03-14-2021, 08:51 PM
|
#248
|
بيانات اضافيه [
+
]
|
رقم العضوية : 1751
|
تاريخ التسجيل : 06-03-2020
|
أخر زيارة : 08-13-2021 (12:56 PM)
|
المشاركات :
34,369 [
+
] |
التقييم : 22241
|
الدولهـ
|
الجنس ~
|
|
لوني المفضل : Coral
|
|
. . .
. . .
. . .
تابع – سورة المدثر
محاور مواضيع السورة :
ويعقب على الردع بالوعيد الذي يبدل اليسر عسرا ، والتمهيد مشقة! «سَأُرْهِقُهُ صَعُوداً» ..
وهو تعبير مصور لحركة المشقة. فالتصعيد في الطريق هو أشق السير وأشده إرهاقا. فإذا كان دفعا من غير إرادة من المصعد كان أكثر مشقة وأعظم إرهاقا. وهو في الوقت ذاته تعبير عن حقيقة. فالذي ينحرف عن طريق الإيمان السهل الميسر الودود ، يندبّ في طريق وعر شاق مبتوت ويقطع الحياة في قلق وشدة وكربة وضيق ، كأنما يصعد في السماء ، أو يصعد في وعر صلد لا ريّ فيه ولا زاد ، ولا راحة ولا أمل في نهاية الطريق! ثم يرسم تلك الصورة المبدعة المثيرة للسخرية والرجل يكد ذهنه! ويعصر أعصابه! ويقبض جبينه! وتكلح ملامحه وقسماته .. كل ذلك ليجد عيبا يعيب به هذا القرآن ، وليجد قولا يقوله فيه :
«إِنَّهُ فَكَّرَ وَقَدَّرَ. فَقُتِلَ! كَيْفَ قَدَّرَ؟ ثُمَّ قُتِلَ! كَيْفَ قَدَّرَ؟ ثُمَّ نَظَرَ. ثُمَّ عَبَسَ وَبَسَرَ. ثُمَّ أَدْبَرَ وَاسْتَكْبَرَ. فَقالَ : إِنْ هذا إِلَّا سِحْرٌ يُؤْثَرُ. إِنْ هذا إِلَّا قَوْلُ الْبَشَرِ» ..
لمحة لمحة. وخطرة خطرة. وحركة حركة. يرسمها التعبير ، كما لو كانت ريشة تصور ، لا كلمات تعبر ، بل كما لو كانت فيلما متحركا يلتقط المشهد لمحة لمحة!!! لقطة وهو يفكر ويدبر ومعها دعوة هي قضاء «فَقُتِلَ!» واستنكار كله استهزاء «كَيْفَ قَدَّرَ؟» ثم تكرار الدعوة والاستنكار لزيادة الإيحاء بالتكرار.
ولقطة وهو ينظر هكذا وهكذا في جد مصطنع متكلف يوحي بالسخرية منه والاستهزاء.
ولقطة وهو يقطب حاجبيه عابسا ، ويقبض ملامح وجهه باسرا ، ليستجمع فكره في هيئة مضحكة! وبعد هذا المخاض كله؟ وهذا الحزق كله؟ لا يفتح عليه بشيء .. إنما يدبر عن النور ويستكبر عن الحق .. فيقول : «إِنْ هذا إِلَّا سِحْرٌ يُؤْثَرُ. إِنْ هذا إِلَّا قَوْلُ الْبَشَرِ»! إنها لمحات حية يثبتها التعبير القرآني في المخيلة أقوى مما تثبتها الريشة في اللوحة وأجمل مما يعرضها الفيلم المتحرك على الأنظار! وإنها لتدع صاحبها سخرية الساخرين أبد الدهر ، وتثبت صورته الزرية في صلب الوجود ، تتملاها الأجيال بعد الأجيال! فإذا انتهى عرض هذه اللمحات الحية الشاخصة لهذا المخلوق المضحك ، عقب عليها بالوعيد المفزع :
«سَأُصْلِيهِ سَقَرَ» .. وزاد هذا الوعيد تهويلا بتجهيل سقر : «وَما أَدْراكَ ما سَقَرُ؟» .. إنها شيء أعظم وأهول من الإدراك! ثم عقب على التجهيل بشيء من صفتها أشد هولا : «لا تُبْقِي وَلا تَذَرُ» .. فهي تكنس كنسا ، وتبلع بلعا ، وتمحو محوا ، فلا يقف لها شي ء ، ولا يبقى وراءها شي ء ، ولا يفضل منها شي ء! ثم هي تتعرض للبشر وتلوح : «لَوَّاحَةٌ لِلْبَشَرِ» .. كما قال في سورة المعارج : «تَدْعُوا مَنْ أَدْبَرَ وَتَوَلَّى» ..
فهي تدل على نفسها ، وكأنما تقصد إثارة الفزع في النفوس ، بمنظرها المخيف! ويقوم عليها حراس عدتهم : «تِسْعَةَ عَشَرَ» .. لا ندري أهم أفراد من الملائكة الغلاظ الشداد ، أم صفوف أم أنواع من الملائكة وصنوف. إنما هو خبر من اللّه سندري شأنه فيما يجيء ..
فأما المؤمنون فقد تلقوا كلمات اللّه بالتسليم اللائق بمن وثق بربه ، وتأدب معه أدب العبد مع الرب فلم يعد يماري في خبره وقوله. وأما المشركون فتلقفوا هذا العدد بقلوب خاوية من الإيمان ، عارية من التوقير للّه ، خالية من الجد في تلقي هذا الأمر العظيم. وراحوا يتهكمون عليه ويسخرون منه ، ويتخذونه موضعا للتندر والمزاح ... قال قائل منهم : أليس يتكفل كل عشرة منكم بواحد من هؤلاء التسعة عشر!؟ وقال قائل :
لا بل اكفوني أنتم أمر اثنين منهم وعليّ الباقي أنا أكفيكموهم! وبمثل هذه الروح المطموسة المغلقة الفاضية تلقوا هذا القول العظيم الكريم.
عندئذ نزلت الآيات التالية تكشف عن حكمة اللّه في الكشف عن هذا الجانب من الغيب ، وذكر هذا العدد ، وترد علم الغيب إلى اللّه ، وتقرر ما وراء ذكر سقر وحراسها من غاية ينتهي الموقف إليها :
«وَما جَعَلْنا أَصْحابَ النَّارِ إِلَّا مَلائِكَةً. وَما جَعَلْنا عِدَّتَهُمْ إِلَّا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا ، لِيَسْتَيْقِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ ، وَيَزْدادَ الَّذِينَ آمَنُوا إِيماناً ، وَلا يَرْتابَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ وَالْمُؤْمِنُونَ ، وَلِيَقُولَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْكافِرُونَ : ماذا أَرادَ اللَّهُ بِهذا مَثَلًا؟ كَذلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ مَنْ يَشاءُ ، وَيَهْدِي مَنْ يَشاءُ ، وَما يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ ، وَما هِيَ إِلَّا ذِكْرى لِلْبَشَرِ» ...
تبدأ الآية بتقرير حقيقة أولئك التسعة عشر الذين تمارى فيهم المشركون :
«وَما جَعَلْنا أَصْحابَ النَّارِ إِلَّا مَلائِكَةً» ..
فهم من ذلك الخلق المغيب الذي لا يعلم طبيعته وقوته إلا اللّه وقد قال لنا عنهم : إنهم «لا يَعْصُونَ اللَّهَ ما أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ ما يُؤْمَرُونَ» فقرر أنهم يطيعون ما يأمرهم به اللّه ، وأن بهم القدرة على فعل ما يأمرهم. فهم إذن مزودون بالقوة التي يقدرون بها على كل ما يكلفهم اللّه إياه. فإذا كان قد كلفهم القيام على سقر ، فهم مزودون من قبله سبحانه بالقوة المطلوبة لهذه المهمة ، كما يعلمها اللّه ، فلا مجال لقهرهم أو مغالبتهم من هؤلاء البشر المضعوفين! وما كان قولهم عن مغالبتهم إلا وليد الجهل الغليظ بحقيقة خلق اللّه وتدبيره للأمور.
( يتبع )
|
. . . |
. . . |
. . . |
|
|
|