عرض مشاركة واحدة
قديم 01-22-2021, 06:40 PM   #14


مديح ال قطب غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 1751
 تاريخ التسجيل :  06-03-2020
 أخر زيارة : 08-13-2021 (12:56 PM)
 المشاركات : 34,369 [ + ]
 التقييم :  22241
 الدولهـ
Egypt
 الجنس ~
Male
لوني المفضل : Coral
افتراضي





.



.

.

[/ce


تابع – سورة البقرة

2 :ملابسات نزول سورة البقرة:وبدايات الهجرة

هذه السورة تضم عدة موضوعات . ولكن المحور الذي يجمعها كلها محور واحد مزدوج يترابط الخطان الرئيسيان فيه ترابطا شديدا . . فهي من ناحية تدور حول موقف بني إسرائيل من الدعوة الإسلامية في المدينة , واستقبالهم لها , ومواجهتهم لرسولها "" صلى الله عليه وسلم ""وللجماعة المسلمة الناشئة على أساسها . . . وسائر ما يتعلق بهذا الموقف بما فيه تلك العلاقة القوية بين اليهود والمنافقين من جهة , وبين اليهود والمشركين من جهة أخرى . . وهي من الناحية الأخرى تدور حول موقف الجماعة المسلمة في أول نشأتها ; وإعدادها لحمل أمانة الدعوة والخلافة في الأرض , بعد أن تعلن السورة نكول بني إسرائيل عن حملها , ونقضهم لعهد الله بخصوصها , وتجريدهم من شرف الانتساب الحقيقي لإبراهيم - عليه السلام - صاحب الحنيفية الأولى , وتبصير الجماعة المسلمة وتحذيرها من العثرات التي سببت تجريد بني إسرائيل من هذا الشرف العظيم . . وكل موضوعات السورة تدور حول هذا المحور المزدوج بخطيه الرئيسيين , كما سيجيء في استعراضها التفصيلي .
ولكي يتضح مدى الارتباط بين محور السورة وموضوعاتها من جهة , وبين خط سير الدعوة أول العهد بالمدينة , وحياة الجماعة المسلمة وملابساتها من الجهة الأخرى . . يحسن أن نلقي ضوءا على مجمل هذه الملابسات التي نزلت آيات السورة لمواجهتها ابتداء . مع التنبيه الدائم إلى أن هذه الملابسات في عمومها هي الملابسات التي ظلت الدعوة الإسلامية وأصحابها يواجهونها - مع اختلاف يسير - على مر العصور وكر الدهور ; من أعدائها وأوليائها على السواء . مما يجعل هذه التوجيهات القرآنية هي دستور هذه الدعوة الخالد ; ويبث في هذه النصوص حياة تتجدد لمواجهة كل عصر وكل طور ; ويرفعها معالم للطريق أمام الأمة المسلمة تهتدي بها في طريقها الطويل الشاق , بين العداوات المتعددة المظاهر المتوحدة الطبيعة . . وهذا هو الإعجاز يتبدى جانب من جوانبه في هذه السمة الثابتة المميزة في كل نص قرآني .




لقد تمت هجرة الرسول "" صلى الله عليه وسلم ""إلى المدينة بعد تمهيد ثابت وإعداد محكم . تمت تحت تأثير ظروف حتمت هذه الهجرة ; وجعلتها إجراء ضروريا لسير هذه الدعوة في الخط المرسوم الذي قدره الله لها بتدبيره . . كان موقف قريش العنيد من الدعوة في مكة - وبخاصة بعد وفاة خديجة - رضي الله عنها - وموت أبي طالب كافل النبي وحاميه . . كان هذا الموقف قد انتهى إلى تجميد الدعوة تقريبا في مكة وما حولها . ومع استمرار دخول أفراد في الإسلام على الرغم من جميع الاضطهادات والتدبيرات فإن الدعوة كانت تعتبر قد تجمدت فعلا في مكة وما حولها , بموقف قريش منها , وتحالفهم على حربها بشتى الوسائل , مما جعل بقية العرب تقف موقف التحرز والانتظار , في ارتقاب نتيجة المعركة بين الرسول وعشيرته الأقربين , وعلى رأسهم أبو لهب وعمرو بن هشام وأبو سفيان بن حرب وغيرهم ممن يمتون بصلة القرابة القوية لصاحب الدعوة . وما كان هناك ما يشجع العرب في بيئة قبلية لعلاقات القرابة عندها وزن كبير , على الدخول في عقيدةرجل تقف منه عشيرته هذا الموقف . وبخاصة أن عشيرته هذه هي التي تقوم بسدانة الكعبة , وهي التي تمثل الناحية الدينية في الجزيرة !


ومن ثم كان بحث الرسول "" صلى الله عليه وسلم ""عن قاعدة أخرى غير مكة , قاعدة تحمي هذه العقيدة وتكفل لها الحرية , ويتاح لها فيها أن تخلص من هذا التجميد الذي انتهت إليه في مكة . حيث تظفر بحرية الدعوة وبحماية المعتنقين لها من الاضطهاد والفتنة . . وهذا في تقديري كان هو السبب الأول والأهم للهجرة .


ولقد سبق الاتجاه إلى يثرب , لتكون قاعدة للدعوة الجديدة , عدة اتجاهات . . سبقها الاتجاه إلى الحبشة , حيث هاجر إليها كثير من المؤمنين الأوائل . والقول بأنهم هاجروا إليها لمجرد النجاة بأنفسهم لا يستند إلى قرائن قوية . فلو كان الأمر كذلك لهاجر إذن أقل الناس جاها وقوة ومنعة من المسلمين . غير أن الأمر كان على الضد من هذا , فالموالي المستضعفون الذين كان ينصب عليهم معظم الاضطهاد والتعذيب والفتنة لم يهاجروا . إنما هاجر رجال ذوو عصبيات , لهم من عصبيتهم - في بيئة قبلية - ما يعصمهم من الأذى , ويحميهم من الفتنة ; وكان عدد القرشيين يؤلف غالبية المهاجرين , منهم جعفر بن أبي طالب - وأبوه وفتيان بني هاشم معه هم الذين كانوا يحمون النبي "" صلى الله عليه وسلم ""ومنهم الزبير بن العوام , وعبد الرحمن ابن عوف , وأبو سلمة المخزومي , وعثمان بن عفان الأموي . . . . وغيرهم . وهاجرت نساء كذلك من أشرف بيوتات مكة ما كان الأذى لينالهن أبدا . . وربما كان وراء هذه الهجرة أسباب أخرى كإثارة هزة في أوساط البيوت الكبيرة في قريش ; وأبناؤها الكرام المكرمون يهاجرون بعقيدتهم , فرارا من الجاهلية , تاركين وراءهم كل وشائج القربى , في بيئة قبلية تهزها هذه الهجرة على هذا النحو هزا عنيفا ; وبخاصة حين يكون من بين المهاجرين مثل أم حبيبة , بنت أبي سفيان , زعيم الجاهلية , وأكبر المتصدين لحرب العقيدة الجديدة وصاحبها . . ولكن مثل هذه الأسباب لا ينفي احتمال أن تكون الهجرة إلى الحبشة أحد الاتجاهات المتكررة في البحث عن قاعدة حرة , أو آمنة على الأقل للدعوة الجديدة . وبخاصة حين نضيف إلى هذا الاستنتاج ما ورد عن إسلام نجاشي الحبشة . ذلك الإسلام الذي لم يمنعه من إشهاره نهائيا إلا ثورة البطارقة عليه , كما ورد في روايات صحيحة .

كذلك يبدو اتجاه الرسول "" صلى الله عليه وسلم ""إلى الطائف محاولة أخرى لإيجاد قاعدة حرة أو آمنة على الأقل للدعوة . . وهي محاولة لم تكلل بالنجاح لأن كبراء ثقيف استقبلوا رسول الله "" صلى الله عليه وسلم ""أسوأ استقبال , وسلطوا عليه سفهاءهم وصبيانهم يرجمونه بالحجارة , حتى أدموا قدميه الشريفتين , ولم يتركوه حتى آوى إلى حائط [ أي حديقة ] لعتبة وشيبة إبني ربيعة . . وهناك انطلق لسانه بذلك الدعاء الخالص العميق:" اللهم أشكو إليك ضعف قوتي , وقلة حيلتي , وهواني على الناس . يا أرحم الراحمين أنت رب المستضعفين وأنت ربي . إلى من تكلني ? إلى عدو ملكته أمري ! أم بعيد يتجهمني ? إن لم يكن بك غضب علي فلا أبالي . ولكن عافيتك أوسع لي . أعوذ بنور وجهك الذي أشرقت به الظلمات , وصلح عليه أمر الدنيا والآخرة , أن تنزل بي غضبك , أو تحل علي سخطك . لك العتبى حتى ترضى , ولا حول ولا قوة إلا بك " .


بعد ذلك فتح الله على الرسول "" صلى الله عليه وسلم ""وعلى الدعوة من حيث لا يحتسب , فكانت بيعة العقبة الأولى , ثم بيعة العقبة الثانية . وهما ذواتا صلة قوية بالموضوع الذي نعالجه في مقدمة هذه السورة , وبالملابسات التي وجدت حول الدعوة في المدينة .


وقصة ذلك في اختصار:أن النبي "" صلى الله عليه وسلم ""التقى قبل الهجرة إلى يثرب بسنتين بجماعة من الخزرج في موسم الحج , حيث كان يعرض نفسه ودعوته على الوافدين للحج ; ويطلب حاميا يحميه حتى يبلغ دعوة ربه . وكان سكان يثرب من العرب - الأوس والخزرج - يسمعون من اليهود المقيمين معهم , أن هنالك نبيا قد أطل زمانه ; وكانت يهود تستفتح به على العرب , أي تطلب أن يفتح لهم على يديه , وأن يكون معهم على كل من عداهم . فلما سمع وفد الخزرج دعوة النبي "" صلى الله عليه وسلم ""قال بعضهم لبعض:تعلمن والله إنه للنبي الذي توعدكم به يهود , فلا تسبقنكم إليه . . وأجابوه لما دعاهم . وقالوا له:إننا قد تركنا قومنا ولا قوم بينهم من العداوة والشر ما بينهم . فعسى الله أن يجمعهم بك . . ولما عادوا إلى قومهم , وعرضوا الأمر عليهم , ارتاحوا له , ووافقوا عليه .
فلما كان العام التالي وافى الموسم جماعة من الأوس والخزرج , فالتقوا بالنبي "" صلى الله عليه وسلم ""وبايعوه على الإسلام . وقد أرسل معهم من يعلمهم أمر دينهم .
وفي الموسم التالي وفد عليه جماعة كبيرة من الأوس والخزرج كذلك , فطلبوا أن يبايعوه , وتمت البيعة بحضور العباس عم النبي "" صلى الله عليه وسلم ""على أن يمنعوه مما يمنعون منه أنفسهم وأموالهم . وتسمى هذه البيعة الثانية بيعة العقبة الكبرى . . ومما وردت به الروايات في هذه البيعة ما قاله محمد بن كعب القرظي:قال عبد الله بن رواحة - رضي الله عنه - لرسول الله "" صلى الله عليه وسلم ""يعني ليلة العقبة:اشترط لربك ولنفسك ما شئت . فقال:" اشترط لربي أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئا ; واشترط لنفسي أن تمنعوني مما تمنعون منه أنفسكم وأموالكم " . قال:فما لنا إذا فعلنا ذلك ? قال:" الجنة " . قالوا:ربح البيع ولا نقيل ولا نستقبل !
وهكذا أخذوا الأمر بقوة . . ومن ثم فشا الإسلام في المدينة , حتى لم يبق فيها بيت لم يدخله الإسلام . وأخذ المسلمون في مكة يهاجرون إلى المدينة تباعا , تاركين وراءهم كل شيء , ناجين بعقيدتهم وحدها , حيث لقوا من إخوانهم الذين تبوأوا الدار والإيمان من قبلهم , من الإيثار والإخاء ما لم تعرف له الإنسانية نظيرا قط . ثم هاجر رسول الله "" صلى الله عليه وسلم ""وصاحبه الصديق . هاجر إلى القاعدة الحرة القوية الآمنة التي بحث عنها من قبل طويلا . . وقامت الدولة الإسلامية في هذه القاعدة منذ اليوم الأول لهجرة الرسول "" صلى الله عليه وسلم "".

( يتبع )




ll]


.

.



 

رد مع اقتباس