين من حوله حاضرين شهودا ، فهو منهم في أنس وعزوة. ومهد له الحياة تمهيدا ويسرها له تيسيرا .. «ثُمَّ يَطْمَعُ أَنْ أَزِيدَ» ..
فهو لا يقنع بما أوتي ، ولا يشكر ويكتفي .. أم لعله يطمع في أن ينزل عليه الوحي وأن يعطى كتابا كما سيجيء في آخر السورة : «بَلْ يُرِيدُ كُلُّ امْرِئٍ مِنْهُمْ أَنْ يُؤْتى صُحُفاً مُنَشَّرَةً» .. فقد كان ممن يحسدون الرسول - صلى اللّه عليه وسلم - على إعطائه النبوة.
وهنا يردعه ردعا عنيفا عن هذا الطمع الذي لم يقدم حسنة ولا طاعة ولا شكرا للّه يرجو بسببه المزيد :
«كَلَّا!» ، وهي كلمة ردع وتبكيت - «إِنَّهُ كانَ لِآياتِنا عَنِيداً» .. فعاند دلائل الحق وموحيات الإيمان.
ووقف في وجه الدعوة ، وحارب رسولها ، وصد عنها نفسه وغيره ، وأطلق حواليها الأضاليل.
( يتبع ) |
|
|
|
|
|
|