الموضوع
:
موسوعة شاملة لشخصيات اسلامية....
عرض مشاركة واحدة
06-14-2021, 10:08 PM
#
115
بيانات اضافيه [
+
]
رقم العضوية :
1482
تاريخ التسجيل :
27-05-2018
العمر :
29
أخر زيارة :
اليوم (03:14 AM)
المشاركات :
111,782 [
+
]
التقييم :
40336
الدولهـ
الجنس ~
MMS ~
Awards Showcase
لوني المفضل :
White
Awards Showcase
كل الاوسمة
: 4
اجمالى النقاط
: 0
فتوح الشام
بعد انتهاء حروب الردة عاد عمرو إلى عُمان، وعلى الجانب الآخر نجحت المناوشات العسكرية بين المسلمين والفرس، تطور هجوم المسلمين نحو العراق، وسرعان ما حقق المسلمون نجاحات واسعة حملتهم على العراق، مما دفع الخليفة الأول أبو بكر للتفكير بجدية في فتح الشام. استشار أبو بكر كبار الصحابة في هذا الأمر، وخطب فيهم، فأيده معظمهم، ولكن أشار عليه عبد الرحمن بن عوف بألا يقتحم أرضهم، وأن يبدأ بالإغارة على أطراف أراضيهم، ثم يبعث إلى قبائل اليمن وربيعة ومضر ليستنفرهم للجهاد. استحسن أبو بكر رأي ابن عوف، أمر بدعوة الناس لغزو الروم.
وصل كتاب أبي بكر الصديق إلى عمرو، يطلب منه المجيء لاستعماله في فتوح الشام. فكان كتاب أبي بكر: «إني كنت قد رددتك على العمل الذي كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ولاكه مرة، وسماه لك أخرى، مبعثك إلى عمان إنجازا لمواعيد رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد وليته ثم وليته. وقد أحببت أبا عبد الله أن أفرغك لما هو خير لك في حياتك ومعادك منه إلا أن يكون الذي أنت فيه أحب إليك.»، فكتب إليه عمرو: «إني سهم من سهام الإسلام، وأنت بعد الله الرامي بها والجامع لها، فانظر أشدها وأخشاها وأفضلها فارم به شيئًا إن جاءك من ناحية من النواحي».
أنفذ أبو بكر الجيوش نحو الشمال عقب تجمعهم بالمدينة بعد أن عقد لأربعة من الأمراء، هم: أبو عبيدة بن الجراح وعمرو بن العاص ويزيد بن أبي سفيان وشرحبيل بن حسنة. ووجه عمرو بن العاص إلى فلسطين ويتراوح عديده بين ستة وسبعة آلاف مقاتل، على أن يسلك طريق البحر الأحمر حتى العقبة فوادي القرى فالبحر الميت وصولًا إلى بيت المقدس، وخرج من المدينة في 3 محرم 13هـ الموافق فيه 10 مارس 634م. وأمرهم أن يعاون بعضهم بعضا وأن يكونوا جميعا تحت إمرة أبي عبيدة، وأمر عمرو أن يمد الجيوش الأخرى إذا دعت الحاجة إلى ذلك.
ودعا أبو بكر عمرو بن العاص فسلم إليه الراية، وأوصاه بوصية طويلة ذكرها الواقدي، فأوصاه بتقوى الله وأمره بإقامة الصلاة وغير ذلك من الأمور، حيث قال: «اتق الله في سرك وعلانيتك واستحيه في خلواتك، فإنه يراك في عملك. وقد رأيت تقدمتي لك على من هو أقدم منك سابقة، وأقدم حرمة. فكن من عمال الآخرة، وأرد بعملك وجه الله، وكن والدًا لمن معك، وأرفق بهم في السير، فإن فيهم أهل ضعف، والله ناصر دينه ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون. وإذا سرت بجيشك، فلا تسر في الطريق التي سار فيها يزيد وربيعة وشرحبيل، بل اسلك طريق أيليا حتى تنتهي إلى أرض فلسطين، وإبعث عيونك يأتونك بأخبار أبي عبيدة، فإن كان ظافرًا بعدوه، فكن أنت لقتال من في فلسطين، وأن كان يريد عسكرًا، فأنفذ إليه جيشًا في أثر جيش، وقدم سهل بن عمرو وعكرمة بن أبي جهل والحارث بن هشام وسعيد بن خالد. وإياك أن تكون وانيًا عما ندبتك إليه، وإياك والوهن أن تقول جعلني ابن أبي قحافة في نحر العدو ولا قوة لي به. وقد رأيت يا عمرو ونحن في مواطن كثيرة ونحن نلاقي ما نلاقي من جموع المشركين ونحن في قلة من عدونا، ثم رأيت يوم حنين ما نصر الله عليهم، وإعلم يا عمرو أن معك المهاجرين والأنصار من أهل بدر، فأكرمهم واعرف حقهم، ولا تتطأول عليهم بسلطانك، ولا تداخلك نجدة الشيطان، فتقول إنما ولاني أبو بكر لأني خيرهم. وإياك وخداع النفس، وكن كأحدهم وشاورهم فيما تريد من أمرك. والصلاة ثم الصلاة، أذن بها إذا دخل وقتها، ولا تصل صلاة إلا بأذان يسمعه أهل العسكر، ثم إبرز وصل بمن رغب في الصلاة معك، فذلك أفضل له. ومن صلاها وحده، أجزأته صلاته. وإحذر من عدوك، وأمر أصحابك بالحرس، ولتكن أنت بعد ذلك مطلعًا عليهم. وأطل الجلوس بالليل على أصحابك، وأقم بينهم وأجلس معهم، ولا تكشف أستار الناس واتق الله إذا لاقيت العدو. وإذا وعظت أصحابك فأوجز، وأصلح نفسك تصلح لك رعيتك، فالإمام ينفرد إلى الله تعالى فيما يعلمه وما يفعله في رعيته. وإني قد وليتك على من قد مررت من العرب، فاجعل كل قبيلة على حميتها، وكن عليهم كالوالد الشفيق الرفيق، وتعاهد عسكرك في سيرك، وقدم قبلك طلائعك فيكونوا أمامك، وخلف على الناس من ترضاه. وإذا رأيت عدوك، فاصبر ولا تتأخر فيكون ذلك منك فخرًا. والزم أصحابك قراءة القرآن، وانههم عن ذكر الجاهلية وما كان منها، فإن ذلك يورث العداوة بينهم. وأعرض عن زهرة الدنيا حتى تلتقي بمن مضى من سلفك، وكن من الإئمة الممدوحين في القرآن إذ يقول الله تعالى: وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ وَإِقَامَ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءَ الزَّكَاةِ وَكَانُوا لَنَا عَابِدِينَ
بداية قتال عمرو في فلسطين
توجه إلى إيليا حتى وصل إلى أرض فلسطين، فلما نزل المسلمون بفلسطين جمع عمرو المسلمين المهاجرين والأنصار وشاورهم في أمرهم فبينما هم في المشورة إذ أقبل عليهم عدي بن عامر يخبرهم باجتماع جيش العدو وأنهم أزيد عن مائة ألف فارس. فجلس عمرو للمشورة، فخاف البعض واقترحوا العودة إلى البيداء، فقال رجل من المهاجرين: «لقد كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم نهزم الجمع الكثير بالجمع القليل، وقد وعدكم الله النصر، وما وعد الصابرين إلا خيرًا.»، فقال سهل بن عمرو: «أما أنا فلا رجعت عن قتال الكفرة، ولا رددت سيفي عنهم، فمن شاء فلينهض ومن شاء فليرجع، ومن نكص على عقبيه، فأنا وراءه بالمرصاد». فقام عمرو بن العاص بعقد الراية وأعطاها عبد الله بن عمر بن الخطاب، وضم إليه ألف فارس فيهم رجال من الطائف ومن ثقيف وأمرهم بالمسير للقاء جيش الروم، والتقى بطليعة من جيش الروم، وانهزم الروم، فرجع المسلمون واجتمع بعضهم على بعض وجمعوا الغنائم والأموال، وقُتل من المسلمين سبعة نفر فواروهم وصلى عليهم ابن عمر وانعطف الجيش إلى عمرو بن العاص. وفي اليوم التالي تجمع الروم في عشرة آلاف فارس، وأقبل عمرو ورتب أصحابه وجعل في الميمنة الضحاك بن قيس الفهري، وفي الميسرة سعيد بن خالد، وأقام على الساقة أبا الدرداء وعمرو على القلب ومعه أهل مكة وأمر الناس يقرأون القرآن، وثبت الروم في المعركة، وقُتل من المسلمين مائة وثلاثون رجلًا، يروي الواقدي عن ابن عمر قوله: «فقتلنا في هذه الواقعة قريبًا من خمسة عشر ألف فارس وأكثر، ولم نزل في آثارهم إلى الليل وعمرو بن العاص قد فرح بالنصر». وانتصر المسلمون، وندب عمرو الناس إلى الصلاة، فصلى ما فاته كل صلاة بأذان وإقامة، وسمى الواقدي هذه المعركة بـ "يوم فلسطين". ثم كتب عمرو إلى أبي عبيدة كتابًا يقول فيه: «بسم الله الرحمن الرحيم، من عمرو بن العاص إلى أمين الأمة، أما بعد فإني أحمد الله الذي لا إله إلا هو وأصلي على نبيه محمد صلى الله عليه وسلم، وإني قد وصلت إلى أرض فلسطين، ولقينا عساكر الروم مع بِطريق يقال له روبيس: في مائة ألف فارس فَمَنَّ الله بالنصر وقُتل من الروم خمسة عشر ألف فارس، وفتح الله على يدي فلسطين بعد أن قُتل من المسلمين مائة وثلاثون رجلًا فإن احتجت إلي سرت إليك والسلام عليك ورحمة الله وبركاته.». ودفع الكتاب إلى أبي عامر الدوسي، وكتب أبو عبيدة : «بسم الله الرحمن الرحيم إنما أنت مأمور فإن كان أبو بكر أمرك أن تكون معنا فسر إلينا، وأن كان أمرك بالثبات في موضعك فاثبت.» وطوى الكتاب وسلمه إلى خالد بن سعيد بن العاص. وسار مع أبي عامر إلى أن أتيا إلى جيش عمرو بن العاص. وكتب عمرو كتابًا إلى أبي بكر الصديق وذكر له ما جرى مع الروم، وبعث الكتاب مع أبي عامر الدوسي
معركة أجنادين
كتب الروم في الشام إلى هرقل يعلمونه بما كان من الأمر، فأمر هرقل بخروج الجيوش الرومية في مقابلة كل أمير من المسلمين جيش كثيف، فبعث إلى عمرو بن العاص أخاه لأبويه تذارق في تسعين ألفًا، وبعث جرجة بن توذرا إلى ناحية يزيد بن أبي سفيان، وبعث الدراقص إلى شرحبيل بن حسنة، وبعث القيقار (اللقيتار بن نسطورس) في ستين ألفا إلى أبي عبيدة بن الجراح.
رأى هرقل أن يضرب أولًا جيش خالد بن سعيد الزاحف باتجاه مرج الصفر، فاستنفر العرب المتنصرة مثل بهراء وسليح وتنوخ ولخم وجذام وغسان، فتوافدوا وعسكروا في مكانٍ قريبٍ من آبل وزيراء والقسطل بقيادة ماهان الأرمني (جابان)، فاصطدم بهم خالد بن سعيد بعد أن استأذن أبا بكر وانتصر عليهم. وفر ماهان مع من تبقى من جنوده من ساحة المعركة. ثم تسرع خالد، فشق طريقه إلى مرج الصفر، مما أعطى الفرصة لماهان للالتفاف حول الجيش الإسلامي وفاجأه. فلاذ خالد بن سعيد بالفرار تاركًا جيشه تحت رحمة الروم، لكن عكرمة بن أبي جهل نجح في إعادة تنظيم صفوفه وانسحب من ميدان المعركة، وعسكر على مقربةٍ من دمشق. وجرت المعركة في 4 محرم 13 هـ الموافق فيه 11 مارس 634م.
لما علم أبو بكر؛ كتب إلى خالد بن الوليد بالعراق يأمره بالمسير إلى الشام في نصف الجيش، ويُأَمِّرُه على قيادة الجيوش في الشام بدلًا من أبي عبيدة. بينما عاد عمرو بن العاص نحو أجنادين الواقعة بين الرملة وبيت جبرين، وتوقف فيها ينتظر وصول جيش تذارق، ولما وصل تذارق انضم إليه نصارى العرب وغيرهم من أهل الشام آملين أن ينالوا نهائيًا من المسلمين ويخرجوهم من فلسطين. عقد خالد بن الوليد مجلسًا عسكريًا عندما علم بزحف البيزنطيين تقرر فيه تجميع القوى الإسلامية والصمود في أجنادين. وسار خالد وأبو عبيدة ويزيد وشرحبيل إلى عمرو بن العاص، وجرى اللقاء في هذه البلدة يوم السبت في 27 جمادى الأولى 13 هـ الموافق فيه 30 يوليو 634م. وعلى الروم القيقلان، وأمير المسلمين عمرو بن العاص، وهو في عشرين ألفًا حسب بعض الأقوال، فقُتل القيقلان وانهزمت الروم، وقُتل منهم خلق كثير، واستشهد من المسلمين جماعة؛ منهم هشام بن العاص والفضل بن العباس، وأبان بن سعيد بن العاص وعمرو بن سعيد بن العاص، والطفيل بن عمرو الدوسي وضرار بن الأزور، وسلمة بن هشام، وهبار بن سفيان، وسعيد بن الحارث بن قيس، وأخوه تميم.
معركة فحل وفتح دمشق
لما تولى عمر بن الخطاب الخلافة؛ عزل خالد بن الوليد وأعاد تولية أبي عبيدة بن الجراح، وتوجه أبو عبيدة على رأس الجيوش الإسلامية لفتح دمشق، فجعل خالد بن الوليد في القلب، وركب أبو عبيدة وعمرو بن العاص في المجنبتين، ونزل أبو عبيدة على باب الجابية، وخالد بن الوليد على الباب الشرقي ويزيد بن أبي سفيان على باب كيسان وعمرو بن العاص على باب الفراديس وشرحبيل بن حسنة على باب توما. ونصب عمرو المجانيق، واستمر الحصار من 17 جمادى الآخرة إلى 20 رجب سنة 13 هـ، حتى فتحت المدينة صلحًا.
قبيل فتح دمشق جرت معركة فحل، بينما ذكرها الطبري بعد فتح دمشق، وكان عمرو بن العاص على الميسرة، وانتصر المسلمون، وانصرف أبو عبيدة وخالد بمن معهما من الجيوش نحو حمص، واستخلف أبو عبيدة على الأدرن شرحبيل بن حسنة، فسار شرحبيل ومعه عمرو بن العاص، فحاصرا بيسان، فخرجوا إليهما فقتل منهم مقتلة عظيمة، ثم صالحوهم على مثل ما صالحت عليه دمشق، وضرب عليهم الجزية، والخراج على أراضيهم.
استخلف أبو عبيدة عمرو بن العاص على فلسطين، وبعدما فتح أبو عبيدة حمص، استقر هو في حمص وأرسل خالدًا إلى دمشق ليقيم بها، وكلف عمرو بن العاص أن يقيم في فلسطين. وهكذا توقفت حركة الفتوح في الشام سنة 15 هـ.
معركة اليرموك
حشد هرقل جيشًا ضخمًا يضم مائة وعشرين ألفًا من الجنود من مختلف الولايات البيزنطية، منهم فرقة من العرب المسيحيون تقدر بإثني عشر ألفًا من الغساسنة ولخم وجذام بقيادة جبلة بن الأيهم، وفرقة من أرمينية تضم أيضًا اثني عشر ألفًا بقيادة جرجة بن توذار، ونزل الروم بين دير أيوب واليرموك، وكانوا بقيادة تذارق أخو هرقل يساعده القائد الأرمني ماهان وثيودور تريثوريوس أمين صندوق الإمبراطورية البيزنطية وسقلاب الخصي. غادر أبو عبيدة بالمسلمين من حمص إلى دمشق. وصل المسلمون إلى اليرموك فوجدوا البيزنطيين قد سبقوهم إليه، بلغت قوة المسلمين ما بين ستة وثلاثين ألفًا إلى أربعين ألفًا، وقيل ستةٍ وأربعين ألفًا، مقسمة على أربعة ألوية على رأس كلٍ منها أمير
جعل أبو عبيدة خالدًا أميرًا للمعركة، ووجد خالد الجيوش متفرقة فجيش أبي عبيدة وعمرو بن العاص ناحية، وجيش يزيد وشرحبيل ناحية، فقام خالد في الناس خطيبًا، فأمرهم بالاجتماع ونهاهم عن التفرق والاختلاف، فقسمهم إلى ستة وثلاثين كردوسًا إلى الأربعين، كل كردوس ألف رجل عليهم أمير، وجعل أبا عبيدة في القلب، وعلى الميمنة عمرو بن العاص ومعه شرحبيل بن حسنة، وعلى الميسرة يزيد بن أبي سفيان، وأمر على كل كردوس أميرًا، وعلى الطلائع قباث بن أشيم، وعلى الأقباض عبد الله بن مسعود، والقاضي أبو الدرداء الأنصاري، وقاصهم الذي يعظهم ويحثهم على القتال أبو سفيان بن حرب، وقارئهم الذي يدور على الناس فيقرأ سورة الأنفال وآيات الجهاد المقداد بن الأسود. وخطب فيهم عمرو بن العاص فقال: «يا أيها المسلمون، غضوا الأبصار، واجثوا على الركب، وأشرعوا الرماح، فإذا حملوا عليكم فأمهلوهم، حتى إذا ركبوا أطراف الأسنة فثبوا إليهم وثبة الأسد، فوالذي يرضى الصدق ويثيب عليه، ويمقت الكذب، ويجزي بالإحسان إحسانا، لقد سمعت أن المسلمين سيفتحونها كفرًا كفرًا، وقصرًا قصرًا، فلا يهولنكم جموعهم ولا عددهم، فإنكم لو صدقتموهم الشد تطايروا تطاير أولاد الحجل».
ثبت جيش الروم، وانكشف جماعة من المسلمين؛ فتقهقر عمرو بن العاص، وانكشف شرحبيل بن حسنة وأصحابه، وثبت يزيد بن أبي سفيان، وقاتل قتالًا شديدًا، وصاح أبو سفيان بن حرب: «يا نصر الله اقترب، الثبات الثبات يا معشر المسلمين». وحمل خالد بن الوليد على ميسرة الروم ففرق شملهم، وانضم إليه القائد الأرمني جرجة معلنًا إسلامه. ثم كر الروم على المسلمين فتصدى لهم خالد ومعه جرجة الذي قُتل، فتراجع الروم. فزحف خالد بقلب الجيش مخترقًا صفوف البيزنطيين ففرت الخيالة منهم تاركين المشاة أمام الجيش الإسلامي، واقتحم خالد عليهم خندقهم، فتراجع الروم تحت جنح الظلام إلى سهل الواقوصة حيث أمعن المسلمون فيهم قتلًا حتى هُزموا. وقُتل من الروم في هذه المعركة حوالي الستين ألفًا، وقُدِّرَت خسائر المسلمين بثلاثة آلاف قتيل منهم عدد من الصحابة مثل عكرمة بن أبي جهل وابنه عمرو وسلمة بن هشام وعمرو بن سعيد بن العاص وهشام بن العاص وعمرو بن الطفيل. وانحاز جبلة بن الأيهم ومن معه من العرب المسيحيين إلى بني قومهم العرب المسلمون، ثم أظهر الإسلام هو وجماعة من قومه الغساسنة.
فتح بيت المقدس
بعد انهزام جيش الروم، كان سهلًا على جيش عمرو دخول البلدات تباعًا، ففتح سبسطية الواقعة إلى الشمال الغربي من نابلس، ثم فتح نابلس، وأعطى أهلها الأمان على أنفسهم وأموالهم ومنازلهم على أداء الجزية والخراج، ثم فتح اللد ونواحيها ويبنى وعمواس وبيت جبرين، ثم هبط جنوبًا ففتح رفح، وفي رواية أنه فتح عسقلان، وكان قد فتح غزة في عهد أبي بكر، وحاصر قيسارية التي كانت من أشهر المدن آنذاك. كما قاد عمرو بن العاص عملية حصار بيت المقدس بوصفه قائد الجبهة الفلسطينية، وواجه مقاومة ضارية من جانب حاميتها وسكانها، ووجد مشقة بالغة في امتصاص الهجمات البيزنطية، فأرسل إلى الأرطبون يطلب منه التسليم مثل بقية المدن ووعده بالأمان. واستعمل البيزنطيون المجانيق من فوق الأسوار. وطال أمد الحرب، واضطر عمرو بن العاص، في هذه الظروف القتالية الصعبة، أن يكتب إلى عُمر في المدينة المنورة يطلب منه المساعدة، فاستجاب لطلبه وأرسل إلى أبي عبيدة لينجده، وصحبه خالد بن الوليد. وأرسل إلى يزيد بأن يبعث أخاه معاوية لفتح قيسارية كي يشغل البيزنطيين على أكثر من جبهة، كما خرج عُمر بنفسه إلى الشام ليكون قريبًا من مجرى الأحداث.
تسلم أبو عبيدة فور وصوله قيادة القوات الإسلامية، وعلموا أن عُمر آتٍ فأدركوا أن مدينتهم لن تستطيع الاستمرار بالمقاومة وأن سقوطها أضحى مسألة وقت، فانسحب الأرطبون مستخفيًا في قوة من الجند إلى مصر. وتسلم بطريرك المدينة صفرونيوس مقاليد الأمور، فعرض عليه أبو عبيدة الإسلام أو الجزية أو الحرب. واختار البطريرك تسليم المدينة لعُمر شخصيًا، واستلم عُمر فور قدومه مفاتيح القدس، وأعطى عمر النصارى ما يٌعرف بالعهدة العمرية.
طاعون عمواس
في سنة 18 هـ الموافق 639م، وقيل أنه كان سنة 17 هـ انتشر الطاعون في ولاية بلاد الشام الإسلامية، وهو ما عٌرف بطاعون عمواس، وأصيب أبو عبيدة بالطاعون، فقالوا لمعاذ بن جبل صلي بالناس، ثم أُصيب معاذ بن جبل ومات، فاستخلف أبو عبيدة على الشام عمرو بن العاص، فقام عمرو في الناس خطيبًا، فقال: «أيها الناس، هذا الطاعون رجس، فتفرَّقوا عنه في هذه الشعاب وفي هذه الأودية»، فقال شرحبيل بن حسنة: «صحبتُ رسول الله وعمروٌ أضلُّ من حمار أهْله، ولكنه رحمةُ ربكم ودعوة نبيكم ووفاة الصالحين قبلكم»، يشير شرحبيلُ إلى حديث نبويّ بمعنى ما قال. وفي تاريخ الطبري أن الذي رادَّ عَمْراً هو أبو وائلة الهذلي، وأن عَمْراً قال: «والله ما أردُّ عليك ما تقول، وايم الله لا نقيم عليه»، ثم خرج وخرج الناس فتفرقوا، ورُفع الطاعون عنهم، قال: فبلغ ذلك عمر بن الخطاب من رأي عمرو بن العاص، فاستحسنه. ثم مات أبو عبيدة بن الجراح، ويزيد بن أبي سفيان، واستخلف عمر معاوية بن أبي سفيان على جند دمشق وخراجها، وأمَّر شرحبيل بن حسنة على جند الأردن وخراجها
فتح مصر
اجتمع عمرو بن العاص بعمر بن الخطاب في الجابية حين جاء إلى الشام ليتفقد أحوالها بعد طاعون عمواس، وعرض عليه فتح مصر وطلب السماح له بالمسير إليها. وقال: «إنك إن فتحْتها كانت قوةً للمسْلمين وعوْنًا لهم، وهي أكْثر الأرْض أمْوالًا وأعْجزها عن القتال والحرب». بينما تذكر بعض المصادر أن فكرة فتح مصر تعود إلى عمر بن الخطاب نفسه الذي أمر عمرو بالمسير إليها. فعهد إليه قيادة الفتح ووضع بتصرفه ثلاثة آلاف وخمسمائة جندي، وقيل أربعة آلاف أو خمسة آلاف، وطلب منه أن يجعل ذلك سرًا وأن يسير بجنده سيرًا هنيًا. وهكذا سار عمرو بن العاص إلى مصر مخترقًا صحراء سيناء ومتخذًا الطريق الساحلي، ومع ذلك بقي عمر بن الخطاب مترددًا، حتى يبدو أنه عدل عن موفقته فأرسل كتابًا إلى عمرو بن العاص وهو برفح فلم يستلمه ويقرأه إلا بعد أن دخل حدود مصر. ويعتقد البعض أن تلك كانت حيلةً بارعةً جعلته يزحف نحو مصر دون أن يخالف أمر الخليفة. وقيل أن عمرو بن العاص سار إلى مصر من تلقاء نفسه، ثم استأذن عمر بن الخطاب، وقيل لم يستأذنه، فغضب عليه وأرسل إليه الكتاب المذكور، فلم يقرأه إلا بعد دخوله مصر، كما قيل أن الكتاب وافاه وهو بالعريش داخل حدود مصر.
وصل الجيش إلى العريش في عيد الأضحى يوم 10 ذو الحجة 18 هـ الموافق 12 ديسمبر 639م، فوجدها خالية من القوات البيزنطية، فدخلها. ثم انحرف جنوبًا تاركًا طريق الساحل، حتى وصل إلى الفرما. ضرب عمرو الحصار على الفرما، وتحصنت حاميتها البيزنطية وراء الأسوار، وجرت مناوشات بين الطرفين استمرت مدة شهر، بينما يذكر ياقوت الحموي أن القتال بالفرما استمر مدة شهرين من الزمن، ثم اقتحمها المسلمون في 19 محرم 19 هـ الموافق 20 يناير 640م. ثم سار إلى بلبيس، وفتح خلال سيره سنهور وتنيس. ضرب عمرو الحصار على المدينة وقاتل حاميتها الرومية شهرًا. وكان الروم قد تحصنوا فيها بقيادة الأرطبون، وكان بها «أرمانوسة» ابنة المقوقس، وقد جهزها بأموالها وجواريها وغلمانها وهي في طريقها نحو قيسارية لتتزوج من قسطنطين الثالث. ودخل المسلمون مدينة بلبيس. وأرسل عمرو بن العاص أرمانوسة في جميع مالها إلى أبيها المقوقس، في صحبة قيس بن سعد بن عبادة.
سار عمرو بن العاص من بلبيس متاخمًا للصحراء، فمر بمدينة عين شمس ثم هبط إلى قريةٍ على النيل اسمها «أم دنين»، وتقع إلى الشمال من حصن بابليون، وعسكر قريبًا منها. ولما علم المقوقس بذلك قَدِمَ من الإسكندرية إلى حصن بابليون ليُشرف على القتال بنفسه. وجرت مع حامية المدينة بعض المناوشات على مدى عدة أسابيع لم تسفر عن نتيجة حاسمة. فأرسل عمرو إلى الخليفة عمر يستحثه في إرسال مدد. فأرسل له مددًا بقيادة الزبير بن العوام، ويذكر المؤرخون المسلمون أن المدد كان اثني عشر ألف مقاتل، ويذكر بعضهم أيضًا أنه كان عشرة آلاف فقط، واغتبط المسلمون بقدوم كبار الصحابة أمثال: الزبير بن العوام وعبادة بن الصامت، والمقداد بن الأسود، ومسلمة بن مخلد الأنصاري، وسقطت بعدها حامية أم دنين. وتمكن بعض الروم وقادتهم من الفرار إلى حصن بابليون. بعد وصول الإمدادات بدأ عمرو في إرسال الفرق العسكرية للسيطرة على الأقاليم المختلفة، فأرسل فرقة من الجنود للسيطرة على مدينة الفيوم، وسيطروا على إقليم الفيوم. وتوغلت في جنوبي الدلتا فاستولت على أثريب ومنوف في إقليم المنوفية
حصن بابليون
عسكر عمرو في عين شمس، وراح يستعد لمهاجمة حصن بابليون، وحاول استفزاز الجنود البيزنطيين وحملِهم على الخروج من الحصن. وبالفعل في شهر شعبان سنة 19 هـ الموافق يوليو سنة 640م، خرج القائد ثيودور على رأس عشرين ألفًا وسار بهم باتجاه عين شمس. فشكل عمرو فرقتين يبلغ عدد أفراد كلٍ منها خمسمائة مقاتل، وأرسل إحداهما إلى أم دنين، والأخرى إلى مغار بني وائل، وخرج من عين شمس، فلما وصل البيزنطيون، ظنوا أن المسلمين فروا من عين شمس، ولكن في الطريق بين المعسكرين؛ خرج أفراد الكمين الذي أعده عمرو، فاجتاحت فرقة من المسلمين مؤخرة الجيش البيزنطي التي فوجئت وأُخذت على حين غرة، فحاولوا الفرار نحو أم دنين، فأطبقت عليهم الفرقة الأخرى، وأضحوا بين ثلاثة جيوش، ونجحت فئة قليلة منهم ببلوغ الحصن وهلكت فئة كبيرة.
ثم ركز جهوده العسكرية على فتح الحصن، فسار إليه في شهر شوال سنة 19 هـ الموافق لشهر سبتمبر 640م وحاصره. لم يكن قد أحكم سيطرته على الطرق المائية بعد. وبادر عدد من حكام الروم بالخروج إلى الإسكندرية تاركين الحامية تتولى مهمة الدفاع عنه، ومما زاد في إحباطهم وخوفهم أن بعض المصريين اعتنقوا الإسلام وانضموا إلى الجيش الإسلامي بقيادة عمرو بن العاص، فكانوا له أعوانًا وأدلاء يصحبونه ويدلونه على الطرق والمواقع، ويخبروه عن أسرار وأوضاع الروم. وخير عمرو المقوقس بين الإسلام أو الجزية أو القتال، وأرسل لهم عبادة بن الصامت، فاستقبله الروم والمصريون حيث طمأنهم بأنهم سيكونون آمنين على أنفسهم وأموالهم وكنائسهم وصلبانهم ونسائهم وذراريهم إن هم قبلوا دفع الجزية. طلب المقوقس من عمرو المهادنة مدة شهر للتفكير في الأمر، فمنحه ثلاثة أيام. وغادر المقوقس حصن بابليون وتوجه إلى الإسكندرية، حيث أرسل عهد الصلح إلى القسطنطينية وطلب موافقة هرقل عليه، لكن هرقل رفض الصلح، واتهم المقوقس بالتقصير والخيانة، ونفاه، واستأنف الطرفان القتال. ووصل نبأ وفاة الإمبراطور هرقل إلى حامية الحصن، فاضطربوا لموته، وتراجعت قدرتهم القتالية، مما أعطى الفرصة للمسلمين لتشديد الحصار قبل أن يقتحموا الحصن في 21 ربيع الآخر 20 هـ الموافق فيه 9 أبريل 641م. واعتلى الزبير بن العوام مع نفرٍ من المسلمين، السور، وكبروا، فظن أهل الحصن أن المسلمين اقتحموه، فهربوا تاركين مواقعهم، فنزل الزبير وفتح باب الحصن لأفراد الجيش الإسلامي فدخلوه. وأعطى عمرو أهل الحصن عهدًا كان نصه:
«بسم الله الرحمن الرحيم، هذا ما أعطى عمرو بن العاص أهل مصر من الأمان على أنفسهم وملتهم وأموالهم وكنائسهم وصلبهم وبرهم وبحرهم، لا يزيد شيء في ذلك ولا ينقص ولا يساكنهم النوب وعلى أهل مصر أن يعطوا الجزية إذا اجتمعوا على هذا الصلح وانتهت زيادة نهرهم خمسين ألف ألف وعليه ممن جنى نصرتهم، فإن أبى أحد منهم أن يجيب رفع عنهم من الجزى بقدرهم وذمتنا ممن أبى برية وإن نقص نهرهم من غايته إذا انتهى رفع عنهم بقدر ذلك ومن دخل في صلحهم من الروم والنًوب فله ما لهم وعليه ما عليهم ومن أبى واختار الذهاب فهو آمن حتى يبلغ مأمنه ويخرج من سلطاننا وعليهم ما عليهم أثلاثًا في كل ثلثٍ جباية ثلث ما عليهم على ما في هذا الكتاب عهد الله وذمته وذمة رسوله صلى الله عليه وسلم وذمة الخليفة أمير المؤمنين وذمم المؤمنين وعلى النوبة الذين استجابوا أن يعينوا بكذا وكذا رأسًا وكذا وكذا فرسًا على أن لا يغزوا ولا يمنعوا من تجارة صادرة ولا واردة. شهد الزبير وعبد الله ومحمد، ابناه، وكتب وردان وحضر»
فتح الإسكندرية
طلب عمرو من الخليفة أن يأذن له بالزحف نحو الإسكندرية لفتحها، فأذن له، وترك حاميةً عسكريةً في حصن بابليون بقيادة خارجة بن حذافة. ولم يجد عمرو أي مقاومة عسكرية طوال طريقه، إلا في نقيوس الواقعة على بعد عدة فراسخ من منوف، وفي قرية سلطيس، وعند حصن كريون آخر سلسلة الحصون قبل الإسكندرية، حتى وصل الإسكندرية في منتصف رجب 20 هـ الموافق فيه أواخر يونيو 641م.
كانت الإسكندرية مدينةً منيعة، ذات حصونٍ عظيمة، وقد عسكر الجند المسلمون بالقرب منها، وقام بتشديد الحصار على المدينة. ونقل عمرو معسكره إلى مكانٍ بعيدٍ عن مرمى المجانيق، بين الحلوة وقصر فارس. استمر الوضع على ذلك مدة شهرين. وشن الغارات على مدن دلتا النيل، وأبقى معظم جنوده على حصار الإسكندرية. وقد نجحت الفرق العسكرية الإسلامية هذه بالسيطرة على ما تبقى من قرى وبلدات بقية الوجه البحري.
استبطأ عمر بن الخطاب نبأ فتح الإسكندرية، فأرسل إلى عمرو يعظه ويستعجله وينبهه على أن النصر لن يكون حليف المسلمين إلا لو أخلصوا النية، وطلب منه أن يخطب في الناس ويحضهم على قتال عدوهم ويرغبهم في الصبر والنية، وأن يدعوا المسلمين الله ويسألوه النصر. شكل كتاب عمر عامل دفعٍ للمسلمين فاقتحموا حصون الإسكندرية ففتحوها بحد السيف في 28 ذو القعدة 20 هـ الموافق 8 نوفمبر 641م بعد حصارٍ دام أربعة أشهرٍ ونصف. وفر البيزنطيون منها بكل اتجاهٍ للنجاة بأنفسهم، وأذعن سكانها من المصريين، واستبقى عمرو أهلها ولم يقتل ولم يسب وجعلهم ذمة كأهل حصن بابليون. تتباين الروايات التاريخية حول كيفية إتمام فتح الإسكندرية وجلاء الروم عنها نهائيًا، فقال البعض أن الفتح كان عنوةً، بينما قال آخرون أنه كان صلحًا، لكن مما لا خلاف فيه أن دخولها تحت سلطان دولة الخلافة الراشدة كان في 1 محرم 21 هـ الموافق 17 سبتمبر 642م.
ولايته الأولى على مصر
بعد تمام فتح مصر، كتب عمر بن الخطاب إلى واليه عمرو بن العاص يسأله عن أوضاع البلاد طالبًا منه أن يصفها إليه، فكتب عمرو بن العاص رسالة إليه يشرح أحوال مصر ووصفها، وأصبح عمرو والي مصر المعين من قبل الخليفة عمر بن الخطاب، وبدأ عمرو بالقيام بالإصلاحات والأعمال الإدارية.
لما رأى عمرو منازل الإسكندرية أراد أن يتخذها مقرًا له، وقال: «منازل قد كفيناها»، فكتب إلى عمر بن الخطاب يستأذنه في ذلك فسأل عمر الرسول: «هل يحول بيني وبين المسلمين ماء؟» قال: «نعم يا أمير المؤمنين إذا جرى النيل». فكتب إلى عمرو: «إني لا أحب أن تنزل بالمسلمين منزلًا يحول الماء بيني وبينهم في شتاء ولا صيف، فلا تجعلوا بيني وبينكم ماء. متى أردت أن أركب إليكم راحلتي حتى أقدم عليكم قدمت». وكان عمرو قد أقام فسطاطه في أرضٍ فضاء ومزارع بين حصن بابليون وجبل المقطم أثناء حصار الحصن. فلما فتح الحصن وقرر الزحف نحو الإسكندرية أمر بنزع هذا الفسطاط، فإذا بيمامةٌ قد باضت في أعلاه، فتركها حتى تكبر فراخها وتطير. فلما عاد من الإسكندرية بعد فتحها أمر جنوده أن ينزلوا عند الفسطاط وأن يختطوا دورهم فيها، فسمت تلك البقعة بالفسطاط. وولى عمرو على تخطيط الفسطاط أربعة من المسلمين؛ فاختطوا لكل قبيلة خطة. وكان أول من ابتنى غرفة في الفسطاط خارجة بن حذافة، ثم اتسعت المدينة، أسلم، وبلي، ومعاذ، وليث، وعنزة، وهذيل، وعدوان، وغيرهم، وقد نزل فيها المصريون أيضًا. وهكذا أسس عمرو بن العاص مدينةً جديدةً للمسلمين في سنة 21هـ الموافقة لسنة 642م. كما بنى فيها أول جامعٍ في مصر عرف باسم جامع عمرو بن العاص، وسمي أيضًا جامع الفتح أو الجامع العتيق.
يروي ابن دقماق أن عمرو بن العاص طلب من قبيسة بن كلثوم التجيبي أن يجعل منزله مسجدًا، فأجابه إلى طلبه وتصدق به على المسلمين، ومن ثم شرع عمرو في بنائه، فكان طوله خمسين ذراعا وعرضه ثلاثين. وكان الجامع في مبدأ أمره أصغر بكثير مما هو عليه الآن. ويقال إنه وقف على إقامة قبلته ثمانون من الصحابة منهم الزبير بن العوام والمقداد بن الأسود وعبادة بن الصامت. ولم يكن للمسجد محراب مجوف؛ وأول من بنى المحراب قرة بن شريك العبسي، وكان له بابان مقابلان دار عمرو، وبابان شمالية وبابان غربية، وكان طوله من القبلة إلى الغرب مثل طول دار عمرو، وسقفه منخفضًا جدًا ولا صحن له، وكانوا يصلون بفنائه، وكان بينه وبين دار عمرو سبعة أذرع، وكان الطريق محيطًا به من جميع جوانبه.
الإصلاحات النيلية
أجرى عمرو بن العاص العديد من الإصلاحات المتعلقة بنهر النيل والزراعة والفلاحين، فخفف عن المصريين كثيرًا من الضرائب التي فرضها البيزنطيون، واعتنى بهندسة الري، من حفر الخلجان وإصلاح الجسور، وسد الترع، وبناء مقاييس للنيل، وإنشاء الأحواض والقناطر. ولعل من أشهر ما قام به عمرو، هو حفر قناة سيزوستريس التي تصل النيل بالبحر الأحمر، وتسهل الاتصال بشبه الجزيرة العربية، وتؤمن طريقًا أفضل للتجارة الشرقية، وعرفت بخليج أمير المؤمنين، وذكر أبو عمرو الكندي أن عَمرًا حفر الخليج سنة 23 هـ/643م وانتهى منه في ستة أشهر. وأنشأ عددًا كبيرًا من الطرق، وأقام الجسور حول الأنهار لمنع فيضانها. كما أبطل المسلمون إحدى العادات السيئة التي كانت موجودة قبل الفتح وهي عادة ما تسمى بعروس النيل وهي إلقاء فتاة بكر في النيل في شهر بؤونة حتى يجري ويفيض، ويُروى في ذلك أن عَمرًا كتب إلى عُمر، فرد عليه عُمر وبعث له ببطاقة مكتوب فيها: «من عبْد الله عُمر أمير المؤمنيْن إلى نيْل أهْل مصْر، أما بعد: فإن كنْت إنما تجْري من قِبَلك ومن أمْرك فلا تجْر فلا حاجة لنا فيْك، وإن كنْت إنما تجْري بأمْر الله الواحد القهار، وهو الذي يجْريْك فنسْأل الله تبارك وتعالى أن يُجْريك.» فألقى عمرو البطاقة في النيل، فجرى النيل ستة عشر ذراعًا في ليلة واحدة.
فتح برقة وطرابلس وفزان
خرج عمرو بقواته من الإسكندرية في سنة 22هـ الموافقة لسنة 643م بعد أن اطمأن على استقرار الأوضاع في مصر، وتوجه نحو برقة التابعة للإمبراطورية البيزنطية، وتسكنها قبيلة لواتة البربرية، وبعث نفرٌ من جنده بقيادة عقبة بن نافع ليستطلعوا أحوال برقة ويوافوه بأخبارها قبل أن يتقدم إليها، فسار هذا إلى زويلة وأطراف برقة وما جاورها من البلاد وبعدما وصلته المعلومات قرر مواصلة السير لفتح كامل بلاد إنطابلس التي تعرف اليوم ببرقة. ولما بلغت خيل ابن العاص برقة، ضربوا الحصار عليها، وعرض عليهم عمرو ابن العاص الثلاث خصال التي عرضها على المقوقس وأهل مصر ومن قبلهم الشام، وهي: الإسلام أو الجزية أو القتال. ووجد أهل برقة أنه لا طاقة لهم بقتال المسلمين فقبلوا المصالحة على أن يؤدوا جزية للمسلمين قوامها 13 ألف دينار، وأن يبيعوا من أحبوا من أبنائهم في جزيتهم، وقيل كذلك دينار عن كل شخصٍ بالغ.
ثم تقدم عمرو بجنوده حتى طرابلس فحاصرها شهرًا لصمود المدافعين عنها. وأثناء الحصار وجه عمرو عقبة بن نافع لفتح فزان، فافتتح أجدابية صلحًا، ثم واصل حتى بلغ زويلة، فصالحه أهلها، وأتم فتح فزان. وأثناء حصار طرابلس استطاع جماعة من المسلمين الدخول بين أسوار طرابلس والبحر الأبيض المتوسط وقاتلوا حامية البحر، وصاح أفرادها «الله أكبر»، فترددت أصداء التكبير في أزقة المدينة وطرقاتها، فذعر المدافعون عنها، ودبت الفوضى في صفوفهم، فحملوا ما استطاعوا من متاعهم وأسرعوا إلى السفن وأبحروا عليها هاربين، ولما رأى الحراس فرار الحامية البيزنطية، تركوا مراكزهم، فدخل عمرو وجيشه إلى المدينة. ثم فاجأ ابن العاص أهل صبراتة بخيله، وفتحت أبواب المدينة عند أول هجمة إسلامية. وأرسل ابن العاص إلى عمر بن الخطاب يستأذنه في التوجه إلى بلاد إفريقية، لكن الخليفة أمره بالتوقف عند ذلك.
الخراج
كان عمر بن الخطاب يشتهر بغلظته وشدته مع الولاة، فكان من المسائل التي أغلط بها عمر على عمرو مسألة تأخر الخراج في أحد السنوات، فكتب عمر إليه:
«بسم الله الرحمن الرحيم، من عبد الله أمير المؤمنين إلى عمرو بن العاص، سلام عليك. أما بعد فأني فكرت في أمرك والذي أنت عليه، فإذا أرضك أرض واسعة عريضة رفيعة قد أعطى الله أهلها عددا وجلدا وقوة في بر وبحر، وإنها قد عالجتها الفراعنة وعملوا فيها عملا محكما، مع شدة عتوهم وكفرهم، فعجبت من ذلك، وأعجب مما عجبت أنها لا تؤدي نصف ما كانت تؤديه من الخراج قبل ذلك على غير قحط ولا جدب، ولقد أكثرت في مكاتبتك في الذي على أرضك من الخراج، وظننت أن ذلك، سيأتينا على غير نزر ورجوت أن تفيق فترفع إلى ذلك، فإذا أنت تأتيني بمعاريض تعبأ بها لا توافق الذي في نفسي. ولست قابلا منك دون الذي كانت تؤخذ به من الخراج قبل ذلك، ولست أدري مع ذلك ما الذي أنفرك من كتابي وقبضك، فلئن، كنت مجربا كافيا صحيحا إن البراءة لنافعة، ولئن مضيعا نطعا إن الأمر لعلى غير ما تحدث به نفسك، ولقد تركت أن أبتلى ذلك منك في العام الماضي رجاء أن تفيق فترفع إلى ذلك، قد علمت أنه لم يمنعك من ذلك إلا أن عمالك عمال السوء، وما توالس عليك وتلفف اتخذوك كهفا وعندي بأذن الله دواء فيه شفاء عما أسألك فيه، فلا تجزع أبا عبد الله أن يؤخذ منك الحق وتعطاه، فإن النهر يخرج الدر والحق أبلج ودعني وما عنه تلجلج فإنه قد برح الخفاء والسلام.»
وذكر المقريزي أكثر من كتاب بينهما في هذه المسألة كان آخرها رد عمرو:
«بسم الله الرحمن الرحيم، لعمر بن الخطاب، من عمرو بن العاص سلام عليك، فإني أحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو، أما بعد: فقد أتاني كتاب أمير المؤمنين يستبطئني في الخراج ويزعم أني أحيد عن الحق، وأنكث عن الطريق، وإني والله ما أرغب عن صالح ما تعلم، ولكن أهل الأرض استنظروني إلى أن تدرك غلتهم، فنظرت للمسلمين فكان الرفق بهم خيرا من أن نخرق بهم، فيصيروا إلى بيع ما لا غنى بهم عنه، والسلام.»
وكان عمرو يجبي الخراج اثني عشر ألف ألف دينار، وجباها المقوقس قبله عشرين ألف ألف دينار، وجباها عبد الله بن سعد بن أبي السرح حين استعمله عثمان بن عفان أربعة عشر ألف ألف دينار.
عقاب عمر لعمرو وابنه
يُروى أن محمد بن عمرو بن العاص تسابق مع رجل من أهل مصر، فغلبه الرجل، فضربه محمد، فذهب الرجل إلى عمر بن الخطاب بمنى واشتكى له، فكتب عمر إلى عمرو بن العاص أن يأتي مع ابنه، ولما أتيا المدينة أمر عمر بتجريد محمد من ثيابه وضربه المصري بالسوط، ثم أمر بعمرو فخرقت ثيابه، عن أنس بن مالكٍ أنه قال: «بينما نحن عند عمر بمنًى إذ دخل عليه رجلٌ من أهل مصر فقال يا أمير المؤمنين إنني استبقت أنا ومحمد بن عمرو بن العاص فسبقته فعدى علي فضربني بين ظهراني المسلمين وهو يقول خذها وأنا ابن الكريمين فجئت أباه أستأذنه فيما صنع بي فحبسني أربعة أشهرٍ ثم أرسلني فخرجت في حاج المسلمين فجئت إليك لتأخذ مظلمتي فقال أعجل علي بعمرو بن العاص وابنه قال فأوتي بهما قال عمر ويحك ما بينتك على ما تقول قال الجند كلهم يا أمير المؤمنين من وافى الحاج منهم فسأل الناس فأخبروه ذلك فدعا بمحمد بن عمرٍو فجرد من ثيابه ثم أمكن المصري من السوط ثم قال له اضرب فضرب المصري وعمر يقول خذها وأنت ابن اللئيمين حتى تركه قال ونحن والله ما نشتهي أن يزيده حتى نزع عنه وقال عمر أما والذي نفسي بيده لو ضربته ما أمسكت يدك عنه ما ضربت ثم قال علي بعمرٍو فأوتي به شيخٌ أصلع فمزقت ثيابه ونحن والله نشتهي أن يوجعه ضربًا ثم قال اضرب فقال يا أمير المؤمنين إنه حبسني ولم يضربني قال أما والله لو ضربته ما أمسكت يدك عنه ما ضربت قل عمرو أما قد فعلت هذا لا نعلم لك قال أجل فاذهب حيث شئت والله يا معشر قريشٍ إن تريدون إلا أن تردوا الناس خولا ما مثلهم ومثلكم إلا كقومٍ اصطحبوا في سفرٍ فقالوا لرجلٍ تقدم فأمنا في صلاتنا وأقسم علينا فيئنا أفأساءوا بذلك أم أحسنوا»
فترة الأقامة :
2541 يوم
معدل التقييم :
زيارات الملف الشخصي :
9552
إحصائية مشاركات »
المواضيـع
الــــــردود
[
+
]
[
+
]
بمـــعــدل :
43.98 يوميا
عطر الزنبق
مشاهدة ملفه الشخصي
إرسال رسالة خاصة إلى عطر الزنبق
البحث عن كل مشاركات عطر الزنبق