مشاهدة النسخة كاملة : مناسبة سورة الأنفال لسورتي البقرة وآل عمران


نبراس القلم
11-24-2021, 09:54 PM
أولاً: مناسبة سورة الأنفال لسورة البقرة:
1- ظاهرة السؤال في السورتين:
بدأت سورة الأنفال بقوله تعالى: ﴿ يَسْأَلُونَكَ ﴾ [الأنفال: 1]، وقد تكررت ظاهرة السؤال في سورة البقرة؛ مما يدل على أنها ظاهرة مشتركة في السورتين، وأن الصحابة الكرام كانوا يسألون عن أشياء لم ينزل حكمُها بعدُ.
فقد جاء في سورة البقرة قوله تعالى:
﴿ يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ ﴾ [البقرة: 189].
﴿ يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ ﴾ [البقرة: 217].
﴿ يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ ﴾ [البقرة: 219].
﴿ وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ ﴾ [البقرة: 222].
يتضح من تكرار سؤالهم في هذه المرحلة من مراحل الدعوة والتشريع أنهم - رضي الله عنهم - كانوا يبادرون بالسؤال؛ ليعرفوا حُكم الله تعالى في كل أمر من أمورهم، وفي كل مناسبة تواجههم، فلا يُقْدِمون على فعل إلا بعد السؤال، كما كانوا يتحرَّجون من كل فعل كانوا يفعلونه قبل نزول التشريعات، لماذا؟ لأنهم أحبوا الله من كل قلوبهم، وانقادوا طائعين لله رب العالمين، فلم يتصرفوا من تلقاء أنفسهم، بل يسألون، كما أن الإيمان قد تمكن من قلوبهم، وتهيأت نفوسهم لقبول التشريعات، فما إن يسألوا وينزل الجواب أو الحكم إلا قالوا: سمعنا وأطعنا، ولعل ما جاء في مطلع سورة الأنفال إنما هو سؤال تَحَرُّج قبل التصرف، وهو سؤال لمعرفة الحكم، وهو نتاج التربية الإيمانية، ومن ثمار التقوى.
2- سورة البقرة ومقدمات بدر:
جاء في سورة البقرة قوله تعالى: ﴿ وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ * وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَأَخْرِجُوهُمْ مِنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ وَلَا تُقَاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ حَتَّى يُقَاتِلُوكُمْ فِيهِ فَإِنْ قَاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ كَذَلِكَ جَزَاءُ الْكَافِرِينَ ﴾ [البقرة: 191،190].
يقول ابن كثير: عن أبي العالية: (هذه أول آية نزلت في القتال في المدينة، وقوله: ﴿ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ ﴾ إنما هو تهييج وإغراء بالأعداء الذين هِمَّتُهم قتال الإسلام وأهله[1]، وقد تم بعث عدة سرايا، وحدثت مناوشات سبقت غزوة بدر[2]، وهي من مقدمات الغزوة - كما سبق بيانه - لكن الجدير بالذِّكر - والذي يعد من أقوى الروابط بين سورتي البقرة والأنفال - هو قول الله تعالى: ﴿ يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ وَصَدٌّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِنْدَ اللَّهِ وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ وَلَا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ﴾ [البقرة: 217]، يقول الإمام الواحدي:
قال المفسِّرون: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عبدالله بن جحش في جمادى الآخرة، وذكر ابن القيم أن هذه السَّرِية كانت في رجب على رأس سبعة عشر شهرًا من مَقْدَمِه المدينةَ، وبعث معه ثمانية رهط من المهاجرين، وكتب لأميرهم كتابًا، وقال: سِرْ على اسم الله، ولا تنظر في الكتاب حتى تسير يومين، فإذا نزلتَ منزلين، فافتح الكتاب واقرأه على أصحابك، ثم امضِ لِما أمرتك، ولا تَسْتَكْرِهَنَّ أحدًا على المسير معك، فسار عبدالله يومين، ثم نزل وفتح الكتاب، فإذا فيه: بسم الله الرحمن الرحيم، أما بعد، فسِرْ على بركة الله بمن تبعك من أصحابك حتى تنزل بطن نخلة فترصد بها عير قريش؛ لعلك أن تأتينا منه بخبر، فلما نظر عبدالله الكتاب، قال: سمعًا وطاعة، ومضى عبدالله حتى وصل بطن نخلة بين مكة والطائف، فبينما هم كذلك إذ مرت بهم عِير لقريش، وكان ذلك في آخر يوم من جمادى الآخرة، وكانوا يرون أنه من جمادى، وهو من رجب، فتشاور القوم فيهم، فأجمعوا أمرهم في مواقعة القوم، فرمى واقد بن عبدالله السهمي عمرَو بنَ الحضرمي بسهم فقتله، وكان أولَ قتيل من المشركين، وأُسِرَ الحكم بن كيسان وعثمان بن عبدالله بن المغيرة، فكانا أول أسيرين في الإسلام، واستاق المؤمنون العير والأسيرين حتى قدموا على رسول الله بالمدينة، فقالت قريش: قد استحل محمد الشهر الحرام شهرًا يأمن فيه الخائف، فسفك فيه الدماء، وأخذ فيه الحرائب - وهي السَّلَبُ - فأنزل الله تعالى الآية: ﴿ يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ ﴾ [البقرة: 217][3]، وذكر القرطبي: أن عبدالله بن جحش قال لمن معه: اعزلوا مما غنمنا الخُمُس لرسول الله صلى الله عليه وسلم، ففعلوا، وكانت هذه تسمى بدرًا الأولى، فكان أول خمس في الإسلام، ثم نزل - بعد بدر الكبرى -: ﴿ وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ ﴾ [الأنفال: 41]، فأقر اللهُ ورسوله ما فعل عبدالله بن جحش ورضيه وسَنَّه للأمة إلى يوم القيامة[4]، وقد تبين أن الآية الكريمة من سورة البقرة نزلت قبل بدر بشهرين، وأن هذه الآية من سورة البقرة كانت بدرًا الصغرى، وأن سورة الأنفال نزلت في بدر الكبرى، وأن الإذن بالقتال في بدر جاء في سورة البقرة في قوله تعالى: ﴿ وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ ﴾ [البقرة: 190] إلى قوله تعالى: ﴿ وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّه ﴾ [البقرة: 193] الآيات من 190 إلى 195.
3- جاء ذِكر قصة طالوت وجالوت - وهي شبيهة بقصة بدرٍ كما سبق تفصيله - وجاء فرض الصيام في سورة البقرة، وذلك في شعبان في العام الثاني؛ أي: قبل بدر بشهر، وقد سبق بيان علاقة الصيام بالجهاد.
ثانيًا: مناسبة سورة الأنفال لما بعدها في النزول، وهي سورة آل عمران:
وكما هو معلوم فإن سورة الأنفال نزلت في أعقاب غزوة بدر عام 2هـ، ثم نزلت سورة آل عمران في أعقاب غزوة أُحد عام 3 من الهجرة.
وفي سورة الأنفال يُبَيِّن الله تعالى للمؤمنين فضله عليهم؛ إذ منَّ عليهم بالنصر، وقد كانوا أذلاء لا عُدَّة لهم؛ قال تعالى في سورة آل عمران: ﴿ وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ﴾ [آل عمران: 123].
• وفي سورة الأنفال بيَّن الله تعالى أنه ألقى في قلوب الذين كفروا الرعب، وبيَّن في سورة آل عمران كيفية إلقاء الرعب، وهو اختلال موازين البصر، أو الرؤية العينية؛ حيث رأى المشركون المسلمين ضِعْفَيْ عددهم؛ مما ألقى الرعب في قلوب المشركين، فانهارت معنوياتهم، فهُزِموا؛ قال تعالى: ﴿ قَدْ كَانَ لَكُمْ آيَةٌ فِي فِئَتَيْنِ الْتَقَتَا فِئَةٌ تُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَأُخْرَى كَافِرَةٌ يَرَوْنَهُمْ مِثْلَيْهِمْ رَأْيَ الْعَيْنِ وَاللَّهُ يُؤَيِّدُ بِنَصْرِهِ مَنْ يَشَاءُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصَارِ ﴾ [آل عمران: 13].
• وفي سورة الأنفال بيَّن لهم أسباب النصر وسبل المحافظة عليه؛ من الإعداد، والثبات والصبر وعدم التولي، والتقوى وطاعة الرسول في أوامره، ولَمَّا لم يلتزم البعض ببعض تلك الأسباب والآداب كانت مصيبتهم في أُحُدٍ فادحة؛ قال تعالى في سورة آل عمران: ﴿ أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾ [آل عمران: 165].
• وفي السورتين - ومن خلالهما - يتعلم المسلمون كيف يكون النصر، وكيف تأتي الهزائم؟ فالنصر إنما يكون في الالتزام الشديد والقوي والكُلِّي بقوانين الله عز وجل، فهذه القوانين لا تجامل، بل هي صارمة؛ ففي بدر فُرِض عليهم القتال، وليس هناك أدنى استعداد للمواجهة، لكنه الأمر الإلهي، والله تعالى قد تولَّى نصرهم بأسباب من عنده تُعَدُّ من الخوارق، وبعد بدر أمرهم بالاستعداد والأخذ بالأسباب، فإن هم أخذوا بالأسباب الممكنة الكاملة، نصَرهم الله عز وجل، وإن هم استهانوا وفرَّطوا أو قصَّروا كانت الهزيمة، والهزيمة دائمًا من عندنا؛ أي: بسبب تقصيرنا.
[1] تفسير ابن كثير، جزء 1، ص 226.

[2] انظر زاد المعاد، جزء 2، ص 82.

[3] أسباب النزول للواحدي، ص 55، وزاد المعاد جزء 2، ص 83، ابن كثير جزء 1، ص 254.

[4] تفسير القرطبي، جزء 2، ص 850.
د. أمين الدميري

عطر الزنبق
11-24-2021, 09:55 PM
بارك الله فيك
وجزاك الفردوس الأعلى من الجنــــــــــان
لروعة طرحك القيم والمفيد
لـعطرك الفواح في ارجاء المنتدى كل الأمتنان
أتمنى أن لاننــحرم طلتك الراااائعة
لك أجمل التحايا و أعذب الأمنيات
وعناقيد من الجوري تطوقك فرحاا
دمت بطاعة الله

نهيان
11-25-2021, 12:16 PM
جزاك الله بخير الجزاء والجنه
بارك الله فيك ونفع بك
وجعله في ميزان حسناتك

انثى برائحة الورد
11-25-2021, 12:43 PM
https://lh3.googleusercontent.com/proxy/Qo9oCpIKDnKG6I5mdsuob4B74FF7q4xdshiJNln6RxlAxMWU8B O3LhsZGkQ5CCVhZtRYuylP99ibPgmbVlyRyVXtA0Uw-9iYvxbxAJf74RYeTAUf_rhlgWw0r2NwKUP42YLlGB6Pg_Ji5NE SwY2JTbE

شايان
11-26-2021, 10:12 PM
جزاكم الله كل الخير
وجعلها في ميزان حسناتكم
واثابكم الجنة

روئ
11-28-2021, 06:02 PM
https://lyrics-words.co/wp-content/uploads/2016/08/20160806-21.gif