01-31-2021, 12:55 PM
|
|
تابع – سورة الطلاق
محور مواضيع السورة :
وعقب بيان الحكم تجيء اللمسات والتوجيهات تترى :
«وَأَقِيمُوا الشَّهادَةَ لِلَّهِ» ..
فالقضية قضية اللّه ، والشهادة فيها للّه ، هو يأمر بها ، وهو يراقب استقامتها ، وهو يجزي عليها. والتعامل فيها معه لا مع الزوج ولا الزوجة ولا الناس! «ذلِكُمْ يُوعَظُ بِهِ مَنْ كانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ».
والمخاطبون بهذه الأحكام هم المؤمنون المعتقدون باليوم الآخر. فهو يقول لهم : إنه يعظهم بما هو من شأنهم.
فإذا صدقوا الإيمان به وباليوم الآخر فهم إذن سيتعظون ويعتبرون. وهذا هو محك إيمانهم ، وهذا هو مقياس دعواهم في الإيمان! «وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ» ..
مخرجا من الضيق في الدنيا والآخرة ، ورزقا من حيث لا يقدر ولا ينتظر. وهو تقرير عام ، وحقيقة دائمة.
ولكن إلصاقها هنا بأحكام الطلاق يوحي بدقة انطباقها وتحققها عند ما يتقي المتقون اللّه في هذا الشأن بصفة خاصة. وهو الشأن الذي لا ضابط فيه أحس ولا أدق من ضابط الشعور والضمير ، فالتلاعب فيه مجاله واسع ، لا يقف دونه إلا تقوى اللّه وحساسية الضمير.
«وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ ، إِنَّ اللَّهَ بالِغُ أَمْرِهِ» ..
فمجال الكيد في هذه العلاقة واسع ، ومسالكه كثيرة ، وقد تؤدي محاولة اتقاء الكيد إلى الكيد! فهنا إيحاء بترك هذه المحاولة ، والتوكل على اللّه ، وهو كاف لمن يتوكل عليه. فاللّه بالغ أمره. فما قدر وقع ، وما شاء كان فالتوكل عليه توكل على قدرة القادر ، وقوة القاهر. الفعال لما يريد. البالغ ما يشاء.
والنص عام. والمقصود به هو إنشاء التصور الإيماني الصحيح في القلب ، بالنسبة لإرادة اللّه وقدره .. ولكن وروده هنا بمناسبة أحكام الطلاق له إيحاؤه في هذا المجال وأثره.
«قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً» ..
فكل شيء مقدر بمقداره ، وبزمانه ، وبمكانه ، وبملابساته ، وبنتائجه وأسبابه. وليس شيء مصادفة ، وليس شيء جزافا. في هذا الكون كله ، وفي نفس الإنسان وحياته .. وهي حقيقة ضخمة يقوم عليها جانب كبير من التصور الإيماني. (و قد فصلنا الحديث عنها عند استعراض قوله تعالى : «وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيراً» في سورة الفرقان. وعند قوله تعالى : «إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْناهُ بِقَدَرٍ» .. في سورة القمر). ولكن ذكر هذه الحقيقة الكلية هنا يربط بها ما قدره اللّه عن الطلاق وفترته ، والعدة ووقتها ، والشهادة وإقامتها. ويطبع هذه الأحكام بطابع السنة الإلهية النافذة ، والناموس الكلي العام. ويوقع في الحس أن الأمر جد من جد النظام الكوني المقدر في كل خلق اللّه.
«وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسائِكُمْ - إِنِ ارْتَبْتُمْ - فَعِدَّتُهُنَّ ثَلاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ. وَأُولاتُ الْأَحْمالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ. وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْراً. ذلِكَ أَمْرُ اللَّهِ أَنْزَلَهُ إِلَيْكُمْ ، وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْراً».
وهذا تحديد لمدة العدة لغير ذوات الحيض والحمل. يشمل اللواتي انقطع حيضهن ، واللاتي لم يحضن بعد لصغر أو لعلة. ذلك أن المدة التي بينت من قبل في سورة البقرة كانت تنطبق على ذوات الحيض - وهي ثلاث حيضات أو ثلاثة أطهار من الحيضات. حسب الخلاف الفقهي في المسألة - فأما التي انقطع حيضها والتي لم تحض أصلا فكان حكمها موضع لبس : كيف تحسب عدتها؟ فجاءت هذه الآية تبين وتنفي اللبس والشك ، وتحدد ثلاثة أشهر لهؤلاء وهؤلاء ، لاشتراكهن في عدم الحيض الذي تحسب به عدة أولئك. أما الحوامل فجعل عدتهن هي الوضع. طال الزمن بعد الطلاق أم قصر. ولو كان أربعين ليلة فترة الطهر من النفاس. لأن براءة الرحم بعد الوضع مؤكدة ، فلا حاجة إلى الانتظار. والمطلقة تبين من مطلقها بمجرد الوضع ، فلا حكمة في انتظارها بعد ذلك ، وهي غير قابلة للرجعة إليه إلا بعقد جديد على كل حال. وقد جعل اللّه لكل شيء قدرا. فليس هناك حكم إلا ووراءه حكمة.
هذا هو الحكم ثم تجيء اللمسات والتعقيبات :
«وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْراً» ..
واليسر في الأمر غاية ما يرجوه إنسان. وإنها لنعمة كبرى أن يجعل اللّه الأمور ميسرة لعبد من عباده. فلا عنت ولا مشقة ولا عسر ولا ضيقة. يأخذ الأمور بيسر في شعوره وتقديره. وينالها بيسر في حركته وعمله. ويرضاها بيسر في حصيلتها ونتيجتها. ويعيش من هذا في يسر رخي ندي ، حتى يلقى اللّه .. ألا إنه لإغراء باليسر في قضية الطلاق مقابل اليسر في سائر الحياة! «ذلِكَ أَمْرُ اللَّهِ أَنْزَلَهُ إِلَيْكُمْ» ..
وهذه لمسة أخرى في جانب آخر. لمسة الجد والانتباه إلى مصدر الأمر .. فقد أنزله اللّه. أنزله للمؤمنين به ، فطاعته تحقيق لمعنى الإيمان ، ولحقيقة الصلة بينهم وبين اللّه.
ثم عودة إلى التقوى التي يدق عليها دقا متواصلا في هذا المجال :
«وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْراً» ..
فالأولى تيسير للأمور. والثانية تكفير للسيئات وإعظام للأجر بعد التكفير .. فهو الفيض المغري والعرض المثير. وهو حكم عام ووعد شامل. ولكنه يخلع على موضوع الطلاق ظلاله ، ويغمر القلب بالشعور باللّه وفضله العميم. فما له إذن يعسر ويعقد واللّه يغمره بالتيسير والمغفرة والأجر الكبير؟
«أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ ، وَلا تُضآرُّوهُنَّ لِتُضَيِّقُوا عَلَيْهِنَّ. وَإِنْ كُنَّ أُولاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ. فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ ، وَأْتَمِرُوا بَيْنَكُمْ بِمَعْرُوفٍ ، وَإِنْ تَعاسَرْتُمْ فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرى . لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ ، وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتاهُ اللَّهُ ، لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا ما آتاها ، سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْراً» ..
وهذا هو البيان الأخير لتفصيل مسألة الإقامة في البيوت ، والإنفاق في فترة العدة - على اختلاف مدتها.
فالمأمور به هو أن يسكنوهن مما يجدون هم من سكنى. لا أقل مما هم عليه في سكناهم ، وما يستطيعونه حسب مقدرتهم وغناهم. غير عامدين إلى مضارتهم سواء بالتضييق عليهن في فسحة المسكن أو مستواه أو في المعاملة فيه. وخص ذوات الأحمال بذكر النفقة - مع وجوب النفقة لكل معتدة - لتوهم أن طول مدة الحمل يحدد زمن الإنفاق ببعضه دون بقيته ، أو بزيادة عنه إذا قصرت مدته. فأوجب النفقة حتى الوضع ، وهو موعد انتهاء العدة لزيادة الإيضاح التشريعي.
ثم فصل مسألة الرضاعة فلم يجعلها واجبا على الأم بلا مقابل. فما دامت ترضع الطفل المشترك بينهما ، فمن حقها أن تنال أجرا على رضاعته تستعين به على حياتها وعلى إدرار اللبن للصغير ، وهذا منتهى المراعاة للأم في هذه الشريعة. وفي الوقت ذاته أمر الأب والأم أن يأتمرا بينهما بالمعروف في شأن هذا الوليد ، ويتشاورا في أمره ورائدهما مصلحته ، وهو أمانة بينهما ، فلا يكون فشلهما هما في حياتهما نكبة على الصغير البريء فيهما! وهذه هي المياسرة التي يدعوهما اللّه إليها. فأما إذا تعاسرا ولم يتفقا بشأن الرضاعة وأجرها ، فالطفل مكفول الحقوق : «فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرى » .. دون اعتراض من الأم ودون تعطيل لحق الطفل في الرضاعة ، بسبب تعاسرهما بعد فشلهما! ثم يفصل الأمر في قدر النفقة. فهو اليسر والتعاون والعدل. لا يجور هو ، ولا تتعنت هي. فمن وسع اللّه عليه رزقه فلينفق عن سعة. سواء في السكن أو في نفقة المعيشة أو في أجر الرضاعة. ومن ضيق عليه في الرزق ، فليس عليه من حرج ، فاللّه لا يطالب أحدا أن ينفق إلا في حدود ما آتاه. فهو المعطي ، ولا يملك أحد أن يحصل على غير ما أعطاه اللّه. فليس هناك مصدر آخر للعطاء غير هذا المصدر ، وليست هناك خزانة غير هذه الخزانة : «لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا ما آتاها» ..
ثم لمسة الإرضاء ، وإفساح الرجاء ، للاثنين على السواء :
«سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْراً» ..
فالأمر منوط باللّه في الفرج بعد الضيق ، واليسر بعد العسر. فأولى لهما إذن أن يعقدا به الأمر كله ، وأن يتجها إليه بالأمر كله ، وأن يراقباه ويتقياه والأمر كله إليه. وهو المانح المانع. القابض الباسط. وبيده الضيق والفرج ، والعسر واليسر ، والشدة والرخاء.
وإلى هنا يكون قد تناول سائر أحكام الطلاق ومتخلفاته ، وتتبع كل أثر من آثاره حتى انتهى إلى حل واضح ولم يدع من البيت المتهدم أنقاضا ولا غبارا يملأ النفوس ويغشى القلوب ، ولم يترك بعده عقابيل غير مستريحة بعلاج ، ولا قلاقل تثير الاضطراب.
وكذلك يكون قد عالج جميع الوساوس والهواجس التي تثور في القلوب ، فتمنعها من السماحة والتيسير والتجمل للأمر. فأبعد أشباح الفقر والضيق وضياع الأموال من نفس الزوج إذا هو أسكن وأنفق ووسع على مطلقته أو مرضعة ولده. ومن نفس الزوجة التي تضيق بنفقة الإعسار ، أو تطمع في زيادة ما تصيب من مال زوجها السابق. فأكد اليسر بعد العسر لمن اتقى ، والضيق بعد الفرج ، والرزق من حيث لا يحتسب ، وفوق رزق الدنيا رزق الآخرة والأجر الكبير هناك بعد التكفير.
كما عالج ما تخلفه حالة الخلاف والشقاق التي أدت إلى الطلاق. من غيظ وحنق ومشادة وغبار في الشعور والضمير .. فمسح على هذا كله بيد الرفق والتجمل ، ونسم عليه من رحمة اللّه والرجاء فيه ومن ينابيع المودة والمعروف التي فجرها في القلوب بلمسات التقوى والأمل في اللّه وانتظار رضاه.
وهذا العلاج الشامل الكامل ، وهذه اللمسات المؤثرة العميقة ، وهذا التوكيد الوثيق المتكرر .. هذه كلها هي الضمانات الوحيدة في هذه المسألة لتنفيذ الشريعة المقررة. فليس هناك ضابط إلا حساسية الضمائر وتقوى القلوب. وإن كلا الزوجين ليملك مكايدة صاحبه حتى تنفقئ مرارته إذا كانت الحواجز هي فقط حواجز القانون!! وبعض الأوامر من المرونة بحيث تسع كل هذا. فالأمر بعدم المضارة : «وَلا تُضآرُّوهُنَّ» يشمل النهي عن ألوان من العنت لا يحصرها نص قانوني مهما اتسع. والأمر فيه موكول إلى هذه المؤثرات الوجدانية ، وإلى استجاشة حاسة التقوى وخوف اللّه المطلع على السرائر ، المحيط بكل شيء علما. وإلى التعويض الذي يعده اللّه للمتقين في الدنيا والآخرة. وبخاصة في مسألة الرزق التي تكرر ذكرها في صور شتى ، لأنها عامل مهم في تيسير الموقف ، وتندية الجفاف الذي تنشئه حالة الطلاق ..
وإن الزوجين ليفارقان - في ظل تلك الأحكام والتوجيهات - وفي قلوبهما بذور للود لم تمت ، ونداوة قد تحيي هذه البذور فتنبت .. ذلك إلى الأدب الجميل الرفيع الذي يريد الإسلام أن يصبغ به حياة الجماعة المسلمة ، ويشيع فيها أرجه وشذاه.
فإذا انتهى السياق من هذا كله ساق العبرة الأخيرة في مصير الذين عتوا عن أمر ربهم ورسله ، فلم يسمعوا ولم يستجيبوا. وعلق هذه العبرة على الرؤوس ، تذكرهم بالمصير البائس الذي ينتظر من لا يتقي ولا يطيع.
كما تذكرهم بنعمة اللّه على المؤمنين المخاطبين بالسورة والتشريع :
«وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ عَتَتْ عَنْ أَمْرِ رَبِّها وَرُسُلِهِ ، فَحاسَبْناها حِساباً شَدِيداً وَعَذَّبْناها عَذاباً نُكْراً. فَذاقَتْ وَبالَ أَمْرِها ، وَكانَ عاقِبَةُ أَمْرِها خُسْراً. أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ عَذاباً شَدِيداً. فَاتَّقُوا اللَّهَ يا أُولِي الْأَلْبابِ الَّذِينَ آمَنُوا ، قَدْ أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكُمْ ذِكْراً : رَسُولًا يَتْلُوا عَلَيْكُمْ آياتِ اللَّهِ مُبَيِّناتٍ لِيُخْرِجَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ. وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ وَيَعْمَلْ صالِحاً يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها أَبَداً. قَدْ أَحْسَنَ اللَّهُ لَهُ رِزْقاً» ..
وهو إنذار طويل وتحذير مفصل المشاهد. كما أنه تذكير عميق بنعمة اللّه بالإيمان والنور ، ووعده بالأجر في الآخرة وهو أحسن الرزق وأكرمه.
فأخذ اللّه لمن يعتو عن أمره ولا يسلم لرسله هو سنة متكررة : «وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ عَتَتْ عَنْ أَمْرِ رَبِّها وَرُسُلِهِ فَحاسَبْناها حِساباً شَدِيداً وَعَذَّبْناها عَذاباً نُكْراً». وتفصيل أخذها وذكر الحساب العسير والعذاب النكير ، ثم تصوير العاقبة وسوء المصير : «فَذاقَتْ وَبالَ أَمْرِها وَكانَ عاقِبَةُ أَمْرِها خُسْراً» .. ثم تأخير صورة هذه العاقبة الخاسرة في الآية التالية : «أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ عَذاباً شَدِيداً» .. كل هذا لإطالة المشهد وتفصيل خطواته ومراحله. وهي طريقة من طرق الأسلوب القرآني في تعميق الأثر في الحس وإطالة مكثه في الأعصاب .
ونقف لحظة أمام هذا التحذير فنرى أن اللّه أخذ القرى واحدة بعد واحدة كلما عتت عن أمر ربها ورسله ..
ونجد أن هذا التحذير يساق هنا بمناسبة الطلاق وأحكامه ، فيرتبط الطلاق وحكمه بهذه السنة الكلية. ويوحي هذا الارتباط أن أمر الطلاق ليس أمر أسر أو أزواج. إنما هو أمر الأمة المسلمة كلها. فهي المسئولة عن هذا الأمر. وهي المسئولة فيه عن شريعة اللّه. ومخالفتها عن أمر اللّه فيه - أو مخالفتها عن أمر اللّه في غيره من أحكام هذا النظام ، أو هذا المنهج الإلهي المتكامل للحياة - هي عتو عن أمر اللّه ، لا يؤاخذ به الأفراد الذين يرتكبونه ، إنما تؤاخذ به القرية أو الأمة التي تقع فيها المخالفة ، والتي تنحرف في تنظيم حياتها عن نهج اللّه وأمره فقد جاء هذا الدين ليطاع ، ولينفذ كله ، وليهيمن على الحياة كلها. فمن عتا عن أمر اللّه فيه - ولو كان هذا في أحوال الأفراد الشخصية - فقد تعرض لما تعرضت له القرى من سنة اللّه التي لا تتخلف أبدا.
( يتبع )
|
|
|
|
مديح |
|
|