لمحات أدبية عن سيّد الشهور.. رمضان

لمحات أدبية عن سيّد الشهور.. رمضان
مرحبًا برمضان..

علي عثمان مليباري

مرحبًا برمضان.. هذا الشهر الفضيل الذي له مكانة روحية ودينية خاصة عند كل مسلم، فهو شهر الهدى والنور، وشهر العبادة والطاعة والتسابق إلى فعل الخيرات، وهو شهر للتدبر والتأمل الذي يوقظ في النفس الكثير من الأحاسيس الإيمانية مثل الابتهال إلى الله سبحانه وتعالى، والرجاء في غفرانه، وطلب النجاة من ناره، ودخول جنته.

وشهر رمضان بكل ما يتضمنه من معانٍ دينية وروحية ومظاهر اجتماعية وثقافية لم يكن بالمناسبة التي يغفلها الأدب العربي نثرًا وشعرًا، فهو مناسبة عظيمة تمنح الأديب والشاعر فرصة لإضافة جماليات لغوية وصور أدبية، حيث حفل الأدب العربي بكثير من صور التعبير عن الحب والتقدير لشهر رمضان المبارك، فهذا أمير الشعراء أحمد شوقي في كتابه «أسواق الذهب» يصور معاني الصوم تصويرًا أدبيًّا، قائلاً: «الصوم حرمان مشروع وتأديب بالجوع وخشوع لله وخضوع، لكل فريضة حكمة وهذا الحكم ظاهره العذاب وباطنه الرحمة يستثير الشفقة ويحض على الصدقة، يكسر الكبر ويعلم الصبر ويسن خلاله البر، حتى إذا جاع من ألف الشبع وحرم المترف أسباب المنع، عرف الحرمان كيف يقع وكيف ألمه إذا لذع».

ويرسم عميد الأدب العربي طه حسين صورة أدبية للحظات الإفطار عبر كلمات بديعة تقول: «فإذا دنا الغروب وخفقت القلوب وأصغت الآذان لاستماع الأذان وطاشت نكهة الطعام بالعقول والأحلام، فترى أشداقًا تنقلب وأحداقًا تتقلب بين أطباق مصفوفة وأكواب مرصوفة، تملك على الرجل قلبه وتسحر لبه بما ملئت من فاكهة وأترعت من شراب، الآن يشق السمع دوي المدفع، فتنظر إلى الظماء وقد وردوا الماء، وإلى الجياع طافوا بالقصاع، تجد أفواهًا تلتقم، وحلوقًا تلتهم، وألوانًا تبيد، وبطونًا تستزيد، ولا تزال الصحائف ترفع وتوضع والأيدي تذهب وتعود وتدعو الأجواف قدني.. قدني، وتصيح البطون قطني.. قطني، ومع تعدد أصناف الطعام على مائدة الفطور في رمضان فإن الفول المدمس هو الصنف الأهم والأكثر ابتعاثًا للشهية».

وكان لشهر رمضان حظ من الشعر ما بين ترحيب بمقدمه وتوديعه، فهذا الشاعر ابن حمديس الصقلي، يرحب بهلال رمضان ويتفنن في وصفه، بقوله:

قلت والناس يرقبون هلالاً

يشبه الصب من نحافة جسمه

من يكن صائمًا فذا رمضان

خط بالنور للورى أول اسمه

وكذلك يفعل البحتري عندما يتغنى بطلوع شهر رمضان، قائلاً:

قم نبادر بها الصيام فقد

أقمر ذاك الهلال من شعبان

ويقول ابن المعتز في هلال آخر رمضان:

يا قمرًا قد صار مثل الهلال

من بعد ما صيرني كالخلال

الحمد لله الذي لم أمت

حتى رأيناك بداء السلال

فلا غرابة إذن أن يكون لشهر رمضان مساحة في معظم الأعمال الإبداعية للأدباء والشعراء العرب منذ عصر صدر الإسلام حتى عصرنا الحديث، والحديث عن ذلك يطول، بل إنه قد قيل عن رمضان من الشعر ما لا يمكن كتابته في ألف صفحة، يظهر فيه الشعراء آثار الصوم على عادات الناس وسلوكياتهم، من ذلك ما فعله الشاعر علي الجارم الذي نزل ضيفًا على أحد البخلاء الذي لم يعوّد نفسه على الجود والكرم في شهر العطاء، فهجاه بقوله:

أتى رمضان غير أن سراتنا

يزيدون صومًا تضيق به النفس

يصومون صوم المسلمين نهاره

وصوم النصارى حينما تغرب الشمس

وقول أحمد شوقي في وصفه لشهر رمضان الذي تصوم فيه الجوارح كلها عن معصية الله تعالى:

يا مديم الصوم في الشهر الكريم

صم عن الغيبة يومًا والنميم

ولقد أشارت كتب التاريخ إلى أن مواقف الأدباء والشعراء كانت متباينة من شهر رمضان عبر مراحل التاريخ الإسلامي، وذلك حسب اختلاف الأدباء وعصورهم، فمثلاً لم يهتم الأدب الأموي كثيرًا بهذا الشهر، حيث انشغل الشعراء عن مثله من الموضوعات بمدائح الخلفاء طلبًا للنوال والعطاء، إضافة إلى نصرة الأحزاب السياسية التي قامت في تلك الفترة، وفي العصر العباسي تذكر بعض المراجع أن عددًا كبيرًا من الشعراء في ذلك العصر ذكروا رمضان بشيء من الكره والتأذي.

وبلمحة سريعة على الأدب السعودي المعاصر الذي يتميز بالطابع الإسلامي والنهج الإيماني، تتعدد القصائد الرائعة التي تحدث من خلالها شعراؤنا الكبار عن رمضان وقدسيته وروحانيته والتهنئة بحلوله والحث على صيامه وقيامه، فهذا الشاعر السعودي محمد علي السنوسي يرحب بشهر رمضان عند قدومه ويشبهه بالضياء والنور الرباني، فيقول:

رمضان يا شهر الضياء الحر من أسر الظلام

أطلق بأضواء الهدى أسر النفوس من الحطام

وأنِر بقدسيّ الصفاء رؤى الحياة من القتام

وانضح عواطفنا تقًى واغمر نوازعنا وئام

وفي قصيدة أخرى يصف الشاعر عبدالقدوس الأنصاري رمضان بأنه ربيع الحياة البهيج، وذلك بقوله:

تبديت للنفس لقمانها

لذاك تبنتك وجدانها

وتنثر بين يديك الزهور

تحييك إذ كنت ريحانها

فأنت ربيع الحياة البهيج

تنضر بالصفو أوطانها

وللشاعر محمد حسن فقي أبيات جميلة عن أثر الجوع في رائحة الصائم، التي جعلها الله سبحانه وتعالى أطيب من رائحة المسك كما بين المصطفى صلّى الله عليه وسلّم، حيث يقول الشاعر الكبير:

وعلى فمي طعم أحس بأنه

من طعم تلك الجنة الخضراءِ

لا طعم دنيانا فليس بوسعها

تقديم هذا الطعم للخلفاءِ

ما ذقت قط ولا شعرت بمثله

ألا أكون به من السعداءِ

وهكذا كان لشهر رمضان اثر عظيم في نفوس الشعراء والأدباء الذين يحتفلون بشهر الصيام والقيام، باعتباره شهرًا للبر والتقوى، وشهرًا للهداية والصلاح والإيمان، ممّا أصبح لشهر رمضان في الأدب العربي سمات فنية وخصائص أدبية مميزة.